مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني للسيد الشهيد محمد صادق الصدر - قد -

" غير أن الملكية الخاصة في الوقت الحاضر، أي الملكية البرجوازيه، ير آخر وأكمل
تعبير عن أسلوب الانتاج والملك المبني على تناقضات الطبقات
واستثمار بعض الناس لبعضهم الآخر.
وعلى هذا فباستطاعة الشيوع!ن أن يلخصوا نظريتهم بهذا الصدد في هذه
الصيغة الوحيدة، وهي: القضاء على الملكية الخاصةأ (1).
ثم يبدأ البيان الشيوعي بالدفاع عن هذه الفكرة ضد الايرادات التي
ذكرت عليه.
وهذا هو الراي الكلاسيكي الرسمي لدى الماركسية والماركس!ن. وان

كانت الماركسية قد ترى رأيا آخر أكـز هدوءا وانسجاما مع نظريتها
العامة، وهي إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، فقط... ومن الطريف أن البيان الشيوعي يقول في نفس الصفحة:
"
فليس الذي يميز الشيوعية ليس هو محو الملكية بصورة عامة، بل هو
محو الملكية
ا لبرجوا زيةا (2
).
وأكد كوفالسون طبقا للنظرية العامة للمادية التاريخية، ان ملكية
وسائل الانتاج هي التي أدت إلى وجود العهود، وهي التي سببت الويلات التي أحدثتها هذه العهود. وبإلغاء ملكية وسائل الانتاح ترتفع تلك الويلات. وقد تكلم عن ذلك طويلا، نقتبس من ذلك قىله:
"
إن التاريخ يعرف نماذج أساسية من الملكية الخاصة- الملكية
العبودية (الملكية القائمة
على الرق) والملكية الاقطاعية والملكية الرأسمالية، وثلاثة أشكال
أساسية مناسبة لها لاستثمار الانسان من قبل الانسان) (3).
وقد تميزت هذه العهود الثلاثة، بعد المشاعية البدائية، بتطور ملكية
وسائل الانتاج. وسترتفع بالتحول إلى المجتمع الشيوعي.
هذا، ولكن يبقى التساؤل عن الفرق بين مرحلة الاشتراكية ومرحلة
الشيوعية من هذه الناحية. فان الاشتراكية- كـما عرفنا- تتميز بإلغاء ملكية وسائل الانتاج. فان كان الطور الأعلى له نفس هذه الصفة، لم يبق فرق بينهما، لم هئ! ا، الأساسية ماركسيا، فينبغي أن يكون الوضع فيه هو الالغاء المطلق (1) البيان الشيوعي: ملىكس، انجلز، ص 56.
(2)
المصدر والصفحة
.
(3)
المادية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 64
.
349

للملكية الخاصة، كما هو المفهوم (رسميا) من الماركسية
.
وهناك تفاصيل مهمة في المصادر الماركسية، للمجتمع الشيوعي، يحسن
الاطلاع عليها الان:
قال بوليتزر
:
9
ولقد عدد ستالن، ممستخلصا من تعاليم كتب ما!ك! وانجلز ولينين،
ميزات المجتمع الشيوعي، كما يلي:
ا) لن يكون هناك ملكية خاصة لآلات الانتاج ووسائله، بل ستكون ملكية
اجتماعية جماعية.
ب) لن تكون هناك طبقات ولا سلطة دوله، بل سيكون هناك عمال في
الصناعة والزراعه يديرون أنفسهم بأنفسهم اقتصاديا، كجمعية حرة للعمال.
ب) سيعتمد الاقتصاد القومي، المنظم حسب مخطط موضوع، على تقنية عليا
سواء في
ميدان الصناعة أو ميدان الزراعة
.
د) لن يوجد فرق بين المدينة والقرية، بين الصناعة والزراعة
.
هـ) ستوزع المنتوجات حسب مبدأ الثيوعيين الفرنسيين القدماء، وعلى
كل فرد أن
يؤدي حسب طاقاته وأن ينال حسب حاجاته
.
و) سيستفيد العلم والفنون من ظروف مواتية، كفاية لبلوغ تفتحها
الكامل.
ز) سيصبح الفرد حرأ حقا بعد أن تخلص من هم خبزه اليوير، ولن يحاول
إرضاء (جباري هذا العالم! (1).
وقال أفاناسييف
:
إن 9 في الشيوعية، بدلا من شكلي الملكية الموجودين في الاشتراكية،
ملكية الشعب بأسره، ملكية الدولة والملكية التعاونية الكولخوزية؟ ستوجد الملكية الشيوعية، ستقترب الملكية التعاونية الكولخوزية أكز فأكز، من ملكية الدولة، ومن ثم ستندمجان في الملكية الشيوعية الواحدة!.
وأضاف
:
إ وسيصبح تبادل النشاط الانتاجي بين المدينة والقرية أوثق وأكـز
تنوعا، وستتطور أكـز
تعاون الانتاج بين المناطق الاقتصادية في البلاد، والروابط
الاقتصادية بين المؤسسات في إطار المناطق نفسها، والمساعدة المتبادلة بين شغيلة المؤسسات المنفردة وبالتالي ستظهر أسرة شغيلة (1) اصول الفلسفة الماركسية: بوليتزر وآخرين !2 ص 198.
355

العمل الئيوعية الموحدة والعالية التنظيم
" (1).
وقال ايضا
:
"
وسيكون لجميع أعضاء المجتمع الشيوعي علاقة واحدة بوسائل الانتاج،
ولهذا سيكون لهم وضع متساو وشروط متساوية في العمل والتوزيع، وسيشتركون بنشاط في تصريف الشؤ ون الاجتماعية، وسيتوطد انسجام العلاقات بين الفرد والمجتمع على أساس الوحدة المتينة للمصالح العامة والفردية.
وستحقق الثقافة في الشيوعية نهوضا لم يسبق له مثيل. ان الثقافة
الشيوعية التي ترث
وتطور كل ما هو تقدمي، وافضل ما خلقته الثقافة العالمية، ستكون
مرحلة جديدة عليا في تطور الانسان الثقافي...
واضاف
:
1
إن الشيوعية تفترض إنسانا جديدا يتناسق فيه الغنى الروحي والنقاء
الأخلاقي والكمال الجسماني. ان الوعي المثميوعي وحب العمل والانضباط والاخلاص لمصالح المجتمع، تلك هي الصفات المتكاملة لهذا الانسان وان التنظيم والدقة التي يتطلبها الانتاج الشيوير سوف تتأمنان لا عن طريق الاكراه بل على أساس إدراك الواجب الاجتماعي إدراكا عميقا. وسيكون إنسان الشيوعية متناسقا ومتطورا من جميع النواحي، حيث ستتطور قابلياته ومواهبه، وتزدهر كليأ، وتتجلى بوضوح أفضل خصاله الروحية والجسمانية " (2).
فهذه هي مميزات المجتمع الأمثل، والهدف الأعلى في رأي الماركس!ن
.
إنه من ان تطور وسائل الانتاج، هو الذي يوصل الماركسية إلى هدفها
الأعلى، طبقا لماديتها التاريخية، فانها في عين الوقت على عنصر الوعي والاختيار في ا اوصول إليه. وسيكون سيد الموقف هو الحزب الشيوعي نفسه.
قال كوفالسون
:
ا إن سير المجتمع الاشتراكي نحو الشيوعية، يتوقف بصورة حاسمة على
صانعيه بالذات، على لحمتهم ووحدتهم وعقلهم وموهبتهم ونشاطهم ومبادراتهم ورجولتهم وشجاعتهم وتفانيهم وانضباطهم ومسؤوليتهم، ومعارفهم وخبرتهم ونضوجهم الأخلاقي وثقافتهم.
إن الحزب الثيوعي هو القوة القائدة والموجهة لكل العملية المتنوعة
الجوانب لبناء
(1)
أسس الفلسفة الماركسية: افانا سييف، 191- 192 0 الفقرة وما
قبلها. (2) المصدر 197- ما ا. الفقرة وما قبلها.
351

المجتمع الجديد! (1
).
- 13-
وهناك إشكال رئيسي ومهم على وجود الطور الشيوعي الأعلى. وهو
باختصار. إنه مجتمع طوبائي لا يمكن تحقيقه، وشمتحيل إنجازه. وهو إشكال اخذته المصادر الماركسية عن اعدائها وحاولت الجواب عليه. وقد تعرض لهذا الاشكال لينين نفسه، في كتابه (الدولة والثورة!، حيث قال:
ا من السهل، من وجهة النظر البرجوازية، إعلان مثل هذا النظام
الاجتماعي
"
طوبوية محضاا والسخرية من الاشتراك!ن لأنهم يعدون كل مواطن سيحق
له أن يأخذ من المجتمع بدون مراقبة لعمله اي مقدار من السكاكر او السيارات او أجهزة البيانو وكبر ذلك) (3).
فنرى لين!!ن قد ساق الاشكال من زاوية القانون الشيوعي
" لكل حسب حاجاته ! فإنه لو كان الأمر كذلك لآخذ الناس الأموال بلا حساب وبخاصة ان الدولة غير موجودة لتراقب وتحاسب.
ويجيب لينين على ذلك
:
بأن ذلك نتيجة
" الجهل، لأنه لم يخطر لأي اشتراير ببال ان يعد بحلول الطور الاعلى
من تطور الشيوعية. أما فيما يخصق نبوعة الاشتراكيين بحلولها، فهي
تفترض إنتاجية عمل غير إنتاجية العمل الحالية، وإنسانا غير الانسان الحالي التافه... " (3).
وأما بوليتزر، فقد ساق الاشكال من زاوية أخرى، هي أن التوزيع حسب
الحاجات يجعل المداخل متقاربة، للعامل عملأ قليلا والعامل عملا كبيرا. ومعه لا يبقى اي دافع لاداء العمل الكبير. وبذلك يخسر المجتمع اهم ما يمكن ان يحصل عليه من الأعمال الفنية والاختصاصية، والصعبة عمومأ. وقال بوليتزر:
"
حجة البرجوازيين الرئيسية، فيما يتعلق بما تدعيه من استحالة
تحقيق الشيوعية: المجتمع لن يستطيع أن يقدم لكل فرد " حسب حاجاته " اي مجانا، دون ان يحاول كل فرد، عندئذ، أن يعمل أقل ما يمكن، وهكذا يأتي الفقر بسرعة " (4).
(1)
المادية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 144
.
(2)
مختارات: لينين !2 ص 295 (الدولة والثورة
).
(3)
المصدر والصفحة
.
41)
أصول الفلسفة الماركسية: بوليتزر وآخرين بر 2 ص 192
.
352

وأجاب عنه بقوله
:
9
تعتقد البرجوازية ان الانسان وهو فريسة
" الخطيئة الأصلية) كسول بطبيعته لا يعمل
إلا إذا اجبر على العمل وحمل عليه، فيحاول الانتفادة إلى اقصى حد
من عمل غيره... ذلك لأن شروط استغلال الانسات لأخيه الانسان أوجدت منذ آلاف السنين كراهية العمل الشديد المرهق... إلى أن يقول: غير أن هذا الوضع ليس أبديا. فهو وليد ظروف مادية معينة، ولهذا يزول بواسطة ظروف مادية أخرى... ويعطينا النشاط العلمي والفني في المجتمع المتقسم إلى طبقات، صورة عما يمكن ان يكون عليه عمل كل انسان في المجتمع الشيوعي، فهو ليس شاقأ بل متعة وتفتحأ... تمزج التقنية التقدمية، في المجتمع الشيوعي، العمل اليدوي بالعمل الفكري، كما انها تسمح بتخفيض ساعات العمل، فتتيح للعامل الفهـل! لتحسين تخصصه، إذ تمكنه من أن لايكون طيلة حياته أسير نفس المهمةا (1).
واما كوفالسون، فيذكر الاشكال، من زاوية استبعاد وجود اليوم الذي

تسعد به البشرية وترتفع فيه آلامها، لمجرد كونه مثاليا او
(طوبائيا) وقد يصل هذا الاستبعاد في النفس إلى حد اليقن باستحالة ذلك وقد تكلم كوفالسون عن ذلك طويلأ، ونحن نقتبس منه أهم كلامه:
"
يبذل الايديولوجيون البرجوازيون جهودهم لبذر الشك في إمكانية
تحقيق المثل الأعلى الشيوعي، وينعتونه بالطوبوية، وبالحلم الذي يستحيل تحقيقه الخ. ولكن هل هكذا هو الحال في الواقع؟ ان فكرة مجتمع عاقل او عادل قد انبثقت من قديم الزمان، وظلت بالفعل خلال الاف السنين حلما طوبوية... ولقد كشفت الماركسية هذه الامكانيات رقدمت البرهان على إمكانية بناء الشيوعية حقا وفعلأ".
ثم تساءل كوفالسون
:
"
البشرية المعاصرة التي خلقت قوى منتجة عصرية... هل هي عاجزة عن
إنث!اء تنظيم اجتماعي معقول عن التخلص من الجوع والفقر والحروب والتناحرات الاجتماعية، عن تأمين المساواة والرفاهية وامكانيات التطور الروحي للمجتمع، وما إلى ذلك؟ واي طوبوية هنا، وبم يمكن الاعتراض على هذا المثال الأعلى الذى لا ريب في إنسانيتهأ.
إلى أن قال
:
أ ولكن الانسان لا يولد صالحا او شريرا، بل يصبح كذلك في المجتمع
. يقينأ أن الانسان ليس ملاكا وانه لن يصيريومأ ملاكا. ان حاجاته المادية ستتطلب دائا تلبيتها. ولكن لماذا يقال عنها انها مصدر الشر.
(1)
المصدر 193- 194
.
س 2

353

إلى ان قال
:
"
والمفتاح لحل هذه المعضلة، كـما برهنت الماركسية، إنما ينبغي
البحث عنه لا ؤب طبيعة الناس بل ي نشاطهم ذاته، لأن الانسان نفسه يتغيربتغير الواقع المحيط به. ولهذا، ليس ما يسمى بطبيعة الانسان عقبة يستحيل تذليلها لأجل بناء المجتمع الجديد دا.
واضاف
:
"
وماذا أيضا؟ خطر القضاء على الحضارة في حرب حرارية نووية عالمية؟
هذا الخطر موجود فعلا، ولكن مصدره ليس الاشتراكية... ولهذا يتطابق اليوم النضال ضد الامبريالية ضد الاستثمار والاستعمار الجديد، من أجل السلام والاشتراكية... " (1).
وهكذا توصلت الماركسية، إلى أن مثالها الأعلى ممكن، وغيرمستحيل
. واخيرا، فإن هناك إشكالا اخر على الماركسية يتضمن التساؤل عما سيحدث بعد الشيوعية، فان الماركسية وصلت بماديتها التاريخية إلى هذا الحد ووقفت. فبماذا يمكنها ان تجيب عن هذا الاشكال.
وجدنا أحد الماركسيين قد تعرض لهذا السؤال، وقال في جوابه- فيما
قال:-
9
إن نشوء الملكية الشيوعية لوسائل الانتاج تحل قضية الملكية عمليا
اطم الانسانية، ثم
لا تعود العملية التاريخية الطبيعية لتطور الانسانية تحمل طابع
تغييرتشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى اخرى تختلف عنها في شكل الملكية، وهذا يعني أن تقدم المجتمع سوف يتحقق على اساس الملكية الانسانية العامة. وبهذا المعنى سيكون تقدم المجتمع تطورا لا محدودا للتشكيله الشيوعية... بيد أنه لا ينبغي ان نستنتج من هذا ان مجتمع المستقبل لن ممرفي مراحل نوعية خاصة من تطوره. كل ما في الأمر هوان هذه المراحل سوف لن تتميز عن بعضها بشكل الملكية و(نما بمقاييس موضوعية أخرىأ (2).
(1)
المادية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 145- 146. كل الفقرات
المنقولة عه. (2) المادية التاريخية، نرجمة أحمد داود صر 190.
354

مناقشة

الطور الشيوعي الأعلى

لا ينبغي أن نختلف مغ الماركسية في وجود المستقبل السعيد للبشرية
بأي
اسم سميناه، فانه من القضايا القطعية التي لا يتطرق إليها شك، كما
سوف نبرهن عليه. وقد سبق ان اعطينا عنه جملة من التفاصيل في الجزئن السابقين من هذه الموسوعة.
واتفاقنا مع الماركسية في ذلك، هو الذي حدا بنا إلى الدخول في
تفاصيل نظريتها، لنرى ما إذا كانت الماركسية قد وفقت فعلا في استنتاجاتها والمقدمات التي أوصلتها إلى التركيز على هذه النتيجة.
وعلى أي حال، فقد قلنا في مقدمة هذا البحث، ان ذهابها إلى ذلك
يعتبر إحدى نقاط القوة في الفكر الماركسي واشدها إغراءا لجلب العقول إلى جانبها، مضافا إلى محاولة الماركسية استيعاب الكون والحياة بفلسفة واحدة متعاضدة. وسنثبت، غير بعيد، ان. نظرية التخطيط الالهي العام تشتمل على كلا
هاتين النقطتين من القوة، مع وجود نقاط قوة اخرى كثيرة. وعدم ورود
اي إيراد من الايرادات التي ذكرناها ضد الماركسية على نظرية التخطيط الالهي. ومن هنا تكون هذه النظرية قد توصلت إلى نفس النتيجة بمقدمات اصح وامتن.
وقد عرفنا بأوضح شكل المناقشات التي تمنى بها الماركسية، وان
المقدمات
العامة والخاصة والتفاصيل للفهم الاجتماعي الماركسي، كلها لا يمكن
أن تكون صحيحة.
وهنا لا بد من الاشارة إلى الأفكار الثلاثة التي ذكرناها في أول
مناقشة الطور الأدق، فإنها واردة هنا، فليرجع القارىء إليها.
355

وقد ذكرت الماركسية، تفاصيل كثيرة من اوصاف الطور الأعلى (يوم
سعادة البشرية) كأنها عاشتها فعلا، وشاهدتها مطبقة في عالم الحياة... مع العلم أنها تعترف أن ايا من دول ما يسمى بللعسكر الاشتراكي، لم يصل إلى هذا الدور إلى حد الان. ولا زالت هذه الدول تعطي العامل حسب عمله لا حسب حاجته، وتعترف بالملكية الخاصة في كثير من الميادين؟ والجهاز الحاكم (الدولة) لازال موجودا فيها لم يضمحل.
المهم، أن هذه ألأوصاف للطور الأعلى، اخذتها الماركسية من مصادر
ثلاثة:
المصدر الأول: الوضوج العقلائي العام بأن صفات معينة تكون هي السبب
في سعادة البشرية، أو انها تشارك فيها مشاركة فعالة... كالمساواة الاقتصادية وارتفاع الخلافات والتناحرات بين الناس، وتعميم الثقافة في المجتمع... ونحو ذلك، فان من أراد أن يفكر- بدون جهد- في الأوصاف الموجبة لسعادة الناس، فانه لن يعدو مثل هذه الصفات.
المصدر الثاني: المادية التاريخية، بمالها من الخصائص والقواعد،
حيث اصبحت تصل بثقلها إلى هذا الطور الأعلى، فتطبعه بطابعها في نظر الماركسية، واهم الصفات التي وسمته بها: زوال الطبقات وزرال الدولة، وزوال الملكية الخاصة.
المصدر الثالث: آراء خاصة للماركسيين واجتهادات شخصية ملئوا بها
الصحف والكتب في صفات الطور الأعلى. ورأوا ان المجتمع الذي تسعد به البشرية ينبغي ان يكون كذلك، وادعوا أنهم استنتجوا ذلك عن طريق الماديه التاريخية، وسنرى عن قريب أن هذه القواعد غيرمربوطة بالمرة بهذه الصفات. ومن اهم ما ذهب إليه الماركسيون نتيجة لهذا المصدر القاعدة الشيوعية
(
من كل حسب عمله ولكل حسب حاجته)، وكذلك الأسلوب البديل عن الدولة
بعد زوالها.
أما المصدر الأول، فهوصحيح إلى حد بعيد، وان كان قد يقع الشك في

ان قضية معينة مستنتجة منه فعلأ أم لا
.
وأما المصدر الثاني، فقد عرفنا من خلال هذا البحث بكل تفصيل عدم
356

صحته، ومعه فتكون النتائج المتفرعة عليه غير صحيحة، بطبيعة الحال
. وأما المصدر الثالث، فهم الذين يتحملودط مسؤ وليته وحدهم، لأن رأي
اي فردنافذعليه، فقط، ولايمكن أن يكون نافذا على غيره، إلا عن طريق
الاقناع. وستكون لنا فرصة واسعة، نتيجة لقدسية الحرية في الاستنتاجات العلمية والفكرية أن نقتنع بما نشاء، أو أدن نرفض ما نشاء حسب المقدمات التي يوصلنا إليها التخطيط- الالهي لليوم الموعود.
-3-
ونحن وان لم نصل بعد إلى اوصاف اليوم الموعود، الدي رصدنا له القسم
الثالث من الكتاب، إلا أنه يمكننا هنا أن نعطي بعض الفقرات المناسبة مع هذه المناقشات، محيلين البرهنة عليها على ما يأتي من البحث.
ان الماركسية اعطت ليومها الموعود وطورها الأعلى عددا من الأوصاف
في التعاريف وغيرها، يمكن ان تنطبق على يومنا الموعود اعني الناتج عن التخطيط الالهي. وذلك: أما باعتبار كونها مستنتجة من المصدر الأول الذي ذكرناه، فتكون مشتركة وواضحة في ذهن كل من يخطط لسعادة البشرية. او باعتبار أنها مستقاة من المصدر الثالث، وقد حصل التطابق- صدفة- بين بعض آراء الماركس!ن واجتهاداتهم، وبن أوصاف اليوم الموعود.
أنظر معي إلى العبارات التالية، وكلها مما سبق الق سمعناه
:
"
الشيوعية هي المستقبل المشرق للانسانية جمعاءا
.
بل اليوم الموعود هو المستقبل المشرق للانسانية جمعاء، وهوحلم
الانسانية
طيلة قرون
.
إن اليوم الموعود ينطبق عليه تعريف كوفالسون تماما، وان لم يكن
تعريفا
إلا لبعض جوانبه
.
فهوا تنظيم اجتماعي عاقل يعتمد على قاعدة تكنيكية عالية التطور،
ويوحد الناس في
إطار وحدة تضامنية من أجل إخضاع قوى الطبيعة باطرإ:، ويوطد سيادة
الانسان على علاقاته 1 أ، جتماعيه بالذات، ويوحد النظابم الاجتماعي كله والثقافة المادية والروحية كلها نحو تطوير الانسالط، نحو تطوير الفرد تطويرا متناسقا متناغما ".
هذا بشرط أن لا تنطبق الأساليب التي تقترحها الماركسية بالمصدر
الثالث، للوصول إلى هذه النتائج الصحيحة، بل لليوم الموعود أساليبه الخاصة به
357

ومفاهيمه مضافا إلى كل ما ذكر
.
واليوم الموعود هو- ايضا
-:
9
فض سر التاريخ ودرجة عالية من التقدم الاجتماعى وظاهرة تاريخية
عالمية وهو وحده
الذي يدل البشرية على مخرج من تلك النزاعات الفاجعة التي تتخبط
فيها. ولهذا لا بد أن تصل الشعوب إليه، عاجلا ام آجلاث ولا مراء أن تشكيلة (اليوم الموعود) ستكون عامة، وان جميع الشعوب ستبلغ في آخر المطاف مستوى واحدا، فيبدا آنذاك تاريخ واحد لبشرية وا حد ة ".
كذلك قال كوفالسون، وكذلك نقول
.
اضف إلى ذلك صفات أخرى مما ذكره الماركسيون
:
ففي اليوم الموعود
" ستحقق الثقافة فه نهوضا أ يسبق له مثيل. ان الثقافة " الموعودة "
ترث وتطور كل ما هوتقدمي، وأفضل ما خلقته الثقافة العالمية ستكون
مرحلة جديدة عليا من تطور الانسانية الثقافى.
إن اليوم الموعود يفترض
" بل يصنع " إنسانا جديدا يتناسق فيه الغنى الروحي والنقاء الأخلاقي والكمالط الجسماني. ان الوعي " الموعود " وحب العمل والانضباط والاخلاص لمصالع المجتمع، تلك هى الصفات المتكاملة لهذا الانسان. وسيكون إنسان ذلك العهد متناسقا ومتطورأ من جميع النواحي حيث ستتطور قابلياشه ومواهبه، وتزدهر كليا وتتجلى بوضوح أفضل خصاله الروحية والجسمانية!.
و(ذا كان الماركسيون قد انتهوا من اوصاف مجتمعهم السعيد، فان
التخطيط الالهي يعتبر هذه الأوصاف بسيطة وقلحلة بالنسبة إلى الوعي والتنظيم الفردي والاجتماعي الموجود في يومه الموعود. وسنوضح ذلك بكل تفصيل عند الحديث عن هذا التخطيط، وسنعرف أن هذه النظرية هي التي من حقها أن تتحدث عن هذه الأوصاف دون الماركسية.
وماذا بعد عن التعاريف، وهل تنطبق تماما على الطور الأعلى، طبقا
لقواعد الماركسية العامة.
إن عددا من الخصائص التي وردت فى تعريف (كارل ماركس) للشيوعية

لا يمكن أن يكون صحيحا، فضلا عن ان يكون تعريفا كاملا من الناحية
المنطقية. حيث قال عن الشيوعية- كا سمعنا-: لا انها تملك فعلي للماهية الانسانية من قبل الانسان ".
58
بم


إن استعمال لفظ التملك وهو المفهوم الذي تنفر منه الماركسية- متطرف

هنا بالمجا: يةء ان ماركس يريد من ذلك سحطرة الانسان على شؤون
نفسه. وهي ليست خصيصة للطور الأعلى بك تشمل كل نظام مادي منفصل عن تشريع السماء. ولكن تعبيره قاصر عن اداء ما يريده، فان الماهية الانسانية غيرقابلة للتملك بالمعنى المفهوم من الماهمة والتملك. وان اياد ملكية الانسال! ملكية شخصية، عدنا- إذن- إلى عصر الرق.- إن أراد سيطرة بعض الانسان على بعض عدنا إلى عصر الدول التي تكون قد زالت يومئذ. وان اراد سيطرة جميع المجتمع على جميعه، كـما هي الصورة المثالية المتطرفة للديمقراطية فهذا مما لا يمكن تطبيقه بالضرورة، كـما سنقول بعد قليل عند مناقشة ارتفاع الدولة.
وقال ماركس عن الشيوعية أيضا
: " انها الحل الحقيقي للتضاد بين الانسان والطبيعة ". وهذا لا معنى له، لأن التضاد لو كان موجودا فهو يعود إلى الوجود التكويني للانسان والطبيعة، ولا ربط له بالنظام الفكري والتشريعي للمجتمع. ومن الواضح أن الانسان كلما ذلل قسما من الطبيعة طمع في تذليل اقسام أخرى منها، وهي أعمق وأوسع من أن تنتهي.
وقال عنها
: " انها الحل الحقيقي للتضاد بين الانسان والانسان، وسوف نبرهين خلال القسم الثالث، ان هذا إنما يكون ممكنا لو اتصف افراد المجتمع (بالعصمة يا كما هو هدف التخطيط الالهي العام. اما من دودن ذلك، مع الالتفات إلى التركيز الاقتصادي للماركسية في تربية الأفراد، و (يلائه الأهمية الأولى في الحياة، فهذا التضاد لا يمكن ان يزول من الحياة.
وقال عنهاا انها الحل الحقيقي للتضاد بين الوجود والماهية بين
الموضعة وتأكيد الذات ".
اما قصة الوجود والماهية، فالمعنى المفهوم منهما خال عن التضاد، بل
هما متعاضدان في إيجاد أجزاء الكون ومن ثم الكون كله. وعلى افتراض وجود التضاد فهو تكويني الوجود لا ربط له بالنظام الاجتماعي، ولأ معنى لارتفاعه والحديث عن الموضعة وتأكيد الذات، والمراد به حب الذإت بما لها من نوازع وطموحات، والعالم الخارجي الموضوعي. الن الانسجام الكامل بينهما لا يكون إلا عند تطبيق العدل الكامل، ولا يكفي توفر الانتاج قي ذلك، وإن
359

كان يشارك فيه مشاركة كبيرة، وهذا ما سنحمل عنه فكرة في القسم
الثالث من الكتاب.
وقال عنها: (انها الحل الحقيقي للتضاد بين الحرية والضرورة
". وهذا واضح المجازية. لأن المراد من هذين الاصطلاح!!ن: الحرية والضرورة، وجودهما التكويني في خلقة الالسان ووجوده. وهذا أمر غير مربوط بالنظام الاجتماعي بالمرةء وقد سمعنا مفصلا كيف ان الماركسية فشلت في الجمع بين الضرورة والحرية، وكيف انها ركزت على الضرورة ني الد!ود الأولى من ماديتها التاريخية، بينما ركزت على جانب الوعي والحرية ني العهود الاشتراكية الأخيرة. وقد عرفنا فشل هذا المعنى أيضأ، لأن الانسان إن كان مضطرا إلى افعاله، طبقا للقوى المادية التي تؤمن بها الماركسية، او كان غير مضطر بالرغم من هذه القوى، فهي على اي حال صفة ثابتة للانسان لا تقوى العهود التاريخية على تغييره، شأنها في ذلك شأن الكثيرمن الصفات التي عجزت عن تغييره، كشكل الانسان ولغته وغيره مما سبق ان ذكرناه مفصلا.
ثم قال ماركسي عن الشيوعية
: " وهي تعرف ذاتها على انها هذا الحل ".
وهذا واضح المجازية... انه يتحدث عن الشيوعية كأنها فرد من أفراد
الانسان... لعله لأجل كونها صديقته المفضلة!..
ولنتحدث الآن عن زوال الدولة
.
إن الرئاسة المركزية التي تمثل الدولة القسم المتطور منها، وجدت في
التاريخ البشري منذ وجدت المجتمعات متمثلة في الطوطمية والابوة العليا والمشيخات وغيرها. حتى في المجتمعات البدائية، وقد عرفنا وبرهنا أنه لم يثبت انها كانت مجتمعات شيوعية ني الانتاج والتوزيع، كما قالت الماركسية.
ثم تطورت هذه الرئاسة واتسعت، وازدادت أهميتها ومسمؤولياتها تدريجأ

إلى أن وصلت إلى الشكل الحكومي الحديث
.
والمهمة الرئيسية للدولة في الواقع، ليس هو القمع الطبقي، و(ن كانت
كثيرمن الدول قد قامت بذلك فعلا... بل هو الحفاظ كلى مصالح المجموع، من حيث أن المجموع لا يمكنهم ان يجدوا مصالحهم اوان يحافظوا عليها، باعتبار اختلافهم ني المصالح والآرأء والثقافات وغيرها، وتعذر اجتماعهم واتفاقهم على
360

عمل أو راي واحد. فلزم وجود حاكم أعلى أو مجموعة صغيرة نسبا من
الناس تحفظ لهم تلك المصالح العامة.
والدول تختلف، باعتبار اختلاف اشخاصها وظروفها، في إدراكها للمصالح
العامة، وفى مقدار تدخلها في حياة الناس وفي مقدار إخلاصها للمجتمع وفى اساليب تطبيقها للمصالحة. وحيث ان الحكام- كأي انسان- تسيطر عليهم الرغبات الشخصية والمصالح الخاصة اكز بكثير من إخلاصهم للمجتمع ومصا-لمهم. فبهذا الاعتبار سوف يمارسون قمع المعارضين بالطرق (السلمية) تارة والدموية أخرى. ومن هنا فهمت الماركسية ان الدولة اداة طبقية للقميم.
وفي إمكاننا، إذن، ان نتصور درجة عليا من الاخلاص في الحكام
المسيطرين على الدولة، بحيث يمارسون نكران الذات ويحفظون مصالح المجتمع بدرجة عليا، تماما كما افترضته الماركسية في كل افراد الطور الأعلى اواكثرهم على اقل تقدير. ومعه لا تكون الدولة طبقية، ولا تمارس أى قمع.
وقد اعترفت الماركسية ان الدولة أحيانا لا تكون ممثلة لطبقة معينة
.
قال انجلز
:
"
فثمة، كحالات استثناثية، مراحل تبلغ فيها الطبقات المتناضلة درجة
من توازن القوى، تنال فيها سلطة الدولة لفرة معينة نوعأ من الاستقلال حول الطبقتيئ، مظهر وسيط بينهما) (1).
وإذا امكن هذا احيانا، بالرغم من القوانن المادية للتاريخ، أمكن
أيضا
في كثير من الأحيان
.
ان المجتمع البدائي، إنما كان فاقدا للدولة، لأنه لم يكن يحتاجها
لعدم
وجود مصالح عامة بالمعنى الحقيقي تجب كفالتها وحفظها. وإنما كان
الأفراد يمكنهم أن يحفظوا م!صالحهم بأنفسهم. وهذا بخلاف المجتمع المعقد الواسع والعالي التنظيم، على الشكل الذي تتصوره الماركسية في الطور الأعلى، فانه يحتاج إلى تلك الهيئة المركزية التي تحفظ له مصالحه العامة، وششحيل أن يعيش يوما واحدا بدوج!ا.
ولو كانت الشيوعية في الانتاج والحوزيع، هي التي أغنت المجتمع
البدائي
(1)
اصول العاثلة: انجلزص 227
.
361

عن الدولة، لكان من المنطقي ان المجتمع حين يعود إلى هذه الشيوعية
تارة اخرى، أن يستعني ايضا عن الدولة ة إلا ان الواقع ليس هو ذلك، بل ان انمجتمع البدائي إنما استغنى عن الدولة لبدائيته وبساطته، وليس المجتمع الأخير بدائيا بطبيعة الحال. إذن، فوجود الدولة ضروري فيه.
إن الهيئات الاجتماعية والمنظمات العمالية التي تمارس التنظيم
العام بدل الدولة، بدون أن يكون لها مجلس مشترك او ممثلين عامن (والا رجعنا إلى فكرة الدولة)، هل تستطيع هذه الهيئات أن تجيب على مثل هذه الأسئلة؟؟: ماذا تعمل لوحصل اعتداء خارجي على المجتمع، من قبل دولة رأسمالية
مثلا. وماذا تعمل لو حصلت تمردات او مشاغبات داخلية، وقد اعترف
لينين بكونها ضرورية. وماذا تعمل لو اختلف فردان أو منظمتان في الآراء والتطبيقات، ومن هو الذي يؤسس المنظمة ويعين العضوية ويعزل العضو، ويتحكم في تصرفاته. ومن هو الذي يضمن اتجاه اعمال المنظمات كلها إلى هدف واحد.
إن الجيش والشرطة والقضاء بكل اشكاله، وقوانين العقوبات والسجون،
بل كل القوانين وكل المجالس المتكفلة بتشريعها وتنفيذها، ستزول بزوال الدولة، لأنها بدورها اداة طبقية، ان المجتمع عندئذ سيصبح لقمة سائغة لأول ضربة داخلية أو خارجية.
والحق أن الماركسية حين الغت الدولة، أبدلتها بقوة مركزية اخرى،
لكنها
تعمل خلف الكواليسر، لاتحت النور، وهو الحزب الشيوعي نفسه. وهو
الذي يقوم بكل هذه المهام ويحفظ للمجتمع الشيوعي عقيدته الماركسية اللينينية، ويدرا عنها كيد المناقشات والاعتراضات في النظرية والتطبيق.
وبدون ذلك، مهما حاولت الماركسية ان تصف من خصائص المجتمع وافراده،
في الوعي والثقافة وحب العمل، فإن ذلك ما تستطيع البروليتاريا المنظمة، أن تخلقه لو استطاعت، في جيل واحد او أكثر ة واماضمان بقاء هذا المستوى العالي طوال الأجيال الكثيرة، بدون توقع هبوط أو انحراف او تمردات، او اقتراحات في تغيير النظام، او وجود فلسفات جديدة من نوابغ جط د، حين تكون الحرية محفوظة... إن ضمان ذلك بدون توجيه مركزي مستمر لفي عداد المستحيلات.
362

وقد يخطر في النص: ما سبق ان قلناه، من ان فكرة الحزبية، لدى
الماركسية، فكرة طبقية، ولا معنى لوجود اي حزب بعد ارتفاع الصراع الطبقي في الطور الأعلى.
وجوابه: ما سبق ايضا، ان الحزب الشيوعي يبقى كمنظمة ذات كيان لا

من اجل المشاركة في الصراع الطبقي، بل من اجل بناء المجتمع الجديد
بناءا ماركسيا متينا؟ وكيف يمكنه التنازل عن مهمته بعد أن اوصل المجتمع إلى نهايته السعيدة، ولا بد أن ينال هووالاخرون نتائج هذه السعادة.
ولو خطونا إلى الوراء خطوة، في مقام الجدل، واعتبرنا الحزب
الشيوعي، منحلا تماما في الطور الأعلى، فلا اقل من أن الماركسية تفترض وجود عدد مهم من الأفراد في المجتمع يحرصون على الماركسية فكريا وعمليا؟ ان هؤلاء هم الذين يكون لهم التوجيه والتنسيق باستمرار. وسيضطرون إلى عقد الاجتماعات لتنسيق الآراء وتوحيدها، وتطبيقها

على المفاهيم الماركسية، وهذه العملية تجعل من هؤلاء القوة العليا
في المجتمع، فيكون الحزب الشيوعي موجودا عوضا عن الدولة، بل هو الدولة بالذات.
واما حديث ارتفاع القانون في المجتمع الشيوعي وتعويضه بالاخلاق
...
فإن ارادت الماركسية منه ارتفاع القانون بالمرة، فهذا يؤدى إلى
تسيب المجتمع تسيبا كاملا وهو ما لا تريده الماركسية بطبيعة الحال. على أنه يوجب ارتفاع القوانين التي تسنها الماركسية لذلك المجتمع، كقانون (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته) وقانون قيادة المجتمع بواسطة المنظمات دون الدولة، وكذلك الأنظمة الداخلية لهذه المنظمات، والماركسية لا تريد ارتفاع هذه القوانين.
وإن ارادت الماركسية ارتفاع جنبة الالزام عن القوانـين، وان الفرد
يطيعها تلقائيا، فهذا خيال طوبائي... فلئن كان أكثر الأفراد كذلك، فلن يكون الجميع هكذا. وان القانون لا يمكن ان يحفظ تطبيقه بدون إلزام وعقاب على المخالفة. وإذا أمكن للبعض ان يخالفوا، ولم يكن للاخرين أن يعاقبوهم، امكن ذلك يخا الكثير بل الجميع. ومعه لا يكون للقوانـين الماركسية أي تأثيرفي ذلك المجتمع.
363

واما الأخلاق التي تريد الماركسية أن تعوض بها عن القانون، فلا
ينبغي ان
ننسى كلام انجلز عنها، الذي سمعناه عند عرض المفهوم الطبقي لدى
الماركسية... إذ قال فيما قال:
"
ولهذا فاننا نرفض كل طمع في ان تفرض علينا اية عقاثد أخلاقية
كقانون إضافي سرمدي نهائي، إلى ان قال: ولن يصبح ممكنا وجود اخلاق إنسانية حقا موضوعة فوق التعارضات الطبقية وذكراها، إلا في مستوى للمجتمع لا يكون قد تم فيه فقط التغلب على التعارض الطبقي، بل قد نسي فيه أيضا، في ممارسة الحياة اليومية، ماذا كان هذا التعارض ! (1).
ولئن ارتفعت الطبقات وزال التعارض الطبقي في الطور الأعلى، فإن

هذا التعارض لن تنسى حقيقته ودوافعه بأي حال، وخاصة في الجيل الأول
الذي يكون طليعة الطور الأعلى ورائده، وهو الذي تريد الماركسية قيادته عن طريق الأخلاق. إن اخلاقه سوف تكون اخلاقا طبقية، كـما قال انجلز وهي لا تصلح للتعويض عن القانون، في نظر الماركسية، بطبيعة الحال.
وقال كوفالسون، بعد ان اعطى تعريفا للأخلاق
:
إ ولكن هذا لا يعني أن الادراك الأخلاقي او الشعور الأخلاقي
غريزيان فطريان ة فإن الأحكام الأخلاقية تصبح حافزا داخليا للانسان بنتيجة التربية واستيعاب التقاليد والأخلاق والعادات والاعراف القائمة في المجتمع) (2).
فإذا كانت الأخلاق ناشئة من الأعراف والتقاليد، إذن فالقانون
السائد في
الطور الأعلى، هو العرف والتقاليد ليس إلا
.
ولكن هل تريد الماركسية من ذلك: مجرد العرف الساذج، إذن فستتورط

-
أولا-: بعدم استمراره اكز من جيل أو جيلين، فإن الاعراف متغيرة
باستمرار. كما انه سيكون- ثانيا- مختلطا بعقائد دينية تنفر منها الماركسية في الطور الأعلى تماما. على ان العرف والتقاليد- ثالثا: غير قابلة اساسا أن تكون قانونا كاملا للمجتمع بأي حال. فإن فيها عادة نقائص عن قضايا مهمة لا يدركها ابن الشارع الذي يبني العرف والتقاليد، كما ان فيها زوائد ينبغي تهذيبها. ولئن افترضنا أن الماركسية استطاعت حذف الزوائد، فهي لا يمكنها ان تص!من إه لة الئواقص و الذهن العرلى السادج الذي لا يدرك القضايا (1) نصوص مختارة: انجلزص 160- 161.
(2)
المادية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 304
.
364

العميقة
.
إذن، فالماركسية لا يمكنها ان تبقي العرف ساذجا، بل تعتمد اعتمادا
كليا
على قيادة الحزب الذي يعوض عن الدولة في الطور الأعلى، فهو الذي
يتكفل ايجاد (العرف) المطلوب، إزالة ا لعقائد (الرجعية) بالشكل المرغوب. فما راي القارىء في ذلك. كل ما في الموضوع أن الماركسية تضمر ذلك، ولكنها تعرض في مصادرها شيئا آخر غيره.
-7-
أما بالنسبة إلى زوال الطبقات، فمن المسلم به أن البشرية لا يمكن
ان
تسعد في اي مجتمع إلا بزوال الضغط واهمية الطبقات عموما، بحيث لا
يكون لأي طبقة على طبقة اخرى اي حكم ونفوذ، ويكون الفرق المالي بين الأفراد قليلا جدأ على أن يكون الدخل الفردي للجميع عاليا ومرفها. وهذا من صفات المجتمع العادل في اليوم الموعود على ما سنرى.
وأما الماركسية، فهل تستطيع إزالة الطبقات بشكل (تطبيقي) وحقيقي،

وراء ما أعطته من نظريات تجريدية، ناتجة من الاعتقاد بتأثي تطور
وسائل الانتاح على المجتمع، الأمر الذي سبق ان ناقشناه مفصلا.
وقد فهمنا الأطروحة الماركسية لذلك: ان البروليتاريا
نجدكتاتوريتها،
سوف تزيل عن الوجود كل المتموليئ في المجتمع، اما بقتلهم أو
بتجريدهم عن أملاكهم، ويتكفل الطور الشيوعي الأول تربية هذه البروليتاريا ومؤيديها إلى الحد الذي تستطيع به حمل مسؤولية القيادة ني الطور الأعلى، وتقرن ذلك بالقوانن التي تراها صالحة لسعادة المجتمع تدريجأ، او- في الحقيقة- تلك القوانن التي ترسخ في المجتمع الفكر الماركسي وقوة حزبها القائد.
فهل استطاعت وتسشطيع الماركسية ان تنجح في ذلك. ان الايرادات التي

يمكن ان تورد بهذا الصدد، عديدة
:
الايراد الأول: عدم انطباق قانون الديالكتيك عليه، من ناحيتن
:
الناحية الأرلى: ان الطور الأعلى منسجم مع الطور الأدق، كل
الانسجام لأنه يعتبر تأكيدا وتركيزا لصفته الاشتراكية، وليس نافيا له، كـما هو المفترض في الديالكتيك. وليس الطور الأعلى موجودا بعد الراسمالية لنقول: انه ناف لها.
365

الناحية الثانية: ان الطور الأعلى مهما افترضناه، سواء كان: اطروحة
او
طباقا او تركيبا، فإنه يحتاج لقانون الديالكتيك إلى الفقرة
اللاحقة. مع أن الماركسية إلى عهد قريب جدا، كانت تفترض تأييد هذا المجتمع الاشتراكي، ما دامت البشرية موجودة.
نعم، وجدنا يخا بعض المصادر الماركسية المتأخرة، التساؤل عما سوف

يعقب المجتيم الشيوعي. وهو ما نقلناه في الفقرة الأخيرة من الحديث
عن الطور الأعلى. وقد اجاب عنه المؤلف من زاوية المادية التاريخية اعني عامل تطور وسائل الانتاج، لا من زاوية الديالكتيك، كما هو واضح لمن راجعه.
إذن، فمن زاوية الديالكتيك تكون الماركسية مخيرة بين التنازل عن
قانون الديالكتيك أو عن تأييد المجتمع الشيوعي. وهي لا شك فاعلة للثاني اعني التنازل عن تأييد المجتمع الشيوعي، لأن قانون الديالكتيك لديها قانون كوني أعم وأشمل من المجتمع ومن كل قضاياه السياسية والاقتصادية.
إذن، فلتقل الماركسية من اول الأمر: أن البشرية سوف تمر لعدة سنوات

-
تطول أو تقصر- بفترة تعيش فيها العدالة او الاشتراكية أو
السعادة، ثم تعود مرة اخرى إلى المثاكل. ومغه يكون الأمر اهون من كل هذه التفاصيل، أ، يستحق التقديم له بقوانن المادية التاريخية ومعرفة فلسفة التاريخ. مع العلم أن الماركسية إنما اكدت على كل ذلك، من اجل نتيجته الكبرى، الطور الأعلى. والنتيجة العملية لذلك، هوان كل هذه الارهاصات، ليس إلا لأجل ان
يسيطر الشيوعيون على العالم بفكرهم فلسفيا واجتماعيا واقتصاديا
- اولا- ويباشروا الحكم فيه- ثانيا- بدل الدول التي تتفتت أمام ضرباتهم المتلاحقة. ثم يحاولون أن تطول هذه المدة إلى اكبر قدر ممكن من عدد السنوات، مهما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وإلا فمن الصعب أن نتصور ان البشرية عاشت آلافا طويلة من اعوام

الظلم والمشاكل والحروب. لكي تكون النتيجة هي السعادة لمدة عدة
سنوات او عده عشرات من السنين فقط. بل ان ذلك لن يكون محسوسا خلال التاريخ البشري الطويل السابق عليه واللاحق له. ولا يعني ذلك تحقق شيء مهم سوى سيطرة الشيوع!ن على الحكم لفترة من الزمن.
الايراد الثاني: عدم انطباق قانون التغير على الطور الأعلى. فان من

366

واضحات هذا القانون الماركسي حدوث الطفرة بين التغيرات الكمية
المتجمعة والتغير النوعي، كـما سبق أن عرفنا. في حين لم يحدث مثل ذلك عند اول إنجاز الطور الأعلى، فان الطفرة تتمثل على الصعيد الاجتماعي بالثورة او نحوها من الأساليب الاجتماعية. ولكن المفروض ذوبان الدولة واضمحلالها تلقائيا، وبطريقة لا تكاد تكون محسوسة فضلا عن ان تكون ثورية، وكذلك الحال في زوال الطبقات والملكية الخاصة.
الايراد الثالث: إن من جملة الأساليب المهمة التي تتخذها الماركسية
في
طريق زوال الطبقات وتوحيد الدخل الفردي ثا المجتمع، هو القوانن
الاقتصادية التي تسنها، كقانون: " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته دا ونحوه مما سنناقشه بعد قليل، وسيثبت عدم صحتها، وعدم إمكانها الوصول إلى هذه النتيجة المتوخاة، إذن، فهي عاجزة عن توحيد الطبقات او إزالتها، كما تريد الماركسية.
الايرادا الرابع: اننا لو غضضنا النظر عن الايرادات السابقة،
وفرضنا
أن المجتمع الشيوعي أصبح مطبقا، فماذا تقدم لنا الماركسية من
ضمانات لا ستمرا ره.
وغض النظر عما سبق، يقتضي غض النظر أيضا عن قيادة الحزب خلال

هذا الطور الأمر الذي تحاول الماوكسية باستمرار إخفاءه وراءالستار
وإبراز القضية جمأنها طبيعية تماما.
ان القضية لو كانت طبيعية حقا، لم يكن أي ضمان لاستمرار الطور

الأعلى عدة أعوام فضلا عن عدة اجيال... لأسباب عديدة اكـز من أن
تحصى يضمنها جو الحرية والديمقراطية الحقيقية المفروض توفره في ذلك العصر. ان اختلاف الاراء لا محالة يبرز بوضوح في الفلسفة والاقتصاد، أعني الاختلاف مع الماركسية جملة وتفصيلا او الاختلاف في تفسيرها أو الاختلاف في صحة الدين او في معنى الأخلاق أو الاختلاف في المصالح الاقتصادية أو غير ذلك. والمفروض عدم وجود قيادة مركزية عليا تمسك بزمام الأمور، وتصحح ما قد تعتبره من الأخطاء.
إن هذه الاختلافات سوف تنتج التناحر بسرعة وسهولة، وهي أشبه شيء
بالتناحر الطبقي، وسوف تقضي بنفس السرعة والسهولة على هذا الطور
367

الأعلى، ولا يمكن أن يشفع لها زيادة الانتاج او التقدم التكنيكي
الهائل، أو توفر الأفراد على العمل وحبهم له.
وقيادة الحزب المركزية، لا يمكن أن تكون مجدية، لو التزمت حقا بما
تقوله الماركسية من ارتفاع القانون وانتفاء الجيش وإلبوليس والعقوبات، ان هذه القيادة يومئذ سوف تتعب كثيرا لانجاز أقل مهماتها فضلا عن أهمها، فضلا عن المحافظة على هذا المجتمع لمدة طويلة.
الايراد الخامس: ان الماركسية تعطرب لهذا المجتمع صفتين متهافتتين
: احداهما: خلوه من الطبقات. والأخرى: وجود القيادات فيه على مراتب مختلفة.
فهناك النقابات والهيئات التي تحكم العمال وهناك رؤ ساء هذه
المنظمات،
الذين يحكمونها وينظمولط شؤونها، وهناك الحزب الشيوعي الذي يحكم كل
ذلك اقتصاديا وسياسيا. وهل الطبقية غيرذلك؟!.. كل ما فعلته الماركسية أنها أبدلت بعض أشكال الطبقية بأشكال أخرى، وادعت انها رفعت الطبقية. ان المجتمع الماركسي الذي تمحي فيه الطبقات، مليء بالطبقات!!..
-8-
فلنناقش الآن القانون الاقتصادي القائل: من كل حسب طاقته، ولكل

حسب حاجته. بادئين بالفقرة الأولى منه
.
وهنا لا بد ان نقف قليلا؟ ان الفقرة الأولى تنقل بعبارات مختلفة
: (من
كل حسب طاقته لما و (من كل حسب قدراته
" و" من كل حسب كفاءاته لا مع انها عبارات مختلفة في عطائها اللغوي لا محالة. فأي منها تريد الماركسية؟ وهل يمكن أن تريدها جميعا، مع أنه ينافي الحدية والوضوح في صياغة القانون هذا ما لم توضحه الماركسية.
ان الطاقة والقدرة، مهما إختلفتا لغويا، فان مؤداهما في هذا السياق
واحد
وهو ان على الفرد ان يؤدي كل ما يستطيعه من اعمال في زيادة
الانتاج. يشمل ذلك: الخبرات وساعات العمل والمستوى النفسي والثقافي للفرد. ان عليه أن يجند أكبرما يمكن من ذلك في سبيل مذا الهدف.
ان الماركسية، لو قصدت هذا المعنى فقد واجهت الايرادأت التالية
:
الوجه الأول: ان الالزام بعد ان رفعته الماركسية في ذلك المجتمع لا
معنى
368

لصياغة القانون بهذا الشكل. بل ينبغي- على ذلك- ان تقول: من كل حسب
رغبته.
الوجه الثاني: انه بعد ارتفاع القوة المركؤية المسيطرة (الدولة
) كيف
تضمن الماركسية ان الأفراد قد اعطوا كل ما يستطيعون من طاقات
. ومجرد حب العمل وارتفاع صفة الكسل، لا يعني استنزاف كل طاقة الفرد اليومية، كما هو واضح، وكما هو ظاهر عبارة الفقرة الأولى من هذا القانون.
الوجه الثالث: انه لوادى كل شخص كل طاقاته اليومية، لبدا التفاوت

في الأهمية واضحا بين الناس، لاختلاف قدراتهم وكفاءاتهم. ان القيمة
الأساسية في تفضيل الفرد ستكون هي زيادة مشاركته في زيادة الانتاج. وبهذا يستطيع الشخص الأكفأ أن يبرز اجتماعيا اكثر من غيره، تماما كما برز مثيله في المجتمع الشيوعي البدائي، وادى ذلك إلى وجود عصر الرق. ان ذلك سيكون - على الأقل- منافيا مع المساواة المطلوبة يومئذ.
الوجه الرابع: ان هذا المعطى للقانون، ينافي ما وافق عليه ماركس
- كما سمعنا- من كون العمل ثمان ساعات، وما اقترحه بوليتزر- كما عرفنا- من كون العمل ست ساعات، ثم يخفض إلى خمس ساعات، يقضي الفرد باقي يومه حرا. إذن، فلم تأخذ من كل فرد كل طاقاته، وهو خلاف نص هذا القانون، وخلاف المصلحة العامة، وهي العمل في زيادة الانتاج. لأنه ان استطاع ان يعمل في سبيل هذا الهدف ساعات اطول، ولا زالت قدرته موجودة، فلماذا يتقاعس عن ذلك؟
واما لوكانت الفقرة الأولى من القانون تقول: من كل حسب كفاءاته
فهذا
قد يعني القدرة والطاقة أيضا، لاندراجهما في مقدار الكفاعة، كما هو
واضح، ومعه تكون الأيرادات السابقة سارية المفعول.
إلا ان الظاهر من الكفاعة امر مختلف، وهو الاختصاص بالدرجة الأولى،

مع لحاظ المستوى الثقافي والنفسي والعقلي، وغض النظر عن مقدار
القدرة الجسمية.
فان كان المراد مق الفقرة الأوك من القانون، ذلك... كانت
الايرادات. التالية موجهة إليه:
الوجه الأول: هو الوجه الأول من الأربعة السابقة، فان الالزام بعد
ان
24
369

يكون قد ارتفع في ذلك المجتمع، لا معنى لقسر الفرد على تطبيق
اختصاصه في عمله، لو اراد- لحاجة في نفسه- ان يعمل عملا آخر.
الوجه الثاني: ان التركيز على الاختصاص وغض النظر عن القوة
الجسمية، يعني عزل القانون عن الكثرة الكاثرة من غير الاختصاصين، الذين ليس لديهم من الكفاعة غير القدرة الجسمية. ولا معنى لأن يكون كل الناس اختصاص!ن. كما هو واضح، بل ولا حاجة لذلك أصلا.
فإن قالت الماركسية: ان الكفاءة في نص القانون، متخهـصمنة للقدرة
الجسمية ايضا، إذ لا ينبغي غض النظر عنها. قلنا يخا جوابها: ان هذا المعنى يرجع معنى الكفاءة إلى معنى الطاقة والقدرة الذي سبق أن ناقشناه.
الوجه الثالث: ان القانون، طبقا لهذا المعنى، وهو غض النظر عن
القدرة الجسمية، يصبح مهملا للجانب الأهم المشارك في زيادة الانتاح، وهو ساعات العمل. وهل ان على الفرد أن يبذل من قدراته ساعات اكثر في اليوم او أقل؟. وهو نقص كبيى على مستوى الاقتصاد الماركسي. وخاصة مع عدم وجود قوة مركزية تقوم بتحديد ذلك، كـما تفترض الماربهسية.
فهذا ما يعود إلى الفقرة الأولى من القانون
.
وأما الفقرة الثانية منه
: " لكل فرد حسب حاجاته)!، فيمكن ايضا مناقشته بعدة وجوه:
الوجه الأول: إن الحاجات غير محددة بين الناس، فانها تختلف من بلد

إلى بلد ومن قطر إلى قطر ومن قارة إلى قارة، وان أذواؤ الناس
واتجاهاتهم ثا فهم الحياة تختلف اختلافا كبيراج!ا، وتؤثر في اختلافهم في تشخيص الحاجات، وفي فهم الضرورية منها من الثانوية.
وحتى لو قيدنا الحاجات، بالحاجات الحكيمة- كـما فعل ماركس- فاننا
لم
نفعل شيئا مهما، فان تمييز الحكمة في الحاجة مما يختلف فيه الناس
اختلافا كبيرا ايضا.
أللهم إلا أن يقال: ان الحاجة الحكيمة هي التي يميزها ماركس او
الحزب الماركسي. إذن فقد عدنا إلى القيادة الحزبية التي أخفتها المصادر الماركسية. وان كان تعلن ذلك موكولا إلى رؤساء النقابات والهيئات الاجتماعية،
كان ذلك شكلا من أشكال السلطة والطبقية، التي تنفيهما الماركسية عن
الطور
370

الأعلى. ولم يكن- مضافا إلى ذلك- أي ضمان لحسن تقديرهم، أولا،
ولحيازة القسط الأصق من النفع لأنفسهم، ثانيا.
الوجه الثاني: ماذا تقول الماركسية فيما لو زادت طاقة الفرد على
حاجته،
وقد احب أن يعطي طاقته كلها، طبقا لحبه للعمل، أو طبقا لهذا
الاقانون، لو كان نص الفقرة الأولى: من كل حسب طاقته. وهو بالطبع لا يأخذ إلا بمقدار حاجته انه سوف يحصل على أقل مما اعطى وضحى، وسوف يبقى قسم من عمله بلا مقابل... تماما كـما كانت تفعل الرأسمالية في أخذ القيمة الزائدة، التي وصمتها بها الماركسية. كل الفرق ان العمل في الراسمالية للراسمالي، وهنا للمجتمع، او بتعبير آخر: لقادته الماركس!ن.
إن الماركسية في مثل ذلك، لا تستطيع ان تعطيه أكز من حاجته، لأنها

تبدأ بإيجاد التفاضل بين الناس. كـما انها لا تستطيع ان تأخذ منه
اقل من طاقته، لأنه خلاف منطوق القانون، وخلاف مصلحة زيادة الانتاح. ومن هنا تقع في القيمة الزائدة.
الوجه الثالث: ماذا تقول الماركسية لو نقصت طاقة الفرد عن حاجته،
أما باعتبار نقصان طاقة الفرد عن المقدار الطبيعي بشكل دائم او بشكل عارضر، او باعتبار زيادة حاجة الفرد لعارض ما كالمرض او السفر، والمريض دائما تنقص طاقته عن حاجته، فإنه بينما لا يستطيع العمل بمقدار الفرد الطبيعي من الساعات اليومية فإن حاجته تزيد عليه باعتبار تداويه ومنهجه الغذائي وغيرهما.
إن نسبة مدخوله إك عمله ستكون اعلى بكثيرمن الفرد الاعتيادي. فلعل

من حسن حظ الفرد ان يكون مريضا دائميا يعمل قليلا ويأخذ كثيرا. إن
هذه النسبة سوف توجد التفاضك بين الناس، وستغري عددا من الأفراد بعدم تجنب الأمراض التي لا تمنع عن مقدار من العمل، في سبيل كثرة الراحة وزيادة الدخل.
الوجه الرابع: ما سمعناه من لينين نفسه انه لواخذ كل فرد بقدرحاجته

بغير مراقبة، لأخذ الناس الأموال بلا حساب
.
وقد أجاب عنه لينين بما حاصله: إننا نفترض يخا الطور الأعلى
إنتاجية
عمل غير إنتاجية العمل الحالي يعني تكفي لسد كل الأطماع، ونفترض
إنسانا غير الانسان الحالي التافه، يعني إنسانا خاليا من الأطماع.
371

ولكن هذا الجواب غير صحيح على ما سنذكره في الوجه الرابع. ومعه

يكون هذا وجها صحيحا في الايراد على هذا القانون الاشتراكي
.
واما لو قلنا بما قاله بوليتزر من ان لكل حسب إرادته، لما كان في
اخذ الأموال بلا حساب، أي محذور، حتى لو تكدس المال صدفة عند البعض دون البعض، كالوضع الراسمالي لم يكن ذلك مضرا... لأن كل واحد قد اخذ حسب إرادته.
الوجه الخامس: ما ذكره بوليتزر: من ان المجتمع لن يستطيع ان يقدم

لكل فرد 9 حسب حاجته ! اي مجانا، دون أن يحاول كل فرد عندئذ، ان
يعمل اقل ما يمكن، وهكذا يأتي الفقر بسرعة.
وأجاب عليه بما حاصله: أن طبيعة الكسل في الانسان ناتجة عن ظروف

طاوئة وليست أصيلة في النفس، فيمكن للفرد في المجتمع الذي يصبح به
العمل متعة وتفتحا، أن يعمل بالمقدار المرغوب، ل! أقل ما يمكن.
وهذا الجواب كسابقه الذي ذكره لينين، يتوقف على افتراض الانسان

الخالي من الأطماع والمنكر لذاته في سبيل المجموع، فهل تستطيع
الماركسية ان تقوم بذلك؟ هذا ما سنبحثه بعد الوجه السادس الآتي مباشرة.
الوجة السادس: انه لو أخذ الناس العاملون بمقدار الحاجات، لتساوى

دخل الشخص الكفؤ وغير الكفؤ، والذكي وغير الذكي، والقوي وغير القوي
والاختصاصي والبسيط. بل لأمكن أن يقل دخل الرجل الأحسن والأكمل لقلة حاجاته بالنسبة إلى الآخر.
وهذا ينتج أن العامل الأحسن، سوف لن يكون له أي داع لكي يعمل بشكل
افضل من العامل الآخـر. إن القوي سوف يعمل كـالضعيف والاختصاصي كالبسيط لأنه- على اي حال- سوف يأخذ نفس المقدار من المال.
نعم، لو استطعنا ان نحضل اناسا اقوياء او اختصاصمن منكرين لذاتهم
ومتبرعن بأعمالهم، لكان لهذا الكلام نصيب من الصحة. فهل تستطيع الماركسية إيجاد هذا الانسان.
إنها لو كانت تستطيع إيجاد هذا النموذج، لما كان الوجه الثالث إلى
السادس من الايرادات واردا على هذا القانون الماركسي. ولكن حيث لا تستطيع
372

إيجاد ذللق تكون كل هذه الوجوه واردة كإشكالات على الماركسية
.
إن الماركسية التي وزنت كل شيء بالميزان الاقتصادي وفلسفت التاريخ
كله
على اساس الاقتصاد، وان كلماتهم واضحة في ذلك
...
قال ماركس
:
ا إن الناس أثناء إلانتاج الاجتماعي لمعيشتهم، يقيمون فيما بينهم
علاقات ضرورية مستقلة عن إرادتهم... ومجموع علاقات الانتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، اي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي، وتطابقه كذلك أشكال معينة من الوير الاجتماعي. إن) سلوب إنتاج الحياة المادية يكيف تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري " (1).
وقال انجلز
:
"
إننانرى للظروف الاقتصادية القول الفصل في تحديد التطور
التاريخي. وعليه، فالأصل هو نفسه عامل اقتصادي) (2).
وقد سمعنا هذه الكلمات في اول البحث، وإنما نقلناها هنا تأكيدا
...
إن هذه الماركسية لا يمكنها أن تصنع من الانسان شخصا منكرا لذاته،
ولأهمية العامل الاقتصادي، بحيث يعمل مجانا أحيانا وشمتغني عن بعض دخله أحيانا اخرى، ويغض النظر عما يمكن ان يحصل عليه من أموال أحيانا ايضا. كما هو المستنتج من الوجوه السابقة المشار إليها (3).
كيف، د ان فلسفة المادية التاريخية كلها قائمة على اهمية العامل
الاقتصادي
إلى اقصى درجة. وهذه الفلسفة هي التي تريد الماركسية ترسيخها في
ذهن المجتمع.
فما زلنا نسمع منها التركيز على وسائل الانتاح وعلاقات الانتاج،
كسبب
(1)
المادية الديالكتيقية لستالين ص 65
.
(2)
نصوص مختارات لانجلز صر 179
.
(3)
فطبقا للوجه الثالث يجب ان يوجد الفرد الذي لا يود زيادة
مدخوله على عمله، ومن ثم
لا يتجنب التعرض للأمراض. وفي الوجه الرابع يجب أن يوجد الفرد الذي
يستغني عن المال الزائد عن حاجته حتى مع عدم الرقيب. وفي الخامس: ذلك الفرد الذي يؤدي بمقدار طاقته من العمل غير مهتم بمقدار الأجر، وفي الوجه السادس، يجب ان يوجد ذلك الفرد الذي يؤثي من العمل بمقدار كفاءته واختصاصه بالرغم من تساويه في الأجر مع غير الكفح وغير الاختصاصي. وكل هذا يعود إلى نكران الذات من الناحية الاقتصاثية والى قلة الاهتمام بالجانب الاقتصاثي في الحياة. وهو ما يستحيل على الماركسية إيجاد نموذج له.
373

اساسي لنقل البشرية من عصر إلى عصر، وللتحكم في ظروف التاريخ ة كما
أن القيمة الأساسية لنقد المراحل السابقة على الاشتراكية، كالرق والاقطاع والرأسمالية، قائمة على قيمة اقتصادية محضة. ولا ينبغي أن ننسى أن " فائض القيمة " هو العيب الرئيسي في الرأسمالية لدى ماركس والماركسيين.
وما هو عمل البروليتاريا خلال عصر دكتاتوريتها؟ إنه عمل إقتصادي
بطبيعته، ومهمة إقتصادية، وهو القضاء على اصحاب الأموال، والانتصار للعمال من زاوية معيشتهم الاقتصادية.
وما هو معنى الاشتراكية عموما، والشيوعية خصوصا، سوى مفهوم
المساواة الاقتصادية بيئ الناس؟!...
وما هو سر سعادة الناس ورفاههم، باعتقاد الماركسية في الطور الأعلى

سوى تنظيم إقتصادي معين يكفل ذلك؟
!...
إن تربية الانسان على مثل هذا التركيزوالترسيخ، يصنع منه انموذجا
يعتقد
بأنه خلق من أجل الاقتصاد ويعيش من أجله ويضحي من اجله ويموت من
اجله، وليس للانسانية إلا المعنى الإقتصادي!!! ومثل هذا الأنموذج يستحيل ان يتعقل نكران الذات من الناحية الاقتصادية. وان استحالة ذلك لأكبر وأوضح من ان يصبح الرأسمالي إشتراكيا او البرجوازي بروليتاريا، على الراي الماركسي.
ولكننا سوف نعرف بكل وضوح وتفصيل، أن هذا الأنموذح من الانسان
الكامل سوف يوجد في (اليوم الموعود " نتيجة للتخطيط الالهي لإيجاده. وعلى أي حال، فالماركسية حيث لا تستطيع ان توجد مثل هذا النموذج
الرفيع نب الانسان، إذن، فكل الوجوه الأربعة الأخيرة من الايراد
على تلك القاعدة الماركسية صحيحة وواردة، وكل ما سمعناه من دفاع الماركسيين عنها منطلق من توقع تغيير الماركسية للانسان نحو إيجاد هذا النموذح، وقد برهنا على بعللانه.
وينبغي لنا ايضا أن نعرض هذا القانون الماركسي ة (من كل حسب طاقته
ولكل حسب حاجته ثا... على القانون الماركسي الآخر وهو ان العمل اساس القيمة، وما يستنتجه ماركس من هذا القانون الأخير. فهل ينطبق الأول على
374

-
آ

الثاني الذي هو اعم منه وأشمل او لا ينطبق، وماذا يكون العمل إذا
لم يكن منطبقا؟..
إن ماركس يقول: ان العمل اساس القيمة، وان العامل يستحق ناتج

عمله كله، أو يعطى الأجرة عوضه كاملة، وانما كان الرأسمالي ظالما
لأنه لم يخطر له تنفيذ هذا القانون الماركسي. ويرى ماركس ان العامل إذا بذل طاقته الكاملة في يوم واحد، استحق بدلها ما يعيد له قوته على العمل من المواد الغذائية. وكأنه يرى- ضمنا- أن ناتج عمله سوف لن تزيد قيمته على مقدار ما يعيد له قوة العمل. وقد سبق ان بحثنا ذلك مفصلا. فهل ينطبق ذاك القانون الشيوعي على هذه القواعد الماركسية.
إن الانسان إما أن يعمل بمقدار طاقته، او يعمل بمقدار أقل كخمس
ساعات مثلا، كما اقترحه بوليتزر. كما انه لارة يعطى قدر حاجاته الضرورية واخرى: قدر مجموع حاجاته، وثالثة: قدر إرادته، كـما ا قترحه بوليتزر. فهذه ست صورحاصلة من ضرب إثنن في ئلاثة.
الصورة الأولى: ان يعمل بمقدار طاقته، ويعطى قدر حاجاته

ا لضر ورية
.
والغالب في الحاجات الضرورية أن تقل عن مقدار الطاقة من ناحيتين
:
الناحية الأولى: ان ناتج العمل كثيرا ما يكون اثمن واغزر مما
يحتاجه
الفرد في يوم واحد، او من قوة عمل يوم واحد، خلافا لما تصوره ماركس
من التساوي الدائم بينهما.
الناحية الثانية: ان ما يحتاجه الفرد قد لا يستبطن من وقت العمل
بمقدار
ما يبذله الفرد حيئ يعمل بمقدار كل طاقته
.
وعلى كلا التقديرين، فقد اعطى عملا اكـز مما أخذ من المال. وهذا هو

بعينه فائض القيمة التي عابها ماركس على الرأسمالية، كـما سبق أن
اشرنا. الصورة الثانية: أن يعمل بمقدار خمس ساعات في اليوم، ويعطى بإزاء
كل حاجاته. وكأ لك
:
الصورة الثالثة: أن يعمل بمقدار خمس ساعات، ويعطى بمقدار ما يريد

من الأموال، مهما كثرت
.
وهاتان الصورتان، بعكس الصورة الأولى، تنتجان زيادة المال المقبوض
375


للعامل على مقدار ما اداه من العمل. وهذا امر في مصلحة العامل بلا
إشكال. وهو اوضح صورة تتوخاها الماركسية لأجل إسعاد المجتمع وبث الرفاه فيه، وكذلك يتوخاها التخطيط الالهي في اليوم الموعود، كما سوف يأتي توضيحه. ولكن هل هذا من الماركسية صحيح أو لا. بل هل هو ممكن التحقق اساسا او لا؟
أولا: إن هذا غير صحيح من الماركسية او غير عادل
.
لأن خيرات البلاد مهما كثرت والانتاج مهما ازداد، فسوف لن يكون
بوفرة الضوء والهواء وتنتفي الندرة النسبية تماما، بل يبقى النقص موجودا لا محالة. والبلدان تختلف في الدخل القومي وفيما تحتويه من الثروات الطبيعية. ففي الامكان القول بأن النقص يكون واضحا في أكثر بلدان العالم، وإن كان في بعضها الآخر غير واضح، ولكنه موجود.
فإذا كان ذلك صحيحا، فمن الواضح أن استيفاء كل الحاجات لكل

انسان او إعطائه بمقدار ما يريد، غير ممكن لعدم سعة مجموع ثروات
البلاد لذلك، حتى في الوضع العالمي، لوقسمت ثروات العالم على اهله. ومعنى ذلك أن إعطاء جملة من الأفراد بمقدارحاجاتهم جميعا، سوف يحرم الأفراد الاخرين من ان ينالوا نفس الشيء. إذن، فسيكون هذا الاعطاء الذي تتوخاه الماركسية غير صحيح او غير عادل، لأنه مجحف بحق الآخرين.
ثانيأ: إن هذا غيرممكن، وليس فقط غيرصحيح
.
وذلك: لأن ماركس والماركسي!!ن يرون أن القيمة لا تكتسب إلا بالعمل،

وأن المال لا يكون مالا إلا به. إذن، وبكل بساطة يكون ما يأخذه كل
فرد إنما هو من الأموال التي تجسدت فيها اعمال سابقة، وبه يسد حاجاته الضرورية والثانوية وغيرها، لا انه يعطي شيئا غيرمالي، وساقطا عن المنفعة، اولم يحجسد به اي عمل.
فإذا كان كذلك، إذن فمجموع الأموال في البلاد تساوي مجموع الأعمال
المبذولة فيها... وكذلك، بالنسبة إلى مجموع العالم البشري. فلو فرضنا - للسهولة- أن البلد متكون من مئة شخص وعمل كل منهم خمس ساعات، فسوف يكون العمل خمسمئة ساعة يوميا، ويكون الانتاج بمقدار هذا العمل لا محالة. ولئن كانت الحاجات الضرورية لهؤلاء المئة يمكن ان تسد بهذا المقدار،
376

بأن يأخذ كل فرد نتاج عمله فقط، طبقا لقواعد ماركس في
" رأس المال !. فإن الحاجات ألثانوية لا يمكن أن تسد بهذا المقدار، كما هو واضح؟ فمن اين يأتي النتاج الأزيد من هذا المقدار الذي نستطيع به ان نسد الحاجات أك نوية لهؤلاء المئة.
إن الانتاج دائما يوازي مقدار العمل، فلو اخذ كل فرد أكثر من عمله،

كان ذلك اما إجحافا بالآخرين، حيث يضطرون إلى ان يأخذوا اقل مما
بذلوه من اعمال. أو نقع في استحالة لا يمكن للماركسية الخروج منها. وكذلك المفروض عدم إمكان حصول الفرد على (مال " لم يتجسد به اي عمل بشري. إذن، فإعطاء كل عامل في العالم، او فى المجتمع، اكز من عمله مستحيل. إذن، فالصورتان الثانية والثالثة، وهما افضل الصور في نظر ا لماركسية مستحيلتان.
الصورة الرابعة: ان يعمل الفرد بمقدار كل طاقته، ويعطى بمقدار كل
حاجته، أعني حاجاته الأولية والثانوية معأ.
الصورة الخامسة: أن يعمل الفرد بمقدار كل طاقته ويعطى بمقدار ما

يريد
.
إن التوازي بين ما يعطيه الفرد من أعمال في هاتين الصورتن، وما
يأخذه
من اموال، ممكن ومحتمل. إلا أنه بعيد ونادر. فإن طاقة الفرد
الاعتيادية لا توازي مقدار ما يريد من الحاجات والأموال، لأن مطامع الفرد لا حد لها، وخاصة ذلك الفرد المكرس تكريسا اقتصاديا كاملا، كما تفعل التربية الماركسية، كـما سمعنا. إذن، فالصورة الخامسة متعذرة.
وتشبهها في ذلك الصورة الرابعة، إذا علمنا ان الحاجات الثانوية غير
محددة المفهوم مما يجعلها تنطبق على عدد ضخم من المقتنيات والآلات الحديثة، وهي لا زالت في تزايد مستمر سريع. كما تنطبق على اساليب من الصعب على الماركسية الايمان بها كالاخدام وملكية الدور الفارهة والبساتين الغناء.
ولو تجاوزنا عن ذلك، وقصرنا الحاجات الثانوية على ما كان حاجة
فعلية
على مستوى اقل من الضروري، كان هذا المفهوم متفاوتا بين الناس
باعتبار الصحة والمرض والحضر والسفر، والبيئة الجغرافية، وظروف الأوبئة والفيضانات وغيى ذلك. وهو مفهوم أشد تفاوتأ بين الناس مت الحاجات 377

إ
+-.-
الضرورية كما هو واضح. ومن هنا يكون توزيع الأموال طبقا للحاجات
الثانوية موجبا للتمييز المجحف بينهم... وهو على خلاف ما تريده الماركسية في طورها الأعلى.
الصورة السادسة: أن يعمل الفرد بمقدار خمس ساعات ويأخذ بمقدار
حاجاته الضرورية.
والتوازي هنأ بذهن مقدار العمل، وهذه الحاجات ممكن في التصور، إلا
أنه
بعيد للغاية، وخاصة بعد الالتفات إلى الحقائق التالية
:
الأولى: ان تخفيض ساعات العمل إلى الخمس في الطور الأعلى، نموذج
صالح وراجح في نظر الماركسية.
الثالية: لا يمكن ان يوجد
" مال " من دون عمل، في نظرها.
الثالثة: إن الحاجات الضرورية مختلفة ومتفاوتة بذهن الناس تفاوتا
كبيرا.
إذن، فالشكل الصالح والراجح لساعات العمل سوف يحدث التفاوت

بين الناس. على انه ليس من المفروض التسليم بالاقتصار على إعطاء
الحاجات الضرورية فقط في الطور الأعلى. كما انه قد لا يستطيع الفرد تغطية حاجاته الضرورية بعمل خمس ساعات، او نحوها، لبعض الظروف الصحية والنفسية، وستكون حاجاته الضرورية- في نفس الوقت- اكز من المستوى الاعتيادي... فيلزم وجود التفريق المجحف بين الناس. كما سمعنا في بعض المناقشات السابقة.
إذن، فكل الصور المحتملة لهذا القانون الماركسي غيرهـ حة، إذن
فلايبقى للقانون معنى.
هذا، ولكن هذه الاستحالة غير موجودة بالنسبة إلىأ اليوم الموعود
ثم،
حيث سوف يأخذ كل الأفراد أكـز من اعمالهم بكثيرمن دون استحالة
. وتذليل هذه الصعوبة ينطلق من أصول اسس واصول موضوعية لا تؤمن بها الماركسية. وإنما توجد الصعوبة من زاوية الأسس الماركسية التي تبرهن تنافرها مع القانون الشيوعي، مع أن الماركسية تؤميق بهما معا.!!!...
والان، ينبغي أن نناقش الماركسية في إيمانها بزوال الملكية الخاصة
في الطور الأعلى.
378

وقد عرفنا ان كلمات الماركس!ن، مختلفة في ضرورة نفي الملكية الخاصة

عن وسائل الانتاح فقط، او ضرورة نفي الملكية الخاصة نفيا مطلقا؟
ونحن لابد أن نتكلم على كلا التقديرين.
أما انتفاء الملكية الخاصة عن وسائل الانتاج، فهو- في بعض الحدود
- قد
يكون له قسط من الصحة، كما سوف يأتي عند الحديث عن 9 اليوم الموعود
". ولكننا الآن نريد أن نتكلم في إطار ماركسي، لنرى ان الماركسية في حدود مفاهيمها عن الكون والحياة، هل هي مصبيبة في كلامها هذا، أم لا.
إنه يمكن إيراد عده مناقشات على ذلك
:
المناقشة الأولى ة ما سبق أن ذكرناه في مناقشة الطور الأول، من ان
ذلك
يعود إلى سيطرة كبراء المجتمع على وسائل الانتاج.. كل الفرق: ان
الدولة في الطور الأول كانت موجودة وكانت مطلقة اليد في وسائل الانتاج فتكون شبيهة بالملكية الراسمالية، كما سبق. وأما فى الطور الأعلى، فيوجد زعماء المجتمع من رؤساء الهيئات والنقابات وأعضاء الحزب القائد... فإن بأيديهم يكون زمام التصرف في هذه المعامل، فيكون الحال شبيها ايضا بالملكية الرأسمالية. وقد عرفنا في تلك المناقشة انه يكون لهم فرصة تكديس الأموال إلى اكبر الحدود... وان لم يكن لهم شعور حقيقي بملكية نفس العامل.
المئاقشة الثالية: ما هو سبب انتقال ملكية وسائل الانتاج إلى
الملكية العامة؟ إن الماركسية تتذبذب في الجواب عن ذلك بين الضرورة والاختيار. فبينما نرى أن قواعد المادية التاريخية، في إناطة كل مجرى التاريخ بتطور وسائل الانتاج بالضرورة، تقتضي ان هذا الانتقال ضروري الحصول أيضا. فوسائل الانتاج إذا وصلت إلى حد معيئ في التطور، اقتضت ان تملك هي بالملكية العامة، وان تنفك عنها الملكية الخاصة... نرى إلى جانب ذلك ان الماركسية تؤكد على جانب الوعي والاختيار بتركيز شديد ابتداء من عهد دكتاتورية البروليتاريا فصاعد ا، وكلما تقدم العهد، ازداد التركيز على الاختيار. وقد سبق أن سمعنا كوفالسون يقول:
(
إن سير المجتمع الاشتراكي نحو الشيوعية يتوقف على صانعيه بالذات،
على لحمتهم ووحدتهم وعقلهم وموهبتهم ونئاطهم ومبادراتهم ورجولتهم... الخ! (1).
(1)
المالمحية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 144
.
379

إذن، فتأميم وسائل الانتاج جانب اختياري ايضا من جوانب المجتمع ا

التي يصنعها هؤلاء الصانعون باختيارهم
.
إن القول بضرورة انتقال وسائل الانتاج إلى الملكية العامة، نتيجة
لتطورها ا نفسها، يواجه عدة مشكلات، مضافا إلى المناقشة في الأساس العام وهوان هذا التطور غير مرتبط بتطور التاريخ اصلأ، كما سبق ان عرفنا في مقدمات المادية ا لتا ريخية.
وتتلخص هذه المشكلات في عدة أمور
:
الأمر الأول: إن الماركسية قالت بتأثير وسائل الانتاج في كل ظواهر
المجتمع، ابتداءا من علاقات الانتاج وانتهاءا بالأخلاق والفلسفة والدين. ولكن قد يكون من نتاج الصدفة؟! ان تكون كل هذه الأمور هي غيروسائل الانتاج نفسها، إذن فوسائل الانتاج تؤثر في كل شيء غيرها، في راي الماركسية.
واما تأثيروسائل الانتاج في نفسها، وصفاتها، فهذا ما لم يعهد به
القول
من الماركسية. ولا بد ان يكون ذلك من زاوية ان الشيء لا يمكن ان
يؤثر في نمسه. فمثلا: لم تقل الماركسية بأن المرحلة السا. بقة لوساثل الانتاج هي التي تؤثر في وجود المرحلة اللاحقة، فالطاحونة الهوائية لم تنتج الطاحونة البخارية مثلا. كما لم تقل الماركسية أن المرحلة المعينة من وسائل الانتاج تنتج شكل الملكية لنفسها. فالطاحونة الهوائية انتجت الاقطاع، ولم تتحكم او لم يهمها (! إ) ان تؤثر في ملكية نفسها.
فكذلك الحال لو وصلنا إلى المجتمع الشيوعي، فإن الماركسية لو قالت
:
ان وسائل الانتاج نفسها اقتضت- بالضرورة- ان تملك ملكية عامة، كما
هو المفروض الذي نناقشه الآن، فإن معنى ذلك أن وسائل الانتاج أثرت في ملكية نفسها... وهو ما لم يعهد عن الماركسية الالتزام به في الحالات المشابهة. الأمر الثاني: اننا عرفنا في مناقشة الطور الأول: انه بالرغم من تماثل مستوى الانتاج اليوم بين الف ول الرأسمالية والشيوعية، فإن هذا المستوى لم يؤثر ني نقل الدول الرأسمالية إلى الاشتراكية.
فإذا كان هذا المقدار من التطور، قد أوصل الدول الاشتراكية إلى
الطور الأول، وسوف يوصلها- في رأي الماركسية- إلى الطور الثاني، فهل يقف
380

التطور في الدول الراسمالية؟ انه لا شك يستمر في نفس الشكل المتطور
الذي تدخل فيه الدول الاشتراكية، أو المجتمعات الاشتراكية (إذا زالت حكوماتها!!) وعندئذ ماذا سوف يحدث في الدول الرأسمالية؟ انها سوف لن تطفر فجأة إلى الطرر الأعلى تاركة مرحلتي الاشتراكية السابقة عليه. فإن الماركس!ن صرحوا بكل وضوج ان الاطوار الاشتراكية متوقفة تماما على الاجهاز على الراسمال!ن عن طريق دكتاتورية البروليتاريا.
انها إما أن تبقى على وضعها الرأسمالي، كما هو المظنون جدا، او إذا
أطاكت ماركس، فانها تدخل مرحلة دكتاتورية البروليتاريا، ومعه يكون مستوى واحدا لوسائل الإنتاج قد اقتضى الطور الأعلى في بعض المجتمعات، وفي بعض آخر الوضع الرأسمالي او دكتاتورية البروليتاريا- على الأكز- فهل يكون هذا معقولا فى نظر الماركسية فى قواعدها العامة.
الأمر الثالث: إن الماركسية ترى تأثيروسائل الإنتاج في كل ظواهر
المجتمع،
كما سمعنا، لا يختلف في ذلك مجتمع عن مجتمع، حتى الطور الأعلى
بطبيعة الحال، فالمرحلة العليا لتطور وسائل الإنتاج التي أوجدت الطور الأعلى، توجد هي كل ظواهره وصفاته لا محالة... مع اخذ الوعي الذي اهتمت به الماركسية بنظر الاعتبار.
والأطروحة التي تعطيها الماركسية عادة لاسلوب تأثير هذا التطور في
هذا التغير، هي: ان كل مرحلة من وسائل الإنتاج تربط الطبقة الموازية لها بعلاقات إنتاج معينة، لا يمكنها ان تتجاوزها، باعتبار ارتباطها المصلحي الحياتي بها... بحيث لا يمكن للفرد أن ينفك عن هذا الربط إلا إذا رضي ان يموت جوعا. ومن هنا يكون ضغط هذه الوسائل على الأفراد شديدا جدا، وعن طريقهم، بما لهم من علاقات إنتاج، يكون التأثير الضروري على المجتمع بكل ظواهره.
فهل في إمكان وسائل الإنتاج في الطور الأعلى، اتخاذ هذا الأسلوب
. ان علاقات الإنتاج سوف تحدث في هذا الطور لا محالة. ولكنها ليست علاقات ضرورية تمليها مصلحة الفرد، كما كان عليه الحال في العهود السابقة، وإنما هي علاقات قانونية تمليها الماركسية. ان القوانن أو القواعد الإقتصادية الماركسية (الواعية) هي التي تتحكم في صياغة علاقات الانتاج، لا وسائل الإنتاج. وليست هي علاقات مصلحية بأي حال... لأن الفرد ينال بمقدار حاجته على
381

كل حال، لا انه ينال معيشته من عمله المباشر من نتائج هذه الوسائل
. إذن، لا يكون الفرد مربوطا بالالة بنفس الإرتباط الذي فرضته الماركسية سابقا، ومعه لا يمكن ان نتصور تأثير هذه الوسائل في حياة الفرد. وإنما يكون مربوطا بالماركسية وقوانينها ليس إلا، وهي قوانن اختيارية " واعية "غير اضطرارية، كما ترى الماركسية نفسها ذلك.
فإذا لم تكن العلاقات المباشرة مع الآلة، علاقات ضرورية، او انها
علاقات غيرمثيرة للإهتمام الإقتصادي في حياة الفرد ة إذن تكون الحلقة الرابطة بين الالة والمجتمع وهي (علاقات الإنتاج الضرورية) مفقودة. ومعه، تعجز الآلة عن بث تأثيرها في المجتمع، كما عجزت عن صنع علاقات إنتاح ضر ور ية.
فقد تبرهن أن المرحلة العليا من وسائل الإنتاح، تلك التي توجد
الطور الأعلى، لا تستطيع تغييرأي شيء من ظواهره.
إذن، فمن أجل هذه الأمور أو المناقشات الثلاث، يتبرهن ان
تأثيروسائل الإنتاج في هذا الطور ليس ضروريا، لا في إيجاد الملكية العامة ولا في إيجاد كل ظواهر المجتمع، بالرغم من أن قواعد المادية التاريخية تقتضي ذلك.
ومعه نكون قد اقتربنا من الرأي الماركسي الآخر، وهوان كل ما يحدث
في
الطور الأعلى، هو شيء واع واختياري للأفراد، وليس اضطراريا
.
وهذا مخالف لقواعد المادية. التاريخية. ومن الواضح ان هذه القواعد
لا تصبح للاستثناء، لأن الضرورة الكونية دائمة التأثير لا تعرف الإستثناء، كالسقوط من اعلى او الإحتراق بالنار، ولا يكون الوعي والإختيار مؤثرا في تغير تأثيرها، ما دام المجال القانوني لها متوفرا.
واذا رجعت الملكية العامة لوسائل الإنتاح إلى الوعي والإختيار،
فمعنى ذلك: ان مفكرا معينا أ. و مجموعة معينة من المفكرين يرون أن هذا هو الأصلح للمجتمع عند وجود ظواهر معينة فيه، او عند وصول وسائل الإنتاج إلى مرحلة معينة من التطور العالي. وإذا عرضت الف!هـة على هذا الشكل، كانت وكأي فكرة منفردة قابلة للمناقشة من قبل المفكرين الاخرين في المجتمع، وفقدت هيبتها العلمية التي أرادتها لها الماركسية، حين ربطتها بفلسفة مجموع التاريخ البشري ربطا ضروريا.
382

فان قالت الماركسية: ان هذه الفكرة وجدت في ذهن المفكر الماركسي في

الطور الأعلى، نتيجة للدرجة المعينة من تطور وسائل الإنتاج. فعاد
الأمر إلى تأثي هذا التطور، ولو بشكل غير مباشر.
قلنا في جوابه: يرد على ذلك عدة مناقشات
:
أولا: ما اشرنا إليه من عجز وسائك الإنتاج عن التأثير الضروري، بعد
فقدانها للحلقة الوسيطة وهي علاقات الإنتاح الضرورية. ومعه لا معنى لإيجادها لهذه الفكرة المشار إليهاء
ثائيا: ان ايجاد الفكرة يخا الذهن ان كان ضروريا كان ذلك منافيا
لتأكيد الماركسية على الوعي في هذا الطور، وان كان اختياريا كاملا، كان منافيا لتأكيدها على تأثير تطور وسائل الإنتاج، وإن كان مركبا بين الضرورة والإختيار، فقد سبق ان عرفنا فشل الماركسية في الجمع بينهما.
ثالثا: ان وجود هذه الفكرة، أو اي فكرة في الذهن، نتيجة لوسائل
الإنتاح بالضرورة، يقتضي كون تطبيقها ضروريا، أو انها غير قابلة للمناقشة بالضرورة. فإذا كانت قابلة للمناقشة ولا يوجد ضمان حقيقي لتطبيقها، بعد تعويض الضرورة بالإختيار قي هذا الطور، وعدم وجود دولة مسيطرة ث إذن، فلا يمكن للماركسية ان تجزم بتحقق هذه الفكرة وهي: الملكية العامة لوسائل الإنتاج.
إذن، يتحصل من مناقشتنا الثانية، ان كلا من الرأيين الماركس!ن
:
ابئ صفرار والإختيار، في سببية اذقال وسائل الإنتاج إلى الملكية
العامة، لا تخلو من مناقشة. ومعه، لا يبقى لهذا الإنتقال سبب معقول.
اك قشة الثالثة: لانتفاء الملكية الخاصة عن وسائل الإنتاح

صرحت الماركسية بأن أسباب البلاء الواقع على البشرية في مختلف
عصورها وعهودها، هو الملكية الخاصة، وقد سبق ان سمعنا قول كوفالسون: (وهذه السلاسل إنما هي علاقات الملكية الخاصة التي تقيد بها الناس ".
واضاف
:
"
فالناس يمسون عبيدا او عمالا أجراء عندما يدخلون في علاقات إنتاج
معينة. ناهيك
عن أنهم ليسوا أحرارامخيرين في الدخل ل أو فى عـدم الدخـول قي هـذه
انعلاقات وليسوا
383

حرارأ في اختيارهم، بل هم مكرهون على الدخول في علاقات الأنتابم
القاثمة، في المجتمع " (1). ). وإذا اقتصرنا على تأميم وسائل الإنتاج وسلخ الملكية الخاصة عنها، بقيت
ثلاث ظواهر مما ذكره كوفلسون من موجبات السوء والإستعباد موجودة
: الظاهرة الأولى: الملكية الخاصة بوجودها الواسع، التي على رأس القائمة
من أسباب الشر في رأي الماركسية. والمفروض، الآن، انها تبقى سارية
المفعول في الطور الأعلى.
الظاهرة الثانية: علاقات الإنتاج. فان الناس لا محالة يكؤنون
علاقات
إنتاج معينة مع وسائل الإنتاج المؤممة، كما قلنا، وان كانت ذات
طابع جديد. ولكن المفروض هنا أن علاقات الإنتاج بكل أشكالها، موجبة للاستبعاد. الظاهرة الثالثة: الإلزام بالعمل، فان الناس- كما كانوا سابقا- لأ زالوا
غير مخيرين في الدخول او عدم الدخول في هذه العلاقات وليسوا احرارا
في اختيارهم. بل هم مكرهون على الدخول في علاقات الإنتاج القائمة في المجتمع- على حد تعبير كوفالسون- لأنهم مكرهون على العمل في وسائل الإنتاج المؤممة، لأن قانون (من لا يعمل لا يأكل) لا زال ساري المفعول. فالفرد لا يعطى بمقدار حاجته او بمقدار إرادته، ما لم يعمل قدر طاقته أوان يعمل عملا ما- على الأقل-. كما كان لا يعطى في الطور الأول بقدر عمله، ما لم يؤد ذلك المقدار من العمل.
فبدلا من ان يكون الاكراه صادرا من الإقطاعي او الرأسمالي، يكون

صادرا من الزعماء الماركس!ن للطور الأعلى؟ وليس الإكراه منحصرا
بإنزال العقاب على الترك، بل هو متحقق في الحرمان من لقمة العيش بشكل احق والزم (2).
وإذا كانت كل هذه الظواهر من اسباب الشر والإستعباد موجودة، فأحرى

بأن تكون هذه النتائج لها موجودة ايضأ
.
فهذه هي المناقشات حول ما إذا قالت الماركسية: ان سلب الملكية
الخاصة
(1)
المادية التاريخية: كيلله، كوفالسون ص 66
.
(2)
ولا شك ان من أهم اسباب السعاق الكاملة في إلمجتمع، السعالمحة
التي تريد الماركسية توفيرها
في طررها الأعلى، هذا الشعور النفسي وهو: ان الفرد يعمل إذا اراد
بمقدار ما اراد، لا ان يكون العمل غلأ في عنقه، يكون مهددا بالموت مع تركه.
384

في الطور الأعلى، خاص بوسائل الإنتاج، وغير عام لكل الأشياء
.
واما إذا قالت الماركسية ان الملكية الخاصة، بكل اشكالها تزول من
الطور الأعلى.
...
فهذا ترد عليه المناقشات التالية
:
المئاقشة الأولى: ان الفقرة الثانية من قانون التوزيع الشيوعي
!!!
ا لكل حسب حاجته
" يدل على ملكية ما يقبضه الفرد من الأموال. فاننا نقصد بالملكية عنصرا ذو صفتيئ مقترنتن:
الصفة الأولى: إن الفرد الحاصل على المال يستطيع ان يتصرف فيه
تصرفا
مطلقا ومتلفا... كما لو اكله مثلا
...
الصفة الثانية: إدط الأخرين ممنوعون قانونأ او عرفا من التصرف في
هذا
المال وإتلافه، وإذا عملوا ذلك كانوا معاتبن... لا اقل من حح!ول رد
فعل سيء لدى الفرد الحاصل على المال.
إن ما يأخذه الفرد من الأموال التي تفي بحاجته حائز على كلا
الصفتن:
أما الأولى فواضحة لأن الفرد يستطيع أن يتصرف فيه وشمتهلكه كما
يشاء. وأما الثانية فهي واضحة ايضا، إذ يعتبر أخذ ما قبضه الفرد اعتداءا على حقه المشروع، ولا شك في وجود رد الفعل السيء في صاحب المال.
ولا يشفع لذلك وفرة الانتاج بشكل كبير: أولا: لعدم توفره كالماء
والهواء
كما أشرنا. وثانيا: انه حتى لو توفر بما يقارب ذلك، فاق الجانب
النفسي في الانزعاج من التطاول على (المواد الأولية) لمعيشة الانسان كطعامه ولباسه لا يحتمل زواله. وثالثا: ان توفـير الانتاج لو فرض إزالته للجانب النفسي، فانه لا يزيل فكرة الملكية، فان الأعتداء كلى أموال الفرد إنما يكون سيئا مع عدم رضاء صاحبه، وأما مع رضاه وعدم انزعاجه، فمعنى ذلك الاذن للفرد الاخر بالتصرف ! وهذا يؤكد فكرة الملكية، لا انه يزيلوا.
هذا، و(ذا كان المطبق في الطور الأعلى هو أخذ الفرد بمقدار إرادته،

فتكون فكرة الملكية أوضح، لأن وجود الرد النفسي السيء عند استلاب
ها يأخذه الفرد بإرادته، ضمووري إلى حد كبير.
إذن، فالملكية الخاصة موجودة في الطور الأعلى، طبقا للقواعد
الماركسية 38525

نفسها. فكيف يمكن للماركسية ان تقول- من زاوية أخرى- بانتفائها
. المناقشة الثانية: إن قواعد المادية التاريخية، لا تقتضي انتفاء الملكية الخاصة انتفاء مطلقا.
فإن ما تقتضيه هذه القواعد التي تنيط التاريخ بتطور وسائل
الانتاج،- لو أغمضنا عما سبق- هو سلب الملكية الخاصة عنها وإيجاد علاقات إنتاج شيوعية جديدة، وإيجاد إنتاج واسع النطاق جدا. وأما إزالة الملكية إزالة كاملة عن المجتمع، فهذا مما لا دليل عليه، فيبقى دعوى مجردة. وكل ما لا دليل عليه، فهوباطل.
فإن قالت الماركسية: ان الملكية الخاصة ليست بدعا من الأشياء، وقد

سبق أن أثرت وسائل الانتاج في كل ميادين المجتمع مهما كانت بعيدة
عن المفهوم الاقتصادي فمن الحري بها أن تؤثر في الملكية الخاصة ايضا.
قلنا في الجواب: إننا لو انطلقنا من زاوية ماركسية، نقول: ان
الظواهر
التي تم تغييرها من قبل وسائل الانتاج، قد عرفنأها وعرفنا تأثيرها
فيها... فأصبح تغيرها الفعلي دليلا على هذا التأثير في راي الماركسية. واما ان تغييرا معينا لم يكن معهودا فيما سبق، هل سوف يحدث أو لا؟. فهذا مما لايمكن ادعاؤه، فانه منوط بالمستقبل إذ يكشف لنا الحس عن تغييره وعدمه. ولا يمكن لأحد أن يعين سلفا ويجزم بالتغيير، إذ لادليل حسي عليه.
وخاصة لو التفتنا إلى ما سمعناه عن لينين من أن هذه النظرية تعطي
توجيهات عامة، تختلف تطبيقاتها من بلد إلى بلد. إذ معه يكون من المتعذر التنبوء بحدوث ظاهرة معينة ما لم تحصل بالفعل في المجتمع، أو تقوم عليها الدلائل غير مجرد تطور وسائل الانتاج.
فكان من الآفضل للماركسية من ناحية موضوعية، لو كانت تؤمن بها
وتطبقها! أن تقول: قد يكون التطور الأعلى لوسائل الانتاج موجبا لارتفاع الملكية الخاصة، ارتفاعا كاملا اننا لا نعلم ذلك جزعا، ولكنه محتمل على اي حال؟!..
المناقشة الثالثة: هل من الصالح إلغاء الملكية إلغاء مطلقا، أولا؟
.
وإذا كانت الملكية الحظ صة هي اصل الشرور في العالم، كما تميل
الماركسية
إليه، فمن المناسب ان يكون زوالها سببا لاستتباب السعادة والرفاه
.
386

إلا ان هذه الفكرة غرصحيحة، ويمكن أن ننطلق من زاوية غيى ماركسية

إلى القول: بأن انحرافات سلوكية وفكرية وعقائدية عند الناس، وبخاصة
الحاكمين والمتنفذين اجتماعيا او عسكرب، هو الذي يؤدي إلى هذه الشرور ويورط البشرية في البلايا. ولا يمكن ان يبدا الاصلاح إلا من زاوية إزالة هذه ا لانحرا فات.
إلا ان المهم الآن، هو البرهان من الزاوية الماركسية على صحة او
عدم
صحة الراي الماركسي. انها نسبت كل الشرور إلى الصراع الطبقي، ومن
الواضح ماركسيا ان الطبقات من نتاج وسائل الانتاح، أو من ملكية وسائل الانتاج بشكلها السابق رشكلها اللاحق في كل (عهد) تاريخي. ولم تقل الماركسية بارتباط الطبقات بالملكية الخاصة بمفهومها الواسع. إذن، فالملكية الخاصة لغير وسائل الانتاج ليست سببا لوجود الشرور لا بالمباشرة ولا بتوسيط الوجود الطبقي والصراع الطبقي في المجتمع.
وإذا لم تكن الملكية الخاصة سببا للشرور، فلا معنى للقول بأن
زوالها سبب لزوالها، كما هو واضح. إذن، فإزالة الملكية الخاصة، لا يمت إلى المصلحة العامة بصلة.
هذا، مضافا إلى وجود المفسدة في إزالتها اجتماعيا وفرديا. وذلك ان

شعور الفرد بالملكية الخاصة لما يمت له بصلة، يعطيه اطمئنانا نفسيا
واستغناءا عن معطيات الآخرين، واندفاعا نحو العمل، بخلاف سلبها عنه، فانه يعطيه الشعور بالذلة والاتكالية والتخاذل.
فإذا اضيف إلى ذلك ما اشرنا إليه من التركيز الماركسي على أهمية
الجانب الاقتصادي في حياة الانسان، خرج الأمر حينئذ عن كونه مجرد عادة إلى حديث (علمي) يركز في نفس الفرد أهمية الاقتصاد، ومن ثم أهمية الملكية الخاصة، باعتبارها من أجلى أشكاله وتطبيقاته. و (ذا كان الفرد كذلك، كان المجتمع كذلك، فانه متكون من هؤلاء الأفراد انفسهم.
وزيادة الانتاج بشكل واسع جدا، لا يدفع هذا الشعور الذي اشرنا

إليه، فإن هذا الشعور إن كان مضمونه عدم الارتياح لأجل احتمال عدم
حصول الفرد ما يسد حاجاته الأولية أو الثانوية، فإن هذا المضمون يزول بزيادة الانتاج، لا محالة إلا أن الشعور الذي أشرنا إليه ليس هوذلك... إن المالك يشعر بدرجة
387

من الاطمئنان والركون و (التعاطف) مع ما يملك، باعتبار أنه مشارك
في سد حاجاته اولا، وفي تكوين ث!خصيته الاجتماعية ثانيا، والاستغنل! عن توقع خيرات الاخرين ثالثا. وهو بالتالي مشارك في تقليص الشعور (بالاغتراب) والانفراد في هذا العالم.
خذ إليك مثلا، وجود الأصدقاء، أو الأبوييت بالنسبة إلى الصغير، أو
الزوجة او الزوج، فانهم جميعا يشاركون بشكل وآخر في تقليص الشعور بالاغتراب لا محالة. ويقابل ذلك حالة الفرد الفاقد لهؤلاء او لبعضهم، فإن شعوره بالاغتراب يكون متزايدا* فكذلك صفة المال بشكل وآخر، حيئ يشعر الفرد انه مالك له ومسيطر عليه، ويقابله جالة الفرد الفاقد للملكية بالمرة، فإن شعوره بالاغتراب يكون متزايدا، والشعور بكونه عيالأ في قضاء أخص حاجاته، على اولئك الآخرين الذين يقسمون الأموال العامة المتوفرة... يكون في نفسه واضحا. ومع وجود هذا الشعور توجد العقد النفسية وردود الفعل السلوكية السيئة، وتصعب التربية الصالحة للفرد إلى حد كبير. إذن، فيجب تجنب إلغاء الملكية، لأجل تجنب هذه النتيجة.
هذا، وقد انفتح لنا من المناقشة الثانية لزوال الملكية الخاصة، في
الفقرة السابقة، دليل واسع في مناقشة كثيرمن الظواهر التي يفترض وجودها في الطور الأعلى مما سردته المصادر الماركسية، كأنها قد احسته وعاشته، كما تعيش أي شيء في الحياة. وهو إنما يستنتج من المصدر الثالث الذي ذكرناه في الفقوة الثانية من هذه المناقشات، وهو اجتهاد الراي والاستنتاج الشخصي ليس إلا. إننا إذا قسنا المجتمع إلى تطور وسائل الانتاج من زاوية ماركسية، وجدناها على قسمين:
القسم الأول: ما شاهدنا وعرفنا حسيا تغيره في العهود التي مرت
علينا من التاريخ البشري بتطور وسائل الانتاج، كالظواهر السياسية والعقائد الاجتماعية والمستويات الثقافية، وغيرها، مما تعتقد الماركسية بتغيرها بتطور وسائل الانتاج.
إن مثل هذه الظواهر، يمكن التنبوء بتغيرها بتطور جديد من تطورات
وسائل الانتاج في المستقبل، قياسا له على الماضي.
388

القسم الثاني: ظواهر لم تمر علينا في التاريخ البشري السابق، وإنما
يتوقع وجودها في المستقبل في الطور الأعلى فقط... وهو لم يحدث إلى الآن ولم يصبح حسيا ولا تجريبيأ.
فمثل هذه الظواهر، لا يمكن ان نتنبأ بتغيرها أو بشكل تغيرها في ذلك

الحين نتيجة لتطور وسائل الانتاج. فإننا لا نملك دليلا حسيا على
ذلك، وما لم يكن محسوسا لم يكن موجودا، لولم يكن الاستدلال على وجوده والجزم بتحققه، كما يرى الماديون عامة، والمماركسيون خاصة.
واوضح مثال على ذلك ما عرفناه من زوال الملكية الخاصة، زوالا
كاملا.
ومن ذلك ايضا: زوال الفرق بذهن المدينة والقرية وبن الصناعة
والزراعة، وتوثق النشاط الانتاجي بينهما. وانه ستتطور اشكال تعاون الانتاج بين المناطق الاقتصادية في البلاد، والروابط الاقتصادية بين المؤسسات في إطار المناطق نفسها، والمساعدة المتبادلة بيئ شغيلة المؤسسات المنفردة، وبالتالي ستظهر شغيلة العمل الشيوعية الموحدة والعالية التنظيم- كما سمعنا كل ذلك من ا فا نا سييف (1).
وقال أيضا
:
(
فعلى اساس من التطور المتواصل للقوى المنتجة للكولخوزات سيرتفع
تدريجا مستوق اتساع الانتاج الكولخوزي بالطابع الاجتماعي... رسيتخذ مقاييس اوسع فأوسع بناء المراكز الكهربائية ومؤسسات تصنيع المنتجات الزراعية... ومع تطور كهربة القرية وإشاعة المكننة والأتمتة في إنتاج المنتجات الزراعية ستتحد وساثل الانتاج الكولخوزية أكز فأكثر، مع وسائل الثعب بأسره، ومع تطور الاقتصاد الاجتماعي! (2!.
إلى آخر ما يسرده أفاناسييف من صفات المجتمع في الطور الأعلى، كأنه

رآه رأي العن. وقد عرفنا الأن أن كل ذلك مما لا يمكن التنبوء به
بالنسبة إلى الماركسبت!، فانها أشكال من التغير غير معهودة في التاريخ البشري المعروف. ولا بد لنا هنا أن نقول كلمة عن الاشكال المعروف في وجود الطور الشيوعي الأعلى، الذي ذكرنا له عدة وجوه في الفقرة الثالثة عشرة من الحديث جمني.. ايطيرر 100 لأ عل!...........
(1)
انظر: اسس! الفلسفة الماركسية: افانا سييف ص أ 19- 192
.
(2)
المصدر: ص 191
.
389

أ
. !
إ

وقد سبق في الفقرة السابعة من هذه المناقشات، أن ذكرنا صنحة عدد من

تلك الوجوه وناقشنا اجوبتها التي ذكرها الماركسيون، وعرفنا أنها
صحيحة الايراد على الفكر الماركسي.
ومن هنا ينتج ان الماركسية لا تستطيع أن تتنبأ من زاويتها بوجود
المستقبل السعيد للبشرية. ومعه تكون قد توصلت إلى نتيجة صحيحة من مقدمات خاطئة وقاصرة عن الوصول إلى المطلوب.
ومن هنا احتاج وجود المستقبل السعيد إلى برهان آخر، غير البراهن
الماركسية. وسوف يفهم ذلك المستقبل عن هذا الطريق فهما جديدا غير الفهم الماركسى، بطبيعة الحال، كما سوف ندخل في تفاصيله عند الحديث عن اليوم الموعود.
بقي لدينا الوجه الذي ذكره كوفالسون لهذا الاشكال المعروف، وهو
استبعاد مرور البشرية بالسعادة والرفاه، بعد أن كان الانسان معتادا على الظلم والتجاوز على الآخرين. وقد اجاب عليه كوفالسون- كا سبق ان سمعنا-: بأن الانسان لم يخلق شريرا وانه قابل للتغيير، وليس في الطبيعة ما يكون عقبة ضد بناء الانسان من جديد.
وهذا المقدار من الجواب صحيح، بغض النظر عن بعضق تفاصيل كلام
كوفالسون القابلة للمناقشة... فان البشرية تتربى باستمرار متجهة نحو ذلك المستقبل السعيد، وسيصاغ الانسان صياغة جديدة، وليس ذلك على التخطيط الالهي بعسير، كما اشرنا إليه في الحلقتيئ السابقتيئ من هذه الموسوعة، وسنبرهن عليه مفصلا، بعد قليل، في القسم الثالث من هذا الكتاب.
واما المشكلة التي اثارها كوفالسون، حول القضاء على الحضارة عن
طريق
حرب حرارية نووية عالمية... فقد اعترف أن هذا الخطر موجود فعلا،
وهذا صحيح، ولكنه أسنده إلى الامبريالية الراسمالية ونفاه عن الاشتراكية، وادعى ان الاشتراكية تناضل من اجل السلام، لدحر!الاستثمار والاستعمار.
وقد عرفنا، بكل وضوج، ان هذا النضال من اجل السلام، لا ينطبق

مع القواعد الماركسية، فإن كثيرا من التصرفات المشروعة بل الضرورية
ماركسيا، قد تنتج حربا عالمية، كدكتاتورية البروليتاريا، او القضاء على مجتمع راسمالي او الطبقة الراسمالية، أو الدفاع عن الاشتراكية والحفاظ على
395

مكاسبها ة ولا ترى الماركسية في هذه الحرب أمرا مستنكرا، ما دام
هدفها مشروعا. وإنما تقر الماركسية الأمن والسلام والحرية عند تطبيق (الطور الأعلى! في العالم اجمع، وحصول التغيير الجذري للانسان والمفاهيم الانسانية ككل، عندئذ يحصل السلام الكامل الدائم.
إذن، فحصول الحرب العالمية قبل حصول ذلك الهدف، يمكن ان يحصل
بمبادرة من الماركس!ن، كما يمكن أن يحصل بمبادرة من الامبريال!ن الرأسماليين تماما. ومع حصوله من أي من الجانبين، يصبح التسلمسل الاعتيادي للعهود المادية التاريخية منقطعا أو مشوشأ، كما يصبح الوصول إلى الطور الآعلى متعذرا. وأما نحن، فسنعرف أن الحرب العالمية الاتية، على تقدير حصولها،
تكون في مصلحة إيحاد اليوم الموعود، والتخطيط الالهي لانجازه. وقد
أشرنا إلى بعض زوايا هذه الجهة في (تاريخ الغيبة الكبرى) وسنذكره بكامل فكرته في ما يأتي من البحث.
391
القسم الثالث

المستقبل السعيد للبشرية

التخطيط الالهي القام لتكامل البشرية


منهجة البحث في هذا القسم
:
يتم الكلام في هذا القسم خلال ثلاث مراحل
:
المرحلة الأولى: في الأسس العامة التي يقوم عليها هذا التخطيط،
وينبثق منها.
المرحلة الثانية: في تفاصيله
.
المرحلة الثالثة: في بعض تطبيقاته ومناقشات حوله
.
ولا يخفى على القارىء ما كنا ذكرناه في الكتابنن الثاني والثالث من
هذه الموسوعة عن هذا التخطيط، الذي حاولنا عرضه وتوسيع فكرته ضدريجا، تبعأ للحقائق التي يحاط بها القارىء تدريجا...
إلا أن عرضنا الآن سيكون ذا مقدمات فكرية جديدة، واشد تركيزا
وأوممع تفاصيلا، مع توخي الاختصار فيما وسعنا القول فيه هناك، محيلين القارىء على الجزئن السابقن نفسيهما، تحاشيا للتكرار.
395

المرحلة الأولى

الأسس العامة للتخطيط الالهي

تبتني هذه الفكرة على الايمان بوجود خالق الكون الحكيم القادر،

ولا يمكنها أن تنطلق من زاوية مادية على ما سنعرف
.
وقد اصبح هذا الايمان علينا سهلا، بعد ان ناقشنا الفكر المادي في
القسم
الثاني من هذا الكتاب، واستطعنا بكل وضوج، إثبات فشله في تفسير
الكون من ناحية وبطلان الفكرة التي يحملها عن مناشىء الدين، وعن التعويض عن الخالق بالقوان!!ن العامة، وغيرذلك. ونحن نحيل القارىء في الاطلاع الكامل على تفاصيل العقائد الدينية على بحوث غير هذا الكتاب.
وقد سبق أن أشرنا خلال عرضنا لمناقشات الماركسية حول تأثيرقوى
الانتاج
في تطوير المجتمع، إلى أن محركات الكون واسباب حوادثه وتطوراته
عموما والمجتمع البشري خصوصا، تنقسم إلى ئلاثة أقسام:
القسم الأول: الأسباب الطبيعية العامة، التي تسمى عادة بالقوانين
الكونية، وهي قهرية التأثير وخارجة عن اختيار الانسان، وشاملة لسائر الكون بما فيه المجتمع البشري نفسه.
القسم الثاني: العلة الغائية من وجود الكون، كما سبق ان أوضحناها،
وسيأتي الشيء الكثيرمن تفاصيلها.
القسم الثالث: الأفعال الارادية والاختيارية او الواعية للبشر
انفسهم،
او لأي فاعل مختار عموما
..
وقد عرفنا ان القسمين الأول والثالث، خاضعان خضوعا كليأ وقهريا
للقسم الثاني، باعتبار ان الأهداف التي توخاها الخالق الحكيم القدير من خلقه 396

للكون، لا بد أن تحدث، وإلا كان ذلك نحالفا لفكرة استهدافه لهذه
الأهداف، ومن ثم مخما!ا لحكمته ونائما لغرضه، وهو مستحيل بالنسبة إلما الحكيم المطلق.
وقد اسس الخالق القدير القسمن الأول والثالث من الأسباب من أجل أن

تكون طريقا سهلا، أو هي افضل الطرق، لايجاد تلك الأهداف البعيدة
ومن هنا لا يمكن لهذه الأسباب- مع الحاجة إليها- ان تتخلف، كـما لا يمكن لها- مع عدم الحاجة إليها- أن تكون عائقا عن تلك الأهداف، بل ان السبب الأصلح لايجاد تلك الأهداف هو الذي يأخذ طريقه إلى الوجود، لا محالة.
وقد أشرنا في رسالتنا عن (المعجزة في المفهوم الاسلامي دا إلى أن
الأغلب
هو وقوع السببن المشار إليهما في طريق تحقق خلك الأهداف، ومن هنا
جعلهما الخالق الحكيم سان المفعول في كوته، إلا أنه قد يحدث احيانا ان تتوقف تلك ا الأهداف على انخرام بعض تلك الأسباب، كالتخلف الجزئي لقانون الجاذبية مثلا، فان انخرامها يكودط ضروريا، و!اعصا في عالم الوجود في ذلك المورد يكون مستحيلا، بل تتبدل لا محالة إلى ما هو الأصلح لايجاد الأهداف العليا من الكون. وهذا هو الأساس الأعمق لوجود المعجزات وفلسفتها.
وكذلك السبب الثالث، وهو وعي الناس وحرية إرادتهم، فانه مصمم خصيصا
لأجل الوصول إلى تلك الأهداف. وقد اعطي الناس حدودا معينة للنشاط تنسجم مع تلك الأهداف، بمقدار ما هو موافق للحكمة الواقعية للأشياء. ومن ثم قلنا، خلال مناقشتنا لقوى الانتاج الماركسية: ان اختيار الأنسان لا يعقل ان يحول دون الوصول إلى تلك الأهداف، بل ان أي فعل او أي قول من أي إنسان، صالحا كان أو باطلا، ضحلا كان او عميقا، مؤثرا كان أو عاطلا، واقع لا محالة ضمن الطريق الموصلة إلى تلك الأهداف. وهذا- كما أشرنا أيضا- لا يقتضي الالتزام بالجبر، أو قسر الناس على أفعالهم من قبل الخالق، لأن الأهداف- كما سنعرف- متوقف إنجازها على الاختيار، فإذا ارتفع الاختيار وحصل القسر زال الطريق الأفضل إلى تلك الأهداف، وهو خلاف الحكمة ونقض للغرض، وهو يستحيل من الحكيم، وسنلمع إلى فكرة عن توقف تلك الأهداف على الاختيار.
397

-3-
لستحيل ان تكون العلة للكون، هي حصول الكمال في ذات الخالق، أو
حصول نفع له بأي شكل من الأشكال: بعد ان برهن في بحوث العقائد الاسلامية، أنه هو الكامل المطلق المستغني عن كل شيء، وليس في ذاته حالة متوقعة يمكن حصولها بمثل هذه المقدمات.
وإنما تعود العلة الغائية، ويتعلق (الهدف) بالكون نفسه، وهو- كا

سبق ان عبرنا-: وصوله إلى كماله الممكن له، يعتي احسن حالة واقعية
يمكن أن يصل إليها الكون في طريق حركته نحو الأفضل.
وهذه الحالة الواقعية ليس لها تحديد حدي، لأن مراتب العمال
المعقولة او الممكنة، كثيرة جدا او غير متناهية؟ إذن، فكل ما في الأمر: أن الكون يتكامل ويتكامل بالتدريج المستمر، نتيجة لعوامل معشة، ومهما وصل إلى مرتبة من الكمال، طرق باب المرتبة اللاحقة، وهكذا، ولكنه يستحيل أن يصل إلى اللانهاية، كما قام البرهان عليه.
وحسبنا من ذلك الان، أن نعرف: أن هناك مراتب عليا من الكمال
الكوني، يقصدها الكود! بحركته نحو الأفضل، طبقا لتدبير الخالق وتخطيطه. وقد ألمعنا فيما سبق إلى أننا لا نستطيع ان ندرك كنه تلك الحالة الواقعية وتفاصيلها، ما دمنا موجودين في ضمن المرحلة المعاصرة والحالة الحاضرة، ومحددين من كل جهاتنا بحدود زمانية ومكانية وفكرية لافكاك لنا منها (1).
واذا طبقنا هذه العلة الغائية على البشرية، أمكن ذلك أيضا، بل هو

(1)
وقد يخطر في الذهن. انه لماذا لم يوجد الخالق الكون كاملا من
اول مرة، فيكون في غنى عن مقدمات سيره نحو الكمال، التي قد تكون بعضها في غاية الصعربة.
وجواب ذلك ممكن في عدة وجهه نذكر منها اثنين
.
أولا: ان إيجاد الكون كاملأ ابتداءأ، ان كان معناه وجوده لا نهائيأ
ومطلقا من جميع الصفات، فهذا مستحيل كـما تم البرهان عليه فى محا.4. وإن كا اسا !شابم وجوده دون اللانهاية، فمعنى ذلك بقاء خطوات لا نهائية وسلسلة غير محدودة من خطوات التكامل امامه، لى يطرقها بعد، ويكون له أن يسير فيها دون أن يبيغ آخرها. فقد عدنا إلى التكاه ار ومقدماته التي هرب منها السائل.
ثانيا: اننا نحتمل- على أقل تقدير- ان إيجاد الكمال بعد المقدمات
الطويلة والصعبة، أصلح وأحسن إنآجأ من إيجاد الكمال من أول الأمر، ومن هنا وقع الاختيار عليه.
398

ضروري الانطباق، باعتبار أن البشرية جزء خاص من الكون العام
. فالبشرية ايضا سائرة نحوكمالها الممكن لها والحالة العليا الواقعية المستهدفة
لها. وهي تسـير أيضا طبقا للسببين الأول والثالث اللذين ذكرناهما
وحللنا تأثيرهما.
ولكننا نستطيع ان نضع عدة فروق بين تكامل الكون وتكامل المجتمع،

نذكرها كأطروحة محتملة، لا كشيء تام النجاز
.
أولا: إن الكون في حركته اضطراري وقسري. بمعنى ان السبب الأول،

وهو ما يسمى بالقوانن الكونية، هو الذي يحركه نحو الكمال
. وبتعبيرآخر اصح: إن بعض أجزائه تقسر بعضا على الحركة، وليس له حرية الاختيار. في حين أن حركة البشرية نحو الكمال، متوقفة على الاختيار وحرية الارادة، حيث يصبح الفرد افضل إذا اختار الفعل الأحسن، كـما يصبح هو الأدون إذا اختار الفعل الأسوأ، ولا تكامل من دون حرية.
ثائيا: إن الكون في حبركته طويل الأمد جدا، قد لا يمكن قياسه حتى

بملايين السنين، على حين ان حركة البشر نحو الكمال، ليس بذلك
الامتداد، ولم يفكر احد أو يزعم أن عمر البشرية مثل عمر الكون بأي حال.
ثالثا: إن الأهداف المتوخاة للبشرية يمكن تصورها وتحديدها إلى حد

كبير، بخلاف الأهداف الكونية، فانها غير محددة في أذهاننا. ولعل
ذلك يعود إلى بعد الأهداف الكونية، وقرب الأهداف البشرية نسبيا، والغاية كلما كانت- أقرب، كانت اوضح وأصرح.
رابعا: اننا لا نستطيع أن ندرك فقط أهداف البشرية، بل الأساليب

والطرق الفضلى التي دبرها الخالق للوصول إلى تلك الأهداف. وسيأتي
الالماع إلى تلك الأهداف والى طرقها، فانها هي التي تشكل الأساس الحقيقي لفكرة التخطيط الالهي العام لتكامل البشرية.
فهذه أهم الفروق بين الكون والبشرية. وسنفرض صحتها ردحا من

الزمن. لا بمعنى انها باطلة في الواقع، ولكن بمعنى أنها قد تكون
مبالغا فيها، وان الفجوة بين البشرية والكون أقل بكثيرمما تعطيه هذه الفروق. ولعل تسلسل البحث كفيل بإبراز هذا المعنى تدريجا.
ولا ينبغي أن يكون التقليل من حدودها، منتجا لبطلان نتائجها
الاتية،
399

وإنما تتحدد نتائجها في حدود صدقها، بطبيعة الحال. هذا معنى ما
قلناه من اشا سنفرض صحتهاردحا من الزمن.
من الواضح، بعد الذي قلناه، من تسخير السبب!س الأول والثالث

لمصلحة السبب الثاني، وهو الأهداف المتوخاة من وراء وجود الكون
... من الواضح انه لا يمكن ان يوجد شيء من تطبيقات ذينك الس!ببين ناقصا عن حاجة تلك الأهداف، كا لا يمكن أن تكون التطبيقات زائدة أيضا. إذ أن وجودها بهذا الشكل أوذاك يعني عدم التوصل إلى تلك الأهداف بالشكل المطلوب، وهو مخالف للحكمة وللغرض فيكون مستحيلا.
وعدم إمكان النقصان، يعني أمرين
:
الأمر الأول: إن س حة الكون العامة، او مجموع شسلسل الحوادث في

الكون، لان توي على أي نقصان، بل كل الحوادث الواقعة يحتاجها الكون
لا محالة لوصوله إلى غاياته.
الأمر الثاني: اي ث!يء بعينه مما قد بجتاجه الكون في هذا الصدد، في

الواقع، خ. و موجود بالضرورة، ولا يمكن أن لا يكون كذلك. لا يختلف
في ذلك الماضي والحظ ضر والمستقبل.
كما ان عدم 1 ه كان الزيادة يعني امرين موا: لن لذينك الأمرين
السابقن:
الأمر الأول: إن ساحة الكون العامة، لا تحتوي على أي زيادة، بل كل

الحوادث الواقعة فيه، إنما هي محتاج إليها فعلا في الوصول إلى
الأهداف وليست زائدة بم ي حال.
الأمر الثاني: إن اي شيء بعينه مما لا يحتاجه الكون في الوصول إلى

اهدافه، يعتبر زيادة، ومن ئم لا يمكن ان يكون موجودأ
.
ومهما يكن السبب الأول قهريا اضطراريا، ومهما يكن السبب الثالث وهو

اختيار الناس وأفعالهم، فعالا ودويا، فانه لا يمكن ان يخرج عما هو
مكرس له وهو إيصاله إلى تلك الأهداف، ومن ثم لا يمكن ان يخرج عن هذه الأمور "ا الأربعة. وبتعبيرآخر: لا يمكن لشيء في الكون ان ئحدث النقيصة اوالزياثة فيه بالنسبة إلى إيصاله إلى أهدافه.
هـ 14


ومن اهم تطبيقات هذه الفكرة،) وجود البشرية نفسها، وتكاملها ايضا،
والتخطيط من اجل هذا التكامل.
إذ يتبرهن مما سبق ان وجود البشرية بصفته أحد أجزاء الكون، لا يمكن

أن يكون زائدا ولا ناقصا عن استهداف تلك الأهداف، بل هي مرتبطة
ارتباطا وئيقا بالتقديم والتهيئة لتلك الأهداف لا محالة. حالها في ذلك حال كل أجزاء الكون الأخرى.
وبالطبع، فإن البشرية المتكاملة الصق بتلك الأهداف العليا، واكز
إنجازأ لها من البشرية الناقصة... إذن، فينبغي ان تتكامل البشرية- بعد ان وجدت ناقصة- لكي تقع في طريق تلك الأهداف. ومن هنا يثبت ان التمهيد او التخطيط لتكامل البشرية داخل ضمن التخطيط العام لتكامل الكون والوصول إلمط اهدافه العليا،
-7-
ومن هنا نعرف أن البشرية تعيش تخطيطين مقترنيهت متعاونين لأجل
تكاملها
نحو الأفضل
.
التخطيط الأول: التخطيط الكوني العام للوصول إلى أهدافه البعيدة،

تعيشه البشرية بصفتها جزءا من إلكون العام. ومن الواضعح أنه لا
يخصها بالتعحن او ينتج فيها شيئا بصمفتها الخاصة، وإنما ينتج فيها الكمال، او يشارك فيه بصفتها جزءا من الكون ليس إلا.
نعم، يصلح هذا التخطيط أن يكون الأساس الذي يبتنى عليه التخطيط

الثاني الذي سنذكره، بمعنى انه افترض في بناء التخطيط الثاني
الفرل! من صحة التخطيط الأولى ة تماما كما تفترض صحة قانون الجاذبية مثلأ عند بناء سيارة الآ ناطحة سحاب.
وهذا التخطيط قسري التأثير في البشرية اضطراري النتائج، لأنه يعبر،

فيما يعبر عنه، عما يسمى بالقوانن الكونية العامة، التي عرفنا انها
جعلت لأجل مصلحة الايصال إلى الأهداف البعيدة.
التخطيط الثاني: تخطيط خاص بالبشرية، قائم على استعمال الاختيار في
تكاملها، بمعنى أنها تتكامل نتيجة لأعمالها وتصرفاتها وردود أفعالها تجاه الوقائع
26
401

المختلفة. وهذا هو الذي نسميه بالتخطيط الالهي العام لتكامل
البشرية. وهو بدوره يشارك في التخطيط الأول. فإن هذا التكامل إنما يراد من اجل
التهيئة إلى الأهداف الكونية البعيدة، فيكون التخطيط الثاني مقدمة
لهذه التهيئة، فهو مجعول ليكون واسطة غير مباشرة لتلك الأهداف العليا ايضا.
-8-
إن السبب الثاني من الأسباب الثلاثة لتطور الكون، التي ذكرناها في
الفقرة
الثانية من هذه الأسس العامة، ان هذا السبب بصفته سببا غائيا، يعني
مجرد استهداف النتائج العليا المتوخاة من إيجاد الفون. فقد يبدو لأول وهلة أن هذا السبب لا يعين الأسلوب الذي يتخذه السبب الأول الذي ذكرناه إلى جنبه، وهو ما يسمى بالقوانين الكونية، بل ان السبب الثاني يتحدد بحدود السبب الأول، اي ان استهداف تلك النتائج العليا يكون بالأسلوب الذي تتخذه تلك ا لقوا نين.
وهذه القوانن قد تكون هي القوانين الكيماوية- الفيزياوية بوجودها
الساذج أو بتصورها البسيط. وقد تكون هي النظرية النسبية وقد تكون هي الديالكتيك الماركسي، وقد تكون هي نظرية المجال الموحد، وقد تكون امرا آخر. ان مجرد الاستهداف لا يعين واحدا منها، بل يعمل في حدود ما هو الموجود.
هذا، ولكن الصحيح اننا تارة ننظر إلى الاستهداف بصفته واقعا وكونيا

مخططا من قبل الخالق الحكيم. وأخرى ننظر إلى مقدار معرفتنا بذلك
.
فإن نظرنا إلى الواقع، لزمنا ان نكرر ما قلناه من أن معنى
الاستهداف هو اختيار الطريق الأفضل للوصول إلى ذلك الهدف، وأي اسلوب كان هو المين وجوده في الكون، دون غيره، سواء كان هو الديالكتيك أو النظرية النسبية، او غيرها، ويرجح تعلن الأفضل إلى الخالق الحكيم نفسه. إذن، فالاستهداف يعين القانون في الواقع، لا انه يجري في ضمن حدود القانون.
واما طبقا لما قلناه من إنكار وجود القوانن الكونية، فالأمراوضح،
كـما هو واضح لمن يفكر..
وإن نحن نظرنا إلى معرفتنا بالاستهداف، فإن كنا جاهلن بالأسلوب
الأفضل له، وكانت كك هذه القوانين التي عددناها على حد سواء ثا احتمال
402

انطباقها على الكون،... إذن، نكون عاجزين عن تعلن واحد منها
بالنسبة إلى الاستهداف. وهنا يصح هذا التعبير: ان الاستهداف لا يعين قانونا كونيا معينا، يعني في حدود معرفتنا.
وإن كنا عالمن بالأسلوب الأفضل من هذه الأساليب او غيرها، فنستطيع

ان نجزم أنه هو المتعن، في الاستهداف الكوني العام. وايضا، لو كنا
عالمن بعدم صلاحية بعض الأساليب أو القوانين للاستهداف، نستطيع أن نجزم بعدم وجوده وعدم سريانه في الكون، كما استطعنا البرهنة عليه بالنسبة إلى قانون الديالكتيك في القسم الثاني من هذا الكتاب.
وهذا الذي قلناه في التخطيط الكوني، منطبق تماما على جزئي، وهو
التخطيط العام لتكامل البشرية، وهو التخطيط الثاني الذي ذكرناه في الفقرة السابعة.
فإن الاستهداف الواقعي لهذا التكامل يعين أفضل الأساليب والمناهج
للوصول إليه ة كل ما في الأمر، اننا إذا كنا مطلعين على ذلك فهو المطلوب، كـما اننا لو كنا مطلعين على بطلان بعض الأساليب أو عدم صلاحيته للاستهداف ايضا، استطعنا نفيه أيضا. و(ن كنا جاهلين بالأصلح منها والباطل، كان الاستهداف في نظرنا محتملا لها جميعا.
ولكن الفرق بين التخطيط الكوني والتخطيط البشري، من حيث اساليبهما،
اننا نجهل في الأغلب الأسلوب الأفضل للكون، فلئن أقمنا البرهان على بطلان الديالكتيك، بقي الباقي محتملا على أي حال. ومن هنا يضطر الباحث إلى أن يعين كون الأسلوب او القانون صالحا للاستهداف بإقامة البرهان (العلمي " على كون الأسلوب المعن هو الصحيح الساري في الكون. فلوثبت مثلا، أن نظرية المجال الموحد هي السارية يخا الكون ثبمت تبعا لذلك أنها هي الأسلوب الأفضل للاستهداف، إذ لو لم تكن كذلك للزم تبديلها إلى الأفضل، ومن ثم لم تكن هي السارية المفعول في الكون.
ولكن بالنسبة إلى التخطيط
" البشري لما يستطيع الباحث بما أوتي من فكرة وعمق، أن يدرك أن هذا هو الأسلوب الأفضل أو ذاك، او أن هذا ليس هو الأسلوب الأفضل. إذ من الواضح ان الخصائص البشرية فردية واجتماعية،
403

معاشة للناس وقريبة المنال إليهم، بخلاف الخصائص الكونية، فانها
بعيدة عنهم وأوسع من إدراكاتهم.
فالأساليب المحتملة لتكامل البشرية: كالعلم والدين والقانون
ونظريات
العامل الواحد: الجنسية او الاقتصادية، يمكن ان نبرهن على صحة
بعضها ونفي بعضها الآخر. وكل اسلوب برهنا على صحته يتعين ان يكون هوالأسلوب الأفضل والتخطيط المتبع لتكامل البشرية.
وكل اسلوب برهنا على زيفه وبطلانه في نفسه، كما اسلفنا بالنسبة إلى

المادية التاريخية، يتعين عدم كونها هي السارية المفعول وعدم كونها
صالحة للاستهد اف.
-10-
وإذا اردنا أن نعقد مقارنة بين هذه الأفكار التي قلناها وبن الفهم
الماركسي
للكون وإلحياة، وجدنا أن التخطيط الالهي لتكامل الكون يوازي قانون
الديالكتيك الماركسي، بصفتهما يمثلان الأسلوب العام لقيادة الكون وتدبيره. وأما التخطط العام لتكامل البشرية، فهو يوازي المادية التاريخية بصفتهما يمثلان الأسلوب العام لقيادة البشرية وتدبيرها.
وهنا اود ان اشير إلى ان العناصر الثلاثة التي كانت هي المغريات
ونقاط
القوة في الفكر الماركسي، وهي
:
أولأ: تقديم نظرية عامة لفهم الكون كله
.
ثائيأ: تقديم نظرية عامة لفهم التاريخ البشري
.
ثالثأ: التنبوء بيوم السعادة البشرية في المستقبل
.
وهذه الأموركلها استطعنا التعويض عنها من الزاوية الالهية،
وتبديلها بما
هو أفضل، كما سيتضح من المقارنة وبمايليها من البحوث
.
ولدى المقارنة ينبغي بنا ان نقسم الحديث إلى مقارنة التخطيط الكوني
بالقوانين الكونية الماركسية، كالديالكتيك وقانون التغير النوعي... وإلى مقارنة التخطيط (البشري لا بالمادية التاريخية. وستكون المقارنة موجزة ومنطلقة من اسمس عامة، وأما مقارنة التفاصيل او المقارنة التفصيلط، فينبغي ان تفهم من مجموع البحوث الآتية.
وعند مقارنة الديالكتيك ورفاقه بما يوازيه من التخطيط نجد عدة
حقائق:
404

الحقيقة الأولى: ان بين التخطيط الكوني والقوانين الماركسية فرقا
جوهريا،
هو: ان التخطيط يندرج قي السبب الثاني من الأسباب الثلاثة التي
ذكرناها في الفقرة الثانية من هذا العرض، أعني انه سبب غائي او استهدافي كما عبرنا. على حيئ يندرج الديالكتيك ورفاقه في القسم الأول من تلك الأسباب أعني الأسباب الكونية الاضطرارية او ما يسمى بالقوانن عادة.
وهذا الفرق يجعلنا وجها لوجه لمام ما قلناه قبل قليل: من أن
الديالكتيك
لو كان صحيحا في نفسه، لقلنا بأنه صالح للاستهداف (1)، وجمعنا بينه
وبن التخطيط الكوني، باعتبار أن السببين الأول والثاني مجتمعان دائما وغير متنافيين، كما عرفنا. ولقلنا ايضا ان قانون الديالكتيك ورفاقه مما جعله الخالق الحكيم في كونه لأجل الوصول إلى الأهداف البعيدة. فإن هذا القانون بحد ذاته، ليس إلحاديا، وانما قرنه الماركسيون بالإلحاد اجتهادا. نعم، هو قانون مادي، بمعنى انه متعلق بالمادة ويعتبر من قوانينها، على تقدير صحته.
إلا انه قانون غيرصحيح، كـما سبق ان عرفنا مفصلا؟ ومعه ينتج أنه
غيرا صالح للاستهداف، وغيى ساري المفعول في الكون.
الحقيقة الثانية: ان التخطيط إلكوني، خال من الاشكالات التي كانت

واردة على الديالكتيك ورفاقه، والتي فصلناها فيما سبق (2). فانها
جميعا كانت منطلقة من مفاهيم خاصة بالقوانين الماركسية، يخلومنها التخطيط الكوني تماما. الحقيقة الثالثة: " ان التخطيط الكوني، يحتوي على عدة نقاط قوة تفقدها القوانين الماركسية ة
النقطة الأولى: ان الديالكتيك يفسر حوادث الكون وتطورها. واما
بالنسبة إلى اصل وجود الكون فالماوكسيون يرون ازليته وانه لا يحتوي على حكمة وهدف بالمرة، كـما سمعنا مفصلا.
واما التخطيط الكوني فهو يفسر حوادث الكون وتطورها، بدلأ عن
الديالكتيك ورفاقه... ويفسر ايضا أصل وجود الكون ويعتبره ناشئا عن حكمة وهدف لا محالة، وهو واضح بعد الاعتراف بوجود الخالق، فإن الماركس!ن لا يمكئهم اد يئكروا اد الخالق لوكاد مطلق الحكمة والقدرة، إد لم يزعم احد وجود (1) أعني وضعه وسيلة في طريق ألهدف. وسيتكرر هذا الاستعمال فلاحظ.
(2)
انظر الفصل الخاص بخاثة الديالكتيك ثا القسم الثاني من هذا
الكتاب.
ه. لأ


خالق ضعيص وجاهل... مضافا إلى البراهن الصحيحة القائمة على ذلك. لا
يختلف الحال لا وجود الاستهداف بين أزلية الكون وحدوثه، بعد الاعتراف بوجود الخالق الحكيم، إذ لولا هذا الاستهداف لما أوجده الخالق منذ الأزل... وان كان الصحيح هو بطلان القول بالأزلية، كـما أسلفنا عند مناقشة ا لما ركسية.
وقد يخطر يخا الذهن: انه لا معنى للاستيداف مع الأزلية، إذ معها

كون قد تحققت الأهداف المطلوبة منذ زمن طويل
.
إلا أن هذا الكلأم غير صحيح: لأن درجات الكمال غير متناهية، كـما

قلنا، فمهما صعد الكون في درجات الكمال، بقيت امامه درجات
غيرمتناهية أيضا، ولا يعني وجوده منذ الأزل أنه قد اتم هذه الدرجات إلى الآن، كما هو واضح.
الئقطة الثانية: ان التخطيط الكوني أقوى فعالية وتأثيرا في الكون
من الديالكتيك، بل من كل (قانون) كوني بعينه. باعتبار كون التخطيث! سببا خارجيا عن الكون، مفروضا عليه من قبل حكمة الخالق القدير، بخلاف الديالكتيك وغيره فانه سبب داخلي. ولا شك ان السبب الخارجي، وهو الخالق الحكيم، اقوى تأثيرا في قياده الكون من قاشون الديالكتيك الذي هو- لو صح- صفة من صفالف المادة ليس إلا.
وقد سبق ان عرفنا ان السبب الأول اعني القوانين الكونية تابعة في
وجودها ونفوذها الكوني للسبب الثاني اعني التخطيط، دون العكس.
الئقطة الثالثة: ان التخطيط الكوني يشارك بدوره في تربية البشرية
وتكاملها إلى جاذب تخطيطها الخاص، كما سبق ان عرفنا. على حصان لا يشارك الديالكتيك بأي شكل من الأشكال في تكامل البشرية إلى جنب المادية التاريخية، لو كانت بدورها تقوم بهذا التكامل. بل يبدو الديالكتيك والمادية التاريخية قانونين متفاصلين في التأثير تماما.
نعم، الديالكتيك شامل للبشرية كشمول التخطيط الكوني، إلا أن
التخطيط الكوني يؤثر فيها مربيا لها وموجبا لتصاعدها في درجات الكمال باتجاه أهدافها العليا أولا، والأهداف الكونية البعيدة ثانيا. على حين ان قانون الديالكتيك يبدو كحركة ديناميكية في المادة جافة لا تأثير له بالمرة في نفع البشريه
456

وكمالها
.
** "
وأما مقارنة التخطيط العام للبشرية بالمادية التاريخية، فتعطينا
عدة حقائق
يوازي أكثرها الحقائق التي عرفناها من المقارنة مع الديالكتيك
.
الحقيقة الأولى: إن التخطيط العام للبشرية سبب غائي استهدافي،

يندرج في القسم الثاني من الأسباب الثلاثة السابقة. بينما ان
المادية التاريخية، حين يقصد بها تأثير قوى الانتاج في تطوير المجتمع وتغييره، تكون مندرجة في القسم الأول من الأسباب الثلاثة السابقة.
وقد عرفنا ان السببين الأول والثاني يمكن اجتماعهما، بل هما
متعاونان ومشتركان في التأفي، إذا كان كلاهما صحيحا وساري المفعول. فإذا صحت المادية التاريخية أمكننا ان نعتبرها الأسلوب الأفضل في التخطيط لتكامل البشرية. فإنها- كما قلنا في الديالكتيك- غير مبتنية بحد ذاتها على الالحاد، وان قرنها الماركسيون بذلك اجتهادا. بل ان عدم ارتباطها بالالحاد اوضح من الديالكتيك، لأنها لا تتضمن مثله تفسيرا عاما للكون، ومن ثم لا ترد فيها الفكرة المادية القائلة، بإمكان التعويض بها عن افتراض وجود الخالق. هذا، ولكننا قد عرفنا بطلان المادية التاريخية، وان تأثير قوى الانتاج في تغييرالمجتمع وتطويره مما لا يمكن التفوه به.
وهذه الحقيقة الأولى توازي الحقيقة الأولى، في مقارنة الديالكتيك
.
الحقيقة الثانية: إن التخطيط العام للبشرية يخلو من الاشكالات
الواردة
على المادية التاريخية، وهي كثيرة سبق أن ذكرناها مفصلا (1) تماما
كأخيه التخطيط الكوني بالنسبة إلى الديالكتيك.
فإن تلك الاشكالات كانت ترد باعتبار ربط تطور المجتمع بقوى الانتاج
وعلاقات الانتاح، وهذا غيرمربوط بالمرة بالتخطيط العام للبشرية، وسنعرف في المستقبل موقف هذا التخطيط من هذه المفاهيم.
وهذه الحقيقة تقابل الحقيقة الثانية من مقارنة الديالكتيك
.
الحقيقة الثالثة: إن التخطيط
" البشري لما اكثر ارتباطا بالتخطيط الكويى، من ارتباط المادية التاريحية بالديالكتيك، فبيئما لا لجد اد قالود (1) أنظر الفصل الخاص بذلك.
407

الديالكتيك لا يكاد يعني شيئا مهما في تنظيم أسس المادية التاريخية
وعهودها، فاننا نجد ان التخطيط البشري جزء من التخطيط الكوني وتطبيق من تطبيقاته، بل هو منجز من أجله ومن اجل اهذافه، كما سبق أن عرفنا.
وبتعبير اوضح: إن كلا من التخطيط البشري العا أ والمادية
التاريخية، هـ!ران على رفيقهما الكوني، فلا معنى للتخطيط البشري بدون وجود تخطيط كوني، كما لا صحة للمادية التاريخية- ماركسيا- بدون الديالكتيك. لكننا من زاوية القانون الكوني، لم نجد للديالكتيك اي اعتماد على المادية التاريخية، ولا يهمه (!) وجودها وعدمه، بل لا يهمه وجود البشرية عموما. واما التخطيط الكوني فهو معتمد على التخطيط البشري، فإنه جزء منه، ويهمه (!) وجود البشرية وتخطيط تكاملها، لأن تكاملها مشارك في تكامل الكون، كما سبق أن برهنا.
ومن هنا أصبح الربط والشد بين البشرية والكون، اشد بكثيرمما هوعليه

في الفكر الماركسي
.
الحقيقة الرابعة: إن التخطيط العام للبشرية منجز خصيصا من اجل
تكامل البشرية وتربيتها، لكي تمر في تكاسل بههد الخير والسعادة والمستقبل الفاضل.
بينما نجد المادية التاريخية، لا تعني شيئا من هذا القبيل، فإن
الأمور- طبقا لتصورها- تتطور بشكل عفوي خارج عن وعي الناس وإرادتهم، وإنما تتطور البشرية نحو الأفضل طبقا لقانون قهري، لا من أجك فهم ووعي خا ص. فلا قوى الانتاج قد قصدت هذا التطور، ولا قصدته عا* قات الانتاج ولا قصده أفراد المجتمع؟ ومع ذلك يوجد هذا المطور غير المقصود!!..
الحقيقة الخامسة: إن التخطيط العام للبشرية سبب غير اقتصادي تمامأ،

ولا يربط تطور المجتمع بالعلاقات الاقتصادية، كما تحاول المادية
التاريخية ان تفعل، حتى تكاد تصبح من نظريات ذات العامل الواحد.
وسنعرف موقف هذا ألتخطيط الاقتصادي وتطوراته، ني مستقبل هذا
الب!صى،،.
وينبغي أن نلتفت الآون إلى أن هذا التخطيط لا يمكن ان يعتبر من
نظريات
408

العامل الواحد، باعتباره غائيا استهدافيأ، لا سببا فاعليا، اي انه
من القسم الثاني مق الأسباب الثلاثة لا من القسم الأول. وتقسيم النظريات إلى العامل الواحد والمتعدد، إنما يكون باعتبار القسم الأول لا الثاني. وهو ينسجم- كما عرفنا- مع اي عامل من القسم الأول أو عدة عوامل مما يثبت صحته وسريان مفعوده في البشرية.
الحقيقة السادسة: إن الماركس!ن يؤكدون- كما سمعنا- وعي الناس
وحريتهم في التصرف، وقد سمعنا أسلوب جمعهم بين الحرية والضرورة وناقشناه. إذن يمكن القول- بشكل أو آخر- ان المادية التاريخية متضمنة للوعي وا لا ختيا ر.
وكذلك التخطيط العام للبشرية، متضمن للاختيار، بل هو مبتن عليه
ومنطلق منه، كما عرفنا. مع الاحتفاظ- بطبيعة الحال- بما للكون من ضرورة وقسر في اسبابه و (قوانينه)، والاختيار إنما يكون من خلال الفرص المعطاة للانسان خلال تلك الأسباب والقوانين.
وهنا نلاحظ ان الضرورة واردة من الكون، بمعنى البشرية أ/ عشها
بصفتها
جزءا من الكون، على حين تعيش الاختيار بصفتها الخاصة. ود6 الحقيقة
تعبر عنها الماركسية بأن الضرورة واردة من قانون الديالكتيك ورفاقه وا- كرية ناتجة من خلال وكي الأفراد. وأما نحن فنعبر عنه بأن الضرورة واردة من التخطيط الالهي الكوني، الذي عرفنا ان كل الأسباب والقوانن الكونية مسخرة في صالحه. واما الحرية، فهي صفة قد فطر عليها الانسان من أجل إنجاح تكامله وتربيته بكلا التخطيطين الكوني والبشري.
وبهذا نعرف ان الضرورة الواردة من الكون، ضرورة عمياء في منطق
الماركسية، وهي تعترف بذلك ولكنها ضرورة مبصرة وواعية ومربية في منطقنا، لأننها تتبع التخطيط الكوني للتكامل. كا ان الحرية حرية (عمياء!اي موجودة في الانسان بلا هدف، في منطق الماركس!ن، على حين موجودة بهدف سام اصيل في منطقنا.
فهذه هي الجهات الأساسية العامة، في المقارنة بين التخطيط العام
للبشرية والمادية التاريخية.
409

وهذا الأسلوب الذي اتخذناه في إثبات التخطيطين الكوني والبشري، لا
يتوقف على الاعتراف بحقيقة دينية سوى الاعتراف بوجود الخالق الحكيم القادر. وهيما استطعنا إثباته من خلال مناقشات الماركس!ن.
وبهذا يكتسب هذا الأسلوب نقطة من نقاط القوة عن الأسلوب الذي
اثبتنا
به التخطيط (البشري
" في الكتاب الثاني من هذه الموسوعة، وكان هناك بعنوان التخطيط الالهي لليوم الموعود (1)، وسنعرف أنه تطبيق مهم من تطبيقات التخطيط العام الذي نحن بصدده. حيث كان الاعتماد ا ائيسي في إثباته على النصوص الدينية الاسلامية المقتنصة من القرآن الكريم، كقوله عز وجل: وما خلقت الجن والانس إلأ ليعبدون (2).
حيث كان لهذه الآية المجال الأكبر في إثباته، ولا حاجة بنا الآن
إلى
ا لتكرار
.
وذاك الاستدلال صحيح لا غبار عليه، لمن يعترف بالاسلام وبصدق
القرآن ة واما من لا يعترف به، فسوف لا يكون دليله صحيحا لديه. بخلاف ما ذكرناه في بحثنا الحاضر، فإنه شامل لكل مفكر منصف بمجرد اعترافه بالله تعالى.
هذا، ولكننا سنضطر في فهم دفاصيل التخطيط العام للبشرية إلى
الاعتماد على النصوص الدينية، فإنه مما لا يثب!ت بمجرد تشغيل الذهن والتعمق بالتفكير.
سوف نقتصر في مستقبل البحث على الحديث عن التخطيط العام لتكامل
البشرية، وندع التخطيط الكوني إلا من زاوية بعض الحاجة إليه، فإنه يحتاج إلى بحث مستقل. وقد عرفنا في اول هذا الكتاب: اننا نستهدف التعويفر عن المادية التاريخية بفهم جديد للبشرية، وقد عرفنا ان ما يوازيها هو التخطيط الخاص للبشرية لا التخطيط الكوني. إذن، فمن المنطقي ان نقصر حديثنا عن هذا التخطيط المطلوب.
(1)
انظر تاريخ الغيبة الكبرى صر 233، وما بعدها إلى عدة صفحات
.
(2)
الذاريات: 51/ 56
.
410

هذا ومن اللازم ان نشيرني ختم هذه الأسس العامة للتخطيط، الط هناك

أمورا ذكرناها لدى مناقشتنا لعلاقات الانتاج الماركسية، تعتبر
جوهرية في هذا التخطيط، لا حاجة إلى تكرارها هنا... من اهمها البرهان على ضرورة استهداف الخالق الحكيم للأهداف العليا في الكون. ومنها: عدم منافاة التخطيط العام مع اختيارية الانسان وان الإنسان مهما أدى من عمل فإنه يخدم الهدف البشري الأعلى، وانه بأعماله يخدم نفسه ويخدم تلك الأهداف من حيث يدري أو لا يدري... إلى غير ذلك مما قلناه.

المرحلة الثانية

تفاصيل التخطيط الالهي ومراحله

الأسسر ات صة
:
-1-
سبق أن ذكرنا في الكئابين الثاني والثالث من هذه الموسوعة شيئا
كثيرا من تفاصيل هذا التخطيط، فمن الضروري إذن ان نحول القاريء على ما سبق، من ثون حاجة إلى التكرار. وإنما نقتصر في كل تحويل على إعطاء خلاصة موجزة فقط، حفظا لترابط الأفكار.
واول سؤال يواجهنا في هذا الصمدد: انه ما هو الهدف الأعلى للبشرية

الذي يستهدفه هذا التخطيط العام أ وكيف يمكن لنا التعرف على
حقيقته؟ اسلفنا قبل فترة أنه هوأحسن حالة يمكن أن تصل إليها البشرية في تكاملها
نحو الأفضل او في مسيرها نحو الكمال. وهذه عبارة على انها لا نحلو
من الوضوج هي عبارة غامضة لا تعطي اي صفة معينة لتلك الحالة الفضلى. فهل يمكن ان نستنتج شيئا من صفاتها أو أهم صفاتها، بطريق استدلألي معين؟ لهذا الاستنتاج طريقان، أحدهما وجداني والآخر قرآني:
411

الطريق الأول: ان الفكر الانساني يحمل فكرة ما عن المجتمع الذي

تتحقق فيه السعادة والرفاه. وهذه الفكرة مهما كانت غائمة وصغيرة،
إلا انها تستطيع ان تمدنا ببعض التفاصيل القليلة؟ ومن هنا صلح الفكر الانساني مصدرا لمعرفة صفة الكمال البشري على اي حال.
وانطلاقا من ذلك، يفترض ان هذا الكمال الذي يدركه الفكر الانساني
بوجدانه، هو الذي يستهدغه التخطيط الالهي في مسيره. وقد تكون هناك إضافات وتفاصيل غيرمدركة له تكون مطبقة في ذلك اليوم الموعود.
يدرك الفكر الانساني ان الخلافات الاجتماعية والحروب مصدر للشرور،

وان الاعتداء على الآخرين- ايا كان منشؤه- مصدر لها ايضا، وان
الاختلات في الآراء وعدم اجتماع الكلمة سبب لها ايضا، فإذا تبدلت هذه الصفات بأضدادها فساد الوئام واتفقت الكلمة وتحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي، كان ذلك من الأسس الكبرى للسعادة الاجتماعية.
ولا مناقشة لأحد في هذه الصفات. وانما نقطة الضعف الرئيسية في هذا
الطريق هو قلة الحقائق المدركة للفكرالانساني والمتفق عليها بيئ البشر. إذ كثيرما يختلف الناس في ان هذه الصفة اوتلك هل هي من أسباب السعادة او لا. ولا يبقى مما هومتفق عليه إلا حقائق قليلة ذات عموم غيرتطبيقي. ومعه يحتمل ان تكون ا-لقائق الأخرى غيى المدركة اهم تأثيرا من هذه الحقائق المدركة، كما يحتمل أن يكون تطبيق الحقائق المدركة تطبيقات خاطئة او غيرمتفق على صحتها على اقل تقدير. وما هو؟ او من هو الميزان في تشخيص صحتها من فسادها؟!..
الطريق الثاني: الاستلهام من قوله تعالى
:
(
وما خلقت الجن والانس إلا يعبدون
" (1).
حيث دئت الآية على ان الهدف الأساسي من خلق البشرية هو عبادتهم دثه

الخالق القدير تعالى
.
ويتم ذلك بالالتفات إلى امرين
:
الأمر الأول: إد اللام ي قوله تعالى
: " ليعبدود، للغاية لا للعاقبة.
........ !.1!.
انظر.- مثلات:. تاريخ الغيبة الكبرى ص 234
.
412

وذلك: انه يحتمل في بادىء الأمر منها امران، بحسب المعنى اللغوي
لمئل هذه اللام:
المعنى الأول: أن تكون اللام للغاية، والمراد به الاستهداف العمدي
والملتفت إليه من قبل الفاعل، كقولنا: لدب ولدك صغيرا لتسر به كبيرا. المعنى الثاني: ان تكون اللام للعاقبة، والمراد حصول النتيجة من دون توقع، او من دون تسبب من قبل الفاعل. كقوله: لدوا للموت وابنوا للخراب. او بتعبير افضل: يولد الانسان ليموت ويبني البيت ليخرب. ومن الواضح عدم إمكان انطباق معنى لام العاقبة على الخالق الحكيم القدير. فيتعيئ أن يكون اللام للغاية. فيكون المراد من الآية حينئذ: ان هناك استهدافا عمديا في خلق البشرية في أن توجد فيها العبادة.
الأمر الثاني: إعطاء المفهوم الصحيح للعبادة، وقد سبق ان ذكرناه في
الكتابين السابقين من هذه الموسوعة في اكز من مناسبة.
إذن، فقد خلقت البشرية- او الانس- خصيصا من اجل أن يعبدوا الله عز

وجل بمجموعهم تلك العبادة الكاملة... ليس هم فقط... بل الجن ايضا؟
وهذا يدل على شمول التخطيط، أو وجود تخطيط خاص بالجن، ولكننا بصفتنا بشرا لا نعرف عنهم شيئا ذا بال.
وقد أشرنا فى الكتاب الثالث من الموسوعة (1): ان هذا المفهوم يعني
بالتحديد إيجاد المجتمع المعصوم برايه العام بل المعصوم بكل افراده، فإن عمق العبادة وعمومها يقتضي هذا المعنى بالضرورة.
إذن، يمكن القول، بأن تكامل البشرية المستهدف بالتخطيط البشري

العام هو: إيجاد المجتمع المعصوم
.
وبهذا أصبحت الفكرة أكـز تحديدا وعمقا مما أنتجه لنا الطريق الأول
المعتمد على استلهام الفكر البشري المجرد. فإن المجتمع المعصوم هو الذي يخلو من الشحناء والحروب وتضارب الاراء وشحوء الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، على ما سنرى عند استعراضنا لصفات اليوم الموعود. ولا يمكن أن تتصف تطبيقا لهذه المفاهيم وأمثالها بالخطأ او الانحراف، بل هو يطبقها بشكلها الصحيح، لحكتبار!كممته.
(1)
تاريخ ما بعد الظهرر: الفصل الأول من الباب الأول
.
413

ومعه لا تكون الايرادات التي ذكرناها على الطريق الأول واردة على
الطريق
الثاني
.
-3-
ومن المعلوم وجدانا ان هذا الهدف لم يحصل بعد، إذ لا زالت البشرية
تعيش التعسف والتحكم والحروب والاستغلال والظلم، تحت كل الآراء وا لنظريات.
وحيث لا بد للهدف الأعلى للبشرية أن يتحقق ليرفع الاستغلال والظلم

إلى الأبد... ولا يمكن وجوده بشكل فوري او بزمن قصير، لأن هذا
غيرممكن بحسب الأوضاع أو (القوانين) الطبيعية للكون، كما هو واضح ة واستعمال الخالق القدير قدرته في إيجاده بالمعجزة خلاف المفروض، كما برهنا عليه في (تاريخ الغيبة الكبرى) (1)... إذن، يتعين أن يوجد الهدف الأعلى بشكل بطيء وطويل، يستوعب التقديم والتمهيد له قسما كبيرا من تاريخ البشرية. وحيث لا يكفي التخطيط الكوني لتربية البشرية بمجرده، و(ن كان يشارك
فيها كما أسلمنا، لأن البشر يتصفون بصفتين اساسيتين لا يمكن
للضرورات الكونية ان تؤثر أثرا مهما يخا تكاملهما، وهما: العقل والاختيار أو قل انهما: التفكـير وحرية التصرف.
إذن، تحتاج البشرية في إيصالها إلى هدفها الأعلى إلى تخطيط خاص
بها،
يكون دعما للتخطيط الكوني، في تربية البشرية، وجزءا منه في الوصول
إلى الأهداف الكونية البعيدة ايضا، كما قلنا.
ومن هنا كانت الضرورة مقتضية لوجود التخطيط لايصال البشرية إلى
اهدافها، وان يكون موجها توجيها خاصا لانتاجها، شأنه شأن التخطيط الكوني، حين تجعل كل حالات الكون وصفاته موجهة لانتاح أهدافه. ويكون شأن هذا التخطيط كصاحبه ايضا، في تسخير السببن الأول والثالث من الأ سباب الثلاثة التي أسلفناها لصالحه. أما السبب الأول وهو التأثير الكوني الاضطراري، فباعتبار كون التخطيط البشري جزءا من التخطيط الكوني. وحيث تكون التأثيرات الكونية مسخرة في ما هو الأعم، يكون نفس (1) انظرص 2لا 2.
414

الشىء صادقا بالنسبة إلى الأخص او إلى ما هو من ذلك الأعم
.
واما تسخير السبب الثالث، وهو اختيار الأفي!اد،جرية إرادتهم، في
سبيل التخطيط العام للبشرية، فهو تسخير خاص بهذا التخطيط، كما أشرنا، وإنما برتبط بالتخطيط الكوني، باعتباره جزءا منه.
وقد أشرنا إلى ان (التخطيط البشري
" مبتن على الاختيار ومنطلق منه، باعتبار أن معنى تربية البشرية وتكاملها الذي هو المعنى الأساسي الذي يوصلها إلى اهدافها. ان معنى التربية فسح المجال للفرد او المجتمع ان يتحرك وان يستنتج وان يتعلم، لكي يتكامل عن هذا الطريق، ويكون سائرا قدما إلى تلك الأهداف. ومن المعلوم ان الجبر او القسر في أفعال الانسان لايوجب له تكاملا ولا نموا، لأن افعاله في نفع الاخيرين، مثلا، غير منسوبة إليه إلا مجازا، وإنما هي بنت الضرورات الكونية ليس إلا، على حين لا يتكامل الفرد إلا إذا كان الفعل قد أصدره عن قناعة وطيب خاطر في سبيل نفع الآخرين.
يمكن تقسيم السلوك الارادي إلى قسمين رئيسين
:
القسم الأول: ما يكون منسجما مع الأهداف الكونية العامة، فإن
السلوك الالمحتياري بصفته جزءا من الكون ومشاركا في التخطيط الكوني العام، وبالأخير مع الأهداف الكونية البعيدة، يتصف قسم من هذا السلوك، بأنه منسجم مع تلك الأهداف ومتجاوب مع التخطيط السائر إليها ومشارك في تيسير الوصول إليها، مشاركة ولوضعيفة. هذا النوع من السلوك هو الذي يوصف بكونه عادلا أو كاملا أو صالحا. باعتبار انسجامه مع تلك الأهداف، التي هي كاملة وعادلة وصالمحة، بالضرورة، ولا يمكن إلا ان تكون كذلك باعتبار أن فكرة الاستهداف وافتراض تلك الأهداف، صادر من حكمة وقدرة عادلة وكاملة بالضرورة، كما هو المفروض.
القسم الثاني: ما يكون منافرا مع الأهداف الكونية، ومعيقا
- بطبيعته- لحدوثها، ولو بدرجة ضعيفة. وهو السلوك ا. لذي يوصف بكونه ظالما أومنحرفا او طالحا.
ومن هنا لزم أن يكون جميع الأفراد، وهم مختارون في سلوكهم، متصفين
بالسلوك المنسجم مع الأهداف الكونية ط وهومعنى المجتمع المعصوم الذي اشرنا
415

الشيء صادقا بالنسبة إلى الأخص أو إلى ما هو من ذلك الأعم
.
وأما تسخير السبب الثالث، وهو اختيار الأفي!اد
"جرية إرادتهم، في سبيل التخطيط العام للبشرية، فهو تسخير خاص بهذا التخطيط، كما اشرنا، وإنما برتبط بالتخطيط الكوني، باعتباره جزءا منه.
وقد أشرنا إلى ان (التخطيط البشري لما مبتن على الاختيار ومنطلق
منه، باعتبار ان معنى تربية البشرية وتكاملها الذي هو المعنى الأساسي الذي يوصلها إلى اهدافها. ان معنى التربية فسح المجال للفرد او المجتمع ان يتحرك وان يستنتج وان يتعلم، لكي يتكامل عن هذا الطريق، ويكون سائرا قدما إلى تلك الأهداف. ومن المعلوم ان الجبر أو القسر في أفعال الانسان لايوجب له تكاملا ولا نموا، لأن أفعاله في نفع الاخيرين، مثلا، غير منسوبة إليه إلا مجازا، و(نما هي بنت الضرورات الكونية ليس إلا ة على حين لا يتكامل الفرد إلا إذا كان الفعل قد اصدره عن قناعة وطيب خاطر في سبيل نفع الاخرين.
يمكن تقسيم السلوك الارادي إلى قسميئ رئيسحن
:
القسم الأول: ما يكون منسجما مع الأهداف الكونية العامة، فإن
السلوك الالختياري بصفته جزءا من الكون ومشاركا في التخطيط الكوني العام، وبالأخير مع الأهداف الكونية البعيدة، يتصف قسم من هذا السلوك، بأنه منسجم مع تلك الأهداف ومتجاوب مع التخطيط السائر إليها ومشارك في تيسير الوصول إليها، مشاركة ولوضعيفة. هذا النوع من السلوك هو الذي يوصف بكونه عادلا أو كاملا او صالحا. باعتبار انسجامه مع تلك الأهداف، التي هي كاملة وعادلة وصالمحة، بالضرورة، ولا يمكن إلا ان تكون كذلك باعتبار أن فكرة الاستهداف وافتراض تلك الأهداف، صادر من حكمة وقدرة عادلة وكاملة بالضرورة، كما هو المفروض.
القسم الثاني: ما يكون منافرا مع الأهداف الكونية، ومعيقا
- بطبيعته- لحدوثها، ولو بدرجة ضعيفة. وهو السلوك ا- لذي يوصف بكونه ظالما اومنحرفا أو طالحا.
ومن هنا لزم أن يكون جميع الأفرااد، وهم مختارون يخا سلوكهم،
متصفيئ بالسلوك المنسجم مع الأهداف الكونية ط وهومعنى المجتمع المعصوم الذي اشرنا
415

إليه. ومن هنا اكتسب التخطيط العام للبشرية أهميته بالنسبة إلى
الأهداف الكونية وتخطيطاتها، ومن هنا كان لزاما على التخطيط (البشري " ان يستهدف ذلك المجتمع.
واما القسم الثاني من السلوك، فقد يبدو أن وجوده في الكون عامة وقي

البشرية بصفتهأ جزءا مق الكون، مستحيل... لما قلنا من ان كل ما
يكون منافرأ مع الأهداف الكونية، بل بمجرد ان لا يكون واقعا في طريقها، فإن الكون بالضرورة خال منه.
وهذا امر صحيح، لولا ما سوف نعرفه من مشاركة السلوك الظالم فى
إيجاد المجتمع المعصوم، ! ومن ثم يكون مشاركا في إيجاد الأهداف الكونية العامة بشكل وآخر؟ إلا أنها مشاركة مرحلية وموقتة، على ما سنعرف.
وقد يخطر في الذهن، ان المجتمع المعصوم إذا كان دخيلأ في الأهداف
الكونية، لزم وجوده من أول عمر البشرية حتى تكون مشاركته أطول وأعمق. والجواب على ذلك: ان البشرية وجدت ناقصة لعدة أسباب أهمها سببان:
الأول: ان الكون الذي أنتج البشرية لا يزال ناقصا، والناقص لا ينتج
الكامل.
رانثاني: ان التربية الاختيارية بعد النقصان تكون أفضل ني نتائجها
من
التربية القسرية، كما لو وجدت البشرية راسا معصومة بدون اختيارها
. وقد برهنا على ذلك في تاريخ ألغيبة الكبرى (1ا. ومن ئم يكون هذا الأسلوب هو الأفضل في الأهداف الكونية.
وسيكون لمشاركة المجتمع المعصوم في الأهداف الكونية زمان طويل بعد
وجوده.
ومن هذه الزاوية تماما نفهم اهمية التربية البشرية في كلا
التخطيطيئ الكوني والبشري، فانها هي التي توصل بالتدرج إلى السلوك الكامل، ومن ثم إلى المجتمع المعصوم.
(1)
انظرص 243 وما بعدها
.
416

11
نسبة إلى الأهداف - س ي
" أن يستهدف
في الكون عامة وفي ن أن كل ما يكون ا في طريقها، فإن

!
لوك الظالم في إيجاد كونية العامة بشكل دخيلا في الأهداف شه أطول
و) عمق. !دة أسباب أهمها
، والناقص لا ينتج

غمل في نتائجها من . ن اختيارها. وقد هذا الأسلوب هو

بة زمان طويل بعد

التخطيطين الكوني مل، ومن ثم إلى

ومن الواضح، كما قلنا في الأجزاء السابقة لهذا الكتاب (1) ان تربية
المجتمعات ومن ثم البشرية بمجموعها، لا يمكن ان تكون بيئ كشية وضحاها، ولا في حفنة من السنين، بل تحتاج إلى امد متطاول، وتجارب قاسية وجهد متواصل.
فالفرد لا يكون رشيدا وكاملا، إلا بعد مجموعة من السنين وتعلم طويل
وتجارب مريوة. فإن اريد منه ان يكون فردا نموذجيا، احتاج إلى زمن اطول وتجارب اقسى. فكيف بالهدف البشري الذي يعد فيه الأفراد بالملايين على مختلف المستويات والعقليات والثقافات، ويراد- مع ذلك- إيجاد مستوى اعلى من المستوى الفردي والاجتماعي الموجود في أي منها. فأي مقدار من السنين، واي تجارب قاسية وأي جهود مضنية يجب ان تمر بها البشرية لتصل إلى ذلك الهدف، وأي مقدار من التضحيات يجب إن تقدم في سبيل ذلك؟.
والتربية تتكون من عنصرين أساسيين
:
العئصر الأول: معرفة الفرد بالأسلوب الصحيح للسلوك. كل بحسب

وجهة نظره، وينبغي لنا أن نقصد بالأسلوب الصحيح ما كان منسجما مع
التخطيطين العامن واهدافهما.
العنصر الثماني: تطبيق تلك الصرفة في عالم الحياة، فإن المعرفة
وحدها غير
كافية في الانسجام مع الهدف الأعلى، بل لا بد ان يوجد للفرد درجة
كافية من الاخلاص وقوة الارادة، بحيث يهتم بتطبيق تلك المعرفة على سلوكه، وتقديمها على سائر الدوافع والمقتضيات.
ونحن إذا نظرنا من ناحية بشرية عامة، وجدنا ان الخالق القدير الذي
استهدف فيها تلك الأهداف، وفر لها كلا هذين العنصرين. اما توفير المعرفة فيتمثل بالعقل أولا، وبالنبوات ثانيا، واما لوفير قوة الارادة والاخلاص، فيتمثل في جو التجارب القاسي الذي تمر به البشرية، ليجعلها في نهاية المطاف، مهتمة اهتماما واقعيا وعميقا بالتطبيق الصحيح الكامل. وسندخل فى تطبيق ذلك بعد قليل.
ومن هنا عرفنا إجمالا: أهمية التشريع وأهمية النبوات، وأهمية
التجارب في
(1)
انظر: تاريخ ما بعد الظهور: الفصل الأول من الباب الأول من
القسم الأول.
27
417

تربية البشرية والتخطيط البشري العام، ومن ثم في التخطيط الكويى
واهدافه. وقد ذكرنا أن كل ما يمت إلى تلك الأهداف بصلة فهو موجود بالضرورة، ولا يمكن أن لا يكون موجودا، وتعمل الأسباب والقوانن الكونية، بل وا لمعجزات- ا حيا نا- لا يجا ده.
ويمكننا أن نقارن هذه الأسس الخاصة للتخطيط البشري بالمادية
التاريخية، فنحصل بهذا الصدد على عدة حقائق.
الحقيقة الأولى: إن التخطيط العام اكـز استيعابا لفهم التاريخ
وحوادثه وتطوراته من المادية التاريخية.
فاننا سبق أن عرفنا أن عددا من حوادث التاريخ غيرمنطبقة على
النظرية
المادية في حين نجد ان التخطيط شامل بالضرورة لكل حوادثه. فان سلوك
الأفراد الذي هو المكون الأساسي للتاريخ (باعتبار ان التاريخ مفهوم أو فكرة متحصلة من مجموع تصرفات الأفراد)، ينقسم سلوكهم إلى اربعة أقسم-، منها: القسمين اللذين عرفناهما في الفقرة الرابعة من هذه الأسس الخاصة. فإذا لخصناهما مختصرا، نقول:
القسم الأول: السلوك القهري الذي ينتج من مؤثرات كونية اضطرارية،
كالسقوط من شاهق. وهذا السلوك خارج بطبيعته عن التخطيط البشري المبتني على الاختيار، وإنما هو تابع بصفته القسرية للتخطيط العام. القسم الثاني: السلوك الاختياري المنسجم مع الأهداف المقصودة للبشرية، وهو القسم الأول من القسمين السابقين. ويشمل كل الأعمال والأقوال الخيرة والصالحة في التاريخ كمعونة المحتاجين والتضحية في سبيل الغير.

السابق