الصفحة 176
في الإطلاق، فهي لا تقبل تقييداً كذلك ".

ــ " طيب والنقطة الثالثة؟ ".

ــ " أما النقطة الثالثة فهي: لا معنى مطلقاً لأنّ نتصور الآية تأمر بإطاعة أُولي الأمر في خصوص ما عدا المعاصي، فإنّ ذلك لا ينسجم أبداً مع ما هو الظاهر منها من كونها تركز على تعظيم الرسول وأُولي الأمر وجعلهما في مستوى واحد من اللزوم. فإنّ تعظيم العاصي ـ ولا سيما المنغمس بأنواع الفواحش ـ قبيح ".

ــ " وأكثر من هذا؟ ".

ــ " هذا بالإضافة إلى أنّ وجوب الطاعة لمن يأمر بالطاعات ".

ــ " أقول.. وإذن فهل تجب طاعة كُلّ آمر بالمعروف وناه عن المنكر؟ ".

ــ " وأنا أقول حين جوابك، فلماذا لم يذكر هؤلاء هنا وخص الأمر بهم دون غيرهم؟ ".

ــ "؟! ".

ــ " كُلّ هذا يؤكد أنّ المستفاد من الآية هو عصمة الرسول وأُولي الأمر لأ نّهم لا يأمرون ولا ينهون إلاّ بالحق ".

ــ " والقرينة العقلية؟ ".

ــ " وبعد هذا كُلّه، فإنّه لا مجال لأنّ يقال بأنّ عدم جواز طاعة المخلوق في معصية الخالق أمر عقلي مسلم مرتكز في ذهن العقلاء، فهو يشكل قرينة عقلية متصلة بالكلام تمنع من إطلاق قوله تعالى: { أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ }، وتجعله دالاًّ على لزوم إطاعة الرسول وأُولي الأمر في غير المعاصي ".

ــ " وهل ثمة مجال للقول بأنّ ذكر أُولي الأمر وتخصيصهم إنّما هو

الصفحة 177
لمصلحة اجتماعية، هي حفظ وحدة المجتمع وصيانته من اختلاف الكلمة؟ رغم أ نّه من المحتمل أن يخطئوا، لأنّ هذه المصلحة تعوض وتسد نقص الأخطاء ".

ــ " اّنّ مثل هذا لا يعد إلاّ توهماً باطلاً وذلك طبقاً لما أوضحته لك ".

ــ " وهل يمكن للقرآن أن يمنح الشخص مثل هذه الاحتمالات؟ ".

ــ " إنّ القرآن الكريم وأُسلوبه في التعبير لا يساعد على هذه الاحتمالات، فإنّ القرآن يلتزم بالتقييد في ما هو أهون من ذلك بكثير وأوضح ".

ــ " مثال؟ ".

ــ " كما في قوله تعالى في سورة العنكبوت، الآية: 8، وذلك حين التعرض لبرّ الوالدين: { وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما } ".

ــ " وهل اعترف أحد كبار المفكرين الإسلاميين بدلالة الآية على العصمة؟ ".

ــ " لقد اعترف إمام المشككين الفخر الرازي بدلالة الآية على عصمة الرسول وأولي الأمر، فقال في المسألة الثالثة في ذيل الآية: اعلم أن قوله (عليهم السلام){ أولي الأمر منكم }، يدل عندنا على أن إجماع الأُمّة حجّة ".

ــ " وماذا كان دليله؟ ".

ــ " تابع كلامه بالقول:.. والدليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ نهي عنه. فهذا يقتضي اجتماع الأمر والنهى في الفعل

الصفحة 178
الواحد باعتبار واحد، وإنّه محال. فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كُلّ من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ. فثبت أنّ أُولي الأمر المذكور في الآية لابدّ وأن يكون معصوماً ".

ــ " وهل يمكن تبيّن رأيه بدقة أكثر؟ ".

ــ " لقد قال في موضع آخر:.. فكان حمل الآية على الإجماع أولى، لأ نّه أدخل الرسول وأُولي الأمر في لفظ واحد، وهو قوله: { أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } فكان حمل أُولي الأمر الذي هو مقرون الرسول على المعصوم أولى من حمله على العاجز والفاسق الخ ".

ــ " وهل غامر غيره في بحث هذه المسألة؟ ".

ــ " لقد صححّ المطالب كُلٌّ من النيشابوري والشيخ محمّد عبده ـ على ما حكاه مقرر بحثه في المنار بقوله: فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا أجمعوا علي أمر من مصالح الأُمّة ـ إلى أن قال ـ فطاعتهم واجبة، ويصح أن يقال هم المعصومون في هذا الإجماع. وإن أضاف إليه المقرر ما يوهم خلافه ".

ــ " من هم أُولو الأمر؟ ".

ــ " وأُولو الأمر طائفة من الأُمّة يتملكون شأناً هاماً هو: ولاية أمرها، والإشراف على تسيير دفة الحكم فيها، ولهم أن يأمروا بما يرون فيه مصلحة الأُمّة وسيرها الطبيعي ".

ــ " ولا ريب في دلالة الآية الكريمة على وجودهم في الأُمّة، وإلاّ لكان الأمر باطاعتهم لغواً. ولكن من هم هؤلاء؟ وهل كان أحدهم موجوداً على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل كان هذا ـ لو وجد ـ يتقلد منصباً ويتولى شأناً من

الصفحة 179
الشؤون أو كان على الأقل مؤهلاً لتولي هذا الشأن؟ ".

ــ " هذه أسئله لا تجيب عليها الآية الشريفة، ولذا كان اللازم الرجوع الى من أسلمت له مهمة بيان الكتاب وتفصيل مجمله، وذلك كما في أمثال هذا المورد من عدد الصلوات وركعاتها ومناسك الحج وغيرها ".

ــ " ثُمّ إنّ أُولي الأمر: اسم جمع يدل على كثرة المسمين به ".

ــ " إلاّ أ نّه لا مانع من أن يراد به آحاد يتقلدون الأمر واحداً بعد الآخر ".

ــ " هل يمكنك أن تأتيني بنظائر لهذا الاستعمال؟ ".

ــ " إنّ لهذا الاستعمال نظائر عديدة في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى في سورة القلم: 8 { فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } وقوله تعالى: { وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ } وذلك في سورة الشعراء، الآية: 151، وقوله تعالى: { إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا } كما في الاحزاب: 67.. وأمثال ذلك ".

ــ " والمقصود به أنّ الاستعمال على نحو القضية الحقيقة ـ كما يعبر المناطقة ـ أي على نحو اصدار حكم على موضوع معين مفروض، فمتى ما تحقق ذلك الموضوع في الخارج تحقق الحكم. وهنا يقال: إنّه متى ما تحقق ولي الأمر ووجد خارجاً تجب طاعته. وليس هذا المعنى خلافاً للظاهر من التعبير القرآني ".

ــ " ومن هنا نعرف فساد ما توهمه الفخر الرازى من أن أُولي الأمر جمع فلا بدّ من إرادة جماعة، أي إرادة هيئة مكونة من أفراد مجتمعة، أما إرادة فرد واحد منها فهو خلاف الظاهر ".

ــ "؟! ".

ــ " نعم، إذا استعمل لفظ الجمع في المفرد لا غير ـ على نحو القضية

الصفحة 180
الشخصية ـ فهو خلاف الظاهر بلا ريب، وليس الأمر هنا كذلك ".

ــ " وتعبير: { منكم }، في الآية الكريمة؟ ".

ــ " أما تعبير { منكم } في الآية، فهو نظير تعبير { منهم } في قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ }. ولعل ذكر هذين التعبيرين لأجل توضيح حقيقة وجوب طاعتهم رغم أ نّهم (منكم)، وذلك باعتبار وجود مزية لهم على الآخرين ".

ــ "؟! ".

ــ " فليس بسديد ما قيل من أن تعبير (منكم) إنّما جاء للتنبيه على أ نّهم أناس عاديون مثلكم بلا أي مزية كالعصمة وشبهها ".

ــ " وهل المراد بهم أهل الحلّ والعقد؟ ".

ــ " بعد أن اعترف الرازي بلزوم عصمة أُولي الأمر واستظهر من لفظ الجمع أن المقصود هم جماعة، فسر أُولي الأمر بأ نّهم أهل الحل والعقد من العلماء، وبنى عليه حجية الإجماع معبراً عنه بإجماع الأُمّة تارة، وإجماع أهل الحل والعقد أُخرى ".

ــ " إذن.. فهم أُولي الحل والعقد؟ ".

ــ ".. اسمع! إلاّ أن هذا الرأي تكتنفه تساؤلات كثيرة وثغرات تجعله رأياً هزيلاً باطلاً ".

ــ " وكيف؟ ".

ــ " إذ يتساءل قبل كُلّ شيء عن المقصود بهذا التفسير، وهل أنّ المراد هو عصمة كُلّ فرد فرد من أهل الحل والعقد؟ وهو واضح البطلان ولا يدعيه أحد ".

ــ " أو أنّ المراد هو عصمة هذه الجماعة بما هي جماعة بلا أن يتصف

الصفحة 181
الأفراد بالعصمة؟ ".

ــ " فهذا أيضاً باطل لا معنى له، فإنّ تصورهم كجماعة مستقلة عن أفرادها أمر اعتباري ذهني محض، وهذا الأمر الاعتباري الذهني لا يقبل أن يتصف بصفة حقيقة خارجية هي العصمة!! ".

ــ " وكيف؟ ".

ــ " إنّ الهيئة المشكّلة منهم لا يمكن أن تتصف بالعصمة مع افتراض عدم عصمة هؤلاء الأفراد ".

ــ " وقد يحصل الادّعاء بهذا الصدد، أنّ أهل الحل والعقد إذا اجتمعوا على أمر كان اجتماعهم ملازماً للصواب والحق عادة، وذلك نظير أخبار جماعة كثيرة عن حادثة، حيث يلازم ذلك صحّة الخبر إذا بلغ أخبارهم حدّ التواتر ".

فقال لي:

ــ " إلاّ أنّ مثل ذلك هو غير تام، لأ نّه أولاً: لو فرض وجود هذا التلازم فهو لا يختص بهذه الأُمّة ".

بينما عدت اجتر منه عصارات ذهنه المركزة، فعدت إلى مطالبته.

ــ " وثانياً؟ ".

ــ " وثانياً: لأ نّه لا ملازمة بين اجتماع طائفة من الناس على شيء ومطابقة ذلك الشيء للواقع الخارجي، فكم من أمر اجتمع عليه أهل الحل والعقد بان خطؤه بعد حين ".

ــ " وقد يدّعى أنّ عصمة هؤلاء بتأييد إلهى وعناية منه تعالى وسعي منهم في اجتناب المعاصي وأعمال السوء ".

ــ " ولكن هذا الادعاء باطل أيضاً بالضرورة، فما أكثر الهيئات الاجتماعية

الصفحة 182
الإسلامية التي لم تعصم من الخطأ والزلل في قراراتها المجمع عليها مما جر على المسلمين أحياناً مآس ومفاسد كبرى ".

ــ " واذن فأهل الحلّ والعقد أين يكونون؟ ".


الصفحة 183

الفصل الخامس عشر
الولاية والخلفاء


ــ " والحقيقة هي أ نّه لو كانت هذه الكرامة لأهل الحل والعقد من الأُمّة المسلمة واقعاً، لكان من المنطقي أن نشاهد تأكيد القرآن الكريم عليها واهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيانها، ولدارت حولها أسئلة كثيرة من قبل المسلمين محاولة استيضاح حدودها وشرائطها وتفصيلاتها والموقف من ملابساتها المتوقعة ".

ــ " ونحن نرى أن المسلمين تساءلوا عن كثير من الأُمور التي هي أقل خطراً منها، بل لا تقاس قيمتها إلى هذه الكرامة المدعاة ".

ــ " أجل، إنّك تؤكد مزاعمي، إلاّ أننا نجد أنّ كُلّ ذلك يحدث مطلقاً، وبقي هذا النظام الذي ادعيت له هذه الكرامة نظاماً غامضاً يفتقد أي صورة محدودة له ولو اجمالاً، مما يؤكد لنا بوضوح أنّ هذا الادعاء ما هو إلاّ مجرد خرافة، وأنّ الإسلام لا يمكنه أن يضع مثل هذا النظام وبهذا الشكل من الغموض والابهام ".

ــ " فكُلّ هذه الاحتمالات باطلة لا أساس لها، ويتعين بالتالي ما قالت به الإمامية من أنّ المراد هم أفراد معصومون من هذه الأُمّة منزهون في أفعالهم وأقوالهم عن الخطأ والزلل مما يفرض على الأُمّة طاعتهم واتباع منهجم والانضواء تحت لوائهم ".

ــ " بالتأكيد! ".

ــ " ومعرفة من هم هؤلاء كيف تتم؟ ".


الصفحة 184
ــ " أمّا معرفة من هم هؤلاء فهي موكولة إلى اللّه ورسوله، وقد عينتهم آيات مثل آية التطهير وآية الولاية: { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ.. } كما شخصتهم أحاديث جمة مثل حديث الثقلين وحديث الغدير ".

ــ " وما يمكن أن تكون الأُمور التي يرجع بها إلى أُولي الأمر ".

ــ " إنّه ولأجل تعيين الأُمور التي يرجع بها إلى أُولي الأمر أقول: إنّ الآية عبرت بأ نّه: { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ }، وكلمة: (شيء)، هي لتعم بظاهرها كُلّ ما تنازعت الأُمّة واختلفت فيه، سواء كان حكماً من الأحكام التشريعية الكُلّية ".

ــ "؟! ".

ــ ".. أو كان من القضايا والمنازعات التي تحتاج في حلها إلى الترافع والتحاكم، إلاّ أنّ الآية لما ذكرت الردّ إلى اللّه والرسول بالخصوص بلا ذكر لأُولي الأمر فإنّها أوضحت أنّ المراد من الشيء المتنازع فيه هو تلك الأحكام الكُلّية التي يمتلك الرسول فيها حيثية التبليغ ".

ــ " الأحكام الكُلّية؟ ".

ــ " أجل! وإلاّ فالموضوعات كما يمكن ردها إلى الرسول بما له من الرأي يمكن ردّها أيضاً إلى أُولي الأمر بما لهم ذلك ".

ــ " ومن الممكن أن نقول: إنّ عدم ذكر أُولي الأمر مرة ثانية كان للاختصار والوضوح، فكان ذكر اللّه والرسول من باب التمثيل لمن يرجع إليه في الأحكام والمواضيع المتنازع فيها لا من باب الحصر. ولذا لا نحتاج إلى أن نقيد الاطلاق في كلمة: (شيء)، بخصوص الأحكام الكُلّية ".

ــ " إنّه من الممكن ".


الصفحة 185
ولقد كان وجد في نفسي روحاً متطلعة إلى الحقيقة أكثر منها باحثة عن التعصب واللجاجة، كما كنت قد تبينت مثل ذلك وآنسته في نفسي أنا الآخر.

ــ ".. ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة النساء، 83: { وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }! ".

ــ " وكيف؟ ".

ــ " فإنّه لم يذكر لفظ الجلالة مع الرسول وأُولي الأمر هنا، وليس ذلك إلاّ للاختصار والوضوح والتمثيل للمرجع بذكر الرسول وأولي الأمر.. إلاّ أن ".

ــ " إلاّ أن..! إلاّ أن ماذا؟ ".

ــ " إلاّ أن يقال: إنّ هذه الأُمور العادية ليست مما يرجع فيها إلى اللّه لمعرفتها، وهذه هي النكتة في عدم ذكر لفظ الجلالة في هذه الآية ".

ــ " وهل للروايات أن تعيّن أُولي الأمر؟ ".

ــ " قد جاءت الروايات الكثيرة التي تؤيد ما قالت به الإمامية من تفسير للآية، وذلك عن طريق الفريقين: السنّة والشيعة ".

ــ " هات ما عندك من طريق السنّة؟ ".

ــ " فمن طريق السنّة، ما عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين حين خلفه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة فقال: يا رسول اللّه، أتخلفني على النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال: { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ }. { وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }، قال: علي بن أبي طالب، ولاه اللّه أمر الأُمّة بعد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). وحين خلفه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)فأمر اللّه العباد بطاعته وترك خلافه ".


الصفحة 186
ــ " أين ذكر مثل هذا؟ ".

ــ " ذكر في غاية المرام: ص 263، ب 58، ح 1 ".

ــ " ناولني المزيد؟ ".

ــ " عن الحمويني ـ وهو من أعيان علماء العامة ـ في حديث: قال (يعنى علي بن أبي طالب): أنشدكم اللّه، أتعلمون حيث نزلت: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }، وحيث نزلت: { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ }، وحيث نزلت: { لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً }؟ قال الناس: يا رسول اللّه أخاصّة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر اللّه عزّ وجلّ نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجهم، ونصبني للناس بغدير خم ".

ــ "؟! ".

ــ " إلى أن قال: ثُمّ خطب فقال: "أيها الناس، أتعلمون أن اللّه عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: قم يا علي، فقمت، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام سلمان فقال: يا رسول اللّه، ولاء ماذا؟ فقال: ولاء كولائي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولي به من نفسه. فأنزل اللّه تعالى ذكره: { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً }. فكبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: اللّه أكبر، تمام نبوتي وتمام دين اللّه ولاية علي بعدي. فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول اللّه، هذه الآيات خاصّة في علي؟ قال: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة: قالا: يا رسول

الصفحة 187
اللّه، بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أُمتي وولي كُلّ مؤمن من بعدي، ثُمّ ابني الحسن، ثُمّ ابني الحسين، ثُمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحداً بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا علي الحوض، فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت ".

ــ " أين ورد هذا كُلّه؟ ".

ــ " ورد في غاية المرام: ص 264، ب 58، ح 4 ".

ــ " لطفاً تابِع الحديث؟ ".

ــ ".. فلو سكت رسول اللّه، فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان ـ الحديث ".

ــ "؟! ".

ــ " وهو كما قلت لك في غاية المرام، وهذا في ص 265، ح3 ".

ــ " زدني؟! ".

ــ " ومنها: عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري أ نّه سأل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال: "هم خلفائي يا جابر، وأ ئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي ابن أبي طالب، ثُمّ الحسن، ثُمّ الحسين ثُمّ علي بن الحسين، ثُمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثُمّ ".

ــ " يعرّفهم بالأسماء؟ ".

ــ " أجل ".

ــ " عجيب! أكمل؟ ".


الصفحة 188
ــ ".. ثُمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثُمّ موسى بن جعفر، ثُمّ علي بن موسى، ثُمّ محمّد بن علي، ثُمّ علي بن محمّد، ثُمّ الحسن بن علي ثُمّ سميي وكنيي حجة اللّه في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي. ذاك الذي يفتح اللّه ـ تعالى ذكره ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان ".

ــ " وبعد ماذا يقول الخبر؟ ".

ــ " يقول: قال جابر: فقلت له: يا رسول اللّه، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال: "أي والذي بعثني بالنبوة، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولائه في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علمه، فاكتمه إلاّ عن أهله ".

ــ " وأين ورد كُلّ ذلك.. لقد جعلتني أذهل حقاً؟! ".

ــ " كذلك في غاية المرام: ص 267، ح 10 ".

ــ " وإذن ".

ــ " وقد روي هذا المضمون عن الفريقين متواتراً ".

ــ " وآية الولاية، لقد سمعت البعض يتحدث عنها، فما هي؟ ".

ــ " إنّما يقول اللّه تعالى: { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ } ".

ــ " أين تقع؟ ".

ــ " في المائدة: 55 ـ 56 ".

ــ " ما معنى الولاية؟ ".


الصفحة 189
ــ " الأصل في معنى (الولاية) على ما يظهر من تتبع موارد الاستعمال كلمات اللغويين هو القرب والدنو، ويلازمه الاتصال والتأثير، قد يقارنه التصرف والتدبير، والمحبة والنصرة إلى غير ذلك ".

ــ " أين الاستدلالات؟ ".

ــ " قال في أساس البلاغة: وليه ولياً: دنا منه، وأوليته: أدنيته، وفي القاموس الولي: القرب والدنو، والوليّ: اسم منه، والمحب، والصديق والنصير. قال الراغب: الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعداً ".

ــ " ليس بينهما ما ليس منهما ".

ــ " أجل، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ".

ــ "؟! ".

ــ " والذي يساعد عليه الاعتبار أن مادة الكلمة وضعت أوّل مرة للقرب الحسي الخاصّ، ثُمّ توسع فيها فاستعملت في ما يشابهه من المعاني المعقولة ".

ــ " وكيف؟ ".

ــ " فإنّ الألفاظ إنّما وضعت تدريجاً لمسيس الحاجة إلى التفاهم حول ما يعرف الإنسان ".

ــ " معرفة الإنسان؟ ".

ــ " ولا ريب أنّ معرفة الإنسان بالأُمور المحسوسة إنّما حصلت قبل معرفته بالمعقولات. والقرب في غير المحسوسات قد يكون حقيقاً كقرب العلة من المعلول، وقد كون اعتبارياً اعتبر لترتيب آثاره على ما هو الشأن في المفاهيم الاعتبارية ".


الصفحة 190
ــ " إنّما يمكن أن يلاحظ القرب ".

ــ ".. فالقرب قد يلاحظ بين فردين مشتركين في أُسرة واحدة فيفيد معنى ذي الرحم أو الوارث، وقد يلاحظ بين شخصين أجنبيين بلا ملاحظة مزية لاحدهما على الآخر فيفيد معنى المعين والناصر ويستتبع المحبة والمودة ".

ــ " وقد يلاحظ فيه المزية لأحدهما المعين فيفيد معنى ولي الأمر والمتصرف بالتدبير كولي الطفل والسيد ".

ــ " بالتأكيد، وقد يلاحظ بين مجتمعين وهو الذي يعبر عنه بالعلاقة الودية، والمصحح لاعتباره إنّما هو التعاون والتناصر، وقد يلاحظ بين شخص ومجتمع وهو لا يفيد إلاّ معنى تدبير الأمر والسلطان، وإن استلزم الود والعون ".

ــ " خلاصة الأمر فالقرب يستعمل في المكان والزمان ".

ــ " وعليه، فكما أنّ نفس القرب يستعمل في المكان والزمان وفي الوجود الحقيقي والمنزلة الاعتبارية بلا تكثر في معناه، فكذلك الولاية لها معنى وحداني سار في جميع مشتقاتها، ولها مصاديق حقيقية واعتبارية ".

ــ " ومحسوسة ومعقولة؟ ".

ــ " أجل! ".

ــ " وهل يوجب اختلاف المصاديق في الخصوصيات تكثراً ما في معناها؟ ".

ــ " إنّ اختلاف المصاديق في الخصوصيات لا يوجب تكثراً في معناها بحيث تصير مشتركة بينها بالاشتراك اللفظي. وكما أن خصوصيات مصاديق القرب إنّما تعرف بالمناسبات والقرائن فكذلك خصوصيات مصاديق الولاية ".

ــ " مثل الركوع؟ ".