العتبة العلوية المقدسة - خطبة له عليه السلام في تمجيد الله -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » خطبة له عليه السلام في تمجيد الله

 خطبة له عليه السلام في تمجيد الله

 

فمن خطبة له عليه السّلام فى تمجيد اللّه تبارك و تعالى و عظمته ثمّ يذكر فيها النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الْواحِدِ ، الْمُتَفَرِّدِ الصَّمَدِ ، الَّذى‏ لا مِنْ شَىْ‏ءٍ كانَ وَ لا مِنْ شَىْ‏ءٍ خَلَقَ اِلاَّ وَ هُوَ خاضِعٌ لَهُ ، قُدْرَةٌ بانَ بِها مِنَ الاَشْيآءِ ، وَ بانَتِ الْاَشْيآءُ بِها مِنْهُ ، فَلَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنالُ ، وَ لا حَدٌّ تُضْرَبُ فيهِ الْاَمْثالُ ،

حارَتْ دُونَ مَلَكُوتِهِ مَذاهِبُ التَّفْكيرِ ، وَ انْقَطَعَتْ دُونَ عِلْمِهِ جَوامِعُ التَّفْسِيرِ ، وَ حالَتْ دُونَ غَيْبِهِ الْمَكْنونِ حُجُبٌ مِنَ الْغُيُوبِ ، تاهَتْ فى‏ اَدانيها طامِحاتُ الْعُقُولِ ، فَتَبارَكَ اللَّهُ الَّذى لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَ لا يَنالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَ تَعالَى الَّذى‏ لَيْسَ لَهُ نَعْتٌ مَحْدُودٌ ، وَ لا وَقْتٌ مَمْدُودٌ وَ لا اَجَلٌ مَعْدُودٌ ، وَ سُبْحانَ الَّذى‏ لَيْسَ لَهُ اَوَّلٌ يُبْتَدَى‏ ، وَ لا غايَةٌ اِلَيْها يُنْتَهى‏ ، هُوَ كَما وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَ لا يَبْلُغُ الْواصِفُونَ نَعْتَهُ ، حَدَّ الْأَشْيآءَ كُلَّها بِعِلْمِهِ ، وَ لَمْ يَحْلُلْ فيها فَيُقالَ هُوَ فيها كآئِنٌ ، وَ لَمْ يَنْأَ عَنْها فَيُقالَ هُوَ مِنْها بائِنٌ ، اَحاطَ بِها عِلْمُهُ ، وَ اَتْقَنَها صُنْعُهُ ، وَ ذَلَّلَها اَمْرُهُ ، وَ اَحْصاها حِفْظُهُ لَمْ تَعْزُبْ عَنْهُ غُيُوبُ الْهَوآءِ ، وَ لا مَكْنُونُ ظُلَمِ الدُّجى‏ ، فَهُوَ بكُلِّ شَىْ‏ءٍ مُحيطٌ ،

وَ لِكُلِّ شَىْ‏ءٍ مِنْها حافِظٌ وَ رَقيبٌ ، هُوَ الَّذى‏ لَمْ تُغَيِّرْهُ صُرُوفُ الزَّمانِ ، وَ لا يَتَكَأَّدُهُ صُنْعُ شَىْ‏ءٍ كانَ ، اِبْتَدَعَ ما خَلَقَ ، بِلا مِثالٍ سَبَقَ ، وَ لا تَعَبٍ وَ لا نَصَبٍ ، وَ لا عِنآءٍ وَ لا لَغَبٍ ، اَحاطَ بِالْأَشْياءِ قَبْلَ كَوْنِها عِلْماً ، وَ لَمْ يَزْدُدْ بِتَجْرِبَتِها خُبْرًا ،

لَمْ يُكَوِّنْها لِشِدَّةِ سُلْطانٍ ، وَ لا خَوْفٍ مِنْ زَوالٍ وَ لا نُقْصانٍ ، وَ لاَ اسْتِعانَةٍ عَلى‏ ضِدٍّ مُناوٍ ، وَ لا نِدٍّ مُكاثِرٍ ، لكِنْ خَلائِقُ مَرْبُوبُونَ ، وَ عِبادٌ داخِرُونَ فَسُبْحانَ الَّذى‏ لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ ، وَ لا تَدْبيرُ ما بَرَأَ ، وَ لا مِنْ عَجْزٍ بِما خَلَقَ اكْتَفى‏ ، عَلِمَ ما خَلَقَ ، وَ خَلَقَ ما اَرادَ ، لا بِالتَّفْكيرِ فى‏ حادِثٍ اَصابَ ما خَلَقَ وَ لا دَخَلَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فيما اَرادَ ، لكِنْ عِلْمٌ مُحْكَمٌ ، وَ اَمْرٌ مُبْرَمٌ ، تَوَحَّدَ فيهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْوَحْدانِيَّةِ ، فَلَبِسَ الْعِزَّ وَ الْكِبْرِيآءَ ، وَ اسْتَخْلَصَ الْمَجْدَ وَ الثَّنآءَ ، وَ تَعالى‏ عَنِ اتِّخاذِ الْأَبْنآءِ ، وَ تَقَدَّسَ عَنْ مُلامَسَةِ النِّسآءِ ،

وَ عَزَّ عَنْ مُحاوَرَةِ الشُّرَكآءِ ، لَيْسَ لَهُ فيما خَلَقَ نِدٌّ ، وَ لا لَهُ فيما مَلَكَ ضِدٌّ ، لَمْ يَزَلْ وَ لا يَزالُ ، قَبْلَ بُدْءِ الدُّهُورِ ، وَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْأُمُورِ .

و منها على‏ رواية اخرى‏ :

ثُمَّ اِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى‏ خَلَقَ الْخَلْقَ بِعِلْمِهِ ، وَ اخْتارَ مِنْ خِيارِ صَفْوَتِهِ اُمَنآءَ وَحْيِهِ ، وَ خَزَنَةً عَلى‏ اَمْرِهِ ، اِلَيْهِمْ تَنْتَهى‏ رُسُلُهُ ، وَ عَلَيْهِمْ يَتَنَزَّلُ وَحْيُهُ ، اِسْتَوْدَعَهُمْ فى‏ خَيْرِ مُسْتَوْدَعٍ ، وَ اَقَرَّهُمْ فى‏ خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ ، تَناسَخُهُمْ اَكارِمُ الْاَصْلابِ اِلى‏ مُطَهَّراتِ الْأَرْحامِ ، كُلَّما مَضى‏ مِنْهُمْ سَلَفٌ اِنْبَعَثَ مِنْهُمْ لِاَمْرِهِ خَلَفٌ ، حَتّىَ انْتَهَتْ نُبُوَّةُ اللَّهِ وَ اَفْضَتْ كَرامَتُهُ اِلى‏ مُحمَّدٍ ص فَاَخْرَجَهُ مِنْ اَفْضَلِ الْمَعادِنِ مَحْتَداً ، وَ اَكْرَمِ الْمَغارِسِ مَنْبَتاً ، وَ اَمْنَعِها ذِرْوَةً وَ اَعَزِّها اُرُوقَةً ، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتى‏ مِنْها خَلَقَ اَنْبِيآءَهُ ، وَ انْتَخَبَ اُمَنآءَهُ ، الطَّيِّبَةِ الْعُودُ ، الْباسِقَةِ الْفُرُوعُ ، النَّاضِرةِ الْغُصُونُ ، الْيانِعَةِ الثِّمارُ ، الْكَريمَةِ الْمُجْتَنى‏ ، فى‏ كَرْمٍ غُرِسَتْ ، وَ فى‏ حَرَمٍ اُنْبِتَتْ ، وَ فيهِ بَسَقَتْ وَ اَثْمَرَتْ ، وَ عَزَّتْ بِهِ وَ امْتَنَعَتْ ، اَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالرُّوحِ الْاَمينِ ، وَ النُّورِ الْمُبينِ ، وَ سَخَّرَ لَهُ الْبُراقَ ، وَ صافَحَتْهُ الْمَلائِكَةُ ، وَ اَرْعَبَ بِهِ الْاَبالِسَةَ ، وَ هَدَمَ بِهِ الْأَصْنامَ وَ الْألِهَةَ ، شَهابٌ صَدَعَ نُورُهُ فَاسْتَضآئَتْ بِهِ الْعِبادُ ، وَ اسْتَنارَتْ بِهِ الْبِلادُ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ ، وَ سيرَتُهُ الْعَدْلُ ، وَ حُكْمُهُ الْحَقُّ ، صَدَّعَ بِما اُمِرَ ، وَ بَلَّغَ ما حُمِّلَ ، حَتّى‏ اَفْصَحَ بِالتَّوْحيدِ دَعْوَتَهُ ، وَ اَظْهَرَ فىِ الْخَلْقِ كَلِمَتَهُ ، وَ خَلَصَتْ لَهُ الْوَحْدانِيَّةُ ، وَ صَفَّتْ لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ . اَللَّهُمَّ فَخُصَّهُ بِالذِّكْرِ الْمَحْمُودِ ، وَ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ ، وَ اتِهِ الْوَسيلَةَ وَ الْفَضيلَةَ ، وَ احْشُرْنا فى‏ زُمْرَتِهِ ، غَيْرَ خَزايا وَ لا ناكِثينَ ، وَ اجْمَعْ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُ فى‏ ظِلِّ الْعَيْشِ ، وَ بَرْدِ الرَّوْحِ ، وَ قُرَّةِ الْاَعْيُنِ ، وَ نَضْرَةِ السُّرُورِ ، وَ بَهْجَةِ النَّعيمِ ، فَاِنَّا نَشْهَدُ اَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسالَةَ ، وَ اَدّىَ الْأَمانَةَ ، وَ اجْتَهَدَ لِلْاُمَّةِ ، وَ جاهَدَ فى‏ سَبيلِكَ ، وَ لَمْ يَخَفْ لَوْمَةَ لائِمٍ فى‏ دينِكَ ، وَ عَبَدَكَ حَتّى‏ اَتاهُ الْيَقينُ .