الصفحة 164
ــ " هاك: يموت أبو الفتح إسماعيل بن السلطان محمود سنة 567 هـ فتقام عليه المآتم، ويناح عليه نوح الثكلى، ويكثر البكاء في الطريق، وتفرش بالرماد إظهاراً للحزن، وتعظيماً للمصاب ".

ــ " أين ورد هذا الخبر؟ ".

ــ " ورد في شذرات الذهب ج 6 ص 112 ".

ــ " والآخر؟ ".

ــ " ويموت ابن تيمية سنة 728هـ فتحضر جنازته خمسون ألف امرأة ينحن عليه ".

ــ " أووه! ".

ــ " ومائتا ألف رجل يرفعون أصواتهم بالتكبير مزيجاً بالبكاء والعويل، لما غسل جمع ماء غسله ".

ــ "؟! ".

ــ " فشربوه تبركاً به ".

ــ " لا.. إن هذا شيء لا يطاق تحمله حقاً والرضا به! ".

ــ " واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به تبركاً ".

ــ " ".

ــ " ودفع بالطاقية التي على رأسه خمس مائة درهم، والخيط الذي في رقبته فيه الزئبق لدفع القمل دفع فيه مائة وخمسون ديناراً، وسارت جنائز أهل السنّة، ولما وضع على المغتسل دخل الرجال عليه يقبلونه وينوحون عليه ".

ــ " والنساء؟ ".

ــ " ثُمّ أُذن للنساء ففعلن مثل ذلك ".


الصفحة 165
ــ " وأين كان كُلّ هذا؟ ".

ــ " عثرت عليه في تاريخ ابن كثير(1) ".

ــ " وهل واصلوا إقامة مراسيم العزاء على روحه؟ ".

ــ " أووه، لقد أُقيمت عليه المآتم ودامت النياحة ورثاه خلق كثير منهم شمس الدين الذهبي وغيره ".

ــ " وأين ذكر هذا؟ ".

ــ " ذكر في العقود الدرية في مناقب ابن تيمية(2) ".

ــ " وهل لديك المزيد؟ ".

ــ " وكيف لا، استمع إلى هذه: يموت أحمد بن السلطان ملك شاه سنة 481هـ فمكث الناس ينوحون عليه سبعة أيام ولم يركب أحد فرساً ".

ــ " والنساء؟ ".

ــ " والنساء ينحن عليه في الأسواق، وسوّد أهل البلاد أبوابهم ".

ــ " ولا بدّ أنّ مثل ذلك يتعدى إلى شيخ الحرمين كذلك؟ ".

ــ " ولِمَ لا، فإنّه يموت شيخ الحرمين، فتطوف تلامذته في الشوارع ينوحون عليه نوح النساء ".

ــ " ومن الطبيعي أن يشذّوا عن القاعدة ".

ــ " لقد كسروا المحابر وأقاموا النياحة عليه سنة كاملة ".

ــ " وأين وضعت اليد عليه؟ ".

____________

1- البداية والنهاية 14: 138.

2- العقود الدرية في مناقب ابن تيمية: 399.


الصفحة 166
ــ " في طبقات الشافعية(1) ".

ــ " طبقات الشافعية؟ حقاً؟! ".

ــ " وأبو عمر الحنبلي المتوفى سنة 607هـ يعظم عليه البكاء والعويل يتناحون عليه رجالا ونساء، وغسل في المسجد، ونشف ماء غسله بخمر النساء ".

ــ " بخمر النساء؟ ".

ــ " أجل، وبعمائم الرجال ـ للتبرك به طبعاً ـ ويتسابقون إلى تمزيق كفنه يتبركون به، وكادت تبدو عورته ".

ــ " حقاً؟ ".

ــ " وذلك لولا محافظة الدولة على كرامته. فدفعت الناس عنه بالسيف ".

ــ " وبعد ذلك؟ ".

ــ " قال ابن العماد: ولولا الدولة لما وصل من كفنه إلى قبره شيء ".

ــ " إلى هذا الحد،.. أقول: أين قرأت كُلّ هذا؟ أخبرني؟! ".

ــ " وجدته في شذرات الذهب(2)، ويمكنك مراجعته إن لم تطمئن! ".

ــ " وغير ذلك؟ ".

ــ " وتخرج النساء يوم وفاة المسترشد العباسي سنة 529 هـ ينحن عليه يلطمن وهن منشرات الشعور ينشدن المراثي في الطرقات ".

ــ " وإذن، فهم يعتقدون بكُلّ هذا الذي يفعلونه وذلك بحكم التكرار والتواصل! ".

____________

1- طبقات الشافعية 3: 259.

2- شذرات الذهب 3: 30.


الصفحة 167
ــ " أمّا الرجال فشاركوهن بالنياحة وزادوا بأن شقوا الثياب عليه ".

ــ " وهذا الآخر، من أين لك به؟ ".

ــ " إنّه في تاريخ دول الإسلام للذهبي(1) ".

ــ " وغير هؤلاء ممن يطول بنا الحديث عنهم وما حدث من مظاهر الحزن والأسى يوم وفاتهم وبعده ".

ــ " فما هي إذن أسباب تلك المؤاخذات؟ ".

ــ " ونحن إذا نظرنا إلى أسباب تلك المؤاخذات التي تؤاخذبها الشيعة استوجبت حدوث تلك الحوادث، نجد الأسباب تعود إلى متابعة أغراض السلطة، حتّى تحكم العداء للشيعة ".

ــ " وأصبح الابتعاد عن تهمة التشيع ".

ــ ".. أجل.. أمر لازم حتّى حرموا التشبه بهم ".

ــ " وما يمكن أن يكون في جعبتك من الأخبار التي لها صلة بالموضوع؟ ".

ــ " ذكر الزرقاني في المواهب اللدنية في صفة عمّة النبي على رواية علي في اسدالها على منكبه حين عممه رسول اللّه ".

ــ " طيب! ".

ــ " ثُمّ ذكر قول الحافظ العراقي أنّ ذلك أصبح شعار كثير من فقهاء الإمامية، فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم ".

ــ " أووه! ".

____________

1- تاريخ دول الإسلام 1: 182.


الصفحة 168
ــ " فهذا الشيخ يفتي بترك التشبّه في اتخاذ العمة التي كان رسول اللّه يلبسها ".

ــ " وهذا هو بحد ذاته ليعد شاهداً من آلاف الشواهد التي عامل بها رجال أولئك العصر شيعة آل محمّد ".

ــ " ولا غرابة في ذلك، فإن تهمة التشيع تدعو لسخط الدولة، وهل وراء ذلك إلاّ ازهاق الأرواح، ونهب الأموال أو السجن أو التبعيد؟ ".

ــ " لذلك التجأ الأكثر إلى التظاهر في الوقيعة بهم ".

ــ " بالضبط! فأدى الأمر إلى التباعد عنهم والحذر من تهمة التشيع حتّى في الرؤيا ".

ــ " أضف إلى حديثنا مزيداً من الأخبار الداعمة؟ ".

ــ " يحدثنا الخطيب البغدادي: أنّ رجلاً رأى علياً (كرم اللّه وجهه) في المنام فلم يجسر على الدنو منه ".

ــ " ولماذا؟ ".

ــ " فسأله صاحبه فقال: أخشى أن قربت إليه أسأله أن أتهم بالتشيع ".

ــ " إلى هذا المبلغ! ".

ــ " وأكثر، وهكذا كانت السلطة الجائرة قد أرادت تفريق كلمة المسلمين، وايقاد نار العداء فيما بينهم، لغايات تعود لمصالحهم الخاصة، رغبات في نفوسهم، لا تنال مع الوحدة والاتحاد، وتبادل الثقة والإخاء ".

ــ " ولم يكن في الأُمّة كُلّها أيّما رجال يدعون إلى الحقّ؟ ".

ــ " كيف لا، لقد كان في الأُمّة رجال يدعون إلى الحق، وينبهونهم على هذه الأخطاء ولكن جهودهم لم تثمر كثير فائدة ".

ــ " كيف؟ ".


الصفحة 169
ــ " لأن الفوضى تحكمت في المجتمع، ودبت روح الاختلاف في النفوس، وطغت موجة التعصب، حتّى كانت عاقبة ذلك الجهل أن سلط عليهم أعداء لا يعرفون الرحمة ".

ــ " حتّى ".

ــ " حتّى ألبسوهم الذل، وحكموا فيهم السيف، وسقوا من دمائهم الأرض ".

ــ " ولربما أقاموا من رؤوسهم تلالاً ".

ــ " بالضبط، فتمكن من قلوب المسلمين الرعب ".

ــ " وحتماً كان لهم أن تسلب منهم تلك القوة والشجاعة، والتفاني في سبيل نشر كلمة التوحيد، يوم ساروا تحت راية الإسلام، وهم يستهينون بالحياة، ويستقلبون الموت، ويتمنون الشهادة، حتّى أخضعوا جبابرة الأرض ودانت لهم البلاد ".

ــ " وليس ذلك فقط وحسب! وإذا بهم بعد تلك العزة، يستولي عليهم الذل، ويدخل في قلوبهم الرعب، ولا يدافعون عن أنفسهم ".

ــ " هل لك أن تستشهد؟ ".

ــ " كان الرجل الواحد من التتر يقتل جماعة من المسلمين الواحد بعد الآخر ".

ــ " حقاً؟ ".

ــ " ودخلت امرأة داراً وقتلت جماعة من أهلها، ولم يدفعوها عن أنفسهم ".

ــ "؟! ".

ــ " ودخل واحد منهم درباً فيه مائة رجل فما زال يقتلهم واحداً واحداً حتّى

الصفحة 170
أفناهم، ولم تمد إليه يد بسوء ".

ــ " أووه! ".

ــ " وأخذ رجل من التتر رجلاً من المسلمين ولم يجد ما يقتله فيه، فقال له: ضع رأسك على هذا الحجر ولا تبرح، فوضع رأسه وبقى نائماً حتّى جاء التتري وقتله ".

ــ " أُمور لا تُصدّق! ".

ــ " وهذا ما يذهب بنفس المسلم حسرات ويميت قلبه أسفاً وحزناً ".

ــ " بالفعل ".

ــ " وها نحن اليوم أمام تيار المبادىء الفاسدة، والآراء الهدامة، والعقائد السخيفة، وإنّ خطرها على المسلمين لأعظم خطر يخاف عاقبته ".

ــ " ولا بدّ أن تخشى مغبته، وذلك إن لم ينهج المسلمون لمكافحتها بتفهيم التعاليم الإسلامية والقيام بتطبيقها عملياً، وأن يتحدوا لابعاد المتدخلين بين صفوف المسلمين، لهدم المجتمع الإسلامي، وتشويه تعاليمه الدينية الأخلاقية ".

ــ " واستبداله بتعاليم إباحية، ولا يدفع ذلك الخطر إلاّ باتحاد الكلمة وفهم الإسلام فهماً صحيحاً، وان تُستقى تعاليمه من ينبوعه الذي أراد اللّه ان نأخذ منه ونتبع قول الحق ".

ــ " وأكثر ".

ــ " وأئمة الصدق ".

ــ " مَن تقصد؟ ".


الصفحة 171

الفصل الرابع عشر
طاعة أولي الأمر ولفحات الحقيقة


وفي يوم آخر تابعت الحديث معه، فكان يقول لي، وذلك بعد أن سألته أن يعرض عليّ بعض الآيات القرآنية والتي لها أن تدلل على ولاية علي بن أبي طالب:

ــ " مثل آية أولي الأمر ".

فقلت:

ــ " لم أسمع بهذا الاسم من قبل، وأي الآيات هي؟ ".

قال:

ــ " هي: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } ".

ــ " في أي السور تقع هذه الآية؟ ".

ــ " النساء: 59 ".

ــ " وعلى ماذا يركز القرآن فيها؟ ".

ــ " يركز القرآن الكريم على وجود منصبين للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ".

ــ " وماهما؟ ".

ــ " الأوّل: منصب ابلاغ التشريع وما يوحيه اللّه إليه، وأداء رسالة اللّه، بيان

الصفحة 172
الأحكام والمبادئ الإسلامية في مختلف المجالات ".

ــ " من مثل؟ ".

ــ " من مثل قوله تعالى: { وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }. وذلك في سورة النحل: 44 ".

ــ " والثاني؟ ".

ــ " الثاني: منصب القيادة والحكم بين الناس، الذي يتطلب اتباع الأُمّة له في أوامره ونواهيه وتصويب آرائه والتسليم له ".

ــ " شاهده؟ ".

ــ " قال تعالى: { إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ } كما في سورة النساء، الآية: 105 ".

ــ " وهنا، على أي المسائل، يمكن أن يؤكد القرآن؟ ".

ــ " والقرآن إذ يركز على وجود هذين المنصبين له (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد على لزوم طاعة الأُمّة الإسلامية له في كلا المجالين، فيقول تعالى: { أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }، باعتبار أنّ طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) هي طاعة اللّه تعالى في الواقع ".

ــ " وتكرار { أَطِيعُوا }؟ ".

ــ " أما تكرار { أَطِيعُوا } فليس للتأكيد ـ كما قال به بعض المفسرين ـ وإنّما يشعر بلزوم طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المجال الثاني أيضاً ".

ــ " واللزوم هنا؟ ".

ــ " إنّ هذه الآية الكريمة لتأمر ـ بكُلّ وضوح ـ جميع أهل الإيمان بإطاعة اللّه تبارك وتعالى في أوامره ونواهيه، وإطاعة الرسول(صلى الله عليه وآله) وأولي الأمر في مختلف أوامرهم ونواهيهم مطلقاً ".


الصفحة 173
ــ " وهل كرّر القرآن الأمر بإطاعة اللّه عزّ وجلّ مقرونة باطاعة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ".

ــ " لقد كرر القرآن الكريم لتوضيح أن طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) هي طاعة اللّه تعالى، إنّ وجوب إطاعتهما هو على نسق واحد ".

ــ " أين؟ ".

ــ " وذلك في آيات كثيرة مثل: { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }وردت في سورة آل عمران، الآية: 132 وآية: { قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ }، آل عمران: 32 و:{ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }، الأنفال: 1 و: { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ }، المجادلة: 13 و: { قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }، النور: 54.. و: { أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ }، سورة محمّد: 32 وغير ذلك من الآيات الكريمة ".

ــ " وإذا كانت إطاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) قد انفردت في بعض الآيات كما قال تعالى: { أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }(النور: 56)؟ ".

ــ " إنّ ذلك لا يعني افتراقها عن طاعة اللّه عزّ وجلّ، فإن الآية الكريمة الأُخرى تصرح بالوحدة بينهما حيث يقول تعالى في سورة النساء، الآية 80: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ }. وهكذا نقطع من خلال ملاحظة هذه الآيات إنّ طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) هي طاعة اللّه ومن سنخها ".

ــ " وأين يقع معيار الطاعة المطلقة؟ ".

ــ " فإنّه لما كانت طاعة اللّه مطلقاً في أوامره ونواهيه هي طاعة معصوم

الصفحة 174
بالضرورة، كانت طاعة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مطلقاً في أوامره ونواهيه الحكومية وبياناته المفسرة لمجمل الكتاب، طاعة معصوم أيضاً لوجود تلك العينية بين الطاعتين... وهي حقيقة قرآنية جلية لا مجال لإنكارها لشدة وضوحها ".

ــ " وطاعة أولي الأمر؟ ".

ــ " ولما كان (أولو الأمر) قد ذكروا مع الرسول(صلى الله عليه وآله) فإنّ الآية الكريمة تدلّ على فرض طاعتهم نظير ما للرسول من إطاعة في مجال الولاية والحكومة، من لزوم قبول رأيهم وطاعة أوامرهم، لأ نّهم ولاة أمر الناس وحكامهم ".

ــ " أتقصد أن هناك اتحاد في مثل هذه الطاعة؟ ".

ــ " إنّ مما يمكن أن يلاحظ في هذه الآية، هو أ نّها تؤ كد وحدة اطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإطاعة ولي الأمر، إذ جعل اللّه تعالى لنفسه إطاعة للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وأولي الأمر إطاعة، فتكون إطاعة أولي الأمر إطاعة للرسول، فهى إذن إطاعة للمعصوم ".

ــ " وبذلك تكون واجبة مطلقاً؟ ".

ــ " أجل، وذلك بحكم الالتحام بين طاعتهم وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)التي تعنى طاعة اللّه تعالى، وبهذا تكون الآية دالة على عصمة أولي الأمر، لإقتران طاعتهم بطاعة اللّه تعالى ".

ــ " بماذا يمكن أن يؤيَّد هذا المعنى؟".

ــ " إنّه يمكن أن يدعم بعدة نقاط، النقطة الأُولى: إنّ اللّه تعالى أمر باطاعة أولي الأمر من جهة، ونهى عن اتباع خطوات الشيطان من جهة أُخرى. فإذا افترضنا أنّ ولي الأمر لم يكن معصوماً لزم أن يكون اتباعه في مورد خطئه اتباعاً للشيطان. ولا يمكن الأمر بشيء قد نهي عنه، لأ نّه يلزم منه التناقض، كما أ نّه

الصفحة 175
يتنافى مع الاطلاق في {أطيعوا اللّه} ".

ــ " والثانية؟ ".

ــ " النقطة الثانية: إنّ اللّه تعالى أوجب طاعة أُولي الأمر على الاطلاق كطاعته وطاعة الرسول، وهذا الاطلاق لا ينسجم إلاّ مع عصمة أُولي الأمر، لأنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية فيحرم طاعته في ذلك، وعند ذلك لو قلنا بأنّ الإطاعة ما زالت واجبة اجتمع الضدان (الوجوب والحرمة) وهو أمر باطل ".

ــ " إنّ الأمر في هذه الآية وإن كان مطلقاً لكنه مقيد بمثل الآية الشريفة { قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ } (الاعراف: 28) وقول الرسول(صلى الله عليه وآله): "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فإذا أمر أُولو الأمر بمعصية حرم اتباع أمرهم ولم يشمله وجوب الطاعة، فلا يوجد أي تضاد ".

ــ " إنّ هذا الادعاء مردود، حيث إنّ العارف باللغة يجد تعارضاً بين القولين التاليين: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ }، كما هو وارد في سورة النساء، الآية 80)، و: لا تطع الرسول في ما خالف اللّه!! ".

ــ " كيف؟ ".

ــ " إنّ هذا التنافى الواضح ينشأ من دلالة القول الأوّل ضمناً على صحة كُلّ ما يأمر به الرسول وموافقته لأمر اللّه تماماً، وهذا لا ينسجم مع دلالة القول الثاني على إمكان مخالفة رسول اللّه مما يجعله مناقضاً لمضمون القول الأوّل ".

ــ " والنتيجة؟ ".

ــ " النتيجة هي: أنّ الآية تنزل إطاعة الرسول منزلة إطاعة اللّه: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ }. وهذا التنزيل لا يقبل أي تخصيص أو تقييد بلا ريب. ولما كانت إطاعة أُولي الأمر تشترك مع إطاعة الرسول في السياق تتساوى معها