فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي


 

 وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال ضمن حديث عن القائم : ... ذاك الرابع من ولدي يغيّبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ [ به ] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً [1].

وعن الإمام الجواد (عليه السلام) قال ضمن حديث : ... ما منّا إلاّ قائم بأمر الله وهاد الى دين الله ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه...[2].

وعن الإمام الهادي (عليه السلام) قال:  ... إنكم لا ترون شخصه...[3]،

وقال:  إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج [4].

وعن الإمام العسكري (عليه السلام) قال:  والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه...[5]، وقال :  إبني محمد هو الإمام والحجة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنه له غيبة يُحار فيها الجاهلون...[6]، وقال: ... إبني هذا، إنه سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... مثله في هذه الاُمّة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة...[7].

والأحاديث الشريفة بهذه المعاني كثيرة جداً متواترة من طرق أهل البيت(عليهم السلام) ونقلها العديد من حفاظ أهل السنة من مختلف مذاهبهم كما رأينا، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة، وهي من أوضح الأدلة على صحة غيبة الإمام المهدي وكونها بأمر الله عز وجل، حيث ثبت صدورها بل وتدوينها قبل وقوع الغيبة بزمن طويل، فجاءت الغيبة مصدقة لها مثبتة لصحة مضامينها وصدورها من ينابيع الوحي من علام الغيوب تبارك وتعالى حتى لو كانت مرسلة أو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها.

قال الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ :  إن الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقل عنهم واستُحفظ في الصحف ودوّنَ في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، وليس أحد من أتباع الأئمة(عليهم السلام) إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل الغيبة بما ذكرناه من السنين...

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الأمر كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام الى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم. وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً [8].

ومما يزيد هذا الدليل الوجداني وضوحاً أن هذه الأحاديث الشريفة أخبرت عن تفصيلات دقيقة في شكل هذه الغيبة وهوية الإمام الغائب وانه الثاني عشر من الأئمة والتاسع من ذرية الحسين (عليهم السلام) وغير ذلك من التفصيلات التي لم تنطبق تأريخيّاً إلا على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وهذا من الدلائل الاعجازية الواضحة على صحة إمامته وغيبته ـ عجل الله فرجه ـ .

ويقول الشيخ المفيد أيضاً :  فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد(عليهم السلام) متناصرة بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين إحداهما أطول من الأخرى يعرف خبرَه الخاصُ في القصرى ولا يعرف العام له مستقراً في الطولى إلاّ مَن تولى خدمته من ثُقاة أوليائه... والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد ] الإمام العسكري [وأبيه وجده(عليهم السلام)، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم (رحمهم الله) وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه...[9].

وهذا الاستدلال يصدق في إثبات صحة كلا الغيبتين الصغرى والكبرى لأن الأحاديث الشريفة تحدثت عنهما وعن تفصيلاتهما.

فلسفة مرحليّة الغيبة

أشرنا الى أن الغيبة ـ عموماً ـ إجراء تمهيدي كان لابدّ منه ليتمكن الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من الظهور وإنجازه لمهمته الإصلاحية العالمية الكبرى.

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه الغيبة على مرحلتين.

والعلة واضحة; إذْ إنّ وقوع الغيبة الكاملة بصورة مفاجئة سوف يفقدها مجموعة من العوامل اللازمة لتأهيل المجتمع الإسلامي والبشري لظهوره(عليه السلام) وإقامة الدولة الإسلامية العالمية.

إذ المحور العام لعملية التأهيل هذا هو التمحيص الإعدادي ـ كما تشير لذلك الأحاديث الشريفة على ما سيأتي تفصيله خلال الحديث عن الغيبة الكبرى بإذن الله ـ، ومثل هذا التمحيص يحتاج الى جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراكم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعداداً للظهور.

إن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته(عليهم السلام) قد مهّدوا لهذه الغيبة بخطوات عديدة ازدادت عمقاً وشمولية كلمّا اقترب، أوآنها كالإخبار عن حتمية وقوعها، وخفاء ولادة صاحبها، وتوسيع العمل بنظام الوكلاء، وتوفير ما تحتاجه الأمة من المعارف الإسلامية والقواعد الشرعية التي يتم على أساسها استنباط الأحكام الشرعية وغير ذلك، إلا أن التمهيد للغيبة الكاملة بقي بحاجة الى خطوات تكميلية ونماذج تطبيقية تؤكدها وتبيّنها، وهذا ما قام به الإمام المهدي(عليه السلام) في الغيبة الصغرى وهو الإطار العام لسيرته وتحركه في هذه الفترة التي جاءت بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الكامل للأئمة السابقين (عليهم السلام) وبين الغيبة الكاملة للمهدي الموعود، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الكبرى.

والحقيقة المتقدمة نجدها متجلية بوضوح في سيرته (عليه السلام) في الغيبة الصغرى ومن خلال دراسة أهداف تحركاته فيها ومقارنة هذه الأهداف بالخصوصيات المميزة لفترة الغيبة الكبرى. لذلك ندخل الى الحديث عن سيرته(عليه السلام) من باب دراسة أهدافها بالتحديد لكي يتضح الترابط بينها وبين سيرته في الغيبة الكبرى.

تعقيب السلطة العباسيّة لخبر الإمام عليه السلام

يظهر من روايات مرحلة الغيبة الصغرى أنّ السلطة العباسية أخذت تتعقب خبر الإمام المهدي (عليه السلام)، وكأنها كانت على اطمئنان بوجوده استناداً الى ما تواتر نقله عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أخبار الائمة الإثني عشر من عترته، وكانت تعلم أن الحسن العسكري (عليه السلام) هو الحادي عشر منهم فلابد من ولادة الثاني عشر أيضاً وهو خاتمهم الموعود بإنهاء الظلم والجور على يديه حسبما ورد في البشارات النبوية المتواترة.

وقد لاحظنا في رواية الكليني ـ ضمن حديثنا عن رعاية الإمام لوكلائه ـ أن هدف السلطة من التجسس على الوكلاء هو الوصول الى الإمام(عليه السلام)، ولذلك كانت التأكيدات المشددة من قبل الأئمة السابقين (عليهم السلام) ومن الإمام المهدي(عليه السلام) نفسه تركّز على النهي عن ذكر اسم الإمام في الغيبة الصغرى; لأنه اذا عُرف الاسم اشتد الطلب[10] . ويُستفاد من رواية نقلها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: أن السلطات العباسية حصلت بالفعل على معلومات عن وجود الإمام(عليه السلام) وسعت لاغتياله، فتحدّاها الإمام (عليه السلام) ليثبت أنه محفوظ بالرعاية الإلهية.

تقول الرواية: وحدّث عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث الينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى وقال لنا: الحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة وداراً وقال: اذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً اسود فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها، فوالله ما التفت الينا وأقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا داراً سرية ومقابل الدار سترما نظرت قط الى أنبل منه كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت.

ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فاذا بيت كبير كأن بحراً فيه ماء وفي أقصى البيت حصير قد علمنا انه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي. فلم يلتفت إلينا ولا الى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطى البيت فغرق في الماء ومازال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني الى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة الى الله واليك فوالله ما علمت كيف الخبر ولا الى من أجيء وأنا تائب الى الله، فما التفت الى شيء مما قلنا وما انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه.

وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم الى الحجّاب اذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم! لقيكم أحد قبلي؟ وجرى منكم الى أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفيّ من جدي ـ وحلف بأشد ايمان له ـ أنه رجل إن بلغه هذا الخبر يضربن اعناقنا. فما جسرنا أن نحدّث به إلا بعد موته[11].

[1] كمال الدين : 376 وعنه في إعلام الورى: 2/241 وكشف الغمة: 3/ 314.

[2] كفاية الأثر : 277، بحار الأنوار: 52/ 283، احتجاج الطبرسي: 2/ 449.

[3] الكافي: 1/ 268.

[4] كمال الدين : 380.

[5] كمال الدين : 440.

[6] كفاية الأثر : 292 وعن كمال الدين في اعلام الورى: 2 /253، وسائل الشيعة: 16/246 ب33 ح23.

[7] كمال الدين : 384، الخرائج للقطب الراوندي: 3/ 1174، وعن كمال الدين في إعلام الورى: 2/249 .

[8] كمال الدين: 19 من مقدمة المؤلف.

[9] عدة رسائل للشيخ المفيد: 362، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة.

[10] كمال الدين : 441.

[11] غيبة الطوسي : 164.