‹ صفحه 581 ›
في الله لومة لائم ، فأبى إلا أن يتكلم ، فمر به عثمان فأمر به ( 1 ) ، ثم أناب
الناس
بعد ، فكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة ( 2 ) وكانوا
سبعة ، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة ) ( 3 ) .
قال السيد الداماد في الرواشح بعد نقل الخبر : ( فيه - أي في قوله
جاض - روايتان : بالجيم والضاد المعجمة وبالحاء والصاد المهملتين ، كلاهما
بمعنى الحيود والزيغ ، فصحفه بعض المصحفين من القاصرين بالحاء المهملة
والضاد المعجمة ) ( 4 ) ، ولببه : جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جرحه ،
وجأ يجأ ويوجأ : ضربه باليد والسكين ، والسلعة - بالكسر - كالغدة في الجسد ،
ويفتح ويحرك وكعنبة ، أو خراج في العنق أو غدة فيها أو زيادة في البدن
كالغدة تتحرك إذا حركت وتكون من حمصة إلى بطيخة - كذا في القاموس .
وهذا الخبر منقطع من أوله إلا أنه رواه في البحار عن المفيد في
الإختصاص عن علي بن الحسن بن يوسف ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن
محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم مثله ( 5 ) ، وفيه : ( إن عند ذا - يعني
أمير المؤمنين عليه السلام - ) ، وفيه : ( فمر به عثمان ما مر به ) ، وفيه :
( وأبو عمره وفلان حتى عقد سبعة ) ، وهو ضعيف بجهالة علي بن الحسن .
وعن المفيد فيه ، عن جعفر بن الحسين المؤمن ، عن بن الوليد ، عن
الصفار ، عن عيسى ، يرفعه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن سلمان
كان منه إلى ارتفاع النهار ، فعاقبه الله إن وجئ ( في ) عنقه حتى صيرت كهيئة
السلعاء ( 6 ) حمراء ، وأبو ذر كان منه إلى وقت الظهر ، فعاقبه الله إلى أن سلط
عليه
عثمان حتى حمله على قتب وأكل لحم أليتيه وطرده عن جوار رسول الله
000000000000000000
( 1 ) فمر به عثمان فأمر به : أي فتكلم أو هو
يتكلم في شأنه فأمر به فأخرج من المدينة .
( 2 ) لم نعثر على ترجمته ، نعم في جامع الرواة 2 : 398 : ( إنه من أصحاب أمير
المؤمنين عليه السلام ) .
( 3 ) إختيار معرفة الرجال : 11 - 12 .
( 4 ) الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإمامية ، الراشحة 37 : 141 .
( 5 ) بحار الأنوار 22 : 239 ، الإختصاص : 10 ، أقول : فيهما : ( علي بن الحسين بن
يوسف ) .
( 6 ) في المصدر : السلعة .
‹ صفحه 582 ›
صلى الله عليه وآله وسلم ، فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم
حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود ، لم يزل قائما قابضا على قائم
السيف ، عيناه في عيني أمير المؤمنين عليه السلام ينتظر متى يأمره ( عليه السلام )
فيمضي ) ( 1 ) .
وبالإسناد عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن عمرو ،
عن كرام ، عن إسماعيل بن جابر ، عن مفضل بن عمر قال : ( قال أبو عبد الله
عليه السلام : لما بايع الناس أبا بكر أتي بأمير المؤمنين عليه السلام ملببا
ليبايع ، قال
سلمان : أيصنع ذا بهذا ؟ والله لو أقسم على الله لانطبقت ذه على ذه ، قال :
وقال أبو ذر ، وقال المقداد : والله هكذا أراد الله أن يكون ، فقال أبو عبد الله
عليه السلام : كان المقداد أعظم الناس إيمانا تلك الساعة ) ( 2 ) .
أقول : قال العلامة في الخلاصة : ( سلمان الفارسي ( رحمة الله عليه ) مولى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنى أبا عبد الله ، أول الأركان الأربعة ،
حاله
عظيم جدا مشكور لم يرتد ) ( 3 ) .
قلت : لأنه لم يكن ما خطر بقلب سلمان أو نطق به ، بعد تسليم تلك
الأخبار المعارضة ، بخصوص ما تقدم عن الكشي المعتضد بغيره مما يمكن
دعوى تواتره ، مما يعد من الصغائر أو يندرج في سلك الكبائر ، وإن هو بالنسبة
إلى مقامه الأمثل ما صدر من الأنبياء مما كان الأولى بمقامهم تركه ، وقد
يكون ذلك لشدة محبته وفرط إخلاصه فيعتريه من لوازم البشرية ما يوهم أن
يكون منافيا لمقامه ، ومن ذلك ما حصل للإمام علي بن الحسين عليهما السلام في
الطف حين مروا به على القتلى من الهم والحزن حتى نست عمته ما أصابتها
من المصائب وجعلت تسليه وتذكر له ما سمعت من أبيها مما اشتمل عليه
خبر زائدة ( 4 ) ، وليس مقام الحجة من رعيته والإمام من تبعته إلا كالشمس من
0000000000000000000
( 1 ) الإختصاص : 9 .
( 2 ) الإختصاص : 10 - 11 ، وفيه ( أتصنع هذا بهذا ) .
( 3 ) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 84 .
( 4 ) كامل الزيارات ، الباب 88 : 259 ، عنه البحار 49 : 179 ، أقول : هذا الحديث
ليس من أصل
كتاب كامل الزيارة بل أدرجه فيه بعض تلامذته الذي روى الكتاب ، صرح بذلك تلميذه في
صدر الخبر ، نبه على ذلك المصنف قدس سره في المستدرك 3 : 522 .
‹ صفحه 583 ›
الغمام والتبر من الرغام ، وأما المقداد : فحيث لم
يصدر منه ما ينافي مقامه من
الإيمان ، وإن كان في الدرجة الثامنة ، كان هو أثبت منهم بالنسبة إلى مقامه ،
ولا يكون ذلك سببا لفضله عليهم وإلا لوجب فضل أيوب عليه السلام على أولي
العزم أو المرسلين على غيرهم إنما هو بالعلم الذي هو المناط في التفاضل ، ومن
هذا الباب جميع ما ورد في الصفات المختصة بكل نبي فإنها إن كانت مما
تحصل به التفاضل على من هو أعلى منه فإنما هي لامتيازها بها من بين ساير
صفاته وتماميتها فيه ، لا أنها في غيره ناقصة ، وقد تقدم في رواية سليم عن
سلمان : ( إن الزبير كان أشد منا قولا وأشدنا نصرة في نصرته عليه السلام ) ،
فافهم .
وتحصل من تلك الأخبار وغيرها مما لم نذكرها أصل أصيل وهو
الحكم بارتداد جميع من بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن صحبه في حياته
إلا ثلاثة منهم أو أربعة ، والوجه في ذلك مضافا إلى تلك الأخبار هو إنكارهم
ما سمعوه منه صلى الله عليه وآله وسلم من النص على خلافة أمير المؤمنين عليه
السلام مما
هو مذكور مفصلا في كتب الإمامة ، وليس بغريب منهم ، فإن أكثر الخلائق
ضلوا عن الأنبياء الماضين وعبدوا غير رب العالمين ، بل لو لم تضل أكثر هذه
الأمة كان ذلك ناقضا للعادات وخلاف ما تقتضيه طبايع البشر
واختلافهم في الاعتقادات ، بل الذين كابروا واشتبه عليهم الحال بين علي
عليه السلام وبين من تقدمه من الخلفاء أولى بالضلالة من الذين اشتبه عليهم
الحال بين الله عز وجل وبين خشبة عبدوها من دونه ، فإنهم ما كان يحصل
لهم من الأصنام ذهب ولا فضة ولا ولاية ولا إنعام ، وقد حصل لهؤلاء وهو يتلو قوله
عز وجل :
‹ صفحه 584 ›
( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده ) ( 1 ) ، وكان عدد من
سجد للعجل من بني إسرائيل سبعين ألفا ، وموسى عليه السلام بين أظهرهم
ينتظرون رجوعه ، وقد رأوا من الآيات السماوية ما لم ترها أمة قبلهم
ولا بعدهم ، فلا عجب من سوء صنيع هؤلاء وقد مات نبيهم وانقمع الرجاء
والخوف وانسد باب الوحي ، فانتهزوا الفرصة وتشمروا ( 2 ) في طلب شهواتهم
وفساد اختبارهم ، وإنك إذا اعتبرت حال أهل زمانك وجدت بينهم من
الحسد والعداوات ما لا تحتاج إلى الإحالة إلى ما سلف من الأوقات ، وتعلم
أن هذه حال جرت عليه العادات .
وأما كيفية بيعته :
فقال السيد المؤيد الآملي في الكشكول : ( وفي ذلك اليوم - أي يوم
الذي بايع فيه أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر مكرها - أخذ سلمان ( الفارسي )
مع
علو شأنه ( 3 ) وفضل محبته ، وقالوا ( له ) : بايع ، قال : أو لم أبايع على عهد (
محمد )
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام ! ؟ يا أصحاب محمد !
كردى و
نكردى ونيكو نكردى وحق أمير ببيردى ( 4 ) ، وعملتم بسنة من كان قبلكم
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، وأخطأتم سنة نبيكم و ( ومن نكث فإنما
ينكث على نفيه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) ( 5 ) ، فوجئ
عنقه
حتى صار كالسلعة ( 6 ) وهو يأبى ، فأقبل علي عليه السلام ( إلى سلمان ) فلما نظر
إليه سلمان ( ف ) - قال : أنا عبد هذا في الطاعة ومولى له في الدين ( 6 ) ، فقال
علي عليه السلام : بايع يا سلمان فإن الأمر قد قرب والجزاء ( غدا ) عند الله
00000000000000000
( 1 ) البقرة : 51 .
( 2 ) تشمر للأمر : أراده وتهيأ له .
( 3 ) في المصدر : علو سنه .
( 4 ) كرديد ونكرديد ونيكو نكرديد وحق أمير ببرديد ( ظ ) .
( 5 ) الفتح : 10 .
( 6 ) في المصدر : كالسلة ، وهو مولى لي في الدين .
‹ صفحه 585 ›
جليل ، ثم قال : ( ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليلوا بعضكم ببعض ) ( 1 ) ،
فمد سلمان شماله وقال : أما يميني التي بايعت بها ( علي ) أمير المؤمنين في
حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإني لا أبايع بها أحدا غيره ، فهاكم
شمالي
لا بارك الله لكم في سلطانكم ، وعنقه يوجئ ، فقال علي عليه السلام ، نشدتكم ( 2 )
بالله وحق صاحبكم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
سلمان منا أهل البيت ، ( ف ) - من أغضب سلمانا فقد أغضبني ؟ فقالوا : اللهم
نعم ، فقال لهم : فارضوا عنه ( 2 ) بشماله ، فلا بأس ( عليكم ) ، فقال أبو بكر بن
أبي قحافة : صدق ، هاتوا شماله ) ( 3 ) .
وقال سليم بن قيس الهلالي في كتابه ، بعد الخبر المتقدم في آخر الباب
الحادي عشر قبل كتاب سلمان : ( فقلت لسلمان : ( اف ) - بايعت ولم تقل
شيئا ؟ قال : بل قلت بعد ما بايعت : تبا لكم ساير الدهر أ ( و ) تدرون ما
صنعتم بأنفسكم ، أصبتم وأخطأتم ، أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة
والاختلاف ، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها ،
فقال عمر : ( يا سلمان ! ) أما إذا قد بايع صاحبك ( 4 ) وبايعت فقل ما شئت
وافعل ما شئت ( 4 ) وليقل صاحبك ما بدا له ، قال سلمان : ( ف ) - قلت : ( فإني
أشهد أني ) سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن عليك وعلى
صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب الثقلين ( 5 ) إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا ،
فقال ( له ) : قل ما شئت ، أليس قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها
صاحبك ، ( فقال ) : ( ف ) - قلت : ( إني ) أشهد أني ( قد ) قرأت في بعض كتب
الله المنزلة أنك باسمك وصفتك ونسبك باب من أبواب جهنم ، فقال ( لي ) :
قل ما شئت ، أليس قد عدلها الله ( 6 ) عن أهل ( هذا ) البيت ، الذين ( قد )
00000000000000000000
( 1 ) محمد صلى الله عليه وآله : 4 .
( 2 ) في المصدر : أنشدكم ، فارضوا منه .
( 3 ) الكشكول فيما جرى على آل الرسول : 5 - 84 ، وجئ أي ضربه .
( 4 ) في المصدر : أما إذا بايع صاحبك ، افعل ما بدا لك .
( 5 ) جميع أمته ( خ ل ) ، أقول : في المصدر : أمته .
( 6 ) في المصدر : أزالها الله .
‹ صفحه 586 ›
اتخذتموهم أربابا ( من دون الله ) ، فقلت ( له ) : أشهد أني سمعت رسول الله
( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول و ( قد ) سئلته عن هذه الآية : ( فيومئذ لا يعذب
عذابه أحد ، ولا يوثق وثاقه أحد ) ( 1 ) فأخبرني بأنك أنت هو ، فقال لي عمر :
أسكت ، أسكت الله نأمتك ( 2 ) أيها العبد ( ابن ) اللخناء ، فقال علي عليه السلام
:
أسكت يا سلمان ، فسكت ( 3 ) ، ( فقال سلمان ) : والله لو لم يأمرني علي عليه
السلام
بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه وكل شئ سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فيه وفي صاحبه ، فلما رآني عمر ( و ) قد سكت قال ( لي ) : إنك
( له ) لمطيع مسلم ، فلما ( أن ) بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا ، قال عمر :
( يا سلمان ! ) ألا كففت ( 4 ) كما كف صاحباك ، والله ما أنت بأشد ( حبا )
لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما وقد كفا كما ترى وبايعا ،
فقال أبو ذر : أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد ( عليهم السلام ) وتعظيمهم ، لعن الله
من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم
ورد هذه الأمة القهقهرى على أدبارها - وقد فعل ذلك - ، فقال عمر :
آمين - الخبر ) ( 5 ) ، وهو طويل أخذنا منه موضع الحاجة .
وفي الإحتجاج في حديث طويل في إنكار جملة من الصحابة بيعة
أبي بكر ، وفيه : ( ثم قام سلمان الفارسي وقال : كرديد ونكرديد ، أي فعلتم
ولم تفعلوا ، و ( قد كان ) امتنع من البيعة قبل ذلك حتى وجئ ( 6 ) عنقه ،
فقال : يا أبا بكر ! إلى من تستند أمرك ( 7 ) إذا نزل بك ما لا تعرفه ، وإلى من
تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه ، وما عذرك في تقدم ( - ك على ) من هو أعلم
منك وأقرب إلى رسول الله وأعلم بتأويل كتاب الله عز وجل وسنة
000000000000000000
( 1 ) الفجر : 25 .
( 2 ) قال الجوهري : النأمه - بالتسكين ) - : الصوت ، يقال : أسكت الله نأمته أي
نغمته وصوته .
( 3 ) في المصدر : أقسمت عليك يا سلمان لما سكت .
( 4 ) في المصدر : تكف ، لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم .
( 5 ) سليم بن قيس : 1 - 90 .
( 6 ) وجأه : ضربه .
( 7 ) في المصدر : تسند أمرك .
‹ صفحه 587 ›
نبيه ومن قدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وأوصاكم به
عند وفاته ، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم
العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذرا من
مثل ما أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره ، فعن قليل
يصفو لك الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت
يداك ، فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم
ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك وتسلمك
ذووا نصرتك ، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا ، فلم يردعك ذلك عما
أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ، ولاحظ للدين ولا
للمسلمين ( 1 ) في قيامك ( به ) ، فالله الله في نفسك ، فقد أعذر من أنذر ولا تكن
أنت ( 1 ) كمن أدبر واستكبر ) ( 2 ) .
وعن عماد الدين حسن بن علي المازندراني في الكامل إنه : ( لما
امتنع من بيعة أبي بكر ، قال له عمر يوما : إن تخلف بني هاشم عن البيعة إنما
هو لافتخارهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولدعواهم أنهم أفضل الخلق بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فما لك تتخلف ؟ فقال سلمان : أنا شيعة لهم في
الدنيا أتخلف بتخلفهم وأبايع ببيعتهم ) ( 3 ) .
ونقل ابن أبي الحديد من كتاب الجوهري ، عن جرير بن المغيرة : ( إن
الزبير وسلمان والأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا عليه السلام بعد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ، فلما بويع أبو بكر قال سلمان : أصبتم الخبرة وأخطأتم
المعدن ) ( 4 ) .
وعن حبيب بن أبي ثابت ، قال : ( قال ) سلمان يومئذ : أصبتم
ذا السن منكم وأخطأتم أهل بيت نبيكم ، لو جعلتموها فيهم ما اختلف
000000000000000000
( 1 ) في المصدر : لا المسلمين ، لا تكون .
( 2 ) الإحتجاج : 1 : 7 - 76 .
( 3 ) كامل البهائي ، الباب الحادي عشر : 335 .
( 4 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 49 ، وفيه : إن سلمان والزبير .
‹ صفحه 588 ›
عليكم اثنان ، ولأكلتموها رغدا ) ( 1 ) .
وقال في آخر كلامه في أحوال سلمان : ( وكان سلمان من شيعة
علي عليه السلام وخاصته ، وتزعم الإمامية أنه أحد الأربعة الذين حلقوا رؤوسهم
وأتوه متقلدي سيوفهم ، في خبر يطول وليس هيهنا موضع ذكره ، وأصحابنا
لا يخالفونهم في أن سلمان كان من الشيعة ، وإنما يخالفونهم في أمر أزيد من
ذلك ، وما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة : كرديد وكرديد ،
محمول عند أصحابنا على أن المراد : صنعتم شيئا وما صنعتم ، أي استخلفتم
خليفة ونعم ما فعلتم ، إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت ، فلو كان الخليفة منهم
كان أولى ، والإمامية تقول : معناه : أسلمتم وما أسلمتم ، واللفظة المذكورة
في الفارسية لا تعطي هذا المعنى ، وإنما تدل على الفعل والعمل لا غير ، ويدل
على صحة قول أصحابنا إن سلمان عمل لعمر على المدائن ، فلو كان ما
تنسب ( - ه ) الإمامية إليه حقا لم يعمل ( له ) ( 2 ) .
أقول : فلينظر العاقل اللبيب إلى كلام هذا الفاضل الأديب ، كيف
أعماه حبه لنصرة مذهبه حتى تفوه بما لا يليق صدوره عن الجاهل الغبي
فضلا عن العالم الوعي ، ولنذكر كلام السيد في الشافي فإن فيه شفاء لما في
الصدور .
قال رحمه الله في كلام له في البيعة : ( فإن قيل : المروي عن سلمان أنه
قال : كرديد ونكرديد ، ليس بمقطوع به ؟ قلنا : إن كان خبر السقيفة وشرح
ما جرى فيها من الأقوال والأفعال مقطوعا به فقول سلمان مقطوع به ، لأن
كل من روى السقيفة رواه ، وليس هذا مما تختص الشيعة بنقله فيتهمونهم
فيه ، وليس لهم أن يقولوا : كيف يخاطبهم بالفارسية وهم عرب وإن كان
فيهم من فهم الفارسية لا يكون إلا آحادا لا يجب قبول قولهم ، وذلك أن
سلمان وإن تكلم بالفارسية فقد فسره بقوله : ( أصبتم وأخطأتم ، أصبتم سنة
000000000000000000
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 :
49 .
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18 : 39 .
‹ صفحه 589 ›
الأولين وأخطأتم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقوله ( أما والله
لو وضعتموها حيث وضع الله لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أرجلكم
رغدا ، أما والله حيث عدلتم بها من أهل بيت نبيكم ليطمعون فيها الطلقاء
وأبناء الطلقاء ونساء الطلقاء ) ، حتى روي عن ابن عمر أنه قال : ( ما
أبغضت أحدا كبغضي سلمان يوم قال هذا القول ، وإني قلت يريد شق عصا
المسلمين ووقوع الخلاف بينهم ، ولا أحببت أحدا كحبي له يوم القيامة رأيت
مروان بن الحكم على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : رحم الله سلمان
لقد طمع فيه الطلقاء وأبناء الطلقاء ) ، وغير ذلك من الألفاظ المنقولة عنه ،
وقد يجوز أن يجمع في إنكاره بين الفارسية والعربية ليفهم إنكاره أهل اللغتين
معا ، فلم يخاطب على هذا العرب بالفارسية ، فأما قول السائل : إن راويه
واحد من حيث لا يجوز أن يرويه إلا من فهم الفارسية فطريف ، لأن الشئ
قد يرويه من لا يعرف معناه ، فلعل الناقلين لهذا الكلام كانوا جميعا أو كان
أكثرهم لا يعرف معناه ، غير أنهم نقلوا ما سمعوا ، وفهم معناه من عرف اللغة
أو أخبره عنه من يعرفها ، فإن قالوا : قوله : كرديد ونكرديد ، فيه تثبيت
لإمامته ، قيل : هذا باطل ، لأنه أراد بقوله : كرديد ، فعلتم ، وبقوله نكرديد :
لم تفعلوا ، والمعنى : إنكم عقدتم لمن لا يصلح للأمر ولا يستحقه وعدلتم عن
المستحق ، وهذه عادة الناس في إنكار ما يجري على غير وجهه ، لأنهم
يقولون : فعل فلان ولم يفعل ، والمراد ما ذكرناه ، وقد صرح سلمان رضي الله عنه
بذلك في قوله : ( أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سنة أهل بيت نبيكم ) ، وقد
فسر بالعربية معنى كلامه .
فإن قالوا : أراد أصبتم الحق وأخطأتم المعدن ، لأن عادة الفرس أن
لا يزيل الملك عن أهل بيت الملك ، قيل : الذي يبطل هذا الكلام تفسير
سلمان لكلام نفسه ، فهو أعرف بمعناه ، على أن سلمان رضي الله عنه كان اتقى الله
وأعرف به من أن يريد من المسلمين أن يسلكوا سنن الأكاسرة والجبابرة
ويعدلوا عما شرعه لهم نبيهم ، فإن قيل : فقد تولى سلمان لعمر المدائن ، فلولا
أنه كان راضيا بذلك لم يتول ذلك ؟ قيل : ذلك أيضا محمول على التقية وما
‹ صفحه 590 ›
اقتضى إظهار البيعة والرضا ويقتضيه ، وليس لهم أن يقولوا : وأي تقية في
الولايات ؟ لأنه غير ممتنع أن يعرض عليه هذه الولايات ليمتحن بها ويغلب في
ظنه أنه إن عدل عنها أو أباها نسب إلى الخلاف واعتقدت فيه العداوة ، فلم
يأمن المكروه ، وهذه حال توجب عليه أن يتولى ما عرض عليه ، وكذلك
الكلام في تولى عمار الكوفة ونفوذ المقداد في بعوث القوم ، على أنه يجوز
عندنا تولى الأمر من قبل من لا يستحقه إذا ظن أنه يقوم بما أمر الله تعالى
ويضع الأشياء في مواضعها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولعل
القوم علموا ذلك أو ظنوه - انتهى ) ( 1 ) .
قلت : وإذا ضم إلى ذلك الإذن ممن يستحق الأمر - كما حصل
لسلمان من أمير المؤمنين عليه السلام - لم يبق للكلام مجال ، ومما يدل على عدم
رضاء سلمان بذلك ما ذكره إمامهم في حديث ابن قتيبة ( 2 ) من : أن ثمانية عشر
من الصحابة كانوا رافضيا ، وعد منهم سلمان .
تتميم نفعه عميم :
ذهب أصحابنا الإمامية إلى أن وصف الصحبة مع النبي صلى الله عليه
وآله لا يصير بنفسه سببا لحسن المتصف بها ، فضلا عن أن يصير بها موثقا
عادلا ، وإن الحكم بتعديل الصحابي وتوثيقه أو مدحه وحسنه كغيره يحتاج
إلى ثبوت الإيمان أولا ثم ما يشترط في حصول العدالة من اجتناب الكبائر
وعدم الاصرار على الصغائر ، أو ما هو سبب للمدح مما هو مذكور في محله ،
وهذا واضح لا يحتاج إلى دليل وبرهان بعد الرجوع إلى أوصاف المؤمنين
والفساق والمرحوم والمعذب في كتاب الله عز وجل ، وإن المناط في الجرح
والتعديل هو الإطاعة من المطيع والعصيان من العاصي ، وقد أبان الله تعالى
في كتابه والنبي صلى الله عليه وآله في سنته ما به يطاع ويعصى ، وليس مصاحبة
0000000000000000000
( 1 ) الشافي : 213 .
( 2 ) نقله في مجالس المؤمنين 1 : 207 عنه .
‹ صفحه 591 ›
النبي صلى الله عليه وآله ودرك لقائه بنفسها من أسباب الإطاعة ولا سببا لتثبت
من أصحبه في إيمانه ، كما قيل :
هركه را روى بهبود نداشت
ديدن روى نبى سود نداشت
بل كما قيل :
دون شود از قرب بزرگان خراب
جيفه دهد بوى بد از آفتاب
وحكم مخالفونا بتعديل جميعهم ، قال الغزالي في الأصل التاسع من
الإحياء : ( اعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة ) ( 1 ) ، وعن عبد الله الهروي
في كتاب الاعتقاد : ( الصحابة كلهم عدول ، فمن تكلم فيهم بتهمة أو تكذيب
فقد توثب على الإسلام ( بالإبطال ) ) ( 2 ) ، وروى البخاري منهم في تصحيحه
عن عمران بن حصين قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خير أمتي قرني ،
ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم إن بعدهم قوما يشهدون
ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم
السمن ( 3 ) . ( 4 )
وفي مشكاة المصابيح : ( من المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري قال :
قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد
ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا يصفه ) ( 5 ) ، وفيه عن عمر قال : ( قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : أكرموا أصحابي فإنهم خياركم ثم الذين يلونهم ثم الذين
00000000000000000000
( 1 ) إحياء العلوم 1 : 115 .
( 2 ) الطرائف 2 : 374 .
( 3 ) من السرف أي يجمعون الأموال ، أو تغفلون عن أمر الدين ويقللون الاهتمام به ،
لأن الغالب على
السمين أن لا يهتم بالرياضة .
( 4 ) صحيح البخاري 5 : 2 .
( 5 ) مشكاة المصابيح : 666 ، صحيح مسلم 4 : 1967 ، شرح المقاصد 2 : 303 .
‹ صفحه 592 ›
يلونهم ، ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد
ولا يستشهد - الخبر ) ( 1 ) ، وفيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال : (
لا تمس
النار مسلما رآني أو رأى من رآني ) ( 2 ) ، وفيه عن عبد الله بن مغفل قال : ( قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي ، لا
تتخذوهم
غرضا من بعدي - الخبر ) ( 3 ) ، وفيه عن ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله
عليه
وآله : إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا : لعنة الله على شركم ) ( 4 ) ، وفيه
عن عمر بن الخطاب قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سألت
ربي عن اختلاف أصحابي بعدي فأوحى إلي : يا محمد ! إن أصحابك عندي
بمنزلة النجوم في السماء ، بعضها أقوى من بعض ولكل نور ، فمن أخذ بشئ
مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى ) ( 5 ) .
إلى غير ذلك من الأخبار المنكرة المخالفة لصريح القرآن وما رووه في
صحاحهم ، وما أحسن قول الشريف الكاظمي رحمه الله :
حديثهم عن سجاح عن مسيلمة ( 6 )
عن بن ريان والدوسي ( 7 ) يمليه
وكلهم ينتهي إسناد باطله
إلى عزرايل محصيه ومنهيه
0000000000000000000
( 1 ) مشكاة المصابيح باب مناقب الصحابة :
666 .
( 2 ) مشكاة المصابيح : 667 ، أخبار الدول : 128 .
( 3 ) مشكاة المصابيح : 667 ، شرح المقاصد 2 : 303 .
( 4 ) مشكاة المصابيح : 667 .
( 5 ) مشكاة المصابيح : 667 .
( 6 ) سجاح بنت حارث بن سويد بن عقفان ومسيلمة ادعيا النبوة ، ولما بلغ خبر سجاح
إلى مسيلمة
لقيها مع عدة من قومه وتزوجها ، وبعد وقوع الحرب بينهما وبين المسلمين رجعت سجاح
إلى الجزيرة لعدم
مقاومتها في مقابلهم ، ولما سمعت قتل مسيلمة أظهرت الإسلام وهاجرت إلى البصرة
وماتت في
خلافة معاوية سنة 55 ، من هفوات مسيلمة : ( الفيل ما الفيل ، وما أدراك ما الفيل ،
له ذنب
وثيل وخرطوم طويل ) .
( 7 ) المراد به أبو هريرة الدوسي .
‹ صفحه 593 ›
فيا لله العجب من معشر ذكوا أقواما أخبر سبحانه
بفرارهم من
الزحف - وهو من أكبر الكبائر - في قوله تعالى : ( ويوم حنين - الآية ) ( 1 ) ،
كانوا
أكثر من أربعة آلاف رجل فلم يتخلف معه صلى الله عليه وآله إلا سبعة ( 2 ) ،
وبارتدادهم في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه - الآية ) ( 3 )
،
وبفتنتهم في الدين بالاختبار في آيات كثيرة ، وبكراهتهم للجهد وتثاقلهم عن
الخروج إلى بدر وطمعهم في الغنائم والأموال ، وغير ذلك مما ينبئ عن سوء
السيرة في آيات كثيرة في الأنفال ( 4 ) ، وبترك الصلاة معه إذا رأوا تجارة في
قوله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا ) ( 5 ) ، فإذا كانوا معه وهو بين أظهرهم بهذه
المثابة
كيف يستبعد منهم الفسق والكفر بعده ميلا إلى هوى أنفسهم في طلب الملك
وزهرة الحياة الدنيا ، وبانقلابهم على أعقابهم بعده في قوله : ( وما محمد إلا
رسول - الآية ) ( 6 ) ، وبنفاقهم في آيات كثيرة .
وعن الجمع بين الصحيحين للحميدي من مسند سهل بن سعد ( 7 ) في
الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله يقول : أنا فرطكم ( 8 ) على الحوض ، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ،
00000000000000000
( 1 ) التوبة : 25 .
( 2 ) المشهور أنه لما التقوا المسلمين مع المشركين يوم حنين لم يلبثوا حتى
انهزموا بأجمعهم ولم يبق
منهم مع النبي صلى الله عليه وآله إلا عشرة أنفس : تسعة من بني هاشم خاصة وعاشرهم
أيمن بن أم
أيمن فقتل أيمن وثبتت التسعة ، وهم : أمير المؤمنين عليه السلام ، العباس ، الفضل
بن العباس ، أبو سفيان
بن الحارث ، نوفل بن الحارث ، ربيعة بن الحارث ، عبد الله بن الزبير ، عتبة ومعتب
ابنا أبي لهب .
راجع سيرة ابن هشام 4 : 85 ، والتفسير الكبير للفخر الرازي 16 : 21 ، وذكر والد
البهائي في وصول
الأخيار إنهم سبعة بحذف : عتبة ومعتب ابنا أبي لهب وعبد الله بن الزبير ونوفل بن
الحارث وزيادة :
أسامة بن زيد .
( 3 ) المائدة : 54 .
( 4 ) راجع المغازي للواقدي 1 : 48 و 1 : 131 .
( 5 ) الجمعة : 11 ، راجع التفسير الكبير 30 : 10 ، والكشاف 4 : 536 .
( 6 ) آل عمران : 144 .
( 7 ) هو سهل بن سعد الساعدي الصحابي .
( 8 ) الفرط : المتقدم إلى الحوض ليهئ لأصحابه الدلاء والأرشية .
‹ صفحه 594 ›
وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم ، قال أبو حازم ( 1 ) :
فسمع النعمان بن أبي العباس ( 2 ) وأنا أحدثهم بهذا الحديث فقال : هكذا
سمعت سهلا يقول ؟ قلت : نعم ، قال : أنا أشهد على أبي سعيد الخدري
لسمعته يزيد ويقول : إنهم من أمتي ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا
بعدك ، فأقول : سحقا فسحقا لمن بدل بعدي ) ( 3 ) .
وعنه : من المتفق عليه في الحديث الستين من مسند عبد الله بن
عباس قال : ( إن النبي صلى الله عليه وآله قال : ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي
فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما
أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت
فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد ، إن تعذبهم
فإنهم عبادك ) ( 4 ) ، قال : فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم متذ
فارقتهم ) ( 5 ) .
وعنه ، في الحديث الحادي والثلاثين بعد المأة من المتفق عليه من
مسنة أنس بن مالك قال : ( إن النبي صلى الله عليه وآله قال : ليردن على الحوض
رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي رؤوسهم اختلجوا فلأقولن : أي
رب أصحابي أصحابي ، فليقالن : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ( 6 ) .
وعنه فيه في مسند عايشة عن عبد الله بن عمر في الحديث الحادي
عشر من أفراد مسلم قال : ( إن النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا فتحت عليكم
خزائن فارس والروم أي قوم أنتم ؟ قال عبد الرحمن : نكون كما أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وآله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : تتنافسون وتتحاسدون ثم
تدابرون
00000000000000000000
( 1 ) هو سلمة بن دينار .
( 2 ) في البخاري : ( النعمان بن أبي عياش ) ، وفي هامشه ، اسم أبي عياش زيد بن
أبي الصامت
الزرقي البصري .
( 3 ) صحيح البخاري : كتاب الفتن 2 : 974 و 1045 ، سحقا : بعدا .
( 4 ) المائدة : 8 - 117 .
( 5 ) صحيح البخاري ، كتاب الفتن 9 : 46 .
( 6 ) صحيح مسلم ، كتاب الفضائل 4 : 1800 ، مسند أحمد بن حنبل 5 : 393 عن حذيفة .
‹ صفحه 595 ›
ثم تتباغضون وتنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب
بعض ) ( 1 ) .
ورووا أنه صلى الله عليه وآله قال : ( ما بال أقوام يقولون : إن رحم
رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينفع يوم القيامة ، بلى والله ! إن رحمي لموصلة
في
الدنيا والآخرة وإني أيها الناس ! فرطكم على الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل
منكم : يا رسول الله ! أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر : أنا فلان بن فلان ،
فأقول : أما النسب فقد عرفته ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقرى ) ( 2 ) .
ورووا أنه صلى الله عليه وآله قال ، وقد ذكر عنده الدجال : ( لأنا لفتنة
بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال ) ( 3 ) .
وفي السيرة الحلبية : ( إن المدينة كانت تسمى الفاضحة ، لأن من
أضمر فيها شيئا أظهر الله ما أضمره وافتضح به ، أي فالمراد أضمر شيئا من
السوء - انتهى ) ( 4 ) .
وفي أواخر صحيح البخاري ( 6 ) في باب ما جاء في قوله : ( واتقوا فتنة
- الآية ) ( 5 ) روايات تقرب من هذا المضمون .
وعن كتاب الفردوس : ( يا معشر بني هاشم ! إنه سيصيبكم بعدي
جفوة ، فاستعينوا عليها بأرقاء الناس ) .
وروى بن مردويه في حديث طويل : ( إن النبي صلى الله عليه وآله بكى
حتى علا بكاؤه ، فقال له علي عليه السلام : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال :
ضغائن ( 7 ) في صدور قوم لا يبدونها حتى يفقدوني ) ( 8 ) ، وروى بن المغازلي
00000000000000000000
( 1 ) صحيح مسلم ، كتاب الزهد 4 : 2274 .
( 2 ) بحار الأنوار 28 : 8 - 17 عن أمالي الطوسي 1 : 92 و 275 .
( 3 ) المسند لأحمد بن حنبل 5 : 389 .
( 4 ) السيرة الحلبية 1 : 58 ( الطبعة القديمة ) ، 2 : 62 ( الطبعة الحديثة ) .
( 5 ) الأنفال : 25 .
( 6 ) صحيح البخاري كتاب الفتن 9 : 46 .
( 7 ) الضغائن جمع ضغينة : الحقد والعداوة والبغضاء .
( 8 ) المستدرك للحاكم 3 : 135 ، كنز العمال 5 : 53 ، المناقب للخوارزمي : 37 ،
كفاية الطالب :
72 ، ميزان الاعتدال 2 : 331 ، تاريخ بغداد 12 : 398 ، كشف الغمة 1 : 130 ،
الملاحم والفتن :
112 نقلا عن الفتن للسليلي ، غاية المرام : 572 .
‹ صفحه 596 ›
الشافعي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام : ( إن الأمة
ستغدر بك ) ( 1 ) ، وفي هذا المعنى أيضا أخبار كثيرة .
وروى الفريقان ما يبلغ التواتر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( لتتبعن
سنن من كان قبلكم ) ( 2 ) ، وفي لفظ البخاري : ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي
ما أخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ) ( 3 ) ، عن ابن الأثير في جامع
الأصول
إنه : ( كان للمشركين شجرة يسمونها ذات أنواة ، يعطون عليها أسلحتهم ،
فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله : اجعل لنا ذات أنواة ، فقال : هذا مثل
قول قوم موسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) ( 4 ) ، لتركبن سنن من كان قبلكم
- أخرجه الترمذي ) ( 5 ) .
ومن هذا الباب ما عن الجمع بين الصحيحين فمن مسند أبي
الدرداء ، قالت أم الدرداء في الحديث : ( دخل علي أبي الدرداء وهو مغضب ،
فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر أمة محمد إلا أنهم يصلون
جميعا ) ( 6 ) .
وعنه من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك عن الزهري
قال ، ( دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟
فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد
ضيعت ) ( 7 ) .
000000000000000000
( 1 ) الطرائف : 129 ، المستدرك للحاكم 3 :
140 ، ميزان الاعتدال 1 : 171 ، تاريخ بغداد
11 : 216 ، إرشاد القلوب 2 : 383 ، بحار الأنوار 28 : 75 ، الإيضاح لابن شاذان :
454 ، غاية المرام :
570 ، 572 .
( 2 ) صحيح البخاري 9 : 102 ، جامع الأصول 10 : 409 ، مشكاة المصابيح : 458 ، صحيح
مسلم
4 : 2054 كتاب العلم .
( 3 ) جامع الأصول 10 : 409 .
( 4 ) الأعراف : 138 .
( 5 ) السيرة لابن هشام 4 : 84 .
( 6 ) صحيح البخاري كتاب الأذان 1 : 159 الرقم 3 .
( 7 ) صحيح البخاري كتاب المواقيت 1 : 134 ، الطرائف : 113 .
‹ صفحه 597 ›
وعن جامع العلوم لقدوة الحفاظ أبو عبد الله محمد بن معمر في
الحديث الخامس والثلاثين من مسند براء من رواية البخاري عن زهير ، عن
هلال بن المسيب ، عن أبيه قال : ( قلت للبراء بن عازب : طوبى لك ، أنت
ممن رضي الله عنه وبايع تحت الشجرة ، قال : ابن أخي لا تدري ما أحدثنا
بعده ) ، وعن أبي بن كعب قال : ( والله ما زالت هذه الأمة مكبوبة على
وجهها منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ) .
ومما يبطل دعويهم في تزكية كل الصحابة ما رواه الفريقان بطرق
مستفيضة : ( إن النبي أمر عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ) ( 1 ) ، وعن
الجمع بين الصحيحين : ( من المتفق عليه : إذا التقى المسلمان فالقاتل
والمقتول في النار ) ( 2 ) ، وهذا يدل على كفر الفرق الثلاث وإلا لزم أن يكون
قاتلوهم من أتباع على من أهل النار وهو خلاف الاجماع .
وما رواه الفريقان في أصحاب العقبة والمنافقين وأن حذيفة كان عالما
بأسمائهم وأنهم اثنى عشر ( 3 ) ، وعن مسند أحمد في خبر عن حذيفة ، عن النبي
صلى الله عليه وآله قال : ( في أصحابي اثني عشر منافقا ، ثمانية لا يدخلون الجنة
حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ( 4 ) ، وعن الجامع الكبير عن أبي الطفيل قال :
( كان بين حذيفة وبين رجل من أهل العقبة ما يكون بين الناس ، قال :
أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة ، قال أبو موسى الأشعري : قد كنا نخبر
أنهم أربعة عشر ؟ فقال حذيفة : وإن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر ، أشهد
أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) ( 5 ) .
00000000000000000
( 1 ) نقل العلامة الأميني في أثره النفيس (
الغدير ) ثمانية عشر حديثا من أهل السنة بهذا المضمون ،
فراجع الغدير 3 : 5 - 192 .
( 2 ) صحيح مسلم ، كتاب الفتن 4 : 2213 ، مشكاة المصابيح كتاب الفتن : 563 .
( 3 ) راجع المغازي للواقدي 2 : 1044 ، نقل في البحار عن الخصال رواية تتضمن
أسمائهم ، راجع
البحار 21 : 222 .
( 4 ) مسند أحمد بن حنبل 5 : 390 .
( 5 ) مسند أحمد بن حنبل 5 : 390 .
‹ صفحه 598 ›
ثم كيف يكون كل الصحابة عدول ، ومنهم من تخلف عن
جيش
أسامة وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : ( جهزوا جيش أسامة ، لعن الله من
تخلف عن جيش أسامة ) ( 1 ) ، وخالف النبي في إحضار الدواة والقرطاس
وقال : دعوه فإنه يهجر ( 2 ) .
وفيهم من أبدع في الشورى عدة بدع ، فخرج بها عن النص
والاختيار وحصرها في ستة وشهد على كل من سوى علي عليه السلام بعدم
صلوحه لها ، وأمر بضرب رقابهم إن تأخروا أكثر من ثلاثة أيام ، وأمر بضرب
من يخالف عبد الرحمن ( 3 ) ، وكل ذلك حكم بما لم ينزل الله .
وفيهم من طرده رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبيه عن المدينة ، وهو
مروان بن الحكم ( 4 ) ، ولم يبايع عليا بعدما قتل عثمان ومات ميتة جاهلية ،
وعن الكرماني في شرح الصحيح عند رواية مروان : ( فإن قلت : كيف روى
مروان ذلك وهو لم يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن بالحديبية ؟ قلت :
هو من مراسيل الصحابة وهو معتبر اتفاقا ) ، خذل الله معشرا يتفقون على
اعتبار مراسيل مروان - طريد رسول الله صلى الله عليه وآله ويتهمون جابر الجعفي في
حديثه لأنه أظهر القول بالرجعة ، قال سفيان : ( كان الناس يحملون عن جابر
قبل أن يظهر ما أظهر ، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه وترك
الناس ، فقيل له : وما أظهر ؟ قال : الإيمان بالرجعة ) ، وليس القول بالرجعة
مما أنكره العقل ولا نفاه الشرع بل لو لم تكن الآيات التي استدلوا بها على
إثباتها نصا فيها فلا أقل من ظهورها فيها ، فكيف صار القول بها بدعة .
وفيهم من هو رأس القاسطين ورئيس الفئة الباغية بأخبار النبي
صلى الله عليه وآله في قتل عمار ( 5 ) وأنه يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار (
6 ) ، ومن
0000000000000000
( 1 ) شرح النهج لابن أبي الحديد 6 : 52 ،
راجع إلى تفصيله البحار 8 : 8 - 245 الطبعة الكمباني .
( 2 ) راجع إلى تفصيله البحار 8 : 270 - 261 الطبعة الكمباني ، المراجعات : 272 .
( 3 ) شرح النهج 12 : 256 .
( 4 ) الغدير 8 : 4 - 243 مع ترجمتهما .
( 5 ) كنز العمال 11 : 727 ، 725 ، 722 .
( 6 ) كنز العمال 11 : 724 .
‹ صفحه 599 ›
دعى عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال : ( لا أشبع الله بطنه ) ( 1 ) ، واستجيبت
دعوة
النبي فيه حتى اشتهر بذلك ، ومن حارب من حربه حرب الله ، ومن سن
السب على من ثبت تعظيمه وتكريمه بالكتاب والسنة حتى سبوه على المنابر
والمحافل في سنين متطاولة ، وسبه بعد الموت يدل على غل كامن وكفر باطن ،
وقد قال أبو منصور الماتريدي من أعيان علمائهم في كتاب المحيط في الفقه -
كما حكى في ترجمته في الرياض - : ( من شتم النبي صلى الله عليه وآله أو أهانه أو
عاب في أمر دينه أو في شخصه أو في وصف من أوصاف ذاته ، سواء كان
الشاتم مسلما من أمته أو غيرها من أهل الكتاب وغيره ، ذمية كانت أو
حربية ، وسواء كان الشتم أو الإهانة أو العيب صادرا عنه عمدا أو سهوا أو
غفلة أو جدا أو هزلا ، فقد كفر ، وإن تاب لا يقبل التوبة أبدا لا عند الله ولا
عند الناس ، وحكمه في الشريعة المطهرة وعند متأخري المجتهدين وعند أكثر
المتقدمين القتل قطعا ، ولا يداهن السلطان أو نائبه ولا القاضي أو نائبه في
قتله أصلا ، وإن داهن في قتله أو انقدم للمصالح الدنيوية كقتل القضاة
والولاة والعمال ، وكذا الشتم به مثلا في أئمة الأمة وهم الخلفاء الراشدون ،
خصوصا في الشيخين ، وإن أهملوا في قتله بلا سبب شرعي مع قدرتهم على قتله
فقد رضوا منه بما يصدر عنه من الشتم مثلا وهو كفر وهم رضوا بالكفر ،
والراضي بالكفر يصير من الكافرين - انتهى ) ، والعجب أن القول بالرجعة
بدعة يوجب رد الخبر والحكم بسب الخليفة غير مانع من قبوله .
وفيهم من هو أمير المارقين ، ومن قال للنبي صلى الله عليه وآله حين كان
يقسم الصدقات : أقسم بالسوية ، فنزل : ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) ( 2 ) .
وفيهم من عبر الله عنه بالفاسق في قوله تعالى : ( إن جاءكم فاسق
بنبأ ) ( 3 ) ، وفي قوله تعالى : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ) ( 4 ) ، وهو
الوليد بن
0000000000000000
( 1 ) أسد الغابة : 4 : 386 .
( 2 ) التوبة : 58 ، راجع التفسير الكبير 16 : 97 ، أقول : المراد به : حرقوص بن
زهير .
( 3 ) الحجرات : 6 .
( 4 ) السجدة : 18 .
‹ صفحه 600 ›
عقبه ( 1 ) .
وفيهم رؤساء الناكثين الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام ( 2 ) .
وفيهم من ضربه عمر بالدرة وقال له : ( قد أكثرت من الرواية
ولا أحسبك إلا كذابا ) ( 3 ) ، وهو أبو هريرة .
وفيهم من قعد عن بيعة علي عليه السلام ولم يعرف إمام زمانه ، أو عرفه
ولكن أنكره كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة .
وفيهم من صرح ببغض النبي صلى الله عليه وآله وكناه بالأبتر ( 4 ) ، فنزل :
( إن شانئك هو الأبتر ) ( 5 ) .
إلى غير ذلك ممن لا يخفى على من راجع الكتب الموضوعة لذلك ( 6 ) .
ثم إن ما رواه البخاري من أن خير أمة النبي صلى الله عليه وآله قرنه ثم
الذين يلونهم ، مما تضحك منه الثكلى ، فإن في القرن الذي تلى قرن النبي
صلى الله عليه وآله سن السب على علي عليه السلام ، وفيه أمر على المسلمين المعلن
بالفجور يزيد بن معاوية ، وفيه قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفيه
كانت وقعة الحرة التي أظهرت بنو أمية فيها ضغينهم وكفر سرائرهم وفعلوا
في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعلوا من الفضائح والشنايع ( 7 ) ، وفي هذا
00000000000000000
( 1 ) راجع الغدير 8 : 124 و 2 : 46 ، ذخائر
العقبى : 88 .
( 2 ) الناكثون هم الذين نكثوا العهد والبيعة وخرجوا إلى البصرة ومقدمهم طلحة
والزبير وقاتلوا
أمير المؤمنين عليه السلام بعسكر مقدمهم عايشة في هودج على جمل فسميت تلك الحرب
حرب
الجمل ، راجع شرح المقاصد 2 : 2304 .
( 3 ) الإيضاح للفضل بن شاذان : 60 ، ألف جماعة في ترجمته وشرح حاله كتبا منها :
أبو هريرة
تأليف السيد شرف الدين العاملي .
( 4 ) المراد به العاص بن وائل السهمي ، راجع الغدير 2 : 120 والتفسير الكبير 32 :
132 .
( 5 ) الكوثر : 3 .
( 6 ) راجع الإيضاح للشاذان والطرائف للطاووس وغيرهما .
( 7 ) وقال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الذي سماه ، الرد على المتعصب العنيد
المانع من ذم يزيد : إن
وقعة الحرة كانت في يوم الأربعاء لاثنين بقيا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ، وكان
القتلى في يوم
الحرة سبعمأة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ، وقتل ممن لا يعرف من حر وعبد
وامرأة
عشرة آلاف ، كذا نقل عنه في الكفعمي حاشية الجنة ( منه ) . ( الرد على المتعصب
العنيد : 61 مع اختلافات ) .
‹ صفحه 601 ›
القرن مرق من الدين اثني عشر ألف من أمته كما يمرق من الرمية - بنص منه
صلى الله عليه وآله على ما رواه الفريقان ( 1 ) - ، وفي تلك الإشارات كفاية لمن له
من
ربه عناية .
ولنختم الكلام بما ذكره سعد التفتازاني ، قال في شرح المقاصد : ( ما
وقع بين الصحابة من المحاورات والمشاجرات على الوجه المسطور في التواريخ
والمذكور على ألسنة الثقات ، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق
الحق وبلغ حد الظلم والفسق ، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد
واللداد وطلب الملك والرياسات والميل إلى اللذات والشهوات ، إذ ليس
كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي صلى الله عليه وآله بالخير موسوما ، إلا
أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ذكروا لها محامل
وتأويلات بما يليق ، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل
والتفسيق ، صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة من حق كبار
الصحابة ، سيما المهاجرين منهم والأنصار ، المبشرين بالثواب في دار القرار ،
وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، فمن الظهور
بحيث لا مجال للإخفاء من الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ويكاد يشهد
به العجماء ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق منه
الصخور ويبقى سوء عمله على كر الشهور والدهور ، فلعنة الله على من باشر أو
رضى أو سعى ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى . فإن قيل : من علماء المذهب من
لا يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربوا على ذلك ويزيد ؟
قلنا : تحاميا أن يرتقي إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض يروى في
أدعيتهم ويجري في أنديتهم ، فرأى المفتون بأمر الدين الجام العوام بالكلية طريقا
إلى الاقتصاد في الاعتقاد بحيث لا تزل الأقدام عن السواء ولا تضل الأفهام
بالأهواء ، وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق كيف لا يقع عليها الاتفاق ،
0000000000000000000
( 1 ) المسند لأحمد بن حنبل 1 : 160 ، 151 ،
147 ، كنز العمال 11 : 208 - 198 - بطرق عديدة ،
كشف الغمة 1 : 129 عن البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود : 129 .
‹ صفحه 602 ›
وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال وسد
طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل مع علمهم بحقيقة الحال وجلية
المقال ) ( 1 ) ، انتهى ما أوحاه إليه شيطانه من زخرف القول .
والمراد بقوله من علماء المذهب هو الغزالي - على ما نقله عنه جماعة
منهم كالدميري في حياة الحيوان ( 2 ) وابن خلكان والقرماني ( 3 ) في كلام يطول
ذكره - فليتأمل المنصف في هذا الكلام وفي حكمهم بوجوب قتل من سب
عايشة وحفصة ، بل صرح الغزالي بأنا إذا قلنا : اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات ، دخل فيه يزيد ، ولنعم ما قيل :
دين تورا در پي آرايشند
در پي آرايش وپيرايشند
بسكه بر او بسته شده برگ ساز
گر تو ببيني نشناسيش باز
0000000000000000
( 1 ) شرح المقاصد 2 : 304 ، ربي المال : زاد
ونما .
( 2 ) حياة الحيوان 2 : 176 .
( 3 ) أخبار الدول وآثار الأول : 131 .
‹ صفحه 603 ›
الباب السادس عشر
في كيفية وفاته وتاريخها
وما ظهر له من الكرامات عندها
‹ صفحه 605 ›
روى الشيخ المحدث الجليل ، سعيد بن هبة الله
الراوندي ، في الفصل
السادس ، الباب الرابع عشر من الخرائج : ( إن عليا عليه السلام دخل المسجد
بالمدينة غداة يوم وقال : رأيت في النوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال
لي :
إن سلمان توفي ، ووصاني بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، وها أنا
خارج إلى المدائن لذلك ، فقال عمر : خذ الكفن من بيت المال ، فقال : ذلك
مكفي مفروغ عنه ، فخرج والناس معه إلى ظاهر المدينة ، ثم خرج وانصرف
الناس ، فلما كان قبل ظهيرة ذلك اليوم رجع وقال عليه السلام : دفنته ، وأكثر
الناس لم يصدقوا ، حتى كان بعد مدة وصل من المدائن مكتوب : إن سلمان
توفي في يوم كذا ودخل علينا أعرابي فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه ثم
انصرف ، فتعجب الناس كلهم ) ( 1 ) .
أقول : ستقف أنه مات في خلافة عثمان ، ولعل الراوي سهى فذكر
بدل عثمان عمر ، أو كان في الأصل : ( فقال الخليفة ) ، فظنه الثاني .
وفي البحار عن رشيد الدين ، محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني
000000000000000000
( 1 ) الخرائج : 85 .
‹ صفحه 606 ›
في مناقبه ، قال : روى حبيب بن حسن العتكي ، عن جابر الأنصاري ، قال :
( صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فقال : معاشر
الناس ! أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان ، فقالوا في ذلك ( 1 ) ، فلبس عمامة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودراعته ، وأخذ قضيبه ( 2 ) وسيفه ، وركب على
العضبا ( ء ) وقال لقنبر : عد عشرا ، قال : ففعلت فإذا نحن بباب سلمان ( 3 ) ،
قال زاذان : فلما أدركت سلمان الوفاة ، قلت له : من المغسل لك ؟ قال : من
غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقلت : إنك بالمدائن وهو بالمدينة ! فقال
:
يا زاذان ! إذا شددت لحيتي ( 4 ) تسمع الوجبة ، فلما شددت لحيته ( 4 ) سمعت
الوجبة وأدركت الباب ، فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا زاذان ! قضى
أبو عبد الله سلمان ؟ قلت : نعم يا سيدي ، فدخل وكشف الرداء عن وجهه
فتبسم سلمان إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له : مرحبا يا أبا عبد الله إذا
لقيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقل له ما مر على أخيك من قومك ، ثم أخذ في
تجهيزه ، فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرا شديدا
وكنت رأيت معه رجلين ، فقال : أحدهما جعفر أخي والآخر الخضر عليهما السلام ،
ومع كل واحد منهما سبعون صفا من الملائكة ، في كل صف ألف ألف
ملك ) ( 5 ) ، المراد ب ( العشر ) ، الخطوات ظاهرا ، و ( الوجبة ) صوت الساقط ،
أو
السقطة مع الهدة .
وروى العارف البرسي في مشارقه عن زاذان خادم سلمان ، قال :
( لما جاء أمير المؤمنين عليه السلام ليغسل سلمان ، وجده قد مات ، فرفع الشملة ( 6
)
عن وجهه ، فتبسم وهم أن يقعد ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : عد إلى
000000000000000000
( 1 ) أي ما قالوا .
( 2 ) الدراعة جبة مشقوقة المقدم ، القضيب : الغصن المقطوع .
( 3 ) في المصدر : على باب سلمان .
( 4 ) في المصدر : لحيي ، لحييه .
( 5 ) بحار الأنوار 22 : 373 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 2 - 301 ، مدينة المعاجز :
160 .
( 6 ) الشملة : كساء واسع يشتمل به .
‹ صفحه 607 ›
موتك ، فعاد ) ( 1 ) .
وروى الكشي عن علي بن محمد القتيبي ، قال : حدثنا أبو محمد
الفضل بن شاذان ، قال : حدثنا ابن أبي عمير بن يزيد ، قال : ( قال
سلمان : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا حضرك أو أخذك الموت ( 2 )
،
حضر ( ك ) أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام ، ثم أخرج صرة من مسك ،
فقال : هبة أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ( قال ) : ثم بلها
ونضحها
حوله ، ثم قال لامرأته : قومي أجيفي الباب ! فقامت فأجافت الباب
فرجعت ، وقد قبض رضي الله عنه ) ( 3 ) ، وأجافة الباب : رده ، وفي الخبر : ( من
أجاف من الرجال على أهله بابا وأرخى سترا ، فقد وجب عليه الصداق ) ( 4 ) .
قال الشيخ الفاضل الرضي ، علي بن يونس العاملي في صراط
المستقيم : ( جاء في الأخبار الحسان : إن عليا عليه السلام تولى أمر سلمان ) ( 5 )
.
وروى أبو الفضل سديد الملة والدين ، شاذان بن جبرئيل بن
إسماعيل بن أبي طالب القمي في الجزء الثاني من كتابه كتاب الفضائل عن
أبي الحسن بن علي بن محمد المهدي بالإسناد الصحيح عن الأصبغ بن نباتة
أنه قال : ( كنت مع سلمان الفارسي ( رحمه الله ) ، وهو أمير المدائن في زمان
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وذلك أنه قد ولاه المدائن عمر بن
الخطاب ، فقام إلى أن ولي الأمر علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال الأصبغ :
فأتيته يوما ( زائرا ) وقد مرض مرضه الذي مات فيه ، قال : فلم أزل أعوده في
مرضه حتى اشتد به ( الأمر ) وأيقن بالموت ، قال : فالتفت إلي وقال ( لي ) :
يا أصبغ ! عهدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( وقد أردفني يوما وراءه
فالتفت
إلي ( و ) قال ( لي ) : يا سلمان ! سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك ، وقد اشتهيت
000000000000000000
( 1 ) بحار الأنوار 22 : 384 ، مدينة المعاجز
: 40 .
( 2 ) الترديد من الرواي ( المصدر ) .
( 3 ) إختيار معرفة الرجال : 16 ، وفيه ( هيه ) بدل ( هبة ) .
( 4 ) مجمع البحرين 5 : 34 .
( 5 ) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 1 : 205 .
‹ صفحه 608 ›
أن أدري وفاتي دنت أم لا ، فقال الأصبغ : بماذا تأمر به يا سلمان ، يا أخي ؟
قال له : أن تخرج ( 1 ) وتأتيني بسرير وتفرش عليه ما يفرش للموتى ، ثم تحملني
بين أربعة فتأتون بي إلى المقبرة ، فقال الأصبغ : حبا وكرامة ، ( قال : )
فخرجت مسرعا وغبت ساعة وأتيته بسرير وفرشت عليه ما يفرش للموتى ،
ثم أتيته بقوم حملوه حتى أتوا به إلى المقبرة ، فلما وضعوه فيها قال لهم : يا قوم
!
استقبلوا بوجهي القبلة ، فلما استقبل بوجهه ( 2 ) نادى بعلو صوته : السلام
عليكم يا أهل عرصة البلاء ، السلام عليكم يا محتجبين عن الدنيا ( 3 ) ، قال : فلم
يجبه أحد ، فنادى ثانية : السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم غذاء ، السلام
عليكم يا من جعلت الأرض عليهم غطاء ، السلام عليكم يا من لقوا أعمالهم
في دار الدنيا ، السلام عليكم يا منتظرين النفحة الأولى ، سئلتكم بالله العظيم
والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب ، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأنه قال لي : يا سلمان ! إذا دنت وفاتك سيكلمك ميت
وقد اشتهيت أن أدري دنت وفاتي أم لا .
فلما سكت سلمان من كلامه فإذا هو بميت قد نطق من
قبره وهو يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يا أهل البناء
والفناء ، المشتغلون بعرصة الدنيا وما فيها ، نحن لكلامك مستمعون
ولجوابك مسرعون ، فسل عما بدا لك يرحمك الله تعالى ، قال سلمان :
أيها الناطق بعد الموت والمتكلم بعد حسرة الفوت ! أمن أهل الجنة ( أنت )
بعفوه أم من أهل النار بعدله ؟ فقال : يا سلمان ! أنا ممن أنعم الله تعالى عليه
بعفوه وكرمه وأدخله جنته برحمته ، فقال له سلمان : الآن يا عبد الله صف
لي الموت ، كيف وجدته وماذا لقيت منه ، وما رأيت وما عاينت ؟
قال : مهلا يا سلمان ، فوالله إن قرضا بالمقاريض ونشرا بالمناشير
00000000000000000000
( 1 ) في المصدر : ماذا تأمرني به يا سلمان ؟
قال له : يا أخي تخرج .
( 2 ) في الأصل : بوجهه القبلة .
( 3 ) في المصدر : من الدنيا .
‹ صفحه 609 ›
لأهون علي ( من غصة ) من غصص الموت ، وتسعين ( 1 ) ضربة بالسيف أهون
( علي ) من نزعة من نزعات الموت ، فقال سلمان : ما كان حالك في دار
الدنيا ؟ قال : إعلم أني كنت في دار الدنيا ممن ألهمني الله تعالى الخير
( والعمل به ) ، وكنت أؤدي فرائضه ( 2 ) وأتلو كتابه ، و ( كنت ) أحرص في بر
الوالدين وأجتنب ( الحرام و ) المحارم وانزع من المظالم ، واكد الليل والنهار في
طلب الحلال خوفا من وقفة السؤال ، فبينا أنا في ألذ العيش وغبطة وفرح
وسرور ، إذ مرضت وبقيت في مرضي أياما ، حتى انقضت ( 3 ) من الدنيا
مدتي وقربت ( 4 ) موتي ، فأتاني عند ذلك شخص عظيم الخلفة فظيع المنظر ،
فوقف مقابل وجهي ، لا إلى السماء صاعدا ولا إلى الأرض نازلا ، فأشار إلى
بصري فأعماه ، وإلى سمعي فأصمه وإلى لساني فأخرسه ( 3 ) ، فصرت لا أبصر
ولا أسمع ( ولا أنطق ) ، فعند ذلك بكوا ( 4 ) أهلي وأعواني ( 5 ) ، وظهر خبري إلى
إخواني وجيراني ، فقلت له عند ذلك : من أنت يا هذا الذي أشغلتني عن
مالي ( 6 ) وأهلي وولدي ، ( فقد ارتعدت فرائصي ( 7 ) من مخافتك ) ؟ فقال : أنا ملك
الموت ، أتيتك لقبض روحك ولأنقلك من دار الدنيا إلى دار الآخرة ،
فقد انقضت مدتك من الدنيا وجاءت منيتك ( 8 ) ، فبينا هو كذلك يخاطبني
إذ أتاني شخصان ولهما منظر أحسن ما يكون ، ما رأيت من الخلق أحسن
منهما ( 9 ) ، فجلس أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي فقالا ( لي ) : السلام
00000000000000000
( 1 ) في المصدر : لسبعون .
( 2 ) في المصدر : وكنت أعمل به وأؤدي فرائضه .
( 3 ) انقطعت ( خ ل ) ، فعقره ( خ ل ) .
( 4 ) في المصدر : قرب ، بكى .
( 5 ) في الأصل : إخواني ، ولعله تصحيف .
( 6 ) في المصدر : من مالي .
( 7 ) ارتعدت أي اضطربت ، الفريصة هي اللحمة بين جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعد
من
الدابة .
( 8 ) في المصدر : أتيتك لأنقلك من الدنيا إلى الآخرة فقد انقطعت مدتك وجاءت منيتك
.
( 9 ) في المصدر : هما أحسن خلق الله ما رأيت أحسن منهما .
‹ صفحه 610 ›
عليك ( أيها العبد ) ورحمة الله وبركاته ، قد جئناك
بكتابك ، فخذه الآن
واقرأ وانظر ما فيه ، فقلت لهما : من أنتما يرحمكما الله وأي كتاب لي
أنظره وأقرأ ( 1 ) ؟ فقالا : نحن الملكان اللذان كنا معك في دار الدنيا ( على
كتفيك ) ، نكتب ما لك وما عليك ، فهذا كتاب عملك .
فنظرت في كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب ، فسرني ما
فيه وما رأيت من الخير ، فضحكت عند ذلك وفرحت فرحا شديدا ،
ونظرت إلى كتاب السيئات وهو بيد العتيد فسائني ما رأيت
وأبكاني ، فقال لي : أبشر فلك الخير ، ثم دنى مني الشخص الأول ، فجذب
الروح ، فليس من جذبة يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة
من السماء إلى الأرض ، فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري ، ثم
أشار إلي بحربة ( 2 ) لو أنها وضعت على الجبال لذابت ، فقبض روحي من عرنين
أنفي ( 3 ) ، فعلا من أهلي عند ذلك الصراخ وليس من شئ يقال أو يفعل إلا
وأنا به عالم ، فلما اشتد صراخ القوم وبكاؤهم جزعا علي ، التفت إليهم ملك
الموت بغيظ وحنق ( 4 ) وقال : معاشر القوم ! مم بكاؤكم ، فوالله ما ظلمناه
فتشكون ( 5 ) ولا اعتدينا عليه فتصيحون وتبكون ( 5 ) ، ولكن نحن وأنتم عبيد رب
واحد ولو أمرتم فينا كما أمرنا فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم ، والله ما
أخذناه حتى فنى رزقه وانقطعت مدته وصار إلى رب كريم يحكم فيه
ما يشاء وهو على كل شئ قدير ، فإن صبرتم أو جرتم ( 6 ) ، وإن جزعتم أثمتم ،
كم لي من رجعة إليكم أخذ البنين والبنات والآباء والأمهات .
000000000000000000
( 1 ) في المصدر : فخذه الآن وانظر ما فيه ،
فقلت لهما : أي كتاب لي أقرأه .
( 2 ) في الأصل والمصدر : بجذبة ، ما أثبتناه من البحار .
( 3 ) العرنين من كل شئ : أوله ، ومنه ( عرنين الانف ) لأوله ، وهو ما تحت مجتمع
الحاجبين ،
وهو موضع الشم ( مجمع البحرين ) .
( 4 ) الحنق - بالتحريك - الغيظ ، وفي المصدر ( بغيظ وقنوط ) .
( 5 ) في المصدر : فتشكوا ، فتضجوا وتبكوا .
( 6 ) في المصدر : اجرتم .
‹ صفحه 611 ›
ثم انصرف عند ذلك عني والروح معه ، فعند ذلك أتاه ملك آخر
فأخذها منه وطرحها ( 1 ) في ثوب أخضر من حرير ، وصعد بها ووضعها بين
يدي الله في أقل من طبقة جفن ( على جفن ) ، فلما حصلت الروح بين يدي
ربي سبحانه ( وتعالى ) سئلها عن الصغيرة والكبيرة ، وعن الصلاة والصيام
في شهر رمضان وحج بيت الله الحرام وقراءة القرآن والزكاة والصدقات ،
وساير الأوقات والأيام ، وطاعة الوالدين وعن قتل النفس بغير الحق ، وأكل
مال اليتيم ( ومال الربا والزنا والفواحش ) وعن مظالم العباد ، وعن التهجد
بالليل والناس نيام ، وما يشاكل ذلك ، ثم ( من ) بعد ذلك ردت الروح إلى
الأرض بإذن الله تعالى .
فعند ذلك أتاني الغاسل ( 2 ) ، فجردني من أثوابي وأخذ في
تغسيلي ، فنادته الروح : ( بالله عليك ) يا عبد الله ! رفقا بالبدن الضعيف ،
فوالله ما خرجت من عرق إلا انقطع ولا عضو إلا انصدع ، فوالله لو سمع
الغاسل ذلك القول لما غسل ( 2 ) ميتا أبدا ، ثم إنه أجرى علي الماء ، وغسلني
ثلاثة أغسال وكفنني في ثلاثة أثواب وحنطني بحنوط ، وهو الزاد الذي
خرجت به إلى ( دار ) الآخرة ، ثم جذب الخاتم من يدي اليمنى ( بعد فراغه من
الغسل ) ودفعه إلى أكبر أولادي ( 3 ) وقال : آجرك الله ( تعالى ) في أبيك وأحسن
لك الأجر والعزاء ، ثم أدرجني في الكفن ولفني ونادى أهلي وجيراني
وقال : هلموا إليه بالوداع ، ( فأقبلوا ) عند ذلك لوداعي ، فلما فرغوا من وداعي
حملت على سرير ( من ) خشب ( وحملوني على أكتاف أربعة ) والروح عند
ذلك بين وجهي وكفني ( واقفة على نعشي وهي تقول : يا أهلي وأولادي !
لا تلعب بكم الدنيا كما لعبت بي ، لهذا ما جمعته من حل ومن غير حل
وخلفته بالهنائة والصحة فاحذروني فيه ، ولم أزل كذلك ) حتى وضعت
0000000000000000
( 1 ) في المصدر : تركها .
( 2 ) في المصدر : غاسل ، غسل .
( 3 ) في المصدر : إلى الأكبر من ولدي .