.. الفصل الثالث مُعاويَة بن أبي سُفْيان ..

 

 مُعاويَة بن أبي سُفْيان :

 قال السيوطي[1]:

مُعاويَة بن أبي سُفْيان صخرِ بنِ حربِ بن أُميّةَ بن عبدِ شمس بنِ عبدِ مناف بنِ قصيّ الأمويُّ أبوعبد الرحمن،أسْلمَ هُووأبوه يومَ فتْح مكّة وشهدَ حنيناً وكان من المؤلّفة قلُوبهم ثمّ حسُن إسلامه.وكانَ أحدَ الكتّاب للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم.رُويَ له عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مائةُ حديث وثلاثةٌ وستّون حديثاً روى عنْه من الصّحابة ابنُ عبّاس وابْنُ عُمر وابْنُ الزّبيْروأبُو الدّرْداء وجريرُ البَجَليّ والنّعمانُ بنُ بشير وغيْرُهم ومن التّابعين ابنُ المسيّب وحميدُ بنُ عبْد الرحمن وغيرُهما وكانَ من الموْصُوفين بالدّهاء والحلْم.وقدْ وردَ في فضْله أحاديثُ قلّما تثْبُت.أخْرج التّرمذيّ وحسّنهُ عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصّحابيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لمُعاويَة اللهمّ اجعلْه هادياً مهديّاً(اهـ).

أقول:يعنون بالحلْم الصّفْحَ والتّجاوزعمّن أساء وتعدىّ،وعدمَ الرّجوع إلى اللّوم والتّثريب بعد ذلك الصّفح.فليت شعرى كيف يوصف بهذا من ظلّ يلعن ابنَ عمّ النبي صلى الله عليه وآله بعد شهادته عشرين سنة،وأمرالنّاس بفعل ذلك في الأمْصارالقريبة والنائية،وأوصى بني أميّة بفعله؛ولوأنّه تمكّن من العثورعلى البدن الشّريف لعليّ عليه السلام لأحرقه بالنّار!وكيف يُوصَفُ بالحلْم من كان يدْفن مُحبّي عليّ عليه السلام وشيعتَه أحياءً!إنّ الحليم هوالذي قال لأعدائه حين ظَفرَبهم:اذهبوا فأنتم الطلقاء.والحليم أيضاً من قال لأعدائه بعد أن ظفر بهم يوم الجمل:اذهبوا فأنتم الطلقاء.وأمّا مَن أقامَ مع الحسن بن عليّ عليهما السّلام صُلحاً مِنْ بيْن بُنوده ألاّ يتعرّض شيعةُ عليّ عليه السلام لأيّ ضرر ثُمّ نَكث وتتبَّعهُم في كل مكان قتلا وصلباً وسجناً فإنّ وصفه بالحلْم من الزّور المبين.  

وفي المستطرف[2]: دخل شريك بْن الأعورعلى مُعاويَة وكان دميماً فقال له مُعاويَة:إنك لدميم والجميلُ خيرٌمن الدّميم،وإنّك لشريك ومالله من شريك وإنّ أباك

لأعْوروالصحيحُ خيْرمن الأعور،فكيف سُدْتَ قومَك؟ فقال له:إنّك  مُعاويَة وما مُعاويَة إلا كلْبة عوَتْ فاسْتعْوَت الكلاب وإنك لابنُ صخْر والسّهْل خيْر من الصّخْروإنّك لابْن حرْب والسّلْم خيْرمن الحرْب وإنّك لابْن أُميّة وما أُميّة إلاّ أمَة صُغّرتْ فكيفَ صرْتَ أميرَ المؤمنين ثُم خرج وهو يقول:

 أيشْتمُني مُعاويَة بْن حرْب      وسيْفي صارمٌ ومَعي لسَاني

 وحوْلي منْ ذوي يَزَن لُيوثٌ     ضَراغمةٌ تهشُّ إلى الطّعَان

  يُعيّرُ بالدّمامة من سفَاهٍ       وربّات الحجَال منَ الغَوَاني 

 وفي المستطرف أيضاً[3]:وقال[أي معاوية] يوماً لجارية بن قدامة ما كان أهونَك على قوْمك إذْ سمّوك جارية فقال، ما كان أهونك على قومك إذ سمّوْك مُعاويَة

وهي الأنْثى من الكلاب!قال اسكتْ لا أمّ لك قال أمّ لي ولدتْني أمَا والله إنّ القلوبَ التي أبْغضْناكَ بها لبيْن جَوانحنا والسّيُوف التي قاتلناك بها لفي أيْدينا وإنّك لم تهْلكْنا قسْوةً ولمْ تمْلكْناعنْوةً ولكنّك أعطيْتنا عهْداً وميثاقاً وأعطيناك سمْعاً وطاعةً فإنْ وفيْت لنا وفيْنا لك وإن نزعْت إلى غيْر ذلك فإنّا تركْنا وراءَنا رجالاً شداداً وأسنّة حداداً فقال مُعاويَة لا أكثر الله في النّاس مثلك يا جارية فقال له قُلْ معْروفاً فإنّ شرّ الدّعاء مُحيطٌ بأهْله.

   ***

1- نسب مُعاويَة:                      

قال ابن أبي الحديد[4]:ومُعاويَة هو أبو عبد الرحمن مُعاويَة بن أبى سُفْيان صخر بن حرب بن أُميّة ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى.وأمّه هنْد بنت عتبة

بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى.وهى أمّ أخيه عتْبة بن أبى سُفْيان.فأما يزيد بن أبى سُفْيان،ومحمّد بن أبى سُفْيان،وعنبسة بن أبى سُفْيان،وحنظلة بن أبى سُفْيان،وعمروبن أبى سُفْيان،فمن أمّهات شتّى.وأبو سُفْيان هوالذى قاد قُريْشا في حروبها إلى النّبيّ صلى الله عليه وآله وهورئيس بنى عبد شمس بعد قتل عتْبة بن ربيعة ببدر،ذاك صاحب العيروهذا صاحب النّفير،وبهما يضرب المثل،فيقال للخامل:" لا في العير ولا في النفير " .

وقال أيضاً[5]:قال الزّمخْشريّ في كتاب " ربيع الأبرار":كان مُعاويَة يُعْزى إلى أرْبعة:إلى مسافر بن أبي عمْرو،وإلى عمارةَ بن الوَليد بن المُغيرة وإلى العبّاس

بن عبْد المطلب،وإلى الصّبّاح،مُغنّ كانَ لعمارة بن الوليد.قال:وقد كان أبو سُفْيان دميماً قصيراً،وكان الصّبّاح عسيفاً لأبي سُفْيان،شابّاً وسيماً فدعتْهُ هنْدُ إلى نفسها فغَشيَها.وقالوا:إنّ عتْبة بْن أبى سُفْيان منَ الصّبّاح أيضاً وقالوا:إنّها كرهتْ أنْ تدعهُ في منْزلها،فخرجتْ إلى أجْياد،فوضعتْه هُناك . وفى هذا المعْنى يقول حسّان أيامَ المُهاجاة بيْن المسلمين والمشركين في حياة النّبيّ صلى الله عليه وآله قبل عام الفتح :

   لِمَنِ الصّبىُّ بِجَانِبِ البَطْحَا  في التُّرْب مُلْقىً غَيْرَ ذى مَهْد

   نَجلَتْ به بيْضاءُ آنسَةٌ     منْ عبْد شَمْسٍ صَلْتَةُ الخَدّ

 وفي "حمامة" جدّة مُعاويَة كلامٌ يُنْبئُ عَنْ رُسُوخ هذه العائلة في الفسْق والفُجور،قال البلاذريّ[6]:وحدثني عبّاس بن هشام الكلبيّ،عن أبيه قال: دخَل عقيل على

معاوية فقال له:ياأبا يزيد أيّ جدّاتكم في الجاهليّة شَرّ؟قال حَمَامَة. فوَجمَ مُعاوية[7].قال هشام:وحمامة جدّة أبي سفيان وهي منْ ذوات الرّايات في الجاهليّة.المدائني،عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال:قال معاوية لعقيل بن أبي طالب:ماأبْينَ الشّبق[8] في رجالكم يا بني هاشم؟!قال:لكنّه في نسائكم يا بَني أميّة أبْيَن!  

 قال ابن أبي الحديد في الشرح [9]:ثم غدا[أي عقيل]عليْه يوماًً بعد ذلك،وبعْد وفاة أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام،وبيْعة الحسن لمُعاويَة،وجُلساءُ مُعاويَة

حوْله فقال:ياأبايزيد،أخبرْني عنْ عسْكَري وعسْكر أخيك،فقد وردْتَ عليهما،قال  أخبرُك،مررْتُ والله بعَسكرأخي،فإذا ليْلٌ كليْل رسول الله(صلى الله عليه وآله)،ونهارٌ كنَهاررسول الله صلى الله عليه وآله،إلاّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ليس في القوْم،مارأيتُ إلاّ مُصلّياً،ولا سمعتُ إلاّ قارئاً.ومررْتُ بعسْكرك فاستقبَلني قوْم من المُنافقين ممّن نفرَ بالنّبيّ ليلةَ العقَبة،ثمّ قال:من هذا عن يَمينك يا مُعاويَة؟ قال:هذاعمْرو بْن العاص،قال:هذا الذي اخْتصمَ فيه ستّةً نفَر،فغلب عليه جزّارقُريْش:فمَن الآخر؟ قال:الضّحاك بن قيْس الفهْري قال:أماوالله لقد كان أبوه جيّد الأخذ لعسب التّيُوس،فمن هذا الآخر؟قال أبوموسى الأشعريّ،قال:هذاابنُ السّرّاقة[!]،فلمّا رأى مُعاويَة أنّه قدْ أغضبَ جلساءَه،علمَ أنّه إن استخْبره عنْ نفْسه،قال فيه سُوءاً،فأحبّ أنْ يسأله ليقولَ فيه ما يعلمُه من السوء،فيُذْهب بذلك غضبَ جلسائه،قال:يا أبا يزيد،فما تقول فيّ ؟ قال:دعْني من هذا!قال: لتقولنّ،قال: أتعرفُ حمامة ؟قال:ومَن حمامة يا أبا يزيد ؟ قال: قد أخْبرتُك،ثمّ قام فمضى،فأرسلَ مُعاويَة إلى النّسابة فدعاهُ فقال:من حَمامة؟قال وليَ الأمانُ! قال:نعم،قال:حمامةُ جدّتُك أمّ أبي سُفْيان كانتْ بغيّاً في الجاهليّة صاحبةَ رايَة،فقال مُعاويَة لجلسائه:قد ساويْتُكم وزدْتُ عليكُم فلا تغضبُوا(اهـ).

وقد جَبَه عليّ بن أبي طالب عليه السلام مُعاويَة بكلمة لا تُقال لمنْ كانَ طاهرَالموْلد،وليس عليّ عليه السلام بالرّجل الذي يتناول نساء المسْلمين بالقوْل الخَشن،لأنّه مع الحقّ والحقّ معه يَدُورمعه حيث دار،والخبرُمذكور في شرح نهج البلاغة كما يلي[10]:

قال مُعاويَة: وسيدوم لكم هذا الأمرُ ما استقمْتمْ،فإنْ تركتُم شيْخَنا هذا يموتُ على فراشه وإلاّ خرج منْكم،ولا ينْفعكمْ سبْقُكم وهجْرتُكم.فقال له عليّ عليه السلام:ماأنتَ وهذا يا ابنَ اللّخْناء! فقال مُعاويَة:مهلاً ياأبا الحسن عنْ ذكْر أمّي،فما كانتْ بأخسّ نسائكُم،ولقدْ صافحَها النّبيّ صلى الله عليه يوْم أسلمتْ ولمْ يُصافح امرأةً غيرَها،أما لوْ قالها غيرُك!فنهضَ عليّ عليه السلام ليخرُج مُغضباً،فقال عُثمان:اجلس،فقال له:لا أجْلس،فقال:عزمْت عليك لتَجلسنّ فأبَى وولّى،فأخذَ عثمانُ طرفَ ردَائه فتركَ الرّداءَ في يَده وخرجَ،فأتْبعَه عُثمان بَصره،فقال:والله لاتَصلُ إليْك ولا إلى أحدٍ منْ ولدك(اهـ).

فمن كانت أُمُّه كما ذكرَ حسّان بن ثابت وعقيل بن أبي طالب كيف يُقاس بمَنْ أمّه فاطمةُ بنْت أسد التي أكْرمها الله تعالى بترْبية النّبيّ صلى الله عليه وآله فكانت له خيرَ أُمّ،وكان صلى الله عليه وآله يقول عنها " أمّي"، وقد تمدّد في قبْرها وكفّنها في قَميص لهُ،وصلّى عليها ودعا لها.

إنّ امرأةً انشقّ لها جدارُالكعْبة لتضعَ وليدَها داخلَها لَكَريمةٌ على الله تعالى وجيهةٌ عنْده،وما اختارَ الله تعالى لوليّه إلاّ الأرحامَ المُطهَّرة،وهذه المفْخَرة لا يدْفعُها أحد.وقد ادّعى مُعاويَة طيّ كلامه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صافحَ هنْد بنْت عتْبة آكلةَ الأكْباد،وهذا كلامٌ لا يثبت عند التّحقيق،لأنّ فيه تهمةَ النّبيّ صلى الله عليه وآله بمصافحة النّساء وهو الذي نهَى عنْ ذلك أِشدَّ النّهْي.وكلامُ مُعاويَة لا يمثّل حجّةً خصوصاً بعْد إظْهاره من بُغْض عليّ عليه السلام ما أظْهر وهو يعْلم أنّه لا يبْغضُه إلاّ مُنافق.فهلْ صافحَ النّبيّ صلى الله عليه وآله هنْد بنْت عتْبة فعلاً أم أنّ ذلك من وضْع شيعة آل أبي سُفْيان؟!

وأما ما ذكره معمر بْن المثنّى فيُناسبُ مزاجَه وذَوْقَه ومذْهبَه،فإنّه أُمَويُّ النّزْعَة.

***

2 ـ تربية مُعاويَة:

ولد مُعاوية في بيْت يجْمع صخرَ بنَ حرْب وهنْد بنْت عتْبة،وهذا يعني أنّ فُرَص ترْبيته تربيةً سليمةً ضئيلةٌ جدّاً،لأنّ الأبوين المذكورين معْروفان بالفُجوركما سبقَ بيانُه،وليس أخْطَرعلى الطّفْل منْ أنْ يتربّى بين أبويْن سهُل عليْهما الزّنا،وشهدَ به بعضُهم على بعْض.ولعلّ من آثارذلك ما كان عليه معاوية من"الحلم الواسع" في التغاضي عن الخنا في قصره،وتسامحه مع ابنه يزيد الذي ذكروا أنّه كان يزني بالمحارم.وعلى كلّ حال لا يصحّ أن تكون هند بنت عتبة مؤهّلة لمنح أبنائها تربية جيّدة،وفاقد الشيء لايعطيه.ولم يكن أمرهند خافياً على أهل زمانها،ويكفي لذلك شهادة حسّان بن ثابت شاعر النّبيّ صلى الله عليه وآله أيام المهاجاة،وفيه تُهمة صريحة لهنْد بأنّها زنت ووُلد لها من الزنا.ولو كان حسّان كاذباً في قوله لما أقرّه النّبيّ صلى الله عليه وآله على ذلك،لأنّ مجرّد العداوة من طرف قُريْش لا يسمح بذلك،والنّبيّ صلى الله عليه وآله نزيهٌ مُنْصف مع خصومه،ولا يحاربهم بشيء يعلم أنّه كذب.ولم نسمع لبني عبد شمس ردّاً أو مُدافعةً فإنّهم تجاهلُوا ذلك حتّى لاتلتفتَ الأنْظارُإليه.

  ***    

 3ـ إسلام مُعاويَة:

بما أنّ مُعاويَة بن أبي سُفْيان قد استولى على الحُكم بعد شهادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام،وقد تعوّد مؤرّخُو المسلمين الدّفاع عنْ كلّ مَنْ وصَل إلى الحُكم،فقد حاولَ بعضُهم إثباتَ إسْلامه قبْل فتْح مكّة،وهي مُحاولة لا نصيبَ لها من النّجاح لكوْن أحْوال مُعاويَة معْلومةً قبْل الفتْح وبعْده.وقد أكّد مُعاويَةُ ذلك بأعْماله في أيّام حُكْمه،وهو ما تنتعرّضُ له لاحقاً إنْ شاءَ الله تعالى.ومن الأدلّة على بطلان تلك المزعمة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله عدّه يوم حنين من المؤلّفة قلوبهم وقسم له معهم.فلو كان إسلامُه قبل فتح مكّة لما عُدّ في المؤلّفة قلوبهم.قال ابن قيّم الجوزية في معرض استدلال فقهي بخصوص إبطال دعوى ادّعاها أهلُ الكتاب في زمانه[11]: الثالث

أنّ مُعاويَة بن أبي سُفْيان لم يكنْ أسلمَ بعدُ فإنّه إنّما أسلمَ عام الفتْح بعد خيبر.وقال أيضاً[12]:ولم يكن للقوم من الذّمام والحُرمة ما يوجب إسقاط الجزْية عنهم دون

من عداهم من أهل الذّمّة كيف وفي الكتاب المشحون بالكذب والمين شهادةُ سعد بن معاذ وكان قد توفّي قبل ذلك بأكثر من سنتين وشهادةُ مُعاويَة بن أبي سُفْيان وإنّما أسلم عام الفتح بعد خيبر سنة ثمان .

 

***

ـ 4 محيط مُعاويَة :

قال ابن قيم الجوزية في أحكام أهل الذّمّة[13]:

   وورد عليه[أي على عمر] كتاب مُعاويَة بن أبي سُفْيان:" أما بعد ياأميرالمؤمنين فإنّ في عملي كاتباً نصرانيّاً لا يصلح أمرالخراج إلاّ به فكرهت أن أقلّده دون أمرك " فكتب إليه:"عافانا الله وإيّاك قرأت كتابك في أمرالنّصرانيّ أمّا بعد فإنّ النّصرانيّ قد مات والسّلام".اهـ

وجواب عمر صريح في صرف النّظرعن النّصرانيّ واعتباره ميتاً؛ وليس يصحّ في العقول استعمال الميْت.لكنّ التاريخ يحدّثنا أنّه كان لمُعاويَة في أيّام دولته فيمابعد كاتب نصرانيّ يقال له سرجون و كان كاتبه الخاصّ ـ بمنزلة رئيس الوزراء في دولة من دول أيّامناـ وهذا يعني أنّ مُعاويَة لم يمتثل أمر عمر،فإنّه لم يصرف الكاتب النصرانيّ بل رفع منزلته وجعله كاتبه الخاصّ ولم يستغن عنه يزيدُ في أيّام حكمه الغاشم بل كان لايقطع أمراً دونه؛وهو الذي أشارعليه بتولية ابن زياد على الكوفة فكان ما كان مع أهل البيت عليهم السّلام.وأمّا إن كان هذا الكاتب غيرذاك فهذا معناه أنّ مُعاويَة يمارس المغالطة حتّى مع عُمر،لأنّ عُمرقصد العنوان لا المُعنْون،فهولايعرف الكاتب النصرانيّ ولكن يرفض أن يقلّده مُعاويَة أمرالخراج وإن كان أمرالخراج لا يصلح إلاّ به،لأنّه نصرانيّ.فهوقصد عنوانَ النّصرانيّ ولم يقصد الكاتب نفسه بعنوان شخصه.ويدلّ على ذلك ماأورده ابن قيّم الجوزيّة نفسه حيث قال في الصفحة 455 من الجزء الأوّل من أحكام أهّل الذّمّة:وكان لعمررضي الله عنه عبد نصرانيّ فقال له أسلم حتى نستعين بك على بعض أمورالمسلمين فإنّه لا ينبغي لناأن نستعين على أمرهم بمن ليس منهم فأبى فأعتقه وقال اذهب حيث شئت( انتهى كلام ابن القيم).فهذا يدلّ على أنّ عمر لا يستسيغ استعمال غيرالمسلم في شؤون المسلمين،وعبارة "لا ينبغي " تفسّرذلك.

وجاء في البداية والنهاية ما يلي[14]:وقد روى البخاري في صحيحه عن مُعاويَة أنّه كان يقول في كعب الأحبار(وإنْ كنّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب) أي فيما

ينقله لا أنّه يتعمد ذلك والله أعلم(اهـ).وهذا اعتراف صريح بممارسة كعب الأحبارللكذب،وما ذكره ابن كثيرلا شاهد له من كلام مُعاويَة،ولكنّها عادة ابن كثيرفي تبريرالباطل،ومن قرأ كتب الرجل تيقّن من ذلك.وقد سرّب كعب الأحباركثيرا من الإسرائيليات إلى تراث المسلمين عن طريق أبي هُرَيْرَة وعبد الله بن عمروبن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب،وكان لا يتورّع أن يفتي بمحضر الصّحابة في دولة عثمان،حتى جبهه أبو ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه بقولته المشهورة "فوالله ما خرجت اليهوديّة من قلبك"!واعتماداً على قول أبي ذرّ الذي ينبغي لنا اعتماد كلامه إذْ شهد له النّبيّ صلى الله عليه وآله بصدق اللّهجة،يسوغ لنا اعتبارُ كعب الأحبار باقياً على يهوديّته،وبذلك ينضمّ كتابيّ آخرإلى محيط مُعاويَة.

واستعان مُعاويَة بأكثرمن طبيب من أهل الكتاب وقرّبهم وجعلهم من خاصّته ومقرّبيه.منهم الطبيب المشهورابن أثال،كان معاوية يستفيد منه إذ يدسّ السمّ بواسطته إلى خصومه ومعارضيه ليتخلّص منهم كماهو الشأن مع الحسن بن عليّ عليهما السّلام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد؛وبعد هلاك ابن أثال قرّب مُعاويَة نصرانيّاً آخريُقال له أبوالحكم قال السعديّ في ترجمته في طبقات الأطبّاء[15]:أبوالحكم كان طبيباً نصرانيّاً عالما بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال

مذكورة ووصفات مشهورة.وكان يستطبّه مُعاويَة بن أبي سُفْيان ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه[!] وعمّرأبوالحكم هذا عمراً طويلا حتى تجاوزالمائة سنة.حدّث أبو جعفرأحمد بن يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبي قال حدّثني عيسى بن حكم الدمشقيّ المتطبّب قال حدّثني أبي عن أبيه قال ولي الموسم في أيام مُعاويَة بن أبي سُفْيان يزيدُ بن مُعاويَة فوجّهني أبوه معه متطبّبا له وخرجت مع عبد الصّمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس إلى مكّة متطبّبا له وقعْدد[16] عبد

الصمد مثل قعْدد يزيد وبين وفاتهما مائة ونيف وعشرون سنة.اهـ

***

 

ـ 5 كيف استولى مُعاويَة على الشام :  

قال ابن خَلْدُون في تاريخه[17]:واستعمل يزيد بن أبى سُفْيان على الشّام وطال أمد ولايته إلى أن هلك في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة فولى مكانه أخاه

مُعاويَة وأقرّه عثمان من بعد عمر فاتّصلت رياستهم على قُريْش في الإسْلام برياستهم قبيل الفتح. قال[18]:كان أبوعبيدة لمّا احتضراستخلف على عمله عياض

بن غنم وكان ابن عمّه وخاله وقيل استخلف معاذ بن جبل واستخلف عياض بعده سعيد بن حذيم الجمحي ومات سعيد فولى عمرمكانه عميربن سعيد الأنصاريّ ومات يزيد بن أبى سُفْيان فجعل عمرمكانه على دمشق أخاه مُعاويَة فاجتمعت له دمشق والأردن ومات عمر وهو كذلك وعميرعلى حمص وقنسرين ثمّ استعفى عميرعثمان في مرضه فأعفاه وضمّ حمص وقنسرين إلى مُعاويَة ومات عبد الرّحمن بن أبى علقمة وكان على فلسطين فضمّ عثمان عمله إلى مُعاويَة فاجتمع الشّام كلّه لمُعاويَة لسنتين من إمارة عثمان وكان يلحّ على عُمَر في غزو البحر ...

وقال ابن أبي عاصم[19]:[..] عن يونس عن ابن شهاب قال لما توفّي يزيد بن أبي سُفْيان أمّرعُمرمكانه مُعاويَة ثم نعاه عُمرلأبي سُفْيان فقال يا أبا سُفْيان

احتسب يزيدا فقال من أمّرت مكانه قال مُعاويَة قال وصلتك رحم[!].

وقال الذّهبيّ [20]: توفّي يزيد في الطّاعون سنة ثماني عشرة،ولمّا احتُضر استعمل أخاه مُعاويَة على عمله،فأقرّه عمرعلى ذلك احتراماً ليزيد،وتنفيذاً لتوْليته!

يقول الذّهبيّ "احتراماً ليزيد"،والاحترام مأخوذ من الحُرمة،ولناأن نتساءل من أين حصلت الحُرمة للطّليق،بعد أنْ علمناأنّ أبابكر إنّما عيّنه على رأس الجيش ليكسبَ أباه وبني أُميّة بعد أن امتنع بنوهاشم من البيْعَة.فقوْلُ الذّهبيّ "احتراماً ليزيد" يحتاجُ إلى مزيد من البيان.وقي تاريخ خليفة[21]: ثم وقع طاعون عمواس

فمات أبو عبيدة واستخلف أخاه معاذا،فمات معاذ.واستخلف يزيد بن أبي سُفْيان،فمات واستخلف أخاه مُعاويَة فأقره عمر[!!].وولى عمر عمروبن العاص فلسطين والأردن،ومُعاويَة دمشق وبعلبك والبلقاء،وسعيدَ بن عامربن حذيم حِمْصاً،ثم جمع الشّام كلها لمُعاويَة بن أبي سُفْيان(اهـ).

ويقول ياقوت الحمويّ[22]: لما فتح المسلمون الحيرة وولي عثمان ولّى مُعاويَة الشّام والجزيرة وأمره أن ينزل العرب مواضع نائبة عن المدن والقرى ويأذن

لهم في اعتمار الأرضين التي لاحقّ لأحد فيها فأنزل بني تميم الرابية وأنزل المازحين والمديبر أخلاطاً من قيس وأسد وغيرهم ورتّب ربيعة في ديارها على ذلك وفعل مثل ذلك في جميع ديارمضر(اهـ).

وهكذا يكون مُعاويَة مبسوط اليد في الشّام وبعلبك والبلقاء والجزيرة .    

ويخطئ من يتصوّر أنّ مُعاويَة جاء إلى الحكم مطالبا بدم عثمان،لا من باب أنّه ليس وليّ دم المقتول مع وجود أولاد عثمان لصلبه،ولكن لأنّ هناك أقوالاً تفيد أنّ وصوله إلى الحكم كان عن طريق برنامج قرشيّ دقيق مُحكم.ولا ضيرأن يعتقد المتحرّرفكريّاً أنّ مُعاويَة أخذ الضّوء الأخضرمن عمربن الخطاب أيّام خلافته،فقد دَكرنعيمُ بن حمّاد [23]عن عبد الكريم بن رشيد أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال يا أصحاب النّبيّ تناصحوا فإنّكم إن لا تفعلوا غلبكم عليها يعني الخلافة مثل

عمروبن العاص ومُعاويَة بن أبي سُفْيان.[!] اهـ

ويشهد لذلك قولُ ابن سيرين كمافي كتاب الفتن أيضاً[24]عن عبدالكريم بن رشيد عن محمّد بن سيرين قال والله إني لأراه كان يتصنّع لها يعني مُعاويَة على

عهد أبي بكروعمررضى الله عنهما يعني للخلافة.اهـ

ولنا أن نتساءل عن هذا التصنّع ودوافعه،وهل الأمرفعلاً كما قال ابن سيرين،أم أنّ في طيّ الكلام ما فيه،خصوصاً وأننا قد رأينافي زماننا هذا أناساً وصلوا إلى الحكم وهم أجبن النّاس وأحرصهم على حياة.فلقد شاهد العالم كلّه سيرة الرئيس العراقي المخلوع(صدّام حسين)،وكيفية تصفيته للمعارضة وسحقه لكلّ من بقف في وجهه؛ثم شُوهد الرجل عبرالقنوات الفضائية ساعة إلقاء القبض عليه من طرف القوات الأمريكية في حالة لا تكاد تُوصف،وقبله شُوهد شاه إيران المخلوع والرئيس الأفريقي موبوتو والرئيس الرّوماني تشاوشيسكو وغيرهم؛هؤلاء أناس وصلوا إلى الحكم بطرق مُلتوية غيرنزيهة،وكانوا يحكمون بقوّة الحديد والنّا،وكانوا محميّين بجيوش مستعدّة لسحق كلّ معارضة في أيّ وقت.لكن جيوشهم لم تكن تلتقي معهم حول مبادئ معيّنة يدافعون عنها جميعا وإنّما كانت تجمعهم مصلحة البقاء في السّلطة،فالحاكم يريد البقاء في السلطة مهما كلّفه الثّمن،والجيوش التي تحميه تريد حماية مصالحها بعد أن ارتبط مصيرُها بمصيره؛حتّى إذا حمي الوطيس وصارت الأنفس محلّ الرّهان أسلم الجيشُ الحاكمَ وتعامل مع القوّة الحاكمة الجديدة بالمنطق المناسب.أمّا مُعاويَة فإنّه تخطّى هذا وأفلح في خلق مظلوميّة وهْميّة بطلُها عثمان بن عفّان،وجعل نفسه واحداً من المُطالبين بدم عثمان لا أكثر،ثمّ جعل نفسه وليّ دمه فصارت بذلك قضيّةُ قتل عثمان قضيّةَ كلّ الشاميّين ومن الْتحق بهم من أعداء عليّ بن أبي طالب عليه السلام.وليس عجيباً أن تبقى هذه الحيلة منطليةً على كثيرين حتّى في زمانناهذا،لأنّها ارتبطت بقضيّة عدالة الصّحابة،ولابأس بالتّضحية بصحابيّين أوأكثرمن أجل حماية النظرية وتمديد عمرها.والذي يطالع سيرة عثمان بن عفّان بإنصاف لايجد فيه ذلك الشّخص الذي يستحقّ أن يقتتل من أجله المسلمون وينقسموا إلى ما انقسموا إليه،غيرأنّ تبنّيَ شخصيّات معيّنة لقضيّته كماهو شأن عائشة بنت أبي بكر زوج النبي صلى الله عليه وآله وطلحةَ بن عبيد الله ومن يأتمّ بهما قلَبَ الموازين.ولم يكن تحريكُ الجماهير الواسعة يومَها بالأمر المُستصعَب على أُناس رأوا تعامُل الأمّة مع أهل بيت النّبيّ صلى الله عليه و آله في الأسبوع الأوّل الذي تلا وفاتَه،وإنّما كانت المسألة خاضعة لمدى مهارة المحرّك للجماهير،وقد كانت عائشةُ زوج النبيّ صلى الله عليه وآله حظيتْ بمقام المرجع الدّيني على زمن الشّيخين،وبدتْ بمظهرالرّمْزفي معارضة عُثمان أيّام تنكّر النّاس له ولسيرته.وقد ساعد على ذلك مكانةُ أبيها في دولة الإسْلام، وانخفاض مستوى الوعي السّياسي لدى العوامّ إلى درجة مُخيفة.وإلاّ فكيف نفسّراتّباع النّاس لها حين تأمُر بقتْل عثمان،وانقيادَهم لها حينَ تُطالب بدمه؟!! مثلُ هذا التّلاعب لا يُقبل حتّى لدى أبْعد المُجتمعات عن التديّن،ولكنّه اكتسب صبْغةَ الشّرعيّة في المجتمع الإسْلاميّ ولا يزال يدافع عنه أقوام إلى اليوم.ومن المؤرّخين مَن تعاملَ مع واقع تلك الأيّام بحَذر،ومنهم من انطلقَ من انتمائه المذهبيّ فأخضعَ المقدّمات إلى النّتيجة التي أراد الوصول إليها قبل البحث.ومنهم من عالج القضيّة بطريقة لم يعد فيها للمنطق مجال.ويكفي لتبيّن ذلك مطالعةُ ما كتبَه ابنُ العربي في كتابه(العواصم من القواصم) فإنّه وصل إلى درجة إنكارواقعة الحوأب وهوأمر يُثيرالتعجّب من فقيه في مستواه!!

على أنّ هناك عباراتٍ صدرتْ من عُمَر يُفهمُ منها أنّ مُعاويَة كان مرشّحاً لماقام به،بل يصحّ أنْ يُقال إنّه كان هناك مشروعٌ قرشيّ لإقْصاء عليّ عليه السلام و بني هاشم.ومن ذلك ما جاء في الإصابة ج4ص79حيث يقول :  ويقال إنّ عُُمرقال لأهل الشّورى لاتختلفوا فإنّكم إن اختلفتم جاءكم مُعاويَة من الشّام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم وإنّ هذا الأمرلا يصلح للطّلقاء ولا لأبناء الطّلقاء " فهذا يقتضي أن يكون عبد الله من مسلمة الفتح . اهـ

أمافي كتاب الفتن[25]فإنّ الشّخص الثاني ليس عبدَ الله بن أبي ربيعة وإنّماهوعمروبن العاص حليف مُعاويَة،قال نعيم : عن عبد الكريم بن رشيد أنّ عُمر بن

الخطّاب رضي الله عنه قال يا أصحاب رسول الله تناصحوا فإنّكم إن لا تفعلوا غلبكم عليها يعني الخلافة مثلُ عمروبن العاص ومُعاويَة بن أبي سُفْيان.اهـ

وقد ورد هذا بطرق أخرى،ويكون عُمر قد قال هذا الكلام قبل حرب صفين بأكثرمن عشرسنين،مدة حكم عثمان[26]،ولم يكن مُعاويَة يومها بتلك

القوّة،وعمرنفسه يقول"وإنّ هذا الأمر لايصلح للطّلقاء ولا لأبناء الطّلقاء "! بل إنّ مُعاويَة نفسه في إحدى حجج عثمان تعجّب عندما أشار إليه كعبُ الأحبار لوجود عليّ عليه السلام وطلحة والزّبير وسعد بن أبي وقّاص وكلّهم من جماعة الشورى!!  

في خضم تلك الأحداث هتف مُعاويَة بن أبي سُفْيان بالمطالبة بدم الخليفة المظلوم عثمان بن عفان.ولو أنّ عائشة زوج النّبي صلى الله عليه وآله ومن كان معها لم يخسروا المعركة يوم الجمل لكان لهم مع مُعاويَة شأن وأيّ شأن،لأنّه كان يمتلك من الأدلّة ما يَجْبه به طلحة والزبيروعاشئة جميعاً،والدليل على ذلك هوأنّ مَرْوان بن الحكم قتل طلحة ثأراً لعثمان،فمَرْوان لم يكن مقتنعاً بما يدعوإليه أصحابُ الجمل ولم يشكّك في مسؤوليتهم في قتل عثمان وإنمّا كانت تجمعه بهم المصلحة في إضعاف جهة عليّ بن أبي طالب عسكريّا ومعنويّا.وكان للجنبة المعنويّة دورها وأثرها الكبيرفي تخذيل الناس عن نُصرة عليّ بن أبي طالب عليه السلام،وقد تجلّى ذلك في عبارات أناس كانوا في جيشه،وكان منهم مَن يطالبُ بمزيد من التّوضيح في قضيّة طلحة والزّبير ومن معهمالأنّ اختيارعمرلجماعة الشورى قد جعلهُما في مستوى عليّ عليه السلام من جهة شرعيّة المطالبة بالخلافة.وكان مُعاويَة يستثْمر كلّ هذا لمصلحته،إذ أنّه لا يخدم مصلحته أنْ يبقى أحدٌ من السّتةعلى قيد الحياة إلاّ أن يكون ضعيفَ الجانب فاقدَ الأهليّة،ولذلك نراه فيما بعد يؤاخذُ سعدَ بن أبي وقّاص على عدم نصرته لعثمان وهو إنّما يريد من وراء ذلك أن يقول له " إنّك خذلت الخليفة الشرعيّ فخسرتَ بذلك حقّك في الخلافة".ومع ذلك لم يتردّد في اغتياله بالسّمّ قبل اغتيال الحسن عليه السلام ،ليخلو له الجوّ فيما بعد لما يريده من تولية يزيد،وقد كان سعد يصرّح بتحسّره وتأسّفه أنْ لم يُقاتل الفئةَ الباغيةَ. وقد حظي مُعاويَة بطاعة من قِبَل أتباعه لم يحْظَ بها أحدٌ قبْله، ومعلومٌ أنّ مَن لم يكنْ له وازعٌ ولا رادعٌ،إذا لم يكنْ منْ أهْل الدّين فإنّه يتجاوزُ الحدّ و يتجرّأ على كل مُقدّس،ويوطّئ لنفسه ما يضمن استمرار ملكه على حساب القيَم،ولايضرّه أن يُعطيَ من أموال لم يتعب في تحصيلها فيشتري ضمائرمعروضةً للبيع لا يأمرأصحابُها بمعروف ولا ينهون عن مُنكر.قال ابن قيم الجوزية في كتاب "اجتماع الجيوش الإسْلامية " ج1ص70:

ذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى في تاريخه عن هشام بن سعد قال قدم عبد الله بن الكوا على مُعاويَة فقال له أخبرني عن أهل البصرة قال يقاتلون معاً ويُدبرون شتّى قال فأخبرْني عن أهل الكوفة قال أنظَرُ النّاس في صغيرة وأوقعُهم في كبيرة قال فأخبرني عن أهل المدينة قال أحرصُ النّاس على الفتنة وأعجزُهم عنها.قال فأخبرني عن أهل الموصل قال قلادة وليدة فيها من كلّ شيء خرزة قال فأخبرني عن أهل مصرقال لُقمة أكل قال فأخبرني عن أهل الجزيرة قال كناسة بين مدينتين قال فأخبرني عن أهل الشام قال جند أمير المؤمنين لا أقول فيهم شيئا قال لتقولَنّ قال أطْوَعُ النّاس لمخْلوق وأعْصاهم لخالق ولا يحسبون للسّماء ساكناً. اهـ

  تلْكم كانت شهادةَ أحد مُعاصري مُعاويَة على جيْشه،ويكفينا قوله"ولا يحسبون للسّماء ساكنا ".ومعلوم أنّ أهل الشّام لم يروا النّبيّ صلى الله عليه وآله ،ولم يكونوا في مكّة في بداية الرّسالة حتى يعلموا سعْي بني أُميّة في محاولة إطفاء نورالله.ومعلومٌ أيضا أنّ مُعاويَة قد عرّف نفسه إلى أهل الشام بأنّه من قُريْش قببيلةِ النّبيّ صلى الله عليه وآله ،وأنّه صحبَه مدّة من الزّمن،وأنّه كان يكتب الوحي!وليس لأهل الشام صحابي من الشام بهذا المستوى،فإذا أضيف إلى ذلك ما كان يجود به على أشرافهم ويتفضل به على فقرائهم- والناس إلى تصديق ما ترى أعينهم أشد ميلا منهم إلى تصديق ما غاب عنهم- تبيّن لنا كيف كسب مُعاويَة ثقة أهل الشام التامة.

 

***

  6- أنصار مُعاويَة:

 اجتمع إلى مُعاويَة خليط من النّاس تجمعهم أهداف شتّى على رأسها بُغض عليّ بن أبي طالب عليه السلام.ويتعذرالتعرض لهم جميعا لقلّة الأخبار بخصوصهم، فإن القوم لم يكونوا أهل علم أوشجاعة أودين،وإنّما اشتهرمن اشتهرمنهم لكونه من قبيلة مشهورة أو حائزاً على بعض ما كان يفخَرُ بهالعرب ممّا لا قيمة له في الإسْلام،أوداهيةً لا حريجةَ له في الدّين يستحلّ كلّ محرّم للوُصول إلى هدفه.وأنا ذاكرٌإنْ شاء الله تعالى بعض أخبارأكابرهم. وقبل إيراد أسمائهم وذكرأعمالهم،أورد ههنا قصّةً ذكرها الرّازي في المحْصول ج4ص340 قال الرازي:وثالثُها ما يُروَى من شتْم بعْضهم بعْضاً ولنذْكُرمن ذلك حكايات الحكاية الأولى حكى ابن داب في مجادلات قُريْش قال اجتمع عند مُعاويَة عمرو بن العاص وعتبة بن أبي سُفْيان والوليد بن عقبة والمغيرة بن شعبة ثم أحضروا الحسن بن علي رضي الله عنهم ليسبّوه فلما حضرتكلم عمروبن العاصى وذكر عليّاً رضي الله عنه ولم يترك شيئا من المساوئ إلا ذكرفيه وفيما قال إنّ عليّاً شتم أبا بكر وشارك في دم عثمان إلى أن قال اعلم أنك وأباك من شر قُريْش ثم خطب كل واحد منهم بمساوئ علي والحسن رضي الله عنهما ومقابحهما ونسبوا عليا إلى قتل عثمان ونسبوا الحسن إلى الجهل والحمق فلما ال الأمر إلى الحسن رضي الله عنه خطب ثم بدأ يشتم مُعاويَة رضي الله عنه وطوّل فيه إلى قال له إنّك كنت ذات يوم تسوق بأبيك ويقود به أخوك هذا القاعد وذلك بعدما عمي أبو سُفْيان فلعن رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم الجمل وراكبه وسائقه وقائده فكان أبوك الراكب وأخوك القائد وأنت السائق ثم قال لعمرو بن العاص إنما أنت سبّة كما أنت فأمّك زانية اختصم فيك خمسة نفر من قُريْش كلّهم يدّعي عليك أنّك أبنه فغلب عليك جزّار قُريْش من الأمهم حسباً وأقلّهم منْصباً وأعظمهم لعنةً،ما أنت إلا شانئ محمد فأنزل الله تعالى على نبيّه صلّى اللّه عليْه وسلّم إنّ شانئك هو الأبتر ثمّ هجوْتَ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم تسعين قافيةً فقال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم اللّهم إنّي لا أُحْسن الشّعر فالعنْه بكلّ قافية لعنةً وأمّا أنت يا ابن أبي معيط فوالله ما ألومُك أن تبغضَ عليّاً وقد جَلَدَكَ في الخمْر وفي الزّنا وقتل أباك صبْراً بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يوم بدْر، وسمّاه الله تعالى في عشر آيات مؤمناً وسمّاكَ فاسقاً وأنْت فاسق وأنت علْج من أهْل النورية.أمّا أنت يا عُتبة فما أنتَ بحَصيف إذاً فأجيبَك ولا عاقل فأعاتبَك فقال وأمّا وعْدُك إيّاي بالقتْل فهلاّ قتلتَ الذي وجدتَ في فراشك مع أهْلك.وأمّا أنت يا مُغيرة بن شعبة فمثلُك مثلُ البعُوضة إذ قالت للنّخْلة اسْتمْسكي فإنّي عليْك نازلة فقالت النّخلة والله ما شعرتُ بوُقُوعك أيْ عَلَيَّ وأما زعْمُك أنّه قتل عثمان فلعمري لو قَتَلَ عُثمانَ ما كنْتَ منْه في شيء وإنّك لَكاذب.اهـ

هذه القصّة تكشف على الأقلّ عن المستوى الخُلُقيّ لمَجالس القوْم،ولا سبيلَ إلى إدْخال الحَسَن بن عليّ عليهما السّلام فيهم لأنّه إنّما كان" يُدَافعُ عن الذين آمنوا "،ولم يَقُلْ إلا حقّاً لأنّ القوم لم يُنكروا شيئاً ممّا قال.ولوْلا الرّقابةُ والحَظْرعلى ألْسُن النّاس وأقْلامهم لَوَصلَ إليْنا كثيرٌممّا يُشبه هذا،ولكنّها السّياسة تمْنع وتمْنح.

ومن أنصارمُعاويَة:عمرو بن العاص،والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سُفْيان والمغيرة بن شعبة وأبو هُرَيْرَة الدّوسيّ وأبوالأعورالسلميّ وأبان بن عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ و بسْر بن أرْطاة وعُبيد الله بن عمربن الخطاب(قاتل الأبرياء)،ومسلم بن عقبة المرّيّ (الذي استباح المدينة بأمْريزيد بن مُعاويَة)،وعبد الله بن عمرو بن العاص(تلْميذ كعْب الأحْبار)وحبيب بن مسلمة الفهريّ(المتهم بالهجوم على بيت فاطمةعليها السّلام) وذوالكلاع،وزفربن الحارث،و مسلمة بن مخلد وحوشب ذو ظليم،وطريف بن الحسحاس الهلاليّ،وعبد الرّحمن القيسيّ،و الحارث بن عبد الأزديّ ، وحابس بن سعد الطّائيّ ،وبلال بن أبي هُرَيْرَة،

و حسّان بن بحدل الكلبيّ،وعبّاد بن يزيد الكلبيّ،وابن حوي السّكسكيّ ،ويزيد بن صبيرة السّكونيّ،وابن عفيف،وحبيش بن دلجة،وشريط الكنانيّ ومخَارق بن الحارث الزُّبَيْديّ،وناتل بن قيس الجذاميّ،وحمرة بن مالك،ويزيد بن أبي النمس.

 وقُتلَ منهم بصفّين:ذوالكلاع،وحوْشب،وعبيد الله بن عُمَربن الخطّاب وعمروبن الحضرميّ،وحابس بن سعد الطّائيّ،وعُرْوة بن داود الدّمشقيّ في جماعة كثيرة .ذكرذلك خليفة بن خيّاط العصفريّ في ص 146 من تاريخه.

 وفي شرح نهج البلاغة [27]: قال عليّ عليه السلام:أيّها الناس،إنّي أحقّ مَن أجاب إلى كتاب الله،ولكن مُعاويَة وعمرو بن العاص،وابن أبي معيط،وابن أبي

سرح،وابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن،إنّي أعرفُ بهم منكم ، صحبتهم صغاراً ورجالاً،فكانوا شرّ صغاروشرّرجال،ويْحَكُم إنّها كَلمةُ حقّ يُرادُ بها باطل!إنّهم ما رفعُوها أنّهم يعرفُونها ويعملُون بها،ولكنّها الخَديعة والوهنُ والمَكيدة!أعيرُوني سَواعدَكم وجَماجمَكم ساعة واحدةً،فقدْ بلغَ الحقّ مقطَعَهُ ،ولمْ يبْقَ إلاّ أنْ يُقطعَ دابرُ الذين ظَلَمُوا.اهـ

أبو مسلم الخولاني

 جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم [28]ما يلي:حدّثنا حماد سلمة عن القاسم أنّ أبا مسلم الخولانيّ أسلم على عهد مُعاويَة فقيل ما منعك أن تُسلم على

عهد النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وأبي بكروعُمروعُثمان رضي الله تعالى عنهم فقال إنّي وجدت هذه الأمّة على ثلاثة أصناف صنف يدخلون الجنّة بغير حساب وصنف يحاسبون حسابا يسيراً وصنف يصيبهم شيء ثم يدخلون الجنّة فأردت أن أكون من الأوّلين فإن لم أكن منهم كنت من الذين يحاسبون حسابا يسيراً فإن لم أكن منهم كنت من الذين يُصيبهم شيء ثمّ يدخلون الجنة [!] كذا رواه؛ أسلم على عهد مُعاويَة ولكن هاجر إلى الأرض المقدّسة في أيام مُعاويَة وسكنها. اهـ [!!].

وقال البلاذري [29]: " قالوا:وكانت أمّ حبية بنت أبي سُفْيان زوج النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بعثت بقميص عثمان إلى مُعاويَة،فأخذه أبو مسلم الخولانيّ من مُعاويَة،فكان

يطوف به في الشّام في الأجناد،ويحرض النّاس على قتلة عثمان.اهـ

وفي حلية الأولياء ج2ص126 :حدّثنا أحمد بن جعفر [..] يونس الهرم عن أبي مسلم الخولانيّ أنّه نادى مُعاويَة بن أبي سُفْيان وهو جالس على منبر دمشق فقال يا مُعاويَة إنّما أنت قبر من القبورإن جئت بشيء كان لك شيء وإن لم تجيء بشيء فلا شيء لك يا مُعاويَة لا تحسبنّ الخلافة جمع المال وتفرقه ولكن الخلافة العمل بالحقّ والقول بالمعدلة وأخذ النّاس في ذات الله عز وجل يا مُعاويَة إنّا لا نبالي بكدر الأنهار ما صفت لنا رأس عيننا وإنّك رأس عيننا يا مُعاويَة إيّاك أن تحيف على قبيلة من قبائل العرب فيذهب حيفك بعدلك فلما قضى أبو مسلم مقالته أقبل عليه مُعاويَة فقال يرحمك الله.

وفيه أيضاً( ج2ص130):وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه قال فدخل البيت فإذا البيت ليس فيه سراج وإذا امرأته جالسة في البيت منكّسة تنْكت بعُود معها فقال لها مالَك قالت أنت لك منزلة من مُعاويَة وليس لنا خادم فلو سألته فاخدمنا وأعطاك فقال اللهمّ من أفسدَ عليّ امرأتي فأعْم بصرَها قال وقد جاءتْها امرأةٌ قبْل ذلك فقالت لها زوجُك له منزلة من مُعاويَة فلو قلت له يسأل مُعاويَة يُخدمه ويُعطيه عشتُم قال فبينا تلك المرأة جالسة في بيْتها إذ أنْكرت بصرًها فقالت ما لسراجكم طفىء قالوا لا فعرفت ذنبَها فأقبلتْ إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو الله عز وجل لها أن يرد عليها بصرها قال فرحمها أبو مسلم فدعا الله لها فرد عليها بصرها[!].

أبو مسلم الخولانيّ الرّجل الزّاهد العابد مستجاب الدعوة الذي يُعْمي من يشاء متى شاءَ ويَردُّ البصرَ على من يشاء متى شاء هو الذي كان يحرّض أهل الشّام الفئة الباغية على قتال من يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله فما أسرع استجابةَ ربّنا لدُعاء البُغاة على أحبّائه!

الحُتَات المُجاشعيّ :

قال المحبّ الطّبريّ في الرّياض [30]:" آخى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم بين أبي بكروعمر وبين عثمان وعبد الرّحمن وبين طلحة والزبيروبين أبي ذرّوالمقداد وبين

مُعاويَة بن أبي سُفْيان والحُتات المجاشعي..." وقال ابن الأثير في أسد الغابة (ج1 ص379): وآخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان ولما اجتمعت الخلافة لمعاوية قدم عليه الحُتات وجاريةُ بن قُدامة والأحْنفُ بن قيْس وكلاهُما من تميم وكان الحُتات عُثمانيّاً وكان جاريةُ والأحنفُ من أصحاب عليّ فأعطاهما معاوية أكثر ممّا أعطى الحُتات فرجع إليه وقال فضّلت عليّ مُحرّقاً ومُخذّلاً قال اشتريتُ منهُما دينَهما ووكلتُك إلى هَواك في عُثمان قال وأنا أيضاً فاشْتَر منّي دينى ! وقال ابن حجر[31]: أخرج الدّارقطنيّ في المؤتلف ومن طريقه أبو عمرمن رواية نصربن عليّ الأصمعيّ عن الحارث بن عمير عن أيّوب قال غزا

الحتات المجاشعيّ وحارثة بن قُدامة والأحنف فرجع الحتّات فقال لمعاوية فضّلتَ عليّ مُحرّقاً ومُخذّلاً قال اشْتريْتُ منْهُما ذمّتَهُما قال فاشْتَر منّي ذمّتي.اهـ

وقال الحسن بن عبد الله العسكريّ في تصحيفات المحدّثين(ص419):[ فقال معاوية إنّما اشتريت منهما دينهما فقال وديني أيضا فاشتره فألحقه بهما وخرج الحتات فمات في الطريق ].قلتُ:وهذه العبارة نفسُها استعملَها عمْرو بن العاص مع معاوية في حوار بينهما ذكره القضاعيّ في كتاب الحلّة السيراء [32]وهذا يعني أنّ بيع

الدّين كان أمّرا رائجاً في دولة معاوية،وأنّه كان يشرف عليه بنفسه،ولايستحي أن يتحدّث عنه.

عمرو بن العاص :

وهو أحد الذين يضرب بهم المثل في الدّهاء، لكنّ الدّهاء لا ينفع في مقام تطاعن الأقران إلاّ بطرح الحياء والتنصّل من لوازم المروءة،وهو ما جنح إليه عمرو بن العاص إذ كشف عورته في معركة صفّين فصرف عليّ بن أبي طالب عليه السلام عنه وجهه ولم يقتله.ولم ينتفع عمروبماعاشه من سنوات الرّخاء بعد ذلك لأنّ قصّة كشف عورته صارت هي أيضا مضرب المثل حتّى قال الشاعر[33]:

 ولا خير في ردّ الرّدى بمذلّة ........كما ردّها يوماً بسوأته عمرو ولعمروبن العاص قصص تكشف عن مدى استخْفافه بالأخلاق وتلاعبه بالقيَم وعلى رأسها قصّة التّحكيم؛ولوأنّ مُعاويَة كان صادقاً في الطّلب بدم عثمان لكان عليه أن يقْتُل عمرو بن العاص الذي كان يصرّح بتحريضه النّاس على عُثمان حتّى الرّاعي في الجبل.[34]

 قال ابن أبي الحديد [35]: فكتب ابن عباس إلى عمرو:أما بعد فإنّى لا أعلم أحداً من العرب أقلّ حياءً منك إنّه مال بك معاويةُ إلى الهوى فبعتَه دينك بالثّمن

اليسير ثمّ خبطت النّاس في عشواء طمعاً في الدّنيا فأعظمتها إعظام أهل الدّنيا ثمّ تزعم أنّك تتنزّه عنها تنزّه أهل الورع فإن كنت صادقاً فارجع إلى بيتك ودع الطّمع في مصروالرّكون إلى الدّنيا الفانية واعلم أنّ هذه الحرب ما معاوية فيها كعليّ بدأها عليّ بالحقّ وانتهى فيها إلى العُذر وبدأها معاويةُ بالبغْي وانتهى فيها إلى السّرف وليس أهلُ العراق فيها كأهْل الشام بايعَ أهل العراق عليّاً،وهُوخيْرمنهُم،وبايعَ أهلُ الشّام معاويةَ وهمْ خيْر منه ولستُ أنا وأنتَ فيها سواء،أردتُ اللهَ وأردتَ مصرَ،وقد عرفت الشيء الذى باعدك منّي ولا أعرف الشيء الذى قربّك من مُعاوية،فإنْ تُردْ شرّاً لا نَسبقْك به وإن تُردْ خيراً لا تَسبقْنا إليه والسّلام .

وقد كانت عاقبةُ عمرو بن العاص عند معاوية سيّئةً رغم أنّه خالف الله ورسوله في طاعته.قال اليعقوبيّ [36]:ولما حضرت عَمراً الوفاة قال لابنه لَودَّ أبوك أنّه

كان مات في غزاة ذات السّلاسل إنّي قد دخلت في أمورٍ لا أدري ما حُجتي عند الله فيها[!] ثمّ نظرإلى ماله فرأى كثرتَه قال يا لَيْتَهُ كان بَعْراً يا ليتني متّ قبل هذا اليوم بثلاثين سنة أصلحتُ لمُعاوية دُنياه وأفسدتُ ديني آثرتُ دنيايَ وتركتُ آخرتي عميَ عليّ رشدي حتى حضرني أجلي كأنّي بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي وتوفي عمرو ليلة الفطرسنة 43 فأقرّمعاوية ابنه عبد الله بن عمروثمّ استصفى مال عمروفكان أوّل من استصفى مال عاملٍ ولم يكن يموت لمعاوية عاملٌ إلاّ شاطرورثته ماله فكان يكلّم في ذلك فيقول هذه سنّة سنّها عمربن الخطاب.اهـ

الوليد بن عقبة:

وأذكّرههنا بما اوردته سابقا بخصوص عمرو بن أُميّة بن عبد شمس الذي ينحدرمنه الوليد،فقد قال القُرْطبيّ في تفْسيره ج5ص102/103 : وقد كان في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه؛كانت هذه السّيرة في الأنصارلازمةً وكانت في قُريْش مُباحةً مع التّراضي ألا ترى أنّ عمرو بن أُميّة خلف على امرأة أبيه بعد موته فولدت له مسافراً وأبا معيط وكانَ لها من أُميّة أبوالعيص وغيره فكان بنوأُميّة إخوة مسافروأبي معيط وأعمامَهما[!].اهـ

وقد كان أبوه " أبومعيط " شديد الأذى للنّبيّ صلى عليه وآله،وقُتل يوم بدر صبرا،ومع أن النّبيّ صلى الله عليه وآله أرحم النّاس بالنّاس إلاّ أنّه لم يلتفت إليه حين استعطفه بل جَبَهَهُ بكلمة صارمة لا تَقبلُ الجَدل.فقد قال عُقبة بن أبي معيط للنّبيّ صلى الله عليه وآله فمن للصبية يا محمّد؟قال صلى الله عليه وآله :النّارُ لهُم.وهذا الكلام من النّبيّ صلى الله عليه وآله لا ينبغي أن يمرّبه الباحثُ دونَ تدبّر،لأنّه يكشف عن حقيقة ما يستحقّه آل أبي معيط من المعاملة،ولكن ذلك لم يمْنع عثمان من توليته على المهاجرين والأنصار في الكوفة.   

 قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص8: ولا يُلامُ الوليدُ على ما في نفسه،فانّ عليّاً عليه السلام قتَل أباهُ عُقبة بنَ أبى معيط صبراً يوم بَدر وسُمّي الفاسقَ بعد ذلك في القرآن،لنزاع وقع بيْنه وبيْنَه،ثم جُلدَ الحدَّ في خلافة عُثمان،وعَزله عن الكوفة،وكان عاملََها،وببعض هذا عنْد العَرب أرباب الدّين والتّقى تُستحلّ المحارمُ،وتُستباحُ الدّماءُ،ولا تَبقى مراقبة في شفاء الغيْظ لدين ولا لعقَاب ولا لثَوَاب،فكيف الوليدُ المُشتَمل على الفُسوق والفُجور مُجاهراً بذلك!وكان من المؤلّفة قُلوبهم،مَطعُوناً في دينه مرميّاً بالإلحاد والزّندقة !

الضحاك بن قيس الفهري:

 قال البلاذري في أنساب الأشراف ص 75:وحدّثني عبّاس بن هشام،عن أبيه عن عوانة قال دخل عقيل على مُعاويَة وقد كفّ بصرُه فلم يسمع كلاماً،فقال:يا مُعاويَة:أمافي مجلسك أحدٌ؟قال:بلى. قال:فمالهم لا يتكلّمون؟فتكلّم الضّحّاك بن قيس فقال [عقيل]:من هذا؟ فقال له مُعاويَة:هذا الضّحاك بن قيس.قال عقيل: كان ابوه[من] خاصى القردة،ما كان بمكّة أخصى لكلْب وقرْد من أبيه!

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج2 ص116:دعا مُعاويَة الضّحّاك بن قيس الفهريّ،وقال له:سرْحتى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها مااستطعت،فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغرْ عليه،وإن وجدت له مسلحة أو خيلاً فأغرْ عليها،وإذا أصبحتَ في بلْدة فأمْس في أخرى،ولا تقيمنّ لخيْل بلغَك أنّها قد سُرّحتْ إليك لتلقاها فتقاتلها.فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف.فأقبل الضّحّاك،فنهب الأموال وقتل من لقيَ من الأعراب[!]،حتى مرّ بالثّعلبيّة فأغارعلى الحاجّ فأخذ أمتعتهم [!]، ثمّ أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذّهليّ،وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فقتلَه في طريق الحاجّ عند القطْقطانَة.وقتل معه ناساً من أصحابه .

أقول:لا يبالي الصّحابيّ الضّحاك بن قيس الفهريّ أن يُغيرعلى ضيوف الرّّحمن لإرضاء مُعاويَة،وقد علم المسلمون أنّ الحاج يتخلّى عن السّلاح ولا يتوقّع أن يهاجمه أهل القبلة وهو يقصد بيت الله سبحانه وتعالى،لكن متى عرف الضّحّاك بن قيس الفهريّ حرمة الحجّ،وهوالذي نصب العداوة لآل بيت النّبيّ صلى الله عليه وآله ولم يدّخر وسعاً في محاربتهم ،وتمادى في سبّ ولعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وكان الذي تولّى الصّلاة على مُعاويَة حين هلك،ثمّ كانت عاقبته أن خرج رغبة في الحكم وقُتل كما قُتل النعمان بن بشير،فلا هُو نال الدّنْيا ولا هو أدْرَكَ الآخرة.

وفي كتاب موطإ مالك ج1ص344:حدثنى يحيى عن مالك،عن ابن شهاب،عن محمّد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ابن عبد المطلب،أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبى وقاص،والضحاك بن قيس،عام حج مُعاويَة بن أبى سُفْيان،وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج.فقال الضحاك بن قيس:لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله عزوجل.فقال سعد:بئس ما قلت يا ابن أخى.فقال الضحاك:فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك.فقال سعد:قد صنعها رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم.وصنعناها معه .

مَرْوان بن الحكم :  

قال محمّد بن سعد في الطبقات[37]: مَرْوان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ وأمّه أمّ عثمان وهي آمنة بنت علقمة بن

صفوان بن أُميّة بن محرث بن خمل بن شق بن رقبة بن مخدج بن الحارث بن ثعلبة بن مالك بن كنانة وأمّها الصعبة بنت أبي طلحة بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدّار بن قصي فولد مَرْوان بن الحكم ثلاثة عشر رجلاً ونسوة عبد الملك وبه كان يكنى ومُعاويَة وأمّ عمرو وأمّهم عائشة بنت مُعاويَة بن المغيرة ..

وفي المُستَدرك على الصحيحين للحاكم النبسابوري ج 4 ص479 من طريق عبد الرحمن بن عوف وصحّحه أنّه قال : كان لا يُولَد لأحد بالمدينة ولدٌ إلاّ أتى به إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فأُدخِل عليه مَرْوان بن الحكمِ فقال:هو الوَزغ ابن الوَزغ،الملعون ابن الملعون (اهـ).ولعل مُعاويَة أشار إليه بقوله لمَرْوان فيما ذكره ابن أبي الحديد(ج2ص56):يا ابن الوزغ لست هناك.

في كتاب الفتن ج1ص129 "باب آخر من ملك بني أُميّة ": حدّثنا عبد الله بن مَرْوان المَرْواني عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد أنّ مَرْوان بن الحكم لمّا وُلد دُفع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ليدعوَ له فأبى أن يفعل ثمّ قال:ابنُ الزّرقاء هلاكُ عامّة أمّتي على يديْه ويديْ ذُرّيته.اهـ

وقد سبق ذكرهذا الحديث في فصل " صفات بني أُميّة و أعمالهم " .

قال محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى ج5ص36:قالوا قُبض النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ومَرْوان بن الحكم بن ثماني سنين فلم يزل مع أبيه بالمدينة حتّى مات أبوه الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان بن عفّان فلم يزل مَرْوان مع ابن عمّه عثمان بن عفّان وكان كاتباً له وأمر له عُثمان بأموال وكان يتأوّل في ذلك صلةَ

قرابته[38]وكان النّاس ينقمون على عثمان تقريبه مَرْوان وطاعته له ويرون أنّ كثيرا ممّا ينسب إلى عثمان لم يأمر به وأنّ ذلك عن رأي مَرْوان دون عثمان

 فكان النّاس قد شنفوا لعثمان لما كان يصنع بمَرْوان ويقرّبه وكان مَرْوان يحمله على أصحابه وعلى النّاس ويبلغه ما يتكلّمون فيه ويهدّدونه به ويريه أنّه يتقرّب بذلك إليه. اهـ

وروى يالحاكم في المُستَدرك ج4ص528تحت رقم 8483قال:حدّثنا علي بن محمّد بن عقبة[] عن محمّد بن زياد قال ثمّ لمّا بايع معاوية لابنه يزيد قال مَرْوان سنّة أبي بكروعمرفقال عبد الرّحمن بن أبي بكر سنّة هرقل وقيصرفقال أنزل الله فيك والذي قال لوالديه أفّ لكما الآية قال فبلغ عائشة رضي الله عنها فقالت كذب والله ما هو به ولكنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم لَعنَ أبا مَرْوان ومَرْوان في صلبه فمَرْوان قصص من لعنة الله عز وجل.هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.اهـ

وقد ملك مروان دون السّنَة وولي المدينة قبْلها لمعاوية بن أبي سفيان.[39]

 قال محمّد بن سعد في الطّبقات الكبرى ج5ص38: أخبرني موسى بن إسماعيل قال حدّثني جويرية بن أسماء عن نافع قال ضُرب مَرْوان يوم الدّار ضربة جدّت أذنيه فجاء رجل وهو يريد أن يُجهزَ عليه قال فقالت له أمّه سبحان الله تُمثّل بجسد ميْت فتركه قالوا فلمّا قُتل عثمان وسارطلحة والزّبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان[!] خرج معهم مَرْوانُ بن الحكم فقاتل يومئذ أيضاً قتالاً شديداً فلمّا رأى انكشافَ النّاس نظرَإلى طلحة بن عبيد الله واقفاً فقال والله إنْ دم عثمان إلاّ عند هذا هو كان أشدّ النّاس عليه وما أطلب أثراً بعد عيْن ففوّقَ له بسهم فرماه به فقتلَه.اهـ

 ويؤيّده ما رواه ابن شبّة النّميري قال[40]:عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال:قال لي عبد الملك بن مروان:أشهدْتَ الدّار؟ قلتُ:نعم فَلْيَسَلْ أميرُالمُؤمنين عمّا

أَحَبّ.قال:أينَ كان عليّ؟قلت:في داره.قال:فأين كان الزّبير؟قلت:عند أحجارالزّيت.قال:فأين كان طلحة؟قلتُ نظرتُ فإذا مثلُ الحرّة السّوداء فقلت ما هذا؟قالوا:طلحة واقف،فإن حال حائل دون عثمان قاتله.فقال:لولا أنّ أبي أخبرني يومَ مرْج راهط أنّه قتل طلْحة ما تركتُ على وجه الأرض من بني تيْم أحداً إلا قتلتُه (اهـ).

 أقول:بضمّ الخبر الثّاني إلى الأوّل يتبيّن أنّ طلحة متّهم رسميّاً ويتحمّل القسم الأكبرمن مسؤوليّة قتل عثمان،لكنّه يقدّم نفسه مع المطالبين بدم عثمان يوم الجمل،تماماً كما فعلت عائشة بنت أبي بكر زوج النبيّ صلى الله عليه وآلهالتي أُمرت بالقرارفي بيتها،وهذا معناه أنّ بني تيم من أشِدّ النّاس استخفافا بالدّين.وقد قتلَ مروانُ طلحةَ،وطلحةُ في الرّوايات المزعُومة مبشّر بالجنّة،فمَرْوان إذاً قاتلُ أحد العشرة المبشّرين بالجنّة،ولا مانع أن يكون خليفة، وطلحةُ هو قاتلُ عثمان بدليل شهادة مروان بذلك مشفوعةً بالقَسَم؛وهذه الأحداث كافية لإبطال حديث العشرة المبشّرين فإنّ عمر وأبابكرمنهم وقد همّا بإحراق بيت فاطمة بنت النّبيّ صلى الله عليه وآله وعثمان منهم وقد قتله طلحة كما يشهد به مروان،وعليّ عليهم السلام منهم وقد جدّ في حرب طلحة والزبيرومن معهم لا يشكّ في ذلك طرفة عين.وحديثُ قتْل مَرْوان بن الحكم طلحةَ بن عبيد الله أخذاً بثارعُثمان موجود في مروج الذهب للمسعودي ومُستَدرك الحاكم،و الكامل في التاريخ وأسد الغابة لابن الأثير،وتاريخ ابن كثير،ومرآة الجنان لليافعي،وتهذيب التهذيب.هذا من أعجب ما يلاقيه الباحث،وهو أنّ القاتل يُطالب بدم المقتول،وهُما من قبيلتين مختلفتين!

وقال الهيتميّ في الصواعق المحرقة ص33:قال مَرْوان بن الحكم:ما كان أحدٌ أدفعَ عن عُثمان من عليّ،فقيل له:ما لكم تسبّونه على المنابر؟قال إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك(اهـ).

ومعنى هذا أنّ مَرْوان بن الحكم يعلم أنّ عليّاً عليه السلام بريءٌ ممّا يوجّه إليه من التُّهم بخصوص عثمان،بل أكثر من ذلك أنّه كان أدْفعَ عنه من كلّ أحد،لكنّه-أي مروان- يكتم ذلك وينضمّ إلى من ألّبوا على عثمان وأصرّوا على قتله،ويخرج معهم يوم الجمل.ومع أن عليّاً عليه السلام عفا عنه بعد المعركة إلاّ أنّ لُؤمَه لا يسمح بعرفان الجميل،فكان مَرْوان أشدّ الناس سبّاً ولعْناً لعليّ عليه السلام فيما بعد.قال ابن حجر في تطهير الجنان[41]:وبسند رجاله ثقات أنّ مَرْوان لمّا ولي المدينة كان يسبّ

عليّاً على المنبر كل جمعة،ثمّ ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسبّ،ثمّ أعيد مَرْوان فعاد للسّبّ،وكان الحسن يعلم ذلك ولا يدخل المسجد إلاّ عند الإقامة،فلم يرض بذلك مَرْوان حتى أرسل للحسن في بيته بالسّبّ البليغ لأبيه وله،ومنه:ما وجدت مثلك إلاّ مثل البغلة يُقال لها:من أبوك؟فتقول:أبي الفرس.فقال للرّسول:إرجع إليه فقل له:والله لاأمحوعنك شيئا مما قلت بأني أسّبّك،ولكن موعدي وموعدك الله،فإن كنت كاذبا فالله أشدّ نقمة قدأكرم جدّي أن يكون مثلي مثل البغلة.إلخ..

 ولم يختلف من المسلمين اثنان في أنّ سبّ الإمام ولعنه من الموبقات،وإذا صحّ ما قاله ابن معين كما حكاه عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب ج1ص509 أنّ كلّ من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وآله دجّال لا يُكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين،فقد باء البخاريّ بأمرعظيم حين اتّخذ من مَرْوان بن الحكم ومن على شاكلته رجالاً لصحيحه.

وفي الطبقات الكبرى ج5ص67: صلّى عبد الله بن حنظلة بالنّاس الظّهر ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال أيّها النّاس إنّما خرجتم غضبا لدينكم فأبلوا لله بلاء حسناً ليوجب لكم به مغفرته ويحلّ به عليكم رضوانه قد خبرني من نزل مع القوم السّويداء وقد نزل القوم اليوم ذا خشب ومعهم مَرْوان بن الحكم والله إن شاء الله مُحينُه بنقْضه العهْد والميثاقَ عندَ منبر النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم[42] فتصايح الناس وجعلوا ينالُون من مَرْوان ويقولون الوزغ بن الوزغ وجعل ابن حنظلة يهدئهم

ويقول أنّ الشّتم ليس بشيء ولكن اصدقوهم اللّقاء.

قال محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى (ج 5ص41):قال حسان [بن مالك بن بجدل] والله لئن بايعتم مَرْوان ليحسدنّكم علاقة سوْط وشراك نعل وظلّ شجرة إنّ مَرْوان وآل مَرْوان أهل بيت من قيس يريد أن مَرْوان أبو عشرة وأخو عشرة فإن بايعتم له كنتم عبيداً لهم(اهـ).

قال التّرمذي في الصحيح ج1 ص70:والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وغيرهم أنّ صلاة العيدين قبل الخطبة ويقال:إنّ أول من خطب قبل الصلاة مَرْوان بن الحكم .

وأخرج البخاري من طريق أبي سعيد الخدريّ[43] قال:خرجت مع مَرْوان وهو أمير المدينة في أضحى أوفطر،فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت

فإذا مَرْوان يريد أن يرتقيَه قبل أن يصلّيَ فجبذت ثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت:غيّرتم والله.فقال:أبا سعيد!قد ذهب ما تعلم.فقلت:ما أعلم والله خيرممّالا أعلم.فقال:إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.وفي لفظ الشافعي:يا أبا سعيد ترك الذي تعلم .اهـ

قال ابن عساكر في تاريخه ج 4ص227:أبى مَرْوان أن يُدفنَ الحسنُ في حُجرة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وقال:ما كنت لأدعَ ابن أبي تُراب يُدفن مع النّبيّ،قد دُفن عثمان بالبقيع.ومَرْوان يومئذ معزول يريد أن يرضي مُعاويَة بذلك،فلم يزل عدوّاً لبني هاشم حتى مات(اهـ).‍

وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب[44]:عن ابي سعيد الخدريّ قال لمّا نزلت إذا جاء نصرالله والفتح قرأها رسول الله حتّى ختمها وقال النّاس خير وأنا

وأصحابي خير[45] وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة فقال له مَرْوان بن الحكم كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج وهما قاعدان معه على

السّرير فقال أبو سعيد لوشاء هذان لحدّثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه وهذا يخشى أن تنزعه عن الصّدقة فرفع عليه مَرْوان درّته ليضربه فلما رأيا ذلك قالا صدق.اهـ

وقال القُرْطبيّ في تفْسيره ج14ص239:وهكذا يجب أن يُحَبّ ما أحبّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ويُبْغَضَ من أبغض وقد قابل مَرْوانُ هذا الحبّ بنقيضه وذلك أنّه مرّ بأُسامة بن زيد وهو يصلّي عند باب بيت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فقال له مَرْوان إنّما أردت أن نرى مكانك فقد رأينا مكانك فعل الله بك وقال قولاً قبيحاً فقال له أُسامة إنّك آذيتَني وإنّك فاحشٌ متفحّشٌ وقد سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول إنّ الله تعالى يبغض الفاحش المتفحّش.فانظرْ مابين الفعْليْن وقسْ ما بين الرّجليْن فقد آذى بنو أُميّة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم في أحبابه وناقضوه في محابّه..(اهـ).

وروى الطبراني[46]عن إسحاق بن أبي حبيبة مولى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة أنّ مروان بن الحكم أتى أبا هريرة في مرضه الذي مات فيه فقال

مروان لأبي هريرة ما وجدتُ عليك في شيء منذ أصطحبنا إلاّ في حبّك للحسن والحسين! قال فتحفّزأبوهريرة فجلس فقال أشهد لخرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنّا ببعض الطريق سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم صوت الحسن والحسين وهما يبكيان...الحديث.

أقول:هذا الحديث يدلّ على أنّ مروان بن الحكم كان جاحداً لآية المودّة في القربى" قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إنّ الله غفورشكور"،فإنّ العلماء لم يختلفوا في وجوب مودّة آل النبيّ صلى الله عليه وآله،وقد أخبرالنّبيّ صلى الله عليه وآله أنّ حبّ الحسنين من حبّه وبغضهما من بغضه في أحاديث كثيرة منها ما رواه إسحاق بن راهويه في مسنده[47]والنّسائي في السنن الكبرى[48] وغيرهما.

 

ومن أعمال مَرْوان قتله الأكدَراللّخميّ غدراً،قال ابن حجر في ترجمة الأكدراللّخمي[49]:له إدراك قال سعيد بن عفيرشَهدَ فتحَ مصرهو وأبوه وقال أبو

عمرالكنديّ في كتاب الخندق حدّثني يحيى بن أبي مُعاويَة بن خلف بن ربيعة عن أبيه حدّثني الوليد بن سليمان قال كان أكدر علويّاً وكان ذا دين وفضْل وفقه في الدّين وجالس الصحابة وروى عنهم وهو صاحب الفريضة التي تُسمى الأكدريّة وكان ممن سارإلى عثمان!وكان مُعاويَة يتألف قومه به فيُكرمه ويدفع إليه عطاءه ويرفع مجلسه فلما حاصر مَرْوان أهل مصر أجلب عليه الأكدر بقومه وحاربه بكل أمْر يكرهه فلما صالح أهل مصر مَرْوان علم أنّ الأكدر سيعود إلى فعلاته فألّب عليه قوماً من أهل الشّام فادعوا عليه قتل رجل منهم فدعاه فأقاموا عليه الشّهادة فأمربقتله قال فحدّثني موسى بن عليّ بن رباح عن أبيه قال كنتُ واقفاً بباب مَرْوان حين دعا بالأكدر فجاء ولا يدري فيما دُعي إليه[!] فما كان بأسرع من أن قُتل فتنادى الجُند قُتل الأكدر فلم يبق أحد إلاّ لبس سلاحه وحضروا باب مَرْوان وهم زيادة على ثمانين ألف إنسان فأغلق مَرْوان بابه خوفاً فمضوا إلى كريب بن أبرهة فأعلموه الخبرفوجدوه في جنازة زوجته بسيسة بنت حمزة بن عبد كلال فلما فرغ جاء صُحْبتهم إلى مَرْوان فدخل عليه فقال له مَرْوان إلي يا أبا رشيد فقال بل إليّ يا أميرالمؤمنين فقام إليه فألقى عليه رداءه وقال أنا له جارٌ فانْصرفَ الجيشُ عنه وذهب دمُ الأكدر هَدْراً(اهـ).

قلتُ:هذه هي الثّقافةالعشائريّة!يكفي أن يُلقيَ شيخُ العشيرة رداءَه على قاتل كيما يذهب دمُ المقتُول هَدراً !!أين هذا من ثقافة القصاص القرآنية؟ وأين هو من حديث " لو سرقتْ فاطمة بنت محمّد لقطعت يدها "؟

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغةج3ص37:روى الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسوّر،قالت: لما بنى مَرْوان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه،وكان المُسوّرممّن دعاه،فقال مَرْوان وهو يحدّثهم:والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه،فقال المسوّر:لو أكلتَ طعامك وسكتَّ كان خيراً لك.لقد غزوتَ معنا إفريقية وإنّك لأقلّنا مالاً ورقيقاً وأعواناً،وأخفّنا ثقلا،فأعطاك ابن عمّك خمس إفريقية وعملت على الصدّقات، فأخذتَ أموال المسلمين.

وهذه شهادة من المُسوَّربن مخرمة على مروان بأنه أخذ أموال المسلمين.

وقال الطبري[50]:...عن يسار بن أبي كرب عن أبيه وكان أبوكرب عاملا على بيت مال عثمان قال دفن عثمان رضي الله عنه بين المغرب والعتمة ولم يشهد

جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة.

وفي تاريخ مدينة دمشق(ج39ص526):وتوافى إلى موضع الجنائز صبيان ونساء فأخرجوا عثمان فصلّى عليه مَرْوان ثمّ خرجوا به حتى انتهوا به إلى البقيع فدفنوه[فيه]ممّا يلي حشان كوكب حتّى إذا أصبحوا أتوا أعبُد عثمان فأخرجوهم فرأوهم فمنعوهم من أن يدفنوهم فأدخلوهم حشان كوكب فإذا انفشوا خرجوا بهما فدفنوهما إلى جنب عثمان ومع كل واحد منهما خمسة نفروامرأة فاطمة أمّ إبراهيم بن عربي ثمّ رجعوا فأتوا كنانة بن بشر فقالوا إنّك أمسّ القوم بنا رحماً فأمُربهاتين الجيفتين اللّتين في الدّار أن تُخرجا فكلّمهم في ذلك فأبَوْا فقال أنا جارلآل عثمان من أهل مصر ومن لفّ لفّهم فاخرجوهما فارموا بهما فجرّ بأرجلهما فرمي بهما في البلاط فأكلتهما الكلاب وكان العبدان اللذان قتلا يوم الداريقال لهما نجيح وصبيح.

وقال ابن كثير[51]:

 ثم خرجوا بعبديْ عثمان اللذين قُتلا في الدّار وهما صبيح ونجيح رضي الله عنهما فدُفنا إلى جانبه بحُشّ كوكب،وقيل إنّ الخوارج[52] لم يمكّنوا من دفْنهما بل

جرّوهما بأرجُلهما حتى ألقوهما بالبلاط فأكلتهما الكلاب!وقد اعتنى مُعاويَة في أيام إمارته بقبر عثمان،ورفع الجدار بينه وبين البقيع،وأمرالناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتى اتّصلت بمقابر المسلمين.

وفي تاريخ الطّبريّ ج2ص659:قال فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى النّاس من نفسه التّوبة فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال أمّا بعد أيّها النّاس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله وما جئت شيئا إلاّ وأنا أعرفه ولكنّي منّتني نفسي وكذبتني وضلّ عنّي رشدي ولقد سمعت النّبيّ يقول من زلّ فليَتبْ ومن أخطأ فليتبْ ولا يتمادَ في الهَلَكَة إنّ مَن تمادى في الجوْركان أبعد من الطّريق فأنا أوّل من اتّعظ أستغفرُ الله ممّا فعلت وأتوبُ إليه فمثلي نزع وتاب فإذا نزلْتُ فليأْتني أشرافُكم فليُرُوني رأيَهم فوالله لئنْ ردّني الحقّ عبداً لأستننّ بسنّة العبد ولأذلّنّ ذلّ العبد ولأكوننّ كالمرقُوق إنْ مُلك صبَر وإن عُتق شكَر وما عن الله مذهب إلاّ إليه فلا يعجزنّ عنْكم خيارُكم أن يدنُوا إلي لئن أبَتْ يَميني لتُتابعنّي شمالي قال فرقّ النّاس له يومئذ وبكى مَن بكى منهم وقام إليه سعيد بن زيد فقال يا أميرالمؤمنين ليْس بواصل لك من ليس معك اللهَ اللهَ في نفسك فأتْممْ على ما قلت فلما نزل عثمان وجد في منزله مَرْوان وسعيداً ونفراً من بني أُميّة ولم يكونوا شهدوا الخطبة فلما جلس قال مَرْوان يا أمير المؤمنين أتكلّمُ أم أصْمتُ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبيّة لا بل اصمتْ فإنّهم والله قاتلُوه ومُؤثمُوه إنّه قد قال مقالةً لا ينبغي له أن ينزع عنها فأقبل عليها مَرْوان فقال ما أنت وذاك فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ[![[53]فقالت له مهلاً يا مَرْوان عن ذكر الآباء تخبرعن أبي

وهو غائب تكذب عليه وإنّ أباك لا يستطيع أن يدفع عنه أما والله لولا أنّه عمّه وأنّه يناله غمّه أخبرتُك عنه ما لن أكذب عليه.قال فأعرضَ عنها مَرْوان ثم قال ياأميرالمؤمنين أتكلّمُ أم أصمتُ قال بل تكلّمْ! فقال مَرْوان بأبي أنتَ وأمّي والله لوددتُ أنّ مقالتَك هذه كانت وأنت مُمْتنعٌ مَنيعٌ فكنتُ أوّلَ من رضيَ بها وأعانَ عليها ولكنّك قلتَ ما قلتَ حين بلغ الحزامُ الطّبْييْن وخلفَ السّيلُ الزُّبَى[54]وحين أعطى الخطّة الذّليلة الذّليل والله لإقامةٌ على خطيئة تَستغفر الله منها أجملُ من توْبة

تخوّفُ عليها وإنك إن شئت تقرّبت بالتّوبة ولم تُقررْ بالخطيئة!! وقد اجتمع إليك على الباب مثلُ الجبال من النّاس فقال عثمان فاخرجْ إليهم فكلّمْهم فإنّي أستحي أنْ أكلّمهم قال فخرج مَرْوان إلى الباب والنّاس يركبُ بعضُهم بعضاً فقال ما شأنُكم قد اجتمعتُم كأنّكم قد جئتم لنهْب شَاهَت الوُجُوه كلّ إنسان آخذٌ بأُذُن صاحبه إلاّ من أريد جئتُم تُريدون أن تنزعُوا مُلكَنا من أيْدينا اخرُجُوا عنّا أمَا والله لئن رُمْتُمُونا لَيَمُرّنّ عليكم منّا أمرٌ لا يَسرّكُم ولا تحمَدوا غبّ رأْيكم ارجعُوا إلى منازلكم فإنّا والله ما نحنُ مغْلُوبين على ما في أيْدينا قال فرجع النّاس وخرج بعضُهم حتى أتى عليّاً فأخبرَهُ الخبرَفجاء عليّ عليه السلام مُغضَباً حتى دخل على عثمان فقال أما رضيتَ من مَرْوان ولا رضيَ منك إلاّ بتحرُّفك عن دينك وعن عقْلك مثل جمل الظّعينة يُقاد حيث يُسار به والله ما مَرْوان بذي رأْي في دينه ولا نفْسه وأيمُ الله إنّي لأراه سيُوردُك ثمّ لا يُصدرُك وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمُعاتَبتك أذهبتَ شرفَك وغُلبتَ على أمْرك فلما خرج عليّ دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأتُه فقالت أتكلّم أوأسْكتُ فقال تكلّمي فقالت قد سمعتُ قول عليّ لك وإنّه ليس يُعاودك وقد أطعتَ مَرْوان يقودُك حيث شاءَ قال فما أصنعُ قالت تتّقي الله وحدَه لا شريك له وتتّبع سنّةَ صاحبيْك من قبْلك فإنّك متى أطعْت مَرْوان َقتلَك ومَرْوان ليْس له عنْد النّاس قدْرولا هيبَة ولا محبّة! وإنّما تركَكَ النّاس لمَكَان مَرْوان فأرسلْ إلى عليّ فاسْتصْلحْهُ فإنّ له قرابةً منْك وهولا يُعْصى قال فأرسلَ عُثمان إلى عليّ فأبى أنْ يأتيَه وقال قد أعلمتُه أنّي لستُ بعائد.

أقولُ:كيف يصلُح للخلافة من يغلبه على رأْيه مَنْ ليْس له عنْد النّاس قدْر ولا هيبَة ولا محبّة بشهادة نائلة بنت القرافصة؟وانظرْ إلى قول مروان " والله لإقامةٌ على خطيئة تَستغفرالله منها أجملُ من توْبة تخوّفُ عليها "! فمتى كانت الإقامة على الخطيئة جميلةً؟! إنّه الذّوْق الأُمويّ الفَاسدُ الذي لا يُبالي الذي بما يحدث طالما سَلمتْ مصلحةُ الشّجرة الملْعُونة في القرآن.وإن يكنْ عثمانُ يعتقدُ أنّ الخلافةَ قميصٌ ألبسه الله إيّاه،فإنّ مروان يراها مُلْكاً أمويّاً ليس لغير بني أمية فيه نصيب،وهذه عبارته يقول فيها صريحاً:"جئتم تريدون 0623ن تنزعوا مُلكَنا من أيدينا ".  

وأورد السيوطي في تاريخ الخلفاء ج1ص 218 هذا الشعر:

يا قوم لا تُغلَبوا عن رأْيكم فلقَدْ     جرّبتُم الغدرَ من أبْناء مَرْوانا

أمْسَوا وقد قَتَلُوا عمراً وما رشدُوا    يدْعون غدراً بعهْد الله كيسانا

ويقتُلون الرّجالَ البُزْلَ ضاحيةً      لكَيْ يُولّوا أمورَ النّاس ولْدانا

 تلاعَبُوا بكتاب الله فاتّخَذُوا        هواهُمُ في معاصي الله قُرآنا

ولا يُبالي مَرْوان أن يقتلَ ريحانة النّبيّ صلى الله عليه وآله وسيّدُ شباب أهْل الجنّة إرضاءً ليزيد.ذكر ابن عساكرفي تاريخ دمشق مايلي[55]:

عن زريق مولى مُعاويَة قال لما هلك مُعاويَة بعثني يزيد بن مُعاويَة إلى الوليد بن عتبة وهو أمير المدينة وكتب إليه بموت مُعاويَة وأن يبعث إلى هؤلاء الرّهط وأن يأمرَهم بالبيْعة قال فقدمتُ المدينة ليلاً فقلتُ للحاجب استأذن لي فقال قد دخلَ ولا سبيلَ لي إليه فقلت إنّي جئْتُ بأمْر فدخل فأخبَره فأذن له وهو على سريره فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة مُعاويَة واستخلافه جَزعَ من موت مُعاويَةَ جزعاً شديداً فجعل يقُوم على راحلته ثمّ يرمي بنفْسه على فراشه ثمّ بعث إلى مَرْوان فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة فنعى له مُعاويَة وأخبره أنّ يزيد كتب إليه أن يبعثَ إلى هؤلاء الرّهْط فيدعوهم إلى البيعة ليزيد قال فترحّم مَرْوان على مُعاويَة ودعا له بخيروقال ابعثْ إلى هؤلاء الرّهْط السّاعة فادْعُهُم إلى البيْعة فإنْ بايعوا وإلاّ فاضربْ أعناقَهم قال سُبحان الله أقْتُلُ الحسينَ بنَ عليّ وابنَ الزّبيْر قال هُو ما أقول لك.اهـ

عبد الملك بن مَرْوان:

قال العسكري:وأوّل خليفة بخل عبد الملك وكان يسمّى رشحَ الحجارة لبُخْله ويُكنى أبا الذّبّان لبَخَره قال وهو أوّل من غَدَرَفي الإسْلام وأوّل من نهى عن الكلام بحضرة الخُلفاء وأوّل من نهى عن الأمر بالمعروف ثمّ أخرج بسنَده عن ابن الكلبيّ قال كان مَرْوانُ بنُ الحَكَم ولّى العهدَ عَمْرو بْنَ سعيد بن العاص بعد ابْنه فقَتَلَهُ عبدُ المَلك وكان قتْلُه أوّل غدْر في الإسْلام[56].

وقال محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى ج5ص225:..فتخلّف عبدُ الملك بذي خشب وأمرَ رسولاً أن ينزل مخيض وهي فيما بين المدينة وذي خشب على اثني عشر ميلاً من المدينة وآخرَ يحضُر الوقْعةَ يأتيه بالخبروهو يخاف أن تكونَ الدّولة لأهل المدينة فبينما عبدُ الملك جالسٌ في قصْر مَرْوانَ بذي خشب يترقّب إذا رسولُه قد جاءَ يُلَوّحُ بثوْبه فقال عبدُ الملك إنّ هذا لبشير فأتاه رسولُه الذي كان بمخيض يخبره أنّ أهل المدينة قد قُتلوا ودخلَها أهلُ الشّام فسجدَ عبدُ الملك ودخلَ المدينةَ بعدَ أنْ برأ(اهـ).

سجدَ عبدُ الملك بن مَرْوان لأنّ مدينةَ النّبيّ صلى الله عليه وآله استُبيحَت وفَجَرَ أهلُ الشّام بنسائها بعدَ أنْ قتلُوا رجالَها.وعبدُ الملك هذا هوالذي قال:لا يأمُرني أحدٌ بتقْوى الله بعد مقامي هذا إلاّ ضربْتُ عُنُقَه.وهوالذي يقول فيه الحسن البصري:ما أقُول في رجُل الحجّاجُ سيّئةٌ من سيّئاته.

 أبو الأعور السّلميّ :

 قال محمّد بن سعد[57]:تجهزّت قُريْش وجمعوا أحابيشَهم ومن ‌تبعَهم من العرب فكانوا أربعةَ آلاف وعقدُوا اللّواء في دارالنّدوة وحمله عُثمان بن طلحة بن أبي

طلحة وقادوا معهم ثلاثمائة فَرَس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا يقودُهم أبو سُفْيان بن حرب بن أُميّة ووافتْهُم بنو سليم بمرّ الظّهران وهم سبعمائة يقودهم سُفْيان بن عبد شمس حليف حرب بن أُميّة وهو أبو أبي الأعْوَر السّلميّ الذي كان مع مُعاويَة بصفّين وخرجتْ معَهُم بنُو أسَد يَقُودُهم طلحة بن خُويْلد الأسديّ وخرجت فزارة..(اهـ).

ويُستفاد من ذلك أنّ ولاء أبي الأعورالسّلميّ لم يكن دينيّا كما يدّعيه المدافعون عن مُعاويَة،وإنما هي قضيّة أحْلاف جاهليّة بقيت تتحكّم في العقول،فلا عجَب أن يكون أبو الأعْور حليفاً لمُعاويَة ضدّ علي بن أبي طالب عليه السلام وقد سبق ذلك تحالُفُ أبَويْهما ضدّ النّبيّ صلى الله عليه وآله!

قال أبو القاسم الطبراني [58]:  

 حدّثنا محمّد بن عون عبد الرحمن بن أبي عوف قال قال عمرو بن العاص وأبو الأعْور السّلميّ لمعاوية إنّ الحسن بن علي رضي الله عنهما رجل عييّ فقال معاوية رضي الله عنه لا تقولا ذلك فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد تفل في فيه ومن تَفَلَ النّبيّ في فيه فليس بعَييّ فقال الحسن بن عليّ رضي الله عنه أمّا أنت يا عمرو فإنّه تنازع فيك رجُلان فانظرْ أيّهما أبوك وأمّا أنت يا أبا الأعورفإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعن رعلا وذكوان وعمرو بن سفيان(اهـ).

إضافةً إلى ما سبق،فقد ثبت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام قنت في صلاته بلَعْن جماعة منهْم أبو الأعْورالسلمي وأبو موسى الأِشعريّ.

النعمان بن بشير بن سعد:

قال ابن سعد[59]:النّعمان بن بشير بن سعد من بني الحارث بن الخزرج وأمّه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة من بني الحارث بن الخزرج ويكنى

النّعمانُ أبا عبد الله وكان أوّلَ مولود من الأنصار وُلد بالمدينة بعد هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم ولد في شهرربيع الآخرعلى رأس أربعة عشرشهرا من هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم هذا في رواية أهل المدينة وأمّا أهل الكوفة فيروُون عنه رواية كثيرةً يقولُ فيها سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فدلّ على أنّه أكبرُ سنّاً مما روى أهلُ المدينة في مولده وكان وليَ الكوفةَ لمُعاويَة بن أبي سُفْيان وأقام بها وكان عثمانيّاً ثمّ عزلَه مُعاويَة بن أبي سُفْيان فصارإلى الشّام فلمّا مات يزيد بن مُعاويَة دعا النعمان لابن الزّبير وكان عاملاً على حمْص فلمّا قُتل الضّحّاكُ بن قيس بمرج راهط في ذي الحجّة سنة أربع وستّين في خلافة مَرْوان بن الحكم هرب النّعمان بن بشير من حمْص فطلبه أهْلُ حمص فأدركُوه فقتلُوه واحتزّوا رأسَه ووضعُوه في حجْر امرأته الكلبيّة(اهـ).

و قال ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء ج2 ص 463 كان النّعمان ذا منزلة من مُعاويَة.

ولم يتورّع عن هجاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال فيما روى ابن أبي الحديد[60]:وقد اعتورته الأعداء وهجته الشعراء،فقال فيه النعمان بن بشير:

 لقد طلب الخلافة من بعيد     وسارع في الضلال أبو تراب

 معاوية الإمام وأنت منها       على وتح بمنقطع السراب

وقال لقيس بن سعد بن عبادة في صفين[61]:إنكم يا معشرالأنصارأخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلكم أنصاره يوم الجمل وإقحامكم على أهل الشام بصفّين

فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا كان هذا بهذا ولكنّكم خذلتم حقّا ونصرتم باطلاً..

ولا عجب من تخطئته الأنصار،لكن العجب من نسبته الخطأ إلى النّبيّ صلى الله عليه وآله!فإنّه سمّاهم النّاكثين والقاسطين.

بسر بن أرطاة الفهريّ:                      

قال الشّيخ محمّد عبده[62]بخصوص بسر:يقال بُسْرُبْن أبي أرطاة وبُسْربن أرطاة وهوعامريّ من بني عامر بن لؤي بن غالب سيّره مُعاويَة إلى الحجاز بعسكر

كثيف فأراق دماء غزيرةً واستكْرهَ النّاسَ على البيْعة لمُعاويَة وفرّمن بين يديْه والي المدينة أبو أيّوب الأنصاريّ ثمّ توجه والياً على اليمن فتغلّب عليها وانتزعها من عبيد الله بن العبّاس وفرّعبيد الله ناجياً من شرّه فأتى بُسْر بيتَه فوجدَ له ولديْن صبيّيْن فذبَحهُما وباء بإثمهما قبّح الله القسوةَ وما تفعل ويُروى أنّهما ذُبحا في بني كنانة أخْوالهما وكان أبوهُما تركَهُما هناك وفي ذلك تقول زوجة عبيد الله :

 يا من أحسّ بابنيّ اللّذين هُما *     كالدّرتين تشظّى عنهما الصّدفُ

 يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما *   قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف

 من ذلّ والهة حيرى مدلّهة  *     على صبيّين ذلاّ إذ غدا السّلف

خبّرت بُسْراً وما صدّقتُ مازعمُوا * من إفْكهم ومن القوْل الذي اقْتَرفُوا

 أنْحى على ودجيْ ابنيّ مُرهفة *     مشحُوذةً وكذاك الإثْم يُقترَف

وتروى هذه الأبيات بروايات شتّى فيها تغْيير وزيادة ونقص.

وقال ابن أبي الحديد[63]:قالوا:دعا عليّ عليه السلام على بُسْرفقال:اللهمّ إنّ بُسْراً باع دينَه بالدّنْيا،وانْتهكَ مَحارمك،وكانت طاعةُ مخلوق فاجرآثرَعنْده ممّا عنْدك.اللهمّ

فلا تُمتْه حتى تسلُبَه عقْلَه،ولا تُوجب له رحمتَك ولا ساعةً من نهار،اللهم العنْ بُسراًوعمراً ومُعاويَةَ وليحلّ عليهم غضبُك[64]،ولتنزل بهم نقمتك وليصبهم بأسُك

ورجزُك الذى لا تردّه عن القوم المجرمين.فلم يلبث بُسربعد ذلك إلاّ يسيراً حتّى وسوسَ وذهبَ عقلُه،فكان يهْذى بالسّيف،ويقول:اعطُوني سيفاً اقتلْ به،لا يزال يردّد ذلك حتى اتُّخذَ له سيفٌ من خشب،وكانوا يُدنون منه المرفَقة،فلا يزال يضربُها حتى يُغشى عليه،فلبث كذلك إلى أن مات .

وقال ابن حجر في ترجمة الأسود[65]:وقال الزّبير بن بكّارحدّثنا سُفْيان بن عيينة عن عمروبن دينارقال:بعث مُعاويَة بسربن أبي أرطاة إلى المدينة وأمره أن

يستثيررجلاً من بني أسد يقال له الأسود بن فلان فلما دخل المسجد سدّ الأبواب وأراد قتلَهم حتّى نَهاه الأسود(اهـ).

وفي التّاريخ الصغير للبخاري[66]:حدثني سعيد [..]أبو نعيم وهب بن كيسان مولى الزّبيرأنّه سمع جابربن عبد الله يقول قدم بسربن أرطاة المدينة زمان مُعاويَة

فقال لا أبايع رجلاً من بنى سلمة حتى يأتي جابرفأتيتُ أمَّ سلَمةَ بنت أبي أُميّة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فقالت بايعْ فقد أمرتُ عبد الله بن زمعة ابن أخي أن يبايع على دمه وماله أنا أعلم أنّها بيعة ضلالة(اهـ).

أقول:هذه أمّ سلمة المرأةُ الصّالحة تشهدُ على هذه البيعة أنّها بيعةُ ضلالة،فهل يكون المسلمون مُلزَمين ببيعة ضلالة؟وهل يقبل الله تعالى بيعة الضلالة؟وما هو موقف الذين يروون في صحاحهم" وكل ضلالة في النار"؟!

اختلفوا في وفاة بسرـ كما جرت العادة في الوفيات ـ فقيل:"مات أيّام معاوية وقيل بقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان وهو قوْلُ خليفة وبه جزَم ابن حبّان وقيل مات في خلافة الوليد سنة ستّ وثمانين حكاه المسعودي ".[67]

أبو هُرَيْرَة الدوسي :

قال الذّهبيّ في تذكرة الحفاظ(ج1ص36):أخبرنا إبراهيم بن يوسف [..]عن محمّد بن زياد قال كان مُعاويَة يبعث أبا هُرَيْرَة على المدينة،فإذا غضب عليه بعث مَرْوان وعزله فلم يلبث أن بعث أبا هُرَيْرَة ونزع مَرْوان فقال لغلام أسود قف على الباب فلا تمنع إلا مَرْوان،ففعل الغلام ثم جاء مَرْوان نوبة فدخل وقال حُجبنا،قال:إنّ أحقّ من لا أنكَرَهذا لأنت(اهـ).

المغيرة بن شعبة الثقفي :

وهورجل شهد عليه جماعة من اصحابة بالزنا،وشهد عليه عمربن الخطاب بالفسق وجَبَهَه بذلك،وكذلك فعَلَ أهل الكوفة،وقد ذكرتُ أخباره بالتفصيل في كتاب " قراءة في سلوك الصحابة " وأنا أعيدُ ذكربعض منها ههنا لمن لم يطّلع على الكتاب المذكور،كي لا يكون الكلام بلا دليل.ولأنّ قصّة إسلام الصّحابيّ تكشف عن جوانب من شخصيته إن كان إسلامه عن طواعية ورغبة ،فإنّني أشيرإلى أنّ إسلام المغيرة بن شعبة لم يكن كذلك،ولو قلتُ أنّه عاش على غير الإيمان ومات على غيرالإيمان ما ظلمته،فإنّه كان ممّن شارك في الهجوم على بيت فاطمة بنت النّبيّ عليها السلام وخرج من الدّنيا مُصِرّاً على سبّ ولعن وشتم علي بن أبي طالب عليه السّلام،وآية المنافق بُغض عليّ عليه السلام.

قصة إسلام المغيرة:

قال ابن سعد في الطبقات الكبرى(ج4ص258):[..]محمّد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم قالوا:قال المغيرة بن شعبة:كنا قوما من العرب متمسّكين بديننا،ونحن سَدَنَة اللاّت فأراني لورأيتُ قومَنا قد أسلموا ما تبعتُهم!فأجمع نفرٌمنْ بني مالك الوفودَ على المقوقس وأهدوا له هدايا فأجمعت الخروج معهم فاستشرت عمّي عُرْوة بن مسعود فنهاني وقال ليس معك من بني أبيك أحدٌ فأبيْتُ إلاّ الخروجَ فخرجتُ معهم وليس معهم من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندريّة فإذا المُقوْقس في مجلس مطلّ على البحر فركبتُ زوْرقاً حتى حاذيْتُ مجلسَه فنظرَإليّ فأنكَرني وأمرَمَن يسألُني مَن أنا وما أريد فسألني المأمورفأخبرتُه بأمرنا وقُدومنا عليه فأمربنا أن نُنزَل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافةً ثمّ دعا بنا فدخلنا عليه فنظرإلى رأس بني مالك فأدْناه إليه وأجلسَه معَه ثمّ سأله أكلّ القوم من بني مالك؟فقال نعم إلاّ رجلاً واحداً من الأحلاف فعرّفه إيّاي فكنت أهونَ القوم عليه ووضعوا هداياهم بين يديْه فسُرّبها وأمرَبقبضهاوَأَمرلهم بجوائزوفضّل بعضهم على بعض وقصّرَبي فأعطاني شيئا قليلاً لا ذكْر له وخرجْنا فأقبلتْ بنو مالك يشترُون هدايا لأهليهم وهم مسرُورون ولم يَعرض عليّ رجل منهم مواساةً وخرجُوا وحملوا معهم الخمْروكانوا يشربُون وأشربُ معهُم وتأبى نفْسي تدعُني ينصرفُون إلى الطّائف بما أصابوا وما حباهم الملكُ ويُخبرون قومي بتقصيره بي وازْدرَائه أيّاي فأجمعتُ على قتْلهم! فلمّا كنّا ببسا تمارضتُ وعصبْتُ رأسي فقالوا لي مالَك قلت أُصدَع فوضعُوا شرابَهم ودعَوْني فقلت رأسي يُصدع ولكنّي أجلسُ فأسْقيكُم فلم يُنكروا شيئاً فجلستُ أسْقيهم وأشربُ القدحَ بعد القدح فلما دبّت الكأسُ فيهم اشتَهَوا الشّراب فجعلتُ أصرفُ لهمْ و أنزعُ الكأسَ فيشربون ولا يدْرُون فأهْمَدَتْهُم الكأس حتى ناموا ما يعْقلُون فوثبتُ إليهم فقتلتُهم جميعا وأخذتُ جميعَ ما كان معهُم فقدمتُ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأجدُه جالساً في المسْجد مع أصْحابه وعليَّ ثيابُ سفَري فسلّمتُ بسلام الإسْلام فنظرَ إلى أبي بكربن أبي قُحافة و كان بي عارفاً فقال ابن أخي عُرْوة قلت نعم جئتُ أشهدُ أن لا إله إلا الله و أنّ محمّدا رسول الله فقال النّبيّ صلى الله عليه و سلم الحمد لله الذي هداك للإسلام فقال أبو بكرأمنْ مصرأقبلتم؟قلت نعم قال فما فعل المالكيّون الذين كانوا معك؟ قلت كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشّرك فقتلتُهم وأخذتُ أسلابَهم وجئت بها إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليخمّسها[68]أويرى فيها رأيه فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدّق بمحمّد صلى الله عليه و سلم فقال النّبيّ صلى الله

عليه و سلم أمّا إسلامك فقبلته ولا آخذ من أموالهم شيئا ولا أخمّسه لأنّ هذا غدْر والغدرلاخير فيه قال فأخذني ما قرُب وما بعُد وقلتُ يا رسول الله إنّما قتلتهم وأنا على دين قومي[!] ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة قال فإن الإسْلام يجبّ ما كان قبله..    

هذه قصّة إسلام المغيرة بن شعبة،وقد اختصرها الصّنعاني في المُصنّف ج5ص299 ؛وقد سـمّى النّبيّ صلى الله عليه و سلم وآله فعلة المغيرة غدرا،ولم يقبل مالَه،لأنّ الإسْلام لا يقبلُ إلا طيّبا.وانظرإلى قلّة حياء المغيرة حين يقول " غنيمة من مشركين"وهوقد كانَ مُشركاً حينَ قتلَهُم!

وروى الطّبريّ[69]أنّ مُعاويَة بن أبى سُفْيان لمّا ولّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 دعاه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال أمّا بعد فإنّ لذي الحلم قبل

اليوم ما تقرع العصا وقد قال المتلمّس لذى الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا**وما علم الإنسان إلا ليعلما وقد يجزي عنك الحكيم بغيرالتعلّم وقد أردتُ إيصاءَك بأشياء كثيرة فأنا تاركُها اعتماداً على بصرك بما يُرضيني ويُسعد سُلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركاً إيصاءَك بخصلة لا تتحمّ عن شتْم عليّ وذمّه[70]والترحّم

على عثمان والاستغفارله والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه و الإدناء لهم والسّماع منهم.فقال المغيرة قد جرّبت وجرّبت وعملتُ قبلَك لغيرك فلم يذممْ بى دفْع ولا رفْع ولا وضْع فستبْلُو فتحمد أو تذمّ ثمّ قال بل نحمد إن شاء الله .

وذكر الطّبريّ أيضاً في تاريخه عند ذكره أحداث سنة 17 ما يلي[71]:

[..] فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدّثون في مشربته فهبّتْ ريحٌ ففتحتْ باب الكوّة فقام أبو بكرة ليصفقَه فبصُربالمغيرة وقد فتحت الرّيح باب كوّة مشربته وهو بين رجلي امرأة فقال للنّفر قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثمّ قال اشهدوا قالوا ومن هذه قال أمّ جميل ابنة الأفقم وكانت أمّ جميل إحدى بني عامر بن صعصعة و كانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف ..!

قال الجوهري[72]:وكانت الرّقطاء التي رُميَ بها المغيرة تختلف إليه في أيّام إمارته الكوفة،في خلافة مُعاويَة في حوائجها فيقضيها لها..وكانت الرّقطاء هذه

مغنّيةً من أضْرب النّاس على آلات اللّهو والطّرب،[وقال حسّان بن ثابت يهجو المغيرة بن شعبة في هذه القصّة] :

 لو أنّ اللّؤم يُنسب كان عبداً    قبيح الوجْه أعود من ثقيف

 تركت الدّيـن والإسْلام لمّا    بدت لك غدوة ذات النّصيف

 وراجعت الصّبا وذكرت لهواً   من القينات والعمر اللّطيف

والقصة ذكرها البلاذري في الفتوح[73].

وقال ابن كثيرفي البداية والنهاية(ج8ص41):قال ابن وهب سمعت مالكاً يقول كان المغيرة بن شعبة يقول:صاحب المرأة الواحدة يحيضُ معها ويمرض معها،وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان،وصاحب الأربع قريرالعيْن،وكان يتزوّج أربعاً معاً ويطلّقهنّ معاً،وقال عبد الله بن نافع الصائغ أحصنَ المغيرة ثلاثمائة امرأة.وقال غيره ألف امرأة.وقيل مئة امرأة وقيل ثمانين امرأة ‍!

ومن كلام الحسن بن عليّ عليهما السّلام في جمهرة خطب العرب[74]يردّ على المغيرة بن شعبة في مجلس مُعاويَة:وإنّ حدّ الله في الزّنا لثابتٌ عليك ولقد درأ

عُمرعنك حقّاً اللهُ سائلُه عنه،ولقد سألتَ النّبيّ صلى الله عليه وآله هلْ ينظرُ الرّجل إلى المرأة يريدُ أن يتزوّجها فقال لابأس بذلك يا مغيرةُ ما لم يَنْو الزّنا لعلْمه بأنّك زان!

وفي سيرأعلام النبلاء(ج3ص31):عاصم الأحول،عن بكربن عبدالله،عن المغيرة بن شعبة قال:لقد تزوّجتُ سبعين امرأة أوأكثر.أبوإسحاق الطالقانيّ: حدّثناابن المبارك قال:كان تحت المغيرة بن شعبة أربعُ نسوة قال:فصفّهنّ بين يديْه وقال:أنتنّ حسناتُ الأخلاق،طويلات الأعناق،ولكنّي رجل مطلاق فأنتنّ الطّلاق!

 وفيه أيضاً[75]:قال ابن شوذب:أحصن المغيرة أربعا من بنات أبي سُفْيان،وكان آخرمَن تزوّج منهنّ بها عَرَج.

 وفي جمهرة خطب العرب ج2 ص22: تكلّمَ المغيرة بن شعبة فشتم عليّاً وقال والله ما أعيبُه فى قضيّة يخون ولا فى حُكم يَميل ولكنّه قتل عُثمان.اهـ

وقال ابن حجر في الإصابة ج 6 ص157:قال البغويّ حدّثني حمزة [..] عن المطّلب بن حنطب قال قال المغيرة أنا أوّل من رشا في الإسْلام جئت إلى يرفأ حاجب عُمَروكنتُ أجالسه فقلت له خذ هذه العمامة فالبسْها فإنّ عندي أختَها فكان يأنَس بي ويأذَن لي أن أجلس من داخل الباب فكنت آتي فأجلس في القائلة فيمرّالمارّ فيقول إنّ للمغيرة عند عُمر منزلة إنّه ليدخل عليه في ساعة لا يدخل فيها أحد( أهـ).

وفي أسد الغابة ج4ص407 ـ في ترجمة المغيرة ـ :وهوأوّل من وضع ديوان البصرة وأوّل من رشا في الإسْلام.أعطى برقا[ وفي تاريخ دمشق (ج60 ص18)يرفأ] حاجب عمر شيئا حتى أدخله على دارعمر. (انتهى)

وفي سير أعلام النبلاء ج1ص105: خطب المغيرة فـنال من عليّ..

و أيضا (ج1ص103):...أنّ المغيرة كان في المسجد الأكبروعنده أهل الكوفة فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبلَ المغيرة فسبّ و سبّ فقال سعيد بن زيد من يسبّ هذا يا مُغيرة قال:يسبّ عليّ بن أبي طالب..

وللمغيرة أخبارعجيبة مذكورة في كتب التّاريخ والأدب، يأبى المقلّدة إلاّ أن يجعلوا منها مفاخر لأهل ذلك الزمان،حتّى الدّهاء مفخرة،والاحتيال على الضّعفاء والبسطاء مفخرة،ولله في خلقه شؤون؛وقد خصصتُ فصلاً كاملاً للمغيرة في كتاب "قراء في سلوك الصّحابة "،لمن أن يعرف عنه أكثر[76].

 أبو موسى الأشعري :

وكثير من الناس يعدّونه في أصحاب عليّ عليه السلام وليس كذلك،فإنّ اختياره للتّحكيم لم يكن من قبل عليّ عليه السلام،بل كان يتّهمه،وقَنتَ بلعْنه فيمابعد،وإنّما يرجع أمراختياره إلى الأِشعث بن قيس الكنديّ.وقد صرّحوا أنّه كان واجداً على عليّ عليه السلام،وكان يريد أن يعيد الخلافة في آل الخطّاب في رجُل لم يُحسن طلاقَ امرأته وبايعَ يزيدَ والحجاجَ وخذّل النّاس وثبّطهم عن بيعة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فإن صحّت نسبة الكلمات التالية إلى مُعاويَة فإنها تكون كاشفة عن مودّة وثيقة بين أبي موسى الأشعريّ ومُعاويَة.                        

وذكر ابن أبي عاصم[77]:[..] عن أبي بردة قال دخلتُ على مُعاويَة وبه قُرْحَتُه التي ماتَ فيها فقال يا بن أخي أُدْنُ فانظر فرأيتُها مبسورة فدعا يزيد فقال إنّ

أباهذا كان لي أخاً!فاستوْص به خيراً فإنّ أباه كان لي أخاً غيرأنّي وإياه اختلفْنا فرأيتُ القتالَ ولم يَرَهُ(انتهى).

 وقد طمع فيه معاوية وأرسل إليه واعتنى بولده أيّام دولته؛قال ابن سعد[78]:أخبرنا عفّان[..]عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال قال أبوموسى كتب اليّ

مُعاويَة سلام عليك أما بعد فإنّ عمروبن العاص قد بايعني على الذي قد بايعني عليه وأقْسم بالله لئن بايعتَني على ما بايعني عليه لأبعثنّ ابنيْك أحَدهما على البصرة والآخرعلى الكوفة،ولا يُغلق دونك باب ولا تقضى دونك حاجة!وإنّي كتبتُ إليك بخطّ يدي فاكتبْ إليّ بخطّ يدك فقال يا بنيّ إنّما تعلّمت المعجم بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه و سلم قال وكتب إليه مثلَ العقارب أمّا بعد فإنّك كتبتَ إليّ في جسيم أمرأمّة محمّد صلى الله عليه و سلم لا حاجة لي فيما عرضتَ عليّ.قال فلمّا وليَ أتيتُه فلم يُغلقْ دوني باب ولم تكن لي حاجة إلاّ قُضيت(اهـ).

 سُفْيان بن عوف الغامدي :

سُفْيان بن عوف من بني غامد قبيلة من اليمن من أزد شنوءة بعثَه مُعاويَة لشنّ الغارات على أطراف العراق تهويلاً على أهْله(اهـ).[79]

عبد الله بن عمرو بن العاص :

 وهذا الرّجل وإن لم يكن على طريقة المغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة بن أبي معيط،إلاّ أنّه أطاع أباه في معصية الله تعالى،وحارب إمام زمانه[80] وضمّ صوته

إلى أصوات أهل الباطل،وذكرهو بنفسه ماهو حُجّة عليه.قال ابن كثيرفي البداية والنهاية(ج2ص186):وقال الإمام أحمد:حدّثنا أبو مُعاويَة[..]عن عبد الرحمن،أنّ عبد ربّ الكعبة قال:انتهيت إلى عبد الله بن عمرو وهوجالس في ظلّ الكعبة فسمعته يقول:بينا نحن مع النّبيّ صلى الله عليه و سلم في سفرإذ نزل منزلاً فمنّا مَن يضرب خباءَه،ومنّا من هوفي جشرة[81]،ومنّا من ينتضل إذ نادى مناديه:الصلاة جامعة قال فاجتمعنا قال فقام النّبيّ صلى الله عليه و سلم فخطبنا فقال:" إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلاّ دلّ

أمّته على خير ما يعلمه لهم،وحذّرهم ما يعلمه شرّاً لهم،وإنّ أمّتكم هذه جُعلت عافيتها في أوّلها،وإنّ آخرها سيصيبها بلاء شديد وأموريُنكرونها تجئ فتن يريق بعضها بعضا،تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي.ثمّ تنكشف ثم تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه ثم تنكشف فمن سرّه منكم أن يزحزح عن النّاروأَنْ يدخلَ الجنّة فلتدركه موتتُه وهو مؤمن بالله واليوم الآخروليأت إلى النّاس الذي يحبّ أن يؤتى إليه،ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخرينازعه فاضربوا عنق الآخر".قال فأدخلت رأسي من بين النّاس فقلت أنشدك بالله أنت سمعت هذا من النّبيّ صلى الله عليه و سلم قال فأشاربيده إلى أذنيه وقال:سمعته أذناي،ووعاه قلبي.قال:فقلت هذا ابن عمّك ـ يعني مُعاويَة ـ يأمرُنا أن نأكل أموالَنا بيننا بالباطل،وأن نقتل أنفسنا وقد قال الله تعالى:(ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)[82]قال فجمع يديه فوضعهما على جبهته ثم نكس هنيهة.ثمّ رفع رأسه فقال أطعْهُ في طاعة الله واعْصه في معْصية الله.ورواه أحمد أيضا عن وكيع عن

الأعمش به وقال فيه أيّها الناس إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلاّ كان حقّاً عليه أن يدلّ أمّته على ما يعلمه خيرا لهم وينذرهم ما يعلمه شرّاً لهم وذكر تمامه بنحوه.وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنّسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش.ورواه مسلم أيضاً من حديث الشّعبيّ عن عبد الرحمن بن عبد ربّ الكعبة عن عبد الله بن عمر عن صلى الله عليه و سلم بنحوه.اهـ

والطريف في القصة أنّ عبد الله بن عمْرولم ينكرعلى عبد ربّ الكعبة ما قاله عن معاوية،ولعلّه خشي أن يكون من عناصر جهازالأمن السّرّيّ التابع لمعاوية،وإلاّ فلمَ نكسَ هنيهةً والسؤال واضح؟!

وقد أقرّ مُعاويَة عبد الله بن عمروبن العاص بعد وفاة أبيه على القاعدة الجارية التي يلتزم بها كل من يلي لمُعاويَة أمرا،والمتمثّلة في سبّ ولعن عليّ بن أبي طالب في الجمعة وغيرها من المناسبات.وكان له نصيبه من تسريب إسرائيليات كعب الأحبار إلى تراث المسلمين،وهوصحابيّ ابن صحابيّ!

 زياد بن أبيه :

والمفروض أن كلّ إنسان ابنُ أبيه،لكنّ زياداً يختلف عن غيره في كونه دُعيَ إلى أكثرمن أب.وقد نزل قرآن يحرّم التبنّي وبقول بصراحة "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله "غيرأنّ مُعاويَة لا يبالي بالقرآن الكريم حينما يعارض مصلحته،لذلك سارع إلى إلحاق زياد بن عبيد بأبي سُفْيان صخربن حرب،ووقعت جرّاء ذلك فضائح وقضايا لم يستطع تداركَها مُعاويَةُ ولا غيره،بل إن أشد الناس ميلاً إلى مُعاويَة لا يستطيع الدّفاع عنه في هذه المسألة إلاّ أن يكفُر بالقرآن الكريم.والمعلوم بالوجدان أنّ المرء لا يحبّ أنْ يُنسَب إلى غيرأبيه كما أنّه لا يحبّ أن يعيّرَ أحدٌ أباه بالزّنا لأنّه أمرٌ ممقوت من كلّ الوجوه،لكنّ مُعاويَة لم يُبال بذلك واستلحقَ زياداً وأقرّعلى أبيه أبي سُفْيان بالزنا وأقرّ زياد على أمّه سميّة بالزّنا وهذا أبعدُ ما يُتصوّرمن العُقوق،لأنّ الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى الوالدين.وزياد هذا هوأوّل من ألّف في مثالب العرب؛قال ابن النديم[83]:" قال محمّد بن إسحاق قرأت بخطّ أبي الحسن بن الكوفيّ أوّل من ألّف في المثالب كتاباً زيادُ بنُ أبيه فإنّه لمّا ظُفرَ عليْه وعلى

نَسَبه عملَ ذلك ودفعَهُ إلى ولده وقال استظْهرُوا به على العَرب فإنّهم يكُفّون عنكم "(اهـ).وقال نعيم بن حماد في كتاب الفتن ص131:[..]ثمّ إنّ مَرْوان ردّعبد الملك إلى مُعاويَة في حاجته فلما أدبرعبد الملك قال مُعاويَة أنشدك بالله ياابن عبّاس أما تعلم أنّ النّبيّ صلى الله عليه و سلم ذكرهذا فقال أبو الجبَابرَة الأربعة قال اللّهم نعم،فعنْد ذلك ادَّعَى مُعاويَةَ زيادَ بنَ عُبَيْد(اهـ).

سمرة بن جندب :

 صاحب حديث "خيرالقرون" كما في تاريخ بغداد[84]،وقد كان في خاتمته آيةٌ للمُتدبّرين؛قال ابن سعد[85]:كان له حلف في الأنصاروصحب النّبيّ صلى الله عليه

وسلم وكان زياد بن أبي سفيان يستعمله على البصرة إذا قدم الكوفة.قال أخبرنا وهب بن جرير بن حازم أراه عن أبيه قال سمعت أبا يزيد المديني قال لمّا مرض سمرة بن جندب مرضه الذي مات فيه أصابه برد شديدٌ فأوقدت له نارٌ فجعل كانوناً بين يديْه وكانوناً خلفه وكانوناً عن يمينه وكانوناً عن يساره قال فجعل لا ينتفع بذلك ويقول كيف أصنع بما في جوفي فلم يزل كذلك حتى مات(اهـ).وسمرة آحد الذين قال لهم النّبيّ صلى الله عليه وآله "آخركم موتاً في النار"،وكان آخرهم موتاً،لذلك تمحّل له ابن حجرالعسقلانيّ وابن عبد البرّ لصرف الحديث عن معناه.[86]

  وأما أنصارمُعاويَة العوامّ فقد جاء في وصفهم ما ذكره ابن قيّم الجوزية قال[87]:ذكرالحافظ أبوالقاسم بن عساكررحمه الله تعالى في تاريخه عن هشام بن سعد قال قدم عبد

الله بن الكوّا على مُعاويَة فقال له أخبرني عن أهل البصرة قال يقاتلون معاً ويدبرون شتّى قال فأخبرني عن أهل الكوفة قال أنظرُ الناس في صغيرة وأوقعُهم في كبيرة قال فأخبرني عن أهل المدينة قال أحرصُ الناس على الفتنة وأعجزُهم عنها قال فأخبرني عن أهل الموصل قال قلادة وليدة فيها من كل شيء خرزة قال فأخبرني عن أهل مصرقال لقمة آكل قال فأخبرني عن أهل الجزيرة قال كناسة بين مدينتين قال فأخبرني عن أهل الشام قال جند أمير المؤمنين لا أقول فيهم شيئا قال لتقولنّ قال أطوَعُ النّاس لمخلوق وأعصاهم لخالق


 

[1] تاريخ الخلفاء ـ السيوطي ـ ج1ص174

[2] المستطرف في كل فن مستظرف ـ الأبشيهي ـ ج1ص132

[3] المصدرالسابق ج1ص134

[4] شرح نهج البلاغة –ابن أبي الحديد - ج 1 ص 334

[5] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 1 ص 336

[6] أنساب الأشراف- البلاذري - ص 72

[7] قال ابن منظور في باب وجم الوجوم : السكوت على غيظ [ أبو عبيد ]إذا اشتد حزنه حتى يمسك عن الطعام . لسان العرب ج 12 ص 630.

5 شرح نهج البلاغة ج 2 ص 124

[8] الشبق: شدة الشهوة عند الرجل.

 

[10] شرح نهج البلاغة ج 1ص 339

[11] أحكام أهل الذّمّة/ ابن قيم الجوزية /ج1ص91

[12] نفس المصدر ج1ص490

[13] أحكام أهل الذّمّة ج1ص455

[14] البداية والنهاية ـ ابن كثيرـ ج 1ص 19

[15] عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء " ج1ص175 دار مكتبة الحياة بيروت 1403 هـ تحقيق د.نزار رضا

 قال الجوهري:ورجل قعدد إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر.[صحاح الجوهري ج2 ص526][16]  

 

 

 

[17]تاريخ ابن خَلْدُون ج 3 ص 3

[18] نفس المصدر في ج2ص130

[19] الآحاد والمثاني ـ ابن أبي عاصم ج 1ص 382

[20] سيرأعلام النبلاء ج 1ص 330

[21] تاريخ خليفة بن خياط العصفريّ ص 112

 

[22] معجم البلدان ج 5 ص 40

2 كتاب الفتن ص128 تحت رقم 306

 

[24] كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ـ ج1ص128

[25] الفتن ـ نعيم بن حمّاد ـ ج1ص 128

[26] كان حكم عثمان من آخر سنة 23 هـ إلى سنة 35هـ .

[27] شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ج 2ص 216

[28] حلية الأولياء ـ أبو نعيم الأصفهاني ـ ج2ص125

[29] أنساب الأشراف (المختصر ) ص 291 تحت رقم364

[30] الرياض النضرة ج1ص204

[31] الإصابة - ابن حجر ج 2ص 25

[32] الحُلّة السيراء للقضاعي ج1 ص16[ط دار المعارف1985] :

وقال يخاطب معاوية بن أبي سفيان (رض) : معاوي إني بعت ديني ولم أنل ** به منك دنيا فانظرن كيف تصنع ــ وما الدين والدنيا سواء وإنني** لآخذ ما تعطى ورأسي مقنع ـ فإن تعطني مصرا فأربحْ بصفقةٍ** أخذتَ بها شيخا يضرّ وينفع . قال عمرو هذا لأنّه شرط على معاوية لما تحيّز إليه وكان معه في حروبه لعليّ رضي الله عنهم أن يولّيه إذا ظهر مصرَ طعمة فوفى له بذلك . ورُوِيَ أنّ عتبة بن أبي سفيان دخل على معاوية أخيه وهو يكلّم عمراً في مصر وعمرو يقول له إنّما بعتك بها ديني فقال له عتبة أثْمِنِ الرّجُلَ بدينهِ فإنّه صاحبٌ من أصحاب محمد . اهـ

[33] الشاعر هو أبو فراس الحمداني والقصيدة في ديوانه : أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

[34] انظر تاريخ الطبري ج3ص393 وتاريخ دمشق ج55ص27

[35] شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ج 8ص 64

[36] تاريخ اليعقوبي ج2 ص221/ دار صادر/ بيروت

[37] الطبقات الكبرى محمد بن سعد ج 5ص 35

[38] يصل قرابته من أموال المسلمين،ولا يجد المؤرخون في ذلك حرجاً ويسمّونه تأوّلاً وهو اختلاس لأموال الدولة، والدليل على ذلك أن معاصري عثمان لم يوافقو المؤرخين ولم يلتفتوا إلى هذا التأوّل وكان ذلك من بين الأسباب التي أدّت إلى قتل عثمان؛ ومعاصرو عثمان أعلم بحاله ممن جاء بعدهم بقرون.

[39] قال السيوطي تاريخ الخلفاء ج1ص196:فسمّي هذا العام( عام41) عام الجماعة لاجتماع الأمّة فيه على خليفة واحد وفيه ولى مُعاويَة مَرْوان بن الحكم المدينة.

[40] تاريخ المدينة – عمر بن شبة النميري ج 4 ص 1170

[41] تطهير الجنان هامش الصواعق ص 142

[42] قال ابن قتيبة في الامامة والسياسة ج 1ص 230(بتحقيق الشيري): ثمّ اجتمع رأي أهل المدينة أن يحلفوا كبراء بني أمية عند منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لئن لقوا جيش يزيد ليردونهم عنهم إن استطاعوا ، فإن لم يستطيعوا مضوا إلى الشام ولم يرجعوا معهم ، فحلفوا لهم على ذلك ، وشرطوا عليهم أن يقيموا بذي خشب.

[43] صحيح البخاري ج2ص4

[44] الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ ابن عبد البر ـ ج1ص8

[45] وعند غيره: الناس حيز وأنا وأصحابي حيز

[46] المعجم الكبيرـ الطبراني ـ ج 3ص 50

[47] مسند إسحاق بن راهويه ج1 ص 248 : أخبرنا الملائي حدثنا سفيان عن أبي الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني قال يعني الحسن والحسين.

[48] الحديث بنفس اللفظ في السنن الكبرى للنسائي ج5ص49 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص 48 وتاريخ دمشق ج 14ص132 وص152وتهذيب الكمال ج6ص229وص255وص401وص437وسير أعلام النبلاء ج3ص254 وتهذب التهذيب ج2ص261والإصابة ج2ص62وفي البداية و النهاية في أكثر من موضع.

[49] الإصابةج 1ص 353تحت رقم 486

[50] تاريخ الطبري ج2ص 687 دار الكتب العلمية بيروت 1407

2 البداية والنهاية لابن كثير ج 7ص 213 ـ 214

3 المعلوم أنّ الخوارج هم الذين خرجوا على علي عليه السلام أيّام خلافته ،وأمّاإن كان كل من خرج على الحاكم خارجيّا فيلزم منه تسمية      

    طلحة والزبير وعائشة ومن معهم خوارج.

[53] هذا مبلغ مروان من الأدب أنْ يعيّر المرأة بمحضر زوجها، وهذا مبلغ عثمان من الغيرة أن تُنتهر زوجته بمحضره!!

[54] بلغ السيل الزبى : هي جمع زبية وهي حفرة تحفر للأسد إذا أرادوا صيده وأصلها الرابية لا يعلوها الماء فإذا بلغها السّيل كان جارفا مجحفا؛ يُضرب لما جاوز الحدّ[ مجمع الأمثال ـ الميداني ـ ج1ص91].

[55] تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ـ ج 19 ص 17

[56] هذه الأخيرة فيها نظر فإنّ الغدر ثابت قبلها كما في قصة خالد بن الوليد ومالك بن نويرة وقصة مسلم بن عقيل وقصة سعيد بن العاص [والد عمر بن سعيد المغدور به] مع أهل طبرستان كما هو مذكور في تاريخ مدينة دمشْق لابْن عساكر ج 21 ص 124

[57] الطبقات الكبرى محمّد بن سعد ج 2 ص 66

[58] المعجم الكبير - الطبراني ج 3  ص 72

[59] الطبقات الكبرى لمحمّد بن سعد ج 6  ص 53

[60] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 13  ص 240

[61] جمهرة خطب العرب ج1 ص366

[62] هامش ص63 من الجزء 1 من نهج البلاغة  محمّد عبده

[63] شرح نهج البلاغة ج 2 ص 18

[64] فيه دليل على جواز لعن المذكورين بدون أيّ حرج، فإنّ عليّا عليه السلام أقضى الأمّة بعد النّبيّ (صلى الله عليه وآله فلو كان لعنُهم غير جائز لما أقدم عليه.

[65] الإصابة ـ ابن حجر ـ ج 1 ص 221

[66] التاريخ الصغير ـ البخاري ج1 ص 141  

[67] الإصابة ج1 ص289

[68] هذا كلام جدير بالتأمّل فإنّ المغيرة قتل أصحابه غدراً وهو على الشّرك ثمّ جاء يخمّس ما غنمه وهوعلى الشّرك.وهو لم يأت في الحقيقة إلاّ لحقن دمه، ولهذا بقيت معالم الكفر واضحة في أقواله وأعماله.ومن المؤسف أنّ في بعض بلدان المسلمين مساجد كتب أعْلى أبوابها " مسجد المغيرة بن شعبة ".

[69] تاريخ الطبري ج 4 ص 188

[70] هذه العبارة مفحمة للذين ينكرون أمر معاوية بسب علي وشتمه.

[71] تاريخ الطبري ج2 ص493  

[72] السقيفة وفدك- الجوهري ـ  ص 95-96

[73] فتوح البلدان ـ البلاذري ـ ج 2  ص 423

[74] جمهرة خطب العرب ج2ص22  

[75] سير أعلام النبلاء – الذّهبيّ ـ ج 3  ص 30

[76] طالع "قراءة في سلوك الصحابة" الصفحة163إلى الصفحة 225.

[77] الآحاد والمثاني ـ ابن أبي عاصم ـ ج1 ص380تحت رقم ( 517)

[78] الطبقات الكبرى ـ محمّد بن سعد ـ ج 4 ص 111

[79] كذا في نهج البلاغة. وقد اختلفوا في سنة وفاته، قال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق - ج 21 ص 352 : [ أبو عبيد القاسم بن سلام قال سنة اثنتين وخمسين فيها توفي سفيان بن عوف الأزدي مات شاتيا بالروم وذكر الواقدي أنه توفي سنة أربع وخمسين فالله أعلم أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع اللفتواني في كتابه أنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن أنا أبو بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني أنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة أنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس قال سفيان بن عوف الأزدي قتل بأرض الروم سنة خمس وخمسين وكذا قال ابن يونس وقول من قال إنه مات أصح والله أعلم.] وجزع معاوية لموته.

[80] أقول " إمام زمانه " وفق ما تذهب إليه مدرسة الخلفاء، فإنّ الإمام عليّاً عليه السلام بايعه المهاجرون والأنصار طائعين غير مكرهين.

[81] قال ابن منظور في لسان العرب ج 4 ص 137 : جشر : الجشر : بقل الربيع وأورد عبارة الحديث.

[82] النساء : 29

[83] الفهرست ـ ابن النديم ـ ج1ص131

[84] حديث خير القرون عن سمرة في تاريخ بغداد ج 5 ص 344

[85] الطبقات الكبرى - محمد بن سعد ج 6 ص 34

[86] الحديث في المعتصر من المختصر من مشكل الآثار لأبي المحاسن الحنفي ج2ص370 عالم الكتب بيروت , مكتبة المتنبي القاهرة و : التاريخ الصغير البخاري ج1ص106 دار الوعي ,حلب مكتبة دار التراث القاهرة \ 13971977 تحقيق محمود إبراهيم زايد و لسان الميزان ـ بن حجر أ العسقلاني ـ ج7ص12 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 14061986 تحقيق دائرة المعرف النظامية - الهند - تهذيب التهذيب ابن حجر ج4ص207 العسقلاني دار الفكر بيروت – 1984 علل الحديث: عبد الرحمن بن محمد الرازي (ابن أبي حاتم ج1ص351 دار المعرفة بيرو ت 1405تحقيق : محب الدين الخطيب

[87] اجتماع الجيوش الإسْلاميّة ـ ابن قيم الجوزية ـ ج1ص 70

 

.. قبل ..        .. الرئيسية ..         .. بعد ..