مصداق أهل البيت(عليهم السلام)وقد حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه مصداق « أهل البيت » بعد نزول آية التطهير، حيث خصصها ببيت فاطمة (عليها السلام)، حيث «انه كان يمر ببيت فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت، (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)، كما روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده[1]. يُضاف الى ذلك تصريحه بأن هؤلاء هم أهل بيته في حديث الكساء المشهور وإخراجه زوجته أم المؤمنين أم سلمة منهم وقوله لها إنها على خير لكنها ليست من أهل البيت. وحديث الكساء رواه مسلم في صحيحه والسيوطي في الدر المنثور بعدة أسانيد صحيحة طبق طرق أهل السنة[2]. والثابت أن الإمام عليّاً (عليه السلام) أدخله في مصداق «أهل البيت » وان لم يكن من صلبه كما هو ظاهر مما تقدم. عصمة الإمام وتوفر شروط الحديث3 ـ إنّ معرفة مصداق « أهل بيتي وعترتي » في الحديث الشريف تبين صفة أخرى للثقل الثاني هي تحلّيه بالعصمة كما هو واضح من دلالة آية التطهير المباركة[3]، وهذا ما ينسجم مع دلالة الحديث نفسه على عصمة الثقل الثاني، فهو يؤكد عدم افتراق الثقلين أبداً وفي أي حال كما هو المستفاد من استخدام أداة «لن» التأبيدية، ومن الثابت أنّه لا باطل في القرآن ابداً، لذا فعدم افتراق الثقل الثاني عنه دالّ على عصمته وإلاّ لافترق عن القرآن في حالات صدور الخطأ أو المعصية وكل مصاديق الباطل، وهذا ما ينفيه الحديث صراحةً الأمر الذي يدل على عصمة العترة. ويُضاف الى ذلك أن الأمر بالتمسك بهما معاً مطلق ـ كما هو واضح لأنه لم يُقيّد بشيء ـ ; لذلك فهو يشمل مختلف الأحوال والأزمان، ولو جاز وقوع العترة بما يخالف العصمة لأدّى ذلك الى القول بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بالتمسك بها حتى في الحالات التي تقع في الخطأ وما يخالف القرآن، وهذا محال. كما يتضح مما تقدم إخراج غير المعصومين من ذرية الرسول من مصداق الثقل الثاني المأمور بالتمسك به، يقول ابن حجر في دراسته لهذا الحديث : «ثم إن الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض ويؤيده الخبر السابق: «ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها »[4]. وقد أثبت الواقع التأريخي انحصار توفر هذا الشرط بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الإمام علي والأحد عشر إماماً من أولاده وأولاد فاطمة بنت رسول الله أي من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما نسب نبي الله عيسى الى ابراهيم من جهة البنت. فالإمامية مجمعون على عصمتهم وسائر فرق أهل السنة مجمعة على محبتهم ونزاهتهم ولم يدع أحد صدور أي شيء يخالف عصمتهم رغم حرص الحكومات المعاصرة لهم على الحصول على أي شيء من هذا القبيل كما هو ثابت تأريخياً أيضاً[5]. 4 ـ كما أن الأمر بالتمسك بالقرآن والعترة مطلقٌ زمانياً أيضاً كما هو واضحٌ من قوله (صلى الله عليه وآله) : «من بعدي » دونما تقييد، فهو نافذ المفعول الى يوم القيامة لخلود الشريعة المحمدية حيث لا نبي بعده (صلى الله عليه وآله)، وحيث إن القرآن محفوظ من الله تبارك وتعالى، والعترة هي الثقل الملازم له الذي لن يفترق عنه، لذلك فهي محفوظة من الله تبارك وتعالى الى يوم القيامة أيضاً. من هنا يتضح أن في هذا الحديث الشريف المتواتر نصاً صريحاً على حتمية وجود ممثل لأهل بيت النبي وعترته (صلى الله عليه وآله) يتحلى بالعصمة وملازمة القرآن في كل عصر لكي يتمسك العباد به وبالذكر الإلهي المحفوظ بهدف النجاة من الضلالة عملاً بوصية نبيهم الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله)، وإلا لبطل مضمون هذا الحديث المتواتر الذي ثبت صدوره عمن لا ينطق عن الهوى. فلابد إذن من وجود إمام معصوم من العترة النبوية في عصرنا الحاضر يكون مصداقاً للثقل الثاني ويكون التمسك به ممكناً. وقد تنبه لهذه الحقيقة والدلالة الواضحة في حديث الثقلين عدد من كبار علماء أهل السنة وصرح بعضهم بها، مثل ابن حجر الهيثمي حيث قال: وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق : «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ... »[6]. مصداق الحديث في العصر الحاضرإذن الحديث الشريف يدل بصراحة على وجود متأهل من عترة النبي(صلى الله عليه وآله) للتمسك به الى جانب القرآن الكريم في عصرنا الحاضر ويشترط فيه أن يكون معصوماً أيضاً، فَمن هو هذا الإمام؟ من الواضح أن ليس ثمة إمام ظاهر يدعي ذلك أو تنطبق عليه الصفات المستفادة من هذا الحديث الشريف، فلابد إذن من القول بوجوده وغيبته لأن القول بعدم وجوده مردود بدلالة حديث الثقلين المتواتر، وهذه هي خلاصة عقيدة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي الموعود القائمة على الكثير من الأدلة النقلية والعقلية والقائلة بوجوده وغيبته عن الأبصار دون أن تمنع غيبته إمكانية الانتفاع به كما ينتفع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب. 2 ـ احاديث الخلفاء الاثني عشرروى أحاديث الخلفاء أو النقباء أو الأمراء أو القيمين الاثني عشر، أصحاب الصحاح والمسانيد المعتبرة عند أهل السنة بأسانيد صحيحة عن جابر ابن سمرة، كما رووها عن أنس بن مالك وابن مسعود وعبدالله بن عمر وحذيفة بن اليمان، وكلها مسندة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومضمون الحديث مروي ـ بتفصيل أكثر ـ وبتواتر من طرق أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وقد نقل آية الله الشيخ لطف الله الصافي أكثر من (270) حديثاً بهذا الشأن[7]. فهذه الأحاديث من المتفق عليه بين الفرق الاسلامية فلا مجال للتشكيك في صحة المقدار المشترك بينها على الأقل. لكننا نكتفي هنا بالنصوص المروية في الكتب المعتبرة عند أهل السنة وتحديد دلالتها ومصداقها ـ على الرغم من خلوها من التفصيلات الموجودة في أحاديث الطرق الاخرى لاسباب واضحة ـ لكي تكون النتيجة حجة على الجميع . ألفاظ الأحاديثروى البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول : «يكون إثنا عشر أميراً»، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: «كلهم من قريش ». ورواه مسلم في صحيحه من عدة طرق عن جابر بن سمرة وبعدة ألفاظ وفي بعضها لفظ: « إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي إثنا عشر خليفة... ». « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً...». « لا يزال الإسلام عزيزاً الى إثني عشر خليفة...». وتشترك هذه الأحاديث في أنه لم يسمع ذيل الحديث فأخبره والده بلفظ « كلهم من قريش » وهي التتمة الواردة في معظم نصوص الحديث. ورواه الترمذي بلفظ : « يكون من بعدي إثنا عشر أميراً ... » وأبو داود بلفظ: «لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة، فكبّر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفيت، قلت لأبي : يا أبه ما قال ؟ قال: كلهم من قريش ». ورواه أحمد في مسنده بطرق كثيرة منها بلفظ : « لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ... »، وفي بعضها أن ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو: «لا يزال هذا الدين ظاهراً على مَن ناواه، لا يضره مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أُمتي إثنا عشر أميراً ...»، وفي روايات اُخرى أنه قاله في عرفات، وفي أخرى في يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، وفي بعضها أن الرسول عقب عليه بالقول : « ... وإذا أعطى الله تبارك وتعالى أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهله وأنا فرطكم على الحوض »، وفي بعضها أن قريشاً جاءت اليه (صلى الله عليه وآله) وسألته عما يكون بعد ذلك فقال : «الهرج». ورواه الطبراني في المعجم الكبير وفي أوله : « يكون لهذه الأمة إثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم ... ». ورواه المتقي الهندي في كنز العمال عن أنس بن مالك بلفظ : « لن يزال هذا الدين قائماً الى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها»[8]. |
|
![]() |