العتبة العلوية المقدسة - نـهـضـة الحـسين -
» سيرة الإمام » » اولاد الامام علي عليه السلام » سيرة الامام الحسين عليه السلام » الامام الحسين باقلام اعلام الامة » نـهـضـة الحـسين

 

 

نـهـضـة  الحـسين

 

 

 

بقلم: الشيخ محمد أمين زين الدين

 

نبع من العبرة لا يغيض، ومدد من التوجيه لا ينقطع، وحركة من التحرير لا تنتهي. هذا هو الطابع الذي يختص به حادث الحسين من حوادث الدهر، وهذا هو سر العظمة في الموقف، وسر العظمة في المنهاج الذي تم به الموقف، وعلى هذا الضوء يجب أن يسير الباحث إذا أراد البحث المجدي.

 

انا لا استحب أن أتخذ من الحسين مكان الراثي، أو أستقبل مصابه الأليم بمدمع الباكي، فإن الطرف الباكي لا يملك أن يبصر، وإن القلم الراثي لا يستطيع أن يفتكر.

 

ماذا يأمل الكتاب الراثون من الحسين إلاّ أن يكون عظيماً في جهاده، عظيماً في بلائه، عظيماً في مصابه، وماذا يأملون من عدو الحسين إلاّ أن يكون على النقيض من هذه الصفات في القمة من حدود العظمة لابد أن يكون موضع الحسين في سلمه حين يسالم، وفي حربه حين يحارب، وفي حياته يحيى، وفي مصرعه يستشهد. وفي الحضيض الأسفل من الرذيلة لابد أن يكون عدوه الأول في كل خلق يتسم به، وفي كل سمة تظهر عليه وكل هذه الأمور منتظرة وليست معرضاً لتشكيك.

 

أنا لا أجحـد مـا للرائين والباكـين من الزلفى والمثوبة عند الله ولكني أُومن أشد الإيمان، هذه ليست حدود الغاية التي من أجلها نهض سبط محمد وفي سبيلها إستشهد.

 

أيها السادة:

 

ويقول فريق من الذين يعللون التاريخ بالتاريخ: العداء بين يزيد والحسين يرتفع الى أسباب متأصلة منذ زمان الجاهلية فقد تكونت بذرة هذا العداء بين هاشم وعبد شمس ونمت بين عبد المطلب وأمية وأكتمل نموها وظهر نتاجها على عهد الإسلام حين أضاف الى مآثر الهاشميين مآثر جديدة يصعب على الأمويين أن يتعرفوا بها، فأنكروا المآثر وتنكروا للدين.

 

وهذا تصوير جانبي للعداء المكين.

 

بلى – أيها السادة- هو تصوير جانبي لهذا العداء ثم هو لا يمثل منه إلاّ الجانب الأدنى فإن حسيناً أبر نفساً وأسمى غريزة من أن يكترث لأحاديث الجاهلية وأضغان القبائل إذا هي لم تلمس جانب الحق ولم تمس جوهر الدين أما يزيد فقد أثبتت الحوادث أنه رجل غايات لا رجل مبدأ فهو لم يعتنق الضلال لأنه  مبدأ بل لأنه يوصله الى غاياته ولو كان الحق هو الذي يضمن له ذلك لم يتريث عن اتباعه لا لأنه حق بل لأنه السبيل المؤدية الى ما يؤثر.

 

يزيد رجل غايات لا رجل مبدأ إلاّ أن يكون الإستشهاد مبدأ من المبادئ وتاريخ يزيد كله شاهد على هذه الدعوى ولو كان من رجال المبادئ لم يدون له التاريخ قوله وقد وجهه معاوية قائداً لفتح القسطنطينية.

 

ما إن أبالي بما لاقت جموعهـم      بالقرقدونة من حمى ومن حوم

 

 إذا أتكأت على الأنماط مرتفعاً       بدير حـران عندي أم كلثوم

 

أيها السادة:

 

من الناس من يعدنا مسرفين حين نقول: نهضة حسين هي الفصل المتمم لجهاد جده ، نحن مسرفون في هذا القول. نعم ومتحدون لمقام النبوة، فهل تسمحون لي أن أعرف هؤلاء معنى الدين..؟ الدين الذي جاهد محمد (صلى الله عليه واله) لتأسيسه، ثم كافح حسين لتثبيته.

 

ليس الدين أقوالاً خاوية تلوكها الألسنة، ولا طقوسها مجرة تعتادها الإرادة، ولكنه حكومة تحكم الضمير في باطن المرء، وسلطان نافذ المشيئة على ظاهره، ونظام يقود المجتمع البشري في مجال الحياة وقوة تخضع المجتمع لذلك النظام فهل تحققت للرسول كل هذه الأماني في دينه الذي قام على تبليغه..؟

 

هل تحققت لمحمد هذه الأماني، وأصحاب محمد تقول عند مرض موته :إن الرجل ليهجر..؟؟ يقول هذا بعض أصحابه ثم لا يلجمه الآخرون..!!

 

أي مبلغ للدين في هذه النفوس أكثر من كونه أقوالاً ترددها الألسنة، وطقوساً تكررها العادة..؟؟

 

أما الأتباع الذين جاؤا بعد ذلك التاريخ فقد قال في وصفهم الإمام الحسين (عليه السلام) (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).

 

إذن فلابد للدين من نهضة توصله الى قرارة الروح، وتصله بمنابع الإرادة. ومصادرة الخلق. لابد للدين من نهضة تصهر العقيدة حتى تحيلها عاطفة تمتزج باللحم والدم، وتتأثر بها العقول والنفوس.

 

لابد للدين من هذه النهضة، ولابد أن يكون الناهض أقرب الناس الى نفس محمد مؤسس الإسلام وباني هيكله.

 

غرس النبي من حقوق نجله       وهل ينوب الليث غير شبله

 

أيها السادة:

 

تستوقفني من ذكرى الحسين هذه الفرصة القلبية الكامنة في حزنها العميق.

 

تستوقفني في حادثة الحسين هذه العزة الكبرى الحادثة من ذلك الذل المهين المهين.

 

وتستوقفني من نهضة الحسين هذا النصر الأكبر الناجم عن ذلك المصرع المبيد المبيد.

أمور تحدث من نقائضها، وإرادة الله لا تناط بحد، ولا تخضع للقياس