.. الفصل السابع أقوال في مُعاويَة ..

        

1- أحاديث النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في مُعاويَة:

وهي أفضل ما يُبدأ به في هذا الباب،فإنّ قوله صلى الله عليه وآله يأتي بعد القرآن،فهوأصدقُ ما قال مخلوقٌ وأشرفُه.وقد ثبتت عنه أحاديثُ في حقّ معاوية أشهرُها "لا أِشبع الله بطنه ".ومَن تتبّع الأحاديث الواردةَ في ذمّ معاوية وطالعَ سيرةَ الرّجُل لم يشكّ في صحّة ذلك وانْسجامه مع أفْعال أوّل ملوك بني أميّة؛لكنّ المُؤرّخين والمُحدّثين من أولي النّزعة الأُمويّة لم يرُقْ لهم ذلك ولم تقْبلْه نفُوسهم،فراحُوا يضْريون من كلّ جهة عَسَاهُم يضعفُونها ويقدَحُون في من بلّغَها إلى المسلمين.ولا أدري ما الذي يحمل رجلاً قضى قسماً من عمره في طلب العلْم وعرَفَ مصيرَ المدافعين عن الباطل،وقرأ مرّات ومرّات قوله تعالى "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا " ـ لا أدري ـ ما الذي يدفعه إلى الدّفاع عن شخص مثل معاوية ليس للنّبيّ صلى الله عليه و آله عنده حُرْمَة!وهؤلاء الذين يدافعون عن معاوية هم أنفسهم يتوقّفون ويتردّدون حين يتعلّق الأمر بعليّ بن أبي طالب عليه السلام.فإذا وجدوا من رَبأَ بنفسه عن مُتابعة معاوية في باطله انْهالُوا عليه قدْحاً وطعْناً وسلَبُوه حتّى التّكريم الذي آتاه الله تعالى كلَّ بني آدمً[1]؛وأمّا حينما يتعلّق الأمر بشخص يُصرّح ببُغض عليّ عليه السلام فتَراهُم يلْتَمسُون له

المَعاذير ويوجّهُون ويؤوّلُون ولواقتضى الأمرُ تكذيبَ النّبيّ صلى الله عليه وآله،كما هوشأنُهم في نسبة الاجتهاد إلى عبد الرحمن بن مُلجم الذي سمّاه النّبيّ صلى الله عليه وآله بصريح العبارة "أشْقَاهَا ".ولا يفوتُني في هذا المقام إلاّ أن أُكْبر وأُجلّ وأُحيّي أولئك الذين وفوا للنّبيّ صلى الله عليه وآله فدافعوا عن أحبّائه وتبرّأوا من أعدائه.وقد عقدت فصلاً خاصّاً بالمدافعين عن معاوية طيّ هذا الكتاب يأتي لاحقاً إن شاء الله تعالى.

قال البلاذري[2]:حدّثني أسحاق [..]عن ابن طاووس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:كنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم من هذا الفجّ

رجل يموت على غير ملّتي وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء قال فطلع معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلّم هوهذا(اهـ).

  قال الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماريّ بخصوص هذا الحديث[3]:
 

 وهذا حديث صحيح على شرط مُسلم وهو يرفعُ كلَّ غُمّة عن المؤمن المتحيّرفي شأن هذا الطّاغية قبّحه الله،ويقضي على كلّ ما يموِّه به المموّهون في حقّه.

وقال ابن عقيل الشافعيّ[4]:أخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو يعلى كلاهما عن أبي برزة رضي الله عنه قال كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسمع صوت غناء فقال انظروا

ما هذا فصعدت فإذا مُعاويَةُ وعمرُو بن العاص يتغنّيان فجئْتُ فأخبرتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال اللّهمّ اركسهما في الفتنة ركْساً اللّهمّ دعّهما في النّار دعّاً.وأخرجه الطّبرانيّ في الكبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما بمثل هذا.قال عبد الله بن أحمد بن حنبل حدّثنا أبي حدّثنا عبد الله بن محمّد وسمعته أنا من عبد الله بن محمّد بن شيبة حدّثنا محمّد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال أخبرني ربّ هذا الدار أبو هلال قال سمعت أبا برزة رضي الله عنه قال كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع رجلين يتغنّيان وأحدُهما يُجيب الآخر وهو يقول لا يزال حواي تلوح عظامه روى الحرعنه فقال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم مَنْ هُما قال فقالوا فلان وفلان [!] قال فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللّهمّ أركسهما ركساً ودعّهما إلى النّار دعّاً أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي يعلى.حدّثنا علي بن المنذر حدّثنا ابن فضيل حدّثنا يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن ابن أبي برزة رضي الله عنه قال كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فسمع غناءً فقال انظروا ما هذا فصعدت فنظرت فإذا مُعاويَة وعمرُو بن العاص يتغنّيان فجئتُ فأخبرْتُ النّبيّ صلى الله عليْه وسلّم فقال اللهم أركسهما في الفتنة ركساً اللّهمّ دعّهما إلى النّار دعّاً.قال ابنُ الجوزيّ لا يصحّ يزيد بن أبي زياد كان يلقّن بآخره فيتلقّن. قلت[5]يزيد بن أبي زياد احتجّ به الأربعة وروى له مسلم مقروناً وقد مرّ عن الحافظ

العسقلانيّ أنّه قال يزيد وإن ضعّفه بعضُهم من قبل حفظه فلا يلزم أنّ كلّ ما يحدّث به موضوع .قال الجلال السّيوطيّ ما قاله ابن الجوزيّ لا يقتضي الوضعَ قال وله شاهد من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما رواه الطّبرانيّ في الكبير حدّثنا أحمد بن عليّ ابن الجارود الأصبهانيّ حدّثنا عبد الله بن عباد عن سعيد سنان حدّثنا عيسى بن الأسود النّخعيّ عن ليث عن طاوس عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجُليْن وساق نحوَ سياق أحمد وسمّى الرجلين مُعاويَة وعمروبنَ العاص ورواه ابنُ قانع في مُعجَمه.حدّثنا محمّد بن كامل حدّثنا عبد الله بن عمر حدّثنا سعيد أبو العبّاس التّيميّ حدّثنا سيف بن عمر حدّثني أبو عمر مولى إبراهيم بن طلحة عن زيد بن أسلم عن صالح شقران رضي الله عنه قال بينما نحن ليلةً في سفَرإذْ سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم صوتاً فذكرالحديثَ وسمّى الرّجُلين مُعاويَة بن رافع وعمرَو بن رفاعة وقال في آخرالحديث فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم من السّفر قال الجلال هذه الرواية أزالت الإشكال وبيّنت أنّ الوهم وقع في الحديث في لفظه واحدة وهي قوله ابن العاص وإنّما هو ابن رفاعة أحد المنافقين وكذلك مُعاويَة بن رافع أحد المنافقين. (انتهى) كلام ابن عقيل.

 أقول:هذاالحديث موجود في كثيرمن مصادرالجمهور،لكنّ تركَه على حاله لا يناسب معتقدَ العامّة في عدالة جميع الصّحابة،ودفاعَهم بصورة خاصّة عن مُعاويَة،لذلك امتدّت يدُ التّحريف كالعادة وراحت تارة تُخفي الأسماء وتعبّرعنها بـ"رجلين"،وتارة تعبّربـ "فلان وفلان"،وتارة تأتي باسميْن مشابهين من أجل لتّعتيم.

  وراحت إلى العطّار تبغي جمالَها**  وهل يصلحُ العطّار ما أفسد الدّهر

وهذه قائمة المصادر التي ورد فيها الحديث:

ـ مصنف ابن أبي شيبة[6] ج7ص526 بدل معاوية وعمرو (فلان وفلان)  

ـ مجمع الزوائدج8ص121[7]بدل معاوية وعمرو ( فلان وفلان)

ـ أحمد في مسنده [8]4ص421 بدل معاوية وعمرو(فلان وفلان )

ـ مسند البزار[9]ج9ص303 بدل معاوية وعمرو (رجلين )

ـ مسند البزار ج9ص310 بدل معاوية وعمرو (رجلين )  

ـ المعجم الاوسط[10]ج7ص133 بدل معاوية وعمرو(رجلا يطارح رجلاً ً)

ـ مسند أبي يعلى[11] ج13 ص430 بدل معاوية وعمرو( فلان وفلان)

ـ المعجم الكبير[12]ج11ص38 مُعاويَة وعمرو بن العاص

ـ سير أعلام النبلاء[13]ج3ص132 مُعاويَة وغمرو بن العاص

ـ سير أعلام النبلاءج6ص131 مُعاويَة وعمرو بن العاص

ـ ميزان الاعتدال[14]ج7ص241 مُعاويَة وعمرو

ـ الكامل(العقيلي)[15]ج4ص4 مُعاويَة بن التابوت ورفاعة بن عمروبن التابوت

ـ كتاب المجروحين[16](ابن حبان) ج3ص101  مُعاويَة وعمرو  

ـ معجم الصحابة[17]ج2ص23 مُعاويَة بن التّابوت ورفاعة بن عمروبن التابوت

ـ نقد المنقول[18] (ابن قيم الجوزية)ج1ص109 وفيه يقول ابن القيم:

وحديث نظر النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم إلى مُعاويَة وعمرو بن العاص فقال أركسهما في الفتنة ركْساً ودُعّهُما إ لى النّار دعّاً كذب مختلق.

ـ المنار المنيف[19](ابن قيم الجوزية)ج1ص118.وهنا أيضا يقول :

وحديث نظر النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مُعاويَة وعمرو بن العاص فقال اللهم اركسهما في الفتنة  ركسا ودعهما إلى النار دعّاً كذب مختلق.

ـ القول المسدد[20](ابن حجرالعسقلاني)ج1ص60  

  وفي موطإ مالك (ج2ص580):وحدثني عن مالك،عن يحيى بن سعيد،أنّ سعيد بن المسيّب سُئل عن المرأة يطلقها زوجها وهى في بيت بكراءٍ،على من الكراء؟ فقال سعيد بن المسيب:على زوجها.قال:فإن لم يكن عند زوجها؟ قال:فعليها.قال:فإن لم يكن عندها؟قال:فعلى الأمير.حدّثنى يحيى عن مالك،عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سُفْيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف،عن فاطمة بنت قيس،أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقَها البتّة وهوغائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير،فسخطته فقال:والله مالك علينا من شئ.فجاءت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فذكرت ذلك له فقال(ليس لك عليه نفقة)وأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شريك.ثمّ قال(تلك امرأة يغشاها أصحابي.اعتدّي عند عبد الله بن أمّ مكتوم.فإنّه رجل أعمى.تضعين ثيابك عنده،فإذا حللْتِ فآذنينى)قالت:فلما حللتُ ذكرت لهُ أنّ مُعاويَة بن أبى سُفْيان،وأبا جهم بن هاشم خطباني.فقال رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم(أماأبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه.وأمّا مُعاويَة فصُعْلُوك لامالَ له.انكحي أسامة بن زيد) قالت:فكرهته.ثمّ قال(انكحي أسامة بن زيد)فنكحته فجعل الله في ذلك خيراً.واغتبطت به.اهـ

وفي أعلام الموقّعين ج3ص64: وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم: أما مُعاويَة فصعلوك لا مال له وأمّا أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه (اهـ).

وليس من عادة النّبيّ صلى الله عليه وآله أن يقول عمّن لامالَ له إنّه صعلوك، فقد كان سلمانُ وأبوذرّ وغيرهما من أجلاّء الصّحابة فقراء لا مال لهم ولم يقُل صلى الله عليه وآله عن أحد منهم إنّه صعلوك.

 وفي مجمع الزوائد[21]:في حديث لعمرو بن الحمق الخزاعيّ رضي الله عنه :..ثمّ هاجرتُ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم،فبينا أنا عندَه ذات يوم فقال لي:يا عَمْرُوهَلْ لك أنْ

أُريَك آية الجنّة تأكلُ الطّعام،وتشربُ الشّراب،وتمشي في الأسواق؟ قلت بلى بأبي أنت.قال هذا وقَوْمُهُ ،وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال لي: يا عمروهل لك أن أريك آية النّارتأكل الطعام وتشرب الشّراب وتمشي في الأسواق؟ قلت بأبي أنت قال هذا وقومه آية النّار،وأشارإلى رجل. فلمّا وقعت الفتنةُ ذكرتُ قولَ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم، ففررْتُ من آية النّارإلى آية الجنّة ،وأرى بني أُميّة قاتلي بعد هذا.قلتُ الله ورسوله أعلم.قال:والله إن كنت في حَجَر في جوف حَجَر لاسْتخْرجَني بنوأُميّة حتّى يقتلوني؛حدّثني به حبيبي النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم: إنّ رأسي أوّل رأس يُحْتَزّ في الإسْلام وينقل من بلد إلى بلد.رواه الطبرانيّ في الأوسط وفيه عبدالله بن عبدالملك المسعوديّ وهو ضعيف(اهـ).

أقول:هبْ أنّ المسعوديّ ضعيف،أوأنّ الحديث ضعيف أليس هذا هو ما جرى بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وآله بثلاثين سنة؟!ألم يُقتل عمرو بتلك الطريقة ؟!

 شاهدُنا من الحديث آية الجنّة وآية النّار.وقد قال عمرو بن الحمق الخزاعيّ رضي الله عنه لّما وقعت الفتنة فررْتُ من آية النّارإلى آية الجنّة،وقد كان على رأْس الفئة المُحقّة علي بن أبي طالب عليه السلام كما هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث،ولم يبق إلاّ آية النّارعلى رأس الفئة الباغية!

      ومن أهمّ الأحاديث الدّالّة على ضلال معاوية كلمة النبي صلى الله عليه وآله في قتل عمّار بن ياسررضي الله عنهما،والحديث رواه البخاري في صحيحه:(ج1ص 115)،ورواه مسلم في صحيحه(ج4ص2236).وقد ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبى سعيد الخدريّ قال: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:ويح لعمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلي الجنّة ويدعونه الى النّار.[22]قال المناوي في فيض القدير(ج6ص365):قال القاضي في شرح المصابيح يريد به معاويةَ وقومَه.وهذا

صريح في بغْي طائفة معاوية الذين قتلوا عمّاراً في وقعة صفّين وأنّ الحقّ مع عليّ وهو من الإخبار بالمغيّبات يدعوهم أي عمّار يدعو الفئة وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه بوقعة صفّين في الزّمان المستقبل إلى الجنّة أي إلى سببها وهو طاعة الإمام الحقّ ويدعونه إلى سبب النّار وهو عصيانه ومقاتلته قالوا وقد وقع ذلك في يوم صفّين دعاهم فيه إلى الإمام الحقّ ودعوه إلى النّار وقتلوه فهو معجزة للمصطفى وعلم من أعلام نبوّته وإنّ قول بعضهم المراد أهل مكّة الذين عذّبوه أوّل الإسلام فقد تعقّبوه بالرّدّ قال القرطبيّ وهذا الحديث من أثبت الأحاديث وأصحّها ولمّا لم يقدر معاوية على إنكاره قال إنّما قتله من جاء به.اهـ

قلتُ: وهو صريح في أنّ معاوية من دعاة النّار،والدّعوة إلى النّار من أعمال المشركين بدليل قول الله تعالى في سورة البقرة (الآية 221 ) " ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مُؤمن خيْرٌ من مُشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار والله يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون "

ولابن كثير كلامٌ في ما جاء في الحديث يأتي لاحقاً إن شاء الله تعالى في الفصل الخاص بصفّين.

وقال ابن أبي الحديد[23]:وروى صاحب كتاب الغارات عن الأعمش،عن أنس بن مالك،قال:سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:سيظهر على النّاس رجل من

أمّتي،عظيم السرم،واسع البلْعُوم،يأكل ولا يشْبَع،يحمل وزْرالثّقلين يطلب الإمارةَ يوماً،فإذاأدركْتُموه فابْقرُوا بطْنه،قال:وكان في يد النّبيّ صلى الله عليه وآله قضيب،قد وضعَ طرفَه في بطْن مُعاوية.قلتُ:هذا الخبرُ مرفوع مُناسب لما قاله عليّ عليه السلام في نهج البلاغة،ومؤكّد لاختيارنا أنّ المراد به مُعاوية دون ما قاله كثيرٌ من النّاس أنّه زياد والمُغيرة (اهـ).

وفي السّير [24]: [..]عن أبي سعيد مرفوعا:" إذا رأيتم فلاناً يخطب على منبري،فاقتلوه ".رواه جندل بن والق،عن محمّد بن بشر،فقال بدل " فلانا ":

معاوية.وتابعه الوليد بن القاسم،عن مجالد.

وأورد فخرالدّين الرّازيّ في المحصول[25] قصّةً فيها كلام بين الحسن بن عليّ عليهما السلام ومعاوية وبطانته فيها قول الحسن لمعاوية:" إنك كنت ذات يوم تسوق

بأبيك ويقود به أخوك هذا القاعد وذلك بعدما عمي أبو سفيان فلعن النّبيّ صلى الله عليه وسلم الجملَ وراكبَه وسائقَه وقائدَه، فكان أبوك الرّاكب وأخوك القائد وأنت السائق.ثُمّ قال لعمرو بن العاص إنّما أنت سبّة كما أنت فأمّك زانية اختصم فيك خمسة نفر من قريش كلّهم يدّعي عليك أنّك أبنه فغلب عليك جزّار قريش من ألأمهم حسباً وأقلّهم منصباً وأعظمهم لعنةً،ما أنت إلاّ شانئ محمّد فأنزل الله تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم إنّ شانئك هو الأبتر؛ثمّ هجوتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعين قافيةً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ إنّي لا أحسن الشّعر فالعنْه بكلّ قافية لعنة ...".

                  

 *** 

2- أقوال علي عليه السلام في مُعاويَة

   وإنّما قدّمت عليّاً عليه السلام للحديث الذي رواه البخاريّ وغيره وفيه قوله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام:" أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي " ؛فهذه منزلة عليّ عليه السلام التي ارتضاها له الله ورسوله،ومَن توهّم أنّ شهادة عليّ لا تُقبل في مُعاويَة لمَكان الخُصومة بينَهما فإنّه يجد الجواب عن ذلك مُستوْفىً لاحقاً إن شاء الله تعالى.

 قال ابن أبي الحديد[26]:ومن خطبة له عليه السّلام:ألا وإنّ الشّيطان قد جمع حزبَه،واستجلب خيلَه ورجلَه،وإنّ معي لبَصيرَتي ما لبستُ على نفسي،ولا لبسَ عليّ.وأَيْم

الله لأفرطنّ لهُم حوضاً أنا ماتحُه،لا يصدرون عنه،ولا يعودون إليه .

قال ابن أبي الحديد في شرح الخطبة:يمكن أن يعْنيَ بالشّيطان الشّيطانَ الحقيقيّ،ويمكن أن يعني به مُعاويَة،فإن عنى مُعاويَة، فقوله:" قد جمع حزْبَه واستجلب خيْلَه ورجلَه " كلامٌ جارٍعلى حقَائقه،وإنْ عنى به الشّيطان،كان ذلك من باب الاسْتعَارَة،ومأخُوذاً من قوْله تعالى:(واسْتفْززْمن استطعْتَ منْهمْ بصوْتك وأجلبْ عليهمْ بخيْلك ورجلك)،والرّجل:جمع راجل،كالشّرب،جمع شارب،والرّكب:جمع راكب .

قال ابن أبي الحديد[27]:ودعا عليّ عليه السلام على بُسْر فقال:اللهمّ إنّ بُسْراً باعَ دينَه بالدّنْيا،وانْتهكَ محارمَك،وكانت طاعةُ مخْلوق فاجر آثرَ عندَه ممّا

عندك؛اللهمّ فلا تُمتْه حتّى تسلبَه عقلَه،ولا توجبْ له رحمتَك ولا ساعةً من نهار،اللّهمّ الْعنْ بُسراً وعمراً ومُعاويَة وليحلّ عليهم غضبُك،ولتنزلْ بهم نقْمَتك وليُصبْهم بأسُك ورجزُك الذى لا تردُّه عن القوْم المُجرمين.

وفيه أيضاً[28]:فقال عليّ عليه السلام:أيّها النّاس،إنّي أحقُّ منْ أجاب إلى كتاب الله ولكن مُعاويَة،وعمرو بن العَاص،وابن أبي معيط،وابن أبي سرْح،وابن مسْلمَة

ليْسوا بأصْحاب دين ولا قُرآن،إنّي أعرَفُ بهمْ منْكم،صحبتُهم صغاراً ورجالاً،فكانُوا شرّ صغاروشرَّ رجَال،ويْحَكُم إنّها كلمَة حقّ يُرادُ بها بَاطلٌ! إنّهم ما رَفعُوها أنّهم يعْرفونَها ويعمَلون بها،ولكنّها الخديعةُ والوهنُ والمَكيدَة! أعيرُوني سواعدَكم وجماجمَكم ساعةً واحدةً،فقدْ بلغَ الحقُّ مقْطعَه،ولم يبْقَ إلاّ أن يُقطعَ دابرُ الذين ظَلمُوا .       

وقال في كتاب إلى مُعاويَة[29]:وأمّا اسْتواؤُنا في الحرْب والرّجَال فلستَ بأمْضى على الشّكّ منّي على اليَقين.وليسَ أهلُ الشّام بأحْرصَ على الدّنْيا منْ أهْل

العرَاق على الآخرَة.وأمّا قولُك إنّا بنُو عبد مناف فكذلك نحنُ.ولكنْ ليس أُميّةُ كهاشم،ولاحَرْبٌ كعبْد المطّلب،ولا أبوسُفْيان كأبي طالب[30]،ولا المهاجر

كالطّليق،ولا الصّريح كاللّصيق،ولا المُحقّ كالمُبْطل ولا المُؤمن كالمُدْغل . ولبئْسَ الخلَفُ خلَفٌ يتبعُ سَلفاً هوَى في نار جهنّم وفي أيدينا بعدُ فضلُ النّبوّة التي أذْللْنا بها العزيزَ ونعشْنا بها الذّليل.

وفي مصنّف ابن أبي شيبة[31]:[..] عبدالرحمن بن مغفل قال:صلّيت مع عليّ صلاة الغداة،قال:فقَنَتَ فقال في قُنُوته:"اللهم عليك بمعاوية وأشياعه وعمرو بن

العاص وأشـياعه وأبي الأعور السّلميّ وأشياعه وعبد الله بن قيس وأشـياعه.  

وقال عليه السلام[32]:ومتى كنتُم يا مُعاويَة ساسَةَ الرّعيّة وولاةَ أمْر الأمّة ؟ بغيْرقدم سابق ولا شرف باسق،ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشّقاء وأحذّرك أن تكونَ

مُتمادياً في غرّة الأمْنية مُختلفَ العلانيَة والسّريرة.

وفي جمهرة خطب العرب[33]:وولي عثمان رضي الله عنه فعمل بأشياء عابها النّاس عليه فساروا إليه فقتلوه ثمّ أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لي بايع فأبيتُ

عليهم فقالوا لي بايعْ فإنّ الأمّة لا ترضى إلاّ بك وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يفترق النّاس فبايعتُهم فلم يرعْني إلاّ شقاق رجلَيْن قد بايعاني وخلافُ مُعاويَة الذي لمْ يجْعل الله عزّوجلّ له سابقةً في الدّين ولا سلفَ صدْق في الإسْلام،طليق بن طليق،حزْب من هذه الأحزاب،لم يزلْ لله عزّوجلّ ولرسُوله وللمسْلمين عدوّاً هُو وأبُوه حتّى دخلا في الإسْلام كارهيْن.

وفيه[34]:انهدوا إليهم عليكم السّكينة والوَقَار،وقارالإسْلام وسيما الصّالحين فوالله لأقرب قوْم من الجهل قائدهم ومؤذّنهم مُعاويَة وابن النّابغة وأبو الأعورالسّلمى وابن

أبي معيط شارب الخمْرالمجْلود حدّاً في الإسْلام،وهم أولى من يقُومون فينقصُونني ويجدبُونني وقبْل اليوْم ما قاتَلُوني وأنا إذ ذاك أدعُوهم إلى الإسْلام وهم يدْعُونَني إلى عبَادة الأصْنام.

قال ابن أبي الحديد[35]:فلما بلغ عليّاً ( عليه السلام ) ما صنع مُعاويَة قال:

 يا عجبا لقدْ سمعْت منْكَرا     **    كذْباً على الله يُشيبُ الشّعرا

يسترقُ السّمْع ويُعشي البصَرا * * ما كان يرضي أحمد لو أخبرا

 أن يقْرنُوا وصيّه والأبتَرا    * * شاني الرّسول واللّعين الأخْزرا

والمقصودُ باللّعين الأخْزر مُعاويَة،ولو لم يكن مُعاويَة مستحقّاً للّعن لما لعنَه عليّ عليه السلام.

وقال البلاذري[36]:وانصرف أهل الشّام إلى مُعاويَة فسلّموا عليه بالخلافة وبايعُوه،ورجع ابنُ عبّاس وشُريْح بن هانئ إلى عليّ بالخَبر،فكان عليّ إذا صلّى

الغداة قَنَتَ فقال:اللهمّ العنْ مُعاويَة وعمْراً وأبا الأعْور،وحبيبَ بن مسْلمة وعبدَ الرّحمن بن خالد بن الوليد،والضّحاك بن قيس والوليد بن عقبة. فبلغ ذلك مُعاويَة فكان يلعن عليّاً والأشْتر،وقيْس بن سعْد والحسن والحسينَ وابن عبّاس وعبد الله بن جعْفررضي الله تعالى عنْهم .

ومن كلام لعليّ عليه السلام[37]:والله ما مُعاويَة بأدْهَى منّي ولكنّه يغدرُويفجرُ. ولولا كراهية الغدْر لكنتُ من أدْهى الناس،ولكن كلّ غدرة فجرة،وكلّ فجرة كفرة.ولكل

غادر لواءٌ يُعرفُ به يوم القيامة.والله ما أستغفل بالمكيدة،ولا أستغمز بالشديدة .

وقال ابن منظور[38]: في حديث عليّ رضوان الله عليه ودّ مُعاويَة أنّه ما بقيَ من بَني هاشم نافخ ضرْمَة أي أحدٌ لأنّ النّار ينفخُها الصّغيروالكبير والذّكروَالأنْثى.

تلكم كانت أقوال عليّ عليه السلام في معاوية وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدورمعه حيث دار" وقال أيضاً " عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ.."

                       

***

3 ـ أقوال صحابة وتابعين وآخرين جاءوا من بعدهم:   

ـ الحسن بن علي عليهما السلام :

كتب إليه الحسن[39]:فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية!على أمر لستَ من أهله،لا بفضل في الدّين معروف،ولا أَثَرفي الإسلام محمود وأنت ابن

حزب من الأحزاب،وابن أعْدى قريش لرسول الله،ولكتابه.

ـ عائشة بنت أبي بكر

قال الأبشيهي[40]:ودخل عليه الحسنُ يوماً وهو مضطجع على سريره فسلّم عليه وأقعده عند رجليه وقال ألا تعجب من قول أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تزعمُ

أنّي لست للخلافة أهلاً ولا لها موضعاً(اهـ).

وهذا قوْلُ مَن يُؤخذُ عنها نصْفُ الدّين،والتي كانت حليفاً لمعاوية في حرب عليّ إلى أن قتل معاوية أخوَيْها فقَلَبَتْ لَهُ ظهْر المجَنّ.

وفي السّيَر[41]:[..]عن الأسْود،قلت لعائشة:ألا تعْجبينَ لرجل من الطّلقاء ينازع أصحاب محمّد في الخلافة؟قالت وما يعجب؟هو سلطان الله يؤتيه البرّ والفاجر وقد ملَكَ فرعونُ مصرَ أربع مئة سنة.

ولا يخفى ما تضمّنه الكلام من تشبيه معاوية بفرعون.

صعصعة بن صوحان

قال لمعاوية[42]:ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير،ممَّنْ أجلبَ على النّبيّ صلى الله عليه وآله،إنّما أنت طليق وابن طليق أطلقكما النّبيّ،فأنّى تصحّ الخلافة

لطليق.

ـ  سعد بن أبي وقاص      

قال البلاذري في أنساب الأشراف[43]:حدّثني أبو مسعود الكوفيّ،عن ابن الكلبيّ،عن عوانة،عن أبيه قال:قال سعد بن أبي وقّاص لمُعاويَة في كلام جرى[بينهما]

:قاتلتَ عليّاً وقد علمتَ أنّه أحقّ بالأمر منْك؟! فقال مُعاويَة:ولمَ ذاك ؟قال:لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول[فيه] مَنْ كُنتُ مَوْلاهُ فَعَليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.ولفضله في نفسه وسابقته.قال:فما كنتَ قطّ أصغرَ في عيْني منْك الآن.قال سعد:ولمَ؟قال:لتَرْككَ نُصرَتَه وقُعُودك عنْه وقد علمْت هذا من أمره.

وقال الذّهبيّ في السّير[44]:وروى عمر بن الحكم:عن عوانة قال:دخل سعد على مُعاويَة،فلم يسلّم عليه بالإمرة،فقال مُعاويَة:لو شئت أن تقول غيرها لقلت.قال

فنحن المؤمنون ولم نؤمّرْك،فإنّك مُعجَب بما أنتَ فيه،والله ما يسرّني أنّي على الذي أنتَ عليه وأنّي هرقتُ محْجمَة دم .

ـ جرير بن عبد الله البجلي :

قال البلاذريّ [45]: ثمّ قام جريرفقال:ياأهل الشام إنّ مَن لم ينفعْه القليل لم ينفعْه الكثير،قد كانت بالبصرة ملحمة إن يسفح البلاء بمثلها فلا بقاء للإسلام بعدها

فاتّقوا الله وروؤا في عليّ ومُعاويَة وانظروا أين مُعاويَة من عليّ،وأين أهل الشّام من المهاجرين والأنصار،ثم انظروا لأنفسكم فلا يكون أحد أنظر لها منها.ثم سكتَ وسكتَ مُعاويَة فلم ينطقْ وقال: أبلعْني ريقي يا جَرير. فأمسكَ [ جرير].   

وفي كتاب من ابن عبّاس إلى عمرو بن العاص[46]:فإن كنت أردت الله بذلك،فدع مصروارْجعْ إلى بيتك فإنّ هذه حرب ليس مُعاويَة فيها كعليّ ،بدأها عليّ

بالحقّ ،وانتهى فيها إلى العُذر،وابتدأها مُعاويَة بالبغي فانتهى منها إلى السّرف،وليس أهل الشّام فيها كأهل العراق،بايع عليّاً أهلُ العراق وهوخيرٌ منهم،وبايع أهل الشّام مُعاويَة وهمْ خير منه،ولستَ وأنا فيها سواء؛أردتُ الله  وأردتَ مصر،فإن تردْ شرّاً لا يفتنا وإن تردْ خيرا لا تَسبقْنا [ إليه].

ـ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي

   في جمهرة خطب العرب ج1ص320:قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعيّ فقال:يا أميرالمؤمنين؛إنّ القوم لو كانوا اللهَ يريدون ولله يعملون ما خالفونا،ولكنّ القوم إنّما يقاتلوننا فراراً من الأسوة،وحبّاً للأثرة،وضنّاً بسلطانهم وكُرهاً لفراق دنْياهم التي في أيديهم،وعلى إحَن في نفُوسهم وعداوَة يجدونَها في صُدورهم لوقائع أوقعتَها يا أميرالمؤمنين بهم قديمَة، قتلتَ فيها آباءَهم وأعوانَهم.ثمّ التفت إلى النّاس فقال:كيف يبايعُ مُعاويَة عليّاً وقد قتلَ أخاه حنظلةَ وخالَه الوليدَ وجدّه عتبةَ في موقف واحد؟والله ما أظنّهم يفعلون ولن يستقيموا لكم دون أن تقصف فيهم قنا المران وتقطع على هامهم السّيوف وتنثر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمّة بين الفريقين....

وقال أيضا[47]:إن مُعاويَة ادّعى ماليس له،ونازع الأمرأهلَه ومن ليس مثله وجادل بالباطل ليُدحض به الحقّ،وصال عليكم بالأعراب والأحزاب،وزيّن لهم

الضّلالة وزرع في قلوبهم حبّ الفتنة،ولبّس عليهم الأمور وزادهم رجسا إلى رجسهم.وأنتم والله على نور وبرهان، قاتلوا الطّغام الجفاة.اهـ

ـ الحسن البصري :

   قوله المشهور في معاوية الذي أورده الزّمخشريّ في ربيع الأبرار:إنّ في معاوية لَثَلاثَ مُهلكات موبقات:غصب الأمّة أمرها،وفيهم بقايا من أصحاب النّبيّ،وولّى ابنَه سكّيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب بالطّنبور،وادّعى زياداً وولاّه العراق وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر،وقتَلَ حجْراً وأصحابَ حجر.ويل له من حجْر وأصحاب حجر"!

وقوله:أربع خصال كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة لكانت موبقة له :
(
1) أخذه الأمْرمن غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة.
(
2) استخلافه بعده ابنه سكّيرا خمّيرا يلبس الحرير ويضرب الطّنابير.
(
3) ادعاؤه زيادا وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر .
(
4) قتله حجرا وأصحاب حجر فيا ويْلاً له من حجر وياويلا له من حجر وأصحاب حجر[48].

ـ أبو القاسم البلخي:

قال ابن أبي الحديد[49]: قلت: قال شيخنا أبو القاسم البلخيّ رحمه الله تعالى : قول عمرو له:" دعني عنك " كناية عن الإلْحاد،بل تصريحٌ به،أي دعْ هذا الكلام لا

أصل له،فإنّ اعتقادَ الآخرة أنّها لا تُباع بعرَض الدّنْيا من الخرافات.وقال رحمه الله تعالى:وما زال عمْرو بنُ العاص مُلْحداً،ما تردّد قطّ في الإلحاد والزّندقَة وكان مُعاويَة مثلَه،ويكفي من تلاعُبهما بالإسْلام حديثُ السّرار المرويّ،وأنّ مُعاويَة عضّ أذن عمرو،أين هذا من سيرة عمر؟وأين هذا من أخلاق عليّ عليه السلام ،وشدّته في ذات الله،وهما مع ذلك يعيبانه بالدّعابة !اهـ

ـ عمرو بن العاص:

   قال عمرو[لمعاوية][50]:ليس كلّ ما ذكرت عظيما،أمّا ابن أبي حذيفة،فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه رجلاً يقتله أويأتيك به.  وإنْ قاتل لم

يضرّك.وأمّا قيصر فأهْد له الوَصائفَ وآنية الذّهب والفضّة  وسلْهُ المُوادعة فإنّه إليها سريع.وأمّا عليّ فلا والله يا مُعاويَة،ما يسوّي العربُ بينَك وبينَه في شيء من الأشياء،وإنّ له في الحرب لحظّاً ما هو لأحد من قُريْش،وإنّه لصاحب ما هُو فيه إلاّ أن تظلمَه.هكذا في رواية نصر بن مزاحم عن محمّد بن عبيد الله.

ـ السّهمي (ابن عمّ عمرو بن العاص):

قال ابن أبي الحديد[51]: قال نصْر وكان لعمرو بن العاص ابن عمّ من بني سهم،أريب،فلمّا جاء عمرو بالكتاب مسروراً عجبَ الفتَى وقال:ألا تُخبرني يا عمرو

بأيّ رأي تعيشُ في قُريْش!أعطيتَ دينَك وتمنّيت دنيا غيْرك!أترى أهلَ مصر ـ وهم قتلةُ عثمان ـ يدفعونَها إلى مُعاويَة وعليّ حيّ!أتراها إن صارت لمُعاويَة لا يأخذها بالحرف الذي قدّمه في الكتاب ؟ فقال عمرو:يا ابن أخي إنّ الأمر لله دون عليّ ومُعاويَة،فقال الفتى:

ألا يا هند أخت بني زياد * * رمي عمرو بداهية البلاد

إلى أن يقول:

أ لم تعرف أبا حسن عليّاً * * وما نالت يداه من الأعادي

عدلت به مُعاويَة بن حرب * * فيا بُعدَ البياض من السّواد !

ويا بُعد الأصابع من سُهَيْل * * ويا بُعد الصلاح من الفساد !

ـ عبد الله بن عبّاس

قال ابن عبّاس[52]:ابن عمّ النّبيّ وصهره،وأوّل ذَكَر صلّى معه،بدريّ قد شهد مع النّبيّ صلى الله عليه وآله كلّ مشاهده التي فيها الفضل،ومُعاويَة مُشرك كان يعْبد

الأصنام!والذي ملك الملك وحدَه وبان به وكان أهلَه لقد قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله وهو يقول صدق الله ورسوله ومُعاويَة يقول كذب الله ورسوله.فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصّبر والله إنّا لنعلم إنّكم لعلى حقّ وإنّ القوم لعلى باطل.

ـ عبد الله ابن الزبير

وقال أبو الفرج الأصفهاني[53]:قال الهيثم ثمّ إنّ ابن الزّبير مضى إلى صفيّة بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عُمرفذكرَ لها أنّ خروجَه كان غضباً لله تعالى

ورسوله والمهاجرين والأنصار من أَثَرة مُعاويَة وابنه وأهله بالفيء وسألها مسألته أن يبايعه...

ـ النجاشيّ الشّاعر

في الأخبار الطّوال للدينوري ص 161:

   فقولوا لكعب أخي وائل     ومن جعلَ الغثّ يوما سمينا

   جعلتم عليّاً وأشياعه      نظير ابن هنْد أما تستحُونا

ـ قيس بن سعد بن عبادة:

قال ابن خَلْدُون[54]:وكان له انْحياشٌ إلى عليّ في حروبه مع مُعاويَة وهو القائل لمُعاويَة بعد مهلك عليّ رضي الله عنه وقد عرّض به مُعاويَة في تشيّعه فقال والآن

ماذا يا مُعاويَة!والله إنّ القلوب التي أبْغضْناك بها لفي صُدُورنا،وإنّ السّيوف التي قاتلناك بها لعَلَى عوَاتقنا.

ـ وائل بن حجر

في تاريخ ابن خَلْدُون[55]:قدم وائل بن حجر راغباً في الإسْلام فدعا له ومسح رأسَه،ونُودي الصلاة جامعة سروراً بقُدُومه،وأمر مُعاويَة أن يُنزله بالحرّة.فمشى

معه وكان راكبا،ًفقال له مُعاويَة:اَعْطني نعْلك أتوقّى بها الرّمضاء فقال:ما كنتُ لألبسَها وقد لبستََها.وفى رواية: لا يبلغُ أهلَ اليمن أنّ سوقةً لبسَ نعْلَ مَلك.فقال: أرْدفْني قال:لستَ من أرْدَاف المُلوك.ثمّ قال:إنّ الرّمضاء قدْ أحرقت قَدَمي.قال: امْش في ظلّ ناقَتي كفَاك به شَرفا!ًويُقال إنّه وفدَ على مُعاويَة في خلافته فأكْرَمَه(اهـ).

فمُعاويَة في نظر هذا الملك من مُلوك اليمن " ليس منْ أرْداف المُلُوك "،وإنّما هو من " السوقة "و"لا ينبغي أن يبلغَ أهلَ اليمن أنّ سُوقَةً لبسَ نعْل ملك وكفاه شرفاً أن يمشي في ظلّ ناقة هذاالملك.وكلّ هذا يقوّي معنى"الصعلوك" في الحديث النبويّ الذي تقدّم ذكره.ولوكان لمعاوية شرف في الجاهلية أو صدْرالإسلام لما خفيَ على هذا المَلك من ملوك اليمن!

ـ محمّد بن مسلمة :

قال نصر في وقعة صفّين [56]:

فكتب إليه محمّد[بن مسلمة]:"أمّا بعد فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم مثل الذي في يدي.فقد أخبرني النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بماهو كائن قبل أن يكون،فلمّا كان كسرْتُ سيْفي،وجلسْتُ في بيْتي واتّهمت الرّأي على الدّين،إذْ لمْ يصحّ لي معروف آمرُ به،ولا منكَر أنْهى عنْه وأمّا أنت فلعمْري ما طلبتَ إلا الدّنْيا،ولا اتّبعْتَ إلاّ الهَوَى.فإن تَنْصُرْ عثمانَ ميْتاً فقد خذلتَه حيّاً.فما أخرجَني الله من نعْمة ولا صيّرَني إلى شكّ.إن كنَت أبصرتَ خلافَ ما تحبني به ومن قبَلَنا من المهاجرين والأنْصار،فنحنُ أوْلى بالصّواب منْك ".اهـ

ـ محمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة:

وقد ارتأيت إيراد رسالة محمّد بن أبي بكرإلى مُعاويَة بن أبي سُفْيان كاملةً كما جاءت في كتاب وقعة صفّين لنصربن مزاحم (ص118)،نظراً لكوْن الرّجل ابنَ خليفَة المُسلمين وأخا عائشة وعبد الرحمن،وإن يكن مُعاويَة خالَ المسلمين،فمحمّدُ بن أبي بكرأيضاً خالُهُم،وأينَ أمّ حبيبَة من عائشة عند المخالفين لأهل البيت عليهم السّلام؟!وفي الرسالة تُهمٌ واضحة لمُعاويَة في دينه،وإصرارٌمن محمّد بن أبي بكرأنّ أبا سُفْيان مات على غيرالإسْلام.وأنّ مُعاويَة ابنه خلفَهُ على ذلك،قال نصر :

وكتب محمّد بن أبي بكر إلى مُعاويَة بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي ابن صخرسلامٌ على أهل طاعة الله ممّن هو مسلم لأهل ولاية الله.أمّا بعد؛فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقُدْرته خلق خلقاً بلاعَنَت ولاضَعْف في قوّته،ولا حاجة به إلى خلْقهم،ولكنّه خلقَهم عبيداً،وجعل منْهم شقيّاً وسعيداً،وغويّاً ورشيداً،ثمّ اختارهم على علْمه،فاصطفى وانْتخَب منْهم نبيّه صلى الله عليه وسلم،فاختصّه برسالته،واختاره لوحْيه،وائْتَمَنَهُ على أمْره،وبعثَه رسولاً مصدّقاً لما بين يديْه من الكُتب،ودليلاً على الشّرائع،فدعا إلى سبيل ربّه بالحكْمة والموْعظَة الحسنَة،فكان أوّلَ من أجَاب وأنَاب،وصدّق ووافق وأسلم وسلّم - أخوه وابنُ عمّه علي بن أبي طالب عليه السلام،فصدّقه بالغيْب المكْتوم،وآثرَه على كلّ حَميم،فوقَاه كلَّ هوْل،وواساه بنفْسه في كلّ خوْف فحارَب حربَه،وسالَم سلمَه فلمْ يبْرَح مبتذلاً لنفْسه في ساعات الأزل ومقامات الرّوْع،حتّى برز سابقاً لا نظيرَ لهُ في جهاده،ولا مُقاربَ له في فعْله.وقدْ رأيتُك تُساميه وأنْتَ أنتَ.وهُوَ هُوَالمبرزالسّابق في كلّ خيْر،أوّل النّاس إسْلاماً،وأصدق النّاس نيّةً،وأطيبُ النّاس ذرّيّة،وأفضلُ النّاس زوْجةً،وخيرُ النّاس ابنَ عمّ.وأنت اللّعين ابن اللّعين.ثمّ لمْ تزلْ أنْتَ وأبُوك تبْغيَان الغوائلَ لدين الله،وتجْهدَان على إطفَاء نُورالله،وتجمعَان على ذلك الجُموعَ،وتبْذلان فيه المَالَ،وتخالفان فيه القبائل.على ذلك مات أبُوك،وعلى ذلك خلفْتَه،والشّاهد عليك بذلك مَن يأوي ويلجأ إليك من بقيّة الأحْزاب،ورؤوس النّفاق والشّقاق للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.والشاهد لعليّ مع فضله المُبين وسبْقه القَديم أنْصارُه الذين ذُكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم،من المهاجرين والأنصارفهُم معه عصائب وكتائب حوله،يجالدون بأسيافهم،ويهريقون دماءَهم دُونَه،يروْن الفضلَ في اتباعه،والشّقاءَ في خلافه،فكيف ـ يا لكَ الويْلُ ـ تعْدلُ نفسَك بعليّ وهووارثُ النّبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم،ووصيّه وأبُو ولده وأوّل النّاس له اتّباعاً،وآخرُهم به عهْداً،يُخْبرُه بسرّه ويُشْركُه في أمْره،وأنتَ عدُوّه وابنُ عدوّه؟!فتمتّعْ مااستطعتَ بباطلك،وليمددْ لكَ ابنُ العاص في غوَايَتكَ،فكأنّ أجلَك قد انْقَضى،وكيدَك قدْ وَهى.وسوفَ يستبينُ لمَن تكونُ العاقبةُ العُليا. واعلمْ أنّكَ[إنّما] تُكايدُ ربّكَ الذي قد أمنْتَ كيدَه وأيستَ منْ رَوْحه.وهُو لك بالمرْصاد ،وأنتَ منْه في غُرور،وبالله وأهْل رسوله عنْك الغناء،والسّلام على من اتّبع الهُدى (اهـ).

20- مُعاويَة بن أبي سُفْيان:

ويقول مُعاويَة عن نفسه كما في الآحاد والمثاني[57]عن ثابت مولى سُفْيان بن أبي مريم [قال سمعت مُعاويَة رضي الله تعالى عنه يقول] يا أيّها النّاس والله ما أنا

بخيركم وإنّ بينكم من هو خير منّي عبد الله بن عُمَر وعبد الله بن عَمْرو وغَيْرهُما من الأفاضل،ولكن عسى أنْ أكونَ أنفعَكم لكم ولايةً وأنكاكُم في عدوّكم وأدرَّكم حلباً(انتهى).

هذه شهادة مُعاويَة على نفسه والإقرار سيّد الأدلّة.

وقال أيضا كما في الآحاد والمثاني[58]:حدّثنا عمروبن عثمان أخبرنا أبي أخبرنا همام بن محمّد عمّن حدّثه أنّ مُعاويَة قام في جمعة شهدها فقال:ألا إنّ مَن زرعَ فقد

آن حصادُه،فقدْ بلغتُ سنّا ما بلغَها أحدٌ من أهْل بيْتي إلا هلَكَ.وأيْم الله ما أحسبُني أغبر فيكم إلاّ قليلاً ،ولا أراكُم تروْن بعدي إلاّ مَنْ هُو شرّ منّي كما لم يكُن قبْلي إلاّ مَنْ هُو خيْرٌ منّي (اهـ).

 21 ـ الحمانيّ الكوفي صاحب المسند الكبير:  

الحافظ الإمام الكبير أبو زكريّا ابن المحدّث الثّقة أبي يحيى الحمّاني الكوفيّ صاحب المسند الكبير.قال عن مُعاويَة بن أبي سُفْيان:إنّه مات على غير ملّة الإسْلام ! ذكر ذلك العقيلي.[59]

وهو [أي الحمانيّ] من رجال مسلم ووثّقه ابُن معين[60]!وقال عنه عمربن شاهين في تاريخ أسماء الثقات- ص159 تحت رقم(912):وأبو يحيى الحمانيّ ثقة

وابنه ثقة وأبو يحيى اسمه عبد الحميد.وقال أيضاً في(تاريخ أسماء الثقات ص270 تحت رقم 1657) حدّثني عمر بن أبي السّريّ الحافظ قال سمعت عبد الله بن محمّد بن منيع يقول كنّا على باب يحيى بن عبد الحميد الحمانيّ فجاء يحيى بن معين على بغلته فسأله أصحاب الحديث فأبى وقال جئت مسلّماً على أبي زكريّا فدخل ثمّ خرج فسألوه عنه فقال ثقة ثقة.

 

22- مُعاويَة بن يزيد بن مُعاويَة:

قال القندوزي[61]:وإنّ معاوية بن يزيد بن معاوية لمّا وليَ العهد صعد المنبر فقال:إنّ هذه الخلافة حبلُ الله تعالى،وإنّ جدّي معاوية نازع الأمرَ أهلَه ومَنْ هُو

أحقّ به منه عليّ بن أبي طالب،وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيّته،فصارفي قبره رهينا بذنوبه،ثم قلّد أبي الأمر وكان غير أهله،ونازع ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقصف عمره،وأبتر عقبه،وصارفي قبره رهيناً بذنوبه.ثمّ بكى وقال:(إنّ) من أعظم الأمور خسارةً علينا علمُنا بسوء مصرعه،وبئس منقلبه،وقد قتل عترة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأباح الخمر وخرب الكعبة،ولم أذُقْ حلاوةَ الخلافة،فلا أذُوقُ مرارَتها،ولا أتقلّدها فشأنكم في أمركم،والله لئن كانت الدنيا خيراً فقد نلْنا منْها حظّاً،وإن كانت شرّاً فكفى ذرّيّة أبي سفيان ما أصابوا منها(اهـ).

   وأورد الدّميري قريبا منه في حياة الحيوان،قال:إنّ معاوية بن يزيد قال على المنبر في مجتمع أهل الشام:ألا إنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من أولى به منه ومن غيره،لقرابته من النّبيّ صلى الله عليه وآله وعظم فضله وسابقته:أعظم المهاجرين قدرا "،وأشجعهم قلبا "،وأكثرهم علما،وأوّلهم إيماناً  وأشرفهم منزلة،وأقدمهم صحبته،ابن عمّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وصهره وأخوه،زوّجه ابنته فاطمة،وجعله لها بعلا "،باختياره لها،وجعلها له زوجة باختيارها له،أبو سبطيه سيّدي شباب أهل الجنة،وأفضل هذه الأمة،تربية الرسول،وابني فاطمة البتول من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية... إلى آخر كلامه.

 

23- عبد الرّزاق الصنعاني:

قال ياقوت في معجم البلدان :حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي قلت: عبد الرّزاق أكان يتشيّع ويفرط في التّشيّع؟ فقال أمّا أنا فلم أسمع منْهُ في هذا شيئاً ولكن كان رجلاً تعجبُه الأخبارُ.أنبأنا مخلد الشّعيريّ قال كنّا عند عبد الرّزاق فذكرَرجلٌ مُعاويَة فقال لا تقذّروا مجلسنا بذكْر ولد أبي سُفْيان.

24- محمّد بن عقيل الشافعي:

قال[62]:( فرقة) حكموا بفسقه وأوجبوا بغضه في الله وأجازوا لعنه ومنعوا من تسويده والتّرضّي عنه تعظيما له وإجلالاً وهم أهل الحقّ والهدى ورئيسهم

الأكبر يعسوب الدّين وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.(وفرقة) ثانية آنست من الحقّ جانبا وادركت من شعاع الحقيقة وميضاً،وعرفت مُعاويَة وفظاعةَ شأنِه وعظيمَ طغيانه وفاحشَ عصيانه،ولكن قامت لديهم شُبَه زخرفَها مُتقدموهم ونمّقها سابقوهم فأحجموا بسببها عن تفسيقِه وإعلانِ بغضِه ولم يجيزوا لأنفسهم ما اجازته الفرقة الأولى،زاعمين أنّ السّلامة في المسألة والنجاة في الاحتياط. وجمدوا على ذلك،وقعدوا عن الاجتهاد والبحث في إحقاق الحق وإبطال الباطل،وهذه الفرقة المرجوّ لها إن شاء الله الرّجوع إلى الصّواب والتنكّب عن مسالك الخطأ إذا انقشع بالبحث غبارُ الشُّبَه التي قامت لديهم وأزيح ستار التّمويه الملتبس عليهم،لاسيما إذا استحضروا قول الله تبارك وتعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".(وفرقة) ثالثة أطروه بما ليس فيه والبسوه غير لباسه،ووضعوا الأحاديث في فضله وانتحلوا له المناقب،وبدّلوا سيّئاته حسنات؛يُريدون أن يرفعوا له في الدّين علَماً وضعه الله،ويحاولون أن ينصبوا له من الحقّ لواءً نكسه الله عناداً للحقّ ومغالاةً في التّعصّب،لا يلتفتون إلى دليل،ولا يقبلون حُجّة، يدفعون المتواتر في شأنه بالتّأويل ويقابلون الآحاد بالتّضعيف ليُزهقوا روح الحقّ،وينعشوا روح الباطل،ولهم أتباع وأذناب منتشرون في نواحي الأرض ملأوا البقاع نعيقاً وافعموا اليفاع نهيقاً لاتجد لديهم عند البحث إلاّ الصّخب والسّباب،والنّفورعن سماع الحقّ والتّعصّب الصّرف لمقلَّديهم؛وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين.أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون.( وهؤلاء) لا كلامَ لنا معهم،ولا التفاتَ إلى هذرهم وهذيانهم،ولا اعتبار بخلافهم،ولانَظَر إلى تمحّلهم واتنحالهم،ولا طمع في هدايتهم.في آذانهم وقرٌعن سماع الحقّ وعلى أبصارهم غشاوة عن نور الهدى.أرأيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون.إن هم إلاّ كالأنعام بل أضلّ سبيلا.وليس جوابهم إلاّ إهاتنهم بالإعراض عنهم والسّكوت عند كلامهم فإنّما هم فئة الشّقاق والعناد وعبيد العصبيّة والهوى،إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأ نفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى ،يحسبون أنّهم على شيء ألا إنّهم هم الكاذبون (اهـ).

وهذا الكلام من طرف رجل شافعيّ المذهب يستحقّ عميق التّأمّل والتّدبّر،لأنّه يعبّرعن واقع تعيشه الأمّة منذ قرون،ولو لم تَردْ أحاديث في ذمّ مُعاويَة ولعْنه لكان الأمرُ سهلاً قابلا للأخذ والرّد،إنّما الثابت أنّ استخفاف مُعاويَة بالشّرع كان جليّاً لا يحتمل التّأويل عند أولي البصائر،وهو ممّا يؤكّد صحّة تلك الأحاديث ومناسبتها لحرص النّبيّ صلى الله عليه وآله على الأمّة ورحمته ورأفته بها."لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" .

وقال[63]:(فقد لعنَ اللهُ) جلّت عظمتُه في هذه الآيات المُفسدين في الأرض والقاطعين أرْحامهم ولعن المُؤْذين لله ورسوله ولعنَ الظّالمين مكرّراً ولعنَ المعتدين

والذين لا يتناهوْن عن المنْكر ولعن من قتَل مؤمناً متعمّداً ولعنَ من نقضَ الميثاق ولعن الأئمّة الدّاعين إلى النّار ولعن الكاذبين على ربّهم.(وقد لعَنَ)النّبيُّ صلى الله عليه وآله مَن أحدث حدثاً أوآوى مُحدثاً ولعنَ من ضارّ بمسلم أومَكَر به ولعَنَ من سبّ أصحابه ولعن الرّاشيَ والمرتشي والرائش ولعن من غَيّرَ مَنارَالأرض ولعَنَ السّارق ولعَنَ شارب الخمر ومُشتريَها وحاملَها والمحمولةَ إليه.وقال من يلعن عمّاراً لَعَنَهُ الله ولعَنَ من وليَ من أمر المسلمين شيئا فأمّرعليهم أحداً مُحاباةً ولعَنَ مَنْ أخاف أهل المدينة ظُلما.(وأيّ صفة) من هذه الصّفات لم يتلبّس بها ذلك الطّاغية حتّى يفلت من دخوله تحت عُمومها والعمل بما جاء في كتاب الله تعالى والتأسّي بالنّبيّ صلى الله عليه و آله مطلوبٌ ومشروعٌ ( قال الله تعالى) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية وكذا التأسي بالملائكة لأنّهم معصومون. اهـ

25- سيد قطب:

قال سيد قطب في كتابه كتُبٌ وشخْصيّات:(إنّ معاوية وزميله عمراً لم يغلبا عليّاً لأنّهما أعرف منه بدخائل النّفوس وأخبر منه بالتّصرّف النّافع في الظّرف المناسب ولكن لأنّهما طليقان في استخدام كلّ سلاح ،وهو مُقيّد بأخلاقه في اختيار وسائل الصّراع،وحين يركن معاوية وزميله الى الكذب والغشّ والخديعة والنّفاق والرّشوة وشراء الذّمم لايملك عليّ أن يتدلّى الى هذا الدرك الأسفل فلا عجب ينجحان ويفشل وإنّه لفشل أشرف من كل نجاح.

26- حامد حفني داود[64]:

قال:ونحن نرى أنّ انتصار معاوية على الإمام إنّما هو صورة من صور الثأر والتآمر التى نزع إليها الشّرك بعد أن غلبه الإسلام،فيه على حدّ تعبيرنا قصاص المُتَمَسْلمين و أدعياء الإسلام من المسلمين المؤمنين حقّاً . . وهم الذين قتلوا آباءهم وأجدادهم من أجل الحق وإعلاء كلمة الاسلام.

وقال أيضاً [65]:ثمّ اجتهد(معاوية) في المطالبة بدم عثمان،كما اجتهدت أمّ المؤمنين من قبل،ولكنّ اجتهاده لم يكن لأجل مصلحة الجماعة الإسلاميّة ولا لأ جل

المعاني الإنسانيّة،وإنّما ليجد من وراء ذلك القصد مطيّة رخيصة يصل بها إلى منصب الخلافة عنوة - فكان اجتهاده باطلاً،وذلك أسوأ مراتب الاجتهاد إن صحّ لنا أن نسمّي ذلك النّوع اجتهاداً وأصاب عليّ حين نبّه الجماعة الإسلاميّة إلى بطلان معاوية في موفقه فأصاب وأصاب كل من انحاز إلى جماعته،على حين أساء معاوية إلى الجماعة الإسلاميّة وكذلك أساء كل من سلك مسلكه وورد مورده فما من محارب قُتل في جيش عليّ رضي الله عنه دفاعا عن مُثُله ومَبادئه إلاّ وهو شهيد مجتهداً كان أو مقلّداً،وما من محارب قُتل في جيش معاوية دفاعاً عن مزاعمه إلاّ وهو عاص مجتهداً كان أو مقلداً ذلك لأنّه من الفئة الباغية التى قتلت عمّار بن ياسر كما نصّ عليه الحديث النبويّ.

 موقف الخليفة العباسي ( المعتضد ) :

قال الطبري[66]: في هذه السنة [ أي سنة 284] عزم المعتضد بالله على لعن معاوية بن أبى سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس

فخوّفه عبيد الله بن سليمان بن وهب اضطرابَ العامّة وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة فلم يلتفت إلى ذلك من قوله وذكر أنّ أول شئ بدأ به المعتضد حين أراد ذلك الأمر بالتقدّم إلى العامّة بلزوم أعمالهم وترك الاجتماع والقضيّة والشّهادات عند السّلطان إلاّ أن يسئلوا عن شهادة إن كانت عندهم وبمنع القصّاص من القعود على الطّرقات وعملت بذلك نسخ قرئت بالجانبين بمدينة السّلام في الأرباع والمحالّ والأسواق فقرئت يوم الأربعاء لستّ بقين من جمادى الأولى من هذه السّنة ثمّ منع يوم الجمعة لأربع بقين منها القصّاص من القعود في الجامعين ومنع أهل الحلَق في الفتيا أو غيرهم من القعود في المسجدين ومنع الباعَة من القعود في رحابهما وفى جمادى الآخرة نودي في المسجد الجامع بنهي النّاس عن الاجتماع على قاصّ أو غيره ومنع القصّاص وأهل الحلَق من القعود وفى يوم الحادي عشر وذلك يوم الجمعة نودي في الجامعين بأنّ الذّمة بريئة ممّن اجتمع من النّاس على مناظرة أو جدل وأنّ من فعل ذلك أحلّ بنفسه الضّرب وتقدّم إلى الشّراب والذين يسقون الماء في الجامعين ألاّ يترحّموا على معاوية ولا يذكروه بخير وتحدّث النّاس أنّ الكتاب الذى أمر المعتضد إنشاءه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر فلمّا صلّى النّاس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يُقرأ.[67]                    

 


[1] إشارة إلى الآية (70) من سورة الإسراء: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا .

 [2] أنساب الأشراف ( الكبير ) ج5 ص134 دار الفكر للطبع والنشر والتوزيع 1996 تحقيق سهيل زكار و الدكتور رياض زركلي

[3] جؤنة العطار ـ أحمد بن الصديق الغماري ـ ج2ص154

[4] النصائح الكافية لمحمّد بن عقيل ص 125- والحديث أحرجه احمد في مسنده ج4ص421 مؤسسة قرطبة وأبو يعلى ج13ص430 دار المأمون للتراث دمشق 1404هـ

[5] القائل هو محمد بن عقيل الشافعيّ

[6] مكتبة الرشد الرياض1409 

[7] دار الكتاب العربي1407

[8] مؤسسة قرطبة مصر

[9] مؤسسة علوم القرآن بيروت1409

[10] دار الحرمين القاهرة1415

[11] دار المأمون دمشق 1404

[12] مكتبة العلوم والحكم الموصل1404

[13] دار الرسالة بيروت1412

[14] دار الكتب العلمية1995

[15] دارالفكر1409

[16] دار الوعي حلب

[17] مكتبة الغرباء المدينة1412

[18] دار القادري بيروت 1411

[19] مكتب المطبوعات الإسْلاميّة حلب 1402

[20] مكتبة ابن تَيْميَة القاهرة 1406هـ

 [21] مجمع الزوائد ـ الهيثمي ـ ج 9 ص 406  

[22] لفظ الحديث في صحيح البخاري ج 1 ص 115: حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن مختار قال حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال لى ابن عباس ولابنه على انطلقا إلى ابى سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم انشأ يحدثنا حتى اتى ذكره بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال يقول عمار اعوذ بالله من الفتن .

[23] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 4 ص 108

[24] سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 3ص 149

[25] المحصول - الرازي ج 4 ص 340

[26] شرح نهج البلاغة ج 1 ص 239

[27] شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ج 2ص 18

[28] شرح نهج البلاغة ج 2 ص 216

[29] نهج البلاغة ج 3ص 17  

[30] يُستفاد من هذا أنّه لو كان أبو طالب مات على الكفر كما يدّعي خصوم أهل البيت عليهم السلام ، وكان أبو سفيان مات على الإسلام لما جاز لعليّ عليه السلام أن يفضّل أبا طالب عليه، ولما فوّتها معاوية أيضاً.وإنّما ظهر القول بكفر أبي طالب ـ والعياذ بالله ـ في زمن المنصور العباسي حتى يُوهم الناس أنّه ابن العمّ المؤمن (العبّاس) وأنّ ألفاطميين أبناء العمّ غير المؤمن، وقد كانت حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله أهمّ عند أبي طالب من حياة أبنائه، وأشعارُه في مدح النبي (صلى الله عليه وآله معلومة، ولو كان على غيرعقيدته لاتخذ موقفاً مشابهاً لموقف أبي لهب. 

[31] المصنّف ـ ابن أبي شـيبة ـ ج2 ص 216

[32] في نهج البلاغة ج 3 ص 11

[33] جمهرة خطب العرب ج1ص336

[34] جمهرة خطب العرب ج1ص349

[35] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ـ ج 2 ص69

[36] أنساب الأشراف- البلاذري ص 351

[37] نهج البلاغة ج 2 ـ ص 180

[38] لسان العرب ج3ص63

[39] مقاتل الطالبيين ـ الأصفهاني ص35 وشرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ج16ص34

[40] المستطرف في كل فن مستظرف ج1ص351

[41] سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 3 ص 143

[42] مروج الذهب ـ المسعودي ـ ج3 ص50 ط  دار السعادة سنة 1377.

 [43] أنساب الأشراف ـ البلاذري ـ [هامش ص 109 ] تحقيق محمد باقر المحمودي

[44] سيرأعلام النبلاء ج 1ص 122

[45] أنساب الأشراف- البلاذري ص 284

4أنساب الأشراف- البلاذري ص 308

 

[47] جمهرة خطب العرب ج1ص352

[48] الخلافة والملك ـ أبو الأعلى المودودي ـ ص106

[49] شرح نهج البلاغة ج 2 ص 65

[50] شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ج 2ص 64

[51] شرح نهج البلاغة ج 2ص 68

[52] جمهرة خطب العرب ج1ص351

[53] الأغاني ـ الأصفهاني ج1ص28

[54] تاريخ ابن خَلْدُون ج 2ص 294

[55] تاريخ ابن خَلْدُون ج 2ص56

[56] وقعة صفين ـ نصر بن مزاحم المنقري ـ ص 76

[57] الآحاد والمثاني ـ ابن أبي عاصم ـ ج 1ص 377

[58] الآحاد والمثاني  ج1 ص 379

1 ـ ضعفاء العقيلي ـ ج 4 ص 414: حدثني أحمد بن محمد بصدقة قال سمعت زياد بن أيوب دلويه سمعت يحيى بن عبد الحميد يقول مات معاوية على غير ملة الاسلام .

2 ـ في الثقات - ابن حبان ـ ج 7 ص 121 : أبويحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن الذي يقال له بشمين وحمان من تميم يروى عن الاعمش وابن أبى خالد روى عنه ابنه يحيى بن عبد الحميد وكان يحيى بن معين يقول الحمانيّ وأبوه ثقات.أقول: وهذا الموقف من معاوية هو الذي جعل الجوزجاني يقول عنه كما في تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي ج 14 ص 181 : " يحيى بن عبد الحميد ساقط متلون ترك حديثه فلا ينبعث ".

 

3 ـ ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي - ج 3 ص 36

[62] النصائح الكافية- محمّد بن عقيل ص 21

[63] النصائح الكافية- محمد بن عقيل الشافعي ـ ص 25

[64] نظرات في الكتب الخالدة- حامد حفني داود ص48دار العلم مطبوعات النجاح القاهرة1399

[65] نظرات في الكتب الخالدة- حامد حفني داود ص 151 دار العلم مطبوعات النجاح القاهرة1399

[66] تاريخ الطبري ج 8 ص 182ـ190.

[67] جاء في الكتاب المذكور ما يلي: ـ إلى قوله :ومنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه فدافع بأمره واعتلّ بطعامه فقال النّبيّ لا أشبع الله بطنه فبقي لا يشبع ويقول والله ما أنزل الطعام شبعا ولكن أعيا ومنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال يطلع من هذا الفجّ رجل من أمّتى يحشر على غير ملّتى فطلع معاوية ومنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم معاوية على منبرى فاقتلوه ومنه الحديث المرفوع المشهورأنّه قال إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي يا حنّان يا منّان الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ومنه انبراؤه بالمحاربة لأ فضل المسلمين في الإسلام مكاناً وأقدمهم إليه سبقا وأحسنهم فيه أثراً وذكراً عليّ بن أبي طالب ينازعه حقّه بباطله ويجاهد أنصاره بضُلاّله وغُوَاته ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يُحَاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره المشركُون؛يستهوي أهل الغباوة ويموّه على أهل الجهالة بمَكْره وبَغْيه الذين قدّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم الخبرعنْهما فقال لعمّار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنّة ويدعونك إلى النّار مؤثراً للعاجلة كافراً بالآجلة خارجاً من ربقة الإسلام مستحلاًّ للدّم الحرام حتّى سفك في فتنته وعلى سبيل ضلالته ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذّابين عن دين الله والنّاصرين لحقّه مجاهدا لله مجْتهدا في أن يُعصى الله فلا يطاع وتبطل أحكامه فلا تقام ويخالف دينه فلا يدان وأن تعلوَ كلمة الضّلالة وترتفعَ دعوةُ الباطل وكلمة الله هي العليا ودينه المنصور وحكمه المتّبَع النّافذ وأمره الغالب وكيد من حادّه المغلوب الدّاحضُ حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما اتبعها وتطوّقَ تلك الدّماء وما سفك بعدها وسنّ سنن الفساد التى عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها واغترّه الإملاء واستدرجه الإمهال واللهُ له بالمرصاد.ثمّ ممّا أوجب الله له به اللّعنة قتلُه من قتلَ صبراً من خيار الصّحابة والتّابعين وأهل الفضل والدّيانة مثل عمروبن الحمق وحجر بن عديّ فمن قتل أمثالهم في أن يكون له العزّة والملك والغلبة ولله العزّة والملك والقدرة والله عز وجل يقول( ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) ومما استحقّ به اللّعنة من الله ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة جرأة على الله والله يقول " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " والنّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول ملعون من ادّعى إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مواليه ويقول الولدُ للفراش وللعاهر الحجرُ فخالف حكمَ الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم جهاراً وجعل الولدَ لغير الفراش والعاهر لا يضرّه عهره فأدخل بهذه الدّعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أمّ حبيبة زوجة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفى غيرها من سفور وجوه ما قد حرّمه الله وأثبت بها قربى قد باعدها الله وأباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الإسلام خلل مثله ولم ينل الدّين تبديل شبهه ومنه إيثاره بدين الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبّر الخمّير صاحب الدّيوك والفهود والقرود وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسّطوة والتّوعيد والإخافة والتّهدّد والرّهبة وهو يعلم سَفَهَهُ ويطّلع على خبثه ورهقه ويعاين سكرانه وفُجورَه وكُفرَه فلما تمكّن منه ما مكّنه منه ووطّأه له وعصى الله ورسوله فيه طلب بثأرات المشركين وطوائلهم عند المسلمين فأوقع بأهل الحرّة الوقيعة التى لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش مما ارتكب من الصّالحين فيها وشفى بذلك [عبد] نفسه وغليله وظنّ أن قد انتقم من أولياء الله وبلغ النّوى لأعداء الله فقال مجاهرا بكُفره ومُظهرا لشرْكه ليت أشياخى ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل قد قتلنا القرم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل فأهلّوا واستهلّوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تسل لست من خندف إن لم أنتقم * من بنى أحمد ما كان فعل * لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل .هذا هو المروق من الدّين وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله ثمّ من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع موقعه من النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومكانه منه ومنزلته من الدّين والفضل وشهادة النّبيّ صلى الله عليه وسلم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة اجتراءً على الله وكفراً بدينه وعداوةً لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانةً بحُرمَته فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كّفار أهل التّرك والدّيلم لا يخاف من الله نقمةً ولا يرقب منه سطوةً فبترَ الله عمرَه واجتثّ أصلَه وفرعَه وسلَبَه ما تحْت يده وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من الله بمعصيته؛هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكامه واتّخاذ مال الله دولاً بينهم وهدم بيته واستحلال حرامه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم إيّاه بالنيران لا يألون له إحراقاً وإخراباً ولما حرّم الله منه استباحة وانتهاكا ولمن لجأ إليه قتلاً وتنكيلاً ولمن أمنَهُ الله به إخافةً وتشريداً حتى إذا حقّت عليهم كلمةُ العذاب واستحقّوا من الله الانتقامَ وملأوا الأرض بالجَوْر والعُدوان وعمّوا عباد الله بالظّلم والاقْتسَار وحلّت عليهم السّخطةُ ونزلتْ بهم من الله السّطوةُ أتاح الله لهم من عترة نبيّه وأهل وراثته مَن استخلصَهم منهم بخلافَته مثل ما اتاح الله من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين فسفكَ الله بهم دماءَهم مرتدّين كما سفكَ بآبائهم دماءَ آباء الكفَرَة المشْركين وقطع الله دابرَ القوم الظالمين والحمد لله رب العالمين ومكّن الله المستضعفين وردّ الله الحقَّ إلى أهله المستحقّين كما قال جلّ شأنه " ونريد أن نَمُنَّ على الذين استُضعفُوا في الأرض ونجعلهم أئمّةً ونجعلَهم الوارثين " واعلمُوا أيّها النّاس أنّ الله عزّ وجلّ أنّما أمر ليُطاع ومثّل ليتمثّل وحكَمَ ليقبل وألزمَ الأخذَ بسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم ليُتّبع وإنّ كثيراً ممّن ضلّ فالتَوى وانتقلَ من أهْل الجهالَة والسّفَاه ممّن اتّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله وقد قال الله عزّ وجلّ " قاتلُوا أئمّة الكُفر " فانتهُوا معاشرَ النّاس عمّا يُسخط الله عليكم وراجعوا ما يُرضيه عنْكم وارضوا من الله بما اختارَ لكُم والْزَمُوا ما أمَركُم به وجانبوا ما نهاكُم عنه واتّبعوا الصراط المستقيم والحجّةَ البيّنة والسُّبُلَ الواضحة وأهلَ بيت الرّحمة الذين هداكم الله بهم بديئاً واستنقَذَكُم بهم من الجوْر والعُدوان أخيراً وأصارَكم إلى الخفْض والأمْن والعزّ بدوْلَتهم وشملكم الصّلاح في أدْيانكُم ومعايشكُم في أيّامهم والْعَنُوا مَنْ لَعَنَهُ اللهُ ورَسُولُهُ وفَارقُوا من لا تنالُون القُربَة من الله إلاّ بمُفارقَته اللّهم الْعنْ أبا سُفيان بنَ حرْب ومُعاويةَ ابنَه ويزيدَ بن معاويةَ ومروانَ بنَ الحَكَم وولدَه اللّهمّ الْعنْ أئمّة الكفْر وقادةَ الضّلالة وأعداءَ الدّين ومُجاهدي الرّسول ومُغيّري الأحكام ومُبدّلي الكتاب وسفّاكي الدّم الحرام .اللّهمّ إنّا نتبرّأ اليك من مُوالاة أعدائك ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت " لا تجد قوماً يُؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حادّ الله ورسولَه " يا أيّها النّاس اعرفوا الحقّ تعرفوا أهلَه وتأمّلوا سبُل الضّلالة تعرفُوا سابلَها فإنّه إنّما يبيّن عن النّاس أعمالهم ويلحقهم بالضّلال والصّلاح آباؤهم فلا يأخذكم في الله لومة لائم ولا يميلن بكم عن دين الله استهْواءُ من يسْتهْويكم وكيدُ من يَكيدُكم وطاعةُ مَن تُخرجكم طاعتُه إلى معْصيَة ربّكم .أيّها النّاس بنا هداكُم الله ونحن المُسْتحْفظُون فيكم أمرالله ونحن ورثة النّبيّ والقائمون بدين الله فقفُوا عند ما نَقفُكم عليه وأنْفذُوا لما نأمرُكم به فإنّكم ما أطعتم خلفاء الله وأئمّة الهُدى على سبيل الإيمان والتّقوى أمير المؤمنين يستعصمُ الله لكم ويسأله توفيقَكم ويرغبُ إلى الله في هدايتكم لرشدكُم وفى حفظ دينه عليكم حتى تلقَوْه به مستحقّين طاعتَه مستحقّين لرحمَته والله حسبُ أمير المؤمنين فيكم وعليه توكُّلُه وبالله على ما قلّده من أموركم استعانتُه ولا حولَ لأمير المؤمنين ولا قوّة إلا بالله والسّلام عليكم وكتب أبو القاسم عبيد الله بن سليمان في سنة 284.

 

.. قبل ..        .. الرئيسية ..         .. بعد ..