قلنا ان الزعامه او الوجاهه او الامر فى مكه قد استقر لصالح قبيله قريش، وتتكون هذه القبيله من خمسه وعشرين بطنا، وكانت ظاهريا قبل الاسلامتظهر بمظهر واحد، وتلوح كانها وحده واحده لها علم يرمز لوحدتها، ويحمل بنو عبدالدار هذه الرايه، وتسمى برايه قريش كلها، ولها قياده ممثله بالبطن الاموى، وتظهر هذه القياده وتتصرف على اساس انها قياده لكل بطون قريش، ويكرم الهاشميون ويطعمون الحجيج ويسقونه ويسهلون اقامته، وينفقون عليه، ويحسنون وفادته، فيتحدث الناس عن كرم قريش كلها، وحسن وفادتها، فكان الهاشميون يكرمون باسم قريش كلها، وكان بنى عبدالدار يحملون رايه قريش كلها، وكان الامويون يقودون قريش كلها..الخ.
وباختصار كانت قريش تظهر امام الاخرين كانها كتله واحده بصرف النظر عما بين بطونها من ضغائن، وحسد، ودغاله.
اما فى الحق والحقيقه فقد كانت وحده البطون تاكل من الداخل وتنذر بانهيار مريع.
وجاءت الاعلانات المتبادله الصادره عن محمدبن عبداللّه من جهه، وعن بطون قريش ال23 من جهه اخرى، لتعجل حركه التاكل الداخلى، ولتكرس علنا واقع انقسام المجتمع المكى، فانقسم المجتمع المكى الى قسمين.
1 - القسم الاعظم عددا ومددا ظاهريا، ويتالف من بطون قريش الثلاثه والعشرين من والاهم من الموالى والاحابيش، وقد اعلنوا بلسان واحد، انهم سيقفون ضد محمد، وضد دعوته، وانهم لن ياذنوا له بان يفسد عليهم امرهم.
2 - اما القسم الثانى وهو الاقل عددا، ويتالف من محمد رسولاللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن بطنه الهاشمى ومن بطن بنى المطلببن عبد مناف، وممن والى هذين البطنيين من الموالى والاحابيش يضاف اليهم الذين اعتنقوا دين محمد.
وقد اعلن محمد انه لن يتراجع عن دعوته حتى لو وضعوا الشمس فى يمينه والقمرفى يساره، وانه ملزم بتبليغ رسالات ربه.
تلخيص الانقسام
بمعنى ان قريش تتكون من خمسه وعشرين بطنا وقف منها مع محمد بطنان هما البطن الهاشمى وبطن بنى المطلب بن عبد مناف ووقف ضده الى 23 بطنا الاخرى من بطون قريش.
حتميه المواجهه
محمد بن عبد اللّه مصر على دعوته، وهو ماض بتبليغ رسالات ربه، ولا مساومه فى هذه الناحيه، فها هو يقول لعمه الذى راجعته مشيخه بطون قريش، وطلبت منه ان يتدخل لدى محمد للتوقف عن دعوته:
(واللّه ما انا بقادر ان ارد ما بعثنى به ربى، ولو ان يشعل احدهم من الشمس نارا)، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم مره اخرى:
(يا عم واللّه لو وضعوا الشمس فى يمينى، والقمر فى يسارى على ان اترك هذا الامر حتى يظهره اللّه او اهلك فيه ما تركته).
وموقف عماده البطن الهاشمى آنذاك المتمثله بابى طالب مرتبط ارتباطا وثيقا بموقف النبى، فها هو ابو طالب يقول باسم الهاشميين:
(واللّه لننصرنه ثم لنعيننه)، ويقول فى موقف آخر مخاطبا النبى:
(يا ابن اخى اذا اردت ان تدعو الى ربك فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح)، وقال فى موقف ثالث مخاطبا مشيخه قريش:
(واللّه لبئس ما تسوموننى، اتعطونى ابنكم اغدوه لكم، واعطيكم ابنى تقتلونه، هذا واللّه ما لا يكون ابدا).
وقوله للنبى:
(اذهب يا ابن اخى فقل ما احببت، فواللّه لا اسلمك لشىء ابدا)، وعندما اشيع يوما ان محمدا قد قتل، رتب ابو طالب موامره لقتل كل سادات قريش دفعه واحده، وحضر محمد والفتيه الهاشميون على وشك تنفيذ امر ابى طالب بقتل سادات قريش، عندئذ اعلن ابو طالب تفاصيل ما قرره، وكشف الفتيه الهاشميون عن سلاحهم، فادركت مشيخه قريش الجد الهاشمى.
بمعنى ان النبى ماض بدعوته، وان الهاشميين وعلى راسهم عميدهم آنذاك ابوطالب لن يسلموه وسيحموه.
ولن يسمحوا لاحد ان يمس شعره منه وسيردون على ايهاساءه توجه الى النبى، وفى حاله قيام قريش بقتل محمد، فان الهاشميين سيقتلون سادات قريش كلهم، وسيقاتل الهاشميون والمطلبيون حتى يفنوا، وتفنى بطون قريش كلها.
كذلك فان بطون قريش ال23 بقياده البطن الاموى مصره على الحيلوله بين محمد ودعوته للّه، ومصره على منعه وعلى تعويق دعوته، وعلى المحافظه على عقيدتها عقيده الشرك وعلى نظامها السياسى وامرها كله، وفى سبيل ذلك هى على استعداد لتعادى محمدا، والهاشميين واتباع محمد، وان تستعدى العرب قاطبه على محمد ومن والاه مستغله نفوذها الادبى عند العرب لتحقيق ذلك مما يجعل المواجهه بين محمد والبطنين الهاشمى والمطلبى ومن شايع محمد من جهه، وبين بطون قريش ال23 واشياعها من جهه اخرى قدرا محتوما لا مفر منه.
اهداف بطون قريش من المواجهه مع النبى
فور اعلان النبى عن بشائر النبوه والرساله والكتاب، وبمجرد انفضاض الاجتماع الهاشمى الذى عقد فى دار النبى، اعلنت زعامه بطون قريش ال23 بقياده البطن الاموى، وبالتحديد ابو سفيان وآله(حاله الطوارىء)، واعلنوا المواجهه مع النبى خاصه ومع الهاشميين عامه، ومع من والاهم، واخذت هذه المواجهه اشكالا مختلفه طوال حياه النبى بدءا من السخريه والاستهزاء والاغراء والتكذيب، وانتهاء بالحرب المسلحه التى شنوها على النبى وآله، والتى وضعت اوزارها بهزيمه البطون الساحقه، ثم عوده البطون للتشكيك بكل ذلك من وراء جدر.
وغايه بطون قريش ال23 وهدفهم من هذه المواجهه ينصب على ما يلى:
1 - صرف شرف النبوه والرساله والكتاب عن محمد الهاشمى لمجرد كونه هاشميا، وعن آله لكونهم هاشميين، لانه ليس من الانصاف براى البطون ان ينال البطن الهاشمى هذا الشرف وحده من دون بطون قريش ال25 (65)، ومن جهه ثانيه فان محمدا ليس عظيما من عظماء القرشيين حتى يكون جديرا بهذا الشرف(لولا نزل هذا لقرآن على رجل من القريتين عظيم) (66).
2 - التصدى بكل وسائل التصدى للنبوه والرساله والكتاب حتى لا ينجح محمد بدعوته، وحتى لا يفلح بنسف عقيده الشرك، واحلال عقيده الاسلام محلها، وتبعا لذلك ستسقط زعامه الشرك(زعامه بطون قريش) وتحل محلها آليا زعامه محمد الهاشمى كونه الاعلم والافهم بهذه العقيده، ولانه مرجعها اليقينى الوحيد، وكون محمد همزه الوصل بين السماء واتباع هذه العقيده، وحيث ان الرهط هو الذى يحتضن محمدا ويحتضن دعوته، فحتما مقضيا سيكون الهاشميون بطانه زعامته، وسيكون خليفته منهم، وقد عرفت البطون وقائع اجتماع الهاشميين الذى عقد فى دار النبى، وسمعت تلك البطون بقول النبى للمجتمعين:
(ايكم يوازرنى على هذا الامر ويكون اخى ووزيرى وخليفتى فيكم...، وسمعوا بقوله لعلى بن ابى طالب انت اخى وخليفتى...) (67).
وبهذه الحاله تقع الطامه الكبرى براى البطون، ويجمع الهاشميون شرف النبوه، وشرف الملك وعزه، ويقع المحذور على حد تعبير عمربن الخطاب رضى اللّه عنه ابن بطون قريش البار وترجمانها الامين فيما بعد (68).
3 - وفى سبيل تحقيق ذلك يجب ان تتحد بطون قريش ال23 فى وحده حقيقيه، وان تقف وقفه رجل واحد، وتسلم قيادتها للبطن الاموى ليقود المواجهه ضد نبوه محمد ومطامع الهاشميين، وهكذا كان اذا اتحدت البطون وتولى الامويون بقياده ابى سفيان وذريته كبر مواجهه النبى ومواجهه دينه، والصد عن سبيل اللّه مستغله نفوذها الادبى عند العرب، بوصفهم جيران بيت اللّه الحرام وسدنته.
4 - ووسيله البطون الى ذلك كله تتمثل بعزل محمد عن بنى هاشم، فمحمد مجرد رجل يسهل قتله والقضاء على دعوته، ولكن العقبه الكوود هم بنو هاشم الذين اعلنوا انهم حماه النبى، وان اى اعتداء عليه من قبل البطون هو بمثابه اعلان حرب لن تضع اوزارها حتى يفنى الهاشميون والبطون معا (69)، لذلك رات البطون استعمال كل الوسائل لعزل محمد عن الهاشميين، وان اصر الهاشميون على عدم التخلى عن محمد يتوجب عزل الهاشميين انفسهم عن البطون، وفرض محاصرتهم ومقاطعتهم (70)، وبالتالى عزل الهاشميين عن العرب، وان لم تنجح هذه الوسائل فيتوجب على البطون ان تقدم رجالا منها ليشتركوا جميعا بقتل محمد فيضيع دمه بين البطون، ولا يقوى الهاشميون على المطالبه بدمه، وان لم تنجح محاوله القتل، فيتوجب ملاحقه محمد اينما حل، ومحاربته حتى يتم القضاء التام عليه وعلى دعوته (71).
5 - واثناء ذلك كله يجب صد الناس عن دين محمد ودعوته، وملاحقه الذين اتبعوا دينه وعزلهم والتضييق عليهم، وحملهم على ترك هذا الدين، وتشويه سمعه محمد بين الناس وعند العرب، واشاعه الدعايات الكاذبه عنه، والقول بانه -حاشا له-مجنون او كاهن او شاعر، او كاذب...الخ، والتشكيك بكل ما يقوله، وان القرآنالذى جاء به(ان هو الا اساطير الاولين..الخ).
وبايجاز فان بطون قريش حسدت محمدا واهل بيت محمد فضلا خصهم اللّه به، فتصرفت طوال حياه النبى بدوافع الغيره والحسد، وحسد بطون قريش امر ظاهر (72).
(ام يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله) (73).
التقى ابن ابى شريف مع ابى جهل وقال له اترى محمدا يكذب؟ فقال له ابوجهل كيف يكذب على اللّه وقد كنا نسميه الامين، لانه ما كذب قط !
، ولكن اذا اجتمعت فى بنى عبد مناف السقايه والرفاده والمشوره، ثم تكون فيهم النبوه فاى شىء يبقى لنا!!
وكان ابو سفيان يقول(كنا وبنى هاشم كفرسى رهان، كلما جاءوا بشىء جئنا بشىء مقابل، حتى جاء منهم من يدعى خبر السماء فانى ناتيهم بذلك) (74).
هذا هو نمط تفكير البطون، وتلك هى الدوافع الخفيه لفهم مواقف تلك البطون.
الفصل الرابع: المواجهه
طبيعه المواجهه:
مع ان المواجهه بين النبى والهاشميين ومن شايعهم من جهه، وبين بطون قريش ال23 واشياعهم من جهه اخرى، قد اصبحت قدرا محتوما ولا مفر منه، الا ان هذه المواجهه محكومه ومضغوطه فى المرحله الاولى منها (75) بعوامل متعدده، تجعل من هذه المواجهه مواجهه نفسيه واعلاميه وتهديديه، او ان شئت فقل انها حرب بارده، فابو طالب سيد البطحاء، والشيخ الفعلى لقريش كلها، وهو حكيمها وشاعرها وسيدها وابن سيدها، وهو عميد البطن الهاشمى، ومحمد هو ابن شقيق ابى طالب، وهذا عامل من اهم العوامل التى تجعل المواجهه بين الفريقين محكومه ومضغوطه، فضلا عن ذلك فان ابا طالب لم يقطع صلته بالبطون بل كان يستقبل وفودها، ويستمع لمطالب تلك الوفود، وينقل تلك المطالب لابن اخيه محمد، ويسمع رده عليها وينقل الرد لوفود قريش (76)، ويساهم بذلك بتلطيف حده الصراع وابقائه ضمن حدود معينه.
كما ان ابا طالب قد ابلغ بطون قريش واثبت لهم بانه قد هم بان يقتل سادات البطون كلهم عندما ظن بان محمدا قد قتل، وانه قد خصص لكل سيد من سادات البطون هاشميا ليقتله، فادركت بطون قريش ان عمليه قتل النبى مكلفه، وانها ستفتح عليها سلسله من الثارات لا تنتهى الا بدمار قريش، وساعدت قناعه البطون تلك على لجم المواجهه، وجعلها بحدود معينه، بالاضافه الى ذلك فان البطن الهاشمى وبطن بنى المطلب قد اعلنا حمايتهما للنبى، وانهما لن يسلماه، ولن يسمحا لاحد بايذائه (77)، فمحمد بحمايه هذين البطنين الهاشمى والمطلبى، وهذان البطنان قوه حقيقيه معروفه عند العرب بفخرها وشرفها ومكانتها، ولا تملك بطون قريش امكانيه تجاهلها، خاصه بعد ان ايقنت تلك البطون بجديه الموقف الهاشمى، انظر الى قول ابى طالب مخاطبا ومتوعدا ومحذرا لبطون قريش:
(واللّه لو قتلتموه ما ابقيت منكم احدا حتى نتفانى نحن وانتم) (78).
وانظر الى قوله مخاطبا النبى:
(يا ابن اخى اذا اردت ان ندعو الى ربك، فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح) (79) كان عاملا من اهم العوامل التى حددت طبيعه المواجهه بين الفريقين، فاخذت المواجهه بين الفريقين فى السنين العشر الاولى طابعا او مناخا يشبه مناخ الحرب البارده بين القوى العظمى، فكل قوه تتمسك برايها وعقائدها ولا تتراجع عنها، وموقفه ان الصدام قدر لا مفر منه، ولكنها لا تعرف متى ولا اين؟ وتجهل نتائجه!
مما طبع المواجهه الاولى بطابع الحرب النفسيه والاعلاميه، وجعلها ملجومه بحدود معينه حتى حين.
جبهتان وقيادتان للمواجهه:
مع اعلان النبى لبشائر النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد او الاماره من بعد النبى، ومع اعلان البطنين الهاشمى وبطن بنى المطلب حمايتهما للنبى، وعدم تسليمه، وعدم السماح لاى كان بايذائه، واعلان الهاشميين بانهم سيقاتلون بطون قريش حتى آخر رجل اذا قامت تلك البطون بقتل محمد (80)، ومع دخول عدد من الناس فى دين الاسلام (81)، ومع اصرار بطون قريش ال23 على رفض النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد، واعلانها بانها ستقاوم محمدا بكل وسائل المقاومه.. مع هذا كله تكونت واقعيا جبهتان تتواجهان، وقيادتان تتنافسان:
الجبهه الاولى جبهه الايمان:
وتتكون هذه الجبهه من البطن الهاشمى، وبطن بنى عبد المطلب، ومن مواليهما واحابيشهما بالاضافه الى القله التى دخلت فى دين الاسلام، وهذه هى جبهه الايمان.
الجبهه الثانيه جبهه الشرك والعصيان:
وتتكون هذه الجبهه من بطون قريش ال23 ومواليها واحابيشها، بمعنى ان مقاليد الامور فى مكه -ام القرى- كانت بيد قبيله قريش، وان هذه القبيله كانت تتكون من 25بطنا (82)، ومع اعلان بشائر النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد انقسمت بطون قريش الى قسمين، فالبطن الهاشمى وبطن بنى عبد المطلب بن مناف وقفا الى جانب النبى، وشكلوا معه نواه جبهه الايمان، اما بقيه بطون قريش ال23 فقد رفضوا نبوه محمد، واعتبروها هاشميه، واخلالا بتوازن البطون القرشيه، وخروجا هاشميا على الصيغه السياسيه السائده فى مكه.
ورفضوا الدين الاسلامى على اعتبار انه اثر من آثار نبوه محمد، وتبعا لذلك شكلوا جبهه عريضه هى جبهه الشرك، لغايات مقاومه النبوه المحمديه، ومقاومه الدين الاسلامى المنبثق عن هذه النبوه، وللصد عن سبيل اللّه المتمثل بمحمد وبدين الاسلام.
القيادتان:
عندما تتكون جبهتان متعارضتان، وعندما تصبح المواجهه بينهما قدرا محتوما، وقاب قوسين او ادنى، فمن الطبيعى ان تبرز قياده لكل جبهه من الجبهتين المتنافستين، تتولى عمليه التدبير والتخطيط، وتعمل على تحقيق اهداف الجبهه من المواجهه، فمن الذى كان يقود جبهه الايمان، ومن الذى كان يقود جبهه الشرك؟
قياده جبهه الايمان:
ظهرت فكره الايمان النقى بظهور نبوه محمد، حيث استقطب بنبوته الهاشميين وبنى المطلب، والقله التى آمنت من بطون قريش واحابيشها ومواليها، ومن هولاء تكونت جبهه الايمان، وكرده فعل لظهور هذه الجبهه، تجمع الرافضون لفكرتى النبوه والايمان وشكلوا جبهه الرفض والتصدى(جبهه الشرك)، وغايتها الغاء النبوه الهاشميه او القضاء عليها، واجهاض فكره الايمان، ومنع الدين الجديد من الانتشار.
وبهذه الحاله فان طبائع الامور ومنطقها يقضيان بان تكون قياده جبهه الايمان بيد محمد (صلىاللّه عليه وآله وسلم)، فهو النبى والرسول المكلف بتبليغ رسالات ربه، وهو الاعلم بمضامين تلك الرسالات، وهو الاكثر اخلاصا لها، وهو الذى يتلقى التوجيهات الالهيه بالذات، ويبلغها لاتباعه، وبالضروره هو ولى من آمن به وناصره، وهو امير الجماعه المسلمه وقائدها وامامها، ومن المحال عقلا ان تكون قياده جبهه الايمان بيد غيره، فهو وحده القائد العام لجبهه الايمان اثناء المواجهه، يستعين بمن يشاء من اتباعه تحت عين اللّه ليضمن كسب المواجهه ولتكون كلمه اللّه هى العليا، وكلمه اعداء اللّه هى السفلى.
اركان قياده جبهه الايمان:
قلنا ان محمدا صلى اللّه عليه وآله وسلم هو القائد العام لجبهه الايمان بالشرع والعقل والضروره، لانه الاعلم والاخلص، ولانه هو بالذات الذى يتلقى التوجيهات المتعلقه بمسيره جبهه الايمان، ومنطق الامور يقضى ان يستعين القائد العام محمد بصفوه اتباعه ليكونوا اركانا لقيادته فمن هم اولئك الصفوه؟ 1 - اولهم ولى عهده والامام من بعده:
على بن ابى طالب عليه السلام حيث عينه الرسول بامر من ربه وليا لعهده واماما واميرا وعلما للجماعه المسلمه من بعده، واعلن ذلك مع اعلانه لانباء النبوه والرساله والكتاب، وطلب من الهاشميين ومن بنى المطلب -وهم العمود الفقرى لجبهه الايمان- ان يسمعوا لعلىبن ابى طالب ويطيعوه، وكان من بين الحضور والده ابو طالب (83).
واقتضت حكمه اللّه تعالى ان يكفل النبى عليا، وان يعيش فى كنف النبى كواحد من افراد اسرته (84)، وان يبقى كذلك حتى يفارق النبى الحياه، وذلك ليعده لخلافته وليصنع على عين الرسول بالشكل والمضمون الذى اراده اللّه تعالى.
وخلال مرحلتى الدعوه التى استمرت ثلاث سنوات سريه، وعشر سنوات علنيه، ومرحله الدوله التى استمرت عشر سنوات (85)، كان الامام على يتبع الرسول اتباع الفصيل لامه، وينفذ اوامره حرفيا (86) مهما كانت مكلفه، فعلى سبيل المثال امره النبى ان ينام فى فراشه ليله هجرته ليوهم المتامرين على قتل النبى ان النائم هو النبى وليس عليا (87)، ونفذ الامام الامر مع انه من الممكن ان يقتله المتامرون ظنا منهم انه النبى (88).
وكلفه الرسول ان يودى الامانات الى اهلها بعد هجرته (89)، وان يتولى عمليه ترحيل عائله الرسول من مكه الى المدينه، وبعد الهجره، وفى اول معركه جرت بين الكفر والايمان، كلفه ان يخرج مع حمزه وعبيداللّه بن الحارث لمبارزه سادات قريش دفاعا عن الحق الهاشمى (90)، وفى كل معارك الشرك مع الايمان كانت الرايه بيد على (91)، وكان هو فارس الاسلام الاوحد، وقد فر الجميع ولم يفر (92)، وتقدم فى مواطن عجز الجميع ان يصلوا اليها (93)، وحقق النصر فى معارك عجز الجميع عن تحقيقها (94)، وعندما سقطت عاصمه الشرك، وصدر الامر الالهى بالبراءه من المشركين، ارسل الرسول سوره البراءه مع ابى بكر، واحيط المسلمون علما بذلك، وبينما كان ابو بكر متوجها الى مكه هبط جبريل بامر من ربه، ومعه الامرالالهى بان ياخذ قرار البراءه من ابى بكر ويعطيه لعلى، وتعليل ذلك انه لا يودى عن النبى الا هو او على وقد احيط المسلمون علما بذلك (95).
وفى آخر حجه حجها الرسول(حجه الوداع) نصبه الرسول رسميا اماما ووليا للمومنين من بعده (96) وتوجه بتاج الولايه (97) وطلب من المومنين ان يقدموا التهانى لامير المومنين من بعد النبى، وبالفعل قدموا له التهانى، وكان على راس المهنئين ابو بكر وعمر رضى اللّه عنهما (98).
والخلاصه ان على بن ابى طالب ابرز اركان قياده جبهه الايمان خلال مرحلتى الدعوه الاسلاميه والدوله الاسلاميه فى عهد النبوه المبارك.
2 - الركن الثانى من اركان قياده النبى، وهو عبد مناف بن عبد المطلب المكنى بابى طالب وهو والد الامام علىبن ابى طالب وعم الرسول الشقيق لوالده (99)، وهو الذى كفل الرسول وضمه الى اولاده بعد وفاه جده، ورباه فى كنفه حتى تزوج (100)، واحاط ابو طالب والسيده زوجته رسولاللّه بكل مشاعر الحب والموده، واحباه اكثر مما يحب الوالدان ابنهما (101).
وكان لابى طالب الدور البارز فى اركان قياده جبهه الايمان، فهو الذى شجع الهاشميين والمطلبيين على حضور اول اجتماع سياسى فى دار النبى (102)، وهو الذى تصدى لخصومه فى ذلك الاجتماع ولجمهم (103)، وهو الذى ارسى قواعد تاييد الهاشميين والمطلبيين للنبى (104)، واعلان هذين البطنين حمايتهما للنبى، وهو الذى اعلن امام بطون قريش بانها اذا قتلت محمدا فان الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون البطون حتى الفناء التام (105)، وهو نفسه الذى خاطب النبى امام قريشوباسم الهاشميين قائلا:
(يا ابن اخى اذا اردت ان تدعو الى ربك فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح) (106).
وهو نفسه الذى كان يستقبل وفود البطون ويسمع لمطالبها وينقل رد النبى عليها (107)، وابو طالب هو الذى كان ينقل النبى عده مرات من فراشه ليليا اثناء الحصار خوفا على حياته (108)، وهو الذى شجع بنيه على التضحيه بارواحهم فداء لمحمد (109)، وهو الناطق الرسمى باسم النبى عندما اكلت رايه الارض صحيفه المقاطعه، وهو الذى قاد عمليه الرجوع من الشعب الى مكه عندما حوصر الهاشميون فى شعب ابى طالب (110)، وهو شاعر الاسلام، وحامى حماه (111)، ومن هنا نفهم معنى قول رسولاللّه:
(ما نالت منى قريش حتى مات ابو طالب) (112)، ولهذا سمى العام الذى مات فيه ابو طالب وماتت فيه زوجته بعام الحزن (113)، واعتبر موت الاثنين مصيبتين، وعبر عن ذلك بقوله:
(اجتمعت على هذه الامه فى هذه الاياممصيبتان، لا ادرى بايهما انا اشد جزعا) (114).
والخلاصه ان ابا طالب كان احد اركان قياده جبهه الايمان، وقد استغل مكانته الاجتماعيه وسخرها لصالح الرسول ولصالح دينه، فقد كان -سلاماللّه عليه- شيخ البطاح وسيد البطون القريشيه بغير منازع.
وقد لجم وجوده المواجهه لتبقى ضمن حدود معينه، اذ هابته البطون ولم تقو على تصعيد المواجهه.
ومن المثير للدهشه حقا ان الدوله الاسلاميه التاريخيه التى قبضت على مقاليد السلطه بالقوه، وسيطرت على وسائل الاعلام، قلبت الحقائق وبقدره قادر حولت ابا طالب الى رجل مشرك، وقالت انه فى ضحضاح من النار على حد تعبير المغيرهبن شعبه المشهور بعداوته لبنى هاشم وانكرت دور ابى طالب البارز فى قياده جبهه الايمان!!!
ونسوا او تناسوا مضامين قول الرسول وهو يقف امام جثمان ابى طالب ويردد والاسى يملا قلبه الشريف:
(يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، ونصرت كبيرا، فجزاك اللّه عنى خيرا) (116).
ومع هذا اقنعوا العوام ان الرجل مات مشركا، واخفوا فضله على الاسلام ونبيه، واخترعوا فضائل لمن عادوا النبى وعادوا الاسلام وحاربوهما بكل وسائل الحرب!!!
وللّه عاقبه الامور!!!
3 - ومن اركان قياده جبهه الايمان جعفربن ابى طالب، وهو ابن عم رسولاللّه، والاخ الشقيق للامام على بن ابى طالب، وهو من اوائل الذين آمنوا.
امره رسولاللّه ان يقود المهاجرين الى بلاد الحبشه وان يرتب امورهم هنالك، وان يوطد لهجرتهم.
ولما علمت قريش بامر الهجره خشيت من انتشار الاسلام فارسلت رسولين الى النجاشى ومعهما الهدايا، ورجت النجاشىء ان يرد المهاجرين الى مكه، فدعا النجاشى جعفرا وسمع منه، وتمكن جعفربن ابى طالب من اقناع النجاشى بعداله القضيه الاسلاميه ومن هزيمه وفد بطون قريش) (117).
وكانت لهذا القائد مكانه خاصه فى قلب رسول اللّه، وعندما عاد من الحبشه بعد فتح خيبر استقبل الرسول قائلا(واللّه ما ادرى بايهما انا اشد سرورا بفتح خيبر ام بقدوم جعفر) (118).
وبقى ركنا عليا من اركان قياده جبهه الايمان حتى استشهد فى غزوه موته وهو حامل لرايه القياده والجهاد فى سبيل اللّه (119).
4 - ومن اركان قياده جبهه الايمان حمزهبن عبد المطلب، عم الرسول، اشترك مع الهاشميين بحمايه الدعوه والداعيه، ولما اشتد اذى قريش للنبى تحدى البطون واعلن اسلامه، ومن ذلك اليوم صار ركنا من اركان جبهه الايمان، وفارسا من اعظم فرسان الاسلام قاتل وابن اخيه على فى بدر قتالا فذا لم تعهده العرب، وكان حمزه وعلى وعبيداللّهبن الحارث اول ثلاثه برزوا لمبارزه سادات بنى اميه، وتمكن على وحمزه من ان يغيروا موازين القوى كليا لصالح جيش الاسلام، وفى احد فر الجميع ولم يبق غير حمزه وعلى ومصعببن عمير والقله من اصحاب النبى، وبينما كان حمزه يقاتل باسلوبه الفذ غدره عبد حبشى من عبيد ابى سفيان، وكان قتل حمزه موامره امويه رتب فصولها ابو سفيان وزوجته هند ام معاويه، لان حقدهمعلى النبى وعلى، وحمزه خاصه، وبنى هاشم عامه حقد يفوق التصور والتصديق، ولم يكتف المتامرون بقتل حمزه، بل مثلوا به، فشقوا بطنه، وقطعوا انفه واذنيه، وحاولت هند ام معاويه ان تاكل كبده تشفيا وانتقاما من فرط حقدها (120).
5 - عبيد اللّه بن الحارث، وهو احد سادات بنى عبد المطلب، اعلن اسلامه يوم اجتماع الدار وبقى تحت تصرف الرسول يفعل ما يومر، وهاجر مع الذين هاجروا، وخرج مع الرسول الى بدر، ولمابرزت سادات الامويين وطلبوا المبارزه امره صلىاللّه عليه وآله وسلم- بان يخرج مع حمزه وعلى لمبارزتهم، وكان خصمه افتى منه فتبادلا الطعان واصيب عبيداللّه واستشهد فى بدر (121)، وعز ذلك على رسولاللّهوردد بيتا من الشعر قاله ابو طالب:
فكذبتم وبيت اللّه نخلى محمدا ولما نطاعن دونه ونناضل فونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن ابنائنا والحلائل (122) اركان قياده جبهه الايمان هاشميون:
يلاحظ ان اركان قياده جبهه الايمان خاصه فى مرحله الدعوه هاشميون، والسبب فى ذلك ان الهاشميين قاطبه باستتثناء ابو لهب اعلنوا التفافهم حول النبى، وحمايتهم له، وانذروا بطون قريش بانها اذا قتلت النبى فان الهاشميين سيقاتلون حتى يفنى الهاشميون والبطون معا (123)، وبالتالى فان ايه اساءه توجه لمحمد سيرد الهاشميون عليها بحزم (124)، فضلا عن ذلك فقد احس الهاشميون بحسد قريش لهم، وباصرارها على صرف الفضل الالهى عنهم (125)، وادركوا ان بطون قريش تتامر عليهم، وقد اجمعت على مقاطعتهم وحصارهم فى شعب ابى طالب، ولم يرعوا فيهم الا ولا ذمه (126) ومن هنا نفهم معنى قول رسولاللّه لحمزه وعلى وعبيداللّه فى بدر:
(يا بنى هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذى بعث اللّه به نبيكم اذا جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه) (127).
لماذا لم يبرز قاده من غير بنى هاشم فى مرحله الدعوه؟ لان الهاشميين هم الذين تحملوا عبء حمايه الدعوه الاسلاميه، وحمايه الداعيه محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولان الهاشميين كانوا يشكلون بموازين بطون قريش كيانا سياسيا تعترف به البطون وتعتبره مسوولا، لانه لم يسلم محمدا ولم يمكن بطون قريش منه، وفوق ذلك فان البطن الهاشمى اعلن حمايته للنبى، وتوعد البطون بالافناء التام ان هى اقدمت على قتل النبى.
اما الذين اسلموا خلال مرحله الدعوه من غير بنى هاشم وبنى المطلب فقد كان لهم شان آخر، فهم من بطون شتى، وبالتالى لم يتبلور التجمع او الكيان السياسى الذى ينتمون اليه واجمالا هم مجرد افراد.
فضلا عن ذلك فقد كان المطلوب منهم ان يشهدوا ان لا اله الا اللّه، وان محمدا رسولاللّه، وان ما يوحى الى محمد هو من عند اللّه.
وهم على نوعين:
1 - فمن كان ينتمى بالدم الى اى بطن من البطون القرشيه حماه بطنه حمايه تامه، فقد يتعرض للوم والتقريع والسخريه، لكن لا احد يقوى على التعرض له بالضرب او القتل او الايذاء الظاهر، لانه مغطى بحمايه بطنه.
2 - اما من كان منتميا الى بطون قريش بالموالاه او العبيد او الاحابيش ممن اسلموا، فقد كانوا موضع النقمه ومحط الابتلاء لانهم بلا حمايه عشائريه ومن هولاء:
ا - بلال بن رباح الحبشى الذى كان عبدا مملوكا لاميهبن خلف الجمحى (128)، فقد عذبه اميه عذابا اليما فكان يضع الصخره العظيمه عليه فى الرمضاء ولا يتحول بلال عن ايمانه (129).
ب - ياسر وسميه -زوجته- وعمار -ابنهما- حلفاء بنى مخزوم ولم يتورع ابو جهل عن طعن سميه فى قبلها، وعذب ياسرا وعمارا عذابا اليما فصمدوا فمنهم من قضى نحبه ومنهم من انتظر (130).
ج - خباب بن الارت وكان ابوه من السبايا فعذب ايضا عذابا اليما وثبت على دينه (131).
د - الجاريه لبيبه جاريه بنى مومل بن حبيب بن عدى، فقد انزل بها عمر بن الخطاب اشد انواع العذاب فكان لا يتوقف عن تعذيبها الا سامه (132).
ه - زنيره المراه التى عذبها عمر بن الخطاب حتى فقدت عينيها (133).
هذه بعض نماذج الصفوه المومنه من المستضعفين، وبالاجمال فان المواجهه الحقيقيه كانت بين النبى محمد وآله من جهه، وبين بطون قريش من جهه اخرى، لقد تامرت البطون على الال -الكرام- فقاطعتهم وحدهم وحصرتهم فى شعاب ابى طالب وحدهم، وذاقوا عذاب المقاطعه والحصار وحدهم (134)، واشتركت بالحصار والمقاطعه كافه بطون قريش ال23 بما فيهم بنو تيم وبنو عدى وبنو اميه، ومن اسلم من هذه البطون كان خارج الحصار والمقاطعه تماما، وخارج نطاق المواجهه الحقيقيه، ولم يكن لهم دور يذكر لا بحمايه الدعوه، ولا بحمايه الداعيه، هذا هو السبب بانحصار اركان قياده المواجهه ببنى هاشم وببنى المطلب، وبثانويه الادوار التى قام بها المسلمون من بقيه البطون خلال مرحله الدعوه فى مكه.
القياده العامه لجبهه الشرك والعصيان:
بينا ان رسولاللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) كان بالعقل والضروره ومنطق طبائع الامور، هو القائد العام لجبهه الايمان، خلال مرحلتى الدعوه الاسلاميه العلنيه التى استمرت عشر سنوات (135)، ومرحله الدوله الاسلاميه التى استمرت عشر سنوات ايضا، وساعده بهذه القياده رجال امتحن اللّه قلوبهم للايمان، اعطوا ولم ياخذوا، وقدموا اضخم التضحيات وليس لهم هدف الا رضوانه تعالى، وقد عرضنا نماذج من اركان قياده جبهه الايمان الذين تشرفوا بالعمل تحت قياده النبى.
واستكمالا للدائره ونزولا عند ضرورات البحث العلمى المجرد، يتوجب علينا بعد ذلك ان نبين من هو القائد العام لجبهه الشرك والعصيان الذى تولى كبر مجابهه النبى ومحاربته ومحاربه دينه بكل وسائل الحرب وفنونه طوال مرحلتى الدعوه والدوله، ومن هم اركان قيادته الذين وقفوا معه طوال عشرين عاما، حتى اذا ما احيط بهم وحصروا فى جزيره الشرك، اسلموا كارهين ونحو بحربهم للنبى منحى جديدا يتمثل بفنون الكيد الحقود لمحمد ولال محمد ولدين محمد؟!!
القائد العام لجبهه الشرك والعصيان:
كان القائد العام لجبهه الشرك والعصيان خلال مرحلتى الدعوه والدوله، هو صخربن حرب بن اميه بن عبد شمس بن عبد مناف المكنى بابى سفيان، وهو والد معاويه الذى ناصب امير المومنين العداء واجلب عليه طلاب الدنيا، وحاربه حربا لم تعهد البشريه اخلاقها، حتى غلب وقبض على مقاليد الامور، واصبح فيما بعد خليفه للمسلمين، وهو الذى دبر عمليه قتل الامام الحسن بالسم (136)، وهو الذى اوصى ابنه يزيدا ان يرسل مسلمه بن عقبه الى مدينه النبى، فيقتل اصحاب الخطر من الصحابه الكرام ويختم اعناق عامتهم (137)، وهو جد يزيد بن معاويه قاتل الامام الحسين، ومبيد الذريه الطاهره فى كربلاء (138) وهادم الكعبه المشرفه.
ورث ابو سفيان الحسد لبنى هاشم، والشغف بالتنافس معهم من ابيه حرب ومن جده اميه، فكان اميه يتشبه بهاشم ويحسده مكانته فى قريش، فعيرته بطون قريش بذلك، فاعلن اميه انه اشرف من هاشم ونافره عمه هاشم الى كاهنه خزاعه، فقضت ان هاشما اشرف من اميه، وخسر اميه الرهان، وذبح مائه ناقه، وجلى عن مكه عشر سنين، فازداد حقده على هاشم وبنيه واورث هذا الحقد والحسد والرغبه بمنافسه الهاشميين الى ذريته (139).
كان قصى يجمع شرف مكه، فكانت بيده السقايه والرفاده والحجابه والندوه واللواء والقياده، وبموته وموت عبدالدار صارت السقايه والرفاده والقياده لبنى عبد مناف، والحجابه واللواء لبنى عبد الدار.
ثم صارت السقايه لعبد المطلب بن هاشم ومن بعده لابى طالب، والقياده لاميه ومن بعده لابنه حرب ومن بعده لابنه ابى سفيان، وكان يقود الناس فى غزواتهم (140).
كان ابو سفيان تاجرا كثير التنقل والاسفار، وقد سمع ان نبيا سيبعث من آل عبد مناف، وقد اقنع نفسه انه ليس فى بنى عبد مناف من هو اجدر منه بالنبوه، فهو قائد قريش فى غزواتها، وهو تاجر ميسور الحال، وهو سليل عبد مناف رمز عز قريش وفخارها، ومن حوله بنو اميه الاكثر مالا ونفيرا (141).
وانتشرت شائعات فى مكه بان فتى عبد المطلب(محمد) يكلم من السماء (142)، ويقول بانه نبى، ورفض ابو سفيان ان يصدق تلك الشائعات، وفوجىء ابو سفيان باعلان النبى لبشائر النبوه والرساله والكتاب، فجن جنونه، وسلم قياده نفسه لعناصر الحسد والحقد والتنافس والهوى، تعبث بها ذات اليمين وذات الشمال او تهوى بهافى مكان سحيق!!
وشكا ابو سفيان لابن ابى الصلت سوء المقادير، وشعوره العميق بالهوان، وبنيات ثقيف تراه منقادا لغلام من بنى عبد مناف(يعنى النبى)، وحاول ابن ابى الصلت مشفقا ان يغير طريقه ابى سفيان بالتفكير، وان يعده لتقبل قدر محتوم فقال له:
(كانى بك يا ابا سفيان ان خالفته قد ربطت كما يربط الجدى يوتى بك اليه فيحكم فيك بما يريد) (143).
ومن سوء طالع ابى سفيان ان بنى هاشم كافرهم ومومنهم احتضنوا محمدا، واعلنوا ان بطون قريش اذا قتلت محمدا فان الهاشميين سيقاتلون حتى يفنوا هم والبطون القريشيه معا (144)، وابعد من ذلك ان ابا طالب قال للنبى:
(يا ابن اخى اذا اردت ان تدعو الى ربك فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح) (145).
فثارت فى نفس ابى سفيان لواعج التنافس، والحسد لبنى هاشم والحقد عليهم، وراق لابى سفيان ان يعتبر قضيه النبوه موامره هاشميه على الامويين عامه، وعلى ابى سفيان خاصه، وادرك ان سلاح النبوه لا مثيل له لتنفيذ هذه الموامره، فقال ابو سفيان والشعور بالاسى والاحباط والهزيمه يملا قلبه:
(كنا وبنى هاشم كفرسى رهان، كلما جاءوا بشىء جئنا بشىء مقابل، حتى جاء منهم من يدعى خبر السماء فانى ناتيهم بذلك)!!؟ .(146)
هذه الخلفيات هيات ابا سفيان نفسيا ليكون احد ابرز ائمه الكفر الذين لا ايمان لهم.
فابو سفيان هو قائد قريش فى غزواتها كما كان ابوه وجده اميه وعبد شمس (147)، وهو احد اشد المعادين للنبوه الهاشميه، وهو من اكبر تجار قريش واكثرهم ثراء، فكل الموهلات اللازمه لقياده جبهه الشرك متوفره فيه، فمن الطبيعى ان تقدمه بطون قريش ال23 ليقود جبهه الشرك، الرافضه للنبوه والرساله والكتاب وولايه العهد، وان يوجه القابلين بامرته التوجيه الذى يرى انه كفيل باحباط مشاريع النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد.
فابو سفيان كان وراء وحده بطون قريش ال23 ضد محمد وضد البطن الهاشمى، فمن غير المعقول ان تتحد البطون فى غياب قائدها ودون علمه، وهو وراء توحيد متناقضات الشرك لتكوين جبهه قويه تقف متحده ضد محمد وضد الهاشميين ومع ان ابا جهل كان يعارض بشده نفوذ بنى عبد مناف بحجم معارضته للنبوه، وبالرغم من ان الامويين هم بطن من بطون عبد مناف، الا ان ابا سفيان لم يجد غضاضه من ان يتحالف مع ابى جهل، وحتى مع الشيطان ضد محمد وضد بنى هاشم!!
وابو سفيان هو رئيس وفد البطون الذى توجه الى ابى طالب، وطالبه امابكف ابن اخيه محمد عن بطون قريش، او ان يخلى بين محمد وبين البطون، وابو سفيان هو الذى حطم الوحده بين بنى عبد مناف فاستهوى بنى نوفل، وضمهم الى جبهه الشرك ليقفوا وجها لوجه ضد ابناء عمومتهم الهاشميين وبنى المطلب، وابو سفيان كان وراء عمليات تعذيب المستضعفين من المسلمين، اذ من غير الممكن عقلا ان تتم عمليات التعذيب بدون علم القياده!!
وابو سفيان هو مهندس عمليه الحصار والمقاطعه التى تفتقت عنها عقليه بطون قريش، ثم قررت حصار الهاشميين فى شعب ابى طالب، ومقاطعتهم ثلاث سنوات حتى اضطروا ان ياكلوا ورق الشجر من الجوع، واضطر اطفالهم ان يحصوا الرمال من العطش (148) فمن غير المقبول بكل الموازين العقليه، ان تتخذ البطون القريشيه قرارا بهذه الخطوه بدون علم قائدها واركان قيادته.
وكان ابو سفيان وراء استقبال الطائف لرسول اللّه ذلك الاستقبال السيىء الذى اثر بنفس رسولاللّه تاثيرا عميقا، فهتف من اعماقه(اللهم اليك اشكو ضعف قوتى، وقله حيلتى، وهوانى على الناس، اللهم يا ارحم الراحمين انت رب المستضعفين، وانت الى من تكلنى الى بعيد يتجهمنى او الى عدو ملكته امرى (149)... وابو سفيان احد الذين خططوا لارسال وفد الى النجاشى مزودا بالهدايا، لرد المسلمين الذين هاجروا الى الحبشه حتى يتمكن وائمه الكفر فى مكه من فتنتهم وردهم عن دينهم (150).
وابو سفيان هو احد المجتمعين على الاقل فى دار الندوه، والمتامرين على قتل النبى ليله هجرته، وقد قرر المجتمعون ان يختاروا من كل بطن من بطون قريش رجالا ليضربوا النبى ضربه رجل واحد، فيقتلوه ويضيع دمه بين القبائل، ولا يقوى الهاشميون على المطالبه بدمه (151)، ولما نجى اللّه نبيه من موامره ائمه الكفر، لم يتوقف ابو سفيان لحظه واحده عن الكيد للنبى فقد استاجر الفين من احابيش بنى كنانه ليقاتل بهم رسولاللّه (152)، وهو الذى نحى العير وساحل بها وعلى اثرها حدثت معركه بدر، وكان ابو سفيان غائبا عن المعركه حيث كان يقود العير، فحلف انه لا يغتسل قبل ان يثار من محمد، فجاء المدينه وقتل رجلا من الانصار واجيرا واحرق ابياتا وتبنا، فلحقه الرسول فى حمله السويق ومعه مائتا رجل، ولكنه لم يدرك ابا سفيان (153).
وحاول ابو سفيان ان يغتال رسولاللّه، فارسل ابو سفيان رجلا لهذه الغايه، ولكن اللّه نجى نبيه (154).
وابو سفيان وزوجته واولاده معاويه ويزيد، كانوا وراء معركه احد، فهم الذين حرضوا المشركين على الانتقام من محمد وعلى ضروره حربه، وهم الذين رتبوا موامره قتل الحمزه عم النبى، وانفقوا الكثير من اموالهم للتجهيز لمعركه احد.
فقد انفق ابو سفيان على هذه المعركه اربعين اوقيه من الذهب، وكل اوقيه 42 مثقالا (155)، وبعد انتصار المشركين نادى ابو سفيان على مسمع النبى اعلى هبلر اعلى هبل، لنا العزى ولا عزى لكم، ولم يكتف وزوجته بالتامر على قتل حمزه، بل قطعوا اذنيه وانفه واخذ يدق الرمح فى شدق حمزه قائلا ذق يا عقق (156).
وابو سفيان كان وراء اكبر تجمع شهدته الجزيره العربيه، حيث جمع الاحزاب وغزا بهم رسولاللّه، وتحالف حتى مع اليهود طمعا باستئصال محمد على حد تعبيره، وعندما اراد رسولاللّه ان يودى العمره، كان ابو سفيان على راس الذين صدوا رسولاللّه عن المسجد الحرام، والهدى معكوفا ان يبلغ محله.
ولم يرع ابو سفيان فى عداوته للنبى حتى اخلاق الجاهليه، فبالرغم من غناه وثروته فقد عدا على دور المهاجرين من بنى جحشبن رئات وباعها من عمرو بن علقمه (157).
خلال المده التى تراس فيها ابو سفيان جبهه الشرك والعصيان رمى الاسلام، وبنى الاسلام ومعتنقى الاسلام لكل منهم فى كنانته، وحاربهم بكل وسائل الحرب، وقاومهم بكل فنون المقاومه.
وفوجىء ابو سفيان يوما من الايام بجنود اللّه يحيطون بعاصمه الشرك، كما يحيط السوار بالمعصم، وكان خارج مكه ويلقاه العباس بن عبدالمطلب، ويقترح عليه العباس ان يذهب به الى رسولاللّه ليستامن له، ويوافق الرسول على ان يومن ابا سفيان حتى الغداه (158).
وفى اليوم التالى اقتيد ابو سفيان الى رسولاللّه، كما يقاد الجدى تماما كما تنبا ابن ابى الصلت (159).
فخاطبه الرسول قائلا:
ويحك يا ابا سفيان الم يان لك ان تعلم ان لا اله الا اللّه؟ فقال ابو سفيان بابى انت وامى ما احلمك واكرمك واوصلك، واللّه لقد ظننت ان لو كان مع اللّه اله غيره لقد اغنى عنى شيئا بعد.
قال الرسول ويحك يا ابا سفيان الم يان لك ان تعلم انى رسولاللّه؟ قال ابو سفيان بابى انت وامى ما احلمك واكرمك واوصلك، اما هذه فان فى النفس منها حتى الان شيئا (160).
وتدخل العباس لانقاذ ابى سفيان قائلا:
ويحك اسلم واشهد انه لا اله الا اللّه، وان محمدا رسولاللّه قبل ان تضرب عنقك (161)، وهكذا وحتى لا تضرب عنقه نطق بالشهادتين، وتعاملا مع التركيبه النفسيه لابى سفيان، وتسخيرا لموقعه القيادى لصالح الفتح، ونزعا لفتيل المقاومه بالاعلان الضمنى عن استسلام ابى سفيان، امر النبى مناديا ينادى(من دخل دار ابى سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن اغلق بابه فهو آمن) (162).
تلك هى الظروف التى اسلم بها ابو سفيان، اما طبيعه اسلامه، ومحبته لمحمد، واهل بيت محمد، ولبنى هاشم فموضوع آخر، فقبل النبوه، كان ابو سفيان خاصه والامويون عامه يحسدون بنى هاشم ويدمنون على التنافس معهم، فما هى طبيعه مشاعر ابى سفيان والامويين بعد 19 عاما من المواجهه، وبعد ان قتل الهاشميون سادات بنى اميه، وفيهم من اولاد ابى سفيان واخوال اولاده واجدادهم وبنى عمومتهم، انها مشاعر الحقد الاسود الدفين، والتلفظ بالشهادتين وحده غير قادر على محو هذه المشاعر السوداء بجره قلم من نفس ابى سفيان ونفوس اولاده ونفوس البيت الاموى عامه.
وبان محمدا هو سيد الامه ووليها فمن الطبيعى ان لا يعلنوا ذكره الا بخير، ومع هذا فقد كانت مشاعر الحقد تتفلت من ابى سفيان، فقد راى الناس يتهافتون على رسولاللّه يوما فقال ابو سفيان:
(لو عاودت الجمع لهذا الرجل فضرب رسولاللّه فى صدره ثم قال لابى سفيان:
اذا يخزيكاللّه) (163).
ولقد مر يوما فى خلافه عثمان على قبر حمزه بن عبد المطلب، فداس عليه برجله، وقال:
(يا ابا عماره ان الامر الذى اجتلدنا عليه بالسيف امسى فى يد غلماننا اليوم يتلعبون به) (164).
وعندما آلت الامور الى عثمان، واصبح خليفه قال له ابو سفيان:
(صارت اليك بعد تيم وعدى، فادرها كالكره، واجعل اوتادها بنى اميه، فانما هو الملك، ولا ادرى ما جنه ولا نار) (165).
ودخل يوما على عثمان بعدما ذهب بصره فقال:
اها هنا احد فقالوا:
لا فقال ابو سفيان:
(اللهم اجعل الامر امر جاهليه والملك ملك غاصبيه واجعل اوتاد الارض لبنى اميه) (166).
ورسول اللّه على علم كامل بنفسيه ابى سفيان ونوازعه، وعن جديته فى عداوته للاسلام ولنبى الاسلام، ولاهل بيت النبوه وعلى علم بطبيعه المشاعر الامويه نحوه، ونحو اهله ونحو الاسلام، وقد خبر هذه المشاعر السوداء وعجم عودها طوال 23 عاما من المواجهه النفسيه والقتاليه والكيديه، وبالرغم من ان رسولاللّه قد بسط سلطانه على بلاد العرب، الا ان ابا سفيان لم يياس من النيل من رسولاللّه، فقد كمن له ومعه احدى عشر فردا لينفروا ناقته لعله يسقط عنها فيموت (167).
ومن الطبيعى جدا ان يلعنه رسولاللّه كوسيله لكشف حقيقته امام الامه، ولقد روى الامام الحسن عليه السلام ان رسولاللّه قد لعن ابا سفيان فى سبع مواطن، وعد الامام الحسن هذه المواطن (168)، ولعنه رسولاللّه فى صلاه الصبح فى الركعه الثانيه فقال:
اللهم العن ابا سفيان وصفوان بن اميه (169)...
قال الحلبى فى روايه:
صار صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: (اللهم العن فلانا وفلانا).(170)
واخرج البخارى... انه سمع رسولاللّه حتى اذا رفع راسه من الركوع من الركعه الاخيره يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعدما يقول سمع اللّه لمن حمده (171).
وقال السيوطى:
واخرج احمد والبخارى والترمذى والنسائى وابن جرير والبيهقى من الدلائل ان رسولاللّه قال يوم احد:
(اللهم العن ابا سفيان، والعن الحرثبن هشام، والعن سهيل بن عمرو والعن صفوان بن اميه)، ثم قال السيوطى:
واخرجه الترمذى وصححه وابن جرير وابن ابى حاتم ان رسولاللّه كان يقول فى صلاه الفجر:
(اللهم العن فلانا وفلانا (172)...)، واخرج نصر بن مزاحم عن البراءبن عازب قال:
اقبل ابو سفيان ومعه معاويه فقال رسولاللّه:
(اللهم العن التابع والمتبوع، اللهم عليك بالاقيعس) فقال ابن البراء لابيه:
من الاقيعس؟ قال:
معاويه (173).
واخرج ابن مزاحم قال:
فنظر رسولاللّه الى ابى سفيان، وهو راكب ومعاويه واخوه احدهما قائد والاخر سائق، فلما نظر اليهم رسولاللّه قال:
(اللهم العن القائد والسائق والراكب) قلنا انت سمعت رسول اللّه؟ قال:
نعم والا فعمتا اذناى كما عميتا عيناى (174).
وشاعت حقيقه ابى سفيان وبنيه بين الناس، وعرفها العامه والخاصه، قال الامام على فى خطبه له يوم صفين:
(... وخلاف معاويه اياى الذى لم يجعل اللّه له سابقه فى الدين، ولا سلف صدق فى الاسلام، طليق ابن طليق، وحزب من الاحزاب، لم يزل للّه ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وابوه، حتى دخلا فى الاسلام كارهين مكرهين (175)، ومن خطبه ايضا خاطبا على مقاتله معاويه:
(سيروا الى بقيه الاحزاب قتله المهاجرين والانصار) (176).
وقال مره:
(انما تقاتلون الطلقاء وابناء الطلقاء، واولى الجفاء، ومن اسلم كرها وكان لرسول اللّه انف الاسلام كله حربا، اعداء اللّه والسنه والقرآن واهل الاحزاب والبدع والاحداث، ومن كانت بوائقه تتقى، وكان على الاسلام مخوفا) (177).
وخاطب الامام على معاويه قائلا:
(وانت ابن حزب من الاحزاب، وابن اعدى قريش لرسول اللّه ولكتابه) (178).
وقال الامام على يوما لمعاويه:
(منا النبى ومنكم المكذب) (179)، وقوله:
(قرات كتاب الفاجرين الفاجر) (180)، وقوله:
(يا ابن صخر يا ابن اللعين) (181)، وقول عمر بن الخطاب:
(ابو سفيان عدو اللّه، قد امكن اللّه منه بغير عهد ولا عقد، فدعنى يا رسولاللّه اضرب عنقه) (182)، وقول عمر:
(ان ابا سفيان لقديم الظلم)
(183).