 |
 |
|
‹ صفحه 644 ›
إلى جمجمة نخرة ( 1 ) ، فقال لبعض أصحابه : خذ هذه الجمجمة - ( وكانت
مطروحة ) - ، ثم جاء ( عليه السلام ) إلى الإيوان ( و ) جلس فيه ودعا بطست فيه
ماء ، فقال للرجل : دع هذه الجمجمة في الطست ، ثم قال ( عليه السلام ) :
أقسمت عليك يا جمجمة لتخبريني من أنا ومن أنت ؟ فقالت الجمجمة بلسان
فصيح : أما أنت فأمير المؤمنين وسيد الوصيين ( وإمام المتقين ) ، وأما أنا فعبد
( عبد ) ك ( وابن عبدك ) وابن أمتك كسرى أنوشيروان ، فقال له
أمير المؤمنين عليه السلام : كيف حالك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ! إني كنت ملكا
عادلا شفيقا على الرعايا رحيما لا أرضى بظلم ، ولكني كنت على دين
المجوسية وقد ولد محمد صلى الله عليه وآله في زمان ملكي ، فسقط من شرفات ( 2 )
ثلاث وعشرون شرفة ليلة ولد ، فهممت أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من
الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في السماوات والأرض ومن
شرف أهل بيته ، ولكن غفلت ( 3 ) عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك ، فيا لها من
نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم أؤمن به ، فأنا محروم من الجنة لعدم إيماني
به ، ولكن ( 4 ) مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي
وإنصافي بين الرعية ، فأنا في النار والنار محرمة علي ، فواحسرتاه لو آمنت
( به ) لكنت معك يا سيد أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله ويا أمير أمته ( 5 ) ،
قال :
فبكى الناس وانصرف القوم - الخبر ) ( 6 ) .
وفي ربيع الأبرار للزمخشري : ( الإيوان من بغداد على مرحلة ،
بناه كسرى ابرويز في نيف وعشرين سنة ، طوله مأة ذراع في عرض خمسين ،
ولما بنى المنصور بغداد أحب أن ينقضه ويبني بنقضه ، فاستشار خالد بن
0000000000000000000
( 1 ) نخر العظم : بلى وتفتت .
( 2 ) الشرفة - بالتحريك - واحدة الشرفات وهي مثلثات أو مربعات تبنى متقاربة في
أعلى سور أو
قصر .
( 3 ) في المصدر : لكني تغافلت ، لكني .
( 4 ) في المصدر : لكني تغافلت ، لكني .
( 5 ) في المصدر : أمير المؤمنين .
( 6 ) الفضائل : 1 - 70 .
‹ صفحه 645 ›
برمك فنها وقال : هو آية الإسلام ومن رآه عليم أن من هذا بناه لا يزيل أمره
إلا نبي وهو مصلى علي بن أبي طالب عليه السلام والمؤنة في نقضه أكثر من
الإنفاق به ، فقال : أبيت إلا ميلا إلى العجم فهدمت ثلمة فبلغت عليها مالا
كثيرا ، فأمسك ، فقال خالد : أنا الآن أشير بهدمه لئلا يتحدث بعجزك عنه ،
فلم يفعل ) ( 1 ) .
00000000000000000
( 1 ) ربيع الأبرار 1 : 325 .
‹ صفحه 647 ›
خاتمة
في كمية عمره
‹ صفحه 649 ›
في تقدم في الباب الأول عن الصدوق رحمه الله في إكمال الدين : ( إن
سلمان كان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة ، فلم يزل ينتقل من عالم
إلى عالم ، ومن فقيه إلى فقيه ، ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار منتظرا
لقيام القائم سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله أربعمأة سنة - إلى آخر
ما ذكره ) ( 1 ) ، فلو كان خروجه في طلب الدين في سن الستين إلى السبعين ،
كان عمره قريبا من خمسمأة ، لما تقدم من أنه توفي في سنة أربع أو ست
وثلاثين .
وهذا التخمين في عمره مؤيد بما ذكره شيخ الطائفة في كتاب الغيبة
في أول أحوال المعمرين : ( وروى أصحاب الأخبار أن سلمان الفارسي
رضي الله عنه لقى عيسى بن مريم عليه السلام وبقي إلى زمان نبينا صلى الله عليه
وآله وخبره
مشهور - انتهى ) ( 2 ) ، فإن بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وآله خمسمأة سنة - على
ما هو المصرح في الأخبار المعتبرة - ، وبما تقدم في الباب الأول عن الحسين بن
000000000000000
( 1 ) إكمال الدين 1 : 161 .
( 2 ) الغيبة : 79 .
‹ صفحه 650 ›
حمدان : ( إن النبي صلى الله عليه وآله قال للمسلمين : اتهنون سلمان بالإسلام وهو
يدعو بني إسرائيل إلى الإيمان بالله منذ أربعمأة سنة وخمسون سنة ) ، وعنه في
الباب الرابع عشر أنه قال صلى الله عليه وآله لزوجاته : ( سلمان عيني الناظرة
ولا تظنون أنه كمن ترون من الرجال ، إن سلمان كان يدعو إلى الله تعالى
وإلي قبل مبعثي بأربعمأة وخمسين سنة - الخبر ) .
وقال السيد الأجل المرتضى في الشافي : ( وروى أصحاب الأخبار
أن سلمان الفارسي عاش ثلاثمأة وخمسين سنة ، وقال بعضهم : بل عاش أكثر
من أربعمأة سنة ، وقيل : إنه أدرك عيسى عليه السلام ، انتهى ) .
ولم أجد للقول الأول مؤيدا ، وإن صرح في مجالس المؤمنين : ( إن ما
ذكر إنما هي برواية الأكثر وأما الأقل فمأتان وخمسون سنة ) ( 1 ) ، وفي مجمع
البحرين : ( نقل أنه عاش ثلاثمأة وخمسين سنة ، وأما مأتين وخمسين فمما
لا يشك فيه ) ( 2 ) ، بل في السيرة الحلبية : ( ونقل بعضهم الاجماع على أن
سلمان عاش مأتين وخمسين سنة ) ( 3 ) ، وفي حواشي تلخيص الرجال للميرزا
محمد عن تهذيب الأسماء : ( إن سلمان عاش مأتين وخمسين سنة ، وقيل :
ثلاثمأة وخمسين سنة ، وقيل : إنه أدرك وصي عيسى عليه السلام - انتهى ) .
وليس بعجيب منهم ، إنما العجب من القاضي والطريحي وغفلتهما
عن كلام الصدوق رحمه الله والسيد والشيخ رحمهما الله ، مع ما هما عليه من حسن
التتبع وكثرة الاطلاع ، ولكن الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ( 4 ) .
هذا آخر ما أردنا إيراده ، فشكرا لله وحمدا واجبا علينا ممتدا وفرضا
مؤدى ، الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك فيكون له ضدا ،
0000000000000000000
( 1 ) مجالس المؤمنين 1 : 208 .
( 2 ) مجمع البحرين 4 : 92 ، مادة ( فرس ) .
( 3 ) السيرة الحلبية 1 : 195 ، صفة الصفوة 1 : 555 .
( 4 ) كبى يكبو كبوة : إذا عثر ، قيل : الكبوة مثل الوقفة تكون عند الشئ يكرهه
الإنسان يدعى إليه
أو يراد منه كوقفة العاثر ، ومنه : لكل جواد ولكل عالم هفوة ولكل صارم نبوة ،
الصارم :
الشجاع ونبى حد السيف إذا لم يقطع .
‹ صفحه 651 ›
المتوحد في ملكوته فلم يزل فردا ، نحمده على نعمه الجسام وآلائه العظام ، حمدا
لا غاية لمدده ولا نهاية لعدده ، الذي أنعم على أذل عباده نفسا وأجلهم جرما
وأقلهم علما وأكثرهم زللا وأخسرهم عملا ، فوفقه لتأليف هذا الكتاب ،
المرصع أصوله بدرر أخبار الأئمة الأطياب ، الموشح فصوله بحلل آثار السادة
الأنجاب ، والمرجو من إحسانه التام العميم ، والمأمول من فضله العام الجسيم
أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفعني به في يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم ، وأسئله أن يثبته في كتاب مرقوم ، يشهده
المقربون ، ويدخلني في حزبه الذين هم المفلحون ، وأوليائه الذين لا خوف
عليهم ولاهم يحزنون ، ويحشرني في زمرة : ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون
من رحيق مختوم ، ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ( 1 ) .
وكان من أحسن تقدير الله النافذ الماضي ، أن جعل فراغي من
تسويد يراعى ( 2 ) تلك الأوراق ليلة القدر - ثلاث وعشرين من شهر الله المبارك
شهر رمضان - من شهور سنة ثلاث وثمانين بعد الألف والمأتين من الهجرة
النبوية ، على مهاجرها وآله ألف ألف صلاة والسلام وتحية .
وكتب بيمناه الدائرة الفانية الجانية ، العبد المسئ المنسي حسين بن
محمد تقي النوري الطبرسي ، مؤلف الكتاب في مشهد أبي عبد الله الحسين
عليه السلام في السنة المذكورة آنفا .
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم من الأولين والآخرين .
0000000000000000
( 1 ) اقتباس من الكريمة المطففين : 28 - 24
.
( 2 ) اليراع - بالفتح - : القلم .
‹ صفحه 652 ›
صورة ما رسمه المؤلف أدام الله بقائه في ظهر نسخته
الأصل ، نقلناه
كما وجدناه حرفا حرفا ، قال دام بقائه :
وقد قرض ( 1 ) على هذا الكتاب مؤرخا له أخص الأحباب ، وبدرة الطلاب ،
ومدرة ( 2 ) ذوي الألباب ، بديع الزمان في هذا الأوان ، من جمع بين العلم
والأدب والحسب الباذخ ( 3 ) والنسب ، أبو سهل الشيخ أحمد بن العالم العليم
والفقيه الحكيم المقتدي المؤتمن ، الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ
عبد الحسين ، الملقب بأبو قفطان تغمده الله بالرحمة والرضوان ، قال حفظه الله
تعالى :
لله در كتاب فاق تبيانا * عن فضل سلمان ، حيا الله سلمانا ( 4 )
لم أدر ! عقد لئال فيه قد نظمت ؟ * أم جوهر لاح الطرس عقيانا ( 5 ) ؟
أم روضة نسحب أيدي العهاد لها * مطارفا طرزت بالوشى ألوانا ( 6 ) ؟
000000000000000000
( 1 ) القرض : قول الشعر ، قرضت الشعر أقرضه
إذا قلته ، والشعر قريض .
( 2 ) مدرة الرجل : بيته .
( 3 ) بذخ : ارتفع ، شرف باذخ أي عال وجبال بواذخ أي شامخه .
( 4 ) التحية : السلام ، البقاء ، الملك حياك الله : أي سلم عليك أو أبقاك الله أو
ملكك الله .
( 5 ) الطرس - بالكسر - : الصحيفة عموما أو التي محيت ثم كتبت ، عقبان : الذهب
الخالص . ( 6 ) سحب أي جر أو مد ، العهدة - بالكسر والفتح - : أول مطر الربيع ،
المطرف - بالضم - : رداء من
خز ذو أعلام ، طرز الثوب : زينه بالخيوط الملونة والرسوم وما شاكلها ، الوشي : نقش
الثوب .
‹ صفحه 653 ›
أم ذي فصول بأبواب قد انتظمت * أخبار قدسية لله سبحانا ؟
لله در عليم حيث ألفها * من بعد تشتيتها في الكتب غيرانا
هو الحسين الطبرسي الذي قد شهدت * بفضله أهل كوفان وإيرانا
فاستشهد الطف عنه والغري تجد * مدارسا درسته العلم أحيانا
وفاق كل عليم في معاهدها * حتى غدا علما في أهل كوفانا
أرى بها جملا لا أستطيع لها * شرحا وإن كنت مصقاعا ولسنانا ( 1 )
رأى فضائل سلمان مشعبة * فانصاع يجمع منها كل سلمانا ( 2 )
أنموذجا لعيون الكتب إنسانا * وللتصانيف أنساها فأنسانا
كتاب فضل لباب للحديث وقد * أضحى لخيل علوم الوحي أرسانا
بحر خضم فلا ينجاب ساحله * طور أشم به طاولت سلمانا ( 3 )
أخبار قدس بها الأسفار قد شحنت * وبينت وبنت فضلا لسلمانا ( 4 )
تلقفتها الأنابيب اليراع فهل * ذات اليراع عصى موسى بن عمرانا ( 5 )
وقائل : أرخو عام الفراغ بما * يليق فيه من التاريخ اتقانا
قلنا : فضائل سلمان ( 6 ) تؤرخ إن * نحن تؤرخ : قمنا فضل سلمانا ( 6 ) ؟
واعلم ، أن مبنى المعنى على الاستفهام الإنكاري ، كأنه قال : قلنا :
فضائل سلمان ، أهي تؤرخ إذا نحن أردنا تاريخها ؟ والجواب مطوى يقتبس من
ظاهر الاستفهام فيقال : كلا إنها لا تؤرخ ، وهذا من الطف المدح لأن الذي يؤرخ
هو الشئ الذي يقع في زمان دون زمان ، وأما فضائل سلمان فهي مستطيلة يطول
00000000000000000
( 1 ) صقع الديك : صاح ، المصقع - بالكسر -
العالي الصوت ، البليغ .
( 2 ) انصاع الرجل : انفتل راجعا مسرعا .
( 3 ) الخضم : البحر العظيم ، نجب أي خلص .
( 4 ) شحن المدينة بالخيل : ملأها .
( 5 ) لقف الشئ : تناوله بسرعة ، اليراع - بالفتح - : القلم .
( 6 ) أي سنة 1283 .
‹ صفحه 654 ›
عمره وبعده وقبله فلا تضبط فتؤرخ ، وما فيه من بديع الكلام والنظام لا يخفى من
مساواة التاريخين في مراتب الاعداد وأمثاله .
* * *
التقريض الثاني للعالم العلامة ومن له في كل علم علم وعلامة ،
الإمام الذي أقرت له العلماء بثبوت الإمامة ، وعرفوا أن له التقدم ولو لم يضع
العمامة ، إمام الحرمين أبو المحاسن محمد بن عبد الوهاب بن داود الهمداني
ملكه الله تعالى نواصي الأماني :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي جعل في رواية أخبار الأخيار ،
حياة لأولي البصائر والأبصار ، وفي حكاية آثار الأخبار ، تأثيرا في قلوب
ذوي الأنظار ، واختار في كل زمان من يحيى بكلامه الرفات ، ويسيغ بمرامه
العذب الفرات ، ويشنف مسامع من خلف بما يصنف في وقايع من سلف ،
والصلاة والسلام على نبيه المرسل ورسوله المبجل ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
أشرف مبعوث إلى أمة ، وآله الأمناء الأئمة ، الذين نصروه في كل ملمة ،
وأصحابه مصابيح السبل المدلهمة ، الحاوين لمحاسن الأوصاف جمة
ما تشرف سلمان بقول : منا ، وصار بذلك مولى بعد أن كان قنا ، أما بعد فقد
وقع نظري على ما ألفه العالم الفاضل والبدر الكامل ، والبحر الذي ليس
لغامر فضله ساحل ، والبحر المشار إليه بالأكف والأنامل ، والمولى القاصر عن
نيل علاه المتطاول :
وأين الثريا من يد المتناول
ذو الطول الشامخ الشريف ، والفضل الباذخ المنيف :
قطب رحى الفضل وعنوانه * رب الحجى والمجد إنسانه
نور حديقة الفضائل ونور حدقة الأفاضل الحاج الميرزا حسين
النوري ، كشف الله بنور علمه ظلمة الجهل المعنوي والصوري ، وهو الكتاب
الموسوم بنفس الرحمن ، الذي سكب فيه راووق البيان ، وترجم فيه حضرة
سلمان ، من حين استهلاله إلى حين أفوله وكماله ، فرأيته تأليفا لطيفا يروق
‹ صفحه 655 ›
للأحداق ، ومجموعا ظريفا يحلو للأذواق ، ذا ترتيب وتقرير أبهى من أيام
الشباب ، وتنويع وتحبير أشهر من لذيذ التراب ، فيه من المعاني الرشيقة ما يطير
به الناظر طربا ، ومن الحكم الأنيقة ما يبهر القلوب عجبا ، ومن الروايات
الشريفة ما يكمل بمضامينه الإيمان ، ومن الحكايات المنتفه ما يزيد بعناوينه
العرفان ، ومن درر الحكم ما أخجل به عقود الجمان ، ومن غرر الكلم ما فضح
به قلائد العقبان :
فرايد تستحلي الرواة قريضها * ويلهو بها عن كاهب الحي ساهر
ولقد تتبع آثاره وروى أخباره ، فشنف ببيان ترجمته الأسماع ورصع
بذكر أوصافه وشاح الأسجاع ، وتفجرت ينابيع الحكمة من أقلامه وجرت
جداول العرفان حين أملى من إكمامه ، وفاحت من أوراقه نفحات القدس
والألطاف ، وقرت لعمري بذلك عيون وإن زعمت اناف ، فيا له من شرف
حواه ما أوثق عراه وأرفع ذراه ، ولقد نور الله تعالى ساحة الأرض بإبراز هذا
الكتاب وبيض وجوه أوراق الأيام بسواد هذا الخطاب ، ولعمري إنه كتاب
فوايده جليلة عوائده جزيلة سرائره دقيقة ظواهره رقيقة كلماته رشيقة موارده
عين الحقيقة ، بحر قعره لا يدرك ، طود إلى ذراه لا يسلك ، كتاب يضوع من
شذأه الريحان ، ولا يضيع من تمسك باذباله عن حمى الإيمان :
كتاب لو أن الليل يرمى بمثله * لقلت بدا عن حجريته ذكاء
تهادى بابكار المعاني وعونها * وأعيان لفظ ما لهن كفاء
شوارد إلا انهن أو الف * ضرائر إلا أنهن سواء
وأظن أنه متفرد بذلك ، غير مسبوق الخوض في هذه المسالك ، فإن
المتقدمين أهملوا تدوينه ، والحمد لله تعالى على أنه تجلى في آخر الزمان بأحسن
زينه ، فلله تعالى دره ، مع أنه لم يسبق إلى هذه المرتبة ، نقح هذا الأمر وهذبه
وسواه ورتبه في أي صورة ما شاء ركبه ، فكأن الأخبار نصب عينيه
والأحاديث طوع يديه ، لا زال مبنى فضله معربا عن حركات التأليف ومعرب
فضله مبينا على كل أساس شريف .
‹ صفحه 656 ›
وممن قرض عليه الفاضل الأديب ، المشتهر بنهاية الكمال في الآفاق
سيد قراء العراق ، الشيخ محسن القاري الحائري ، قال ولقد أجاد أدام الله تعالى
توفيقه :
من كان ذا قلم فليمل مبتدء * كذا وإلا فلا حظ ولا قلم
من يطلع فيه يعلم أن ظاهره * فيه النعيم ، وفي بطنانه النعم
نور تولد من نور فما نظرت * عين امرء غير ما عجلى به الظلم
أثنى عليه لساني غير مبتدء * وسوف يثني عليه اللوح والقلم
ترى عليه أعاجيب الكمال وما * يلوح إلا عليه الحكم والحكم
جاء اسمه نفس الرحمن حين غدا * معناه من نفس الرحمن يغتنم
أبان عن قدر سلمان ورفعته * ما كان قصر عنه العرب والعجم
ولقد أجاد حائز قصب السبق ( 1 ) في مضمار البلاغة ، والراكز لواء
فضله في هامة ( 2 ) الصناعة والصياغة ، وكرطير الفكر متى جال وتخصب ( 3 ) ،
والمصيب ما فوق فوقه وصوب ، الأديب الأريب والعالم اللبيب ، المنزه عن كل
درن وشين ، الشيخ عبد الحسين بن الفاضل العالم ، بدر الأعاظم والأفاخم
الأوحد الا محمد الشيخ أحمد شكر النجفي وفقه الله لمراضيه حيث قال :
بالنسيم حمل من نفس الرحمن * ما يبرد به الكبد الحران
ويا لتسنيم ( 4 ) حيا بالسلا السليم * إذ سال عن ذروة سلمان
ويا لدرر أسرار أبرزها غواص بحار الأنوار ، وجواهر سنية من كفاية
الهداية والاستبصار ، ما يكاد سنا برقه ( 5 ) يذهب بالأبصار ، فلا غرو إن ملأت
00000000000000000000
( 1 ) القصب : نبات مائي ، يقال : احرز قصب
السبق أي كان الغالب ، وأصله إنهم كانوا ينصبون
في حلبة السباق قصبة فمن سبق اقتلعها وأخذها ليعرف إنه السابق .
( 2 ) الهامة : رأس كل شئ .
( 3 ) تحصب الحمام : خرج إلى الصحراء في طلب الحب .
( 4 ) التسنيم : قالوا هو ماء في الجنة يتنزل من علو .
( 5 ) السنا : الضوء الساطع والسناء الرفعة .
‹ صفحه 657 ›
السمع والعين ، فقد جلا محاسنها الحسين ، ممن قادت
له الفضائل جيادها
وملكته قيادها وألقت لديه رحالها وفود المعرفة ، إذ كان له في كل قدر مغرفة ،
فجدير من أرسل طرف طرفه في كتابه أن يعتطى سابحه ( 1 ) ويتمطى ( 2 ) في ركابه
فيسمع في صدحه ( 3 ) ألحان مدحه :
زان سمعي شنفا لفظ ومعنى * في علا من خص في سلمان منا
درر منشورة قد جمعت * إن ذاك الجمع جمع لا يثنى
نفحة من نفس الرحمن قد * روحت في روحها القلب المعنى
وكتاب من بني القربى دنى * لقبول قاب قوسين وأدنى
طابق الحسن المسمى باسمه * فهو لفظ فيه يطوى كل معنى
معدن لا يبتغى مدركه * بدلا عنه ومن يبدل عدنا
كم لسلمان به منقبة * كالدواري في السماء بل هي أسنى
وعقود نظمت لو أنها * في نحور الحور كانت زدن حسنا
تزد هي أبوابها في حسنها * كقدود ما بسات تتثنى
فضل سلمان أتى تاريخه : * نفس الرحمن جمع لن يثنى
ولله در الأديب الفاضل ، والأريب الفاضل ، ونقطة دائرة الفواضل ،
الألمعي الحبر وحريت صناعة الشعر ، إمام شعراء العراق وسيد الفضلاء على
الاطلاق ، البحر الزاخر والبدر الزاهر ، الشيخ جابر الكاظمي حيث قال :
هذا كتاب كم حوى من جمل * في كل علم وسرى كالمثل
ابدع أو اودع في أصدافه * بحر عقود لؤلؤ مفصل
للأورع الحسين ذي الفضل الذي * سمى ذوي هام السماك الاغزل
ندب لديه الفضل ألقى رحله * وعنه طول الدهر لم يرتحل
00000000000000000
( 1 ) امتطى الدابة : ركبها ، السابح من
الخيل : السريع .
( 2 ) تمطى : امتد وطال ، سار سيرا طويلا ممدوحا .
( 3 ) صدح الطائر : رفع صوته بغناء .
‹ صفحه 658 ›
آراؤه في العلم أنجم بها * للعلم يجلي كل ليل اليل
نال لقول علماء أمتي * فضلين فاقا فضل كل أمثل
وكم به أنجم فضل أشرقت * في فضل سلمان الهمام المفضل
ندب سما بعلمه هام السما * وفضله قد فاق فضل الأول
حاز من الإيمان أقصى قنه * وفاز منه بالنصيب الأفضل ( 1 )
أفضل أصحاب النبي خيرهم * في العلم ، بل أزكاهم في العمل
نال العلا بخدمة الآل الأولى * مدحهم ملأ الكتاب المنزل
ومذ غدا من آل طه قد غدا * خير الملاء لقول خير المرسل
أكارم هم في الوجود كله * ونورهم زان الوجود بالحلي
هم العقول أبهرت أنوارها * غيرهم مثل السوام الهمل
تقتبس الشموس من أنوارهم * وفضلهم يفوق فضل الرسل
أبدى لسلمان الحسين ما بهم * قد حاز من مكنون فضل أكمل
أعانه الرحمن في مصنف * رتله بفضله المرتل
ذا نفس الرحمن في تاريخه * فاه لسلمان بفضل أجمل
للأديب الأريب الحاج آغا ابن النطيب الارومجي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ،
وأيده عند تفاقم الخطوب بفصل الخطاب ، أما بعد ، فإن أعجب ما نظمت في
سمط البيان ، وأعذب تحرير حاربه اللب والجنان :
هدم العقل والجنان تصدم * طير اللب حير الأفكارا
در منثورة وغرر منشورة ، نظمها الحبر الأكبر والكبريت الأحمر المولى
الهمام والسيد القمقمام ، الغائص بحار الفكر والتدقيق ، المخرج نفائس لئالي
العلوم والتحقيق :
00000000000000000
( 1 ) قنه : الجبل الصغير ، قنة كل شئ :
أعلاه .
‹ صفحه 659 ›
كم من جهول ميت قد عاد حيا * كم من قلوب صاديات للورى رواه ريا
ولقد تناولت العلوم يداه من فوق الثريا * أهدى الورى من نوره وبرشده قد حد غيا
مع خامس النجباء من أهل الكساء أضحى سميا
ولعمر الحبيب فإنه لقسم لو تعلمون عظيم ، من تأملها بعين الإنصاف
وتجنب التعصب والاعتساف وجدها تبيانا يقصر عن ثنائه البيان ، ويخرس
دونها النطق واللسان ، وأفكار أبكار لم يطمثهن إنس ولا جان ، إن هو إلا
من نفس الرحمن ، فوالله لقد تأوهت كلمات الفصحاء بلعل وليت حين
أفصح كلام الله : إنها منا أهل البيت ، تخالها لأجسام كلمات الفصحاء
روحا ، ولكم أعيى أقلاما وأملاء لوحا ، ما هذا بكلام الإنس ، إن هو إلا
وحي يوحى :
لله درك تأليفا وتبيانا * كفى بفضلك والعلياء برهانا
أسست أصلا فروع ما سواه فقد * غدا لمن قصد التأليف عنوانا
خرت المعالي في المضمار فانبعثت * منك الفضائل حتى جزت أقرانا
أجريت فكري لاصداف النظير لها * فعاد لي خيبة عنها وخسرانا
أعيى الحجى والنهى واللب زاخرها * عن مثلها أعجز الكونين إتيانا
مهما نظرت فقل تاريخه : * ولقد أحييت يا نفس الرحمن سلمانا
تم الكتاب .
 |
 |
|