فقال لي:
ــ " هذا هو كلام الشيعة، وهذا الشيخ هو يتحدث بالنيابة عنهم، أليس كذلك، فما يقوله يمكن أن ينسحب على مذهب التشيع؟ ".
قلت له:
ــ " بلى! هل أواصل نقلي لكلامه؟ ".
ومن بعد أن أجابني بالاثبات، عمدت إلى مواصلة مقالة الشيخ كاشف الغطاء، فقلت وأنا أنقل كلامه:
ــ " كيف يستطيعون مؤاخذة الشيعة ومنهم صحابة الرسول والتابعين لهم باحسان: كأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وجارية بن قدامة، وجابر بن عبد اللّه الانصاري، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وصعصعة بن صوحان، والمقداد الكندي وغير هم؟!! ومن الغريب أن أكثر الكتاب قد نسبوا
كان نبيل يصغي إليّ بانتباه.. بينما كنت أواصل قراءتي لحديث الشيخ:
ــ " وإليك ما كتبه بعض كتاب العصر الحاضر عند ذكره لعبد اللّه بن سبأ ونسبة ظهور التشيع إليه، إذ يقول: إنّ هذا الشيطان هو عبد اللّه بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء، واستكثر اتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة إلى أن يقول: وعني بالتأثير في أبناء الزعماء من قادة القبائل، وأعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح، فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الغافقي بن حرب العتكي، وعبد الرحمن بن عديس البلوي، كنانة بن بشر بن عتاب، وعبد اللّه ابن زيد بن ورقاء الخزاعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي ".
ــ " أووه؟! ".
ــ ".. وعروة بن النباع الليثي، وقتير السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابن سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم، وزيد بن صوحان العبدي، والاشتر بن مالك بن الحارث النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد اللّه بن الأصم ".
ــ " كُلّ هؤلاء؟! ".
ــ " ومن البصرة ".
ــ " والبصرة أيضاً؟! ".
ــ " والمدينة كذلك؟! ".
ــ ".. فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلاّ ثلاثة نفر. محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن حذيفة، وعمار بن ياسر ".
ــ " أووه عمار بن ياسر.. أقول: مِن أين اقتبس الشيخ هذا الكلام، بل أين وجده، وهو لِمَن؟ ".
ــ " اسم الكتاب، هو: حملة رسالة الإسلام، واسم المؤلف: محب الدين الخطيب، والصفحة: 23 ".
ثُمّ استدركتُ الكلام، وأنا أقول:
ــ " بينما يعود الشيخ إلى كلامه، فيقول: هكذا يقول، ونبرأ إلى اللّه مما يقول، ليت شعري أي جرأة أعظم من هذه الجرأة على أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصفهم بهذه الصفة بأنهم مخدوعين بدعوة ذلك الشيطان، استجابوا لما جاء به هذا اليهودي المزعوم، وهم خريجو مدرسة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ودعاة الحق واتباعه، ولكن الشيطان خدع هذا الكاتب، فجاء بهذا الافتراء وهو (يجادل بغير علم ويتبع كُلّ شيطان مريد. كتب عليه أن من تولاه فإنّه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) ".
ــ " وإذن حديث الكاتب هو كُلّه افتراء وسفسطة ليس إلاّ؟! ".
ــ " تماماً! بينما يواصل الشيخ كلامه، فيقول: ونحن نأمل من كتّابنا الذين يكتبون لذات الحق ولا يميل بهم الهوى، ولا تستولي عليهم النزعات
ــ " وهل يمكنك التأكيد على مسألة ما في هذا المضمار؟ ".
ــ " أجل فإنّي لأؤكد القول بأنّ قضية ابن سبأ هذه، ما هي إلاّ أُسطورة خرافية، أوجدتها عدّة عوامل للحطّ من تعاليم الإسلام والنيل من رجاله، بأنهم قد تأثروا بآراء رجل يهودي فأوردهم موارد الهلكة، ومن دون تميز وتفكير، إلى غير ذلك مما يؤدي إليه إيجاد هذه الخرافة من مناقضات. هذا مع أن سندها باطل، وراويها وهو سيف بن عمرو كذاب ".
وعندها توجه نبيل الي بالسؤال وهو يقول:
ــ " وهل يمكن أن ينسب إلى أهل السنة لوناً من ألوان التعصب لأئمة المذاهب؟ ".
فقلت:
ــ " لقد تعددت عوامل التفرقة، وكثرت طرق الخلاف بين الطوائف، تعصب كُلّ إلى جهة، فأهل الجرح والتعديل أدى بهم التعصب إلى الحط مما يخالف مذهبهم فاستهان بعضهم ببعض، واختلق بعضهم مكارم لبعض، فكم من مجروح عدلوه، وعادل جرحوه، وأعطف عليهم المؤرخين.. فإنّهم ربما وضعوا أُناساً ورفعوا أُناساً، إما لتعصب، أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به أو غير ذلك ".
ــ " وإلى أي العوامل يمكن أن تعزى أسباب هذه الفرقة والاختلافات؟ ".
ــ " وإذن، فأحد عوامل هذا التعصب بين مذاهب أهل السنة هو الذهبي؟ ".
ــ " أجل! ويقول الحافظ صلاح الدين: أنّ الحافظ شمس الدين الذهبي لاشك في دينه وورعه، ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه حتّى أثر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً ".
ــ " أقول: أين وجدت هذا؟ ".
ــ " طبقات الشافعية: ج 1 ص 190 ".
ــ " وإذن، فكان للكتاب دور خطير في تعميق شق مثل هذه الهوة السحيقة؟ ".
ــ " نعم! وعلى أي حال، فقد مالت الأهواء وأثرت النزعات فنفروا من الحقائق ولم يتقبلوها، فكتبوا بما توحيه اليهم أهواؤهم وأغراضهم، لا بما تقتضيه الحقيقة من حيث هي حقيقة لا تقبل الدجل والتدليس. وتأصلت روح العداء، وتحيز كُلٌّ إلى مذهبه، وغلوا في أئمتهم غلواً أخرجهم عن حدود الاتزان، ووضعوا في مدحهم ما شاءت رغباتهم بدون قيد وشرط، وتوسعوا في وضع الأحاديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبشائر بأئمة المذاهب ".
ــ " هل لك أن تستشهد بشيء منها؟ ".
ــ " وأين قرأت كُلّ هذا؟ ".
ــ " انه في كتاب الدر المختار في شرح تنوير الابصار: ج 1، ص 53 و 54 ".
ومضيت في الكلام:
ــ " كما توسعوا في الادعاءات لتصحيح مذهبه ووجوب اتّباعه، وان عيسى يحكم بمذهبه وأن اللّه غفرله ولأهل مذهبه إلى يوم القيامة ".
ــ " نفس المصدر؟ ".
ــ " أجل: الدر المختار في شرح تنوير الابصار: ج 1، ص 52 و54 ".
بينما أضفت وأنا أقول:
ــ " وأ نّه أعظم معجزة للنّبي بعد القرآن. ومن ذلك قولهم: إن اللّه خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ومن كرامته أن الخضر(عليه السلام) كان يجيء إليه كُلّ يوم وقت الصبح، ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي ابو حنيفة دعا الخضر ربه: يارب إن كان لي عندك منزلة، فأذن لأبي حنيفة حتّى يعلمني من القبر على عادته حتّى أعلّم الناس شرع محمّد على الكمال ليحصل لي الطريق، فاجابه ربه إلى ذلك. واتم الخضر دراسته على أبي حنيفة وهو في قبره في مدة خمس وعشرين سنة إلى آخر ما في هذه الأسطورة التي تتلى في مجالس الحنفية في الهند ومساجدهم ".
ــ " أقول: أين طالعت هذا؟ ".
ــ " وماذا يقول الشعراء في هذا الباب؟ ".
ــ " ويقول شاعرهم لتأييد صحة مذهبه وترجيحه على غيره:
مثل الشافعي في العلمان خير المذاهب | كذا القمر الوضاح خير الكواكب |
مذاهب أهل الفقه عندي تفلصت | وأين عن الروسي نسج العناكب |
كما يقول شاعر آخر كان شافعي المذهب:
مثل الشافعي في العلماء | مثل البدر في نجوم السماء |
قل لمن قاسه بنعمان جهلاً | أيقاس الضياء بالظلماء |
ــ " والمالكية؟ ".
ــ " والمالكية يدعون لإمامهم أموراً، منها أ نّه مكتوب على فخذه بقلم القدرة مالك حجة اللّه في أرضه، وأنه يحضر الأموات من أصحابه في قبورهم وينحي الملكين عن الميت ولا يدعهما يحاسبانه على أعماله ".
ــ " وهذه الأُخريات، أين وجدتها؟ ".
ــ " يمكنك أن تراجع كتاب مشارق الأنوار للعدوي ص 288 ".
بينما واصلت الكلام وأنا أحدثه قائلاً:
ــ " وهل سخّر شعراء المالكية لهذا الغرض كذلك ".
ــ " إنّ الشعراء معدات كُلّ عصر، يوظّفون لاغراض ومآرب أصحابه، كما كانوا يفعلون في أيام الجاهلية، ويصنعون مثله في وقتنا المعاصر ".
ــ " وماذا يقول شاعر المالكية؟ ".
ــ " يقول شاعرهم:
إذا ذكروا كتب العلوم فحي هل | يكتب الموطاً من تصانيف مالك |
فشد به كف الصيانة تهتدي | فمن حاد عنه هالك في الهوالك " |
ــ " وشاعر الحنابلة، تراه ماذا يقول؟ ".
ــ " يقول الحنبلي:
سبرت شرائع العلماء طراً | فلم أر كاعتقاد الحنبلي |
فكن من أهله سراً وجهراً | تكن أبداً على النهج السوي |
ــ " ويقول آخر:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت | فوصيتي للناس أن يتحنبلوا " |
ــ " وماذا يقول الحنابلة؟.
ــ " أما الحنابلة فيقولون: أحمد بن حنبل إمامنا فمن لم يرض فهو مبتدع، فما أكثر المبتدعين في نظرهم على هذه القاعدة ".
ــ " وتقوّلوا على الشافعي قوله: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة ومن قصد الصحابة أبغض النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبغض النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كفر باللّه العظيم ".
ــ " كتاب طبقات الحنابلة: ج 1 ص 13 ".