خطبة له عليه السلام في تمجيد الله
فمن خطبة له عليه السّلام فى تمجيد اللّه تبارك و تعالى و عظمته ثمّ يذكر فيها النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْواحِدِ ، الْمُتَفَرِّدِ الصَّمَدِ ، الَّذى لا مِنْ شَىْءٍ كانَ وَ لا مِنْ شَىْءٍ خَلَقَ اِلاَّ وَ هُوَ خاضِعٌ لَهُ ، قُدْرَةٌ بانَ بِها مِنَ الاَشْيآءِ ، وَ بانَتِ الْاَشْيآءُ بِها مِنْهُ ، فَلَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنالُ ، وَ لا حَدٌّ تُضْرَبُ فيهِ الْاَمْثالُ ،
حارَتْ دُونَ مَلَكُوتِهِ مَذاهِبُ التَّفْكيرِ ، وَ انْقَطَعَتْ دُونَ عِلْمِهِ جَوامِعُ التَّفْسِيرِ ، وَ حالَتْ دُونَ غَيْبِهِ الْمَكْنونِ حُجُبٌ مِنَ الْغُيُوبِ ، تاهَتْ فى اَدانيها طامِحاتُ الْعُقُولِ ، فَتَبارَكَ اللَّهُ الَّذى لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَ لا يَنالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَ تَعالَى الَّذى لَيْسَ لَهُ نَعْتٌ مَحْدُودٌ ، وَ لا وَقْتٌ مَمْدُودٌ وَ لا اَجَلٌ مَعْدُودٌ ، وَ سُبْحانَ الَّذى لَيْسَ لَهُ اَوَّلٌ يُبْتَدَى ، وَ لا غايَةٌ اِلَيْها يُنْتَهى ، هُوَ كَما وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَ لا يَبْلُغُ الْواصِفُونَ نَعْتَهُ ، حَدَّ الْأَشْيآءَ كُلَّها بِعِلْمِهِ ، وَ لَمْ يَحْلُلْ فيها فَيُقالَ هُوَ فيها كآئِنٌ ، وَ لَمْ يَنْأَ عَنْها فَيُقالَ هُوَ مِنْها بائِنٌ ، اَحاطَ بِها عِلْمُهُ ، وَ اَتْقَنَها صُنْعُهُ ، وَ ذَلَّلَها اَمْرُهُ ، وَ اَحْصاها حِفْظُهُ لَمْ تَعْزُبْ عَنْهُ غُيُوبُ الْهَوآءِ ، وَ لا مَكْنُونُ ظُلَمِ الدُّجى ، فَهُوَ بكُلِّ شَىْءٍ مُحيطٌ ،
وَ لِكُلِّ شَىْءٍ مِنْها حافِظٌ وَ رَقيبٌ ، هُوَ الَّذى لَمْ تُغَيِّرْهُ صُرُوفُ الزَّمانِ ، وَ لا يَتَكَأَّدُهُ صُنْعُ شَىْءٍ كانَ ، اِبْتَدَعَ ما خَلَقَ ، بِلا مِثالٍ سَبَقَ ، وَ لا تَعَبٍ وَ لا نَصَبٍ ، وَ لا عِنآءٍ وَ لا لَغَبٍ ، اَحاطَ بِالْأَشْياءِ قَبْلَ كَوْنِها عِلْماً ، وَ لَمْ يَزْدُدْ بِتَجْرِبَتِها خُبْرًا ،
لَمْ يُكَوِّنْها لِشِدَّةِ سُلْطانٍ ، وَ لا خَوْفٍ مِنْ زَوالٍ وَ لا نُقْصانٍ ، وَ لاَ اسْتِعانَةٍ عَلى ضِدٍّ مُناوٍ ، وَ لا نِدٍّ مُكاثِرٍ ، لكِنْ خَلائِقُ مَرْبُوبُونَ ، وَ عِبادٌ داخِرُونَ فَسُبْحانَ الَّذى لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ ، وَ لا تَدْبيرُ ما بَرَأَ ، وَ لا مِنْ عَجْزٍ بِما خَلَقَ اكْتَفى ، عَلِمَ ما خَلَقَ ، وَ خَلَقَ ما اَرادَ ، لا بِالتَّفْكيرِ فى حادِثٍ اَصابَ ما خَلَقَ وَ لا دَخَلَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فيما اَرادَ ، لكِنْ عِلْمٌ مُحْكَمٌ ، وَ اَمْرٌ مُبْرَمٌ ، تَوَحَّدَ فيهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْوَحْدانِيَّةِ ، فَلَبِسَ الْعِزَّ وَ الْكِبْرِيآءَ ، وَ اسْتَخْلَصَ الْمَجْدَ وَ الثَّنآءَ ، وَ تَعالى عَنِ اتِّخاذِ الْأَبْنآءِ ، وَ تَقَدَّسَ عَنْ مُلامَسَةِ النِّسآءِ ،
وَ عَزَّ عَنْ مُحاوَرَةِ الشُّرَكآءِ ، لَيْسَ لَهُ فيما خَلَقَ نِدٌّ ، وَ لا لَهُ فيما مَلَكَ ضِدٌّ ، لَمْ يَزَلْ وَ لا يَزالُ ، قَبْلَ بُدْءِ الدُّهُورِ ، وَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْأُمُورِ .
و منها على رواية اخرى :
ثُمَّ اِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى خَلَقَ الْخَلْقَ بِعِلْمِهِ ، وَ اخْتارَ مِنْ خِيارِ صَفْوَتِهِ اُمَنآءَ وَحْيِهِ ، وَ خَزَنَةً عَلى اَمْرِهِ ، اِلَيْهِمْ تَنْتَهى رُسُلُهُ ، وَ عَلَيْهِمْ يَتَنَزَّلُ وَحْيُهُ ، اِسْتَوْدَعَهُمْ فى خَيْرِ مُسْتَوْدَعٍ ، وَ اَقَرَّهُمْ فى خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ ، تَناسَخُهُمْ اَكارِمُ الْاَصْلابِ اِلى مُطَهَّراتِ الْأَرْحامِ ، كُلَّما مَضى مِنْهُمْ سَلَفٌ اِنْبَعَثَ مِنْهُمْ لِاَمْرِهِ خَلَفٌ ، حَتّىَ انْتَهَتْ نُبُوَّةُ اللَّهِ وَ اَفْضَتْ كَرامَتُهُ اِلى مُحمَّدٍ ص فَاَخْرَجَهُ مِنْ اَفْضَلِ الْمَعادِنِ مَحْتَداً ، وَ اَكْرَمِ الْمَغارِسِ مَنْبَتاً ، وَ اَمْنَعِها ذِرْوَةً وَ اَعَزِّها اُرُوقَةً ، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتى مِنْها خَلَقَ اَنْبِيآءَهُ ، وَ انْتَخَبَ اُمَنآءَهُ ، الطَّيِّبَةِ الْعُودُ ، الْباسِقَةِ الْفُرُوعُ ، النَّاضِرةِ الْغُصُونُ ، الْيانِعَةِ الثِّمارُ ، الْكَريمَةِ الْمُجْتَنى ، فى كَرْمٍ غُرِسَتْ ، وَ فى حَرَمٍ اُنْبِتَتْ ، وَ فيهِ بَسَقَتْ وَ اَثْمَرَتْ ، وَ عَزَّتْ بِهِ وَ امْتَنَعَتْ ، اَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالرُّوحِ الْاَمينِ ، وَ النُّورِ الْمُبينِ ، وَ سَخَّرَ لَهُ الْبُراقَ ، وَ صافَحَتْهُ الْمَلائِكَةُ ، وَ اَرْعَبَ بِهِ الْاَبالِسَةَ ، وَ هَدَمَ بِهِ الْأَصْنامَ وَ الْألِهَةَ ، شَهابٌ صَدَعَ نُورُهُ فَاسْتَضآئَتْ بِهِ الْعِبادُ ، وَ اسْتَنارَتْ بِهِ الْبِلادُ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ ، وَ سيرَتُهُ الْعَدْلُ ، وَ حُكْمُهُ الْحَقُّ ، صَدَّعَ بِما اُمِرَ ، وَ بَلَّغَ ما حُمِّلَ ، حَتّى اَفْصَحَ بِالتَّوْحيدِ دَعْوَتَهُ ، وَ اَظْهَرَ فىِ الْخَلْقِ كَلِمَتَهُ ، وَ خَلَصَتْ لَهُ الْوَحْدانِيَّةُ ، وَ صَفَّتْ لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ . اَللَّهُمَّ فَخُصَّهُ بِالذِّكْرِ الْمَحْمُودِ ، وَ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ ، وَ اتِهِ الْوَسيلَةَ وَ الْفَضيلَةَ ، وَ احْشُرْنا فى زُمْرَتِهِ ، غَيْرَ خَزايا وَ لا ناكِثينَ ، وَ اجْمَعْ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُ فى ظِلِّ الْعَيْشِ ، وَ بَرْدِ الرَّوْحِ ، وَ قُرَّةِ الْاَعْيُنِ ، وَ نَضْرَةِ السُّرُورِ ، وَ بَهْجَةِ النَّعيمِ ، فَاِنَّا نَشْهَدُ اَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسالَةَ ، وَ اَدّىَ الْأَمانَةَ ، وَ اجْتَهَدَ لِلْاُمَّةِ ، وَ جاهَدَ فى سَبيلِكَ ، وَ لَمْ يَخَفْ لَوْمَةَ لائِمٍ فى دينِكَ ، وَ عَبَدَكَ حَتّى اَتاهُ الْيَقينُ .