ثانيهما: ظهور المجتمعات: حيث سبق ان قلنا أن تطوير وسائل الانتاج لأ
يمكن أن يستند إلا إلى مجتمع، مهما كان بسيطا. فيتعين
ان يكون ظهورها قبل كل تطوير.
هذا مضافأ إلى ما تعترف به الماركسية من تطور الانسان
عن القرد، وتطور القرد عن حيوان أبسط منه وهكذا...
وكل هذه التطورات غير مستندة إلى وسائل الانتاج، بطبيعة الحال.
وهناك بعض المناقشات الأخرى، لا حاجة إلى الدخول في
تفاصيلها.
المجتمع الشيوعي البدائي
بعد ان بدأت المجتمعات بالظهوهـ، بدأ عهد المجتممع
الشيوعي البدائي، أو التشكيلة الشيوعية
الأولى.
والماركسية تشرح شكل العهود عادة بشكل (تجريدي،، كأنها
أقرب
إلى الأعمال الرياضية الحدية من أي شكل آخر. وهي وان
حاولت تطبيقها على التاريخ الفعلي للبشرية، إلا
انها تشعر حينئذ بصعوبة في انطباق ذاك الشكل التجريدي على الواقع الفعلي. وهذا ما سنحاول أن نحممل عنه فكرة فيما يلي، في حدود
المجتمع البدائي.
تبدا الماركسية بشرج الشكل التجريدي لهذا المجتمع،
فتقول، كما
قال ستالين:
" في نظام المشاعية، تؤلف الملكية الجماعية لوسائل
الانتاج اساس علاقات الانتاج، وذلك يطابق
من حيث الأساس طابع القوى المنتجة في هذا الدور. فالأدوات الحجرية وكذلك القوس والسهام التي ظهر فيما بعد، لم تكن تسمح للأفراد أن يناضلوا
منفردين ضد قوى الطبيعة والحيوانات المفترسة.
فلأجل قطف الأثمار في الغابات، ولأجل صيد الأسماك،
ولأجل بناء مسكن ما،
كان الناس مجبرين على العمل معا بصورة مشتركة، إذا ما
أرادوا اجتناب الموت جوعا أو
180
الوقوع فريسة للحيوانات الضارية أو للقبائل المجاورة.
ويؤدي العمل المشترك إلى الملكية المشتركة لوسائل
الانتاج وللمنتجات أيضا. فهنا، إذا استثنينا
الملكية الفردية لبعض أدوات الانتاج التي تؤلف في الوقت نفسه اسلحة دفاع ضد الحيوانات المفترسة، لم نجد معنى لمفهوم الملكية الخاصة
لوسامحل الانتاج. هنا، لا استثمار ولا طبقات " (1).
-3-
وتقول الماركسية عن مميزات المجتمع البدائي:
" لقدكان هذا النظام الشيوعي البد 7لي، ضروريا
للمجتمع الانساني، في هذه المرحلة من التطور. فلقد
كان من المستحيل.على المجتمع لو عاش افراده حياة منعزلة مبعثرة، أن يخترع الأسلحة والأدوات الاتجدائية، وأن يحسنها فيما بعد.
ولم يستطع الناس أن يحرزوا انتصاراتهم الأولى في ميدان
الكفاج ضد الطبيعة إلا بفضل حياتهم
التعاونية لقد كان اتحادهم ني "بطن، شيوعي هو قوخهم الرئيسية. لم
يكن
استثمار إنسان لانسان اخر موجودأ في المجتمع الشيوعي
البدائي، بل لم
يكن هذا الاستثمار ممكنا فيه. لقد كان العمل مقسما بين
الرجل والمرأة. وحط ن في القبيله أفراد اقوى من
غيرهم وافراد أضعف. ولكن لم يكن هناك استثمار.
ليس الاستثمار ممكنا، إلا إذا استطاع الانسان أن ينتج
من وسائل الحياة ما يكفي
له، وللآخرين أيضا. فبهذا الشرط وحمل، يمكن لفرد أن
يعيش عالة على عمص الآخرين. ولم يكن من
الممكن، والحالة هذه، أن يوجد في المجتمع البدائي المجبر على تدارك رزقه يومأ فيومأ، اي استثمار" (2).
" ومن خصائص الثيوعية الأولية، اعترافها بدور
المراة الكبيى، ولم يكن عدم المساواة بين الرجل
والمرأة إلا في تقسيم العمل بينهما، ولم يكن يعترف إلا بنسل المرأة وحدها. فكانت إلمرأة تشرف على التربية، كما كانت نصائح الجدة نافدة. ذلك
كان عهد سيطرة الأم لما (3).
" إن الشعور بالملكية الفردية والتفكير بها لم
يوجدا بعد، كـما ان الحقد الطبقى غير موجود، لعدم
وجود الطبقات والاستغلال الطبقي.
إذن، إنه على عكس ما يقول المثاليون، فإن الشعور (بما
يخصني دا و"
يخصك "
وان الحقد والكبرياء ليست عواطف أبدية خالدة في الطبيعة
الانسانية، بل هي منتوجات (1) المادية الديالكتيكية: ستاليئ ص 48
وما بعدها.
(2) نظرات علمية في الاقتصاد السيلسي: سيغال ص 12 وما
بعدها.
(3) اصول الفلسفة الماركسية: بوليتزر وآخرين ص 59!2.
181
تاريخية تتولد من الملكية الخاصة" (1).
" كانت الأخلاق والدين والفن، اشكال الوعي التي
ولدت في المجتمع البدائي.
ولكن هذه الأشكال لم تكن آنذاك مفصولة بعضها عن بعض، بل
كانت تندمج في كل ! واحد، مشكلة نظاما كأنما منحته
الطبيعة، من تقاليد وعادات وتصورات العشيرة والقبيلة، نظاما كان
عضو العشيرة بمفرده خاضعأ كليا له بأفكاره وأفعاله.
كانت العشيرة والقبيلة، بالنسبة إلى الفرد نوعا من حدود
لجميع علاقاته، حدود مكانية، لأنه لم يكن
بوسعه أن ينتقل بحرية إلا في ضمن أراضيها. حدود اقتصادية، لأن وجوده كان رهنأ بالجماعة. حدود روحية، لأنه كان لعي ويتحسس نفسه لا
كفرد منفرد متميز، بل كعضو في العشيرة المعينة. إن
وعي العشيرة كان في الوف نفسه وعي كل فرد، وكل ما يتخطى
إطار العشيرة، إطار القبيلة كان غريبآدا (2).
وتقول الماركسية يخا بيان سبب زوالط المجتمع البدائي:
"ولقد تم تقدم قوى الانتاج داخل الكومون البدائية
التي كانت تسهل آنذاك إلى أقصى
حد، النضال ضد الطبيعة. وكانت المراحل الأساسية هي: تأليف
الحيوانات بفضل القوس والسهام وتقسيم العمل بين
الرعاة والصيادين البدائيين، ثم الانتقال إلى الزراعة بفضل الآلات
المعدنية كفأس الحديد وسكة المحراث. يضاف إلى ذلد أن صناعة الخزف كانت تساعد على الاحتفاظ بالمؤن.
كان لهذا التقدم نتائج عظيمة. فلقد وفرت لربية
الحيوانات والزراعة مصادر أكز انتظامأ
وغزارة مما يوفره اور البري.
..، ولم يعد
العمل، بعد ظهور تربية الحيوانات والزراعة للحاجة المباشرة، بل أصبح ينتج فائضا، فيصبح التبادل ضروريا وممكنا، كـما تتوفر إمكانية تجميع
ا لثر وات
" (3).
ومع تزايد إنتاجية العمل الفردي، أخذ يتطور الانتاج
الفردي في العاثلة الواحدة،
الأمر الذي قوض اسس التوزيع المتساوي... فقد ظهر
التبادل بين القبائل: أى شكل جديد من العلاقات
الاقتصادية وظهر المنتوج الزائد أي المنتوج الذي يبقى بعد تلبية الحاجات الضروريه. وظهرت بالتالي إمكانية تكديس هذا المنتوج و(عادة
توزيعه، وتزكيز الثرمات و أيدي قسم من المجتمع.
(1) المصدر نفسه ص 58.
(2) المالية التاريخية: كوفالسون ص 123.
يا) أصول الفلسفة الماركسية: بوليتزرب 2 ص 65:ما بعدها.
2 لم ا
وكان من الممكن أن يصبح الانسان نفسه ثورة، ولقد
أصبحها، لأنه صار من الأفيد
أكتز فأكثر اقتصاديا استثمار قوة العمل. وقد تطلبت الزراعة
نمط الحياة الحضري، وأتاح ظهور كمية كبيرة
من المنتوجات للناس تشكيل وحدات أوسع من العشيرة والقبيلة. وقد أدت جميع هذه العوامل إلى انحلال الجماعية البدأئية والى تفسيخ
العلاقات القائمة على المساوأة البدائية. ودخلت
القوى المنتجة الجديدة، في تناقض مع علاقات ألانتاج
القديم. ومحلها حل المجتمع الطبقي مع الملكية الخاصة، ومع أستثمار الانسان للانسان " (1).
وأما الدولة، فلم تظهر في نهاية المجتمع البدائي، او
بداية مجتمع الرق، بل بعد ذلك، في زمن متأخر
نسبيا، على ما سيأتي. -7-
" حينما أخذ بعض أعضاء الكومون البدائية، بالانتقال
تدريجا من الآلات الحجرية
إلى الالات الحديدية، كانوا، يجهلون النتائج الاجتماعية
التي يفضي إليها هذا التجديد، ولم يكونوا
يفكرون في ذلك.
ولم يعوا ذلك، ولم يكونوا يدركون أن استعمال الآلات
المعدنية يعني ثروة في الانتاج، وانه سيؤدي
بالنهاية إلى نظام الرق. لم يكونوا يريدون سوى جعل عملهم أسهل، وان يحصلوا على فائدة مباشرة محسوسة، فكان نثاطهم الواعي ضمن نطاق هذه
الفائدة اليومية الضيق.
تركت نهاية العصر البدائي، ومطلع عصر الرق آثارا عميقة
في مخيلة الناس. ولما
كانوا لا يدركون ضرورتها الموضوعية، رأوا فيها أنتقاما
الهيا وفقدانا
" للبرأءة لما الأولية،
وثمرة
" للشر! و " الكبرياء،
والشيطان وهكذ صيغت " الفضائل، القديمة. في أفكار، تولد عنها العديد من الموضوعات الأخلاقية. فاستمرت ذكرى وجود
المراة القديم في أسطورة سبيل آلهة الخصب. كـما نعى
الانجيل
" سقوط، الانسان، وتغنى الشعراء القدامى امثال هزيود وأوفيد " بالجيل الذهبي،
الذي تنبأ المأثور بعودته المحتومة دا (2). -8-
هذا كله على مستوى " التجريد " الماركسي.
واما تطبيق هذه السلسلة النظرية على التاريخ البشري
الفعلي، فلم
تجده الماركسية إلا في كلام " مورغان لما حين
أصدر كتابه
" المجتمع القديم ". وهو كاتب امريكي معاصر لانجلز، وجد انجلز ان هناك تشابها
(1) المادية التاريخية لكوفالسون ص 124 وما بعدها. (2) ا
اصول الفلسفة الماركسية: بوليتزر!2 ص 63.
183
كبيرا بين كتابه وبين النظرية الماركسية... فكتب كتابه
المشهور دا أصل العائلة والملكية الخاصة
والدولة، من اجل الالماع إلى ذلك والتركيز عليه. ولا طريق للقارىء، عادة، إلى كتاب مورغان، إذ كان لا يحسن لغة الكتاب. وإنما طريقه إليه
هو ما نقله عنه انجلز في كتابه المشار إليه. وكتاب
انجلز لا يقتصر- بطبيعة الحال- على ما يذكره مورغان، بل
يضيف إلى ذلك اشياء كثيرة من آرائه، ويقتصر من مورغان على نقل نصوص من كتابه ليس إلا.
وقد يكون في مجموع آراء انجلز ومورغان التاريخية، بعض
المشابهة مع النظرية الماركسية، على ما سنسمع
لدى المناقشة ة واما كلمات مورغان نفسها ونصوصه فلا ربط لها بصحة النظرية بأي حال. وسنسمع ذلك أيضا. ومن المعلوم ان اكثر من 90%
من كتاب
(اصل العائلة " هو من آراء انجلز
وانشائه لا من آراء مورغان، كما هو واضح لمن راجع الكتاب. ومعه
يحسن أن نرجىء الاشارة إلى الجانب التطبيقي، إلى حين المناقشة.
184
مناقشة
المجتمع الشيوعي البدائي
-1-
من الطريف ان الماركسية تتكلم عن اغلب بل عن جميع
تشكيلاتها او عهودها الخمسة، بشكل تجريدقي،
وتنظر إليها نظرا رياضيا، في حين أن المجتمع هو واقع تاريخي أكز منه أي شيء آخر.
فمن المعروف أن هناك فرقا كبيرا بين الدائرة الهندسية
التجريدية التي يتصورها الذهن، وبين اية دائرة
فعلية يرسمها أي انسان، مهما كان فنانا فكذلك يلمس القارىء الفرق بين ما تقوله الماركسية بشكل تجريدي عن تطورات المجتمع، وما
يراه في الواقع من لحم ودم وافعال وأقوال. إن هذا
التجريد الماركسي يتصف بعدة صفات رئيسية:
الصفة الأولى: التسليم المطلق بأن هذه الأشياء قد حدثت
فعلا، من
دون إعطاء اي مجال للتشكيك أو الاحتمال. وكلما كان
الحادث أو الظاهره اقرب في نظر الماركس!ن
إلى نظريتهم، كان حدوثه اكثر يقينا وتأكيدا. الصفة الثانية: إن هذه الأشياء قد حدثت او تحدث في العالم كله
بدون استثنل!، وبدون أي تمييز.
الصفة الثالثة: إن شيئا آخر غير هذا التجريد الرياضي لم
يحدث ولن يحدث ة وكلما خالف ذلك، فهو
كذب، ان امكن تكذيبه، والا فهو لا بد مندرج قي هذا التجريد على كل حال.
في حين أن كلا من هذه الصفات، قابلة للمناقشة:
أما الصفة الأولى: فلأن ما هو المعلوم باليقن من
التاريخ، هو الواقع المعاش، وبعض الأمور
الواضحة من الماضي، وكل ما عداه، فهو محتمل الوجود والعدم. كالأعم الأغلب جدا من امور الماضي والمستقبل. وقد سمعنا اعتراف انجلز بأن حوادث
الماضي غامضة ومشوشة؟ وكلما كان
الماضي ابعد كان أشد غموضا والتباسا، فكيف يمكن أن نأخذ
مجموعة ضخمة من الحوادث كأنها يقينية الحدوث.
وأما الصفة الثالية: فهي- على الأقل- مخالفة لما ذكره
لينيئ، من ان
هذه النظرية تعطي توجيهات عامة، تطبق هنا على غيى
الأسلوب التى تطبق به هناك. وهذا الكلام
لايختلف فيه عهد عن عهد بطبيعة الحال. فكيف تستطيع الماركسية أن تجزم أن كل الصفات التي اعطتها للمجتمع البدائي والحوادث التي سردتها فيه، قد
حدثت في العالم كله.
وأما الصفة الثالثة: فلأن العالم حشد هائل من الحوادث
والظواهر،
وإذا نظرنا إلى مجموع التاريخ البشري، كان هذا الحشد
اشد ضخامة وأعظم خطرا وهولا، فكيف تستطيع
الماركسية أن تتصيد من هذا لمجموع الحوادث " المختارة " لتصنع منها " لوحة تجريدية لا. وكيف تستطيع
ان تقول: ان هذا هو التاريخ دون غيره. إلا ان يكون هذا جزافا من
القول، او يعود إلى فرض النظرية على الواقع على عكس ما ارادته الماركسية.
ومورغان وأبحاثه، ما هي قيمتها من الناحية التاريخية
والمنطقية؟!
إن مورغان باحث ومؤرخ، وهذا مما لا ينبغي المناقشة فيه.
ولكن
تبقى هنا عدة نقاط ينبغي فحصها:
الئقطة الأولى: ان نظرية تأسيسمة جديدة في تفسـير
التاريخ، لا يمكن
ان تتبرهن إلا إذا قامت على مجموعة كافية وواضحة من
حوادث التاريخ، بحيث أخذها المؤرخون أمورا مسلمة
وثابتة. وخاصة وان الماركسية- كـما سبق- أرادت أن تفهم نظريتها من
الحوادث، لا أن تطبق الحوادث- على نظريحها.
واما إذا اعتمدت هذه النظرية على اقوال مؤرخ واحد، وعلى
حوادث
محتملة وغيرثابتة. فهذا مما يخل بثبوت اصل النظرية. كما
هو معلوم. النقطة الثابية: ان مورغان كاتب متأخر، بطبيعة الحال،
لم يعاصر العصر القديم للبشرية. كل ما في الموضوع أنه
استقى من مصادر وكتب السابقن عليه جملة من معلوماته، وملأ الفراغات باجتهاداته وآرائه في حدود ما يعتقد أنه مناسب الحدوث في ذلك الحـن.
فلئن كان مجموع آرائه مناسبا مع النظرية الماركسية، لو
سلمناه، فإن 186
آراءد الخاصة مما لم يستطع أن يقيم عليه دليلا كافيا،
لايمكن الاعتماد عليها. واما ما استطاع
إقامة الدليل عليه، ونقله عن مصادر موثوقة، فهو غير كاف ولا مناسب مع النظرية الماركسية، والا لاعتمد عليها انجلز قبل اعتماده على كتاب
مورغان.
النقطة الثالثة: ان من الأدلة الرئيسية عند مورغان،
لاستنتاح صفات المجتمع القديم، هو وجود ما
يماثله من مجتمعات بدائية في العصر الحاضر.
ولكن هذا لا يتم، ولا يمكن أن يكون إثباتا كافيا، لوجود
الاحتمال
- على الأقل- بأن هناك فروقا كبيرة واساسية بين المجتمع
القديم والمجتمع البدائي المعاصر. وهذا الاحتمال
لا يمكن نفيه إلا لمن كان مشاهدا لكلا المجتمعيئ، إذا وجدهما على
شكل واحد. ولا يوجد مثل هذا الانسان على وجه الأرض.
ومما يدعم هذا الاحتمال: الاستفهام عن السبب الذي أوجب
تطور
باقي المجتمعات مع بقاء هذا المجتمع على بدائيته. ان هذا
لا يمكن بدون أسباب رئيسية أوجبت ذلك، تمثل بدورها
فروقا مهمة بين شكلي المجتمع البد ائي.
وعلى أي حال، فمع وجود هذا الاحتمال، لا يمكن الزعم
بأننا
نعرف صفات المجتمع القديم.
-3-
وقد اوضح بليخانوف هذه الحقيقة حصان قال:
" ولكنه لا يسعنا الاعتماد إلا على التخمينات فيما
يتعلق ب (الانسان البدائي ". فالبشر الذين يسكنون الأرض
حاليا، والذين لاحظهم في الماضي باحثون جديرون بالثقة، هم بعيدون
جدا عن الوقت الذي توقفت فيه الحياة الحيوانية بمعنى الكلمة الأصلي، بالنسبة إلى الانسان.
هكذا، فقبائل ايروكوا في اميركا الشمالية- ونظام
الأمومة الذي تعيش فيه هذد القبائل، ودرسه ووصفه
مورغان، بلغت نسبيأ مرحلة متقدمة جدا في التطور الاجتماعي. والاسش اليون الحاليون أنفسهم لا يملكون لغة وحسب (واللغة هي الشرط
والأداة والسبب والنتيجة في كل حياة اجتماعية) ولا
يعرفون استخدام النار وحسب، بل هم يعيشون أيضا في مجتمعات،
في ظل نظام معين ولهم أعرافهم ومؤسساتهم.
187
والقبيلة الأوسترالية لها ارضها واساليبها في الصيد
ووسائلها في الدفاع والهجوم،
وهي تستعمل أوعية لحفظ المؤن، بعض أعمال تزيين الجسد. وبكلمة
مقتضبة: ان الاسترالي رغم تأخره، يعيش في بيئة
اصطناعيةا (1).
إذن، فالفرق بين المجتمع القديم والمجتمعات البدائية
المعاصرة،
ليس محتملا فحسب، بل هو مؤكد ويقين... وباعتراف شخص
ماركسي كبليخانوف. واين هذا من الصورة
التجريدية التي تعطيها الماركسية للمجتمع- القديم.
إن صحة أبحاث مورغان، مسمتنذ في نظر انجلز إلى مطابقتها،
في رايه، لتطور وسائل الانتاج.
قال انجلز:
ا إن اللوحة التي رسمتها هنا، استنادأ الى مورغان، عن
تطور البشرية عبر عهد الوحشية وعهد
البربرية إلى منابع الحضارة، غنية كفاية بخطوط جديدة. ناهيك بأنه لا جدال فيها، لأنها مأخوذة مباشرة من الانتاج "21).
وهذا يعني فرض النظرية على الواقع، فإن النظرية هي التي
تقول باستناد التطور إلى وسائل الانتاج. والمفروض
أنها تفهم من ابحاث مورغان، لا ان تفهم أبحاثه على ضوئها.
إننا لو حاولنا تطبيق التجريد الماركسي للمجتمع القديم،
على كلام انجلز في كتابه دا اصل العائلة...،،
لوجدنا المفارقات الكبيرة بين الحقليئ بحيث لايكاد يشترك الحقلان إلا فى خصائص ضئيلة كالتأكيد على بدائية المجتمع وضالة وسائل الانتاج
فيه. ونجد إلى جنب ذلك عشرات الأوصاف موجودة في احد
الحقلين مفقودة من الحقل الآخر.
فبينما يؤكد التجريد الماركسي على عدم الملكية الخاصة
وعلى التساوي
في التوزيع ووجود الدين والفن والاخلاق في المجتمع
البدائي. لا نجد لكل هذه الأمور أي أثر قي
ئطبيقات انجلز. إذن فهي استنتاجات افتراضية محضة !!.. تملك- 1000 ي !... إثبات-..-. تا ريحي.
(1) فلسفة التاريخ لبيلخانوف ص 71.
(2) اصل العائلة لانجلزص 31.
188
وأما تطبيقات انجلز في كتابه، فتبدا بتقسيم المجتمع
القديم إلى:
عصور الوحشية والبربرية وأطوار كل منها وتقسيمها إلى
أقسام ثلاثةء ثم يبدأ الحديث عن شكل
العائلة والزواج مفصلا، وبانتهائه ينتهي الحديث عن المجتمع القديم ثم يبدا الكلام عن صفات مجتمعات بعينها، كالمجتمع اليوناني والروماني وغيرهما
ويكون الغرض الأساسي من هذا الاطلاع على الأوضاع
السياسية والاجتماعية ومن ثم أسلوب تطور الدولة في تلك
المجتمعات.
فما يمت إلى مجتمعنا القديم بصلة هو ما يعود إلى عهود
البشرية الأولى، وإلى الحديث عن العائلة،
اما عهود البشم ية خلال الوحشية والبربرية، فهو بعيد عن
التجريد الماركسي كل البعد. وانجلز وان حاول ربط تطورها بتطور
وسائل الانتاج، إلا انها عهود حضارية او مدبية، وليست عهودا
إقتصادية كالعهود الخمسة، الماركسية. فلا بد أن وسائل الانتاح قد اثرت في التطوبر الحضاري من دون الاحتياج إلى علاقات الانتاج أو إلتناحر
الطبقي، خلافا للنظرية الماركسية. ومعه فحتى لو سلمنا
صدق كل هذه التطورات البشرية، فإنه
لا يستلزم بأي حال، صدق النظرية والتجريد الماركسي!!ن. ومرور
بعض المجتمعات البشرية بهذا التطور فيما سبق،
لا يعني مرور اي مجتمع بدائي آخر بنفس التطور، كما تريد الماركسية ان تقول.
واما الحديث عن العائلة القديمة في كلام انجلز، فهو
ايضا بعيد عن التجريد الماركسي، فإنه يتحدث
عن الزواح الجماعي والثنائي والآحادي وعن تطور النظام العائلي في الأدوار الأولى للبشرية.
وهو حديث عن جانب واحد، من جوانب المجتمع القديم. وهو
جانب غير اقتصادي بطبعه. ومن هنا تركت
الماركسية التأكيد عليه في لا تجريدها الرياضي لما إلا في بعض المصادر المتأخرة جدا من كتب الماركس!ن مثل بوليتزر وكوفالسون، حين وجدوا
ضرورة الربط بين التجريد والتطبيق، من أجل محاولة رفع
التنافي بينهما. وقد نقلنا عنهما شيئا من ذلك.
189
ولو سلمنا صحة الربط بين التجريد والتطبيق... فلنا أن
نتساءل: ان وسائل الانتاج التي اوجبت تطور البشرية
خلال عهود الوحشية والبربرية، وأوجبه تطور العائلة من الزواج
الجماعي إلى الثنائي إلى الآحادي، كيف لم توجب زوال عهد الشيوعية البدائية..+ مع تأكيد الماركسية على الن لكل طورمن وسائل الانتاح،
لكلا مختلف من علاقات الانحابم، ولا يمكن ان تكون
علاقات إنتاح واحدة لطورين أو تطورين من وسائل الانتاج. فهل
أصبح المجتمع الشيوعي البدائي محتويا على عدد من علاقات الانتاج، او أن هذه التطورات لا تغير علاقات الانتاج. إن كل ذلك غير ممكن في
النظرية الماركسية.
وما هو فضل واهمية هذا التطور في وسائل الانتاج الذي
أوجب زوال المجتمع الشيوعي، على التطورات
السابقة عليه، التي لم تنتج زواله؟ وأين تأكيدات الماركسية على ان كل تطور جما وسائل الانتاح ينتج تغير كل الوضع الاجتماعي بكل تفاصيله
وخصائصه.
-7-
ينتج من هذه المناقشات، أننا ينبغي ان نعترف بوجود
المجتمع البدائي
وتأخر وجود الدولة عنه، وتأخر وجود المجتمعات عن وجود
البشرية... لأن هذا مطابق للطبيعة الأولية لتطور
البشرية على ما سوف نرى.
واما ان المجتمع الأول، قائم على أساس التساوي في
التوزيع، وعدم
وجود الاختصاص او الملكية، ركذلك مقارنة اية ظاهرة مع
مرتبة معينة معرونة لتطور وسائل الانتاج... فهذا
مما لا يمكن أن يكون له إئبات تاريخي. ولعمري ان التطبيق الماركسي، لولا كونه قائما- إلى حد كبيى- على الحدس والتخمين، لكان
أقرب إلى التصديق من التجريد الماركسي الذي
يعامل التاريخ البشري معاملة الأشكال الهندسية.
-8-
وهنا لا بد أن نقول كلمة عن الأخلاق والدين، اللذلن
ادعت الماركسية وجودهما في المجتمع الشيوعي الأول.
ونحن نتفق معها!ا وجودهما منذ ذلك الحن، إلا أن ذلك في
الواقع،
دليل رسوخهما وعمق وجودهما في الذهن البشري، ويكفي أن
تعترف الماركسية
195
وهي بالضرورة لا تستطيع أن تنكر، أنهما وجدا قبل أي
تطور لوسائل الانتاج وقبك اي وضع اقتصادي
أو علاقات الانتاج، وقبل أي وجود طبقي.
بل لا يبعد وجودهما بشكلهما المبمحط قبل وجود
المجتمعات، حـين كان
البشر جماشات متفرقة قليلة الأفراد.
لكننا لا ينبغي ان نخطو إلى الوراءأكثر، لأننا إذا قلنا
ان البشرية بدأت من الصفر، حتى بالنسبة إلى التفكير
واللغة، فمن المعلوم ان الدين والأخلاق لا يمكن ان يدركا من دون تفكيرولا لغة. فإن الدين يتوقف إدراكه على نمو الادراك النظري
لدى الانسان.
والأخلاق يتوقف إدراكها على نمو الادراك العملي لديه. إذن
فوجودهما منوط بهذين الأمرين. وغير منوط بأصل
وجود البشرية، بناءعلى هذه النظرية.
نعم لا يمكن ان ننزد بالبشرية، عن مستوكما الحيواط ت
العليا، فإن
قلنا- كـما يميل إليه بعض الفلاسفة- بوجود درجة عن الوعي
عند هذه الحيوانات، فلا بد أن نقول بمثلة أو بأفضل
منه لدى الانسان الأول. ومعه فقد يمكن ان نفترض انه يفهم من الدين والأخلاف شيثا ضئيلا جدا مناسبا مع مرتبة إدراكه. ولعل فى حياة
العديد من الحيوانات، ما يصلح ان يكون شاهدا على
هذا الادراك، ولسنا الآن بصدد تعداده.
هذا وقد سبق ان برهنا على اصالة الدين والأخلاق في
الضمير الانساني
وعدم ارتباطهما بموقف اقتصادي أو اجتماعي معين.
وبطبيعة الحال، كلما ازدادت تجارب الانسان، فردا او
جماعة، ازداد إدراكه النظري والعملي،
وكلما ازداد ذلك ازداد للأخلاق والدين فهما وتعمتهـا، واطلع على حقائق منهما أكثر، وسيأتي تفصيل ذلك عند الكلام عن التخطيط الالهي.
ولعل إدراك الناس للبراءة الأصلية والفضيلة والشر
والكبرياء، كأمور
سيئة تارة وحسنة اخرى، يحتاج إلى تطور في الادراك
العملي إلى مقدار كاف، وليس من المولدات
الأخلاقية الأولى للذهن البشري... لكنها غير مربوطة في الحقيقة بانتمال البشرية إلى مجتمع الرق، كـما أراد بوليز أن يقول!!.
تبقى كلمة واحدة، بالنسبة إلى تحديد زمن انحهاء عصر
الشيوعية
191
البدائية، مضافا إلى تعلن ابتدائها.
إن الماركسية تحسن صنعا حيئ لاتعطي لعهودها التاريخية
بشكلها التجريدي وقتا معينا. فإنها قد تزيدوقدتنقص. إلا أنها ذكرت
ان عهودأ معئنة قد بدات وانتهت فعلا. إذن قد اكتسبت
تاريخا معينا في عالم التطبيق الفعلي، ومن هنا يقع السؤال: إن الواقع التاريخي لعصر الشيوعية البدائية، متى بدأ ومتى انتهى؟!...
إن المصادر الماركسية لا تكاد تعطي فكرة محددة حول ذلك،
ولكن يمكن
أن نتصيد ذلك من كلماتهم.
أما بالنسبة إلى ابتداء المجتمع الشيوعي، فهو يتحدد
تجريديا ببدء المجتمعات؟ ولكننا حين نصل إلى
عالم التطبيق نجد أن المجتمعات تكونت تدريجا، ولا يمكننا ان نشير إلى نقطة تاريخية محددة تحديدا رياضيا لنقول: انها زمان او مكان تكون
المجتمعات.
إن المجتمعات عند انعقادها الواسع، كـانت شيوعية، كما
تقول الماركسية، وأما قبل ذلك فما هو حالها...
إن هذا احد نقاط التنافي الكبير بين التجريد الماركسي والتطبيق.
إن الشيوعية البدائية، كما تصفها الماركسية تظهر في
تعاون الأسر المختلفة
من الناحية الاقتصادية، وبعض النواحي الأخرى. وهذا يصدق
على المجتمعات الواسعة نسببا، ومن الصعب انه
صادق على المجتمع الصغيركأسرة واحدة او نحوها.
إذن، يبقى السؤال واردا بوضوح على الماركسية: إن
المجتمع البدائي الشيوعي، هل بدا مع تكون
المجتمعات على الاطلاق، او من توسع المجتمعات. فالشق الأول هو ما تعرب عنه الماركسية عادة- كمفهوم- والشق الثاني هو الذي يقتضيه وصفها لذلك
المجتمع.
واما بالنسبة إلى زمن انتهاء المجتمع الشيوعي البدائي
من الناحية التطبيقية... فقد يبدو من
المصادر الماركسية انه بقي طويلا في التاريخ.
إن انجلزيتصور النبي ابراهيم عليه السلام يعيش في مجتمع
بدائي، ولذا
لم يكن يحس بالملكية الفردية، كما نتصورها الان!!...
قال انجلز:
192
" ومن العسيى القول ما إذا كان موسى، مؤلف ما يسمى
بالكتاب الأول، قد اعتبر البطريرك ابراهيم مالكأ
لقطعانه بموجب حقه الشخصي بوصفه رئيس مشاعة عائلية، أم بموجب مركزه
كرئيس يرث بالفعل عشيرة. هناك أمر واحد لا ريب فيه، هوانه ينبغي لنا ان لا نتصوره مالكا بمعنى الكلمة الحالي لما (1).
بل ان الانجيل نفسه وضع في العصر البدائي نفسه...
قال انجلز:
لا والقضية المتعلقة بكيفيه نشوء القصص الأنجيلية عن
المعجزات أنشأت في قلب المشاعة عن طريق تشكل
الخرافات تشكلا غير واع يعتمد على التقليد، أم اختلقها أولئك الذين ألفوا إلأناجيل أنفسه " (2).
واعتبر بوليتزر- كـما سمعنا- بعض أفكار الانجيل كسقوط
الانسان،
نتيجة لنهاية العصر البداشي ومطلع عصر الرق.
وبغض النظر عن هذا التهافت، بين هذين المفكرين
الماركسيين، في أن الانجيل هل وضع خلال عصر
المشاعة/3) او خلال عصر الرق. فإن الافا من السنين مضت بيئ بدء المجتمعات وعصر وضع الانجيل. وتكون هذه الآلاف كلها ممثلة للعصر الشيوعي
البدائي... على حين لم يبق للعصور المتأخرة
عنه سوى ألفن من السجنين إ!..
ومعنى ذلك: انه ليس النبي ابراهيم عليه السلام كان يعيش
في العصر البدائي، فحسب، بل موسى واضع ما
يسمى بالكتاب الأول- على حد تعبير انجلز- كان يعيش في نفس العصر أيضا... للوضوج التاريخي بأن (العهد القديم لما وضع قبل (العهد
الجديد
" بزمن طويل. وتكون الأسر الفرعونية
كلها وما يقابلها من الأشورلن والبابل!ن قي الشرق الأوسط كلها تعيش قي العصر البدائي الشيوعي.
إلا أن هذا كله- مع الأسف- غير محتمل، لوجود عدة نقاط
للضعف
فيه، نذكرمنها ما يلي ة
(1) اصل العائلة لانجلزص 67.
(2) لوفيخ فورباخ ص 16.
(3) لا يحتمل ان يكون بين رضع القصص وتسجيلها رمان طويل
يزيد على الألف عام مثلا، لأن
هذه المدة كفيلة بمحو القصص من الأذهات. ومن هنا يكون
وضع القمص في
" قلب المشاعة! مستلزما لتسجيلها في
الانجيل في نفس العصر، ومعنى ذلك: ان تأليف الانجيل قد تم خلال نفس العصر ايضا.
193
الئقطة الأولى: إن وجود الدولة معناه انتهاء عصر
الشيوعية البدائية، لتصريح الماركس!ن بأن الدولة
إنما اسست بعهده،... وللتنايا الذي يعتقدونه بين التوزيع المتساوي والطبقية المنتجة للدولة.
ومن المعلوم أن العهود المشار إليها: الفرعونية
والأشورية والبابلية وغيرها، كلها محكومة
لطبقات أواسر مسيطرة. وهذا معناه ان البشرية كانت قد اجتازت عصر المشاعة البدائية.
وموسى عليه السلام وجد في عهد الفراعنة، كـما أن يسوع
المسيح عليه السلام وجد في عصر الدولة الرومانية،
إذن فقد وجدا بعد العصر البدائي، وسيأتي أن الماركسية تعتبر المجتمع الروماني مثالا رئيسيا لعصر الرق. إذن، فكيف يكون الانجيل قد
كتب في
" قلب المشاعة دا
كـما صرج انجلز، مع أنه كتت بعد المسيح يقينا.
النقطة الثانية: ان الكتاب الأول الذي استشهد به انجلز،
وهو
" سفر التكوين يا من التوراة
المتداولة، صريح كل الصراحة بوجود الدولة يخا عصر ابراهيم عليه السلام. والدولة تعني الخروح من العصر البدائي، كـما قلنا وقا لوا.
اما في مصر، فقد كان الحكم للفراعنة، وقد ذهب ابراهيم
إلى مصر،
وكان له مع الفراعنة عدة حوادث نقل الكتاب الأول منها
قسطا. منها: ان الفرعون حاول الاستيلاء
على زوجته- كـما يدعي الكتاب الأول- إذ يقول: " فحدث لما دخل
ابرام- يعني ابراهيم- إلى مصر، أن المصريين رأوا
المرأة أنها حسنة جدا، ورآها!ؤ ساء فرعون ومدحوها لدى
فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون.. فصنع إلى ابرام خيرا بسببها... الخ ما حدث " (1).
وأما في شرق البحر الأحمر، منطقة فلسطين والأردن ولبئان
الحالية، فقد
كانت محكومة لعدة أمراء أوملوك، كما هوواضح لمن راجع
اول الاصحاح الرابع عشر من سفر التكوين، ولا
حاجة إلى نقله.
النقطة الثالثة: إن الكتاب الأول نفسه صريح بوجود
الملكية لابراهيم
عليه السلام، وغيره بالمعنى الذي نعرفه حاليا، خلافا
لما قاله انجلز. كل ما في الموضوع أن انجلز كتب ما
كتبه مستعجلا بدون الرجوع إلى المصدر الذي استشهدبه.
(1) سمر التكوين 12/ 14- 16.
194
" ممثلة
إن عددا من فقرات الكتاب الأول دال على ذلك. يكفي ان
ننقل منه هذه
الفقرة الدالة على انه كان لابراهيم املاك وأغنام: وكان
للوط ايضا مثلها، فوقعت خصومة بين رعاة ابراهيم
ورعاة لوط. ولا يمكن أن تقع الخصومة إلا نتيجة للشعور الأكيد واله
طيد بالملكية... فكان ان افترق الرجلان وتباعدا في الأرض، حتى لا تحدث الخصومة بينهما.
" ولوط السائرمع ابرام كان له أيضا غنم وبقر
وخيام، وأ تحتملهما الأرض أن يسكنا معا
إذا كانت أملاكهما كثيرة. فلم يقدرأ أت يسكنا معا،
فحدثت مخاصمة بين رعاة مواشي إبرام ورعاة
مواشي لوط... فقال أبرام: لا تكن مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك، لأننا إخوان، أليست كل الأرض أمامك. اعتزل عني. إن ذهبت شمالا فأنا
يمينا و(ن يمينا فأنا شمالا" (1).
إذن، فقد كانت الملكية موجودة بوضوح، ووجودها متأخر عن
عصر الشيوعية البدائية، كـما تعتقد
الماركسية، إذن فوجود ابراهيم متأخر عن ذلك العصر لا محالة.
إذن، فلا بد ان يكون العصر البدائي، قد انتهى قبل زمن
ابراهيم عليه السلام. ويكون وجوده، كـما
قلنا فيما سبق، في عصر الرق، لو صح تقسيم الماركسية للتاريخ البشري.
اما ما اعطته الماركسية كمبرر تجريدي لانتهاء عهد
المشاعة البدائي، وهو
وجود الانتاح الزائد عن الحاجة! وإمكان استغلال قوة
العمل الذي أنتج فكرة ملكية الانسان
للانسان.
... فمن المنطقي أن ينتج ذلك، أعني الانتاج الزائد،
تقويض التوزيع المتساوي، وتكدس الانتاح
الزائد لدى بعض الأفراد، وصيرورة هؤلاء ذوي شأن خاص في المجتمع وامتيازات يفقدها ألاخرون. كـما أصبح في إمكان هؤلاء فرض السيطرة على جماعة من
الناس، واستغلال أعمالهم مجانا لزيادة الانتاج.
كل هذا ممكن...
إلا أن وجود مجتمع الرق من وراء ذلك، غيرمنطقي ولا ممكن.
وذلك:
أولا: إن استغلال الانسان للانسان، لا يعني تملكه
بالملكية الخاصة،
(1) المصدر 13/ 5- 10.
195
6--؟ 11
بحيث يكون للمالك ان يبيعه أو يهبه، كما هو المفهوم من
الرقية. إذ من الواضح أن الاستغلال موجود في
اساليب اخرى كالاقطاع والراسمالية، وهو ضير متوقف على التملك الخاص.
ومن الواضح: أن حاجة الرجل القوي المستغل تكون مقضية
ومنفذة
بمجرد حصوله على أعمال الاخرين. فإنه بذلك يحرز لنفسه
أكبر مقدار ممكن من الانتاج الزائد الذي
يطمع به. أما ملكيته للآخرين بأعيانهم، فهو أمر غير مربوط بالمرة بالانتاح. فهي خصيصة لا توجب زيادة العمل المستهلك، إن لم توجب، من
الناحية النفسية نقصانه. فافتراضر الملكية تجريديا، خال
عن المبرر الصحي!حم.
ثافيما: إن هذا الاستغلال، قد ينتج سيطرة الأقوياء
المستغليئ على جماعات
من الناس. وأما سيطرتهم على كل ألناس او على اغلبهم،
بحيث يصح القول بانقسام المجتمع إلى مالكـيئ
ومملوكين فحمسب، كـما تريد الماركسية أز/ تقول - تجريديا-، فهو مما لا يصح لعدة اسباب:
أهمها: إن إمكابية ألانتاج أساسا لم تكن في ذلك العصر
على هذه السعة،
التي تحتاج إلى استغلال كل الناس. كـما أن المستوى
الفكري الذي يجعل الفرد يلتفت إلى إمكان
امتلاكه لكل أفراد المجتمع، لم يكن موجودا أيضا.
كما أن الفرد القوي المستغل، يحتاح في إنتاجه الفائض
إلى تسويق يتوقف
على وجود أناس (احرار " يبيعون ولا
يباعون... لأن الانتاج قد يكون من الغزارة بحيث لا يستطيع
الفرد القوي أن يبيعه بنفسه، ححما لا يمكنه ان يستغل عبيده لبيعه، لأن العبد ليس له شخصية قانونية ولايستطيع ان يتولى اية معاملة، في عرفهم.
إذن، فيحتاج التوزيع والتسويق إلى اناس احرار
يتكفلونه. إذن، فلا بد ان يكون جزءا كافيا من المجتمع بقي
على حريته، ليقوم بهذه المهمة، وليس مق مصلحة المستغليئ استرقاقهم.
هذا هو الذي ينبغي ان يكون " تجريدا يا صحيحا،
بدل التجريد الماركسي. وسيأتي بعد لحظة كلام
الماركسية مفصلا يا وصف مجتمع الرف، مع مناقشته.
196
مجتمع الرق
-1-
إن مجتمع الرق هو اول أشكال المجتمح الطبقيئ، بعد زوال
المساواة البدائية، وقد سببت العوامل التي
ادت إلى زوالها إلى دخول البشرية في عصر الطبقية، خلال عصور: الرق والاقطاع والرأسمالية.
حيث دا دخلت القوى المنتجة الجديدة في تناقض مع علاقات
الانتاج القديم، ومحلها
حل المجتمع الطبقي مع الملكية الخاصة ومع استثمار
الانسان للانسان " (1).
" إن المجتمع الطبقي لم يظهرفي جمغ الأنحاء ني وقت
واحد. فقد ظهربادىء ذي بدء
في الأودية الخصبة لأضهر: يلنتسي وهوانة والنيل واليانغ
ودجلة والفرات. فإن التربة الخصبة والسهلة على
الحراثة في هذه الأودية كانت تعطي غلة جيدة نسبيا، رغم استعمال الأدوات الزراعية البدائية. ومن هنا بالذات، قبل أي مكان آخر، أخذ
يدب الانحلال في المشاعة البدائية وظهرت العبودية (الرق)
شكل الاستثمار البدائي الوحشي الأخشن، الذي كان يضمن
لمالك العبيد منتوجا إضافيأ، بتخفيض استهلاك المنتج المباشر إلى الحد الأدق المطلقا (2).
إن هذا التحول الاجتمافي الكبير، منوط أيضا، بتطور
القوى المنتجة،
في نظر الماركسية، طبقا لقاعدتها العامة في كل تحول.
" فعوضا عن الأدوات الحجرية، أصبحت عند الناس الآن
ادوات معدنية، وبدلأ من اقتصاد يقتصر على
صيد ابتدائي فقير، ويجهل تربية المواشي والزراعة، تشهد ظهور تربية المواشي والزراعة وحرف شتى. وتقسيم العمل بين هذه الفروع المختلفة
للانتاج، كما شهد ظهور إمكان تبادل المنتجات بين الأفراد
والجماعات و(مكان تراكم الثروة في أيدي عدد ضئيل من
الناس وتكديس وسائل الانتاج بصورة فعلية في أيدي ا الأقلية، وإمكان جعل الأكثرية خاصعة للأقلية، و!ولل أكأية الناس إلى عبيد " (3).
(1) المادية التاريخية: كوفالسون ص 125.
(2) المصدر والصفحة.
(3) المادية الديالكتيكية: ستالن ص 49.
197
وتعطي الماركسية للرق، مضافا إلى الأوصاف السابقة، ما
يلي:
" إن العبد الرق بالنسبة إلى المالك يستطيع بيعه
وشراءه وقتله كالماشية " (1).
" كان العبد ملكا مطلقا لسيده، الذي كان يستطيع أن
يتصرف به تصرفه بالسوائم.
وكان العبيد محرومين من كل الحقوق المدنية حتى الأساسية
منها. وكان أسيادهم يستطيعون قتلهم دون أن
ينالهم عقاب.
ومن الواضح أر شروطأ كهذه كانت تجعل من الضروري اللجوء
إلى العنف لارغام
العبيد على العمل. فكان استثمار العبد الفظيع سبب حمدم
قواهم السريع، فإذا عجزوا عن العمل قتلوا.
وكان من الضروري لاستبدال الموق بغيرهم، ولتوسيع الانتاج أن يكون هناك فيض لا ينفطع من العبيد، فكان الأسياد يتداركونهم عن طريق الحروب
التي تشنها الدول النخاسة على الدوام ئقريبأ " (2).
" هنا يسي العمل الاجباري عمل عبيد يستثمرهم ساثة
عاطلون منعمون، ولهذا لم تبق
أيضأ ملكية مشتركة لوسائل الانتاج ولا المنتجاث إذن،
فقد حلت محلها الملكية الخاصة هنا يصبح سيد
العبيد هو المالك الأول والرئيسي، المالل! المطلق.
أغنياء وفقراء، مستثمرون ومستثمرون، أناس لهم كل الحقوق
وأناس ليس لهم أي
حق، نضال حقيقي طبقي حاد بين هؤلا وأولئك تلك هي لوحة
نظام الرق!...
" (3). ولم تستطع
الماركسية أن تعرض عن ضغط الفكرة القائلة بوجود طبقات اجتماعية عديدة، أهمها التجار " الأحرار " الذين اشرنا إلى ضرورة وجودهم يا مجتمع الرق.
قال بوليتزدى:
(أ وقد نشأ داخل مجتمع الرقيق طبقال! أخرى. فقد ظهرت
طبقة العمال اليدوييئ حينما انفصلت المهن
عن الزراعة. ثم ولد ازديد التبادل تبادل السملع.
ومن هنا نشأت تناقضات جديدة ولما كانت طبقة التجاروسيطا
لا غنى عنه بين منتجين،
فقد جمعت بسرعة ثروات ضخمة، وأصبح لها تأثير اجتماعي
يناسب هذه الثروات. وأخذت تنافس الملاكين، لتوجيه
السياسة حسب مصالحها الطبقية.
غير أد هده التناقضات الثالوية لا يجـب أن تخمي التناقض
الأساسي دلك: لأن الرق
(1) المصدر والصفحة.
(2) نظرات علمية في الاقئصاد السياسي: سيغال ص 21
(3) المادية الديالكتيكية: س!الن ص 49- 55.
198
يساعد على زيادة الثروات والانتاج الذي تعيش منه
التجارة. وتزيد زيادة الانتاح قيمة قوة العمل
الانساني، فيصبح من الصعب الاستغناء عن الرق الذي يصبح عنصرا أساسيا في النظام الاجتماعي دا (1).
-6-
ومن حيث التطبيق، وجدت الماركسية خير مثال لعصر الرق،
ما كان
عليه الحال في الدولة الرومانية، إلى جانب ما كان عليه
الحال في أجزاء كثيرة من اليونان، في عصر سابق أو
معاصر للدولة الرومانية.
" إن اليونان القديمة وروما القديمة هما ذلك " الموديل " لمجتصر العبودية (2).
ففى أليونان كان " الحق الأبوي مع
توريث الملكية للأولاد ييسر تراكم الثروات في
ا لعائلة ويجعل من العمائلة قوة في وجها لعشيرة،
والفوارق في الملكية تؤثر بدورها في تنظيم
الاد ارة بخلقها اولى اجنة الأريستوقراطية الوراثية والسلطة الملكية والعبودية التى كانت لا تشمك في البدءغيراسرى الحرب، تفتح السبيل
أمام المستعبد لاستعباد أعضاء قبيلته بالذات وحتى
اعضاء عشيرته. والحرب القديمة بين القبائل تتحول من ذأك إلى
عملية نهب وسلب في البر والبحر لأجل الاستيلاء على الماشية والعبيد والكنوز، وتتحول بالتالي إلى مصدر عادي للكسب إلى حرفة" (3).
" ونما عدد العبيد نموأ ملحوظا، ومن الأرجح أنه
زاد كثيرا في ذلك الوقت على عدد الاثينيين
الأحرار
" (4).
وفي روما كان الملاكون الاريستوقراطيون " يحرئون بواسطة العبيد العقارات الشاسعة المتكونة على
هذا النحو"
().
ولا بد أن العدد الذي يتهيأ له من العبيد حراثة
المساحات الشاسعة، عدد كبيرفعلا.
-7-
ويستمر التجريد الماركسي، ليصف زوال مجتمع الرق وتبدله
إلى الخطوة التالية، في تسلسل المادية
التاريخية، وهو المجتمع الاقطاعي.
وينطلق أيضا إلى دلك من القانود الكوني الديالكتيكي
وقانون تطور
(1) أصوق الفلسفة الماركسية، بوليتزر وآخرين !2 ص 70.
(2) المادية التاريخية: كوفا!سون ص 128.
(3) أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة: انجلزص؟ 14- 141.
(4) المضدرص 148.
(5) المصدرص 171.
199
وسائل الانتاج.
" لقد كالن نظام الرق لئ!كلأ اجتماعيا ضروريا من
أشكال تطور القوى المنتجة، في مرحلة معينة
من مراحل التاريخ. ولكن هذا المطور بدوره كان سببا لانحطاط هذا النظام لا (1).
" وتدريجا أخذ المجتمع العبودي يتحول بسبل وأشكال
معقدة ومتناقضة إلى مجتمع إقطاعي " (2).
" وإذا كان نظام الرق في عهد نشأته وفي أيامه
الأصلى عاملا في تطور القوى المنتجة، فلقد أصبح
فيما بعد سببآ لتهديم هذه القوى. وكان هذا ألانحطاط في القوى المنتجة أن يؤدى بدوره إلى انحلال الرق وزواله. وعلى قدر ما كان يزداد الافقار
الشامل وانحطاط التجارة والحياكة والزراعة كان عمل
العبيد ينقطع عن ان يكون عملا مفيدا وذا ريع ده (3).
لم يعد الرق يعطي أية فائدة، ولذلك كان يموت شيئا
فشيئا، ولكنه كان يترك وراءه ابرته
السامة، وهي احتقار الرجال الأحرار للعمل المنتج... فنظام الرق لم يعد من الناحية الالتصادية نظاما يمكنه البقاء وعمل الرجال الأحرار، كالا
أخلاقيأ، موضع الاحتقار، فالرق لم يعد يمكن أن يكون
اساس الانتاج الاجتماعي، وعمل الأحرار لم يكن يمكنه حتى
ذلك الوفت اساسا له. وكان العلاج الوحيد لهذه الحالة، ثورة كاملة " (4).
-8-
ولهذا التجريد تطبيقه أيضأ على نفس النموذج المفضل، وهو
المجتمع الروماني، فالماركسية تروي لنا كيف زال الرق من
المجتمع الروماني.
" عندما كان اقتصاد نظام الرق قويأ وئابتا، انتهت
تمردات العبيد التي كانت تحدث من
ان لآخر إلى الفشل، (وأكبرها جميعأ تمرد سبارتاكوس من
سنة 73- 71 ق م) ولكن الوضع تغير تمامأ
مع انحطاط اقتصاد نظام الرق وأنحطاط الامبراطورية بوجه عام، وقد تكفمنا عنه آنفأ.
وقد اتخذت تمردات العبيد منذ القرن الثاق للميلاد، شكلا
أكز حدة، وصادفت
- على الأغلب- تأييدا من قبل الطبقات الفقيرة!ن السكان
الأحرار- وهو أمر له بأهمية خاصة.
وصادف في الوقت عينه أن بدأ البرابرة الجرمان يتوغلون
في أراضي الامبراطورية الرومالية أ التي 2 لوا
معهاي حالة حرب منذ عدة قرون، فسهل هجوم الجرمان تمردات (1) نظرات علمبة: سيغال ص 22.
(2) المادية التاريخية: كوة فالسون ص 129.
(3) نظرات علمية ص 22.
(4) المصدرص 25 نقلا عن لمحل العائله لانجلز.
العبيد، في هزيمة روما على يد الجرمانيين وادت هذه
الهزيمة من جديد إلى الاسراع في سيرثورة
العبيد وتصفية نظام الرق.
... لقد أخذ الفاتحون الجرمان ثلثي مجموع أراضي الرومان
ووزعوها على
" البطونا وا!ائلات،
ولكن قسما هاما من الأراضي المفتوحة وزعها الملوك على القادة العسكرلن الذين اعطوها بدورهم إلى محاربيهم، ليتصرفوا بها تصرفا دائما دون ان
يكون لهم حق بيعها أو التخلي عنها للآخرين.
إن هذه الأراضي التي بقيت تحت سلطة الملك العليا، سميت
إقطاعات وسمي اصحابها اسيادا إقطاعيين... وهكذا
نشأت حوالي القرن التاسع الاقطاعية أو النظام الاقطا عي " (1).
مناقشة مجتمع الرق
لا ينبغي ان ننكر وجود بعض المجتمعات في التاريخ،
اعترفت بالرق، وبملكية الانسان للانسان،
وكـز فيها العبيد، وكان لهم أثرهم فيها.
وإنما ينبغي أن تنطلق المناقشة من زاوية وجهة نظر
الماركسية من حيث كون
المرور بمثل هذه المرحلة ضروريا من ناحية ولازما لكل
البشرية بدون استثناء. كيف، ويوجد ضد
إمكان الالتزام بصحة هذا التعميم عدة نقاط للضعف: النقطة الأولى: إن نظام الرق، وإن وجد في المجتمع اليوناني والروماني،
إلا انه لم يشمل مناطق اخرى من العالم.
قال كوفالسون:
إ إن اليونان القديمة وروما القديمة، هما ذلك " الموديل ا لمجتمع العبودية الذي يحكمون
بموجبه بيانا كثيرة على كامل مرحلة الأزمنة الغابرة. ولكن هذا الموقف غير دقيق تاريخيا. ففي مصر والهند والصين سار التطور في الأزمنة الغابرة
بأشكال مختلفة بعض الشيء،
فإن العبودية لم تتطور هناك بمثل ذلك الاتساع الذي
تطورت به اليونان وروما.
إن نظام المشاعات الريفية المنغلقة نسبيا قد أنشأت
طرازا من مجتمع سماه ماركس بالأسلوب الأسيوي
للانتاج. واسلوب الانتاج هذا، اهوتشكيلة إجتماعية خاصة أم لا. إن (1) المصدرص 25-27.
1. !
هذه المسألة لا تزال قيد المناقثة. ولكنه واضح على كل
حال، انه طراز أصيل فريد من تنظيم إجتماعي
ثابت جدا، وقلما طرأ عليه تغير وتطور. و(ن هذا يميزه بكل حدة عن عالم البحر الأبيض المتوسط الدينامي جدا، من حيث مقاييس ذلك الزمن دا (1).
إذدن، فمصر والهند والصين لم تمر بنظام الرق، و(نما مرت
بنظام آخر
يختلف تماما عن عالم البحر الأبيض المتوسط عالم الرق
الموجود في اليونان والرومان. فكيف صح ذلك، وتحقق في عالم الوجود،
إذا كانت الضرورة التاريخية لتطور وسائل الانتاح،
تمتضي وجود نظام الرق على اي حال؟!. الئقطة الثالية: إن الماركسية لا تستطيع أن تبت بشىء جزمي في هذا الأمر
الذي هي بصدده، لأنها تعترف بوجود الغبار الكثيف على
التاريخ المانع من الرؤية التفصيلية والذي يجعل
أكثر التفاصيل تقوم على الحدلس والاستنتاج الشخصي دون النقل الموثوق.
ففي كتاب أصل العائلة كرر انجلز عدة مرات هذه الحقيقة،
وخاصة
بالنسبة إلى النموذجن المفضلين: المجتمع اليوناني
والروماني. وإذا كان هذان المجتمعان خفيين في
تاريخهما، وهما اوضح تاريخا وأشهر من أكثر مناطق العالم، فكيف بغيرهما من المجتمعات.
ففيما يخص التاريخ اليوناني، قال انجلز:
" إن تاريخ أثينا السياسي حتى سولون، ليس معروفا
بصورة كافية
" (2).
وقال في موضع آخر:
" نحن لا نعرف التفاصيل بدقة " (3).
وفيما يخص التاريخ الروماني قال:
لا وبسبب الظلام الكثيف الذي يلف تاريخ روما الأسطوري
البدائي- وهو ظلام شدده
كثيرا ما بذله علماء القانون المتأخرون الذين تشكل
مؤلفاتهم مصاثرنا من محاولات لتفسير
التاريخ بطريقة براغماتية عقلانية، وما قدموه من أوصاف وعروض بالطريقة ذاتها- يستحيل قول أي شيء دقيق " (4).
وإدا كاد التاريح مجهولا، والظلام كتيفا، والقول الدقيق
متعدرا،
(1) المادية التلى يخية: كوفالسون ص 128.
(2) أصل العائلة ص 144.
(3) المصدرص 149.
(4) المصدرص 169.
252
فكيف يصح أن نستنتج النظرية منه. والمفروض بالماركسية ان
تستنتج النظرية من الواقع، دون العكمس، كما المعنا
إليه مكررا.
الئقطة الثالثة: إن التجرلد الماركسي، يفترض ان مجتمع
الرنى مخقسم إلى طبقتين: قلة مالكة
متنفذة، وكثرة كاثرة مملوكة مجردة من كل الحقوق.
إلا أن التطبيق مناف لهذه الصورة من عدة جهات نشير
إليها باختصار:
الجهة الأولى: إن نسبة الأحرار إلى العبيد كانت كبيرة؟
لا كـما يتوقعها التجريد الماركسي.
قال انجلز عن المجتمع الأثيني:
" كان مجمل عدد المواطين الأحرار بمن فيهم النساء
والأطفال يبلغ زهاء90000 (تسعين ألف) شخص. بينما
كان عدد العبيد ذكورا واناثا يبلغ 365055 (ثلاثماءة وخمسة وستون ألف) شخص. وعدد الموالي من مهاجرين وغرباء وعبيد محررين 45000 (خمسة
وأربعون ألف)
شخص. وهكذا كان يوجد مقابل كل مواطن راشد من الذكور 18
عبدأ على العقل وأكـز من اثنين من الموالي " (9).
اقول: تكون نسبة العبيد إلى مجموع غيرهم من احرار
وموالي هكذا:
95+45 أ اف 5 س ا 27 أ
ي حوالي نسبة الثلث إلى الئلثـن،
5 36 أ (ف= 365- 73
وهي نسبة منافية مع التجريد الماركسي إلى حد كبير.
الجهة الثانية: إن المجتمع الروماق، كان منقسما إلى ست
طبقات (2)،
لا إلى طبقتيئ، كما ذكر انجلز، خلافا للتجريد.
الجهة الثالثة: إن كثيرا من الأحرار ليسوا فقط، غيى
مالكين، بل هم
فقراء أيضا. نعرف ذلك من النص الماركسي الذي سمعناه
يقول:
" وقد اتخذت تمردات العبيد منذ القرن الثاني
للميلاد شكلأ أكثر حدة. وصادفت
- على الأغلب- تأييدأ من قبل الطبقات الفقيرة من السكان
الأحرار- وهو امر له أهمية خاصة" (3).
النقطة الرابعة: إن هناك اسباب معينة اقتضت تطور
المجتمع واضحة للعيار، عير تطور ولمائل
الانتاج، ويبدو بوصوح انه لولا تلك الأسباب لما (1) المصدرص 155. ويلاحظ ان انجلز يذكر هذه الأرقام بدون الاعتماد على أي مصدر.
(2) انظر أصل العائلة ليضاص 169.
(3) نظرات علمية: سيغال ص 25.
203
حصل تطور المجتمع الروماني من الرق إلى الاقطاع.
فمثلا نعرف من حديث سيغال السابق عن الظروف التي ادت
إلى ذلك،
انها متكونة من عدة عناصر. منها:
ثورات العبيد التي كانت عديدة في ذلك المجتمع. ومنها:- وربما الجزء
الأهم- توغل البرابرة الجرمان في الامبراطورية ا لروما نية.
إذن، فلولا هذا التوغل لبقي مجتمع الرق ساري المفعول،
والدولة الرومانية مستمرة. إذن، فليس السبب في هذا التطور، هو
تطور وسائل الانتاج في المجتمع الروماني.
اضف إلى ذلك: أن سيغال اوضح: ان الجرمان تقاسموا
الأراضي فيما بينهم، فصار مالك كل قسم إقطاعيا.
فلولا هذا التنظيم الذي أحدثوه لما وجد الاقطاع في الدولة الرومانية. إذن فالاقطاع مستند إلى الغزو الخارجي، لا إلى تطور وسائل الانتاج في
ذلك المجتمع، او إلى شعور الملأكين بأن الفلاح اكـز
إنتاجا من الرقيق، على ما سوف نسمع من الماركسية في
شرحها التجريدي لأسباب وجود الاقطاع.
النقطة الخامسة: ان مجتمع الرق، من زاوية ماركسية،
موجود قبل المجتمع اليوناني والروماني
بكثير. فالفراعنة في مصر، وملوك الشرق الأدق من البابليين والآشورلن وغيرهم، لا بد للماركسية أن تقول أنهم عاشوا مجتمع الرق، دون المجتمع
البدائي، بطبيعة الحال. فلماذا لم تشر الماركسية
إلى ذلك.
وقد سمعنا في النقطة الأولى من المناقشة، من كوفالسون
أن مصر لم تمر بعصر الرق. ونظره- كما يبدو- متوجه إلى مصر في
الحقبة المعاصرة للدولة الرومانية، ولم ينظر إلى ما قبل ذلك
إلى زمن الفراعنة الأقدمن، الذين توافق صفات مجتمعهم، إلى حد ما، ما تعطيه الماركسية من صفات لمجتمع الرق تجريديا.
وعلى هذا تكون مصر قد خرجت على التجريد الماركسي، لأنها
انتقلت
من الرق (في عصر الفراعنة) إلى غير النظام الاقطاعي،
إلى الأسلوب الأسيوي للانتاج- كما سماه ماركس-، الذي هو طراز اصيل وفريد
من تنظيم اجتماعي. ثابت جدا، وقلما طرأ عليه
تغيروتطور، كما سمعنا من كوفالسون.
مجتمع الإقطاع
تربط الماركسية حدوث مجتمع الاقطاع، بقاعدتها العامة،
وهي تطور وسائل الانتاج او ةش ى الانتاج. وتناقض
الشكل الجديد لها مع نظام مجتمع الرق.
قالت على لسان بعض كتابها المحدثن، وهو الطف ما وجدناه
للتجريد الماركسي في تصوير هذه الفقرة:
" وفي ظروف مجتمع الرق حدث تطور تاك للقوى المنتجة
رفعها إلى مرحلة جديدة. ففيه
حدث تحسين في عملية صهر المعادن وصناعة الحديد، وانتشار
المحراث الحديد ونول النسيج، وتطور زراعة
الأرض و(نشاء البساتين وصناعة الخمور والزيوت. وعلى هذا الأساس تتغيى وتتحسن تجربة ومهارات العمال.
كانت قوى الانتاج المتطورة، تتطلب لن يكون لدى كل شغيلة
نوع من المبادرات في الانتاج والمصلحة في
العمل. وكان الرق الذي تساوى مع أدإة العمل الجامدة يعرقل إدخال تكنيك جديد، لأنه كان ينظر إليه بعين العداء.
ولقد كان الرقيق يصب جا!أ غضبه ويفرغ نقمته على أدوات
العمل وغالبا يقوم بتحطيمها
ولهذا كانت تصنع الأدوات، عن قصد، فجة ودون توفر
المهارة.
وكان الرقيق الذي يعمل تحت العصا ذا إنتاجية عمل جد
منخفضة. إن إدخال أدوات جديدة أكز صلاحية،
كان يتطلب تغيير علاقات الانتاج في مجتمع الرق. كانت الضرورة الاقتصادية تجبر على رفض استخدام الرقيق باعتباره خال من المصلحة
والاهتمام بالعمل. ولقد تجلت هذه الضرورة في التناقض
الصارخ الذي كان مصدر تفسخ وانهيار نظام عهد الرق. وينحصر
هذا التناقض في أن العمل (الذي هو الشرط الأساسي لوجود كل مجتمع) يصبح هنا غير قمين بالانسان، يصبح لعنة على جم!يى الأرقاء. وليس في وسع
الناس ان يعيشوا بدون عمل، لكن في وسعهم أن يعملوا
كثيرأ ويبقوا ارقاء.
كان المخرج في التناقض هو في تحطيم علاقات إنتاج عهد
الرق والطبقات المرتبطة بها،
وفي خلق علاقات إنتاجية جديدة تضمن للمنتجين المباشرين
ولو جزءا يسيرأ من الاهتمام
205
بالعمل " (1).
ويتلخص هذا الكلام عن انهيار مجتمع الرق وقيام مجتمع
الاقطاع على انقاضه بالأسباب التالية،
يمكن تلخيصها كـما يلي انطلاقا من التصورات الماركسية العامة:
السبب الأول: تطور وسائل الانتاح، الذي يقتضي بشكل
ديالكتيكي وخارج عن إرافى ة الانسان،
تحول النظام الاجتماعي.
السبب الثاني: أن الرقيق كان ذا قوة إنتاجية منخفضة، لا
تفي بأطماء المالكيئ وطموحاتهم إلى الربح
الوفيى، ومن هنا استبدلوا بفكرة الرق فكرة ا لا قطاع (2).
السبب الثالث: ان الأرقاء أنفسهم باعتبار سوء ظروفهم
المعاشية والاجتماعية كانوا يقومون بتمع
ات وثورات عديدة، حتى أنهم كانوا يحطمون ادوات الانتاج نفسها، ويعملون الجديد منها بدون مهارة ولا إخلاص. وهذا التمرد أدى في نهاية المطاف
إلى انهيار الرق وقيام الاقطاع.
السبب الرابع: ان نظام الرق في بعض مراحله الأخيرة،
اقتضى أن يبقى
الرقيق بدون عمل، وهذا مناقض مع طبيعة الناس الاجتماعية
والمعيشية فاقتضى ذلك تغيير علاقات
الانتاج القديمة وإبدالها بغيرها، من أجل الحصول على العمل.
اما أنه هل يمكن اجتماع هذه الأسباب كلها، او لا بد أن
يصدق بعضها
دون بعض، وهل هي متفقة على نتيجة واحدة أولا فهذا ما
سيأتي عند المناقشة. هذا كله على مستوى
التجريد الرياضي، الذي هومصدر الالهام الرئيسي للماركسية.
وهو بالرغم من أهميته لم نجده إلا في مصدر متأخر جدا من
مصادر الماركسية.
اما اغلب المصادر الماركسية، فهي تنطلق إلى وجود
المجتمع الاقطاعي،
من التطبيق! من تحول المجتمع الرومايى من الرق إلى
الاقطاع. وقد سمعئا من (1) المادية التاريخية لعدد من الكتاب
السوفييت ص 166 وما بعدها.
(2) وهذا السبب هو الذب أكد عليه ستالـن في كتابه
المادية الديالكتيكية ص 50 وما بعدها.
206
" سيغال يا مختصرا عن ذلك فلانعيد.
-3-
وتشرح الماركسية مميزات المجتمع الاقطاعي، ووجهات تفوقه
عن مجتمع الرق، من زاوية كونه يعتبر خطوة تقدمية
بالنسبة إليه، فتقول:
" يمثل النظام الاقطاعي تطورا في الملكية الخاصة،
وأساسه الاقتصادي هو ملكية السيد الاقطاعي
لوسائل الانتاج، وكذلك ملكيته المحدودة للعامل القين.
أ يعد بإمكان الاقطاعي أن يقتله، وإن كان يمكنه أن
يبيعه أو يشتريه. ولا يملك القن، سواء كان
فلاحا أو عاملا يدويا، شخصيا، إلا آلاته وما اقتصده على أساس العمل الشخصي. وهكذا يمكنه أن يكون عائلة لما (1).
" وخلافا للعبد، كانت تتوفر للفلاح في المجتمع
الاقطاعي فرصة العمل في قطعته من الأرض، وكان
يبقى له حد أدق من المنتوح، ضروري لأجل تجديد إنتاج قوة العمل. وكان بإمكان الفلاحين في أغلب الأحوال أن تكون لهم عيالهم، حتى وإن كانوا
في حالة تبعية قنية. ولهذا لم يكن تجديد إنتاج قوة
العمل مرتبطا بالضرورة بالحروب، ولم يكن طابعه التبديدي
بنفس الضراوة التي كان عليها في ظل نظام العبودية.
لقد كان العبد بمنزلة الأداة. أما الفلاح في النظام
الاقطاعي. فقد كان يعتبر إنسانا،
وان كان من الفئة الدنيا من الناس " (2).
فتتحول إلى عوائق لهذه القوى. ويبدو التناقض بين
البرجوازية والاقطاعية، بعد أن كان ثانويأ، قد
تولد عن نمو قوى الانتاج داخل نظام الرق، فيظهر على المسرح ليقوم في الخهاية بالدور ا اسئيسي " (1).
-7-
وأما مجتمع الاقطاع من حيث التطبيق، فلا يحتاج إلى أي
تأكيد، فإنه أوضح من أن يوصف. أن أوروبا عاشت عدة قرون تحت هذا
النظام، ابتداء بالغزو الجرماني للدولة الرومانية وانتهاء
بالثورة الفرنسية التي كانت الجلقة الرئيسية الأولى في بناء البرجوازية الراسمالية.
ومن هنا كان للماركسية ان تمثل لتمردا! الفلاحين (الأقنان)
على ذلك النظام بحركة الجاكيين في فرنسا في
القرن الرابع عشر، وحرب الفلاحن في ألمانيا في القرن السادس عشر، وتمردات رازين بوغاتشيف ني روسيا (2).
وستأتي إيضاحات أخرى عن زوال الاقطاع، من حيث التجريد
والتطبيق
عند الكلام عن حدوث الحلقة التالية للمادية التاريخية
الماركسية.
(1) المصدر والصفحة،
(2) نظهات علمية لسيغال ص 30.
209
مناقشة
المجتمع الاقطاعي
لا ينبغي أن نختلف مع الماركسية في أن عددا من بلدان
العالم، وخاصة في اوروبا، مرت بعهود ملكية
الأراضي الواسعة، المسماة بالاقطاع.
وإنما النقاش ينبغي أن يبدا في إمكان ضرب القاعدة
العامة لضرورة مرور
أي مجتمع بشري بهذا النظام، كـما أرادت الماركسية ان
تقول... مع التأكد من صحة او عدم صحة
الأوصاف المعطاة لهذا النظام، وانطباق التجريد مع التطبيق، ونحو ذلك من المناقشات.
لا بد أولا ان ننظر في مدى صحة الأسباب التي رأى
التجريد الماركسي
وجود المجتمع الاقطاعي على اساسها. وهنا لا حاجة إلى
تكرار الأسباب، وإنما نبدا بالمناقشة رأسا.
أما السبب الأول، ففي عدة نقاط ضعف نذكر منها ما يلي:
الئقطة الأولى: ان خروح هذا التطور عن إرادة الانسان،
ينافي ما ذكر في السبب الثاني من ان
المالكين هم الذين اختاروا هذا النظام، وجعلوه البديل الأفضل لنظام الرق. وهو السبب الذي أكد عليه ستالن، كـما عرفنا.
كـما ينافي أيضا السبب الثالث، وهو أن الأقنان بثوراتهم
العديدة هم الذين اجهزوا على نظام الرق، واقاموا
مجتمع الاقطاع.
فإن أجابت الماركسية: أنهم أرادوا ذلك قهرا، طبقا
لضرورة القانون لا بالوعي والاختيار.
قلنا في جوابه: ان هذا منسجم مع القوانين العامة التي
امنت بها الماركسية
إلا أنه ينافي أمرين:
الأمر الأول: ان الماركسية- كـما عرفنا- جمعت بـيئ
الضرورة والاختيار فأثبتت للانسان اختيارا ووعيا،
ونفت الضرورة الجبرية المطلقة. إذن فالأقنان
210
كانوا مختارين في ثوراتهم، غير مجبورين. وهو ينافي
السبب الأول.
الأمر الثايى: ان الماركسية صرحت بكل وضوح، على ما سوف
يأتي، ان
مرحلة الاشتراكية، لا يمكن أن توجد إلا بالعمل الواعي
من قبل الاشتراك!ن وبالارادة الثورية منهم.
فإذا كان للاشتراكيين إرادة بصفتهم بشرا- طبعا- فليكن لكل البشر إرادة ووعي، بما فيهم الأقنان ومالكيهم ايضا.
النقطة الثانية: ان من جملة فقرات قانون الديالكتيك
الماركسي: أن
التغير الكمي يصبح عن طريق الطفرة تغيرا!يفيا، وأن
التغيرلا يمكن ان يوجد بشكل سلسة لاطفرة فيه. وقد
عرفنا ذلك فيما سبق.
فأين الطفرة إلى الاقطاع؟!. إن الماركسية لم تذكو أي
طفرة أو ثورة اقتضت هذا المعنى، وإنما تبدو
الأسباب التاريخية سلسة في إيجاد هذا النظام الجديد.
إن ثورات العبيد كلها فاشلة، كـما يخبرنا سيغال (1). وبرر
ذلك كوفالسون قائلا:
" لأنهم كانوا مشتتين غير منظميئ، ولأنهم لم تكن
لديهم أهداف سياسية
و- اضحة" (2).
واكبر التمردات جميعا هو تمرد سبارتاكوس من سنة 73- 71
قبل الميلاد (3) وهو- بالرغم من أهميته- متقدم
جداعلى وجود الاقطاع، فلا يصلح أن يكون سببا له، مضافا إلى فشله. إذن، فثورات العبيد لا تصلح ان تكون ممثلة لهذه الطفرة المتوقعة. ولولا
الغزو الجرماني لبقي المجتمع الروماني تحت
نير الرق إلى أجل غير مسمى.
واما الغزو الجرماني نفسه، فهو لا يصلح أن يكون ممثلا
لتلك الطفرة لعدة أسباب:
أولا: لوجوده في مجتمع واحد من مجتمعات الرق، ولم
تحدثنا الماركسية
عن وجود مثيله في اليونان مثلا.
ثانيا: انه سبب خارجي. والماركسية تتحدث عن التغير
الكيفي الداخلي كغليان ا!لا! الناتج عن تصاعد ا!ارة.
(1) نظرات علمية ص 25.
(2) المادية التاريخية ص 131.
(3) نظرات علمية لسيغال صر 25.
211
ثالثا: ان هذا الغزو بمجرده لم ينتج زوال نظام الرق،
لولا ان الغزاة الجرمان قرروا، بعد مدة،
توزيع الأراضي وإيجاد نظام الاقطاع.
إذن، فالسبب الأول غير صحيح.
واما السبب الثاني: فهو قد يكون صادقا على بعض
المالكيق، إذا أراد ان
يحرر عبيده. إلا اف- مع الأسف- مناف مع التطبيق
التاريخي، فإن الذين طبقوا الاقطاع في المجتمع
الروماني ليسوا المالكـن بل هم الغزاة الجرمان انفسهم وقد وزعوها على انفسهم لا على المالكن السابقن للرقيق. فالمالك لم يصبح إقطاعيا، كما
هو المفروض لو صح هذا السبب، كما ان الاقطاعي الجديد
لم يكن مالكأ للرقيق.
وأما السبب الثالث: فقد عرفنا أن ثورات العبيد وحدها لم
تكن بأي حال
كافية لقلب النظام في المجتمع الروماني، لولا الغزو
الجرماني. فضلا عما دون الثوره من نشاط
لتحطيم آلات الانتاج وعدم صناعتها بمهارة.
هذا، ولم ترو لنا الماركسية، وجود ما يماثل هذه الثورات
في العدد والأهمية
في مجتمعات الرق الأخرى.
مضافا إلى انها كلها متقدمة على زمن زوال الرق، فلا
تصلح ان تكون
سببا مباشرأ لزواله.
وأما السبب الرابع: فهو بمجرده صيغة تافهة جدا، فإن
بقاء الناس من
دون عمل لا يعني أي شيء ما لم يستمبع تمردأ أوثورة. فإن
انتقلنا إلى التفكيرفي وجود الثورات،
استقبلنا التاريخ بما عرفناه من ثورات العبيد والغزو الجرماني، وقد عرفنا مناقشاتها.
هذا وينبغي ان نلتفت بدقة، إلى ان شورات العبيد وبقاء
الناس من دون عمل، !" يعني الانتقال إلى
نظام الاقطاع بأي حال. كل ما تعنيه وجود الواقع الفاسد وضرورة تغييره. واما الحال الجديدة التي يجب أن تطبق في المجتمع، فهذا ما لا يفهمه
الجمهور، ولا دليل بأي حال على أن العبيد قد قصدوا
تطبيق الاقطاع حين قاموا ثائرين... بل يمكن التأكيد على
عدم التفاتهم إلى ذلك. إذن، فما الذي أدى إلى وجود الاقطاع دون غيره، لو انطلقنا من احد السببن الأخيرين من الأسباب الأربعة.
إذن، فكل الأسباب التي سردتها الماركسية لا تصح ولا
تصلح لازالة الرق
212
وإيجاد الاقطاع. فإذا كان الاقطاع قد وجد في بعض
البلدان، كالمجتمع الروماني خاصة، واوروبا
عامة، فقد وجد لأسبابه الأخرى على الطريقة السلسة غير الماركسية بعد ان فشلت الأسباب الماركسيةا في تفسير وجوده، وعدم إمكان وجوده بدون سبب
بالمرة.
إن المملوك يخا المجتمع السابق 2 كان يسمى (رقا " والقلاج في مجتمع الاقطاع يسمى (قينا لما. فما هو الفرق
بين الاصطلاحين.
قال بوليتزر:
لا إن كلمة "قين " نفسها مشتقة من لفظ لاتيني يعني " الرقيق "... " (1).
إذن، فالمفهوم لم يتبدل خلال النظامن، وإن تبدل اللفظ،
إلا ان الأوصاف التي يعطيها التجريد
الماركسي للفلاح في نظام الاقطاعي- كـما سمعنا- لا يمكن ان تجعل منه قينا اورقيقا، فهو إنسان صالح للتملك، ولأخذ حصة من الحاصل، وللانتقال من
سيد إلى سيد، وغيرذلك مما لا يمكن ان يكون صفة للعبد.
نعم، يظهر من كلام سيغال: أن نظام القنانة جاء متأخرأ
على نظام
ا لا قطاع.
قال:
(ولقد أدى استثمار الفلاحين المتعاظم شدة إلى دفع هؤلاء
للهرب، وفي سبيل الحيلولة
دون هذا الهرب لجأ الاقطاعيون إلى ربطهم بالأرض،
فأصبحوا اقنانا، وفي ظل القنانة ازدادت
تبعيتهم للاقطاعي وتوثقت... الخ " (2).
إذن، فليس كل فلاج اقطاعي هو قن، وانما اصبح كذلك في
عصر متأخر، خلافا لسائر المصادر الماركسية التي
تعتبر القنانة صفة عامة.
كما انه يمكن القول، طبقا لرأي سيغال: ان الحال ازدادت
سوءا، بل رجعت إلى عصر الرق أو ما يشبهه،
وهذا مخالف للمفهوم العام للمادية التاريخية الذي يؤكد على سير البشرية إلى الأفضل دائما.
على أنه ماذا يعني تشريع الاقطاعين للقنانة؟... هل يعني
ملكيتهم
(1) اصول الفلسفة الماركسية ص 72.
(2) نظرات علمية، لسيغال ص 29.
213
الشخصية على ما كان في عصر الرق تماما؟! ستجيب
الماركسية بالنفي! فإذا لم يكن يعني ذلك فلماذا
سمي النظام بالقنانة، وهل القن إلا المملوك بالملكية الشخصية؟! وهل تشديد النكير على الفلاح من الناحية التشريعية يمنعه من الهرب؟ ان
التشريع لا يؤثر شيئا ما لم يقترن بقوة السلاج، ومع
وجود القوة لا حاجة إلى هذا التشريع، يكفي تشريع الاشراف
العام على الفلاحين، بحيث يعاقبون على عصيانه أو الهرب منه. وبهذا تستوفي حاجة النظام الاقطاعي. ومجرد كون الرقيق في النظام السابق يمكن قتله،
بدون عقاب، بخلاف
نظام الاقطاع، لا يكفي فرقا بيئ الانسانين، مع العلم أن
العمل الرئيسي لكل من الرق والقين هو الزراعة،
وكلاهما قد يستخدم في اعمال أخرى. -3-
قلنا فيما سبق: أن ماركس والماركسيين، لا يرون في
الدنيا بلادا إلا اوروبا. فالكرة الأرضية تبدأ
بأوروبا وتنتهي بها.
إن حديثها عن المجتمع الاقطاعي، كله طافح بذلك... خذ
إليك المجتمع الروماني والمجتمع اليوناني، وهما
في أوروبا. والغزو الجرماني على الرومان لم يحدث إلا في أوروبا وتطبيقات الاقطاع في المانيا وفرنسا وانكلترا وروسيا، كلها
تطبيقات اوروبية. وثورات الفلاح!!ن، بما فيه تمرد
سبارتاكوس كلها أوروبية.
إن نظام السخرة، وأخذ الأتاوة، كان منطلقه الأساسي
مجتمع اوروبا.
كـما ان وجود الدولة والكنيسة اللذان يدعمان النظام
الاقطاعي، إنما كانت
في اوروبا. لوضوح أن الكنيسة منطلقة من الدين المسيحي،
وهو دين شائع يخا اوروبا وقليل في غيرها. فإن
الدين الشائع في الشرق الأدق هو الاسلام، والدين الشائع في الشرق الأقصى هو البوذية. وفي افريقيا تشيع اديان وعقائد بسيطة
وبدائية، وكذلك يا أمريكا قبل اكتشافها، في العصر الذي
نتحدث عنه.
وينتج هذا التركيز على اوروبا، عدة اخطاء في المادية
التاريخية، في حدود مجتمع الاقطاع.
أولا: إن الاقطاع الإوروبي، ليس ينبغي بالضرورة، ان
يوجد في مناطق اخرى من العالم. فان لأوروبا ظروفها الخاصة التي اقتضت
ذلك.
214
بل هو لم يوجد في غرأوروبا، بكل تأكيد، وأبسط دليل على
ذلك: انه
لوكان قد وجد لذكرته الماركسية كدليل على نظريتها. وها
نحن نعيش في الشرق الأوسط، فلا نجد خلال الحقب
الطويلة لتاريخه، ما يماثل الاقطاع الاوروبي، ولا تشكل ملكيات الأراضي التي حدثت فيه إلا جزءا ضئيلا بالنسبة إلى ذلك الاقطاع، وما
يتصف به من سعة وأهمية.
ثانيا: إن هذا الدين الذي يدعم الاقطاع، هو
الايديولوجية الكنسية الموجودة يا أوروبا. وليس
من الصحيح الزعم: ان اتجاهات دينية أخرى سوف تتورط بنفس الخطأ حيئ تجابه نفس الظروف كالاسلام واليهودية والبوذية. ثالثا: إن سبب تولد
البرجوازية الأوروبية التي أجهزت على الاقطاع ليس
بالضرورة ينبغي أن يتكرر في البلدان الأخرى... بعد
الالتفات إلى النهضة العقلية رالعلمية التي قادتها هذه البرجوازية، وقويت على اساسها في أوروبا، مما يبعد جدا توفره في أي بلد آخر، ولم
يحدث- تاريخيا-
في أي منطقة اخرى إلى حد الآن. ولولا بوادر تلك النهضة،
لكان في الامكان استمرار حكم الاقطاع والكنيسة
على أوروبا إلى الوقت الحاضر.
إن التجريد الماركسي بشكله الكامل، يقتضي أن يكون
المجتمع الاقطاعي منقسما إلى طبقتين: قلة
متحكمة مالكة للأراضي، وكثرة ساحقة من الفلاحن أو الأقنان.
إلا ان هذه الصورة، كانت شاحبة في مجتمع الرق، أصبحت
أكز شحوبا في المجتمع الاقطاعي. إن طبقات
كثيرة أخرى موجودة فعلا في أوروبا غير هاتن الطبقتن، ولا يمكن لأحد أن ينكر أثرها في المجتمع.
إن بعض الطبقات أرجعتها الماركسية إلى مصالح الاقطاع
نفسه، وإن لم
تكن من الاظاعين حقيقة كطبقة الحكام السياسيين للمجتمع،
وكطبقة رجال الدين الكنسين. وبعض الطبقات لم تستطع الماركسية بأي
حال إرجاعها إلى ذلك بالرغم من انها تشكل كثرة كاثرة في
المجتمع، ككبار التجار وصغارهم والحرفيين بأقسامهم. مضافا إلى مهن أخرى كالأدباء والصحف!ن والسينمائيين وغير ذلك، وهم يتبعون ذوق الجمهور
ورغبته في الغالب، لا انهم يناصرون الاقطاعيين. وستولي
الماركسية طبقة الحـرف!ن اهمية خاصـة في النظام
215
المانيوفاكوري الجديد، وهو دليل على توفرها بدرجة
تستطيع كتابة إلصفة الرئيسية للمجتمع.
النظام الحرفي والمانيوفاكتوري
وهو النظام الذي وجد في أواخر الاقطاع وبواكـير
الرأسمالية، حتى ان
نظام المانيوفاكتورة، تعتبره الماركسية عهدا براسه في مقابل الاقطاع والراسمالية، و (نما قل عنه التركيز
والاهتمام، باعتبار قصر مدته تجاه العهود الأخرى. ونستطيع أن نواكب الراي الماركسي حوله هذين النظاميئ: الحرفي والمانيوفاكتوري،
ضمن الفقرات التالية:
إن المهن الحرفية موجودة خلال عصر ألاقطاع نفسه، إلا
أنها تدريجا أصبحت تكتسب أهمية متزايدة. وقد
لعبة بأهميتها تلك دورا رئيسيا في تاريخ الاقطاع، حتى استطاعت من خلال التطورات اللاحقة الاجهاز على النظام نفسه.
إن التجريد الماركسي يبرز هذه الأهمية، حين يقول:
" حدثت بالمدن "تبدلات هامة،
فالعلاقات بين المعلمين الحرفيين وصناعهم، أخذت
تزداد خطورة، ومثلها العلاقات بين الحرفيين والتجار. واليك
السبب في ذلك:
لقد كان الفلاحون خلال المرحلة الأولى من النظام الاقطاعي،
يهربون باستمرار نحو
المدن التي كانت مستقلة استقلالا ذاتيا، ويتمتع سكانها
بحريتهم الشخصية، فازداد بهذا الشكل- على الأخص- عدد
سكان المدن، وكان هذا مفيدأ لها أول الأمر، إذ ان قوتها العددية كانت تزيد باللاجئن إليها. وتنفعها هذه الزيادة في نضالها ضد
الاقطاعين.
ولكن هذا التزايد في سكان المدن أوجد خطرأ هدد الحرفين،
هو خطر المنافسة. فأخذت " المنظمات الحرفية " تعمد إلى التحديد والتضييق في قبول اعضاء جدد في صفوفها، واطالت مدد التعليم في المهن، وزادت في استثمار الصئاع، حتى صار من المستحيل
عليهم،
216
أكز فأكز، ان يصبحوا معلمين حرفين. واتخذت المنظمات
الحرفية فوق هذا، تدابيى اخرى ترمي إلى مغ
كل الأساليب الجديدة من ان تدخل في الانتاج، والى محاربة المنتوجات المستوردة. فكان من جراء ذلك ان نشب النضال بين المنظمات الحرفية
وبين التجار
" (1). (وإليك الآن كيف ولدت المانيفاكتورة 2الرأسمالية.
لقد كان النول الصغير محتكرا في
المدن بيد المنظمات الحرفية. فلهذا أخذ الرأسمال
التجاري، الذي كان من مصلحته تطوير الانتاج،
يوسع دائرة نشاطه إلى ما وراء المدن. فعززتطور الانتاج الحرفي في الريف وخصوصأ إنتاج النسيج، فكان من جراء ذلك، أن وقع (الحرفي " البعيد عن السوق تحت تبعية
المتعهد الراسمالي. وقد اتخذت هذه التبعية بالترتيب الأشكال التالية:
فالحرفي في أول الأمر، يبيع منتجاته بأسعار رخيصة. ثم
يتلقى من المتعهد نقودأ ومواد
اولية على سبيل القرض، فيصبح عاملا يشتغل بصنع المواد
الأولية التي تخص المتعهد بعدئذ مقدما من عنده
آليته الخاصة لا غير، ورابحا بعد جهد ما يكاد يقوم بأوده.
ويأخذ المتعهد بعد هذا، بتكتيل الحرفيين المبعثرين في
بناء واحد، حيث يعملون منذئذ كعمال
مأجورين محرومين من كل وسيلة إنتاج.
وعندئذ يصبح الرأسمال التجاري رأسمالا صناعيا، ويظهر
إلى جانب الانتاج السلعي الصغيى الانتاج
الراسمالي الكبير: أي المانيوفاكتورة! (2).
وان افضل وصف وتقييم ماركسي للتنظيم المانيوفاكتوري،
نجده على
لسان كارل ماركس نفسه في كتابه " راس المال ".
فقد حللها تحليلا اقتصاديا، فهي من هذه الناحية اولى
مراحل
" المادية التاريخية " التي تحاول
الماركسية تقييمها من الناحية الاقتصادية. ولعل عذرها في ذلك: أن عصر الرق والاقطاع، دان كانت عصورا (اقتصادية لما ولكنها من البساطة
والبدائية بحيث تكون مدركة للنظارة بدون تحليل. و(نما
ينبغي أن يبدأ التحليل من حيث يبدأ التعقيد. وأول وأبسط أشكال
التعقيد الاقتصادي- لو صح التعبير- هو الانتاج المانيوفاكتوري. ومن هنا استحق إعطاءه تحليله الاقتصادي الكافي.
ومهما تكن صحة هذا العذر، فقد اعتبرت الماركسية النظام
المانيوفاكتوري نظامارأسماليا، نتج من الوجود الحرفي
في المجتمع وانتج- بدوره- التراكم 10 ية ولي.. لرأ. س.. المال.... "... !
(1) نظرات علمية في الاقتصاد السياسي: سيغال ص 35.
(2) المصدرص 32.
217
" إن التعاون المؤسس على تقسيم العمل، يعني
المانيفاكتورة، هوفي أوائل عهده ابتداع عفوي، غير
واع. وما أن يكتسب حد! كافيا من المتانة، وأساسا واسعا سعة كافية، حتى يصبح الشكل المعترف به، والشكل المنظم للانتاج الرأسمالي " (1).
نسمع كارل ماركس، يصف شكل المصنع التعاوني
المانيوفاكتوري، حين يقول:
" إن معملا واحدا يجمع تحت إمرة رأس المال نفسه
حرفيين من مهن مختلفة، ينبغي للمنتوح أن
يمر بيئ ايديهم، لكي يبلغ نضجه الكامل. لقد كانت عربة من العربات هي النتاج الجماعي لأعمال عدد كبير من الحرفين المستقلين بعضهم عن بعض،
كالنجارين والسراجين والخياطن والقفالين
والأطارين والخراطن والحبالن والزجاجين والنقاشين والدهانن
والمذهبين... الخ، لقد جمعتهم مانيفاكتورة العربات جميعا في موضع واحد حيث يعملون في الوقت نفسه وبصورة مباشرة فيما بينهم.
... وما زلنا حتى الآن على صعيد التعاون البسيط الذي
يجد مادته من الناس والأشياء جاهزة. ولكن
سرعان ما يطرا عليه تغيير جوهري. ان الخياط والاطار والقفال... الخ، الذين ليسوا مشتغليئ إلا في صناعة العربات يفقدون شيئا فشيئا عادة
ممارسة مهنتهم في كل اتساعها، ومع فقدهم هذه العادة
يفقدون الطاقة على ذلك.
ومن جهة أخرى، فإن مهارتهم المحدودة- الآن- في اختصاص
تكتسب الشكل الأكز ملائمة لهذه الدائرة الضيقة من
العمل... على هذا النحوخرجت مانيفاكتورات الجوخ وعدد من المانيفاكتورات الأخرى من طائفة الحرف المختلفة، تحت إمرة رأس المال
نفسه
" (2).
ويقسم ماركس المانيفاكتورة إلى شكلين اساسيين:
" وهذان الشكلان على رغم تشابكهما العرضي، يؤلفان
نوعين نحتلفين اختلافا جوهريا، يلعبان
أدوارا مختلفة جدا عند التحول التالي للمانيفاكتورة إلى صناعة كبرى. وهذا الطابع المزدوج ينتج عن طبيعة النتاج الذي يدين بشكله النهائي، اما
إلى ملائمة آلمة بسيطة بين منتجات جزئية مستقلة، واما
إلى سلسلة من الطراثق والممارسات المترابطة " (3". فالقسم
الأول من المانيفاكتورة، ما تضمن صناعة لاليات متفرقة مختلفة
(1) راس المال: كارل ماركس !3 ص 513.
(2) المصدرص 475 وما بعدها.
(3) المصدرص 483.
218
تماما يصح كل منها بأسلوب مستقل، وحين تتحد وتتجاوز
وتتفاعل تنتج آلة جديدة. ويمثل ماركس لذلك
بصناعة القاطرة بأجزائها المختلفة الكثيرة، والساعات بأجزائها الكثيرة ايضا.
" فبعد أن كانت الساعة عملا فرديا لأحد الحرفين في
نؤمبورغ، اصبحت النتاج الاجتماعي لعدد هائل من
الشغيلة، كصانعي اللوالب والمواقء وا اس زات اللولبية وثقوب الياقوت وروافعه والابر والعلب والبراغي والمذهبين... الخ. والتقسيمات
الثانوية كثيرة جد! " (1).
"... وجميع هذه الأعضاء المتفاصلة تجتمع لأول مرة
في أليد التي سوف تصنع منها في النهاية كلأ
آليا. وهذه العلاقة الخارجمة البحته للنتاج المنجز، مع مختلف عناصره، تجعل هنا - كـما يحدث في كل عمل مماثل- اندماج العمال الجزئين في
المعمل نفسه عرضيا تماما. بل ان الأعمال الجزئية يمكن
تنفيذها بمثابه حرف مستقنة بعضها عن البعض " (2).
ويصف ماركس القسم الثاني من المانيفاكتورة، قائلا:
" إن النوع الثاني من أنواع المانيفاكتورة، يعني
شكلها الكامل، يقدم منتجات تجتاز مراحل نمو
مترابطة. يعني سلسلة من العمليات التدريجية، كما يجري مثلا في مانيفاكتورة الدبابيس ة حيث تتداول السلك النحاسي أيدي 72 عامل بل 92
عاملا ليس بينهم اثنان يقومان بالعملية ذاتها.
إن مانيفاكتورة من هذا النوع، من حيث هي، تدمج حرفا
كانت أولا مستقلة، تنقص المسافة بين مختلف
أطوار الانتاج. وهكذا يقصر الوقت المطلوب لانتقال النتاج من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وكـذلك عمل النقل لا (3).
-6-
ويعطي ماركس رأيه الكامل في المصنع التعاوني هذا، انه
يراه أفضل من الصناعة الحرفية المتفرقة
بكثير... ولكنه- مع الأسف!- إنتاح رأسمالي لا يمكن الركون إليه.
وتتلخص نقاط القوة التي يراها ماركس للمصنـع التعاوني،
بما يلي:
أولا: إشه يولز وقتا في الانتاج، كبيرا جدا بالنسبة إلى
الانتاج الحرفي. كـما سمعنا منه قبل قليل.
ثانيا: إنه تقسيم تعاوني للعمل:
(1) المصدر والصفحة.
(2) المصدرص 484.
(3) المصدرص 485.
219