جوابه عليه السلام في محرم قتل صيدا
لَمَّا عَزَمَ الْمَأْمُونُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ الْفَضْلِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الرِّضَا عليه السلام اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَيْتِهِ الْأَدْنَوْنَ مِنْهُ
فَقَالُوا لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَاشَدْنَاكَ أَنْ تُخْرِجَ عَنَّا أَمْراً قَدْ مَلِكْنَاهُ وَتَنْزِعَ عَنَّا عِزّاً قَدْ لَبِسْنَاهُ وَتَعْلَمُ الْأَمْرَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ آلِ عَلِيٍّ قَدِيماً وَحَدِيثاً
فَقَالَ الْمَأْمُونُ أَمْسِكُوا وَاللَّهِ لَا قَبِلْتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي أَمْرِهِ
فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُزَوِّجُ ابْنَتَكَ وَقُرَّةَ عَيْنِكَ صَبِيّاً لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ وَلَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ وَلَا فَرْضاً مِنْ سُنَّةٍ وَلِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام إِذْ ذَاكَ تِسْعُ سِنِينَ فَلَوْ صَبَرْتَ لَهُ حَتَّى يَتَأَدَّبَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَعْرِفَ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ
فَقَالَ الْمَأْمُونُ إِنَّهُ لَأَفْقَهُ مِنْكُمْ وَأَعْلَمُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَسُنَّتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَقْرَأُ لِكِتَابِ اللَّهِ مِنْكُمْ وَأَعْلَمُ بِمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَتَنْزِيلِهِ وَتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ فَاسْأَلُوهُ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتُمْ قَبِلْتُ مِنْكُمْ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّجُلَ خَلَفٌ مِنْكُمْ
فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَبَعَثُوا إِلَى يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي الْقُضَاةِ فَجَعَلُوا حَاجَتَهُمْ إِلَيْهِ وَأَطْمَعُوهُ فِي هَدَايَا عَلَى أَنْ يَحْتَالَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام بِمَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ لَا يَدْرِي مَا الْجَوَابُ فِيهَا
فَلَمَّا حَضَرُوا وَحَضَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْقَاضِي إِنْ أَذِنْتَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ
فَقَالَ الْمَأْمُونُ يَا يَحْيَى سَلْ أَبَا جَعْفَرٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ لِتَنْظُرَ كَيْفَ فِقْهُهُ
فَقَالَ يَحْيَى يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَصْلَحَكَ اللَّهُ مَا تَقُولُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْداً؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام قَتَلَهُ فِي حِلٍّ أَمْ حَرَمٍ ؟
عَالِماً أَوْ جَاهِلًا؟
عَمْداً أَوْ خَطَأً ؟
عَبْداً أَوْ حُرّاً ؟
صَغِيراً أَوْ كَبِيراً؟
مُبْدِئاً أَوْ مُعِيداً؟
مِنْ ذَوَاتِ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرِهِ ؟
مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ أَوْ كِبَارِهِ؟
مُصِرّاً أَوْ نَادِماً ؟
بِاللَّيْلِ فِي أَوْكَارِهَا أَوْ بِالنَّهَارِ وَعِيَاناً ؟
مُحْرِماً لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ ؟
قَالَ فَانْقَطَعَ يَحْيَى انْقِطَاعاً لَمْ يَخْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَجْلِسِ انْقِطَاعُهُ وَتَحَيَّرَ النَّاسُ عَجَباً مِنْ جَوَابِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام
فَقَالَ الْمَأْمُونُ أَخْطُبُ أَبَا جَعْفَرٍ
فَقَالَ عليه السلام نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِقْرَاراً بِنِعْمَتِهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْلَالًا لِعَظَمَتِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ كَانَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ عَلَى الْأَنَامِ أَنْ أَغْنَاهُمْ بِالْحَلَالِ عَنِ الْحَرَامِ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ خَطَبَ أُمَّ الْفَضْلِ ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ بَذَلَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدْ زَوَّجْتُهُ فَهَلْ قَبِلْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ ؟
فَقَالَ عليه السلام قَدْ قَبِلْتُ هَذَا التَّزْوِيجَ بِهَذَا الصَّدَاقِ
فَأَوْلَمَ الْمَأْمُونُ وَأَجَازَ النَّاسَ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ أَهْلَ الْخَاصَّةِ وَأَهْلَ الْعَامَّةِ وَالْأَشْرَافَ وَالْعُمَّالَ وَأَوْصَلَ إِلَى كُلِّ طَبَقَةٍ بِرّاً عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ فَلَمَّا تَفَرَّقَ أَكْثَرُ النَّاسِ
قَالَ الْمَأْمُونُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعَرِّفَنَا مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ؟
فَقَالَ عليه السلام : إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ صَيْداً فِي الْحِلِّ وَكَانَ الصَّيْدُ مِنْ ذَوَاتِ الطَّيْرِ مِنْ كِبَارِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ
فَإِنْ أَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مُضَاعَفاً
وَإِنْ قَتَلَ فَرْخاً فِي الْحِلِّ فَعَلَيْهِ حَمَلٌ قَدْ فُطِمَ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَرَمِ
وَإِذَا قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَمَلُ وَقِيمَةُ الْفَرْخِ
وَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَحْشِ فَعَلَيْهِ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ
وَإِنْ كَانَ نَعَامَةً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَصُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً
وَإِنْ كَانَ بَقَرَةً فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيُطْعِمْ ثَلَاثِينَ مِسْكِيناً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَصُمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ
وَإِنْ كَانَ ظَبْياً فَعَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيُطْعِمْ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَإِنْ أَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مُضَاعَفاً( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) حَقّاً وَاجِباً أَنْ يَنْحَرَهُ إِنْ كَانَ فِي حَجٍّ بِمِنًى حَيْثُ يَنْحَرُ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ يَنْحَرُهُ بِمَكَّةَ فِي فِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ حَتَّى يَكُونَ مُضَاعَفاً
وَكَذَلِكَ إِذَا أَصَابَ أَرْنَباً أَوْ ثَعْلَباً فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ثَمَنِ شَاةٍ
وَإِنْ قَتَلَ حَمَاماً مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَدِرْهَمٌ يَشْتَرِي بِهِ عَلَفاً لِحَمَامِ الْحَرَمِ وَفِي الْفَرْخِ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَيْضَةِ رُبُعُ دِرْهَمٍ
وَكُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْمُحْرِمُ بِجَهَالَةٍ أَوْ خَطَإٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا الصَّيْدَ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الْفِدَاءَ بِجَهَالَةٍ كَانَ أَمْ بِعِلْمٍ بِخَطَإٍ كَانَ أَمْ بِعَمْدٍ
وَكُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْعَبْدُ فَكَفَّارَتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ
وَكُلُّ مَا أَتَى بِهِ الصَّغِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِبَالِغٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ فَهُوَ مِمَّنْ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ
وَإِنْ دَلَّ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقُتِلَ الصَّيْدُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْفِدَاءُ
وَالْمُصِرُّ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ الْعُقُوبَةُ فِي الْآخِرَةِ وَالنَّادِمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفِدَاءِ فِي الْآخِرَةِ
وَإِنْ أَصَابَهُ لَيْلًا أَوْكَارَهَا خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَصَيَّدَ فَإِنْ تَصَيَّدَ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْفِدَاءُ
وَالْمُحْرِمُ لِلْحَجِّ يَنْحَرُ الْفِدَاءَ بِمَكَّةَ
قَالَ فَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا تَزْوِيجَهُ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مَنْ يُجِيبُ بِهَذَا الْجَوَابِ ؟
قَالُوا لَا وَاللَّهِ وَلَا الْقَاضِي فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتَ أَعْلَمَ بِهِ مِنَّا
فَقَالَ وَيْحَكُمْ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ لَيْسُوا خَلْقاً مِنْ هَذَا الْخَلْقِ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله بَايَعَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهما السلام وَهُمَا صَبِيَّانِ وَلَمْ يُبَايِعْ غَيْرَهُمَا طِفْلَيْنِ أَ وَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاهُمْ عَلِيّاً عليه السلام آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ فَقَبِلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِيمَانَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ طِفْلٍ غَيْرِهِ وَلَا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله طِفْلًا غَيْرَهُ أَ وَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهَا ذُرِّيَّةٌ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ يَجْرِي لآِخِرِهِمْ مَا يَجْرِي لِأَوَّلِهِمْ