(فبعد ان كانت البضاعة نتاجا فرديا لعامل مستقل يقوم بطائفة من الأشياء تصبح النتاج الاجتماعي لجماعة من العمالأ (1).
" ان التقسيم المانيفاكتوري للعمل هوتعاون من نوع
خاص ولا تأتي فوائده في شطركبير منها، من هذا الشكل
الخاص، وانما من الطبيعة العامة للتعاون " (2).
ثالثا:
(إن المانيفاكتورة تنتج تفوق الشغيل التفصيلي بإعادة
إنتاج تقسيم الحرف، ودفعه إلى أقصى حدوده. كا وجدته
في مدن العصور الوسطى " (3).
رابعا:
(إن نزوعها إلى تحويل العمل الجزئي إلى مهنة لا يتعداها
الانسان إلى سواها، طوال حياته، يستجيب إلى ميل
المجتمعات القديمة لجعل الحرف وراثيةا (4).
خامسا:
(إن عملأ متواصلا ووحيد الشكل يؤدي أخيرا إلى إضعاف
انطلاق الأرواح الحيوانية وإضعاف توترها حين تجد راحة
وسحرا في تغييى نشاطها " (5).
سادسا: إن الانتاج التعاوني يوفر لأي عامل حرفي من
الآلات والأدوات الضرورية في الصناعة ما لا يمكن لأي
عامل حرفي باستقلاله ان يملك إلا القليل
منها.
أ العهد المانيفاكتوري يختصر ويحسن ويكثر أصوات العمل،
مع جعلها ملائمة للوظائف المنفصلة والمقصورة على
عمال جزئ!ن
" (6).
سابعا:
إنها " تنمي الاختصاص المنعزل حغ، أنها
تجعل منه براعة كبرى... والى جانب التدرج التراتبي ينشأ
تقسيم بسيط للشغيله إلي بارعين وغير بارعن. وبالنسبة
إلمما هؤلاء الأخيرين تزول تكاليف المران. أثما الأول فتنقص
تكاليف مرانهم إذا قورنت بتكاليف الحرفة. وفي الحالتين
تفقد قوة العمل من قيمتها " (7).
(1) المصدرص 477.
(2) المصدرص 479.
(3) المصدر والصفحة.
(4) للصدرص 480.
(5) المصدرص 481.
(6) المصدرص 482.
ئر 7) المصدرص 495.
225
-7-
وتتلخص نقاط الضعف في هذا الشكل التعاوني من الصناعة،
في رأي ماركس، في النقاط التالية:
أولا:
إنها (تفكك الحرفة الواحدة إلى عمليات مختلفة وتعزلها
بعضها عن بعض، وتجعلها مستقلة إلى الدرجة التي
تصبح كل منها وظيفة العامل الجزئي وحدة لما (1).
ثانيا:
إنه دا على الرغم من الفوائد التي تأتي بها
المانيفاكتورة المدمجة، فهي تكتسب وحدة تكتيكية
حقيقية، ما دامت ترتكز على قاعدتها الخاصة. ولا تحصل هذه الوحدة
إلا بعد تحؤل الصناعة المانيفكتورية إلى صناعة آلية " (2).
ثالثا: إنها تنتج فقدان العادة على ممارسة المهنة على
نطاق واسع.
وقد سمعنا كارل ماركس يقول:
! الذين ليسوا مشتغلين إلا في صناعة العربات يفقدون
شيئا فشيئا عادة ممارسة مهنتهم في
كل اتساعها ومع فقدهم هذه العادة يفقدون الطاقة على ذلك " (3).
رابعا: إن الانتاج المانيوفاكتوري هو إنتاج رأسمالي في
الواقع، يدار برأس مال موحد، وينتج زيادة في
القيمة الفائضة، ويكون باستمرار تحت إشراف رأس
المال. وهذا ما سنسمعه في الفقرة التالية.
-8-
إن الزبدة الرئيسية للقيمة التي يعطيها ماركس للمصنع
التعاوني، هوكونه
ذا صيغة راسمالية، وقد سمعنا من ماركس انه ارجع الشكل
الواسع لهذه الصناعة إلى الشكل المنظم للانتاح
الراسمالي.
وقال فيما قال ايضا:
" إن التقسيم المانيفاكتوري للعمل يقتضي سلطة
الراسمالي المطلقة على ناس جرى تحويلهم إلى مجرد أعضاء من
جهاز يملكه الرأسمالي.
إن التقسيم الاجتماعي للعمل يصنع المنتجـيئ المستقلين،
بعضهم إزاء البعض الآخر، اولئك الذين لا يعترفون
في الواقع بسلطة غيرسلطة المزاحمه، ولا بقوة
غيرقوة الضغط الذي (1) المصدرص 478.
(2) إلممدرص 491.
(3) المصدرص 476.
221
تفرضه عليهم مصالحهم.
... وهذا الوعي البرجوازي الذي يمجد تمجيدا متحمسا
التقسيم المانيفاكتوري للعمل والحكم مدى الحياة
على الشغيل بعملية تفصيلية وتبعيته السلبية
للرأسمالي... دا (1). " إن الازدياد التدريجي لرأس المال الأدق الضروري للرأسمالي... هو إذن قانون يفرضه الطابع التكنيكي للمانيوفاكتورة.
إن جسم انعمل الذي يعمل في المانيفاكتورة تتألف أعضاؤه
من عمال تفصيليين هوملك الرأسمالي. انه ليس إلا
شكلا من أشكال وجود رأس المال...
إن المانيفاكتورة، بالمعنى الدقيق للكلمة، لا تخضع فقط
العامل لاوامر رأس المال ونظامه الصارم... إنها
تشل العامل وتجعل منه شيئا مسيخا بإذكاء النمو
الاصطناعي لبراعته التفصيلية... بل الفرد نفسه يجزأ ويحول
إلى لولب آلي لعملية وأحدة لا يعدوها لا (2). " إن المعارف والذكاء والارادة التي يبذالا الفلاح المستقل والحرفي المستقل، على نطاق ضيق... لا تطلب بعد الآن إلا لمجموع العمل إن القوى الذهنية للانتاج تنمو من جانب واحد، ذلك لأنها تزول من جميع الجوأنب الأخرى. وما يفقده العمال الجزئيون يتمركز إزاءهم نب رأس المال " (3).
إن القيمة الزائدة التي يعتقد ماركس وجودها في الانتاح
الراسمالي عموما، موجودة في المصنع التعاوني. لأنه
عمل مأجور، وهو مستحق- في رايه- للعامل نفسه. فإذا
استولى عليه صاحب العمل، فقد استولى على حق العامل
بلا مبرر.
ومن جملة الشواهد على ذلك في كلام ماركس، قوله:
" إن نقصان القيمة النسبية لقوة العمل، ذلك
النقصان الناتج عن نقص تكاليف المران
أو زوالها، يستتبع فورا، بالنسبة إلى رأس المال زيادة
القيمة الزائدة، ذلك لأن كل ما ينقص الوقت
الضروري لانتاج قوة العمل، يزيد- من هذه الطريق
نفسها- نطاق العمل ا لزائد " (،).
-9-
وما دامت المانيوفاكتورة قد وجدت، فقد وجد النظام
الرأسمالي، بشكله
إ أ!ساذج الأولي، منبثقا من احشاء النظام الاقطاعي بما
كان يحمله من تناقضات (1) المصدرص 503.
(2) المصدرص 508- 509.
(3) المصدرص 509.
(4) المصدرص 495.
222
وما يتضمنه من صراع، طبقا للقوانين الديالكنيكية
الماركسية.
ومن هنا نعرف أنه لماذا تجعل المادية التاريخية، النظام
الحرفي والنظام المانيوفاكتوري، فقرة مستقلة
من فقراتها، إلى جانب الاقطاع والرأسمالية،
وذلك لأن وجودها الاجتماعي لم يكن يناسب ذلك.
فالحرف كانت موجودة ومواكبة لعصر الاقطاع، وإن كانت
تمثل في عيئ الوقت الطبقة التقدمية التي تقف إلى
جانب الشكل الجديد لوسائل الإنتاج، ومن هنا كتب
لها الانتصار، وكتب على الاقطاع الفناء، باعتباره
مناصرا مصلحيا مع الشكل القديم لهذه الوسائل.
ولم ينتصر الحرفيون، بصفتهم هذه، وإنما انتصروا على
الاقطاع، بعد تحوفم التدريجي إلى رأسماليين، عن طريق
مرورهم صالنظام المانيوفاكتوري فـما يليه من اشكال
الرأسمالية التي اجهزت على 1 أ، قطاع.
واما عدم اعتبار النظام المانيوفاكتوري نظاما مستقلا
فهو- بكل بساطة-
نظام رأسمالي، فيكون لفظ الرأسمالية شاملا له. فإذا قيل
ان النظام الذي يأتي بعد الاقطاع هو الرأسمالية،
كان شاملا للمانيوفاكتورة. إلا أن اقسام الراسمالية تصبح اربعة،
وليست ثلاثة، كـما تريد الماركسية أن تقول.
هذا كله انطلاقا من تسلسل التفكير الماركسي.
223
المناقشة
ينبغي ان ننطلق إلى المناقشة من التسليم بوجود النظام المانيوفاكتوري في
ا ور و با.
" الذي استمر- تقريبا- منذ منتصف القرن السادس عشر
حتى الثلث الأخيرمن القرن الثامن عشر " (1).
كما لا معنى للمناقشة في تفاصيل التنظيم الداخلي لهذا
المصنع التعاوني.
كما لا حاجة إلى المناقشة في افضلية هذا المصنع على
الصناعة الحرفية المستقلة، فإن هذه الأفضلية،
واضحة، مهما كانت مبرراتها.
كـما لا نريد ان نناقش الأساس الراسمالي الذي تقوم عليه
الراسمالية عموما، في. راي الماركسيين، وهو القيمة
الفائضة، فإننا نتعرض لذلك في مرحلة مقبلة من البحث.
وإنما ينبغي أن تنطلق المناقشة، من زاوية انطباق النظام
الحرفي والمانيوفاكتوري على القوامحد المعطاة
من قبل المادية التاريخية، تلك القواعد التي
تستهدفها في هذا القسم من البحث استهدافا مباشرا.
النقطة الأولى: إن الصناعة الحرفية والمانيوفاكتورية
معا، موجودتان قبل
عصر الاقطاع.
اما وجود الحرفين، فهو اوضح من أن يذكر... ويكفي ان
نتذكر انه الأسلوب الوحيد لمعيشة عدد كبير من
الناس، وسد كثيرامن الحاجات على مر العصور...
بما فيه عصر الرق والاقطاع والراسمالية، والاشتراكية ايضا. وسوف
يبقى موجودا ما لم تعزم الماركسية على إلغائه في الطور الشيوعي
الأعلى. واما المانيوفاكتورة، فمن الطريف ان. تعترف الماركسية
بكل وضوج، بوجودها خلال عصر الرق.
قال انجلز:
" لقد قضى نظام الرق زمنه، ولم يعد يعطي بعد ذلك
اية فائدة تستحق الذكر، لا في
(1) المصدر السابق ص 475.
224
!!
الريف، حيث الزرا عة الكبرى ولا في " مانيفاكثوراتأ المدن، واختفى سوق منتجاته "؟ (1). وإذا كان النظام
الحرفي والمانيوفاكتوري، وخاصة الأخير، موجود أ
في زمن الرق... فهك يكون هذا نظاما رأسماليا قبل وجود
الرإسمالية... بل قبلها بعصرين. ولماذا لم تؤثر في إيجاد النظام الرأسمالي مباشرة بعد عصر الرق؟ ولماذا لم تشارك مشاركة ما في تغيير النظام، على حين اثرت في عصر الاقطاع في تغييره. كل هذه أسئلة تكون الماركسمة مسؤولة عيق الجواب عليها.
النقطة الثانية: إن المصنع المانيوفاكتوري، إنما هو
أسلوب من أساليب الانتاح ليس إلا. ويمكن وجوده
حتى في العصر الاشتراكي. كل ما في الأمر،
ان المشرف على هذا المصنع في العصر الرأسمالي هو فرد واحد متمول،
وفي الطور الأشتراكي الأول هو الحكومة العمالية، وفي الطور
الاشتراكي الأعلى هو المجالس النقابية، ونحوها، إذن. لا يتعين إن يكون هذا النظام التعاوني، رأسماليا، كما قال كارل ماركس.
ومن الطريف: ان هذا النظام يستبطن نفس العيوب التي
ذكرها ماركس
- لو صحت- وإن اسست من قبل النظام الاشتراكي، كما هو
واضح فراجعها.
كـما انه يملك نفس المحاسن التي ذكرها، إلى حد قد لا
يستغني عنه حتى في الصناعات الآلية الثقيلة... وخاصة
الشكل الأول للمانيوفاكتورة مما ذكره ماركس.
الئقطة الثالثة: إن الأسباب التي انتجت النـظامـيئ
الحـرفي والمانيوفاكتوري، معلومة معينة، وليست
هي تطور وسائل الانتاح. وقد نتج عنها
بشكل سلس لابشكل ديالكتيكي.
ولعل أهم ما يبرهن به على ذلك، هوما عرفناه من كونها
مناسبة مع كل العهود، وغير خاصة بالعصر الراسمالي...
إذ لو كان تطور معين او مستوى خاص لوسائل
الانتاج هو الذي أوجد احد هذين النظامين، لكان لا بد ان لا
يوجدا قبل هذا المستوى لا محالة... وإلا لأمكن وجود الرأسمالية
قبل نظام الرق! إ؟...
ولو كان مربوطا بهذا المستوى أو ذاك، للزم زواله عند
وجود طور اخر
(1) نظرات علمية: سيعال ص 24 عن انجلز لا كتابه "أصل العائلة... ".
225
ارقى لوسائل الانتاج ة كيف وقد اوجب الطور الجديد تغيير
سائر خصائص المجتمع- كـما ترى الماركسية-، فلماذا
لم يوجب تغيير هذا النظام. مع العلم ان الماركسية اعترفت والواقع
التاريخي يشهد بوجود النظامين الحرفي
والتعاوني في عصر الرق والاقطاع والرأسمالية... بل والاشتراكية
ايضا... ولم يوجب تغير النظام الاجتماعي تغييرهما... إذن فهما غيى ناتجن
من تطور وسائل الانتاج. وإنحا هما ناتجان من أسباب أخرى
سلسة، فالحرفة ناتجة من امرين: أحدهما: الخبرة الخاصة بعمل معين. والاخر:
الشعور بالحاجة إلى استغلال هذه الخبرة في سبيل العيش. والمصنع
التعاوني، ناتج من الشعور بضرورة تحسين النتاج من ناحية، وحصول
كل حرفي على ما لدى الآخرين من خبرات وآلات من ناحية ثانية... وحصول
المنتوج النهائي من مجموع الأعمال والاختصاصات، في نهاية المطاف.
ومن هنا يمكن أن لا يكون المصنع التعاوني ناتجا من
إرادة راسمال معين،
بل من تعاون الحرفيين أنفسهم بإسهام كل منهم بماله
وخبرته وعمله في المشروع، واخذ كل منهم حصته من الربح. وبذلك
ينال محاسن هذا الوضع الجديد... من دون أن
يكون باذلا لمجهود زائد.
ومن هنا، لا يمكن ان يصح كلام ماركس من أن هذا المصنع
وجد في ابتدائه، عفويا وبدون وعي. وانما وجد
لأجل شعور الحرفين بالأهداف المشار إليها.
نعم إنهم لم يكونوا يفهمون: ان هذا الوضع الجديد سيستغل استغلالا
راسماليا، وشماء فيه التصرف والتحكم. لأن نتائج المستقبل مما
يصعب على الفرد العادي استشفافها عادة. إلا ان هذا غير العفوية
واللاوعي.
وهناك بعض المناقشات فيما ذكره ماركس من محاسن
المانيوفاكتورة وعيويها، ينبغي ان نعرض عنها صفحأ في
هذا البحث، لأنه- بالنسبة إلى مهمتنا هنا- تطويل
بلا طائل.
وينبغي ان نلتفت يخا هذا الصدد، أن التجريد الماركسي
كلما يقترب من
العهود التاريخية القديمة! ! العصر الحاضر، كلما يبدو
تطبيقيا اكـز فأكثر. فبينما نشعر بوضوج ان كلام " سيغال " حول النظامن الحرفي والمانيوفاكتوري تجريدي الاتجاه. إلا أن كلام ماركس اقرب إلى التطبيقية بكثير. فانه يتحدث عن هذا المصنع التعاوني حديث مشاهد، باعتبار ما عاصره فعلا من هذا النظام يأ
226
اوروبا، التي قلنا مكررا انها هي محط أنظار المفكرين
الماركس!ن دائما. وإذا انحصر الكلام في حيز
التطبيق صعب أن يقتنص منه داعدة عامة.
فإن مرو ر اوروبا بعصر شاعت فيه المصانع التعاونية، لا
يعني مرور كل البلدان بذلك، خلال تاريخها الطويل.
بل حتى لو سلمنا بمنطق المادية التاريخية، وان الاقطاع
بالضرورة يتحول
إلى راسمالية... لم يكن الأسلوب الوحيد لتحوله إليها،
هو وجود المصانع التعاونية، بل قد تكون هناك
اساليب كثيرة تختلف باختلاف البلدالط. وقد
سبق أن سمعنا من لينين المفهوم القائل: بأق هذه النظرية تعطي
توجيهات عامة تنطبق في هذا البلد بشكل مغاير عن انطباقه في
ذاك البلد.
إذن، فكل ما يمكن ان تقوله الماركسية، هو: أن الأسلوب
الأوروبي في الانتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية،
كان هو المرور بعهد المصنع التعاوتي. وبتعبير أكثر
تحديدا: ان العهد المانيوفاكتوري هو العهد الذي مرت به
بعض البلدان الاوروبية ض لإل انتقالها من الاقطاع إلى الرأسمالية. ان
القيمة التاريخية لهذه الصناعة، ليست أكـز من ذلك، على أي حال.
وأما البلدان التي انتقلت من الاقطاع إلى الاشتراكية،
مباشرة، بما فيها الاتحاد السوفياتي والصن... فلا
نعلم رأي الضرورة الماركسية في حذف العهد
المانيوفاكتوري من الوسط وإسقاطه إ؟ واذأ كان موجودا فلماذا لم
يكن سببا للوجود الرأسمالي؟!...
227
الرأسمالية
والحديث عن الرأسمالية، ماركسيا، حديث ذو شجون، من حيث
كونها العدو الرسمي اللدود لها.
ومن هنا اسهب الماركسيون في نقد الرأسمالية اكثر من أقي
شيء اخر...
سواء في ذلك مفكروهم الأولون أو المعاصرون. بل قدموا
إلى جانب الجهد الفكري والنظري ضد الرأسمالية،
الجهد الاجتماعي الحي ضدها، وبذلوا مختلف
السضحيات في سبيل الاجهازعليها والقضاء على سلطانها، ولم يفلحوا
إلى الان بشكل كامك.
والسر في ذلك ناشىء من عدة أمور:
الأمر الأول: أن الماركسية نظريا تؤمن نظريا، بأن
الرأسمالية هي المرحلة الأخيرة التي تسبق الوضع
الاشتراكي الذي تميل الماركسية إلى تطبيقه
وإنجازه ومن الطبيعي انه لا يمكن الوصول إلى العهد المفضل، إلا
بعد الاجهاز على العهد السابق عليه.
الأمر الثاني: إن الراسمالية هي أكبر قوة عالمية
واجهتها الماركسية منذ ولادتها... فكان من المنطقي أن
تستهدف القوة الكبرى بشنكل رئيسى، وتدع النزاعات
الأخرى إلى الحقول الجانبية.
الأمر الثالث: إن مفكري الىاسمالية وقادتهبم، عموما،
قاموا بنشاطات تكفكف من غلواء الهجوم الماركسي. منها
النقد العلمي للنظريات الماركسية، ومنها
الحملات الدعائية الواسعة النطاق. ومنها: التخفيف من الظلم
الرأسمالي على العمال وامثالهم، إلى حد لم تعد تشعو هذه الطبقة بالحاجة إلى الثورة ا لا شترا كية.
وكل هذه النشاطات، مما يثير الماركس!ن، فيزدادون شرحا
لأقوالهم وصقلا لنظرياتهم... وبستمرون بحملات
دعائية معاكسة. وهذا مما يزيد الكتب
الماركسية عددا، ونشاط الأحزاب الشيوهـة في العالم حماسا واندفاعا. 228
وقد مر الفكر المابى كسي تجاه الرأسمالية بتطور ملحوظ،
نظرا لاختلاف مستوى الفكر العالمي عموما،
وأشكال تطبيقات الراسمالية خصوصا. ونحن اشرنا في
مقدمة البحث إلى هذا التطور، وقلنا أننا نعتبر الكتاب
الماركسيين التقليدين هم الممثلون الحقيقيون للماركسية.
وإذا أردنا أن نتحدث عن وجهة النظر الماركسية التقليدية
إلى
الرأسمالية،
مع التركيز والاختصار، وإلغاء كل ما لا يمت إلى مهنتنا
الأصلية بصلة... إذن، لا بد لط أن نسير في ثلاث
مراحل، كـما يلي:
المرحلة الأولى: كيفية نشوء الرأسمالية تجريديا
وتطبيقيا من عهد الاقطاع، مع إعطاء الأوصاف الأساسية
لهذه الرأسمالية الناشئة، وما قد يقوم به
الرأسماليون من نشاط وتصرفات.
المرحلة الثالية: إعطاء القيمة الأساسية الاجمالية
للراسمالية عموما، في
نظر الماركسية، بغض النظر عن تقسيمها الآتي.
المرحلة الثالثة: الالماع إلى تقسيمها إلى اقسامها
الثلاثة الرئيسية التي ذكرناها سابقا، مع النظر
إلى أن القيمة الأساسية التي ذكرها ماركس
والماركسيون، هل تنطبق على الأقسام الثلاثة جميعا، أو
تخص بعضها دون بعض.
وسيكون البحث في المرحلة الأولى، عوازيا في الشكل للبحث
في العهود السابقة للمادية التاريخية، من حيث أ!لوول
المحام، كل سنرى. على حيئ سيكون الحديث في
المرحلتن الاتيتين حديثا اقتصادياث وهو وإن كاذ جانبيا
بالنسبة إلى غرضنا الأهم، إلا اننا قد نستفيد منه حيث نبحث الجانب
الاقتصادي لليوم الموعود، في القسم الثالث من هذا الكتاب.
هذا، وستكون المناقشات ملحقة بكل مرحلة على حدة.
15
229
المرحلة الأولى
نشوء الرأسمالية وصفاتها الأساسية
تقول المادية التاريخية، بما تعطي من قواعد عامة، في
تفسيى زوال أي مرحلة تاريحية ووجود المرحلة الجديدة
على انقاضها:
إن وسائل الانتاج التي كانت تقتضي علاقات الانتاج
الاقطاعية، استمرت بالنمو والتصاعد، حتى وجدت
وسائل جديدة تنسجم مصالحها مع هذه الوسائل
الجديدة. وبقي الاقطاعيون طبقة تناصر الوسائل القديمة للانتاج
وتنسخم مصالحها معها. ومن هنا يقع النضال بين هاتين الطبقتين،
ويكتسب تدريجا صيغة النضال السياسي.
وحيث أن الماركسية تفترض ان النصر دائما يكون ثا جانب
الوسائل الجديدة للانتاج... فمن الطبيعي ان يصل
ذلك اليوم الذي يقع فيه التضاد بين الوسائل
الجديدة والعلاقات القديمة القائمة في المجتمع الاقطاعى،
إلى حد تعجز الوسائل القديمة عن مواكبة حاجات المجتمع... فتفرض الطبقة الجديدة
إرادتها في تعميم علاقات الانتاح الجديدة على المجتمع
وإلغاءالعلاقات القديمة، وتكون العلاقات الجدلدة عبارة عن الراسمالية، ويزول الاقطاع، وبتطور وسائل الإنتاج، ووجود علاقال! الإنتاج الرأسمالية، يتبدل بشكل عفوي خارج غن إرادة النالس، كل خصائص المجتمع: الاقتصادية والأخلاقية والعلمية والدينية والقانوبية 0، 0 الخ.
وقد سميت الطبقة المعادية للاقطاع بالبرجوازية، وقد
كانت فى باديء
الأمر ذات ملكيات صغيرة نسبيا (1)، حتى ما إذا اتسعت
وسـاثـل الانتاج، اتسعت أطماعهم باتساعها،
فأصبح الانتاج ضخما، وأصبح التسويق عالميا، (1) قد
تجد في بعض المصاثو، تفسير البرجوازية بأصحاب
الملكية المتهسطة. وهذا صادق بالشبة
إلى الزمن الأول لوجوث! م. وأما من الزاوية الماركسية
فالبرجوازية والرأسمالية بمعنى واحد، والرأسماليون
مم برجوازيون، و(ن وصلوا إلى نهاية الثوط.
وذلك: لاتحاد الاتجاه الاجتماعي من جهة وحدة (القيمة الفائضة) غير
المشروعة!ار!ا، بين كل عصور طرأسمالية، من جهة اخرى.
230
وأصبح الرأسماليون في حاجة المط موافى خام تستورفى من
خارج بلادهم، إلى أسواق للتصدير، في خارح بلادهم
ايضا... فطبقوا ذلك بشكل عسكري على البلدان
الضعيفة، فـوجد الاستعمار.
ولتسمية هذه الطبقة بالبرجواز2لة قصة: روينا ملخصا منها
في كتابنا
" نظرات إسلامية في إعلان حقوق الانسان). وزبدتها
ة
إن المدينة قد تقظ على طريق بري أو نهري او بحري، أو
غيرذللث من أشكال الأهمية، فتنفتح فرصة ثمينة
لأهلها المكونين- عادة- من حرفين وصغار التجار
والفلاحن الهاربن من حكم الاقطاع!ن.. ء إلى التوسع وزيادة
الأرباح، ومن ثم يكتسبون قوة اجتماعية واهمية واموالا، فيستطيعون أن
يشتروا مدينتهم من الاقطاعي الحاكم، لقاء أموال يدفعونها
إليه، ويأخذون منه وثيقة تسمى " 3 سن،3قط ح لما هي وثيقة تحرر المدينة، وتسمى المدينة المتحررة، بيرك (!3 لمال)، وتسمى الطبقة المتمولة التي تشتري المدينة بالبرجوازيين. ولفظها مشتق من لفظ المدينة نفسه... وهي الطبقة التي كتب لها ان تكون رأسمالية تدريجا. ولا زالت جملة من المدن الاوربية ينتهي اسمها بلفظ " بيرك لما في مختلف الدول الاوربية، مثل
هامبورك ولوكسمبورك وادنبرة أي ادنبورك في
الأصل... وغيرها فهي مدن مشتراة في تاريخها من الاقطاعيين.
وهذه القصة، وإن لم نجدها يا المصادر الماركسية مروية
بوضوح، إلا أنها
تصلح أن تكون فكرة ماركسية، لو أخذت من زاوية " تجريدية لما تقول بلزوم مرور
كل المجتمعات المنتقلة إلى الرأسمالية من الاقطاع بمثل هذا الدور،
فتدخل هذه ا اغصة كحلقة في المادية التاريخية العامة.
ولكن الفكر غير الماركسي يمكنه قبولها من زاوية " تطبيقية " أي كواقع
تاريخي مرت به اوروبا في فترة من عمرها... دون أن يكون
لها قيمة القانون العام.
-3-
هذأ، وقد رأينا ما لوجود المصنع التعاوني دا
المانيوفاكتورة
" من أثر في إيجاد
الرأسمالية في نظر الماركسية... فلا موجب للتكرار.
وتستمر الماركسية شارحة ظروف حدوث الرأسمالية، بشكل
يختلط فيه
231
التجريد بالتطبيق، فتقول:
" ولهذه القوة الاتاجية الجديدة- يعني
المانيوفاكتورة- علاقات إنتاجية جديدة تتنا!سب
معها. فلم يكن الرأسمال من قبل موجودأ إلأ بشكل رأسمال
ربائي بحاري. وكان التاجر والمرابي يستثمران صغار المنتجـين
الذين يبيعون منتجاتهم الخاصة.
اما منذ ظهور المانيوفاكتورة، فلم يعد العامل ييع
منتجاته، بل صار يبيع قوة عمله. الرأسمال هو الذي يملك
وسائل الانتاج، ويملك البضائع التي يصنعها
العامل، ولا يتلقا العامل أجرة تعادل ما ينفقه من قوة عمله
ليما هو ينتج القيمة الزاثدة للراسمالي إن العامل مستثمر من
قبل الراسمالي وأسلوب الانتج صار بهذا الشكل أسلربأ رأسماليأ؟
وأخذت علاقاث إنتاج جديدة، علاقات رأسمالية، ئظهر وتتطور مع نمر القوى المنتجة.
ولكن النظام الاقطاعى، كان يعوق التطور التالي لهذه
القوى المنتجه الجديدة، ولعلاقات الانتاج المقابلة
لها. وكان الذي يعرق هذا التطور هو النظام الحرفى
في المدن، الجزء المتمم للنظام الاقطاعي. غيرأن العلاقات
الاقطاعية في القرية لم تكن أقل إعاقة لتطور الانتاج
الرأسمالي، فان ارتباط الأقنالط بالأرض، كان يحرم الرأسماليين
من يد عاملة رخيصة، وهكذا نرى الاقطاعية التي كانت متناسبة عند
نشأتها مع مستوى القوى المنتجة في المجتمع، صارت متناقضة مع
القوى المنتجة المتزايدة، وصار إلغاؤها ضرورة تاريخية.
فلما ازدادت حدة اضطهاد الدولة الاقطاعية للفلاحين
والجماهير البرجوازية الصغيرة والعاملة في المدن
انفجرت الثورات البرجوإزية الرامية إلى هدم النظام
الاقطاعي وفسح المجال امام لطور الراسمالية. وقد
حدثت هذه الثورات في انكلترا في القرن السابع عشر، وفي فرنسا في
أواخر القرن الثامن عشرأ (1).
وتعطي الماركسية أوصاف المجتمع الراسمالي، من زاوية
نقاط قوته على المجتمع الاقطاعي من ناحية، ومن زاوية
نقاط ضعفه التي تستوجب الاجهاز عليه من ناحية
أخرى... تعطي هذه الأوصاف، كما يلي:
" في النظام الراسمالي، تؤلف الملكية الرأسمالية
لوسائل الانتاج أساس علاقات الإنتاج، اما امتلاك
المنتجين أي العمال المأجورين، فليس له
وجرد، ولا يستطيع الرأسمايى قتلهم ولا بيعهم، لأنهم محررون من كل لبعية شخصية، غير أنهم محرومون من وسائل الانتاج. وهم مضطرون- لكي لا يموتوا جوعأ- أن يبيعوا قوة عملهم للراسمالي وأن يعانوأ نير الاستعمار.
وهنالك، إلى جانب الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج،
ملكية الفلاح والحرفي الخاصة
(1) نظرات علمية ني الاقتصاد السياسي: سيغال ص 33 وما
بعدها.
232
لوسائل الانتاج بعد أن حرروا من القنانة. فقد كانت هذه
الملكية المؤسسة على العمل الشخصي منتشرة
انتشارأ واسعأ يخا بادىء الأمر وحلت الفبارك
والمعامل العظيمة المجهزة بالآلات محل ورشات الحرفين والمانيفاكتورات.
كـما ان الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة التي تدار على
أساس العلم الزراير والمجهزة بالآلات الزراعية، حلت محل أملاك النبلاء التي كانت تزرع بواسطة أدوات الفلاحن الابتدائية.
وهذه القوى المنتجة الجديدة، تتطلب مق الشغيلين أن
يكونوا أكز ثقافة وذكاء من الأقنان الجاهلن
البلداء وأن تكون لديهم الكفاعة اللازمة لفهم
الآلة، وأن يجيدوا استعمالها كـما ينبغي، ولهذا يفضل الراسماليون
أن يتعاملوا مع عمال مأجورين محررين من قيود الرقط، وحاثزين على
ثقافة كافية تساعدهم على استعمال الآلات استعمالا لائقا لما (1).
9 إن حلول علاقات الإنتاج الرأسمالية محل علاقات
الإنتاج الإقطاعية يستتبع تحويل
البناء الفوقي بحيث يتطابق مع البناء التحتي الجديد كما
يستتبع تغييرسيماء المجتمع كاطه. وفي معمعان
الثورات البرجوازية تنهار الحواجز الطبقية
المراتبية الإقطاعية ومحك الملكية
تحل الملكية الدستورية او الجمهورية البرلمانية.
إن الديمقراطية البرجوازية، تنادي بمبدأ الفردية، مصورة
إياه بصورة حرية الفرد الحقيقية وتنادي بمساواة
الجميع أمام القانون ولكن هذه المساواة
تتسم بطابع شكلي صرف، لأن اللامساواة بين الناس حيال وسائل
الانتاج، اللامساواة الاقتصادية تظل أساس المجتمع. وان الايديولوجية
البرجوازية تبذر بذور الأوهام فيما يتعلق بكنه العلاقات
الراسمالية الفعلي " (2). " كذلك تطور
الرأسمالية التوسع الخارجي. فإن البلدان الرئيسية اخذت
تستولي على الجديد والجديد من الأراضي
وتنشىء الامبراطوريات الاستعمارية جاذبة العالم كله إلى سبيل التطور الراسمالي.
... وللمرة الأولى في التاريخ تنشىء الرأسمالية نظامأ
عالميا موحدا للاقتصاد، سوقا
عالمية واحدة. وفي ظل الرأسمالية يصبح التاريخ عالميا
بكل معنى الكلمة، لأن العزلة السابقة بين مختلف
المناطق ومختلف الشعوب تزول.
ويخا ظل الرأسمالية تتعاظم كثيرا وسائل التطور
الاقتصادي والاجتماعي- ففي حقبة تاريخية قصيرة
نسبيأ تجوز التشكيلة الرأسمالية في تطررها
ثلاث مراحل. من مرحلة التراكم الرأسمالي إلى مرحلة نظام
المشروع الحر، ومنها إلى مرحلة الرأسمالية الاحتكارية.
... إن التقسيم الواسع للعمل لا داخل المصانع والمعامل
فحسب، بل أيضا بين مختلف فروع الانتاج يربط
الاقتصاد الوطني بخيوط الانتاج في نظام واحد
موحد. ويفرض تبعية عضوية متبادلة بين مختلف فروع الانتاج
وأصنافه.
(1) المادية الديالكتيكية: ستالن ص 51، وما بعدها.
(2، المادية
التاريخية: كوفالسون، كيلله. ص كل1 وما بعدها.
233
أ أ 3-؟-- حد ا-
-صـت--
وحالة القوى المنتجة هذه لاتطابقها الملكية الخاصة
لوسائل، بل الملكية العامة الاجتماعية. فإن الملكية
الخاصة تتحول من شكل لتطور القوى إلى قيود لها. إذ
الحفاظ على الملكية الرأسمالية الخاصة يكبح تطور القوى
المنتجة والمجتمع كله. ويؤ زم نضال البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية، بوصفه تعبيرا عن تناقض الرأسمالية الأساسي.
إذن تناقضات الرأسمالية تستفحل إلى الحد الأقصى، في
المرحلة العليا في تطورها، اي
في مرحلة الامبريالية التي دخلتها الرأسمالية، على تخوم
القرنين التاسع عشر والعشرين دا (1). " إن الامبريالية إنما هي آخر مراحل الرأسمالية،
المرحلة التي تختتم وجود التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية " (2).
-6-
وهنا لا بد من كلمة أخيرة عن البروليتاريا، التي
تعتبرها الماركسية الطبقة الرئيسية المعارضة للبرجوازية
الرأسمالية، والتي تعقد عليها الاممال في
انجاز المجتع الاشتراكي.
ولعل افضل مصدر يوضح ذلك، هو البيان الشيوعي، حيث نجده
يقول:
" تبعا لتطور البرجوازية، أي لتطور الرأسمال، طبقة
العمال العصريين الذين
لا يعيشون إلا إذا وجدوا عملا، ولا يجدونه إلا إذا كان
عملهم هذا ينمي الرأسمال. وهؤلاء العمال المجبرون
على بيع أنفسهم بالمفرق هم بضاعة، هم مادة تجارية
كغيرها، يعانون كل تقلبات المزاحمة وكل تموجات السوق.
ونتيجة لاتساع استعمال الآلات ولتقسيم العمل، فقد... أصبح
العامل عبارة عن ملحق بسيط للآلة لايطلب منه
إلا القيام بعملية رتيبة سهلة التلقين...
إذن، كلما أصبح العمل باعثا على الاشمئزاز هبطت الأجور...
وكلما قل تطلب العمل اليدوي للمهارة والقوة، أي
كلما ترقت الصناعة الحديثة، استعيض عن
عمل الرجل بعمل النساء والأولاد ولا تبقى للفروق في الجنس أو
السن أهمية اجتماعية بالنسبة للطبقة العاملة فليس ثمة سوى ادوات للعمل تتغير كلفتها حسب العمر والجنس.
ومتى انتهى العامل من مقاساة استثمار صاحب المعمل وحسبت
له أجرته، أصبح فريسة لعناصر أخرى من البرجوازية:
مالك البيت والبائع بالمفرق والمرابي...
!ا صغار الصناعيين والتجار واصحاب الايرادات والحرفيون
والفلاحون، أي الدرجات السفلى من الطبقة المتوسطة،
فيتدهورون إلى صفوف البروليتاريا. وذلك لأن (1)
المصدر نفسه ص 134- 135.
(2) المصدرص 136.
234
رساميلهم الضعيفة لا تسمح لهم باستعمال أساليب الصناعة
الكبرى.
فيندحرون ويهلكون في مزاحمتهم لكبار الرأسماليين. ولأن
مهارتهم الفنية تفقد قيمتها وأهميتها تجاه
أسانيب الانتج الجديدة، وعلى هذه الصورة تتجند
البروليتاريا من كل طبقات السكان " (1،.
ثم يبدا البيان الشيوعي بتصوير نضال هذه الطبقة
المحرومة ضد الرأسمالية، وضروب التفرق التي تمنى به
خلال عملها، وموقف الآخرين منها، وكيف يكون لها
النصر في نهاية المطاف، وانها هي الأمل الرئيسي في
الاجهاز على الرالر!الية.
ولأجل هذا الاعتقاد صاح البيان الشيوعي صيحته المعهودة:
يا عمال
العالم اتحدوا. وأكد المفكرون الماركسيون بكل وضوج أن
الماركسية فكرة طبقية وحزبية، مناصرة
للبروليتاريا نفسها. وقد سمعنا ذلك ويأتي تفصيله
بعد هذا.
المماقشة
ينبغي التسليم بالواقع التاريخي للرأسمالية، كـما ينبغي
التسليم بكونها
نظاما غير صالح، ترتبى عليه الويلات الكثيرة والمشاكل
الضخمة والجروح العميقة، للبشرية كلفا. وانها
قائمة على امتصاص خيرات الاخرين والاستفادة صا
تحله بهم من خراب ودمار.
فهذا ما نتفق فيه مع الماركسية ولعلها من اقدم من التفت
إلى مساوىء الرأسمالية الاوروبية.
إلا أن بيت القصيد إنما هو في إمكان اقتناص القانون
العام، من هذا الواقع التاريخي، كـما أرادته
الماركسية... فإنها جعلت الراسمالية حلقة ضرورية
الوجود في ماديتها التاريخية.
إذن، فلا بد من محاولة تطبيق هذا الواقع التاريخي،
بخصائصه الثابتة تاريخيا، على التجريد المادي الماركسي...
لنرى انه هل هو منطبق عليه، وانه مئتج له بالضرورة،
اولا. ومن هئا يممنح مجال المئاقننمة.
(1) البيان الشيوعي ص 45-47.
235
تقول المادية التاريخية بوضوج، ان الاقطاع والراسمالية
والاشترأكية عهود متفاصلة ومتتابعة ومتعادية فيما
بينها، لا يمكن ان ينسجم اثنان منها في المصالح
والعواطف بأي حال. واي انسجام يحدث من هذا القبيل،
يسعني أن وسائل الانتاج لم تؤثر أثرها القهري الضروري في إنتاح النتائج المطلوبة للمادية ا لتا ريخية.
مع اننا نجد الفكر الماركسي يؤكد على تعاصر الاقطاع
والرأسمالية ردحا طويلا من الزمن. يكفينا ما سمعناه
من ان الانتاح المانيفاكتوري إنما هو إنتاج رأسمالي
في نظر الماركسية، ولكنه بقي م!حاصرا مع
إلاقطاع عدد! طويلا من السنين.
فقد سمعنا مق ماركس تحديد وجود المانيوفاكتورة، من
منتصف القرن السادس عشر حتى الثلث الأخير من القرن
الثامن عشر. فإذا علمنا أن الثورة الفرنسية التي هي
أول الوجود الراسمالي، حصلت في الثلث الأخيى من
القرن الثامن عشر نفسه (1789)... نعلم أن الوجود المانيوفاكتوري
كله حاصل في زمن الاقطاع ومعاصر له، مدة تزيد على القرنين من
الزمن. بل من الطريف انه انتهى بانتهاء خهد الاقطاع،
-3-
قال سيغال:
(وفى البلاد التي تطورت فيها الرأسمالية فيما بعد (أي
بعد الثورة الفرنسية)، وجرت
الثورة البرجوازية فيها بعدان تكونت طبمة البروليتاريا
الصناعية، كما كانت الحال في المانيا سنة 1848
وخصوصا في روسيا سنة 1950 ثفاهمت البرجوازية مع
الدولة الاقطاعية وتواطأت معها، (1).
وهذا الكلام يدلنا على أمرين:
الأمر الأول: إن الاقطاع والبرجوازية والاشتراكية، قد
اجتمعت في
زمان واحد في روسيا عام 01950 اما وجود البرجوازية
والاقطاعية، فهو المصرج به في هذا الكلام نفسه. واما
وجود الاشتراكية، فلأننا نعلم أن الثورد
الاشتراكية الحمراء حدث عام 1929، فهي كانت عام 1950 قد مضى عليها (1) نظرات علمية: سيغال. هاض ص 34.
236
إحدى وعشيون سنة. وهو زمان كاف لافتراض اول النجاح
للتجربة الاشتراكية، أي كون المجتمع اشتراكيا. إذن
فتكون العهود الثلاث قد اجتمعت في مكان وزمان
واحد، وهو على خلاف قوانيئ المادية التاريخية،
وخاصة في اجتماع الاقطاع مع الاشتراكية التي يفصلها عهد الراسمالية با لضر ورة.
الأمر الثاني: ان البرجوازية عدوة الاقطاع اللدود في
منطق المادية التاريخية اصبح من الممكن- باعتراف
سيغال- ان تكون صديقتها الحميمة. فأين ذهب
تأثيرتطور وسائل الإنتاج الذي يحتم المنافرة والنضال
المرير بين هاتين الطبقتين؟ وهل في الامكان وجود تطور جديد يعيد الصداقة إليهما؟ وإذا أمكن ذلك فهل في الإمكان افتراض تطورات أخرى في وسائل الإنتاج تنتج أمورا اخرى ليست في حسبان المادية التاريخية؟!...
من الملفت للنظر أن المصادر الماركسية، بالرغم من ان
المفروض بها أنها
تؤمن بالمادية التاريخية التي تقول بضرورة مرور كل
مجتمع بالعهود الخمسة المعروفة. غير أننا نجد ظاهرتين
تنافيان هذا الاتجاه.
الظاهرة الأولى: إن المصادر الماركسية تمثل لعهد الرف
ببعض المجتمعات (كالدولة الرومابية
واليونابية) وتمثل لعهد الراسمالية بمجتمعات
أخرى (كفرنسا وانكلترا والمانيا) وتمثل لعهد الاشتراكية بمجتمعات غيرها (كروسيا والصين). فما تفسير ذلك؟!...
ولمو كانت كل هذه المجتمعات قد مرت بكل هذه العهود، لصح
التمثيل
بكل واحد منها على غيرتعيين... ولكن حين تجد الماركسية
ان مواصفاا ت عهد معيئ، كالرق مثلا غيرمتوفر، كما
ينبغي في مجتمع معين، كاط لرق في فرنسا او
الراسمالية في روسيا او الاشتراكية في إيطاليا- مثلا-... فإنها تهمل
التمثيل بها إهمالا... وهلم جرا!!...
ولم يتفق للماركسية ان مثلت لعهدين متتابعين في مجتمع
معين غيرعهدي
" الاقطاع والرأسمالية اللذان مرا على التتابع في
أوروبا الغربية، كفرنسا والمانيا وا نكلترا.
الظاهرة الثانية: إن المصادر الماركسية، وبخاصة
المتأخرة منها، تعترف
237
بوضوج بعدم مرور بعض المجتمعال! ببعض العهود الخمسة
بالمرة.
قال كوفالسون:
" إن اليونان وروما القديمة هما ذلك " الموديل " لمجتمع العبودية الذين يحكمون بموجبه
احيانا على كامل مرحلة الأزمنة الغابرة. ولكن هذا
الموقف غيردقيق تاريخيا. ففي مصر والهند والصين، سار
التطور في الأزمنة الغابرة بأشكال مختلفة بعض
الشيء، فإن العبودية لم تتطور هناك بمثل ذلك الاتساع الذي
تطورت به في اليونان وروما لما (1).
إذن فمصر والهند والصين، لم تمر بعصر الرق، بالشكل الذي
مرت به
روما واليونان. ولا يصح جعل هذين نموذجا عاما، كما فعل
الماركسيون الأقدمون بما فيهم أنجلز نفسه.
وقال مصدر آخر:
" أما في البلدان الاشتراكية الأخرى (غير الاتحاد
السوفياتي) فقد جرى التصنيع في ظروف اكـز ملائمة. ولم
يتطلب التصنيع هناك توترأ وشدة في العمك، كـما كان
الأمر في الاتحاد السوفيتي، ولم يكن التطويق
الراسمالي موجودا. وذلك لأنه كانث قد تشكلت المنظومة الاشتراكية
العالمية للاقتصاد وكان الصراع الطبقي قد جرى بأشكال أقل حدة " (2). وقال لينين:
(/ لقد طرحت المسألة بالشكل التالي: هل يمكننا أن نعتبر
أن التأكيد القائل بأن المرحلة الراسمالية في تطور
الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخرة
التي تتحرر الآن، والتي نلاحظ في أوساطها بعد الحرب
حركة في اتجاه التقدم، هوتأكيد صحيح. وقد كان جوابا على هذا السؤال سلبيا. فإذا ما قامت البروليتاريا الثورية الظافرة بدعاية منتظمة، بين هذه الشعوب، واذا ما ساعدخها الحكومات السرفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها، عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بأن مرحلة التطور الرأسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للأقوام المتأخرة " (3).
وعلق المصدر السابق المنار إليه، على كلام لينين هذا،
قائلا:
" وأثبت التطبيق التاريخي صحة تعاليم لينين بشأن
إمكانية انتقال البلدان المتخلفة إلى الاشتراكية دون
المرور بمرحلة الرأسمالية المتطورة. ففي الاتحاد
السوفييتي- مثلا انتقلت شعوب جمهوريات اسيا الوسطى واقصى
الشمال إلى الاشتراكية بالاعتماد على مساعدة الطبقة (1) المادية التاريخية: كوفالسون،
كيلله ص 628.
(2) الاقتصاد السياسي للامشراكية ص 31.
(3) محارات: ليين جى 4 ص 158.
238
العاملة الروسية وبدون المرور بالرأسمالية. وقطعت
منغوليا هذا الطريق نفسه دا (1). وذكر- ايضا- بعغالأمثلة
الأخرى.
ولم يشعر الماركسيون أن هذأ التطبيق التاريخى في
الواقع، قد أثبت كذب
المادية التاريخية وقوانينها العامة، وتجريداتها
التفصيلية، التي تؤكد بكل وضوح على ضرورة مرور كل مجتمع
بالعهود الخمسة كاملة... وتعطي لذلك مبرراتها الكاملة التي
عرفناها.
ولئن أمكن تخلف بعض العهود عن بعض المجتمعات، وتخلف
تطور وسائل الانتاج عن التأثي، امكن ايضا، تخلف
العهد الاشتراكي عن الوجود ايضا. فلا يكون وجوده
ضروريا، كـما أكدت عليه المادية التاريخية.
وهل يمكن للماركسية أدن تقول: ان نقيض الاقطاع في فرنسا
هو
الراسمالية وفي منغوليا هو الاشتراكية؟!...
إن عددا من البلدان مرت بظروف خارجية، لا تمت إلى
تطوروسائل الانتاج الداخلية فيها بصلة... فغيرت
من أنظمتها العامة، كتطور المجتمع الروماني من
الرق إلى الاقطاع نتيجة للفتح الجرماني، كـما سمعنا،
وكمنغوليا وكوريا الشمالية وفيتنام الشمالية في تحولها بدون المرور بعهد الوأسمالية، نتيجة للتدخل السوفييتي الخارجي.
إن هذا التدخل سبب " سلس يا
غيرديالكتيكي، يقلب المجتمع من أي
عهد إلى أي عهد، كـما شاء له الهوى، اوكـما شاء الغزاة
والمتدخلون.
فكما يمكن ان يتغير المجتمع نتيجة له، من الاقطاع إلى
الاشتراكية، كذلك يمكن تغييره من الرق إلى
الاشتراكية، كما قد يكون هو الحال في كوريا
وفيتنام... فتنخرم تشكيلتان أو عهدان للمادية التاريخية.
ويمكن لمنطق القوة أن يعكس الأمر، رغما على تطور وسائل
الانتاج فيعود المجتمع من الاشتراكية إلى
الراسمالية، كـما حدث في عدد من " الثورات المضادة
يا في اصطلاح الاشتراكيين.
وإذا نظرنا إلى الرأسمالية الاوروبية نجد عدة ظواهر
مخالفة لما قالته الفكرة
(1) الاقتصاد السياسي للاشتراكية.
239
التجريدية الماركسية، يحسن ان نستعرض المهم منها فيما
يلي:
الظاهرة الأولى: إن وجود الرأسمالية لأول مرة، لم يكن
مستندا بشكل
كامل إلى المانيوفاكتورات، كـما يقول التجريد الماركسي،
بل هناك أمور أخرى وطبقات غيرها ساعدت على ذلك
ايضا.
قال ستالين:
" وهناك إلى جانب الملكية الخاصة لألمحوات
الانتاج، ملكية الفلاح والحرفي الخاصة لأدوات
الانتاج بعد أن حرروا من القنانة. فقد كانت هذه ا املكية
المؤسسة على العمل الشخصي منتشرة انتشارا وإسعأ في بادىء الأمر.
وحلت الفبارك والمعامل العظيمة المجهزة بالآلات محل ورشات
الحرفيين والمانيوفاكتورات " (1).
وكل هذه الأمور التي عددها ستالن، كان لها قسط من
المشاركة في زوال
ا لا قطاع.
الظاهرة الثانية: ان التجريد الماركسي يميل إلى القول: بأن الرأسمالية الصغيرة الي وجدت على اطلال الاقطاع، كالمانيوفاكتورات، قد تحولت إلى رأسماليات واسعة نتيجة لتطور وسائل الانتاج.
وبذلك يكون التجريد الماركسي قد اهمل عنصرا مهما، هو
ظرف التقدم العلمي والفكري الذي مرت به أوروبا، وهو
الذى أوجد المعامل العظيمة والمصانع الكبرى، واكتشف
الكهرباء والذرة والقوة الالكتروبية... ولولا هذا ا!كرالعملي
لبقيت المانيوفاكتورات الحرفية عك حالها إلى العصر الحاضر.
وهذا التطور الفكري لا يتعين مرور كل المجتمعات به، بل من
المظنون جدا، ان اغلب المجتمعات لا تتمكن من المرور به ة إذن، فشكل حدوث الوأسمالية وتطورها في اوروبا سوف يختلف اختلافا جوهريا ضخما عن سائر المجتمعات، خلافا للتجريد الماركسي التقليدي.
الظاهرة الثالثة: ان التجريد الماركسي يميل إلى اقتران
الاستعمار بالراسمالية على طول الخط، فهل هذا
صحيح؟...
إن الاستعمار وجد في اوروبا قبل حصول الرأسمالية بعدة
قرون، متمثلا بالحروب امرر4، التي وجدت إبان عصر
الاقطاع، والتي غزت بها اوروبا الشعرق
الاسلامي بكل ثقلها.
(1) المادية الديالكتيكية لستالين ص 51.
240
كـما ان بلدانا رأسمالية عديدة لم تفكر بالاستعمار،
كالهند وإيران وتركيا
(بعد العثمانيين!. فانها لم تفكر بغزو العالم للتسويق
ولا لأي غرض اخر؟ وإنما تسوق منتجاتها عن طريق
العلاقات الحرة بين الدول.
إن الاستعمار نتيجة لظروف معينة فكرية وعسكرية
واقتصادية للبلد
الفاعل للاستعمار، وهذه الظروف قد لا تتوفر في البلد
الرأسمالي بصفته راسماليا، فلا يفكر في الاستعمار.
كما ان الاستعمار غير خاص بالعهد الرأسمالي، بل هو شامل
للعهد الاشتراكي أيضا. وقد سمعنا من لينين
قبل قليل قوله:
" فإفا ما قامت البروليتاريا الثورية الظافرة
بدعاية منتظمة بين هذه الشعوب وإذا ما ساعدتها الحكومات
السوفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها... الخ ".
إن هذه المساعدة الضخمة نوع من أنواع الاستعمار أيضا،
وله نفس المبررات الرأسمالية! وهو التسويق
العالمي، مضافا إلى التأثير العقائدي
والعاطفي ايضا، أي الاستعمار الفكري إلى جانب الاستعمار الأقتصادي، وهو جانب تفقده الرأسمالية، وقد استطاعت الدول الاشتراكية أن تضيفه إلى ذلك.
ولا زلنا نرى في العالم دولا اشتراكية تميل للاتحاد
السوفييتي، ودولا اشتراكية تميل للصين، فما السر
في ذلك غير المساعدة الاستعمارية المستترة. الظاهرة
الرابعة: ان التجريد الماركسي يميل إلى الاعتقاد
إلى أن استمرار الرأسمالية يكون كابحا ومانعا عن تطور وسائل
الانتافي، وان الأطوار الجديدة طذه الوسائل لا تكون في مصلحة الرأسماليين بل في مصلحة الاشتراكيين المتمثلن بالبروليتاريا أول ا أ؟ مر. ومق ثم يكون زوال الرأسمالية محتوما طبقا لقواعد المادية التاريخية.
وقد سمعنا كوفالسون يقول:
لا إن الحفاظ على الملكية الرأسمالية الخاصة يكبح تطور
القوى المنتجة والمجتمع كله،
ويؤزم نضال البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية، بوصفه
تعبيرا عن تناقض الرأسمالية ا لأسا سي " (1).
إلا أد لواقع التاريحي المعاصر، مخالف لهذا الكلام. فإد
وسائل الانتاج
(1) المادية الناريخية: كوفالسون وكيلله ص 135.
241
انتقلت في عهد الرأسمالية الاوروبية التي صار لها ثلاثة
قرون من الآلة البخارية إلى الكهربائية إلى
الذرية والالكتروبية، واستعملت في سبيل
الانتاج طرق علمية فيزيائية وكيميائية وغيرها مما لا يحصى. ومع ذلك حافظت الراسمالية على وجودها وازدهارها.
ان الراسماليين هم الذين يواصلون اختراع هذه الآلات
وتطويرها. ولم
يكن في وضعهم الاجتماعي او الاقتصادى كابح او مانع عن
ذلك. كـما ان الآلة الجديدة لم تصبح في مصلحة
البروليتاريا اكثر من غيرها، ولا يتعين عليها
أن تعيش في مجتمع اشتراكي. انها تحتاج إلى من يديرها، سواء كان
راسماليا أو اشتراكيا او اي شيء آخر. ان الخبرة العلمية هي المناط في ذلك دون الفكر العقائدي. ومن هنا ترى ان الدول الراسمالية والاشتراكية معا تطور وسائل إنتاجها، ولها!أ هذا التطور مستوى متشابه تقريبا (1).
وكلاهما بالرغم من تطورهما لم يتحولا عما هما عليه، فلا
الدول الرأسمالية أصبحت إشتراكية، ولا الدول
الاشتراكية اصبحت شيوعية (اعني الطور الأعلى) وبمي الحال، خلافا
لقواعد المادية التاريخية.
واما حديث تأزم النضال مع البروليتاريا، فهو واضح
المجافات للواقع،
إذ بغض النظر عن الدعاية الشيوعية في البلدان
الراسمالية، والأموال والجهود التي تبذل عليها...
فإن البلدان الراسمالية قد كفلت حياة الضعفاء إلى
درجة معقولة، و(ن لم تكن كاملة... متمثلا بالنقابات والضمان
الاجتماعي وحق الاضراب وحق المطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل، تمثيل العمال بالمجالس النيابية، وغيرذلك. ولا يمكن للرأي العام ان يؤكد ان ضمان العمال في الدول الاشتراكية اكبر منه في الدول الرأسمالية.
ومن الواضح، أن هذه الضمانات الموجودة للعمال في الدول
الراسمالية
تكون موجبة لتخفيف المأزم في النضال لا لشدته، بالرغم من
تطور وسائل الانتاج.
(1) وقد اقتض هذا المستوى المتثابه الاشتراكية هنا
والرأسمالية هناك، على خلاف قواعد المادية
التاريخية أيضأ.
242
المرحلة الثانية
القيمة الأساسية للرأسمالية ماركسيا
-1-
لماذا يعتبر ماركس والماركسيون الرأسمالية نظاما غير
صحيح، يجب تغييره والاجهاز عليه.
قد يقول القائل: ان الماركسية، طبقا لقواعد ماديتها
التاريخية، تعتبر الراسمالية " عهدا لما أو تشكيلة موقوفة على تطور وسائل الانتاج،
والطبقة المرتبطة اقتصاديا بالوسائل المتطورة، وسوف يأتي الوقت الذي تبلغ به وسائل الانتاج مستوى معينا يوجب تغيير المجتمع الراسمالي إلى الاشتراكية... بواسطة النضال الطبقي المرير!!...
إن الماركسية يمكنها أن تكتفي بهذه الفكرة، كـما اكتفت
بها- بشكل عام-
في العهود السابقة، إلا أ ا، مازكس نفسه لا يريد
الاكتفاء بذلك، فإن وضحع الراسمالية أوسع وأعمق من
ذلك، والعواطف التي يراد توجيهها ضدها لا بد أن
تكون كبيرة جديا تستغرق القلب والعقل معا. والاشتراكية التي يراد
بناؤ ها عالميا على أنقاض الرأسمالية، لا بد أن تكون
عميقة ومدعمة بالأدلة الدامغة الواضحة على صحتها وأصالتها.
ومن ثم حاول ماركس في كتابه " راس المال يا أن
يبرهن رياضيا على وجود
عيب أساسي في الرأسمالية، يجعلها غير صالحة للبقاء،
ويؤزم النضال بينها وبين طبقة العمال البروليتاريين.
ولايكـون هذا العيب مـوجودا في
الاشتراكية... ومن هنا ينبغي ألا يكول! لها وراثة المجتمع.
وهذا العيب الأساسي هو ان الرأسمالية مبتنية على وجود
فائض القيمة أو
القيمة الزائدة، من حيث كونها معبرة عن الربح الذي
يسرقه صاحب العمل من
243
العامل وبه تتكون الراسمالية وبدونه لا توجد راسمالية.
وهو يعرضها في كتابه مرارا وبأساليب مختلفة، ويعرض
كثيرا من خصائصها برايه... إلى حد يمكن القول ان
هذا الكتاب على ضخامته، مكرس لايضاح هذه النظرية
بالذات.
إن ماركس بعد أن يؤسس رايه في ان العامل يبيع لصاحب
المال قوة عمله، المتمثلة بكيانه الجسمي القادر
على إيجاد العمل المطلوب. ويصرف في العمل مقدارا من الطاقة ما
يوازي مقدار الأجر (الذي يوازي في العادة
مقدار حاجته إلى استرجاع الطاقة التي بذلها في العمل) بحيث يعود في اليوم
الاتي وقد استرجع كل قوته المصروفة، ليستأنف العمل من
جديد.
... يقول ماركس فيما يقول:
(إن القيمة اليومية لقوة العمل تساوي 3 شلنات. ذلك لأنه
يلزم نصف نهارمن العمل
لانتاج هذه انقوة يوميأ. يعني أن وسائل المعيشة
الضرورية لحفظ العامل يوميا نصف نهار من العمل... إن
تكاليف القوة تعيئ قيمتها التبادلية، أما إنفاق
القوة، فيؤلف قيمتها الاستعمالية. فإذا كان نصف نهار من
العمل يكفي لاعالة العامل خلال أربع وعشرين ساعة، فلا يترتب على
هذا انه لا يستطيع ان يعمل نهارأ كاملا.
إن القيمة التي تملكها قوة العمل والقوة التي تستطيع ان
توجدها، تختلفان- إذن- من
حيث القياس. وهذا الاختلاف في القيمة هو الذي كان
الرأسمالي يضعه نصب عينيه حين اشترى قوة العمل.
... إن الرجل صاحـب الدنانير قد دفع ثمن القيمة اليومية
لقوة العمل، فهو يملك
- إذن- استخدامها خلال نهاهـ، يعني عمل نهار كامل. اما
كون الحفظ اليومي لهذه القوة لا يكلف إلا نصف
نهار من العمل، على الرغم من انها تستطيع
اد تعمل خلال النهار بكامله. يعيئ أن القيمة التي يوجدها
استخدامها خلاك نهار واحد هوضعف قيمتها الخاصة. فهذا حظ سعيد، بصورة خاصة، بالنسبة إلى المشتري (الرأسماقي)، ولكنه لا يمس في شيء حق الباثع (العامل).
لقد أدرك صاحبنا الرأسمالي هذا الأمر قبل وقوعه، وهذا
ما يضحكه.
والعامل يجد
- إذن- في المعمل وسائل الانتاح الضرورية لنهار عمل
مؤلف من ست ساعات، و(نما من اثنتي عشرة ساعة.
وبما ان 10 ليبرأت من القطن قد امتصت 6 ساعات من العمل
وتحولت إلى
10 ليبرات
من خيوط الغزل ة فإن 20 ليبرة من القطن سوف تمتص اثنتي
عثرة ساعة من العمل وتتحول إلى 20 ليبرة من خيوط
الغزل. فلنفحص الآن منتوج العمل الممتد: ان الى 20
ليبرة من
244
خيوط الغزل تتضمن خمسة نهارات من العمل، منها أربعة نهارات
تجسدت في القطن وفي المغازل المستهلكة وواحد
امتصه القطن أثناء عملية الغزل ومن المعلوم ان
التعبير النقدي عن خمسة نهارات من العمل هو 30 شلنا. هذا هو- إذن- ثمن
الى 20 ليبرة من خيوط الغزل. ان ليبرة خيوط الغزل
تكلف أولا وأخيرا شلنا واحدا وستة دراهم. ولكن مجموع قيمة
البضائبم المستخدمة في العملية ا تكن تتجاوز 27 شلنا، وقيمة خيوط الغزل تبلغ 30 شلنأ. ان قيمة المنتوج قد ازدادت 91 من القيمة المدفوعة لانتاجه. لقد ولدت قيمة زائدة ممدراها 3 شلنات. لقد تمت الدورة، لقد تحول المال إلى رأس مال " (1).
(إن وقت الاستثمار (العمل) يقسم إلى فقرتين: وفي خلال
إحداهما لا ينتج شغل قوة العمل إلا معا، ولا
لثمنها. وفي خلال الأخرى يكون شغل العامل
مجانيا، ويدر على الرأسمالي، بالتالي، قيمة لم يقدم لقاعصا أي معادل قيمة لا تكلفه شيئا. وبهذا المعنى يمكن ان يسمى العمل الزائد الذي يستمد منه القيمة الزائدة عملا أ يدفع ثمنه.
... إن كل قيمة زائدة، مهما كان شكلها الخاص:- الربح،
الفائدة، الدخل،
الخ- هي، بصورة جوهرية، تحويل عمل غير مدفوع ثمنه إلى
مادة. !
إن سر قوة رأس المال السياسية كله قائم في هذا الواقع
البسيط، وهو أن رأس المال يتصرف بكمية معينة من عمل
الآخرين لم يدفع ثمنه لا (2).
" لقد اشتغل العامل- إذن- نصف النهار لنفسه،
والنصف الآخر للرأسمالي " (3).
هذا اوضح ما يقوله ماركس عن نظريته.
ثم يحاول ماركس أن يبين ان القيمة الزائدة قد تتضاعف
تحت ظروف
معينة كثير منها اعتيادي، كزيادة عدد العمال، وزيادة الانتاج، وزيادة ساعات العمل، وغير ذلك. ولا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها.
(1) راس المال، لماركسي2 ص 262 وما بعدها. (2) المصدر
جى 4 صر 756 وما بعدها.
(3! المصدرة2 ص 395.
245
مناتشة القيمة الزائدة
-1-
تتتضمن هذه النظرية عدة أسس موضوعية، لا بد من الفرل! من
صحتها
من اجل تصحيح النظرية. وقد فرغ ماركس فعلا مما التفت
إليه من الأسس ولكننا لا بد ان نعرضها جميعا ونفحصها
مليا لنتأكد من صحتها قبل التسليم بصحة النظرية...
ويكفي كما تزييف النظرية البرهنة على عدم صحة أساس
واحد منها، فضلا عن اكثر من واحد. بل يكفي مجرد الشك في صحة أي نها وعدم ثبوته بالدليل، للشك في صحة أصل النظرية.
الأساس الأول: إن العمل هو أشاس القيمة التبادلسة
للأشياء عموما، وبدونه لا يكتسب الشيء اية قيمة،
كالأراضي البوار والمعادن غيى المستخرجة
والغابات الطبيعية ونحو ذلك.
وهذه نظرية تبناها ماركس، وحاول البرفنة عليها يا الفصل
الأول من
كتابه " راس المال " ومنه صارت إلى الماركسيين عموما وبها تصبح نتيجة العمل
للعامل، فيكون استيلاء صاحب المال عليه بدون استحقاق.
إلا ان هذه النظرية تواجه عدة مصاعب تمنع من الأخذ بها،
لأنها تعجز
عن تفسير عدة أمور:
أولا: تفسير ارتفاع قيمة المخطوطات النادرة، مع كون
العمل على كتابتها لا يمثل إلا جزءاضئيلا جدا من
قيمتها.
ثانيا: تفسير ارتفاع التحف القديمة والمجوهرات
وامثالها، مما يكون قيمتها التبادلية أضعاف
العمل المبذول فيها. فإن العمل في الأحجار الكريمة
موكول إلى الطبيعة نفسها، وليس للانسان تجاهها إلا العمل الضئيل، الذي لا يمكن أن يمثل قيمتها التبادليه بحال...
ثالثا: تفسير اختلاف القيمة الاستعمالية باختلاف الحاجة
إلى الشيء،
تتناسب معها تناسبا طرديا. فالماء الواحد المبذول عليه
عمل واحد، يكتسب إلى جانب عين الماء قيمة
غيرالقيمة التي يكتسبها وهو في الصحراء. إن
هذا الفرق الكبير لايعود إلى العمل، كـما هو معلوم.
رابعا: تفسير الفرق بين العمل الفني الجيد والعمل
الرديء، إذا كان مساويا له في الزمن وفي الطاقة أو قوة
العمل المبذولة. فإن لهما بحسب منطوق النظرية قيمة
واحدة، فإذا استهلك العمل الرديء قوه اكثر كان اعلى
قيمة من العمل الجيد... وهذا مما لا يمكن ان يكون صحيحا بأي حال.
إلى غيرذلك، مما يطول بنا ألمقام في تفصيله، فليرجع
القارىء إلى المصادر المفصلة لذلك.
إن البديل عن العمل في الموردين الأولن هو الندرة
النسبية (بالمعنى المطلق). وفي المورد الثالث هو الندرة
الشخصية... وفي المورد الرابع هو الأهمية، وهي
ترجع بمعنى آخر إلى الندرة.
وليست الندرة بمجردها كافية في زيادة القيمة، وإنما
تعطي الندرة جوا
نفسيا خاصا للمشترين، بحيث يكونون على استعداد لدفع
القيمة الأعلى، ومع استعداد المشترتي للدفع، يكون
البائع مستعدا نفسيا للقبض بل راغبا به
وطالبا له لا محالة... فهذ! الجو ألننسي هو السبب الحقيقي المشترك بين هذه الموارد. وهو يتوفر في مورد ندرة البضاعة، ومورد تضخم النقد، ومورد زيادة الحاجة، الشخصبة والجامة (كالحاجة إلى الدواء ايام الوباء)، وهو أمر لا يختلف فيه (العروض ") عن (النقد) عن (العمل) عن (قوة العمل). فإنها
جميعا تكون أغلى مع وجود الجو النفسي
المشار إليه وتكون ارخص (في إحدى القيمتن التبادلية أو الاستعمالية)
مع ضئآلته... على تفصيل لا يسعه المقام.
-3-
الأساس الثاني: إن الشيء الذي يملكه العامل، هوقوة
العمل لا العمل نفسه. وهو ما راه كارل ماركس واكده في
كتابه، وحاول شرحه في أحد فصول الجزء الثاني منه (1).
قال:
(1) ص 228 منه.
247
" ويجب أن نفهم من هذا الاسم مجموع الخصائص
الجسمانية والذهنية الموجودة ني جسم إنسان
من الناس في شخصيته الحية، والتي عليه أن يحركها لينتج
أشياء نافعة... ان مالك النقد ومالك قوة العيل يلتقيان في
السوث ويدخلان في علاقة مع بعض، مبادلن لهما الصفة نفسها. وهما
لا يختلفان إلا في هذا: أن أحدهما يشتري والآخريبيع، وكلاهما- لهذا
السبب نفسه- شخصان متساويان حقوقيا يا (1).
ومن الطريف أننا نجد الن ماركس يأخذ هذا الأمر افتراضا
مسلما من دون
ان يحاول البرهنة عليه... وكأنه يحيل البرهان عليه او
القناعة به إلى ذمة القارىء. وهوأسلوب لا يكفي
للاثبات، كما هومعلوم. إن كل شيء يلا دليل
عليه فهو مرفوض لا اي علم.
ونجد- أيضا- من الماركسية التأكيد على العمل بوصفه
شميئا ذا قيمة
وقابلأ بغض النظر عن قوة العمل.
انظر مثلأ قول انجلز:
" إن العمل سلعة مثل غيرها، وسعرها- بالتالي- إنما
يتحدد بالضبط وفق اليقوانين
ذاتها التي يتحدد بها سعر كل سلعة اخرى" (2).
وقد رتب انجلز على رايه هذا نفس النتائج التي يريدها
ماركس، إذ اضاف:
" وسعر سلعة ني ظل سيادة الصناعة الكبيرة أو
المنافسة الحرة...
مساو وسيطا على الدوام لكلفة إنتاج هذه السلعة، و (ذن،
فإن سعر العمل مساو هوأيضا لكلفة إنتاج العمل،
ولكن كلفة إنتاج العمل تتألف بالضبط من
كمية وسائل الرزق الضرورية لجعل العامل في حالة تمكنه من متابعة العمل وتحاشي موت الطبقة العاملة، (3).
فقد جعل، وسائل الرزق الضرورية رصيدا للعمل نفسه
مباشرة، بلا
حاجة إلى توسيط القوة. وهذا هو الأقرب إلى الفهم
الطبيعي على أي حال. ومن هذا الرصيد يمكن الانطلاق إلى
فهم القيمة الزائدة، لو سرنا حسب تسلسل
تفكيرماركس.
على أن هذه ا لنظرية لا تصمد للنقد، ولا تخلومن
المصاعب، نذكرطرفا
منها فيمايلي ة
(1) راس المال جى 2 ص 228.
(2) نصوص مختارة: انجلزص 36.
(3) المصدر والصفحه.
248
الصعوبة الأولى: إن على هذه النظرية ب ن الفرق بين
العمل الفني وغيره، إذا كان زمنهما واحدا، فإن
القوة المبذولة وربما واحدة، وقيمتهما
مختلفة.
الصعوبة الثانية: إن القوة المبذولة في العمل المتشابه
مضمونا ووقتا، قد
لا تكون متساوية، بل تختلف- بالضرورة- بين إنسان
وإنسان، من حيث الصحة والمرض ومن حيث العمر (كالشباب
والشيخوخة) ومن حيث اتصاف الفرد بالتعب أو انشغال
الذهن ونحو ذلك، فإذا كانت القيمة عائدة إلى القوة لا
إلى العمل، كان اللازم الاختلاف هنا في القيمة مع انه خلاف الوجدان.
الصعوبة الثالثة: إن القوة البدنية تنقص بالعمل وتحتاح إلى
تعويض بمقدارعض ه شلنات في اليوم ليعود العامل نشيطا يخأ اليوم
التالي، على ما قال ماركس واما الخبرة العلمية او القوة الذهنية، فلا معنى لنقصانها، فهل تكون مجانية مع أنها الجزء الأساسي للعمل، وتختلف قيمته بزيادة الخبرة بطبيعة الحال. الصعوبة الرابعة: إن قوة العمل المتمثلة بشخص العامل لا معنى لبيعها، وينبغي أن يعترف ماركمس أنه لا يصبح صاحب المال مالكا لجزء من الشخصية الحية للعامل. كل ما في الأمر أنه نتيجة للمعاقدة يصبح صاحب المال مستحقا لعمل يوم واحد مثلا، وتعود قوة العمل كرصيد له مرة أخرى.
الأساس المالد: إن ماركس يفترض أن قيمة قوة العمل هو
المقدار من
الطعام الذي يكفل للعامل إرجاع القوة بعد صرفها... وهو
عشرة شلنات في اليوم في مثال ماركس. وهو يتمثل
بالأجر الذي يأخذه العامل يوميا من الراسمالي.
ويترتب على ذلك: أن العامل يصرف من القوة يا اليوم ضعف ما يأخذ
من الأجر، فيكون قد عمل نصف النهار بالأجر ونصف النهار مجانا. ومعنى
ذلك ان الرأسمالي لا يدفع إلى العامل إلا ما يقوته يوميا، وإلا
فإنه
لو ضاعف له الأجر لكان على ماركس أن يعترف أنه ادى له
ما يقابل عمله اليومي تماما.
وهذه الحقيقة، وهي أن صاحب المال لايدفع إلا مقدار ما
يقوله يوميا... قد تكون منطبقة على
الرأسمالية الأولى بوجودها التاريخي السابق، حين
كان يستخدم العامل اكبر مقدار ممكن من الوقت في اقل مقدار ممكن
من
249
الأجر، ولكنها غير منطبقة على الوضع الحالي الا حين
السست نقابات العمال واعطوا حق المطالبة برفع الأجور
وممارسة الاضراب والضغط على الشركات
والسلطات بمختلف الأساليب.
ولولا سوء التصرف والجشع المسيطر على السوق، لما بقي- بعد
هذه
الضمانال!- إلا كسمر قليل من الربح تنازل عنه العامل
بمحض حريته لصاحب العمل. فإن صحت نظرية ماركس في
كوكأ العامل مالكا، فإنها لا تستطيع أن
تمنعه عن التنازل عن بعض ما يملك بإرادته.
ومن الطريف الذي لا يمكن للماركسية أن تلتفت إليه إلا
بصوت خاص،
هوأن هذه الحقيقة الراسمالية، وهي الاقتصار على دفع
القوت اليومي للعامل، منطبقة على القاعدة التي قالت
الماركسية بتطبيمها في الطور الشيوعي
الأعلى: وهي: من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته. فإنءحنى ذلك بكل وضوح هو استخدام العامل أكبر مقدار ممكن، بمقدار كل طاقته، وإعطاؤه ما يقوته ويلم بحاجته فقط، إذا فهمنا من الحاجة ما كان من الضروريات دون الكماليات، على ما سيأتي عند الحديث عن الطور الأعلى.
ومعه تكون نظرية القيمة الفائضة منطبقة على الطور
الشيوعي الأعلى، كانطباقها على الرأسمالية. وكل الفرق
ما بينهما، هو اختلاف صاحب المال ليس إلا... وأما
من حيث كون العامل يعطى أكثر مما يأخذ، فسواء بينهما.
الأساس الرابع: التسليم بالمفهوم المطلق للظلم.
فإن ماركس حين يعترض على الرأسمالي أخذ القيمة الفائضة
ويعتبرها
شيئا غير صحيح وغير مشروع... وان النظام الرأسمالي
القائم على هذا الأسا"س نظام فاسد، فمن
حقنا أن نسأله: إن هذا الفساد وعدم المشروعية،
من اين جاء9،ئي منطق تسجل؟!...
فإنه لو!!ان عندنا مفهوم مطلق للظلم والعدل والصحة
والفساد والمشروعية
وعدم المشروعية. لقلنا عن الراسماليه انها ظالمة وفاسدة وغيرم!نروعة، كـما هى تستحق له فعلا. ولكن الماركسية لا تعترف بذلك، انها- كـما عرفنا- تعتبر القيم الأخلاقية قيما مرحلية مرتبطة بما يرتبط به المجتمع على وجه العموم من تطور وسائل الانتاج وعلاقاته. وان هذه المفاهيم مهما بدت بعيدة الارتباط بالجانب
250
الاقتصادي، فانها لا بد صخائرة إليه وراجعة عليه، لأنه
المحرك الأساسي للتاريخ البشري.
ينتج من ذلك: ان كل مرحلة تاريخية تشيع فيها تقييمات
ومفاهيم معينة،
تتغير بالضرورة عند ارتفاع تلك المرحلة وتبدلها
بالقانون الماركسي العام. فما يكون فاسدا وغير مشروع في
مرحلة، قد يصبح صالحا ومشروعا وعادلا في
مرحلة أخرى، وبالعكس.
إذن، يمكن القول من هذه الزاوية، بكل وضوح، ان اخذ
الميمة الزائدة، هعب في عصر الراسمالية شيء صالح ومشروع
وفي عهد الاشتراكية شيء غيرمشم وع، والراسممالي
حين يأخذ هذه القيمة من العامل، فإنه يعمل شيئا مشروعا
وصحيحا في حدود مرحلتد ونظامه العام، ولا يهتم الراسمالي،
بل لأ يمكنه أن يهتم- من وجهة نظر ماركسية- بالتقييم الاشتراكي
لعمله. وإلت ا كان هذا امرا صحيحا ومشروعا في عصر الراسمالية،
فـما على الفرد
إن كان عليه متبعا له. فإن المسؤولية الكبرى على الفرد
هي أن يتبع كل ما هو مشروع وصحيح، والمفروض ان اخذ
القيمة الزائدة أمر مشروع وصحيح، فلماذا يستحق
الرأسمالي الانتقام؟.
وقد عرفنا من الماركسية انها نفت وجود التفكيرالموضوعي
المجرد، واثبتت
ان كل الأفكار والاراء طبقية وحزبية وتابعة لتطور وسائل
الانتاح...
وهذا شامل للتفكير الراسمالي والاشتراكي معا. فكما ان
الفرد الراسمالي يكون متحيزا عند أخذد القيمة
الزائدة وإدراكه صحة ما يعمل. فكذلك الاشتراكي
يكون متحيزا حـيئ يطعن بهذه القيمة ويدراث عدم
مشروعيتها، بما فيهم كارل ماركس نفسه، ومن الواضح أن فرض الفكرالمتحيز على الاخرين وأخذهم به
امر غير مشروع وغير صحيح.
إن كارل ماركس يفترض ان 62 ليبرة من القطن الخام تساوي
اثنتي عشرة
ساعة من العمل. ولا بد ان ذلك باعتبار جنيه وتصفيته
ونحوذلك من الأعمال المسبقة. فإذا غزل هذا القطن
استهلك خمسة ايام من العمل هي: اليوم المشار إليه
في القطن الخام، مع يوم كامل للغزل وثلاثة باعتبار
استهلاك الالات وغير ذلك من الأعمال الثانوية. فإذا كانت الأجرة المستحقة في اليوم هي 6 شلنات
251
كانت قيمة ليبرة القطن المغزول 35 شلنا.
ولكن الرأسمالي يدفع للعامل 3 شلنات في اليوم هي قيمة
نصف نهاروهذه الشلنات الثلاث هي قيمة قوة عمله
المصروفة في اليوم، لأن ما يعين له قوته على
العمل في اليوم الاتي، هو ما يساوي 3 شلنات ميق الطعام.
إن ماركس يفترض عدد ساعات معينة من العمل تقابل كل " مادة " من
مواد الانتاح: القطن، الغزل، المغازل المستهلكة، قوة
العمل، طعام العامل،... وهذا أمر قد يصح افتراضه
رياضيا، ولكنه من الناحية الواقعية بعيد عن الصحة.
لنأخذ القتلن الخام أولا، الذي يفترض ماركس أن 25 ليبرة
منه تساوي
اثنتي عشزساعة من العمل. فهل هذا صحيح. وأما ما سبق ذلك
من
العمليات قطفه وزرعه وسقيه ثم قبل ذلك حرث الأرض
وتسميدها والبذر، ثم قبل ذلك حفظ البذر من التلف إلى حين
الموسم. إن هذا يساوي عدة اشهر من مختلف الأعمال،
وكلها أعمال ذات قيمة، فلو حفظ لك شخص بذور قطنك لكان
مستحقا عليك أجرا، فضلا عما إذا حرث لك أرضك أو زرعها. وأما الكبس والتحميل
ونحوه مما هو متأخر عن التصفية، فكأننا ينبغي ان نسقطه عن
نظر الاعتبار وإلا زادت ساعات العمل.
بل يمكننا أن نسيرخطوة أكبر لنرى أن بذ. رة القطن التي
استفدنا من قطنها وغزلناه، كانت في شجرة سابقة
عاشت عدة اشهر وبذلت عديها اعمال تحرة. وهي أيضا
نتيجة بذرة سابقة، وهكذا.
إذن، فالقطن يمثل تاريخا طويلا من الأعمال ممتدا
بامتداد تاريخ البشرية.
فكيف ندعي انه يمثل اثنتي. عشرة ساعة من العمل. وكيف
يمكن أن نقبل هذا الافتراض الرياضي من ماركس.
ويمكننا أن نلاحظ نفس الشيء في طعام العامل الذقي يعيد
له القوة والنشاط فإنه يمثل في زراعته وجنيه
أكثر من ست ساعات بكثيى. فضلا عن تاريخ
بذوره الممتدة بامتداد البشرية.
وقوة العمل نفسها، مستندة في وجودها إلى مثل هذا
التاريخ... مضافا
إلى تاريخ آخر وهو ان قوة العمل موجودة لا جسم العامل،
وجسمه له تاريخ بشري ممتد في آبائه واجداده طويل
جدا.
وقل نفس الشيء بالنسبة إلى المغازل المستهلكة. وهكذا
غيرها. فكيف
يمكن لماركس أن يفترض انها تمثل ساعات محددة من العمل.
ولو كانت ساعات العمل هي المقياس للقيمة التبادليه
للشيء، إذن،
ينبغي ان تكون قيمة هذه الأمور مرتفعة جدا، بمقدار
ساعات لعدة اشهر او عدة سنين، إن اسقطنا مجموع التاريخ
البشري عن نظر الاعتبار. وهوما لا يمكن أن يلتزم به أحد.
-7-
يوضح ماركس أن قيمة القطن المغزول منوط تعيينها بمقدار
الساعات التي
بذلت في صنعه، وقيمة هذه الساعات تتحدد بقيمة قوة العمل
التي بذلت خلالها. وقيمة العمل تتحدد بقيمة قوة
العمل أيضا، وكل الخصائمر، تعود عادة إلى قوة العمل.
وقيمة قوة العمل تتحدد بمقدار ما يرجعها صاحبها إلى
جسمه من الطعام.
وقيمة قوة العمل هذه، أو- بتعبير اخر-: ما ينبغي أن
يتقاضاه العامل
بإزاء كل ساعة من قوة العمل أو كل يوم... لا يمكن
الرجوع في تحديدها إلى نتيجتها، وهو القطن
المغزول، لأننا نكون قد بدأنا من حيث انتهينا.
لأننا نكون قد حددنا قيمة القطن بقيمة القوة وقيمة القوة بقيمة
القطن، فلم نصل إلى شيء.
إن ماركس يجيب على ذلك: ان قيمة القوة لا تتحدد بقيمة
القطن، بل
بقيمة الطعام الذي يحتاجه الفرد لرجوع قوة عمله بعد
ففادها. ومن الطريف هنا ان يعتقد ماركس ان هذا
الطعام يمثل نفس مقدار الساعات التي استهلكت
بالعمل المقبوض اجرته. فلو كان العامل قد قبض أجرة ست ساعات، كان
الطعام ممثلا لعمك ست ساعات.
وهذا الافتراض لطيف من الناحية الرياضية، إذ تكون قوة
العمل والطعام والست ساعات والقطن، كليا
متوازية ومتساوية في قيمتها. إلا أنه من
الناحية الواعية غيرهن او بعيد الوقوع، إذ قد يشتري العامل طعاما ممثلا لعدد أقل من ساعات أو أكـز، والأطعمة تختلف يا الساعات التي تحتاج لانتاجها مع العلم أنه قد يكودن ما يرجع قوة العمل في هذا اليوم ممثلا لأربع ساعات، وما يرجعها في اليوم التالي ممثلا لعشر ساعات.
253
-8-
نعرف من تسلسل الفكرة في الفقرة السابقة: ان قيمة
الناتج محددة بقيمة
قوة العمل، وقيمة قوة العمل، محددة بقيمة ما يكون سببا
لرجوعهـا من الأغذية، فمن حقنا أن نسأل، ما إذا
كانت هذه الأغذية ممثلة لقوة عمل بدورها
أولا؟ إن ماركس سوف يجيب بالايجاب. فما الذي يحدد قوة العمل تلك؟
يجيب ماركس: إنها هي الأغذية التي تعيدها إلى حالها الأولى ايضا.
وهذا الأغذية ممثلة لقوة عمل أخرى، وهي بدورها ترجع عن
طريق
اغذية اخرى وهكذا، ولا نستطيع ان نصل إلى قعرس عذه
السلسلة.
إن كل هذه السلسلة من منتوح وقوة عمل، تمثل ساعات محدده
متماثلة
كست ساعات مثلا- بغض النظر عن الاعتراضات السابقة-. ولكن
ما هي القيمة التبادلية لهذه الساعات؟... إنها
تتحدد- مرة أخرى- بقيمة الطعام الذي يرجع القوة
إلى صاحبها، وقيمة الطعام تتحدد مرة اخرى بقوة العمل. وهكذا
نعود إلى نفس السلسلة.
وإذا عدنا إلى السلسلة لم نستطع ان نحدد قيمة شيء
بالمرة، لا الساعات
ولا قوة العمل ولا الطعام، لا اي فقرة من فقرات هذه
السلسلة.
إن ماركس يفترض ان للطعام في السوق قيمة ناجزة، هي التي
تحدد قيمة
العمل التي تحدد بدورها قيمة المنتوت. وهذا التحديد
إنما يصح من زاوية غير ماركسية، حين تتحدد قيمة
الطعام بشيء خارح هذه السلسلة، كالندرة
النسبية او الحاجة الاجتماعية أو الجو النفسي الذي ذكرناه.
وتبدو هذه المشكلة بشكل أصرح، فيما إذا افترضنا ان
اناسا كونوا مجحمعا جديدا، وبذلوا قواهم لانتاح
قماش مثلا، ثم اكلوا طعاما مما حصلوا عليه
طبيعيا، حتى استعادوا قواهم المبذولة في إنتاج القماش.
إننا نستطيع أن نجزم- طبقا لقانون ماركس- أن القماش
وقوة إنتاجه والطعام الذي اكلوه، ذو قيمة وا حدة،
ضي بدورها قيمة الساعات التي بذلت في
الانتاح. ولكن كم هي هذه القيمة؟ هنا يستحيك إعطاء اي تحديد
للقيمة، ما لم نرجع إلى مقياس اخر غير ماركسي.
254
المرحلة الثالثة
أقسام الرأسمالية
تنقسم الرأسمالية، في رأي الماركسيين إلى أقسام ثلاثة
متسلسلة يمهد أحدهـا للاخر، هي:
مرحلة التراكم الأولمط لراس المال.
ومرحلة الراسمالية التنافسية.
ومرحلة الرأسمالية الاحتكارية، وهي الامبريالية.
... لا بد من ذكرها على التوالي مع التأكيد على قيمتها
الماركسية، ومناقشتها.
5 هـ 2
القسم الأولى
مرحلة التراكم الأولمط لرأس المال
-1-
يريد كارل ماركس بالترإكم الأولي لرأس المال، تجمع
الأموال لدى الرأسماليين منذ أول عهد تولدهم،
فصاعدا، ما داموا لم يدخلوا في مرحلة ذات
خصائص جديدة، وهذا واضح.
وإنما المهم... ان ماركس يحاول ان يعطي لذلك قانونه
العام، ويفحص نتائجه بما يملك من دقة. اسمعه يقول:
" والواقع ان جزعا من القيمة الزائدة، هذه الثمرة
السنوية، يأتي سنويا لينظم إلى الراسمال المكتسب، ثم
تكبر هذه الزيادة السنوية هي نفسها كلما
ازداد تضخما الرأسمال العامل. وأخيرا فان الشهوة العنيفة إلى
الربح، إذ! جاءت ظروف ملائمة بصورة استثنائية- كفتح اسواق جديدة
في الخارج وميادين جديدة لتوظيف الرساميل في ا!راخل، الخ- فحرضت
هذه الشهوة، فانها سوف تلقى فجأة أعظم اجزاء المنتوح الصافي في
راسمال تجديد الانتاج، وذلك لكي توسع نطاقه ايضا.
ينتج عن هذا كله، أن كل سنة سوف تقدم لعدد من العمال
الأجراء، يكون اكبر من العدد الذي نال شغلا في العام
السابق... ان تجديد إنتاج الرأسمال ينطوي على
تجديد إنتاج أداته الكبرى التي تثمن من استثماره،
وهي قوة العمل. فتراكم الرأسمال هو- إذن- قي الوقت نفسه، ازدياد الطبقة العاملة دا (1).
ويعيد كارل ماركس إلى الذهن عصر تولد الراسمالية بعد
الاقطاع، الذي
هو عصر هذا التراكم، فيقول:
(1) راس المال: كارل ماركسي3 ق 1 ص 885.
256
لا لقد خرج النظام الاقتصادي الرأسمالي من أحشل! النظام
الاقتصادي الأقطاعي. وانحلال أحدهما ادى إلى
انبثاق العناصر التكوينية للثاني.
... إن الحركة الساريخية التي تحول المنتجين إلى
مأجورين، تظهر-
أذن- بوصفط
تحريرا فم من القنانة، ومن التسلسل الصناعي التدريجي. ومن
الجهة الأخرى، فهؤلاءالمحررون لا يصبحون
بائعين لأشخاصهم إلا بعد أن يصير تجريدهم من
جميع وسائل الانتاج التي كانت بين أيديهم، ومن جميع ضمانات الحياة
التي كان يقدمها لهم النظام القديم. ... وفي تاريخ التراكم
البدائي، تؤلف جميع الثورات التي تخدم بمثابة رافعة التقدبم
للطبقة الرأسمالية الآخذة في ا اضكون، تؤلف جمغ هذه
الثورات أحداثا بارزة كبرى، وخصوصأ تنك التي بتجريدها
جماهير واسعة من وساثلها الانتاجية والوساثل
التقليدية لمعيشتها، تلقيها بغتة في سوق العمل. ولكن أساس هذا التحول
كله، هو نزع ملكية ا لزا رعين " 11).
كما يعيد ماركسر إلى الذهن، ارتباط التراكم الأولي،
بالنظام المانيوفاكتوري التعاوني، الذي كان هو
الشكل الرئيسي للانتاج الرأسمالي في اول عهده...
حيث يقول:
" إن التعاون والتقسيم المانيوفاكتوري، والنظام
الآلي، الخ...
وبكلمة موجزة الطرائق الكفيلة بإطلاق قوى العمل
الجماعي، لا تستطيع الدخول إلا من حيث بدأ
تنفيذ الانتاج على نطاق واسع عظيم إلى حد ما. وكلما
اتسع هذا تطورت تلك ونمت. وعلى أساس العمل بالأجرة تكون سلم العمليات في الدرجة الأولى، رهنا بقياس الرساميل المتراكمة بين أيدي أصحاب المشروعات الخاصة " (2).
وبعطي ماركس رأيه النهائي في قيمة هذا التراكم،
باعتباره راسماليا يتصف بكل ما تتصف به الرأسمالية من
الام وشوزر.
إ إدن تراكم الثروة عند قطب، هو كذلك الفقر والآلام
والجهل والتبلد وا أ، نحطاط
المعنه ي والعبودية، عندالقطبالمقابل، من ناحية الطبقة
التي تنتج الرأسمال نفسه " (3). " وهكذا- إذن- فالذي يكمن في أعماق التراكم الأولي
للرأسمال، في أعماق عملية
نشوئه التاريخية، إنما هو نزع ملكية المنتج المباشر،
وأنحلال الملكية المؤسسة على العمل الشخصي
لمالكها.
... إن نزع ملكية المنتجيئ المباشرين يتم عن طريق
بربرية لا ترحم تشحذها أحقر
(1) المصدرب 3 ق 2 ص 1055. (2) المصدرة3 ق 1 ص 901. (3)
المصدرص
397.
17
257
الدوافع وأسفلها، وأقذر الأهواء واجدرها لمقت في دناتها " (1).
ويحاول ماركس أن يربط وجود الرأسمالية المتمثلة
بالتراكم الأولي بقانون الديالكتيك الذي أسسه هو نفسه
للكون كله.
وهنا- بالضبط نسمعه يقول عبارته المشهورة:
إ إن الاستملاك الرأسمالي المطابق لنمط الانتاج
الراسمالي، يشكل النفي الأول لهذه
المدكية الخاصة التي ليست إلا تابعا للعمل المستقل
والفردي. ولكن الانتاج الراسمالي ينسل هو ذاته نفيه
بالحتمية ذاتها التي تخضع لها تطورات
الطبيعة، انه نفي المنفي، وهو يعيد ليس ملكية الشغيل الخاصة، بل
ملكيته الفردية المؤسسة على مقتنيات ومكاسب العصر الرأسمالي،
وعلى التعاون والملكية المشتركة لجميع وسائل الانتاج بما فيها
الأرض دا (2). وقد اكتسبت هذه العبارة اهمية بصفتها التعرض
الوحيد للديالكتيك،
الذي كتبه ماركس في رأس المال، بالرغم من اهميته في
نظره.
-3-
بعد هذا الايضاح المختصر، للمرحلة الأولى من
الرأسمالية، نصل إلى نهاياتها، حيث لابد لها
تدريجيا ان تتحول إلى المرحلة الثابية.
وهنا نجد كلام كارل ماركس مختصرا ومجملا إلى حد كبير،
إن ماركس قد
عاصر التراكم الأولي للراسمالية، ولم يكتب له البقاء
بعده، ومن هنا اعتبر الوضع ابراسمالي الذي عاصره هو
الراسمالية بقول مطلق. ولم يتصور تطوره إلى مراحل
أعلى إلا لماما.
ومن هنا نرى ماركس قد حمل المرحلة الأولى للراسمالية،
كل المسؤ وليات
التي صبها على الرأسمالية المطلقة، وقد سمعنا طرفا من
ذلك. وكان تعرضه إلى المراحل المتأخرة مختصرا ومن
دون لدليق، لا ان هذه المراحل هل تنطوي على كل
المسؤوليات ايضا أولا؟
بل اننا نستطيع ان نلمس عدم التحديد في إعطاء الصيغة
الكاملة للمرحلة
التي تلي مرحلة التراكم الأولي. فتارة يوضح ماركس بغموض
ان هذه المرحلة هي مرحلة التزاحم الحر او
المزاحمة.
(1) المصدرة3 ق 2 ص 1137.
(2) المصدر نفسه ص 138 1.
258
" وكلما ازدهر التراكم الراسمالي والانتاج
الرأسمالي فان المزاحمة والقرض وهما أقوى عامليئ
من عوامل الت!ركزينطلقان... كـما ان نمواسلوب
الانتاج الراسمالي يخلق أيضا، مع الحاجة الاجتماعية، التسهيلات
التكنيكية لهذه المشروعات الهائلة الضخمة، التي يقتضي تشغيلها
مركزية مسبقة للراسمال ثا (1).
نرى إلى جانب ذلك أيضا، ان ماركس يرى أن المرحلة اللا!ة!لتراكم
هي
الاحتكار الذي عده المفكرون الآخرون مرحلة متأخرة من
الراسمالية تأتي بعد المزاحمة الحرة.
فبينما!ع ماركس يتحدث عن نزع الملكية الذي يحدث في
العصر الرأسمالي الأولي، نراه ينتقل مباشرة إلى
الاحتكار.
قال:
" ونزع الملكية هذا إنما يتم حركة القوانين
الملازمة للانتاج الرأسمالي التي تؤدي إلى تمركز
رؤ وس الأموال.، بصورة مرتبطة ارتباطا متبادلا مع هذا
التمركز، ونزع ملكية العدد الأكبر من الرأسماليي!ن
من قبل الأقلية.
... وكلما تدق عدد سلاطيز الرأسمال الذين يغتصبون جميع
فوائد مرحلة التحول الاجتماعي هذه ويحتكرونها
يتزايد ناميا متعاظما البؤس والاضطهاد
والاستعباد والاسترقاق والانحطاط والاستثمار، ولكن تتزايد ايضا
مقاومه الطبقة العاملة، هذه المقاومة المتعاظمة دوما،... ويصبح
احتكار رأس المال عقبة وعائقا بالنسبة إلى نمط الانتاج الذي
نما وازدهر معه وتحت رعايته " (2).
ويفهم من هذه العبارة التراكم الرأسمالي الأولي، يعقبه
عملية تجريد يقوم
به الرأسماليون الكبار ضد الصغار منهم، وبذلك تتحول
الرأسمالية إلى احتكار بيد هؤلاء الطغمة القليلة. وحيث
يتزايد البؤس في المجتمع يكون ذلك إيذانا بزوال
الرأسماليين، ومن ثم الرأسمالية نفسها طبقا لمفاهيم
المادية التاريخية التي اسسها ماركس نفسه. إذن فالمرحلة الاحتكارية- طبقا للعبارة الأخيرة- كـما هي المرحلة الثانية للرأسمالية، هي المرحلة الأخيرة لها، ولا تكون قابلة للبقاء بعدها. إذن فالراسمالية لا تنقسم إلى اكـز من هاتن المرحلتين.
وستأتي الصورة الأخرى التي يعطيها المفكرون الماركسيون
الاخرون عن الراسمالية، لدى الحديث عن المرحلتين
الأخيرتن منها.
(1) المصدر بر 3 ق 1 ص 905.
(2) المصدرة3 ق 2 ص 1138.
259
مناقشة
مرحلة التراكم الأولي
يمكن ان ننطلق 11 المناقشة حول هذه المرحلة من عدة نقاط:
النقطة الأولى: إخنا بينما نرى ماركس يرى التراكم
الأولي تراكما رأسماليا
بل هو الراسمالية نفسها، نراه في كين الوقت يرى التراكم
الأولي سابقا على التراكم الرأسمالمب.
اسححعه يقول:
" ولكن الترأكم الرأسمايى يفترض مسبقا وجود القيمة
الزائدة، وهذه تفترض مسبقا أن
يخكون ثصة إنتاج رأسمالي. وهو لا يدخل الساحة بدوره،
إلا في انلحظة التي تكون قد تراكمت فيها كتلات من
الرساميل والقوى العمالية تبيغ حدا معينا من
الضخافة، بين ايدي المنتجين البضاعين " (1)
فالتراكم الرأسمالي يسبقه إنتاج رأسمالي، وبدون هذا
الانتاج لا معنى لهذا التراكبم. كما ان الانتاج
الرأسمالي لا معنى له، ما لم تسبقه
تراكمات سابقة ذات حد معاين من الضخامة... هي عبارة أخرى عن التراكمات الأولية التي نتحدث عنها. وهذا يعين ان التراكم الرأسمالي متأخر بالضرورة عن االتراكم الأولي بمرحلتين او أكز: إذن فالتراكم الأولي ليس تراكـما رأسماليا، دانما هو احد أسبابه ليس إلا. إذ لا معنى لأن يكون التراكم الراسمالي مقدمة وسببا للتراكم الرأسمالي نفسه.
! اذا اعتبرنا التراكم الأولي تراكـما رأسماليا متحققا
في المجتمع، إذن فهو
سابق على الانتاج الرأسمالي، فلا حاجة إلى جعل هذا
الانتاح من أسباب وجود هذا الانتاج، كما دلت عليه
عبارة ماركس. بل لا بد حينئذ من التسليم
بأن الانتاج البضاعيءصاف فى إيجاد التراكم.
النقطة الثانية: بينما نرى ماركس يعطي صيغة القانون (التجريدفي)
العام للتراكبم ا الأولي لراس المال... وهدا يعني اد كل
مجتيح حرج من عهد 11) راس الما. ل ة كارل ماركـى!3
ق 2 ص 1050.
الاقطاع لا بد له ان يمر به بصفته المرحلة الأولى من
الرأسمالية.
إلأ اننا حين نرد مع ماركس إلى مرحلة (التطبيق! نجده لا
يجد مثالا لذلك
إلا المجتمع الانكليزي في قطعة معينة من تاريخه، هما
القرنن السابر والثامن عشر.
فبينما يملأ كتابه بالشواهد من ذلك المجتمع، نجده يقول
بصراحة:
" وهذا لم يححقق بعد تحققا تاما جذريا إلا في
انكلترة... ولكن جميع بلدان أوروبة الغربية
الأخرى تجتاز الحركة لفسها، ولكن اللون المحلي لهذه
الحركة يتغيرتبعا لكل بيئة، أو ان هذه الحركة تنضغط في دائرة اضيق
اؤ تعرض أقل بروزا ووضوحا أو تتبع ترتيبا مختلفا" (1).
ينتج من كلامه هذا، أن ما مر به المجتمع الانكليزي من
التحولات،
ليس بالضرورة أن يمر به أي مجتمع آخر، بل يمكن أن يتبع
ترتيبا مختلفا بقليل او بكثير، إذن، فما حسبه
كارل ماركمس قانونا عاما، ليس- باعترافه- قانونا
عاما. وإنما هوتعميم كبير، من مجتمع واحد ليس إلا.
وهذا ما التفت إليه المؤلفون الماركسيون المتأخرون، إذ
نسمع كوفالسون يقول:
" إن كتاب " رأس المال " المؤلف الأساسي بين مؤلفات ماركس جميعها، يتناول تحليل
القوانن الاقتصادية والاجتماعية لعمل وتطور تشكيلة اجتماعية
واحدة هي التشكيلة الرأسما لية.
وبما أن بريطانيا في القرن التاسع عشر، اي في وقت وضع
هذا البحث، بلد الراسمالية الكلاسيكي، فقد دعم
ماركس موضوعات كتابه النظرية بمواد من
حياة هذا البلد- ولكن اتجاهات التطور التي كشفها في الرأسمالية
بوصفها نظامأ اجتماعيأ اقمصاديا، لا تصح بالنسبة ل!بريطانيا
وحسب بل ايضا بالنسبة لأي بلد كان، (2).
ولكن هذا الاعتذار عن ماركس، بتصحيح تعميمه، لا يقره
ماركس نفسه، حيث يرى ان كل بلد يمرفي شكل نحتلف،
ويتبع ترتيبا مختلفا عن الآخر. ولعل من جملة اشكال الاختلاف انه
لايمر في الطور الأول للرأسمالية، أو لايمر
بعهد الراسمالية عموما، كـما سبق ان سمعنا.
الئقطة الثالثة: لا بد لنا ان نلاحظ مقدار انطباق قانون
الديالكتيك
(1) المصدرص 1055.
(2) المادية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 49.
261
الماركسي على المرحلة الأولى للراسمالية، ذلك الانطباق
الذي رآه ماركس في عبارته السابقة المشهورة (1) كليا
وتاما... على حيئ قد نجد ان وجود هذه المرحلة
من سابقتها وجود " سلس " غير ديالكتيكي.
إن احسن فهم أو تفسيريمكن ان نعطيه لتلك العبارة، هو: إن
ملكية العمال لوسائل الانماج في العصر
الحرفي، هي
" الأطروحـة " في نظام الديالكتيك. الاستملاك الراسمالي لهذه الوسائل وتجريد العمال منها هو النفي الأول لها... " الطباق يا... والانتاج
الرأسمالي هو
" التركيب دا. وهذا الانتاج لا يعيد الأطروحة
نفسها أو ملكية العامل لوسائل الانتاج بطبيعة
الحال، بل ينتج- لا محالة- الملكية المعترف بها رأسماليا
والمؤسسة على معطيات المجتمع ا لرأسما لمب.
وطبما لذلك، يكون مارك!ر قد اهمل المراحل السابقة على
هذا العهد، والمراحل اللاحقة له، ولاحظه كأنه وحده
الموجود في الكون... لتكون ملكية العمال أطروحة،
وما بعدها طباقا وتركيبا. وإلا لو لاحظنا ما سبق ذلك من
العهود أمكن أن نبدا بالأطروحة من حيث نشاء!!! ونعتبر ما بعده
طباقا وتركيبا. فمثلا: نعتبر عهد الاقطاع أطروحة، والملكية الحرفية طباقا والتجريد الراسمالي تركيبا. او بأي شكل اخر. وكذلك لو لاحظنا العهود اللاحقة. ويكون ماركس أيضا قد تغافل عن التراكم الأولي الهـذي اعتبره فيما سبق
من مقدمات التراكم الراسمالي. إذ لو أدخلناه في الحساب
لكانت الفقرات أربعة، فاذا كانت الملكية
الحرفية اطروحة كان التجريد عن وسائل
الانتاج طباقا وكان التراكم الأولي تركيبا. وهذا التركيب بدوره يكون أطروحة، ويكون الانتاح الرأسمالي طباقه والتراكم الرأسمالي تركيبه.
... فقد اختلفت الصورة إذن، وإذا لاحظنا العهوفى
السابقة على هذه الفترة، أو اللاحقة لها، امكن أن تختلف
الصورة على أشكال متعددة. وهذا التشويش في الافتراض، وامكان
توزيع العهود التاريخية على (الثالوث يا الديالكتيكي، بأشكال
مختلفة في عين الوقت، إن دل على شيء فانما
يدل على ضعف اساسي في هذا الثالوث، او انم يعط المفاهيم تحديدها الكامل. إد هئاك اسباب أص ى للحوادث لا يستطيع الديالكتيك أن يستو!ا.
(1) يحسن بالقارىء ان يعيد قراءة العبارة ويتأملها في
الفقرة الثانية من الحديث عن التراكم الأولي.
262
ولئن كان بين ملكية الحرفيين لوسائل الانتاج وبين
تجريدهم منها، شكل
من أشكال المضادة أو المنافات... فانه ليس بين هذا
التجريد والانتاح الراسمالي والتراكم بكلا
قسميه، اي تناف. بل هي أمور متعاضدة
متعاونة
" سلسة " الاتجاه في بناء
المجتمع الراسمالي. ولا يمكن ان يكون بعضها نفيا
لبعض، كـما يريد القانون الماركسي ان يقول.
النقطة الرابعة: إن البيان الشيوعي الذي شارك ماركس
نفسه بتأليفه،
على إسقاط مرحلة التراكم الأولي بالمرة، حيث نجده تعرض
للاقطاع واتبعه مباشرة بعهد المزاحمة الحرة وهي
المرحلة الثانية الآتية، مسمطا للتراكم الأولي عن
نفر ا لاعتبار.
اسمعه يقول:
" وهكذا تبين لنا ان وسائل الانتاج والتبادل التي
قامت البرجوأزية على أساسها، نشأت
داخل المجتمع الاقطاعي. ثم لما بلغت هذه الوسائل حدا
معينا من التقدم والرقي، لم تعد الظروف التي كان
المجتمع الاقطاعي ينتج ويبادل ضمنها... يتفق مع
القوى المنتجة في ملك تقدمها، بل أصبح يعرقل
الانتاج عوضا عن تطويره. ثم تحول إلى قيود تكبله، وأصبح من الواجب تحطيم هذه القيود، فتحطمت.
وحلت محلها المزاحمة الحرة، يرافقها نظام اجتماعي
وسياسي يناسبها لا (1).
إذن، ينبغي أن نبقى جاهليئ ما إذا كانت الماركسية ترى
حقا وجود عهد التراكم الأولي، أو لا ترى وجوده بل،
تعتبر المزاحمة الحرة هي العهد الأول للرأ سما
لية.
(1) البيان الشيوعي ص 44.
263
القسم الثاني عهد التنافس الحر
أو المزاحمة الحرة، او التزاحم في السوو الحرة، او
نظامه المشروع الحر،
على اختلاف التعابير، وقد سمعنا في عبارة ماركس إشاره
إليها، بصفتها أحد الاحتمالين، للمرحلة
اللاحقة للتراكم الأولي (1). كما سمعنا
الاشارة إليها قبل قليل من دا البيان الشيوعي يا على أساس كونها المرحلة الأولى للرأسمالية. -1-
وتعني هذه المرحلة، تكافوء الفرص للجميع في التجارة
والبيع والشراء،
بدون تدخل خارجي... وفي سوق حرة ديموقراطية، من وجهة
نظر
الراسمال!ن. ويعتقد هؤلاء أن أساس السوق الرأسمالية
والأرباح الرأسمالية قائم على ذلك، وهذا هو
مجدهم الرئيسي!!...
ونرى بالتتبع في المصادر الماركسيه المتوفرة، قديمها
وحديثها، للاشارة المقتضبة جدا إلى هذه المرحلة.
فبالرغم من أنها مرحلة معترف بها ماركسيا، كما سمعناه
من البيان الشيوعي، ووجدناه في حديث كوفالسون حيث
يقول:
" وفي ظل الرأسمالية، تتعاظم كثيرا وثائر التطور
الاقتصادي والاجتماعي. ففي حقبة
تاريخية دصيرة نسبيا تجوز التشكيلة الرأسمالية في
تطورها ثلاث مراحل: من مرحلة التراكم الراسمالي
البدائي إلى مرحلة نظام المشروع الحر، ومنها
إلى مرحلة الرأسماليما ا لا حتكارية " (2).
(1) راجع الفقرة (3) من الحديث عن التراكم الأولي.
(2) المادية التاريخية: كيلله، كرفالسرن ص 135.
ويريد بالمشروع الحر، ما سماه ماي. كس بالمزاحمة الحرة،
وهي
المرحلة
الثانية.
وأشار لينين إلى هذه المرحلة مختصرا أيضا حيث قال:
" كان تصدير البضائع الحالة النموذجية في
الرأسمالية القديمة، حيث كانت السيادة
التامة للمزاحمة الحرة " (1).
إلا أن هذه اللمحات لا تكفي لعرض الخصائص التامة، ولا
تعدل ما
ذكرته الماركسية عن المرحلة الأولى والأخيرة الاتية.
-3-
ويمكن أن يفسر هذا الاعراض الماركسي عن هذه المرحلة
بعدة تفاسير:
التفسير الأول: إن هذه المرحلة ملغاة، لا تعترف بها
الماركسية، وإنما
ترى انقسام الراسمالية إلى مرحلتين فقط، هرب التراكم
الأولي والاحتكار. وهذا التفسير باطل، باعتبار
ما سمعناه من تصريحات الماركس!ن بوجود
هذه المرحلة.
التفسير الثاني: إن الماركسية تعتبر السوق الحرة، صفة
عامة للراسمالية،
كما يرى الراسماليون انفسهم، وليست صفة مرحلة
للرأسمالية.
وهذا التفسير، مضافا إلى أنه خلاف التصريحات السابقة
للماركسيين.
فانه- ايضا- مناف لتصريحهم وتأكيدهم على زوال هذه
الحرية في عصر الاحتكار الراسمالي، على ما سنسمع بعد
قليك. كـما انه مناف لنقد ماركس لهذه الحرية، ذلك
النقد الذي يفهمنا بوضوج: انها غيرموجودة بالمرة، إلا
في خيال الرأسمال!ن، لأنها من زاوية واقعية لا يمكن أن يكون لها اي
تطبيق... على ما سنسمع ايضا.
التفسير الثالث: إن الماركسية في كل بحوثها تقرن
المفهوم النظري بالزخم العاطفي وقد ترتبت على هذا
الاتجاه العام نتائج تربو على حد الاحصاء. وإذا
طبقناها على ما نحن بصدده، نجد نتيجتين هامتن:
النتيجة الأولى: اختصار الكلام في مرحلة السوق الحرة،
إلى درجة كبيرة، لأن الكلام عن الحرية
الرأسمالية، قد يصبح من الناحية العاطفية، في
مصلحة ايرأسماليين الذين تريد الماركسية الاجهاز عليهم.
(1) مختا ر! ت. لينين !2 ص 82.
265
النتيجة الثانية: التركيز الشديل! على المرحنة الثالثة،
الاحتكار الراسمالي، باعتبار ان هذا التركيز
يكون من الناحية العاطفية هدما للراسمالية،
وبعثا للقوى الاشتراكية ضدها.
نقد ماركس هذه الحرية التي تتمحد بها الراسمالية، نقدا
لاذعا في كتابه
" رأس المال يا. وقرن بينها وبين القيمة الزائدة...
ولم يعتبر هذا المجد شافعا ضد الربح الراسمالي الحرام!!...
ونجد لذلك النقد عدة نماذح، نقتصرمنه على بعضه فيما يلي:
فمن ذلك قوله:
" إن تحويل النقد إلى راس مال، يقتضي إذن- أن يجد
مالك النقد في السوق (وهو الرأسمالي) الشغيل الحر. والحر
من وجهة نظر مزدوجة:
أولا: يجب على الشغيل أن يكون شخصا حرا يتصرف وفق مشيئته
بقوة عمله، بوصفها بضاعته الخاصة به.
ثانيا: يجب أن يكون ولا بضاعة أخرى لديملكي أمها. ان
دون-! ناصح السر-
حرأ من كل شيء محرومأ تماما من الأشياء الضرورية لتحقيق
قوة عمله
" (1).
وقد اعتبرت الماركسية هذه الحرية الرأسمالية، حرية
شكلية ثابتة تطبيقيا للرأسمالين فقط، وغير شاملة
لعمالهم بأي حال.
قال كوفالسون:
" إن الايديولوجيين البرجوازيين يصورون النظام
الراسمالي بصورة مثالية. ويزعمون
أنها أقامت التناسق والتناغم بين الفرد المجتمع، وانها
وجدت العلاقة والنسبة الصحيحتين بين حرية
الفرد، ومصالح المجتمع.
وبالفعل، من الخطأ، كـما سبق وقلنا، أن نطرح جانبا
مكاسب الديمقراطية البرجوازية. ولكنه واضح
تماما أن الحرية الشكلية غير المرفقة
بتأمين الظروف المادية لتطور جميع أفراد المجتمع، لا تقضي على التفاوت الاجتماعي، ولا على التناحر بين الفرد والمجتمع. إن حرية الفرد في المجتمع البرجوازي إنما هي حرية الفرد البرجوازي. أما البروليتاريا (العمال) والجماهير المظلومة فقل ما يمكنها الاستفادة من هذه الحرية "! (2).
إن هذه الفقرة الأخيرة من كلام كوفالسون، صحيحة نتفق
فيها مع
(1) رأس المال: كارل ماركسي1 ق 2 ص 231.
(2) ال دية التلى يخية: كيلله كوفالسون ص 358.
، 266
الماركسية، وهي من اهم نقاط الضعف ثأ النظام الرأسمالي،
إلى جانب نقاط أخرى لا تقل عنها اهمية. ولكن هل
الديموقراطية البرجوازية مكاسب لا يمكن ان نتغاضى
عنها، كما ذهب إليه كوفالسون؟... إن هذا أمر مبالغ
فيه جدا، ولا مجال لنا الان لاستعراض تفاصيله. وإنما يكفينا أن
نعرف أن التقدم العلمي والصناعي الذي أحرزته اوروبا، ناتج من جو
ومستوى عقلي ونفسي وثقافي خاص، ومرتفع، ولا ربط له بالرأسمالية
ذاتها. إن أية إيديولوجية أخرى إذا توفر لها ما يشبه ذلك الجو،
فانها تستطيع ان تنتج نفس النتائج.
وإنما ينبغي أن ننظر إلى الرأسمالية من حيث نتائجها
الخاصة بها، من دون
أن نخلط بين الأمور. وسوف لن نجد حينئذ أي نتيجة صالحة
اوإنسانية، سوى المظالم الاجتماعية، والتهديد
بالحرب العالمية.
بعد التسليم- مع الماركسية- بوجود الحرية الشكلية يا
المجتمع الرأسمالي، والتسليم بنقدها الذي !!ناه.
لا يبقى لنا في مقام المناقشة مع الماركسية، إلا
التساؤل عن أن هذا المجال
الحر، هل هو صفة عامة للراسمالية، أو لفترة معينة منها.
إن أكز المصادر الماركسية تتفق على مرحلية هذه الحرية،
كما انها تكادتسلم بارتفاع هذه الحرية في عصم
الاحتكار الذي هو المرحلة الثالثة للراسمالية. ولكن
هل يصح هذا تماما، بمعنى أن مرحلة التراكم
الراسمالي خالية من
الحرية الشكلية، كـما ان عصر الاحتكار خال منها أيضا. عندئذ
ستكون الحرية مرحلة معينة. واما إذا كانت هذه
الحرية موجودة في أحد العهدين الأخيرين أو
كليهما، فمعنى ذلك ان هذه الحرية معنى عام وليس مرحلة
معينة.
إن هذه الحرية من الناحية النظرية هي وجود الفرص
المتكافئة للحصول
على الربح بالنسبة إلى الجميع. ومن ناحية التطبيق يختص
بملوك المال، ويحرم منه المتمولون الصغار وكل
العمال والحرفيون وغيرهم.
إن هذا المعنى المزدوح للحرية، هو الذي يفرق الرأسمالية
عن الاقصاع والاشتراكية، من حيث أن العامل والحرفي
في العهد الاقطاعي محروم من الحرية
النظرية، على حين أن الفرد يا المجتمع الاشتراكي، يفترض فيه انه حاصل على المستوى النظري والتطبيقي معا. وستأتي مناقشة ذلك. فالنظام الذي يحافظ على
267
+--
المستوى النظرممب، وبرفع اليد عن التطبيق هو الرأسمالية.
إذن، فالراسماليون، حين يعتبرون هذه الحرية صفة عامة
للرأسمالية
على حق.
وهذه الصفة موجودة، في عصر التراكم الأولي ايضا، كـما
هي موجودة في
عصر الاحتكار، وإنما الفرق الأساسي بين العصور الأولى
للراسمالية والعصور المتأخرة لها، هي مقدار حصول
الراسمال!ن على مقادير الأموال ا!شمة، فهي
قليلة في اول عهدها نسبيا وكبيرة جدا في اخرها. كما ان تمركز الاحتكار
من الصفات المتأخرة للرأسمالية، ومن المعلوم أن تضخم
المال واحتكار المشاريع يجعل تطبيق هذه الحرية أشك غموضا. إلى حد يبقى المستوى النظري نظريا تماما. ومن هنا قد يبدو عدم وجود الحرية بالمرة.
-7-
ومن هذه الزاوية تماما نستطيع ان نفهم الاضطراب الموجود
في كلام الماركسيين في تحديد اقسام الراسمالية.
فاننا نستطيع أن نجد أربعة آراء ماركسية، بهذا الصدد:
الرأي الأول: انقسام الراسمالية إلى اقسامها الثلاثة. وهو
الراي الذي يصرح به كوفالسون، كما سمعناه في
عبارته السابقة.
الرأي الحماني: انقسام الراسمالية إلى التراكم الأولي
والمزاحمة الحرة، مع إسقاط الاحتكار. وهو الذي
مال إليه ماركس في رأس المال، حسب ما ل!همناه
فيماسبق.
الرأي الثالث: اقتصار الرأسمالية على المزاحمة فقط، مع
إسقاط التراكم
الأولي والاحتكار.
وهو الرأي الذي سمعناه من " البيان الشميوعي
لما، حـين ذكر عصر الاقطاع اولا، ثم أعقبه بالقول:
" وحلت محلها المزاحمة الحرة، يرافقها نظام
اجتماعي وسياسي يناسبها " (1).
فهو- إذن- يسقط التراكم الأولي والاحتكار عن نظر
الاعتبار، بحيث
لا يبدو للرأسمالية إلا شكل واحد.
(1) انظرص.44 منه.
268
الرأي الرابع: انقسام الراسمالية إلى المزاحمة الحرة
والاحتكار...
مع إسقاط التراكم الأولي.
وهذا هو الرأي الذي يعرضه لينين، في رسالة " الامبريالية اعلى!رجات الرأسمالية
لما. ولعل أوضح عبارة له تبين ذلك قوله.
لا إن النتائج الأساسية لظ ريخ الاحتكارات، هي إذن
الآتية:
ا- سنوات العقدين السابع والثامن صت القرن الماضي، هي
قمة ذروة تطور إلمزاحمة الحرة. لم تكن
الاحتكارات إلا حالات جنينية بالكاد تلاحظ.
2- بعد أزمة سنة 1873 أتت مرحلة تطورت فيها الكارتيلانت
بصورة واسعة،
ولكنها ظلت. عذلد حالات نادرة...
3- نهضت اواخر القرن التاسع محشر، وازمة سنوات 1955- 1903
تصبح الكارتيلات أساسا ميق أسس الحياة
الاقتصادية نجأكملها، صارت الرأسمالية إلى ا مبريا
لية
" (1).
إذت، فلينيئ يبدا من اول الرأسمالية بالمزاحمة الحرة،
مع إسقاط التراكم الأولي، ثم يعقب ذلك بالاحتكار.
فهذه الآراء الأربعة، نستطيع ان نستوعبها فهما، طبقا
لما سبق ان قلناه.
أما الراي الذي يعرب عنه " البيان الشيوعي
يا فهويعني ان المزاحمة الحرة،
هي الصفة الرئيسية للراسمالية، ترافقها متى وجدت. وبهذا
يتفق مع الرأسماليين أنفسيهم.
وأما رأي ماركس الذي يسقط الاحتكار، فهو باعتبار عدم
معاصرته للعصر الاحتكاري.
واما رأي لينيئ، فلأن المزاحمة الحرة. كما عرفنا، وجدت
بوجود الرأسمالية نفسها، ومن هنا اعتبرها
لينين اول مراحلها. وهومعنى لا ينافي صفة
التراكم الأولي الذي يراد به قلة الأرباح بالنسبة إك العصور
المتأخرة للراسمالية، ان قد يكون الربح قليلا نسبيا والحرية موجودة نظريا.
وهذه الحرية تنتهي- في رأي لينين حبدءبعصر الاحتكار،
باعتبارما قلناه
من أما تنعدم عندئذ على صعيد التطبيق، ويبقى لها وجود
نظري (طوبائي) ليس له أي أثر.
(1) مختارات: لينيئ !2 ص 25- 26.
269
وأما رأي كوفالسون الرأسمالية إلى الأقسام الثلاثة، فهو
باعتبار ملاحظة
! جهتي الحرية وكمية الأرباح. فحين كانت الأرباح قليلة
نسبيا سمي العصر بعصر التراكم الأولي، وإن كانت
الحرية الشكلية سارية المفعول فيه. ثم حين زأدت
الأرباح زيادة ضخمة جدا، ولم يكن للاحتكار وضوج كان عصر
التراكم الأولي قد انتهى وعصر الاحتكار غير موجود، والحرية الشكلية ذات وجوده تطبيقي إلى حدما، فسمي بعصر المزاحمة الحرة. وحيئ بدأ الاحتكار الرأسمالي كان هو الصفة الرئيسية المسيطرة على صفة الحرية، فسمى بعصر الاحتكار. إذن، فقد صححنا تشويش كلمات المراكسيين... ولكن هل يكر
ا لماركسيون !صحيحنا هذ ا؟!..
270
القسم الثالث
عهد الاحتكار
لعل لينلا!ن هوأفضل ماركسي كتمب عن هذه المرحلة مفصلا،
كما نجده
في رسالته عن الامبريالية.
قال في تعريف المزاحمة والاحتكار:
" فالمزاحمة الحرة هي أخص خصائص الرأسمالية
والانتاج البضاعي بشكل عام. والاحتكار هو نقيض
المزاحمة الحرة المباشر. ولكن هذه الأخيرة أخذت تتحول
أمام أعيننا إلى احتكار، منشأة الانتاج الضخم ومزيحة الانتاج
الصغير، محلة الأضخم محل الضخم، دافعة تركز الانتاج، والرأسمال إلى
درجة نشأت وتنثأ عنها الاحتكارات: الكارتيلات والسيندكات
والتروستات، دامجة فيها رأسمال نحو عشرة من البنوك تتصرف
بالمليارات.
وفي الوقت نفسه لا تزيل الاحتكارات المزاحمة الحرة التي
نشأت عنها، بل تعيش فوقها
وإلى جانبها، مولدة على هذا الشكل جملة من التناقضات والاحتكاكات والنزاعات في منتهى الشدة والقوة. فالاحتكار هو انتقال من الراسمالية إلى نظام اعلى لما (1).
واود قبل الدخول يا فقرة جديدة ان أعلق على هذا الكلام
بعدة تعليقات:
أولا: إن الاحتكار إذا كان نقيضا للمزاحمة الحرة، فمعنى
ذلك أنه بديلها ومزيلها والحال محلها. ومعه لا
معنى لبقائها في عصر الاحتكار، كما تصرح به
الفقرة الأخيرة من هذا الكلام.
ئانيا: إن المزاحمة الحرة، كيف تعيش مع الاحتكار، مع
انها عنصر نظري ليس له اي تطبيق. وسنسمع تصريحات
الماركس!ن أن هذه الحرية هي (1) مختارات: لينين !2 ص 120 وانظرص 167
منه.
271
حرية رجال المال دون غيرهم في المجتمع الرأسمالي.
ثالثا: إن قوله: فالاحتكار هو انتقال من الرأسمالية إلى
نظام اعلى،
يعطينا ان الاحتكار عصر جديد غيرعصر الرأسمالية. وهو
امر غريب ماركسيا. فإن الحرية إن كانت هي العنصر
الأساسي للرأسمالية، وكانت متوفرة في عصر الاحتكار،
كما سمعنا من لينين، إذن فالعنصر الأساسي للراسمالية
موجود فيه، فلماذا لا يكون عصرا راسماليا.
مضافا إلى ما سنسمعه من لينين نفسه مكررا من ان
الامبريالية الاحتكارية
هي اعلى مراحل الراسمالية، فإن معناه أن عصر الاحتكلار
رأسمالي بطبعه، فكيف يفتر ضهنا أنه عصر متأخر
عن الرأسمالية.
على أن لينين يعتقد بطبيعة إلحال، بوجود النقص الأساسي
الماركسي
- نسبة إلى شخص ماركس- للرأسمالية، يا عصر الاحتكار،
وهو الحصول على القيمة الزائدة. بل هو في عصر
الاحتكار اجلى واوضح، إذن فيكون هذا العصر
رأسماليا.
ويعطينا لينين افكارا واسعة مدعمة بالأمثلة عن خصائص
الاحتكار وصفاته الأساسية وغيى الأساسية. ونحن
ننقل هنا إلمضمون النفرقي، مم حذف الأمثلة،
توخيا للاختصار.
قال:
(إن الرأسمال المالي المتركز في أيد قليلة والذي يمارس
الاحتكار فعلا، أرباحا طائلة تتزإيد باستمرار من
تأسيس الشركات و(صدار الأوراق المالية، ومنح
القروض للدولة، الخ، موطدا بذلك سيطرة الطغمة
المالية وفارضا على االمجتمع بأكمله جـزية لمصلحة المحتكرين " (1).
" إن الخاصة الأساسية في الرأسمالية الحديثة هي
سيطرة الاتحادات الاحتكارية التي يؤسسها كبار أصحاب
الأعمال. وهذه الاحتكارات هي أوطد ما تكون
حين تنفرد بوضع يدها على جميع مصادر الخامات...
وحيازة المستعمرات هي وحدها، ما يعطي الاحتكارات
الضمانة التامة للنجاح ضد
كل طوإرىء الصراع مع المنافس حتى في حالة ما إذا رغب
المنافـر في الدفاع عن نفسه باستصدار قانون عن
إقامة احتكار للدولة.
(1) مخنارات لينين جى 2 ص 71.
272
فكلما تقدمت الرأسمالية في تطورها، وكلما بدا بصورة
أوضح نقص الخامات، وكلما استعرت المزاحمة، واشتد
الركض وراء مصادر الخامات في العالم كله، احتدم
الصراع من أجل حيازة المستعمرات " (1).
! إن اتحادات الراسماليين الاحتكارية، الكارتيلات، السيفديكات التروستات، تقتسم فيما بينها، بادىء ذي بدء، الـوق الداخلية، مؤمنة لنفسها السيطرة على الانتاج في بلاد معينة بصورة مطلقة ما أمكن. ولكن لا مناص للسوق الداخلية في عهد الرأسمالية من أن ترتبط بالسوق الخارجية. وقد أنشأت الرأسمالية السوق العالمية من أمد بعيد.
وكلما كان يزداد تصدير الرأسمال وتتسع شتى أنواع
العلاقات بالخارج وبالمستعمرات، وتتسع لأ مناطق نفوذ " الاتحادات الاحتكارية الضخمة كانت الأمور
تسير (بصورة طبيعية دا في الاتجاه العالمي بيئ هذه الاتحادات،
في اتجاه تشكل الكارتيلات العالمية.
وهذه درجة جديدة في تمركز الرأسمال والانتاج في النطاق
العالمي ودرجة اعلى من السابقة
إلى ما لاقياس له! (2).
-3-
ويعطي لينيئ أربع خصائص للراسمالية الاحتكاريه، هي اقرب
للجانب التطبيتهي من الجانب النظري او (التجريدي
يا، يحسن بنا أن نحمل عنها فكرة، بصددنا هذا:
قال:
لا وينبغي أن نشيربوجه خاص إلى انواع الاحتكار الرئيسية
الأربعة، أو إلى أربعة مظاهر رئيسية للراسمالية
الاحتكارية تميز العهد الذي نحن بصدده.
أولأ: نشأ الاحتكار عر، تمركز الانتاج البالغ درجة
عالية في تطوره.
وهو اتحادات الرأسمالين الاحتكارية: الكرتيلات،
السنديكات والتروستات وقد راينا الدور الجسيم
الذي تلعبه في الحياة الاقتصادية الراهنة...
ثانيا: ساقت الاحتكارات إلى تسريع الاستيلاء على اهم
مصادر الخامات ولا سيما خامات الصناعات الرئيسية في
المجتمع الراسمالي، والتي بلغ فيها تنظيم
الكارتيلات حده الأقصى، كصناعات الفحم الحجري وتكييف الحديد.
واحتكار حيازة أهم مصادر المواد الخام قد زادت سلطة
الراسمال الضخم لدرجة هائلة، وازم التناقضات بيز
الصناعة المنظمة في الكارتيلات وغير المنظمة
في الكارتيلات. ئالثا: نشأ الاحتكار عن البنوك وقد تحولت البنوك
من مؤسسات وسيطة متواضعة إلى
(1) المصدرص 113.
(2) المصدرص 91.
18
273
محتكر للرأسمال المالي. فثمة ثلاثة او خمسة بنوك ضخمة
لأية امة من الأمم الرأسمالية الراقية، قد حققت لا
الاتحاد الشخصي ثا بين الرأسمالي الصناعي
والراسمالي البنكي، وركزت في ايديها التصرف بالمليارات
العديدة التي تؤلف القسم الأكبر من الرساميل والمداخيل القدرة في
بلاد بأكملها...
رابعا: نشأ الاحتكار عن سياسة حيازة المستعمرات. فالرأسمال
المالي قد أضاف إلى بواعث السياسة
الامبريالية، إلى البواعث " القديمة العديدة- الصراع من أجل الخامات من أجل تصدير الرساميل، من أجل " مناطق نفوذ دا... وأخيرأ من أجل الأقاليم الاقتصادية بوجه عام... ولكن عندما تم الاستيا، ء على تسعة اعشار افريقيا (حوالي سنة 1900)، عندما تم اقتسام العا أ
برمته، حل بالضرورة عهد احتكار حيازة
المستعمرات، وبالتايى عهد اخـاط م اشد الصراع من أجل اقتسام العا! وإعادة اقتسامه " (1).
ونصل اخيرا إلى الامبريالية التي هي اهم خصائص المجتمع
الرأسمالي في عصره الثالث.
يعرف لينين الامبريالية بعدة تعاريف:
فمرة نسمعه يقول:
" ولئن كانت هناك ضرورة!مر!ف الامبريالية تعريفا
في غاية الايجاز، ينبغي أن يقال: ألامبريالية هي
الرأسمالية في مرحلة الاحتكار ومتل هذا التعريف
يضم الأمر الرئيسي " (2). واخرى نسمعه يعرفها:
" ان الامبريالية هي ترأكـم هائل للرأسمال النقدي
في عدد قليل من البلدأن، يبلغ كـما
سبق وراينا 100- 150 مليار فرنك من الأوراق المالية دا (3).
وثالثة يقول:
" الامبريالية مرحلة خاصة من الرأسمالية دا (4).
ويستمر بالقود!:
" لقد نثأت الامبريالية باعتبارها تطورا واستمرارا
مباشرا لما فطرت عليه الرأسمالية
بوجه عام من خصائص أساسية ولكن الرأسمالية لم تصبح
إمبريالية راسمالية، إلا عندما بلغت في تطورها
درجة معينة عالية جدا عندما أخذ يتحول
إلى نقيضه بعض من اخص خصائص (1) المصدرص 167- 168.
(2) المصدرص 120.
(3) المصدرص 136.
(4) المصدرص 119.
274
الرأسمالية (يقصد بها المزاحمة الحرة)! " (1).
وهذه التعاريف، مهما اختلفت فإنها تتشابه نب المضمون
المهم. فإن المراد
من المرحلة الخاصة في التعريف الثالث هى مرحلة الاحتكار
في التعريف الأول، وهذه المرحلة مقترنة بتراكم
هائل- ليس اوليا- للراسمال النقدي، في التعريف
الثاني. وإن كان هذا التعريف الثاني يعطي للامبريالية
رقما اقتصاديا معينا... فكأن هذا هو الامبريالية، أو انها هو... وهو
مطلب غريب.
وقال لينين عن بعض خصائص الامبريالية:
" شزع الامبريالية إلى أن تبرز بيئ العمال فئات
مميزة، وإلى فصلهاخن الجماهير البروليتارية الغفيرة " (2).
واضاف:
" ولنبغي ات نشير إلى أن نزوع الامبريالية إلى
تقسيم العمال وإلى تقوية الانتهازية بينهم
وإلى إفساد حركة العمال موقتا، قد ظهرها انكلترا قبل
أوأخر القرن التاسع عشر وبدء القرن العشرين، بزمن
طويل. ذلك لأن سمتين اساسيتين من السمات
المميزة للامبريالية قد بختا في أنكلترأ منذ منتصف القرن التاسع عشر: المستعمرات الشاسعة والوضع الاحتكاري في السوق العالمية " (3).
وقال:
" والامبريالية، عصر الرأسمال البنكي، عصر
الاحتكارات الرأسمالية العملاقة،
عصر صيرورة الرأسمالية ألاحتكارية إلى رأسمالية الدولة
الاحتكارية-
تظهر بوضوح كبير تعزز " آلة الدولة ا لحد
خارق، واتساع جهازها الدواو يني والعسكري
أتساعا منقطع النظير من جراء تشديد القمع الموجه ضد
البروليتاريا! (4).
وأضاف:
" ان التاريخ العالمي يدفع الآن، دون شك، في نطاق
أوسع بما لا يقاس من سنة 1852 إلى تركيز جميع قوى الثورة
البرولتارية لكي " تهدم لما آلة الدولة، (".
وقال بخصوص الدولة الراسيمالية:
" لا ظل الرأسمالية، نرى الدولة، بمعنى الكلمة
الخاص، بمعنى آدة خاصة تقمع بها
(1) المصدرص 120.
(2) المصدرص 145.
(3) المصدر والصفحة.
(4) المصدر نفسه: (الدولة والثوره) ص 213.
(5) المصدر والصفحة.
275
طبقة أخرى، تقمع بها الأقلية الأكثرية. وبديهي أن هذا
الأمر...
يتطلب ننجاحه منتهى الفظاعة ومنتهى الوحشية في القمع،
يتطلب بحارا من الدماء تجتازها البشرية في قرون العبودية
والقنانة والعمل المأجور لما (1).
وبخصوص الحرية الراسمالية، قال كوفالسون:
لا إن الحرية الشكلية غير المرفقة بتأمن الظروف المادية
لتطور جمغ أفراد المجتمع،
لا تقضي لا على التفاوت الاجتماعي ولا على التناحر بين
الفرد والمجتمع.
إن حرية الفرد في المجتمع البرجوازي، إنما هي حرية
الفرد البرجوازي. اما البروليتاريا
والجماههـير المظلومة، فقل ما يمكنها الاستفلدة من
هذه الحرية
" (2".
وقال لينين بهذا الخصوص:
" إن الاحتكارات والطغمة المالية والنزوع إلى
السيطرة بدلا من النزوع إلى الحرية، واستثمار عدد
متزايد من الأمم الصغيرة أو الضعيفة من
قبل قبضة صغيرة من الأمم الغنية او القوية، كل ذلك قد خلق السمات
المميزة للامبريالية والتي تحمل على وصفها بأنها الرأسمالية
الطفيلية أو المتقيحة لما (3).
(1) المصدرص 286.
(2) المادية التاريخية: كيلله، (3) مختارات ة لينين !2
ص
كرفالسرن ص 358.
276
المناقشة
ينبغي أن نسلم مع الماركسية، بعيوب الرأسمالية عموما،
بصفتها
" تطبيقا يا او واقعا تاريخيا ناجزا، وتجربة
عالمية فشلت فيها الراسمالية وسقطت عن كونها النظام
الأفضل في أعين الناس.
وإنما تنحصر المناقشات في الجوانب النظرية أو بطريقة
فهم الماركسية الواقع. وسندخل في المناقشات مع حفظ ما
قلناه خلال العرض السابق من المناقشات. وتتلخص
نب عدة نقاط.
الئقطة الأولى: ان ترتب مراحل الرأسمالية بعضها على
بعض، ليس تناقضا ديالكتيكيا، و(نما هو سلس
متناسب متعاضد. واوضح شاهد على ذلك هو أن
الراسمالية في واقعها في تزايد مستمر وفي ترسخ مستمر. وليست المرحلة اللاحقة
نافية للمرحلة الأولى، بل مناسبة معها ومؤكدة لها.
وليس الفرق بينها كالفرق بين الاقطاع والرأسمالية او
بيئ
الرأسمالية والاشتراكية، ولا تحتاج وجود كل مرحلة إلى
ثورة أو طفرة.
كما لا ينبغى ان تعتبر المرحلة تغيرا كيفيا بالنسبة إلى
سابقتها لوضوح أنها
تزايد كمى صرف يأ رأس المال والمؤسسات، وغيرذلك. ومعه
كيف يمكق تطبيق القانون الديالكتيكي العام- في
راي المارة- على هذه المراحل. النقطة الثانية: إن من اهم فقرات
قوانن المادية التاريخية، هو لزوم قغير
كل صفات المجتمع بتغير المرحلة. كـما سبق أن عرضناه
مفصلا... فهل ينطبق ذلك يخا هذا المجال.
إن المجتمع الاوروبي بخصائصه العامة، بقي على وضعه، بكل
وضوح تاريخي، خلال عصر الرأسمالية كله... ولم
يتغير منه شيء إلا التدقيق العلمي، وبعض
الايديولوجيات الجانبية. ولا تستطيع الماركسية أن تذكر امورا
اساسية اقترن وجودها بأي واحدة من هذه المراحل. فضلا عن أن تكون كل مرحلة قد غيرت كل المجتمع او الصبغة العامة له.
277
ولعل من اهم الأمور التي لم تتغير، باعتراف الماركسية،
هي صفة
" الحرية الشكلية " التي قالت بها
الماركسية كصفة شاملة حتى لعصر الاحتكار. وصفة " القيمة الزائده ثم التي هي في تزايد مستمر، لا في تغير وتبدل.
وقد تقول الماركسية: ان المراحل الخمسة الرئيسية
للمادية التاريخية، هي
التي تغـيى المجتمع، واما المراحل او العهود " الداخلية " لكل مرحلة، فلا
تكون مغيرة للمجتمع، بل يبقى المجممع على نفس الصفات خلال كل
العهود الداخلية للمرحلة الواحدة.
وجواب ذلك: إن تغير العهود في منطق المادية التاريخية
وقانون الديالكتيك
لا يختلف فيه الشأن، من زاوية اسبابها ومسبباتها. فكما
ان الاقطاع وجد بطريقة (ماركسية لمامعينة
وأوجدأمورامحددة، فكذلك مرحلة التراكم
الأولي وجدت بطريقة " ماركسية يا معينة واوجدت أمورا محددة، وهكذا مرحلة المزاحمة الحرة، وما بعدها من المراحل. ان كل مرحلة هي فقرة مستقلة بطبعها من المادية التاريخية خاصة ومن الديالكتيك عامة... فينبغي أدت تنطبق عليها قوانينها، مع اننا نراها غير منطبقة، كـما راينا.
الئقطة الثالثة: هل ان مرحلة الامبريالية، محتوية على
الخصيصة الرئيسة للراسمالية، وهي الحرية
الشكلية اولا؟!..
نسمع من لينين عبارة تجيب على هذا السؤال بالأيجاب
وعبارة تجيب بالنفي!!. أما العبارة التي تجيب
بالايجاب فهيئ قوله:
" لقد نشأل! الامبريالة باعتبارها تطورا واستمرأرا
لما فطرت عليه الراسمالية بوجه عام
من خصائص أساسية لما (1).
يقصد بها الحرية الشكلية او المزاحمة الحرة.
وأما العبارة التي تجيب بالنفي، فهي قوله:
" ولكن الراسمالية أ ئصبح امبريالية راسمالية، إلا
عندما بلغت في تطورها درجة معينة
عالية جدأ، عندما أخذ يتحول إلى نقيضه بعض من أخصم ! خصائص الرأسمالية دا (2). يقصد بها المزاحمة الحرة. وتحوله إلى نقيضه بمعنى تحول الحرية إلى السيطرة والكبت: فيكون المراد من هذه العبارة عدم توفر الحرية خلال عصر (1) المصدر السابق ص 120.
(2) المصدر والصفحة.
278
الامبرياليةء مع ان مقتضى العبارة الأولى توفرها فيها. وهذا
من
التهافت الصريح في الكلام
وقد سمعنا فيما سبق كلتا العبارتين، وعلمنا ايضا أنهما
متتابعتات في سياق
واحد وصفحة واحدة. فيكون تهافتا في الفكرة بشكل أغرب
وأعجب. النقطة الرابعة: اننا نتساءل: ما الذي حدا
بالرأسمالين ألاستزادة من
ا لأر باح؟!..
وهذا السؤال تغفله الماوكسية خلال حديثها الطويل عن
الرأسمالية، مع
سؤال جوهري في غاية الأهمية، باعتباره مرتبطا بالتكوين
الأساسي للرأسمالية. غيرأن الماركسية- على اي
حال- تستطيع أن تجيب من وجهة نظرها،
بأدط الرغبة في الربح المتزايد، ناشىء من الوجود الطبقي
أو الصراع الطبقي في المجتمع.
إلا أن هذا الجواب لا يمكن أن يكون صحيحآ، مع الأسف. لأن
معناه:
ان الطبقة الراسمالية تحتاج في صراعها مع البروليتاريا
إلى هذه الزيادة الضخمة في الأرباح. ولكن هذا
كيرمحتمل لوضوح ممارسة الكبت على العمال
من قبل أي جهاز حاكم، أوأي مؤسسة كبيرة، وإن لم يكن الأفراد من
ملوك المال. فالمقدار الزائد من المال ليسمع له تأنير في كبت
العمال والسيطرة عليهم.
مضافا إلى ما قالته الماركشية من تزايد اهمية
البروليتاريا وقوتها بتقدم عصر الرأسمالية. وهذا
يعنى ضعف وجودها السابق، بشكل لا يحتاج معه إلى
التوسع الرأسمالي المتزايد من اجل كبته والضغط عليه. على أن الرأسماليين، قد حصلوا على ضد ما ارادوه، فلم توجب زيادة الربح منفعة لهم.
ولعل الماركسية تقول: ان وعي العمال، مما لا يلتفت إليه الرأسماليون.
إلا أن هذا غيى صحيح لعدة اعتبارات:
أولها: ان الرأسمالين ان لم يلتفتوا إلى ذلك، في أول
أمرهم، فإنهم
لا محالة، يلتفتون إليه من خلال التجارب ومرور الزمن. وإذا
كان وعي العمال مقترنا بالتوسع المالي الكبير،
فقد يكون من مصالح الرأسمالين- طبقيا- التقليل من أرباحهم
لتجنب هذا الوعى!!...
ثانيها: ان وعيب العمال غيرناشىء من تضخم المال بمجرده،
بل ناشىء
من المستوى الثقافي العام للمجتمع الذي يبنيه
الرأسماليون أنفسهم ويدافعون
279