‹ صفحه 612 ›


للصلاة ، فصلوا علي ، فلما فرغوا من الصلاة ( و ) حملت إلى قبري وأدليت فيه ( 1 )
( ثم رفعت روحي بين كتفي ووجهي أدنيت من قبري ( 2 ) وطرحت على شفير
القبر ) فعاينت هولا عظيما ، يا سلمان يا عبد الله ! ( اعلم أني ) لما وضعت في
قبري خيل لي ( 3 ) إني سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي ، وشرج علي
اللبن ( 4 ) وحثي علي التراب ( 5 ) وواروني ( 6 ) ( وانصرفوا ، فرجعت الروح إلي ،
فأخذت في الندم ( 6 ) فقلت : يا ليتني كنت مع الراجعين ) ، فعند ذلك سلبت
الروح من اللسان وانقلبت ( 7 ) السمع والبصر ، فلما نادى المنادي بالانصراف
أخذت في الندم وبكيت من القبر وضيقه وضغطته ( 7 ) و ( كنت ) قلت : يا ليتني
كنت مع الراجعين ( 7 ) لعملت عملا صالحا ، فجاوبني مجيب من جانب القبر :
( كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ( 8 ) ، فقلت ( له ) : من
أنت يا هذا الذي تكلمني وتحدثني ؟ قال : أنا منبه ، فقلت ( له ) : وما
منبه ؟ ( 9 ) قال : أنا ملك وكلني الله ( عز وجل ) بجميع خلقه لأنبههم بعد مماتهم
ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله ( عز وجل ) ، ثم ( إنه ) جذبني
وأجلسني وقال لي : أكتب عملك ( وما لك وما عليك في دار الدنيا ) ، قلت :
إني لا أحصيه ( ولا أعرفه ) ، فقال ( لي ) أ ( و ) ما سمعت قول ربك : ( أحصاه
الله ونسوه ) ( 10 ) ، ثم قال لي : أكتب ( الآن ) وأنا أملي عليك ، فقلت : أين
البياض ؟ فجذب جانبا من كفني فإذا هو رق ، فقال : هذه صحيفتك ،

000000000000000000

( 1 ) في المصدر : دلت فيه .
( 2 ) في قبري ( خ ل ) .
( 3 ) في المصدر : لما وقعت من سريرتي إلى لحدي تخيل لي .
( 4 ) شرج الحجارة : نضدها وضم بعضها إلى بعض ، اللبن : المضروب من الطين مربعا للبناء .
( 5 ) في المصدر : التراب علي .
( 6 ) في الأصل : زاورني ، النوم ، ولعلهما مصحفان .
( 7 ) في المصدر : انقلب ، ضغطه ، من الراجعين .
( 8 ) المؤمنون : 100 .
( 9 ) في المصدر : من أنت يا منبه ؟ .
( 10 ) المجادلة : 6 .

‹ صفحه 613 ›


فقلت : من أين القلم ؟ قال : سبابتك ، فقلت : من أين المداد ؟ فقال :
ريقك ، ثم أملي علي جميع ما فعلته في دار الدنيا ( من أول عمري إلى آخره )
فلم يبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة ، ثم تلى علي : ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) ( 1 ) .
ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي ،
فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا قد طوقها ( 2 ) في عنقي ، فقلت له :
يا منبه ! ولم تفعل بي هكذا ؟ قال : ألم تسمع قول ربك : ( وكل إنسان
ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا ، اقرأ
كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ( 3 ) ، فهذا ( ما ) تخاطب به يوم القيامة
ويؤتى بك وبكتابك بين عينيك منشورا لتشهد به ( 4 ) على نفسك ، ثم انصرف
عني ( 5 ) ، فأتاني منكر بأعظم منظر وأوحش شخص ، وبيده عمود من الحديد ،
لو اجتمعت عليه الثقلان ( 6 ) ما حركوه ( من ثقله ) ، فراعني وأفزعني وهددني
فجذبني بلحيتي ( 7 ) ( وأجلسني ) ، ثم إنه صاح بي صيحة لو سمعتها ( 8 ) أهل
الأرض لماتوا جميعا ، ثم قال لي : يا عبد الله ! أخبرني من ربك ومن نبيك وما
دينك وما كنت عليه ( 8 ) ( وما قولك ) في دار الدنيا ؟ فاعتقل لساني من فزعه
وتحيرت في أمري وما أدري ما أقول ، وليس في جسمي عضو إلا فارقني من
الفزع وانقطعت أعضائي وأوصالي من الخوف ، فأتتني رحمة من ربي فأمسك

000000000000000000

( 1 ) الكهف : 49 .
( 2 ) في المصدر : طوقوها .
( 3 ) الإسراء : 13 - 14 .
( 4 ) في المصدر : تشهد فيه .
( 5 ) فبقيت أبكي على نفسي على حسرة الدنيا وأقول يا ليتني عملت خيرا حتى لا يكتب علي شر ،
فبينا أنا كذلك وإذا أنا بملك منكر أعظم منظرا وأهول شخصا ما رأيته في الدنيا ومعه عمود من
الحديد ( ن خ ) .
( 6 ) في المصدر : أهل الثقلين ، أقول : في الأصل : أهل الدنيا ( ن خ ) .
( 7 ) في المصدر : فروعني وأزعجني وهددني ، ثم إنه قبض بلحيتي .
( 8 ) في المصدر : سمعها ، من ربك وما دينك ومن نبيك وما أنت عليه .

‹ صفحه 614 ›


بها قلبي ( وشد بها ظهري ) وأطلق بها لساني ( ورجع إلي ذهني ) ، فقلت
له ( عند ذلك ) : يا عبد الله ! لم تفزعني وأنا ( مؤمن ، اعلم أني ) أشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن الله ربي ومحمدا نبيي
والإسلام ديني والقرآن كتابي والكعبة قبلتي وعليا إمامي ( وبعده أولاده
الطاهرين أئمتي ) والمؤمنين إخواني ، وإن الموت حق والسؤال حق والصراط
حق والجنة حق والنار حق وإن الساعة ( آتية ) لا ريب فيها وإن الله يبعث
من في القبور ، فهذا قولي واعتقادي وعليه ألقى ربي في معادي ، فعند ذلك
قال لي : يا عبد الله ! أبشر بالسلامة فقد نجوت ( فنم نومة العروس ) ، ثم مضى
عني ، ثم أتاني شخص أهول منه يعرف بنكير ، فصاح ( 1 ) ( بي ) صيحة هائلة
أعظم من ( صيحة ) الأولى ، فاشتبكت أعضائي بعضها في بعض كاشتباك
الأصابع ، ثم قال ( لي ) : هات الآن عملك يا عبد الله ( وما خرجت عليه من
دار الدنيا ومن ربك ومن نبيك وما دينك ) ، فبقيت حائرا متفكرا في رد
الجواب ، ( لا أعرف جوابا ولا أنطلق بخطاب لما رأيت وسمعت منه ) ، فعند
ذلك صرف الله عني شدة الروع والفزع ، وألهمني حجتي وحسن التوفيق
واليقين ( 2 ) ، فقلت ( عند ذلك ) : إرفق بي ولا تزعجني يا عبد الله ( 3 ) ( وامهل علي
حتى أقول لك ، فقال : قل ، قلت : ) إني ( 3 ) ( قد ) خرجت من الدنيا وأنا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة الطاهرين من ذريته أئمتي ، وأن
الموت حق ( القبر حق ) والصراط حق والميزان حق والحساب حق ومسائلة
منكر ونكير حق ( والبعث حق ) وأن الجنة وما وعد الله ( فيها ) من النعيم حق
وأن النار وما أوعد الله ( 5 ) فيها من العذاب حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها

0000000000000000000

( 1 ) في المصدر : ومضى عني وأتاني نكير وصاح .
( 2 ) في المصدر : وألهمني حجتي واليقين وحسن التوفيق .
( 3 ) في المصدر : يا عبد الله رفقا بي ولا تزعجني ، فإني .
( 4 ) في الأصل : إني خرجت من شهادة أن لا إله . . . ، والظاهر مصحف .
( 5 ) في المصدر : وعد الله .

‹ صفحه 615 ›


وأن الله يبعث من في القبور ، فقال ( لي ) : يا عبد الله ! أبشر بالنعيم الدائم
الخير المقيم ، ثم إنه أضجعني وقال : نم نومة العروس ، ثم إنه فتح لي بابا من
عند رأسي إلى الجنة وبابا من عند رجلي إلى النار ، ثم قال : يا عبد الله ! أنظر
إلى ما صرت إليه من الجنة ( والنعيم ) وإلى ما نجوت منه من نار الجحيم ، ثم
سد الباب الذي من عند رجلي وأبقى الباب الذي من عند رأسي مفتوحا إلى
الجنة ، فجعل يدخل علي من روح الجنة ونعيمها ، وأوسع لحدي مد البصر
وأسرج لي سراجا أضوء من الشمس والقمر وخرج عني ( 1 ) ، فهذه صفتي
وحديثي وما لقيته من شدة الأهوال وأنا أشهد ( بالله ) ( أن ) مرارة الموت في
حلقي إلى يوم القيامة ، فراقب الله أيها السائل خوفا من وقفة المسائل وخف
من هول المطلع وما قد ذكرته لك ، هذا الذي لقيته وأنا من الصالحين .
قال : ثم انقطع عند ذلك كلامه ، فقال سلمان رحمه الله للأصبغ ومن
كان معه : هلموا إلي واحملوني ، فلما وصل إلى منزله فقال : حطوني ( 2 )
رحمكم الله ، فلما حططناه ( 3 ) إلى الأرض ( وشهدناه ) ، فقال : أسندوني ،
فأسندناه ، ثم رمق بطرفه إلى السماء وقال ( 4 ) : يا من بيده ملكوت كل شئ
وإليه يرجعون وهو يجير ولا يجار عليه ، بك آمنت ( وعليك توكلت ) وبنبيك
أقررت ( 5 ) وبكتابك صدقت وقد أتاني ما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد ،
( فلقني جودك و ) اقبضني إلى رحمتك وانزلني ( إلى دار ) كرامتك فإني ( 6 )
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( 7 )
وأن عليا أمير المؤمنين وإمام المتقين والأئمة من ذريته أئمتي وسادتي ، فلما

00000000000000000

( 1 ) في المصدر : مضى عني .
( 2 ) حططت الرحل وغيره : أنزلته من علو إلى سفل .
( 3 ) في المصدر : فلما وصل إلى المنزل قال : حطوني رحمكم الله ، فأنزلناه .
( 4 ) نادى ( خ ل ) .
( 5 ) في المصدر : ولنبيك اتبعت .
( 6 ) فأنا ( خ ل ) .
( 7 ) في المصدر : أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك .

‹ صفحه 616 ›


( ا ) كمل شهادته قضى نحبه ولقى ربه رضي الله تعالى عنه ، فقال : بينما ( 1 ) نحن
كذلك إذ أتى رجل على بغلة شهباء ( 2 ) ملتثما ، فسلم علينا فرددنا السلام عليه
فقال : يا أصبغ ! اجهدوا ( 4 ) في أمر سلمان ، فأخذنا في أمره ، فأخذ معه حنوطا
وكفنا فقال : هلموا فإن عندي ما ينوب عنه ، فآتيناه بماء ومغسل فلم يزل
يغسله بيده حتى فرغ وكفنه وصلى عليه فصلينا خلفه ، ثم إنه
دفنه بيده ( 5 ) ، فلما فرغ من دفنه وهم بالانصراف تعلقنا به وقلنا له :
من أنت ( يرحمك الله ) ؟ فكشف لنا عن وجهه ، فسطع النور من ثناياه
كالبرق الخاطف فإذا هو أمير المؤمنين ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ! كيف
كان مجيئك ومن أعلمك ( 6 ) بموت سلمان ؟ قال : فالتفت إلي عليه السلام
وقال : آخذ عليك يا أصبغ عهدا لله وميثاقه إنك لا تحدث بها أحدا ما دمت
( حيا ) في دار الدنيا ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ! أموت قبلك ؟ فقال : لا يا أصبغ
بل يطول عمرك ، قلت له : يا أمير المؤمنين ! خذ علي عهدا وميثاقا فإني لك
سامع مطيع ، إني لا أحدث به حتى يقضي الله ( 7 ) من أمرك ما يقضي وهو
على كل شئ قدير ، فقال : يا أصبغ ! بهذا عهدني ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ، فإني قد صليت هذه الساعة بالكوفة وقد خرجت أريد منزلي ، فلما
وصلت إلى منزلي اضطجعت ، فآتاني آت في منامي وقال : يا علي ! إن
سلمان قد قضى ( نحبه ) ، فركبت بغلتي وأخذت معي ما يصلح للموتى
فجعلت أسير فقرب الله لي البعيد ، فجئت كما تراني ، وبهذا أخبرني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم إنه دفنه وواراه فلم أدر أصعد إلى السماء أم

00000000000000000000

( 1 ) في المصدر : قال : فبينا .
( 2 ) إذا نحن برجل على جواد أشهب ( خ ل ) ، أقول : شهباء : البياض الذي غلب على السواد .
( 3 ) فقمنا فسلمنا عليه ( خ ل ) ، أقول : وفي المصدر أيضا كذا .
( 4 ) في المصدر : حدوا .
( 5 ) في المصدر : وكفنه فصلينا عليه ودفناه ولحده بيده .
( 6 ) أخبرك ( خ ل ) .
( 7 ) في المصدر : يقضي إلي ، بذا عهد إلي .

‹ صفحه 617 ›


في الأرض نزل ، فأتى الكوفة ( 1 ) والمنادي ينادي لصلاة المغرب ، فحضر عندهم
( على ) عليه السلام ، وهذا ما كان من حديث وفاة سلمان الفارسي رضي الله عنه
على التمام والكمال والحمد لله حق حمده ) ( 2 ) .
أقول : ورأيت هذا الخبر في بعض المجاميع المعتبرة مع اختلاف في
الألفاظ أشرنا إلى بعضها في الحواشي ، وزيادات :
منها بعد قوله في صدر الخبر : يا أصبغ عهدي برسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : ( وقد أردفني ورائه فلم أدر ذهب إلى السماء صاعدا أم في الأرض
نازلا ، فبينا نحن في الكوفة والمؤذن يؤذن للمغرب ، فحضرنا عنده نصلي فرآني
علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم التفت إلي وقال : يا سلمان ! هل سمعت منه
صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ! سمعت منه يقول : إذا أنت
- الخ ) .
ومنها بعد قوله : فهذا كتاب عملك : ( وهما رقيب وعتيد ، فرقيب
الذي يكتب الحسنات وعتيد الذي يكتب السيئات ، ولا يكتب العتيد شيئا
حتى يشهد الرقيب ، فإذا أذنب العبد ذنبا يقول عتيد : أكتب ؟ فيقول
الرقيب : لا تعجل لعله يستغفر من ذنوبه ، فإذا جاء العشاء ولم يستغفر الله من
ذنوبه قال العتيد : أكتب ؟ قال الرقيب : الله أكبر ما أقسى قلب هذا ، أكتب
عليه ما عمل ، وإذا أحسن العبد حسنة يكتبها الرقيب في الحال فلما - الخ ) .
ومنها بعد قوله : ولا أنطق بخطاب لما رأيت وسمعت منه : ( ثم
إن الله تعالى أدركني برحمته ورد علي روعي وسكن روحي ورجع إلي ذهني
وألهمني حجتي فعند ذلك - الخ ) .
ومنها بعد قوله : وأنا من الصالحين : ( وأما الذي ما هو من الصالحين
إذا أتاه منكر ونكير وسئلاه عن ربه فيقول لهما من خوفه : أنتما ربي ، فيقولان :
كذبت يا عدو الله وعدو رسوله ، فيضربه ضربة ينفصل أعضائه بعضها من
بعض ، ثم يأتيه الآخر ويسئله ، ثم يقول له قوله الأول فيقول له : كذبت

00000000000000000000

( 1 ) في المصدر : قبل أن يأتي الكوفة .
( 2 ) الفضائل : 92 - 86 .

‹ صفحه 618 ›


يا عدو الله وعدو رسوله ، ثم يضربه ضربة يبلغه الأرض إلى تخومها ويصير إلى
النار مع الكافرين في العذاب الشديد ولهم مقامع من حديد وأكلهم الزقوم
وشرابهم الحميم ، أجارنا الله وأياكم من النار وأدخلنا الجنة دار القرار ومنزل
الأخيار محمد وآله الأطهار - ثم انقطع ) .
وقال في البحار : ( في بعض مؤلفات أصحابنا بعد قوله : وأوسع
لحدي مد البصر ومضى عني : وأنا يا سلمان لم أجد عند الله شيئا يحبه الله
أعظم من ثلاثة : صلاة ليلة شديدة البرد ، وصوم يوم شديد الحر ، وصدقة
بيمينك لا تعلم بها شمالك ) ( 1 ) .
ثم إن ما اشتمل عليه صدر هذا الخبر وذيله من أن وفاة سلمان
كان في خلافة أمير المؤمنين وإن كان مؤيدا بظاهر ما رواه الصدوق في الفقيه
مرسلا إنه : ( يا أمير المؤمنين ! أدع لنا بدعوات ( في ) الاستسقاء ، فدعا ( علي )
عليه السلام الحسن والحسين عليهما السلام فقال : يا حسن ! أدع فقال الحسن عليه السلام :
اللهم هيج لنا السحاب بفتح الأبواب بماء عباب ورباب بانصباب
وانسكاب ( 2 ) - إلى أن قال : - ثم قال عليه السلام للحسين عليه السلام : أدع ، فقال
الحسين عليه السلام : اللهم معطي الخيرات من مظانها ، ومنزل الرحمات من
معادنها - إلى أن قال : فما تم كلامه حتى صب ( الله ) الماء صبا ، وسئل
سلمان الفارسي رضي الله عنه فقيل له : يا أبا عبد الله ! هذا شئ علما ( ه ) ؟ فقال :
ويحكم ألم تسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول : أجريت
الحكمة على لسان أهل بيتي ) ( 3 ) .
بل عن تاريخ أنس الجليل ( 4 ) : إنه توفي سنة ست وثلاثين للهجرة

000000000000000000

( 1 ) بحار الأنوار 22 : 381 .
( 1 ) ( هيج لنا السحاب ) أي سخره وأثره ، ( بفتح الأبواب ) أي أبواب رحمتك أو أبواب سمائك ،
( العباب ) - كغراب - معظم السيل وارتفاعه وكثرة أمواجه ، ( الربابة ) - بالفتح - السحابة التي
يركب بعضها بعضا ، ( انسكاب ) : انصباب .
( 3 ) الفقيه 1 : 8 - 35 .
( 4 ) أنس الجليل 1 : 232 .

‹ صفحه 619 ›


ودفن بالمدائن ، وفي تقريب بن حجر ( 1 ) مثله ، - على ما نقله الفاضل الآغا محمد
علي في حواشي نقد الرجال - ، ومثله ما نقله السيد في الشافي ، ونقله أيضا
السيد علي خان في شرح دعاء الرزق من الصحيفة ( 2 ) ، ونقل السيد الشهيد في
مجالس المؤمنين ( 3 ) أيضا مثله . وعثمان بن عفان انتقل في ذي الحجة من سنة
خمس وثلاثين ، وكان حرب الجمل في جمادى الأخرى في سنة ست وثلاثين .
فظهر أن سلمان توفي في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، فإن كان
بعد جمادى إلى آخر السنة انطبق مع خبر المتقدم ، ولكن في نسختي من
التقريب : إنه مات في أربع وثلاثين .
ويؤيده ما مر من الخرائج والمناقب وغيرهما : إن عليا عليه السلام أتى
من المدينة لتغسيله ، وتأتي حكاية المستنصر مع السيد عز الدين الأقسائي ، بل
في إرشاد الديلمي : ( إن عثمان وجه الحارث بن الحكم ( بن أبي العاص بن
بني أمية ) إلى المدائن ، فأقام بها مدة يتعسف أهلها ( 4 ) ويسئ معاملتهم ، فوفد
منهم إلى عثمان وفدا شكوا إليه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به وأغلظوا عليه في
القول ، فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك في آخر أيامه ، ولم ينصرف حذيفة
( بن اليمان ) عن المدائن إلى أن قتل عثمان واستخلف علي بن أبي طالب
عليه السلام ، فأقام حذيفة عليها وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله
علي أمير المؤمنين عليه السلام إلى حذيفة بن اليمان - الخبر ) ( 5 ) .
وفي ذلك يقول السيد الشريف الكاظمي في قصيدته الكرارية :
والى المدائن من سرى من طيبة * ليلا وعاد وصبحه لم يسفر ( 6 )
طلبا لتغسيل الطهر سلمان * التقي الطاهر المتطهر

0000000000000000000

( 1 ) تقريب التهذيب : 153 ، وفيه : ( مات سنة أربع وثلاثين ) .
( 2 ) رياض السالكين : 277 .
( 3 ) مجالس المؤمنين 1 : 208 .
( 4 ) تعسف فلانا : ظلمه .
( 5 ) إرشاد القلوب 2 : 321 وفيه : ( يشكوه ) .
( 6 ) أسفر الصبح : أضاء .

‹ صفحه 620 ›

هذا لعمر أبي المعجز معجز * عن غير آصف قبله لم يصدر
وله بذاك الفخر إذ لولا اسمه * لم يأته العرش العظيم ويحضر
وقال رحمه الله في قصيدته الهائية في مثالب العامة :
وأمر سلمان في التغسيل مشتهر * بين الفريقين خافيه وباديه
قد شابهت ليلة المعراج ليلته * ويوم آصف حين العرش يأتيه
وفي المسير لتغسيل الزكي * وإهمال الشقي لسربان خافيه
إن أهملوه فكم أدنى أخاضعة * يوما وأبعد ذا قدر وتنويه
ولقد أجاد بعض المعاصرين في قصيدته الهائية :
كم ترى حين عم تجهيز سلمان * مراق للسابقات رقاها
حيث لم يسع نحو أرض ثوى * فيها على الحالة التي أبدلاها
بل دعاها لأمره فاتته * بسبيل تخاله قد أتاها
أحوته أرض وأرض تخلت * منه حتى مشى بها وطواها
هو في الشرق مثل ما هو في * الغرب ، وفي الأرض مثل في سماها
واقتفى أثره المؤيد المسدد المنصور المولى كاظم الأزري في قصيدته
الهائية :
من تولى تغسيل سلمان إلا * ذات قدس تقدست أسماها
ليلة قد طوى بها الأرض طيا * إذ نأت داره وشط مداها
وبن عفان حوله لم يجهزه * ولا كف عنه كف أذاها
لست أدري أكان ذلك مقتا * من علي أم عفة ونزاها
وأما ما في مجمع البحرين ( 1 ) من أنه توفي في سنة سبع وثلاثين فهو
ضعيف جدا .

00000000000000000

( 1 ) مجمع البحرين 4 : 92 ، مادة ( فرس ) .

‹ صفحه 621 ›


واعلم أن هذا الخبر قد اشتمل على كثير من أهوال البرزخ ، بعضها
مما قامت عليه الضرورة وبعضها ما اعتضدته أخبار معتبرة ، وبعضها مما
انفرد به ، ولو استقصينا الكلام فيه لخرج الكتاب عن وضعه غير أنا نشير
إجمالا إلى بعض فوائده :
قوله : أيها الناطق - الخ .
الفوت هو الموت ، وفي الخبر : ( أتخوف عليك الفوت ، قلت : وما
الفوت ؟ قال : الموت ) ( 1 ) ، وربما يجعل الأول أعم وإن للإنسان قبل خروج
روحه من بدنه وهو الموت ، حالة برزخية بينه وبين الحياة يشرف فيها على
أوضاع الآخرة ويشاهد مقاماتها وما أعد فيها له أو عليه ، وتنقطع حواسه
وتختل مشاعره عن إدراك المدركات المحسوسة ، وفي هذا الخبر دلالة واضحة
عليه ، ولكن يظهر من بعض الأخبار الاستعاذة من تلك الحالة .
وفي نهج البلاغة في دعائه عليه السلام : ( اللهم اجعل نفسي أول
كريمة تنتزعها من كرائمي ) ( 2 ) ، فإن انتزاع النفس قبل جميع الكرائم التي هي
القوى والأعضاء التي أكرم الله بها عباده يستلزم بقائها سليما من
الآفات إلى حين الممات ، ومثله ما في دعاء ليلة الجمعة : ( اللهم متعني
بسمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني ) ( 3 ) .
فالفوت هو فوات فوائد الدنيا ولذائذها وألمها عليه ، ولا يتمكن
الإنسان في زمانه استدراك ما قصر فيه ، وفي قوله : ( والاستعداد للموت قبل
حلول الفوت ) تصريح بتقدمه عليه ، ولعلها هي الحالة التي أشار إليها
أمير المؤمنين عليه السلام في قوله - كما في النهج - : ( ثم ازداد الموت فيهم ولوجا ( 4 ) ،
فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنه لبين أهله ينظر ببصره ، ويسمع بأذنه ،
على صحة من عقله ، وبقاء من لبه ، يفكر فيم أفنى عمره ، وفيم أذهب دهره ،

00000000000000000

( 1 ) مجمع البحرين 2 : 213 .
( 2 ) نهج البلاغة ، الخطبة 215 : 332 .
( 3 ) مصباح المتهجد وسلاح المتعبد : 238 .
( 4 ) ولوجا أي دخولا .

‹ صفحه 622 ›


ويتذكر أموالا جمعها ، أغمض ( 1 ) في مطالبها ، وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها
- إلى أن قال : - فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه ( 2 ) ،
فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه : يردد طرفه بالنظر في
وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم ، ولا يسمع رجع كلامهم ، ثم ازداد الموت
التياطا ( 3 ) به ، فقبض بصره كما قبض سمعه - الخ ) ( 4 ) .
قوله : فوالله إن قرضا بالمقاريض - الخ .
في العيون : ( قيل للصادق عليه السلام : صف لنا الموت ؟ قال : للمؤمن
كأطيب ريح يسمه فينعس لطيبه وينقطع العطب ( 5 ) والألم كله عنه ، وللكافر
كلسع الأفاعي ولدغ ( 6 ) العقارب أو أشد ( 5 ) ، قيل : فإن قوما يقولون : إنه أشد من
نشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض ( 7 ) ورضخ بالأحجار ( 8 ) وتدوير قطب الأرحية
على الأحداق ؟ قال : كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين - الخبر ) ( 9 ) .
وفي الكافي : إن عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا
( عليه السلام ) وكان سئل ربه أن يحييه له ، فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر
فقال له : ما تريد مني ؟ فقال ( له ) : أريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ،
فقال له : يا عيسى ! ما سكنت عني حرارة الموت ( 10 ) ( 11 ) .
وفيه : ( إن قوما من متعبدي أولاد بني إسرائيل مروا بقبر على

0000000000000000000

( 1 ) أغمض أي لم يفرق بين حلال وحرام كأنه أغمض عينيه لا يميز .
( 2 ) خالط لسانه سمعه : شارك السمع اللسان في العجز عن أداء وظيفته .
( 3 ) التياطا : التصاقا .
( 4 ) نهج البلاغة ، الخطبة 109 : 1 - 160 .
( 5 ) في المصدر : التعب ، وأشد .
( 6 ) لسعته العقرب والحية : لدغته فهو ملسوع ، وقيل : اللسع بالإبر واللدغ بالفم .
( 7 ) نشرت الخشبة : قطعتها بالمنشار وهو بالكسر اسم آلة النشر . قرض الشئ : قطعه والمقراض
واحد المقاريض التي يقرض بها .
( 8 ) رضخت الحصى والنوى : كسرته .
( 9 ) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 274 ، بحار الأنوار 6 : 152 .
( 10 ) في المصدر : مرارة الموت ( خ ل ) ، أقول : في الأصل : حرارة السوق والظاهر أنه تصحيف .
( 11 ) فروع الكافي 3 ، كتاب الجنائز : 260 ، بحار الأنوار 6 : 170 .

‹ صفحه 623 ›


ظهر الطريق فدعوا الله أن ينشر لهم هذا الميت ، فخرج منه رجل أبيض
الرأس واللحية ، ينفض رأسه من التراب فزعا ، شاخصا بصره إلى السماء ،
فقال لهم : ما يوقفكم على قبري ؟ فقالوا : دعوناك لنسئلك كيف وجدت
طعم الموت ؟ فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسعة وتسعين سنة ما ذهب
عني ألم الموت وكربه ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي - الخ ) ( 1 ) .
قوله : فأتاني عند ذلك شخص عظيم الخلقة فظيع المنظر - الخ .
لعل هذا الرجل قد كان عليه من الذنوب ما أراد الله تمحيصها عنه
عند الموت ولذا رأى ملك الموت على تلك الصورة ، كما ترى أنه ما ذكر
حضور الوصي عليه السلام عند موته وقد قامت به الضرورة .
وفي الأمالي : ( و ) من صام من رجب أربعة وعشرين يوما ، فإذا نزل
به ملك الموت ترائي له في صورة شاب ، عليه حلة من ديباج أخضر ، على فرس
من أفراس الجنان ، وبيده حرير أخضر ممتلا بالمسك الأذفر ( 2 ) ، وبيده قدح من
ذهب مملوء من شراب الجنان ، فسقاه إياه عند خروج نفسه يهون ( به ) عليه
سكرات الموت - الخبر ( 3 ) .
وفي الكافي وتفسير فرات أنه : ( سئل الصادق عليه السلام عن المؤمن
أيستكره على قبض روحه ؟ قال : لا والله ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : لأنه
إذا حضره ملك الموت جزع فيقول له ملك الموت : لا تجزع فوالله لأنا ( 4 ) أبر بك
وأشفق ( عليك ) من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر ، ( قال : ) ويتهلل
له ( 5 ) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين - إلى أن قال : - قال : فينظر
إليهم فيستبشر بهم - الخبر ) ( 6 ) .

000000000000000000

( 1 ) فروع الكافي 3 : 260 ، أقول : نقل المصنف رحمه الله الحديث بالمعنى .
( 2 ) مسك أذفر أي جيد بين الذفر ، وذفر الشئ : ظهرت له رائحته واشتدت .
( 3 ) أمالي الصدوق : 432 ، بحار الأنوار 6 : 167 ، أقول : في المصدر : ممسك بالمسك الأذفر .
( 4 ) في تفسير الفرات : انا .
( 5 ) في الكافي : ويمثل له .
( 6 ) الفروع 1 : 127 ، تفسير الفرات : 210 ، عنهما بحار الأنوار 6 : 196 .

‹ صفحه 624 ›


وفي تنبيه الخواطر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث : ( إن ملك
الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى ، فيقوم هو
وأصحابه ، لا يدنو منه حتى يبدء بالتسليم ويبشره بالجنة ) .
قوله : إذ أتاني شخصان ولهما منظران - الخ .
وفي جامع الأخبار : ( وقيل : ما من مؤمن يموت حتى ( ي‍ ) ترائي له
الملكان الكاتبان عمله ، فإن كان مطيعا قالا له : جزاك الله عنا خيرا ، فرب
مجلس صدق أجلستنا وعمل صالح قد أحضرتنا ، وإن كان فاجرا قالا ( له ) :
لا جزاك الله عنا خيرا ، فرب مجلس سوء قد أجلستنا وعمل غير صالح قد
أحضرتنا وكلام قبيح قد أسمعتنا ) ( 1 ) .
وروى الطبرسي : ( صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا
عمل حسنة كتبها ( له ) صاحب اليمين بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيئة فأراد
صاحب الشمال أن يكتبها ، قال له صاحب اليمين : أمسك ، فيمسك عن‍ ( - ه )
سبع ساعات ، فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شئ ، وإن لم يستغفر الله
كتب له سيئة واحدة ) ( 2 ) .
وروى الحسين بن سعيد بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال :
( سئلته عن موضع الملكين من الإنسان ؟ قال : هيهنا واحد وهيهنا واحد ،
- يعني ( عنه ) شدقيه - ) ( 3 ) ، وفيه إشارة إلى أنهما يكتبان الأقوال لا الأفعال .
وفي البحار عن كتاب حسين بن سعيد بسنده عن زرارة قال :
( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ما من أحد إلا ومعه ملكن يكتبان ما
يلفظه - الخ ) ( 4 ) ، وفيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( لا يكتب الملكان لا
ما نطق ( به ) العبد ) ( 5 ) ، وفيه عن زرارة عن أحدهما ( عليه السلام ) قال :
( لا يكتب الملك إلا ما يسمع ) ( 6 ) .

000000000000000000

( 1 ) جامع الأخبار ، الفصل 136 : 170 ، بحار الأنوار 6 : 161 ، أقول : في المصدر : ما من ميت يموت .
( 2 ) مجمع البيان 9 : 144 .
( 3 ) الزهد : 53 ، شدقين - بكسر الشين وفتحها وسكون الدال - هما زاويتا الفم من باطن الخدين ،
وهذا التعبير كناية عن شدة اطلاع الملكين بما يلفظ إنسان ويتكلم .
( 4 ) بحار الأنوار 5 : 322 ، الزهد : 53 .
( 5 ) بحار الأنوار 5 : 322 ، الزهد : 53 .
( 6 ) بحار الأنوار 5 : 322 ، الزهد : 53 .

‹ صفحه 625 ›


ويؤيده قوله تعالى : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( 1 ) ، وفي قوله
عليه السلام : ( وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم ) ( 2 ) ،
إشارة أيضا إلى أنهم لا يكتبون كل شئ .
وفي الكافي : ( فإذا قعدا - أي المؤمنين - ( يتحدثان ) قالت الحفظة
بعضهم لبعض : اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستر الله عليهما ، فقلت : أليس الله
عز وجل يقول : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ؟ فقال :
يا إسحاق ! إن كانت الحفظة لا تسمع ، فإن عالم السر يسمع ويرى ) ( 3 ) .
وفي أمالي الشيخ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يوحي الله
عز وجل إلى الحفظة الكرام : لا تكتبوا على عبدي المؤمن عند ضجره شيئا ) ( 4 ) .
وأما قوله تعالى ( وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما
تفعلون ) ( 5 ) ، فقيل : معناه يعلمون ما تفعلون من الظاهر دون الباطن ، نقله
الطبرسي ( 6 ) - والله العالم .
وفي الكافي في حديث : ( إن العبد إذا هم بالحسنة ( 7 ) خرج نفسه
طيب الريح فقال ( صاحب ) اليمين لصاحب الشمال : قم فإنه ( قد ) هم
بالحسنة ( 7 ) ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له ، وإذا هم بالسيئة
خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قف فإنه
قد هم بالسيئة ، فإذا ( هو ) فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها عليه ) ( 8 ) .
وفي أمالي الشيخ عن الصادق عليه السلام : ( إذا قبض روح المؤمن صعد

000000000000000000

( 1 ) ق : 18 .
( 2 ) مصباح المتهجد وسلاح المتعبد ، دعاء كميل : 779 .
( 3 ) الكافي 2 : 182 ، وفي المصدر : قال الحفظة بعضها لبعض .
( 4 ) أمالي الشيخ 2 : 184 ، بحار الأنوار 5 : 328 .
( 5 ) الانفطار : 11 .
( 6 ) مجمع البيان 10 : 450 .
( 7 ) في الأصل في موضعين : بالجنة ، ولعله مصحف .
( 8 ) أصول الكافي 2 : 429 ، بحار الأنوار 5 : 325 .

‹ صفحه 626 ›


ملكاه إلى السماء فقال : يا رب ! عبدك ونعم العبد كان سريعا إلى طاعتك
بطيئا من معصيتك وقد قبضته إليك فما تأمرنا من بعده ؟ فيقول الجليل
الجبار : اهبطا إلى الدنيا وكونا عند قبر عبدي ومجداني وسبحاني وهللاني
وكبراني واكتبا ذلك لعبدي حتى ابعثه من قبره ) ( 1 ) .
قوله : حتى صارت الروح في صدري - اه .
وفي الكافي عن أبي بصير قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله
عز وجل : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم - إلى قوله - إن كنتم صادقين ) فقال : إنها
إذا بلغت الحلقوم رأى منزله في الجنة ( 2 ) فيقول : ردوني إلى الدنيا حتى أخبر
أهلي بما أرى ، فيقال له : ليس إلى ذلك سبيل ) ( 3 ) .
قوله : فلما اشتد صراخ القوم - اه .
في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه ( 4 ) فقال : يا ملك الموت ! إرفق
بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال : أبشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق ، واعلم
يا محمد أني أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول :
ما هذا الجزع ، فوالله ما تعجلناه قبل أجله وما كان لنا في قبضه من ذنب فإن
تحتسبوا ( 5 ) وتصبروا تؤجروا وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا ، واعلموا أن لنا فيكم
عودة ثم عودة ، فالحذر ( الحذر ) أنه ليس في شرقها ولا في غربها ( 6 ) أهل بيت
مدر ولا وبر ( 7 ) ، إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ، ولأنا أعلم
بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت

000000000000000000

( 1 ) أمالي الشيخ 1 : 199 ، عنه البحار 6 : 152 .
( 2 ) في المصدر : ثم رأى منزله من الجنة .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 135 ، والآية في الواقعة : 7 - 83 .
( 4 ) جاد بنفسه : سمح بها عند الموت ، فكأنه يدفعها كما يدفع الإنسان ماله .
( 5 ) الاحتساب : توقع الأجر من الله سبحانه .
( 6 ) الضمير في ( شرقها وغربها ) للأرض .
( 7 ) أهل بيت مدر : أهل القرى وأهل بيت وبر : أهل البوادي لأن هؤلاء بيوتهم من الطين
وهؤلاء من الشعر .

‹ صفحه 627 ›


عليها حتى يأمرني ربي بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنما يتصفحهم
في مواقيت الصلاة - الخ ) ( 1 ) .
قوله : والروح عند ذلك بين وجهي وكفني - اه .
في جامع الأخبار : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فوالذي نفس
محمد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا ( 2 ) على
نفوسهم ، حتى ( إذا ) حمل الميت على نعشه ، رفرف ( 2 ) روحه فوق النعش وهو
ينادي : يا أهلي ويا ولدي ! لا تلعبن بكم الدنيا - وذكر مثله ) ( 3 ) .
قوله : قال : أنا منبه - اه .
في بعض الأخبار : ( إن اسمه رومان ) ( 4 ) ، وفي الصحيفة السجادية ( 5 )
أنه فتان القبور ، وفي أخبار كثيرة ( 6 ) إن فتانا القبور منكر ونكير .
قوله : وإذا أنا بملك أعظم - اه .
غير خفي على المتتبع ، إن ظاهر كثير من أخبار الباب إنهما يأتيان
معا ، وصريح هذا الخبر إنهما يجيئان على التعاقب ، وحيث إنه لم يقم دليل

000000000000000000000

( 1 ) فروع الكافي 1 : 136 ، قال البهائي رحمه الله : لعل المراد بتصفح ملك الموت أنه ينظر إلى
صفحات وجوههم نظر الترقب لحلول آجالهم والمنتظر لأمر الله سبحانه فيهم .
( 2 ) في المصدر : ليبكوا ، وترفرف .
( 3 ) جامع الأخبار ، فصل 136 : 170 ، رفرف الطائر : حرك جناحه حول الشئ يريدان يقع عليه .
( 4 ) بحار الأنوار 59 : 234 ، أقول : نقل عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وآله هذا التفصيل
في حق ملك رومان ولم يصل إلينا بطريق أهل البيت عليهم السلام - كما صرح به المجلسي في
البحار - ، وإنما رواه أهل السنة ، وقد صرح الفيض الكاشاني رحمه الله في علم اليقين ( 2 : 885 ) إن
هذا الخبر مروي بطريق العامة حيث قال : ( وفي الأخبار العامية عن عبد الله بن سلام قال : سألت
رسول الله صلى الله عليه وآله عن أول ملك يدخل في القبر على الميت - الخ ) ، نعم في الصحيفة
السجادية في مقام تعداد الملائكة أنه فتان القبور ولكن لم يشر صلوات الله عليه إلى وظيفة هذا الملك
وإلى التفصيل المذكور في خبر عبد الله بن سلام ، وهو الإسرائيلي ثم الأنصاري المتوفى سنة 43 ، قال
الممقاني في تنقيح المقال : ويمكن استفادة سوء حاله مما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج وغيره من
أن أمير المؤمنين عليه السلام لما بويع أرسل خلف جمع وأمرهم بالبيعة ، فقيل له لا تبعث إلى حسان بن
ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن سلام ؟ فقال : لا حاجة لنا فيمن لا حاجة له فينا .
( 5 ) الصحيفة السجادية ، الدعاء الثالث : 55 .
( 6 ) بحار الأنوار 6 : 221 .

‹ صفحه 628 ›


قطعي حاسم ، والمسألة من المسائل الأصولية الاعتقادية ، فالأولى التوقف .
وأما اسمهما وصفتهما : فعن المناقب في حديث طويل وفيه :
( يدخلان ( عليه ) ملكان فظان غليظان يحفران القبر بأنيابهما ، وأصواتهما
كالرعد العاصف ، وأعينهما كالبرق الخاطف ، ومع كل واحد منهما مرزبة ،
فيها ثلاثمائة وستون عقدة ، في كل عقدة ثلاثمائة وستون حلقة ، وزن كل حلقة
كوزن حديد الدنيا ، لو اجتمع عليها أهل السماء والأرض أن يقلوها ما
أقلوها ( 1 ) ، هي في أيديهم أخف من جناح بعوض ، فيدخلان القبر على الميت
- الخبر ) ( 2 ) .
وفي الكافي في خبر طويل عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام :
( . . . ويدخل عليه في قبره ملكا القبر ، وهما قعيدا القبر : منكر ونكير . . . قال
أبو بصير : جعلت فداك يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة ؟ فقال :
لا - الخبر ) ( 3 ) .
قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح عقايد الصدوق : ( جاءت الآثار
الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم
عن أديانهم ، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة فمنها : ( إن ) ملكين لله تعالى يقال
لهما : ناكر ونكير ، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه ، فإن
أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة النعيم وإن ارتج ( 4 ) عليه سلموه إلى ملائكة
العذاب ، وفي بعض الأخبار : ( إن ) اسمي الملكين الذين ينزلان على
المؤمن مبشر وبشير ، قيل : إنما سمي ملكا الكافر ناكرا ونكيرا لأنه ينكر
الحق وينكر ما يأتيانه به ويكرهه ، وسمي ملكا المؤمن مبشرا وبشيرا لأنهما
يبشر إنه من الله تعالى بالرضا والثواب المقيم ، وإن هذين الاسمين ليسا بلقب
لهما وإنما هما ( 5 ) عبارة عن فعلهما ، وهذه أمور يتقارب بعضها من بعض

000000000000000000

( 1 ) المرزبة - بتقديم المهملة على المعجمة - : عصيبة من حديد ، قل الشئ : رفعه .
( 2 ) مناقب آل أبي طالب 3 : 225 ، وفيه : جناحة بعوض .
( 3 ) فروع الكافي 3 : 239 ، بحار الأنوار 6 : 264 .
( 4 ) ارتج الكلام : التبس .
( 5 ) في المصدر : انهما .

‹ صفحه 629 ›


ولا يستحيل معانيها ، والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر ( فيها ) ( 1 ) .
قلت : ويؤيد المغايرة ما في الدعاء لكل يوم من أيام رجب : ( وادرء
عني منكرا ونكيرا وأرني مبشرا وبشيرا ) ( 2 ) .
وقال رحمه الله في المقالات : ( القول في نزول الملكين على أصحاب
القبور ومسائلتهما عن الاعتقاد ، أقول : إن ذلك صحيح وعليه إجماع الشيعة
وأصحاب الحديث ، وتفسير الجملة ( 3 ) : إن الله تعالى ينزل على من يريد تنعيمه
بعد الموت ملكين اسمهما : مبشر وبشير - إلى أن قال : - وينزل جل جلاله على
من يريد تنقيمه ( 3 ) في البرزخ ملكين اسماهما : ناكر ونكير فيوكلهما بعذابه
- إلى آخر ما ذكره ) ( 4 ) .
ثم إن المسؤول في القبر هل هو المنعم أو المعذب في البرزخ بعد
السؤال بعينه من غير اختلاف وتغيير في الصور والأحوال أولا ، صرح بالأول
شيخنا المقدم في شرح عقايد الصدوق ، قال رحمه الله : ( وليس ينزل الملكان إلا
على حي ولا يسئلان إلا من يفهم المسائلة ويعرف معناها ، وهذا ( ما ) يدل
على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسائلة ويديم حياته بنعم ( 5 ) إن كان
يستحقه ، أو بعذاب ( 5 ) إن كان ( يستحقه ) - انتهى ) ( 6 ) .
ويؤيده ظواهر أكثر أخبار الباب ، وصرح المجلسي رحمه الله وبعض من
تبعه بالمغايرة ، قال رحمه الله في المجلد الثالث من بحاره : ( وإنما السؤال والضغطة
في الأجساد الأصلية ، وقد يرتفعان عن بعض المؤمنين كمن لقن كما سيأتي ،
أو مات في ليلة الجمعة أو يومها ، أو غير ذلك مما مر وسيأتي في تضاعيف
أخبار هذا الكتاب ، ثم تتعلق الروح بالأجساد المثالية اللطيفة الشبيهة بأجسام

0000000000000000000

( 1 ) تصحيح الاعتقاد : 8 - 77 ، وفيه : والله سبحانه أعلم .
( 2 ) مصباح المتهجد وسلاح المتعبد 3 : 739 ، وفيه : ارعيني مبشرا .
( 3 ) في المصدر : تفسير مجمله ، تعذيبه .
( 4 ) أوائل المقالات : 88 .
( 5 ) في المصدر : لنعيم ، لعذاب .
( 6 ) تصحيح الاعتقاد : 79 .

‹ صفحه 630 ›

الجن والملائكة ، المضاهية في الصورة للأبدان الأصلية ، فينعم ويعذب فيها ،
ولا يبعد أن يصل إليه الآلام ببعض ما يقع على الأبدان الأصلية لسبق تعلقه
بها ، وبذلك يستقيم جميع ما ورد في ثواب القبر وعذابه واتساع القبر وضيقه ،
وحركة الروح وطيرانه في الهواء وزيارته لأهله ، ورؤية الأئمة عليهم السلام
بأشكالهم ، ومشاهدة أعدائهم معذبين وساير ما ورد في أمثال ذلك مما مرو
سيأتي ، فالمراد بالقبر في أكثر الأخبار ما يكون الروح فيه في عالم البرزخ - إلى
آخر ما ذكره ) ( 1 ) .
وفي كلامه رحمه الله مواقع للنظر ، سيما في الفرق بين الأجساد الأصلية
والأجساد المثالية على مذهبه ، نعم وفقه في كون المنعم أو المعذب هو
الأجساد المثالية شيخنا المفيد رحمه الله في المقالات حيث قال : ( القول في تنعيم
أصحاب القبور وتعذيبهم ، أقول : إن الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم
في دار الدنيا ، ينعم مؤمنيهم ( 2 ) فيها ويعذب كفارهم فيها وفساقهم ( فيها ) ، دون
أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون . . . في غير أماكنهم من القبور -
انتهى ) ( 3 ) .
أقول : ولكنه رحمه الله خالف نفسه في شرح عقايد الصدوق ، قال :
( وقد اختلف أصحابنا فيمن ينعم ( ويعذب ) بعد موته ، فقال بعضهم : المنعم
والمعذب هو الروح الذي ( 4 ) توجه إليه الأمر والنهي والتكليف ( و ) سموها
جوهرا ، وقال آخرون : بل الروح الحياة جعلت في جسد كجسده في
دار الدنيا ، وكلا الأمرين يجوزان في العقل ، والأظهر عندي قول من قال :
إنها الجوهر المخاطب وهو الذي يسميه الفلاسفة البسيط ) ( 5 ) ، ثم ذكر أن للأئمة
والأنبياء عليهم السلام أجسادا مثالية ( 6 ) ، مع أنه رحمه الله قال في آخر كلامه في

0000000000000000000

( 1 ) بحار الأنوار 6 : 1 - 270 من الطبعة الحديثة .
( 2 ) في المصدر : مؤمنهم .
( 3 ) أوائل المقالات : 88 .
( 4 ) في المصدر : المعذب والمنعم هو الروح التي .
( 5 ) تصحيح الاعتقاد : 71 .
( 6 ) جدير بالذكر أن المفيد رحمه الله لم يذكر أن لهم أجسادا مثالية بل ذكر أنهم ينقلون بأجسادهم
وأرواحهم من الأرض إلى السماء فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا ،
فراجع .

‹ صفحه 631 ›


المقالات : ( ولست أعرف لمتكلم من الإمامية قبلي فيه مذهبا فأحكيه ،
ولا أعلم بيني وبين فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث فيه اختلافا ) ( 1 ) .
وكيف كان ، فكلماتهم كظواهر الأخبار مختلفة جدا في كلا
المسئلتين ، ومن ليس له حدس قاطع في المعارف الربانية فالواجب عليه
الامساك عن الكلام ، فإن خطره في المقام عظيم .
وقد طال إلحاح الإخوان في أن الخص لهم ما ظهر لي من كلمات
أهل العصمة عليهم السلام وأبين لهم ما ينبغي أن يعتقد ، غير أن تراكم العوائق
ونزول النوائب والمصائب التي تولد في بعضها فقدان الوالدة في خلال
الاشتغال بتلك الوجيزة ، فشغلت حواسي عن إجابة مسئولهم ، بل وإني لي
الدخول في تلك المسألة التي زل فيها أقدام الأعلام ، من المهرة الذين غمروا
اللجج في إنارة المنهج ، وبذلوا المهج في إقامة العوج ، ومع ذلك فنسئل الله
التوفيق لأن أعمل رسالة منفردة في ذلك ، تسقي الغليل وتشفي العليل ، إنه
لا يرد سائله ولا يخيب آمله ، إنه ذو فضل عظيم وذو من قديم .

00000000000000000

( 1 ) أوائل المقالات : 89 .

‹ صفحه 633 ›


الباب السابع عشر

فيما يتعلق بما بعد وفاته وما يقال عند زيارته

‹ صفحه 635 ›


في روضة الواعظين : ( قال ابن عباس : رأيت سلمان الفارسي
( رحمه الله ) في منامي ، ( فقلت له : أنت سلمان ؟ فقال سلمان : نعم ) ، فقلت
( له : يا سلمان ! ) ألست مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : بلى ، فإذا عليه
تاج من ياقوت ، وعليه حلي وحلل فقلت : يا سلمان ! هذه منزلة حسنة
أعطاكها الله تعالى ؟ فقال : نعم ، فقلت : فما ( ذا ) رأيت في الجنة أفضل بعد
الإيمان بالله ورسوله ؟ فقال : ليس في الجنة بعد الإيمان بالله ورسوله شئ هو
أفضل من حب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) والاقتداء به ) ( 1 ) .
وعن العياشي في تفسيره عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام
قال : ( إذا قام قائم آل محمد ( عليه السلام ) استخرج من ظهر الكعبة سبعة
وعشرين رجلا ، خمسة عشر من قوم موسى الذين يهدون ( 2 ) بالحق وبه يعدلون ،
وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع وصي موسى ، ومؤمن آل فرعون ،
وسلمان الفارسي ، وأبا دجانة الأنصاري ، ومالك الأشتر ) ( 3 ) ، ورواه المفيد

0000000000000000

( 1 ) روضة الواعظين 2 : 282 .
( 2 ) في المصدر : يقضون .
( 3 ) تفسير العياشي 2 : 32 .

‹ صفحه 636 ›


في أواخر الإرشاد ( 1 ) مثله .
ورأيت في بعض المواضع المعتبرة ما صورته : ( روى شيخ الطائفة في
كتاب كشف الحق بسنده مرفوعا عن أبي بصير قال : حججت مع أبي عبد الله
عليه السلام حتى إذا زار قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وزرنا معه ،
فقال له رجل من بني يقظان : يا بن رسول الله ! إنهم يزعمون أنهم يزورون
أبا بكر وعمر في هذه القبة ! ؟ فقال عليه السلام : مه يا أخا يقظان ، إنهم كذبوا
فوالله لو نبش قبرهما لوجد في مكانهما سلمان وأبو ذر ، فوالله إنهما أحق بهذا
الموضع من غيرهما ، قال أبو بصير : فقلت : يا بن رسول الله ! كيف يكون انتقال
الميت ووضع آخر مكانه ؟ فقال عليه السلام : يا أبا محمد ! إن الله عز وجل خلق
سبعين ألف ملك يقال لهم : النقالة ، ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها ،
فيأخذون أموات العباد ويدفنون كلا منهم مكانا يستحقه ، وأنهم يسلبون
جسد الميت عن نعشه ويضعون آخر مكانه من حيث لا يدرون ولا يشعرون
وما ذلك ببعيد وما الله بظلام للعبيد ، وروى هذا الحديث في فوائد الفوائد ،
وذكره أيضا ابن طاووس في وصايا إلى آخر ما نقله بلفظه كما رأيته - انتهى ) .
قلت : وقد أجاد الخاقاني في قوله :
خط مجهول ديدم در مدينة
بدانستم كه آن خط زآشنائى است
در آن خط اولين سطر اين نوشته
كه جوزا نزد خورشيد سمانيست
بجان پادشه سوگند خوردم
كه نزد پادشه جز پادشا نيست .
وقال السيد رحمه الله في مجالس المؤمنين في ترجمة السيد عز الدين
الأقسائي الكوفي : ( إن المستنصر العباسي الخليفة زار يوما قبر سلمان ومعه
السيد المذكور ، فقال الخليفة : كذبوا غلات الشيعة في قولهم : إن علي بن
أبي طالب عليه السلام سار ليلة واحدة من المدينة إلى المدائن وغسل سلمان ورجع
فيها ، فأنشد السيد في جوابها هذه الأبيات :

0000000000000000000

( 1 ) الإرشاد : 365 ، مع زيادة : ( فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما ) .

‹ صفحه 637 ›


أنكرت ليلة إذا سار الوصي إلى * أرض المدائن لما أن لها طلبا
وغسل الطهر سلمانا وعاد إلى * عراض يثرب والإصباح ما وجبا
وقلت : ذلك من قول الغلاة ، وما * ذنب الغلاة إذا لم يوردوا كذبا
فآصف قبل رد الطرف من سبأ * بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا
فأنت في آصف لم تغل فيه بلى * في حيدر أنا غال إن ذا عجبا
إن كان أحمد خير المرسلين فذا * خير الوصيين أو كل الحديث هبا
وأما زيارته :
فقال شيخ الطائفة في التهذيب : زيارة سلمان رحمه الله : ( السلام عليك
يا أبا عبد الله سلمان ، السلام عليك يا تابع صفوة الرحمن ، السلام عليك يا من
لم يتميز من أهل بيت الإيمان ، السلام عليك يا من خالف حزب الشيطان ،
السلام عليك يا من نطق بالحق ولم يخف صولة السلطان ، السلام عليك
يا من نابذ عبدة الأوثان ، السلام عليك يا خير من تبع الوصي زوج سيدة
النسوان ، السلام عليك يا من جاهد في الله مرتين مع النبي والوصي أبي
السبطين ، السلام عليك يا من صدق وكذبه أقوام ، السلام عليك يا من قال
له سيد الخلق من الإنس والجان : أنت منا أهل البيت لا يدانيك إنسان ،
السلام عليك يا من تولى أمره عند وفاته أبو الحسنين ، السلام عليك ( يا من )
جوزيت عنه بكل إحسان ، السلام عليك فلقد كنت ( على ) خير أديان ،
السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أتيتك يا أبا عبد الله زائرا قاضيا فيك حق
الإمام ، وشاكرا لبلائك في الإسلام ، فاسئل الله الذي خصك بصدق الدين
ومتابعة الخيرين الفاضلين أن يحييني حياتك وأن يميتني مماتك ويحشرني ( في )
محشرك وعلى إنكار ما أنكرت ومنابذة من نابذت والرد على من خالفت ،
ألا لعنة الله على الظالمين من الأولين والآخرين ، فكن يا أبا عبد الله شاهدا لي

00000000000000000

( 1 ) مجالس المؤمنين 2 : 507 ، الغدير 5 : 14 .

‹ صفحه 638 ›


بهذه الشهادة ( 1 ) عند إمامي وإمامك صلى الله عليه وآله وسلم ، جمع الله ( بيني و ) بينك
وبينهم في مستقر ( من ) رحمته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه إن شاء الله ،
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وهو قريب مجيب وصلى الله على خيرته من
خلقه محمد وآله الطاهرين وسلم ( تسليما كثيرا ) ( 2 ) .
ونقلها في البحار عن مصباح السيد ، وزاد بعد قوله من رحمته :
( وجعلنا وإياهم من جميع المؤمنين والمؤمنات في جنات النعيم بمنه وجوده ، قال
رحمه الله : ثم صل الزيارة وما بدا لك وادع الله كثيرا لنفسك وللمؤمنين
انتهى ) ( 3 ) .
والشيخ رحمه الله وإن لم ينسبها إلى المعصوم إلا أن في ذكرها في سياق
الزيارات المروية عن الأئمة الطاهرين ، مع أنه لم يعهد منه تأليف زيارة أو
دعاء - كما كان يصنع السيد رحمه الله في كتبه - ، سيما في كتابه التهذيب الذي بنى
فيه على جمع الأخبار من الأصول والكتب ، قرينة على كونها مأثورة عنهم
عليهم السلام ، والله أعلم .
في البحار عن السيد قدس الله روحه قال : ( إذا أردت زيارته تقف على
قبره وتستقبل القبلة وتقول : السلام على رسول الله محمد من بن عبد الله
خاتم النبيين ، السلام على أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، السلام على الأئمة
المعصومين الراشدين ، السلام على الملائكة المقربين ، السلام عليك يا صاحب
رسول الله الأمين ، السلام عليك يا ولي أمير المؤمنين ، السلام عليك يا مودع
أبرار السادة الميامين ، السلام عليك يا بقية الله من البررة الماضين ، السلام
عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، أشهد أنك أطعت الله كما أمرك
واتبعت الرسول كما ندبك وتوليت خليفته كما ألزمك ودعوت إلى الاهتمام
بذريته كما وقفك وعلمت الحق يقينا واعتمدته كما أمرك ، وأشهد أنك
باب وصي المصطفى وطريق حجة الله المرتضى وأمين الله فيما استودعت من

0000000000000000

( 1 ) في المصدر : الزيارة .
( 2 ) التهذيب 6 : 118 .
( 3 ) بحار الأنوار 102 : 290 ، مصباح الزائر : 263 .

‹ صفحه 639 ›


علوم الأصفياء ، أشهد أنك من أهل بيت النبي النجباء المختارين لنصرة
الوصي ، أشهد أنك صاحب العاشرة والبراهين والدلائل القاهرة ، وأقمت
الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وأديت
الأمانة ونصحت لله ولرسوله ، وصبرت على الأذى في جنبه حتى أتاك
اليقين ، لعن الله من أعنتك في أهل بيتك ، لعن الله من لامك في ساداتك ،
لعن الله عدو آل محمد من الجن والإنس من الأولين والآخرين ، وضاعف
عليهم العذاب الأليم ، صلى الله عليك يا أبا عبد الله ، صلى الله عليك
يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليك يا مولى أمير المؤمنين عليه السلام ،
وصلى الله على روحك الطيب وجسدك الطاهر ، والحقنا بمنة وجوده ( 1 ) إذا
توفانا بك وبمحل السادة الميامين ، وجمعنا معهم بجوارهم في جنات النعيم ،
صلى الله عليك يا أبا عبد الله ، وصلى الله على إخوانك الشيعة البررة من
السلف الميامين ، وأدخل الروح والرضوان على الخلف من المؤمنين ، وألحقنا
وإياهم بمن تولاه من العترة الطاهرين ، وعليك وعليهم السلام ورحمة الله
وبركاته ، ثم اقرأ ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) سبع مرات ، ثم صل عنده
( مندوبا ) ما بدا لك ، فإذا أردت وداعه رحمه الله فليكنه ذلك بالوداع الذي
نذكره عقيب ما يأتي من زياراته رضوان الله عليه ( 2 ) أ
قال المجلسي رحمه الله : ( وجدت هذه الزيارة نقلا من خط علي بن
السكون قدس سره ، وزاد بعد قوله : على الملائكة المقربين : ثم ضع يدك
اليسرى عليه وقل - الخ ) ( 3 ) .
أقول : وفي تعيين قراءة القدر سبع مرات ووضع اليد على قرينة
واضحة على كونها من الزيارات المروية عن العترة الطاهرة .

0000000000000000000

( 1 ) في المصدر : رأفته .
( 2 ) بحار الأنوار 102 : 278 ، مصباح الزائر : 261 .
( 3 ) بحار الأنوار 102 : 288 .

‹ صفحه 640 ›


وفيه : ( ثم قال السيد ( رحمة الله عليه ) زيارة أخرى ( لسلمان الفارسي
رضوان الله عليه ) ثانية ، تقول : السلام على سيدنا محمد النبي خاتم النبيين وعلى آله
الأئمة الطاهرين ، السلام على أنبياء الله أجمعين وملائكته المقربين وعباده
الصالحين ، السلام عليك أيها العبد الصالح والمؤمن المخلص الناصح ، السلام
عليك يا من خلطه إيمانه بأهل البيت الطاهرين وباعده إسلامه من جملة
الكفار والمشركين ، السلام عليك يا عبد الله ووليه ( 1 ) وصاحب رسول الله
وصفيه ، السلام عليك أيها الطائع العابد الخاشع الزاهد ، السلام عليك
يا سلمان ورحمة الله وبركاته ، أشهد أنك عشت حميدا ومضيت سعيدا ، لم
تنكث عهدا ولا حللت من الشرع عقدا ، ولا رضيت منكرا ولا أنكرت
معروفا ، ولا واليت مخالفا ولا خالفت مؤالفا ، ولا بعت دينك بدنياك ،
ولا آثرت على ما يبقى ما يفنى ، وأشهد أنك مضيت على سنة خاتم النبيين
وولاية أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين ، وأنك صرت إلى أحمد جوار وأسعد
قرار ، فهناك الله أنعامه المؤبد وإكرامه المجدد ، وجعلك في زمرة مواليك
الطاهرين وأئمتك الأكرمين ، ونفعني بزيارتك وإخلاصي في محبتك ، وجمع
بيننا في مستقر الرحمة ومحل النعمة إنه على ذلك قدير ، اللهم إني أسئلك بحق
محمد وأهل بيته الطاهرين الهادين أن تصلي عليهم أجمعين وأن تضاعف
إنعامك وإكرامك ( 2 ) وترادف إحسانك وامتنانك على عبدك سلمان ، الذي
شرفته بالإسلام والإيمان والقرب من نبيك ووصيه عليهما السلام ، وأن تجعل
زيارتي له كفارة لذنوبي وممحصة لعيوبي وزيادة في يقيني ومؤكدة لإيماني ،
وأن تحمدني عاقبة أمري في دنياي وديني ، وتغفر لي ولوالدي وأهلي إنك على
كل شئ قدير ، حسبي الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير ) ( 3 ) .
وفيه زيارة ثالثة لسلمان رحمه الله : ( السلام عليك أيها الولي المؤتمن
والصفي المختزن وصاحب الحق ( 4 ) على طول الزمن ، مدرك علم الأولين ومسر

0000000000000000

( 1 ) في الأصل : وصيه ، أقول : في البحار : يا أبا عبد الله .
( 2 ) في المصدر : إكرامك وإنعامك .
( 3 ) بحار الأنوار 102 : 289 ، مصباح الزائر : 262 .
( 4 ) في المصدر : طالب الحق ( خ ل ) .

‹ صفحه 641 ›


علم الآخرين ، المدلول على الرسول بالآيات والنعت والصفات والوقت ،
حتى أتاه بالبشارة عند محتضر النذارة ، فأدى إليه بشارة المرسلين به ودلالتهم
عليه ورأى خاتم النبوة بين كتفيه ومقاليد الدنيا والآخرة في يديه ، وبأوصيائه
من بعده القائمين بعهده لما علمه من الأخبار على سالف الأعصار ، فجعلك
النبي صلى الله عليه وآله من أهل بيته وقرابته تفضيلا لك على صحابته ، إذ كنت
أولهم إلى معرفته قدما وآخرهم به نطقا وأرعاهم إليه حقا ( 1 ) ، فقد أتيناك
زائرين ولآلاء الله ذاكرين ، تعرضا لرحمته واعترافا بنعمته ، فاسئل الله الذي
خصك بصدق اليقين ( 2 ) ومتابعة الخيرين الفاضلين أن يحييني حياتك ويميتني
مماتك ، على إنكار ما أنكرت والرد على من خالفت ، والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته ) ( 3 ) .
ثم ساق زيارة رابعة هي ما نقلناها عن التهذيب ، ثم قال : ( فإذا
عزمت على الانصراف عن زيارته فقف عليه للوداع وقل : السلام عليك
يا أبا عبد الله ، أنت باب الله المؤتى منه والمأخوذ عنه ، أشهد أنك قلت حقا
ونطقت صدقا ( 4 ) ودعوت إلى مولاي ( و ) مولاك علانية وسرا ، أتيتك زائرا
وحاجاتي لك مستودعا ، وها أنا ذا مودعك ديني وأمانتي وخواتيم عملي
وجوامع أملي إلى منتهى أجلي ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وصلى الله
عليه وآله الأخيار ، ثم ادع كثيرا وانصرف إن شاء الله تعالى ) ( 5 ) .
واعلم أن المدائن - كما عن تلخيص الآثار - عبارة عن مدن سبع
كانت من بناء أكاسرة العجم ، على طرف دجلة بغداد ، أسكنها ملوك
بني ساسان إلى زمن عمر بن الخطاب ، فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت ( 6 )

00000000000000000

( 1 ) في الأصل : ادعاهم له حقا .
( 2 ) في المصدر : بصدق الدين .
( 3 ) بحار الأنوار 102 : 290 ، مصباح الزائر : 262 .
( 4 ) في المصدر : دعوت صدقا .
( 5 ) بحار الأنوار 102 : 291 ، مصباح الزائر : 263 .
( 6 ) اختط الأرض : جعل لها حدودا ليعلم أنها له .

‹ صفحه 642 ›


البصرة والكوفة انتقل الناس إليها ، ثم لما اختط الحجاج واسطا وكان
دار الإمارة انتقل الناس إليها ، فلما اختط المنصور بغداد انتقل أكثر الناس
إليها ، وأما الآن شبه قرية في جانب الغربي من دجلة ، أهلها فلاحون شيعة
إمامية ، من عادتهم أن نسائهم لا يخرجن نهارا أصلا ، وفي الجانب الشرقي منها
مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه وله موسم في منتصف شعبان ، ومشهد
حذيفة ابن اليمان ، وكان للأكاسرة هناك قصر كان باقيا إلى زمان المكتفي ،
فأمر بنقضه وبنائه التاج الذي بدار الخلافة ببغداد ، وتركوا منه إيوان كسرى ،
ذكر إنه من بناء أنوشيروان من أعظم الأبنية وأعلاها ، والآن بقي منه طاق
الإيوان وجناحاه وأزجه ( 1 ) قد بنى بآجر طوال عراض ، بقاؤه إلى زماننا هذا
من نتائج عدله ، كما قال الشاعر :
جزاى حسن عمل بين كه روزگار هنوز
خراب مى نكند بارگاه كسرى را
وفي مجمع البحرين : ( البهقيا ذات - بالباء الموجدة ثم الهاء ثم
القاف ثم الألف بعد ياء مثناة تحتانية ، ثم ذال معجمة ثم ألف ثم تاء في
الآخر - : رستاق من رساتيق المدائن مملكة كسرى دفن فيها سلمان
الفارسي ) ( 2 ) .
وفي تنبيه الخواطر عن جرير السهمي قال : ( كنت مع أمير المؤمنين
عليه السلام في مسيره إلى الشام ، فمررت على مدائن كسرى فوقفت وقلت شعرا :
جرت الرياح على رسوم ديارهم
فكأنهم كانوا على ميعاد
وأرى النعيم وكلما يلهى به
يوما يصير إلى بلى ونفاد

00000000000000000

( 1 ) الأزج : البيت يبني طولا .
( 2 ) مجمع البحرين 3 : 178 .

‹ صفحه 643 ›


قال عليه السلام : هلا قلت أحسن من هذا ؟ قلت : وما هو
يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ( كم تركوا مكن جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ) ( 1 ) ،
يا بن أخ هؤلاء قوم كفروا النعم ونزلت بهم النقم ) ( 2 ) .
وفي مقتضب الأثر عن محمد بن نوشجاني قال : ( لما جلى الفرس عن
القادسية وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم وادالة ( 3 ) العرب عليه ،
وظن أن رستم قد هلك والفرس جميعا ، وجاء مناذر فأخبره بيوم القادسية
وانجلائها عن خمسين ألف قتيل من الفرس ، خرج يزدجرد هاربا في أهل بيته
فوقف بباب الإيوان فقال : السلام عليك أيها الإيوان ، ها أنا ذا منصرف
عنك وراجع إليك أنا أو رجل من ولدي ، لم يدن زمانه ولا آن أوانه ، قال
سليمان الديلمي : فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسئلته عن ذلك وقلت
له : ما قوله : أو رجل من ولدي ؟ فقال عليه السلام : ذلك صاحبكم القائم
بأمر الله عز وجل ( مهديا من قبل أم علي بن الحسين عليهما السلام اسمها بانويه
بنت يزدجرد ) ( 4 ) ، السادس من ولدي ، قد ولده يزدجرد فهو ولده ) ( 5 ) .
وفي فضائل شاذان بن جبرئيل القمي عن عمار الساباطي قال :
( قدم أمير المؤمنين المدائن ، فنزل بإيوان كسرى وكان معه دلف بن بحير ، فلما
صلى قام وقال لدلف : قم معي ، وكان معهم جماعة من أهل ساباط ،
فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف : كان لكسرى في هذا المكان كذا
وكذا ، ويقول دلف : هو والله كذلك ، ( فما زال كذلك ) حتى طاف المواضع
بجميع من كان عنده ( وأخبر عن جميع ما كان فيها ) ودلف يقول : يا سيدي
ومولاي ! كأنك وضعت هذه الأشياء في هذه الأمكنة ، ثم نظر ( عليه السلام )

000000000000000000

( 1 ) الدخان : 26 .
( 2 ) تنبيه الخواطر 2 : 280 .
( 3 ) الإدالة : الغلبة .
( 4 ) لم يوجد هذه العبارة في المصدر والبحار .
( 5 ) مقتضب الأثر : 40 ، عنه البحار 51 : 164 ، رواه السيد بن طاووس في الملاحم والفتن : 200
عن ابن شهرآشوب في المناقب .