next page

fehrest page

back page

و أما مروره (عليه السلام) بوادي النمل

فقال الله سبحانه : وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ .

وادي النمل هو واد بالطائف و قيل بالشام و تلك النملة كانت رئيسة النمل .

[368]

و قولها لا يَحْطِمَنَّكُمْ يدل على أن سليمان و جنوده كانا ركبانا و مشاة على الأرض و لم تحملهم الريح لأن الريح لو حملتهم بين السماء و الأرض لما خافت النملة أن يطأها و جنوده بأرجلهم و لعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان .

عيون الأخبار و علل الشرائع بإسناده إلى داود بن سليمان الغازي قال : سمعت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد (عليه السلام) في قوله تعالى فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها لما قالت النملة يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ ... الآية حملت الريح صوت النملة إلى سليمان و هو مار في الهواء و الريح قد حملته فوقف و قال علي بالنملة فلما أتي بها قال سليمان يا أيتها النملة أ ما علمت أني نبي و أني لا أظلم أحدا قالت النملة بلى قال سليمان (عليه السلام) فلم حذرتهم ظلمي قالت خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن ذكر الله تعالى ذكره ثم قالت النملة أنت أكبر أم أبوك داود قال سليمان بل أبي داود قالت النملة فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود قال ما لي بهذا علم قالت النملة لأن أباك داود داوى جرحه بود فسمي داود و أنت يا ابن داود أرجو أن تلحق بأبيك ثم قالت النملة هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة قال سليمان ما لي بهذا علم قالت النملة يعني (عليه السلام) بذلك لو سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح فحينئذ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها .

و في تفسير الثعلبي قالت النملة هل علمت لم سمي أبوك داود فقال لا فقالت لأنه داوى جرحه بود هل تدري لم سميت سليمان قال لا قالت لأنك سليم و كنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك و إن لك أن تلحق بأبيك .

أقول هذا الحديث عدوه من مشكلات الأخبار و أطالوا الكلام في تأويله على وجوه كثيرة منها أن معناه أن أباك لما ارتكب ترك الأولى و صار قلبه مجروحا فداواه بود الله تعالى و محبته فلذا سمي داود إشفاقا من الدواء بالود و أنت لم تركب بعد و أنت سليم منه سميت سليمان .

فخصوص العلتين للتسميتين صارتا علة لزيادة اسمك على اسم أبيك .

ثم لما كان كلاهما موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه استدركت ذلك

[369]

بأن ما صدر عنه لم يصر سببا لنقصه بل صار سببا لكمال محبته و تمام مودته و أرجو أن تلحق أيضا بأبيك في ذلك لتكمل محبتك .

الثاني أن المعنى هو أن أصل الاسم داوى جرحه بود و هو أكثر من اسمك و إنما صدر بكثرة الاستعمال داود ثم دعا له درجات بقوله أرجو أن تلحق بأبيك يعني في الكمال و الفضل .

الثالث المراد أن هذا الاسم مشتمل على سليم أو مأخوذ منه و السليم قد يستعمل في الجريح كاللذيع تفاؤلا بصحته و سلامته أو أنت سليم من المداواة التي حصلت لأبيك فلهذا سميت سليمان .

فالحرف الزائد للدلالة على وجود الجرح فكما أن الجرح زائد في البدن أو النفس عن أصل الخلقة كان في الاسم حرف زائد للدلالة على ذلك .

و فيه معنى لطيف و هو أن هذه الزيادة في الاسم الدالة على الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم و المسمى كمالا بل قد تكون الزيادة لغير ذلك الرابع و هو المفهوم مما عنون الصدوق رحمه الله الباب الذي أورد الخبر فيه حيث قال باب العلة التي من أجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داود (عليه السلام) فلعله رحمه الله كما قيل حمل الخبر على أن المعنى أنك لما كنت سليما أريد أن يشتق لك اسم يشتمل على السلامة و لما كان أبوك داود داوى جرحه بالود و صار كاملا بذلك أراد الله تعالى أن يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال فزيد فيه الألف و ما يلزمه لتمام التركيب و صحته من النون فصار سليمان و إلا لكان السليم كافيا للدلالة على السلامة .

فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم أبيك و لو كان في الخبر من حروف اسم أبيك كما هو الموجود في بعض النسخ كان ألصق بهذا المعنى و قوله أرجو أن تلحق بأبيك أي لتلك الزيادة فيدل ضمنا و كتابة على أنه إنما زيد لذلك أقول و يحتمل فيه وجوه أخر لا نطول المقام بها .

و روى الطبرسي في مشارق الأنوار أن سليمان (عليه السلام) كان سماطه كل يوم سبعة أكرار فخرجت دابة من دواب البحر يوما و قالت يا سليمان أضفني اليوم فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا فاجتمع على ساحل البحر كالجبل العظيم أخرجت الحوت رأسها و ابتلعته و قالت يا سليمان أين تمام قوتي اليوم هذا بعض قوتي .

[370]

فتعجب سليمان و قال لها هل في البحر دابة مثلك فقالت ألف أمة فقال سليمان سبحان الله الملك العظيم .

و روي غيره أن سليمان (عليه السلام) رأى عصفورا يقول لعصفورته لم تمنعين نفسك مني و لو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيها في البحر فتبسم سليمان (عليه السلام) من كلامه ثم دعاهما و قال للعصفور أ تطيق أن تفعل ذلك فقال لا يا رسول الله و لكن المرء قد يزين نفسه و يعظمها عند زوجته و المحب لا يلام على ما يقول فقال للعصفورة لم تمنعيه من نفسك و هو يحبك فقالت يا نبي الله إنه ليس محبا و لكنه مدع لأنه يحب معي غيري .

فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان و بكى بكاء شديدا و احتجب عن الناس أربعين يوما يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبة الله و أن لا يخالطها بمحبة غيره .

و روي أنه (عليه السلام) سمع يوما عصفورا يقول لزوجته ادني مني أجامعك لعل الله يرزقنا ولدا ذكرا يذكر الله تعالى فإنا كبرنا فتعجب سليمان من كلامه و قال هذه النية خير من ملكي و مرسليمان (عليه السلام) على بلبل يتصوت و يترقص فقال يقول إذا أكلت نصف الثمرة فعلى الدنيا العفاء .

و صاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا .

و روى الزمخشري أن قتادة دخل الكوفة و التف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا و هو غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان أ كانت ذكرا أم أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة كانت أنثى بدليل قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ و ذلك أن النملة مثل الحمامة و الشاة في وقوعه على الذكر و الأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر و حمامة أنثى انتهى .

و قال الفاضل ابن الحاجب في بعض مصنفاته .

و الظاهر أن تأنيث مثل الشاة و النملة و الحمامة من الحيوانات تأنيث لفظي .

و لذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ أنثى لورود تاء التأنيث في قالت وهما لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة و ورود تاء التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي و لذا قيل إفحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة .

أقول و هذا هو الصواب كما حققه نجم الأئمة الشيخ الرضي نور الله ضريحه و قد

[371]

فضح الله الرجلين قتادة حيث ادعى شيئا لم يدعه غير أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا كان كاذبا و هو قوله (عليه السلام) : سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عما شئتم .

نص عليه الفريقان و أما أبو حنيفة فقد أجاب و هو حدث و افتخر أصحابه بجوابه فظهر جوابه غلطا كما قال أهل مذهبه و غيرهم .

و قال الثعلبي في تفسيره قال مقاتل كانسليمان (عليه السلام) جالسا إذ مر به طائر يطوف فقال هذا الطائر يقول السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل أعطاك الله سبحانه و تعالى الكرامة و أظهرك على عدوك إني منطلق إلى فروخي ثم أمر بك ثانية و إنه سيرجع إلينا .

فنظر القوم طويلا فمر بهم فقال السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت فأذن له .

و قال صاح ورشان عند سليمان (عليه السلام) فقال أ تدرون ما يقول قالوا لا قال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا .

و صاح طاوس فقال إنه يقول كما تدين تدان .

و صاح هدهد فقال إنه يقول من لا يرحم لا يرحم .

و صاح صرد عنده فقال إنه يقول استغفروا الله يا مذنبين .

و صاح طوطي فقال إنه يقول كل حي ميت و كل جديد بال .

و صاح خطاف فقال قدموا خيرا تجدوه .

و هدرت حمامة فقال تقول سبحان ربي الأعلى مل‏ء سماواته و أرضه .

و صاح قمري فقال تقول سبحان ربي الأعلى .

قال و الغراب يدعو على العشارين .

و الحدأة تقول كل شي‏ء هالك إلا وجهه .

و القطاة تقول من سكت سلم .

و الببغاء و هو طائر يقول لمن الدنيا همه .

و الضفدع يقول سبحان ربي القدوس .

و الباز يقول سبحان ربي و بحمده .

[372]

و الضفدعة تقول سبحان المذكور بكل مكان .

و صاح دراج فقال إنها تقول الرحمن على العرش استوى .

دعوات الراوندي ذكروا أن سليمان كان جالسا على شاطئ بحر فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة و غاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة و سليمان (عليه السلام) يتفكر في ذلك متعجبا .

ثم إنها خرجت من الماء و فتحت فاها فخرجت النملة و لم يكن معها الحبة .

فدعاها سليمان (عليه السلام) و سألها و شأنها و أين كانت فقالت يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراه صخرة مجوفة و في جوفها دودة عمياء و قد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها و قد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها و سخر الله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها و تضع فاها على ثقب الصخرة و أدخلها ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر .

قال سليمان (عليه السلام) و هل سمعت لها من تسبيحة قالت نعم تقول يا من لا ينساني في جوف هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك .

next page

fehrest page

back page