قال الامام على:

(ليسوا باصحاب دين، ولا قرآن، انى اعرف بهم منكم حجتهم اطفالا وحجتهم رجالا، فكانوا شر اطفال وشر رجال) (184)، كتب معاويه الى ابى ايوب الانصارى فاخبر بذلك عليا، وقال له:

(يا امير المومنين ان معاويه كهف المنافقين كتب الى بكتاب) (185).

وكتب قيس بن سعد بن عباده امير الخزرج مخاطبا معاويه(فانما انت وثن بن وثن، دخلت فى الاسلام كرها وخرجت منه طوعا، لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك) (186).

وكتب محمد بن ابى بكر الى معاويه(وانت اللعين ابن اللعين، ثم لم تزل انت وابوك تبغيان الغوائل لدين اللّه، وتجهدان على اطفاء نور اللّه، وتجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان فيه القبائل، على ذلك مات ابوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من ياوى ويلجا اليك من بقيه الاحزاب ورووس النفاق والشقاق لرسول اللّه) (187)...

وكتب له الامام السبط:

(.. وانت ابن حزب من الاحزاب وابن اعدى قريش لرسول اللّه ولكتابه) (188).

ومن خطبه لابن عباس فى صفين:

(ان ابن آكله الاكباد قد وجد من طغام اهل الشام اعوانا على على بن ابى طالب) (189).

قال الحسن بن على مخاطبا معاويه امام جمع من اصحابه:

(انشدكم اللّه ايها الرهط اتعلمون ان الذى شتمتموه -يعنى عليا- منذ اليوم صلى القبلتين كليهما وانت بهما كافر، تراها ضلاله وتعبد اللات والعزى غوايه؟، وانشدكم اللّه هل تعلمون انه بايع البيعتين كليهما بيعه الفتح وبيعه الرضوان، وانت يا معاويه باحداهما كافر وبالاخرى ناكث؟ وانشدكم اللّه هل تعلمون انه اولى الناس ايمانا، وانك يا معاويه واباك من المولفه قلوبهم، تسرون الكفر، وتظهرون الاسلام، وتستمالون بالاموال؟ وانشدكم اللّه الستم تعلمون انه كان صاحب رايه رسول‏اللّه يوم بدر، وان رايه المشركين كانت مع معاويه ومع ابيه، ثم لقيكم يوم احد ويوم الاحزاب ومعه رايه رسول‏اللّه، ومعك ومع ابيك رايه الشرك، وفى كل ذلك يفتح اللّه له، ويفج حجته، وينصر دعوته، ويصدق حيثه، ورسول اللّه فى تلك المواطن كلها عنى راض وعليك وعلى ابيك؟ وانشدك اللّه يا معاويه اتذكر يوم جاء ابوك على جمل احمر، وانت تسوقه واخوك عتبه هذا يقوده، فرآكم رسول‏اللّه فقال:

اللهم العن الراكب والقائد والسائق؟، اتنسى يا معاويه الشعر الذى كتبته الى ابيك لما هم ان يسلم تنهاه عن ذلك؟ يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا بعد الذين ببدر اجموا فرقا خالى وعمى وعم الام ثالثهم وحنظل الخير قد اهدى لنا الارقا لا تركنن الى امر يكلفنا والراقصات به فى مكه الخرقا فالموت اهون من قول العداه له عاد ابن حرب عن العزى اذا فرقا واللّه لما اخفيت من امرك اكبر مما ابديت... الى ان قال:

وانتم ايها الرهط نشرفكم اللّه الا تعلمون ان رسول‏اللّه لعن ابا سفيان لا تستطيعون ردها (190)...

بمعنى ان خاصه المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون ان ابا سفيان هو قائد جبهه الشرك، وان اولاد ابى سفيان، وسادات بنى اميه كانوا اركان قياده طوال فتره المواجهه على صعيدى الدعوه والدوله الاسلاميه التى دامت 19 عاما، وانهم قد دخلوا فى الاسلام مكرهين حرصا على حياتهم، وفهمهم للاسلام، لم يكن قادرا على ان ينزع من نفوسهم الحقد الدفين على محمد وعلى آل محمد وعلى الاسلام، ورسول اللّه لم يومر بان يحاكم الناس على النوايا، واكتفى ببيان حقيقه ابى سفيان واولاده واركان جبهه الشرك للمسلمين ليحذروا منهم فيما بعد.

وقبل ان ينتقل الرسول الى جوار ربه، كانت بطون قريش وبقيه الاحزاب تتحرك بالخفاء وترتب اوراقها لتعديل الترتيبات الالهيه لمرحله ما بعد النبوه، بحيث تصرف الامر عن اهل بيت النبوه ويختص الهاشميون بالنبوه وحدها لا يشاركهم بها احد من البطون، وتختص البطون بالخلافه وحدها لا يشاركهم بها هاشمى، والطريقه المثلى لتحقيق ذلك هى:

1 - القبض على مقاليد الامور بالقوه والتغلب والاغتصاب.

2 - رفع شعار القرآن وحده يكفى تمهيدا لاخراج النصوص النبويه من الصراع، ولاخراج النبى من التاثير على سير الاحداث وهكذا كان، فما ان مرض النبى وادرك قاده البطون انه ميت من مرضه، حتى كشفوا عن حقيقه مخططهم، فما ان قال النبى قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا، حتى وقفت البطون وقفه رجل واحد، وقالوا للنبى نفسه لا حاجه لنا بكتابك حسبنا القرآن، انك مريض، وانك تهجر، وتمكنوا من الحيلوله بين النبى وبين كتابه ما اراد.

وقد وثقت هذه الحقائق ونظرتها علميا فى كتاب كامل يقع فى 800 صفحه اسمه الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه، وفى كتابى نظريه عداله الصحابه كشفت حقيقه الموامره (191).

بهذا المناخ تالق نجم ابى سفيان وولده وبنو اميه، لان الموامره لن تنجح بغير استقطاب كل المعادين لمحمد ولاهل بيت محمد، وابو سفيان واولاده وبنو اميه على قائمه المعادين فمن الطبيعى جدا ان تتم الاستعانه بهم، والاستفاده من خبراتهم فى معاداه النبى واهل بيت النبوه، ولا باس من اعطائهم بعض المكاسب.

عندما انتقل رسول‏اللّه الى الرفيق الاعلى، كان ابو سفيان يجمع الصدقات من بعض القبائل، فعاد ومعه الصدقات وعلم ابو سفيان ان ابا بكر بالتعاون مع عمر قد قبضا على مقاليد السلطه عمليا، وهما فى طريقهما لتصفيه المعارضه، فاراد ابو سفيان ان يحسن واقعه السياسى وان يحصل على مكاسب سياسيه فقال:

(انى لارى عجاجه لا يطفئها الا الدم يا آل عبد مناف، فيم ابو بكر من اموركم!

اين الاذلان على والعباس؟ ما بال هذا الامر فى اقل حى من قريش، ثم قال لعلى:

ابسط يدك ابايعك فواللّه نصيحتك) ((جلا) (21) فزجره على -لانه ونظامه عن طريق على مغلقه، وكانت السلطه متلهفه للتعاون مع ابى سفيان واولاده وبنى اميه ومع اى شخص يواليها بما فيهم المنافقون.

فقال عمر لابى بكر:

ان هذا ابو سفيان قد قدم وهو فاعل شرا، وكان النبى يستالفه على الاسلام فدع له ما بيده من الصدقات، ففعل ابو بكر، وترك لابى سفيان ما جمعه من الصدقات (194).

وزياده بتعميق ولاء البيت الاموى للنظام الجديد الذى قبض على مقاليد الامور حتى قبل ان يدفن النبى، اقترح عمر على ابى بكر ان يعين يزيد بن ابى سفيان قائدا للجيش الزاحف الى بلاد الشام، وان يعين معاويه ابن ابى سفيان نائبا لاخيه يزيد، ولان ابا سفيان كان غائبا، ولم يكن يدرى ان الامويين قاطبه شركاء فعليين بالنظام الجديد، وان كافه بنى اميه من انصاره، وانهم قد رتبوا الامور بالتعاون مع الخليفه ومع نائبه ترتيبا محكما بحيث يكون ابو بكر هو الخليفه الاول، وعمر هو الخليفه الثانى، وعثمان هو الخليفه الثالث، بدليل ان عثمان بن عفان كان اول زعيم من زعماء المهاجرين قد بايع بدون تردد، وتبعه الامويين قاطبه فبايعوا بيعه رجل واحد (195)، وبدليل ان عثمان عندما كتب العهد لعمر قال:

(انى قد وليت عليكم)، ثم اغمى عليه، فكتب عثمان:

انى قد وليت عليكم عمر ولم آلكم خيرا ولما استفاق ابو بكر من اغماءته شكر لعثمان ذلك، وقال له:

واللّه لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها (196).

وكان عثمان يدعى بالرديف، والرديف بلسان العرب هو الرجل الذى ياتى بعد الرجل، وتقول العرب ذلك للرجل الذى يرجونه بعد زعيمهم (197).

وهذا كله لا يمكن ان يتم عفويا وبدون اتفاق مسبق، بين السلطه وبين الامويين، ولكن لان ابا سفيان كان غائبا، ولا يدرى حقيقه الامر تصرف بهذه الطريقه، ولما وقف على الحقيقه سعد وشكر السلطه، وعبر عن ذلك بقوله(وصلته رحم) وهكذا تاسست عمليا بذره الملك الاموى فيما بعد.

واتحدت ثانيه بطون قريش ضد البطن الهاشمى، والفرق ان بطون قريش عندما اتحدت ضد النبى، وضد بنى هاشم اتحدت وهى تعلن شركها، بينما اتحادها اليوم تم وهى تعلن اسلامها (198).

والخلاصه:

ان ابا سفيان كان القائد العام لجبهه الشرك والعصيان، طوال فتره الدعوه النبويه التى استمرت 13 سنه منها ثلاث سنوات سريه وعشره علنيه، وكان هو القائد العام لجيش الشرك الذى حارب الرسول طوال 8 سنوات، ولما احيط به واسلم مكرها، لم يتوقف عن الكيد للنبى وآله، ولم يرتح للنتيجه الموقته التى آلت اليها اموره.

اركان قياده جبهه الشرك:

قلنا ان رسول‏اللّه -صلى اللّه عليه وآله وسلم- كان القائد العام لجبهه الايمان، وكان له اركان قياده يساعدونه بقياده جبهه الايمان وقد عرفناهم بالقدر اللازم لبحثنا.

وتبين لنا ان ابا سفيان هو القائد العام لجبهه الشرك والعصيان، الذى ناصب رسول‏اللّه العداء طوال مرحلتى الدعوه الاسلاميه، وحاربه حربا حقيقيه طوال 4 - 5 سنوات، ولم يلق ابو سفيان سيفه حتى وجد نفسه محاصرا، فاستسلم واسلم لينجو بروحه، وبدا حربا ضد الاسلام ونبيه من نوع جديد.

من هم اركان قياده جبهه الشرك؟:

كان ابو سفيان هو القائد العام لجبهه الشرك، وكانت عنده هيئه اركان تساعده فى قياده جبهه الشرك، وتتالف هيئه الاركان تلك من مجموعه من الشخصيات المشركه التى كان لها قدم راسخه بمعاداه الاسلام، ومحاربه نبيه طوال مده 18 عاما ولم تلق السلاح حتى استسلم قائدها ابو سفيان فاستسلمت معه، وابرز رجالات هيئه اركان الشرك هم:

1 - معاويه بن ابى سفيان، ويزيد بن ابى سفيان، وعتبه ابى سفيان، وحنظله بن ابى سفيان:

وهم الحلقه الاولى من اركان قياده جبهه الشرك، وقفوا مع ابيهم وقفه رجل واحد طوال 18 عاما، وقاوموا رسول‏اللّه، وقاوموا دين الاسلام بكل وسائل المقاومه، وعندما حدثت الحرب حاربوا الرسول وحاربوا دينه بكل فنون الحرب، وبعد 18 عاما من المقاومه والعداء والحرب فوجى‏ء القائد -بجبهه الشرك- ابو سفيان، وفوجى‏ء اولاده بجند اللّه على مشارف مكه، فانهارت معنويات ابى سفيان واستسلم واضطر مكرها ان ينطق بالشهادتين، فغضب اولاده ولامه معاويه، وشجعه على عدم الاستسلام، وتعجب معاويه من ابيه كيف ينسى حنظله وينسى دمه الذى سفكه على ابن ابى طالب فى بدر (199)، وكيف يدين بدين محمد، ونظم ذلك شعرا مثيرا، ولكن ابا سفيان، كان اعقل من اولاده وابعد نظرا، فقد ادرك انه لا طاقه له بجند اللّه، وادرك ان الحرب مع محمد ومع الاسلام حرب طويله، وليست محصوره باسلوب او باسلوبين، وان الدنيا اكبر من اهلها، فمضى قدما باستسلامه، ولم يعبا بتقريع معاويه له، واضطر اولاده للاستسلام، واضطروا للنطق بالشهادتين، فعصموا دماءهم.

2 - عتبه بن ربيعه، وهو جد معاويه، وشيبه بن ربيعه وهو خال معاويه، والوليد بن عتبه وهو ابن خال معاويه، والعاص‏بن سعيد، وعقبه بن معيط وقد قتلوا فى بدر (200).

3 - والحكم بن العاص بن اميه بن عبد شمس، وكان من اكثر الناس عداوه لرسول‏اللّه خلال مرحلتى الدعوه، واشدهم حربا للّه خلال مرحله الدوله، ثم صار طليقا من الطلقاء، ولم يتوقف عن عدائه لرسول اللّه ولا عن كيده له، فنفاه رسول اللّه، وبقى منفيا طوال فتره حياه الرسول المباركه فى المدينه، فلما توفى النبى، راجع عثمان ابا بكر ليعيده، فرفض ابو بكر، ولما توفى ابو بكر راجع عثمان عمر ليعيده فرفض عمر، فلما تولى عثمان الخلافه اعاده معززا مكرما، واعطاه من بيت مال المسلمين ما حوله من الفقر المدقع الى الغنى الفاحش (201)، وكان الخليفه عثمان يحبه حبا شديدا بالرغم من كراهيه الحكم للرسول، وكراهيه الرسول له، وعندما مات الحكم اقام الخليفه عثمان على قبره فسطاطا على عاده اهل الجاهليه باظهار الحزن (202).

4 - وكان ابنه مروان بن الحكم بن العاص من اركان قياده الشرك، وقد قربه عثمان، واعطاه ابنته، وجعله رئيسا لوزرائه، وكاتما لاسراره، واعطاه خمس غنائم افريقيا (203) واعطاه فدك بالوقت التى منعوها عن صاحبه الحق فيها وهى فاطمه الزهراء ابنه محمد (204) وكان من اسباب قتل الخليفه عثمان، فيما بعد (205)، وهو الذى ساهم اعظم المساهمه بتكوين الملك، وصار فيما بعد خليفه المسلمين وملكهم، وصار اولاده من بعده خلفاء وملوك المسلمين، مع ان رسول‏اللّه قد لعنهم وحرم عليهم ان يسكنوا المدينه معه (206).

5 - الحارث بن الحكم بن العاص بن اميه بن عبد شمس:

وهو ابن عم الخليفه عثمان واخو مروان، ويكفيه تعريفا انه ابن الحكم، واخ مروان الذين لم يتوقفوا عن معاداه رسول‏اللّه قط لا فى الجاهليه ولا فى الاسلام، ولقد حوله الخليفه عثمان من فقير معدم الى غنى مترف، واضفى عليه الشرف، فزوجه ابنته عائشه، واقطعه منطقه مهزوز(منطقه تصدق بها رسول‏اللّه على المسلمين) واعطاه مائه الف من بيت المال دفعه واحده (207).

6 - الوليد بن عقبه بن معيط:

كان والده من اشد اعداء رسول‏اللّه خلال مرحله الدعوه، وقد قتل فى بدر صبرا، واستمر ابنه الوليد فى معاداه الاسلام، ومحاربه نبيه حتى اسلم كما اسلم غيره من الطلقاء، ونطق بالشهادتين، ومع هذا لم يتوقف يوما عن معاداه رسول‏اللّه ودينه، ومن حسن حظه انه كان اخ الخليفه عثمان لامه، فولاه عثمان ولايه الكوفه فيما بعد، وكان مشهورا فيما بعد بالزنا وشرب الخمر (208)، صلى الصبح اربعا بدلامن اثنتين وهو سكران وقصته مشهوره، وكان يقول هو ساجد:

اشرب واسقنى (209)، واضطر الخليفه عثمان ان يقيم الحد عليه (210)، وقد لعب دورا بارزا فى تاسيس الملك الاموى وتثبيته.

7 - عبد اللّه بن سعد بن ابى سرح العامرى، كتب لرسول اللّه، وعرف الرسول ان الرجل خائن فطرده، فارتد عن الاسلام، واخذ يشيع بين اهل مكه، بانه كان يتلاعب بالقرآن، فانزل اللّه تعالى فيه:

(ومن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا او قال اوحى الى ولم يوح اليه شى‏ء ومن قال سانزل مثل ما انزل اللّه) (211) وبعد اباح الرسول دمه ولو تعلق باستار الكعبه، ولكن عثمان استامن له من النبى فامنه النبى فى النهايه (212) وهو ابن خاله عثمان (213) واخوه من الرضاعه (214) وقد لمع نجم الرجل فى خلافه عثمان، فاعطاه عثمان جميع ما افاء اللّه عليه من فتح افريقيه كلها دون ان يشرك فيه احدا من المسلمين، ثم ولاه على مصر بعد ان عزل عنها عمرو بن العاص (215)، وهو كغيره من بنى اميه من الطلقاء.

8 - عبد اللّه بن عامر بن كريز الاموى:

وهو من المشهورين بعداوته للنبى، وهو طليق من الطلقاء، لكنه ابن خال عثمان وقد ولاه البصره، وعينه اميرا على فتوحات الشرق فلمع نجمه، وصار سيدا من سادات بنى اميه، الذين ساهموا باقامه الحكم الاموى وتثبيت اسسه، وزعزعه اركان الاسلام (216) 9 - ومن اركان قياده الشرك ابو جهل المخزومى، الذى كان ينافس ابا سفيان على قياده جبهه الشرك، ويشغل نفوذ بنى عبد مناف تفكيره، وقد قتل فى معركه بدر (217)، ومن اركان قياده الشرك الوليد بن المغيره، وهو والد خالد بن الوليد واحد المستهزئين (218)، وابنه خالد بن الوليد، وقد قاوم الوليد وابنه خالد الاسلام ونبى الاسلام بكل وسائل المقاومه خلال مرحله الدعوه، وبعد قيام الدوله الاسلاميه ونشوب معركه بدر، اشتعلت نيران الحقد فى قلوب بنى مخزوم على محمد وعلى آل محمد نتيجه قتل سادات بنى مخزوم، ولعب خالد فيما بعد دورا مميزا فى معركه احد، وقلب موازين القوى لصالح المشركين، وكانت كراهيته لاهل بيت محمد ظاهره، لذلك حالف ابا بكر وعمر، وساهم مساهمه فعاله بقيام دولتيهما، وصرف الامر عن اهل بيت محمد، وكان مستعدا ان يحرق بيت فاطمه بنت محمد على من فيه باعصاب هادئه، وهو يعلم ان فيه فاطمه بنت الرسول، وعلى ابن عم الرسول، والحسن والحسين ابناه، وصار فيما بعد قائدا عسكريا من اعظم القاده العسكريين لحكومتى ابى بكر وعمر رضى اللّه عنهما، يفعل ما يشاء، وكان بامكانه ان يقتل اصحابه، وان يتزوج زوجه المقتول منهم بنفس يوم وفاه زوجها وبدون عده دون ان يتعرض لاى لوم، لدوره الكبير فى تثبيت اركان تلك الحكومتين (219)، وعندما قاد معاويه جبهه العصيان ضد الامام على بن ابى طالب، وقف سادات بنى مخزوم، وعلى راسهم اولاد خالد بن الوليد مع معاويه لا حبا بمعاويه، ولكن كراهيه لعلى ولبنى هاشم، ولقد جزاهم معاويه بجزاء سنمار-فدس السم لابن خالد بن الوليد (220).

10 - عمرو بن العاص بن وائل، كان ابوه شانئا لرسول اللّه، وقد نعته اللّه بالابتر، قال الرازى:

ان العاص‏بن وائل كان يقول ان محمدا ابتر لا ابن له (221) وامه ليلى بغى من اشهر بغايا مكه، وارخصهن اجره، واقعها سته رجال، ولما حملت ووضعت اخذ كل منهم يزعم بان المولود ابنه، فاقرت بمواقعه السته لها، وقالت:

الحقوا المولود باكثرهم شبهه به، فالحقوه بالعاص بن وائل (222)، وعده الكلبى المتوفى سنه 206ه فى كتابه مثالب العرب:

ممن يدين بسفاح الجاهليه، وعده ابو عبيده المتوفى سنه 209ه فى كتاب الانساب من الادعاء، واكد الزمخشرى ذلك فى كتابه ربيع الابرار (223)، وكذلك الحلبى فى سيرته (224)، وابن عساكر فى تاريخه (225)، واعلن والده العاص عداءه لرسول اللّه ووقوفه ضده.

تبنى الابن عمرو مواقف ابيه، وتطرف بكراهيته لرسول اللّه، ولاهل بيته، ولبنى هاشم.

ولان عمرو ذكى وطموح، لمع كواحد من اركان قياده جبهه الشرك، فقاوم الرسول خلال مرحله الدعوه كلها، وكان احد مبعوثى بطون قريش الى النجاشى، لرد المهاجرين الى الحبشه، طمعا بفتنتهم عن دينهم، واختياره مبعوثا، دليل عمق ولائه لقضيه البطون، واشترك مع بطون قريش فى كل المواقع التى حاربت تلك البطون فيها رسول‏اللّه، قال الحسن بن على بن ابى طالب (عليهم‏السلام) لعمرو بن العاص فى حضور معاويه:

(لقد قاتلت يا عمرو رسول‏اللّه فى جميع المشاهد، وهجوته وآذيته فى مكه، وكدته كيدك كله، وكنت من اشهر الناس له تكذيبا وعداوه، ثم خرجت تريد النجاشى مع اصحاب السفينه، لتاتى بجعفر واصحابه الى مكه، فلما اخطات ما رجوت، ورجعك اللّه خائبا، واكذبك واشيا، جعلت حسدك على صاحبك عماره بن الوليد، فوشيت به الى النجاشى حسدا، لما ارتكب من حليلته، ففضحك اللّه وفضح صاحبك، فانت عدو بنى هاشم فى الجاهليه والاسلام، ثم انك تعلم وكل هولاء الرهط يعلمون انك هجوت رسول‏اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بسبعين بيتا من الشعر فقال رسول‏اللّه:

(اللهم انى لا اقول الشعر، ولا ينبغى لى فيه، اللهم العنه بكل حرف الف لعنه فعليك اذا من اللّه ما لا يحصى من ‏للعن ويروى ان النجاشى قال لعمرو:

(ويحك يا عمرو اطعنى واتبع محمدا) (226).. ولكن عمر تردد، ورصد مصالحه، ثم ادرك بدهائه وذكائه ان كفه محمد قد رجحت، وان محمدا سيغلب بطون قريش، وتستسلم تلك البطون عاجلا ام آجلا، وشاور عمرو معاويه، وبين لمعاويه ان مصلحته تقتضى الالتحاق بمحمد، فقال له معاويه:

(يا ابا عبد اللّه انى لاكره لك ان تتحدث العرب عنك انك انما دخلت فى هذا الامر لغرض الدنيا) (227).. ولكن الرجل سار الى النبى ونطق بالشهادتين، وهو يحمل قناعات الشرك، وحسد البطون لبنى هاشم، وآثارا نفسيه عميقه لثارات ودماء سالت.

ومن الطبيعى ان النبى لا يحاسب على النوايا، وانه سيقبل ظاهره ويكل باطنه للّه، وانه سيشجع توجهه نحو الاسلام، ويدخل النبى عاصمه الشرك، ويستسلم ابو سفيان وابناوه ومعاويه منهم، ويلتقى الصديقان فى دائره الاسلام، ويخططان معا.

قال زيد بن ارقم:

(غزا رسول‏اللّه غزوه، ومعه معاويه، وعمرو، فرآهما مجتمعين، فنظر اليهما نظرا شديدا ثم رآهما فى اليوم الثانى، واليوم الثالث، كل ذلك يديم النظر اليهما، فقال فى اليوم الثالث:

اذا رايتم معاويه وعمرو بن العاص مجتمعين، ففرقوا بينهما، فانهما لن يجتمعا على خير) (228).

ولم يطل مقام النبى بعد نصر اللّه له والفتح، فمرض، واراد ان يلخص الموقف، فتصدى له عمر بن الخطاب كما يروى البخارى ومسلم وقال:

عندنا كتاب اللّه، ولا حاجه لنا بكتاب آخر، وردد اعوانه من خلفه:

القول ما قال عمر ان النبى يهجر(حاشا له)، ونجح عمر واتباعه بالحيلوله بين النبى، وبين كتابه ما اراد (229).

ومن المثير للدهشه حقا ان بنى اميه قاطبه، وعمرو بن العاص، وكل الطلقاء كانوا مع عمر ومع ابى بكر، وضد بنى هاشم، وضد الامام على، ومع مبدا الحيلوله بين ان يجمع الهاشميون مع النبوه الخلافه، وهكذا اتحدت البطون مره ثانيه ضد محمد، وضد بنى هاشم، ولكن هذه المره تحت مظله الاسلام.

اما المره الاولى فقد اتحدت البطون ضد محمد وضد بنى هاشم ولكن تحت مظله الشرك!!!

وصار عمرو قائدا من قاده جيوش الخليفه، وتالق نجم الرجل، وتوطد سلطانه، وكثر ماله، وتربع على ولايه مصر طوال عهدى ابى بكر وعمر، وجاء عثمان وعزله بعد فتره من بدء خلافته.

وولى عبد اللّه بن ابى سرح مكانه، فنقم على عثمان واخذ يحرض على قتله، وبعد ان قتل عثمان وبويع الامام على، ادرك ان نجمه آفل لا محاله، وبعد مشاورات بينه، وبين معاويه، وبعد مساومات انتهت بان تكون:

مصر لعمرو بن العاص، والخلافه لمعاويه (230)، ومضى الحليفان قدما، ونجحا بالخروج من الشرعيه، وبتفرق الخاصه وجهل العامه.

لما رفعت المصاحف على الرماح يوم صفين، قال على عليه السلام:

(عباد اللّه انا احق من اجاب الى كتاب اللّه، ولكن معاويه، وعمرو بن العاص، وابن ابى معيط، وحبيب بن مسلمه، وابن ابى سرح، ليسوا باصحاب دين، ولا قرآن، انى اعرف بهم منكم، صحبتهم اطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر اطفال، وشر رجال.. وما رفعوها الا خدعه ومكيده) (231)، وبالايجاز كان عمرو بن العاص احد اركان قياده جبهه الشرك، واحد الذين اشربوا فى قلوبهم حسد وكراهيه محمد وبنى هاشم.

وبعد الحرب الدمويه، اضافوا للحسد والكراهيه، الحقد الدفين لمحمد ولال محمد.

وبعد ان رجحت كفه النبى، فى صراعه المرير مع بطون قريش، واغلقت كل الابواب الا باب الاسلام، اظهروا الخير للنبى، وبقيت مشاعرهم نحو آل محمد كما هى.

وقد صدق عمرو بن العاص عندما تمثل بهذا البيت وقد نبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا

الفصل الخامس: مراحل المواجهه (232)

ربط الموضوع:

بدات المواجهه الفعليه مع النبى وآله الاكرمين فور اعلانه -صلى اللّه عليه وآله وسلم- لبشائر النبوه، والرساله، والكتاب، وولايه العهد، وبالتحديد بعد ان انفض الاجتماع الذى عقد فى بيت النبى بناء على دعوه منه، والذى ضم بنى هاشم، حيث اعلن النبى فى هذا الاجتماع انباء النبوه والرساله والكتاب اعلانا خاصا لرهطه الاقربين، وحيث تم تعيين السيد الهاشمى على بن ابى طالب وليا لعهد النبى، اماما ومرجعا من بعده (233)، ولسريع ما شاعت وقائع هذا الاجتماع وانتشرت، وبعد ان احيط سكان مكه علما بوقائع هذا الاجتماع وتفصيلاته، انقسم المجتمع المكى الى قسمين متناقضين، او جبهتين متواجهتين:

الجبهه الاولى:

وتتالف من النبى والهاشميين وبنى عبد المطلب، وهى الاقل عددا ويتزعمها النبى محمد وعلى بن ابى طالب ولى عهده وابن عمه، ومن ابرز اركان هذه الجبهه اطلاقا عبد مناف بن عبد المطلب المكنى بابى طالب وهو عم الرسول وكافله (234) وجعفربن ابى طالب وهو ابن عم الرسول، وحمزه بن عبدالمطلب وهو عم الرسول ايضا.

وكانت بطون قريش تعتبر الذين اسلموا جزءا من هذه الجبهه.

الجبهه الثانيه:

وتتالف من بطون قريش ال‏23 (235) بقياده البطن، الاموى ويتزعم هذه الجبهه رسميا صخر بن حرب بن اميه المكنى بابى سفيان، ومن ابرز اركان قيادته اولاده معاويه ويزيد وحنظله وعتبه، وسادات بنى اميه كعتبه، وشيبه، والحكم بن العاص، ومروان بن الحكم بن العاص، وعقبه بن معيط، والوليد بن عقبه، والعاص‏بن وائل، وابنه عمرو بن العاص، وابو جهل المخزومى، والوليد بن المغيره والد خالد بن الوليد، وسادات بطون قريش ال‏23 (236)، وهذه الجبهه هى الاكثر عددا وهى التى استطاعت ان تستقطب عطف العرب، وان تقاوم النبى ودينه واهل بيته طوال مرحله الدعوه العلنيه التى استمرت عشر سنين فى مكه، وجيشت الجيوش، وحاربت النبى واهل بيته ودينه بعد الهجره ثمانى سنوات، حربا حقيقيه، وفى كل المواقع، ولم ترم البطون سلاحها الا بعد ان احيط بها، وحصرت فى جزيره من الشرك، واغلقت بوجهها كل الابواب، ولم يبق امامها الا باب الاسلام فدخلته مكرهه.

مراحل المواجهه:

مرت المواجهه بين هاتين الجبهتين بعده مراحل:

المرحله الاولى:

بدات هذه المرحله من اليوم الذى اعلن فيه النبى امام المجتمعين فى منزله من بنى هاشم انباء النبوه والرساله والكتاب، واختياره لولى عهده والامام من بعده، وامتدت الى اللحظه التى هاجر فيها رسول اللّه من مكه الى المدينه بعد نجاته من موامره البطون التى كانت تهدف لقتله قبل الهجره بقليل.

ومده هذه المرحله عشر سنين، بمعنى ان النبى عندما تلقى كلمه الوحى، كان يدعو الى ربه سرا من يغلب على ظنه استجابتهم لدعوته، وكان اتباعه يمارسون عبادتهم سرا، واستمرت المرحله السريه ثلاث سنين، وسمع الملا من بطون قريش شائعات، مفادها ان فتى عبد المطلب يكلم من السماء، وانتشرت هذه الشائعات بين سكان مكه، ولكن السكان لم يقطعوا الشك باليقين حول صحه هذه الشائعات او عدم صحتها، الا بعد صعوده -صلى اللّه عليه وآله وسلم- على الصفا واعلانه للنبا العظيم (237)، وبعد ان انتشرت وقائع اجتماع الهاشميين فى بيت النبى، واعلانه لبشائر النبوه والرساله والكتاب، واختياره على بن ابى طالب وليا لعهده، هنالك بالذات، بدات المرحله الاولى من المواجهه، وهى مرحله الدعوه العلنيه فى مكه والتى امتدت عشر سنين، مبتدئه بالاعلان عن النبا العظيم، ومنتهيه بنجاح النبى بالهجره من مكه الى المدينه (238).

وتتميز هذه المرحله بانها مواجهه مضغوطه، ونفسيه بطابعها العام، فقد فهمت بطون قريش ال‏23 جديه الموقف الهاشمى، وعزم الهاشميين على حمايه النبى ودعوته، وان الهاشميين سيقاتلون حتى آخر رجل منهم اذا ما قامت البطون بقتل محمد (239)، لذلك لجات البطون الى المفاوضات والاغراء (240) وحصار ومقاطعه بنى هاشم لتحملهم على التخلى عن محمد لتنفرد به وتقتله، وشنت على النبى وعلى دينه حملات اعلاميه منظمه، واستغلت البطون نفوذها الادبى عند العرب وصدت عن سبيل اللّه، ونفرتهم من رسوله (241)، وضيقت على الذين اتبعوه من ابناء البطون، وعذبت من لا بطون لهم تحميهم عذابا اليما (242)، وبذلت جهودها لارجاع الذين هاجروا الى الحبشه، لتفتنهم عن دينهم (243)، وفكرت جديا بقتل النبى سابقا ولكنها تخلت عن فكره قتله امام جديه الموقف الهاشمى (244).

ولما ايقنت باسلام جزء من اهل يثرب، ومن عزم النبى على الهجره، اتفقت بطون قريش على اختيار عدد متساو من رجالات البطون ليشتركوا بقتل النبى، وليضربوه ضربه رجل واحد، فيضيع دمه بين البطون، ولا يقوى الهاشميون على المطالبه بدمه، وشرعوا بالقتل فعلا ليله هجره النبى، ولكن اللّه نجى نبيه، وافشل مخططات وموامره البطون (245)، وبهذه الهجره انتهت المرحله الاولى من المواجهه.

المرحله الثانيه:

بدات هذه المرحله من اليوم الذى نجا فيه النبى من موامره القتل، ومن وصوله الى المدينه المنوره، وامتدت هذه المرحله حتى صلح الحديبيه (246).

وفى هذه المرحله قويت جبهه الايمان باسلام من اسلم من الانصار، وكثر عدد الداخلين فى دين الاسلام، وتجمعت اكثريتهم فى بقعه جغرافيه واحده، صارت بمثابه اقليم للدوله الاسلاميه، وهى المدينه المنوره، وصارت للمسلمين دوله حقيقيه تراسها رسول اللّه بنفسه، وتولت هذه الدوله تنظيم وقياده المواجهات العسكريه التى جرت بين جبهه الايمان، وبين جبهه الشرك، وسيرت الدوله الاسلاميه العديد من السرايا العسكريه التى لم تعهدها جزيره العرب من قبل، ودخلت الدوله الاسلاميه الفتيه بحروب طاحنه مع بطون قريش (247)، وخلال هذه الفتره كانت البطون ترفض التفاوض مع النبى، وترفض الاعتراف بكيانه، وتستمر فى حملاتها الاعلاميه الفاجره ضده وضد الاسلام، وتحاربه بكل وسائل الحرب، مستعمله نفوذها الادبى عند العرب لصدهم عن الاسلام ونبيه.

وفى هذه المرحله ظهرت ظاهره النفاق، وتتمثل بالتظاهر بالاسلام، والقيام ظاهريا بكل ما يامر به الاسلام من صلاه وصيام وكلام، واخفاء الحقد على النبى واهل بيته، والكفر بدينه، وتربص الفرص لنقض كلمه الاسلام من اصولها، واصبح المنافقون قوه رهيبه، ولكن فاعليتها كانت ملجومه بوجود النبى، وقبول المسلمين بقيادته وولايته، كانت مشكله النفاق من اكبر المشكلات، ومن المدهش انه بعد موت النبى، اختفت كلمه النفاق، وتبخر المنافقون وكانهم كانوا ينتظرون موت النبى ليصلحوا انفسهم قبل ان يرتد اليك طرفك!!!

وعلى الرغم من ان مشكله النفاق والمنافقين كانت عصيه على الحل، الا ان رسول اللّه قاد سفينه الاسلام بتلك الظروف بكفاءه لا مثيل لها.

ومهما انشغل النبى، فلن ينشغل عن مكه، ففيها بيت اللّه الحرام، القاسم المشترك بين قبائل العرب، ومع هذا فان المشركين حولوا مكه الى عاصمه للشرك، وقاعده لجبهه الشرك، يتم فيها التدبير والتخطيط للصد عن سبيل اللّه، وقد اكتوت بطون قريش بنار الحرب، وتعرضت طرق تجارتها للخطر، وهى لا تفكر اطلاقا بالاعتراف بمحمد واتباعه، او بالتفاوض معه.

فقرر صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد رويا مباركه ان يودى العمره ومعه عدد من اصحابه، وفوجئت بطون قريش بقدوم النبى واصحابه، وفوجئت بقرار العمره، واصرت على منع النبى من اداء العمره، ولكنها اضطرت ان تتفاوض معه لاول مره، وانتهت المفاوضات (بصلح الحديبيه)، ونتيجه هذه المعاهده اعترفت بطون قريش بمحمد وآله واتباعه، ولاول مره ككيان سياسى، يقف معها على قدم المساواه، واعترفت بحق هذا الكيان باستقطاب ما يشاء، وبالتحالف مع من يشاء، ورفعت حصارها الادبى عن العرب، واعلنت ولاول مره بان لقبائل العرب الحريه باختيار التحالف معها، او مع خصمها محمد، وقد اعتبر صلح الحديبيه هو الفتح الحقيقى المبين لمكه، وبدايه لتحالف جبهه الشرك المكونه من بطون قريش ال‏23 بقياده البطن الاموى، بالاضافه لما استاجرت تلك البطون من الاحابيش، وتم صلح الحديبيه فى السنه السادسه من الهجره النبويه (248).

وخلال هذه المرحله شهدت المواجهه الطويله بين محمد وآله، وبين بطون قريش حاله من الانفراج، واتيحت الفرصه للنبى لاقامه تحالفات مع بعض القبائل، وللدعوه السلميه المسلحه بالقوه والحجه الشرعيه والعقل والمنطق، وحوافز المصلحه العاجله والاجله.

كما اقيمت له الفرصه للقضاء نهائيا على الخطر اليهودى الذى لا يقل بشاعه عن خطر المشركين ففتح حصون خيبر (249) وغنم ما فيها، واصلح امور مجتمعه بما غنم، وسير بعض السرايا العسكريه الى القبائل المعانده والمتردده (250)، واوجد حاله من التماس مع الغساسنه اتباع الاكاسره (251)، ورتب الكثير من اموره الداخليه خلال فتره سريان معاهده الحديبيه.

المرحله الثالثه:

بدات من فتح مكه بعد نقض معاهده الحديبيه فى السنه الثامنه للهجره، واستمرت حتى مرض الرسول مرضه الذى مات منه.

لم يرق طعم السلم لبطون قريش التى اتخذت من عداوه محمد وآله عقيده تدين بها، واكتشفت تلك البطون انها اوقعت نفسها بمطب قاتل، وعبدت الطريق امام من تعتبره عدوها وتصورت ان الامر لعبه، فنقضت تلك البطون معاهده الحديبيه (252)، عندئذ وجد النبى ان الفرصه مواتيه والظروف مهياه، فعزم على ان يفتح مكه، وان يعلن انهيار جبهه الشرك وهزيمتها الساحقه النهائيه، وان يجبر قائد هذه الجبهه واركان قيادته على الاستسلام، ولتحقيق هذه الاهداف جهز الرسول عشره آلاف مقاتل، ورتب اموره ليفتح مكه، ويحقق الاهداف التى رسمها بدون اراقه دماء، وهكذا كان وبفتح مكه انهارت عمليا جبهه الشرك، وحذف هذا المصطلح من الخارطه السياسيه نهائيا، واستسلم قائدها العام ابو سفيان مع اركان قيادته اولاده:

معاويه ويزيد وعتبه، وسادات بنى اميه، وسادات البطون، وكان تصرف النبى مع المغلوبين، بحجم خلقه العظيم، فقال لقاده جبهه الشرك ولمن والاهم من سكان مكه:

اذهبوا فانتم الطلقاء (253)، والتصق نعت الطلقاء بهم، ولم يقووا على التخلص منه حتى بعد ان نجح انقلابهم فيما بعد، وقبضوا على مقاليد الامور بالقوه والتغلب، وصاروا رسميا قاده المسلمين بقوه السلاح!!!

وبفتح مكه تغيرت الخارطه السياسيه كليا، واصبحت الدوله الاسلاميه هى القوه الحقيقيه الوحيده فى بلاد العرب، وسمع كل العرب باستسلام قاده بطون قريش، وشعرت قبائل العرب انها صارت فى حل من مجامله البطون، وانه ليس هنالك ما يحول بينهما، وبين ادراك مصالحها، من خلال استسلامها، او اسلامها بعد ان بهرتها العبقريه المحمديه، وتوصلت الى قناعه عقليه مفادها (ان آلهه العرب جميعا آلهه زائفه، وان الاله الحقيقى هو اله محمد، والاقرب ان محمد رسول‏اللّه، وان مصالحها تقتضى القرب من الرجل، وان تستسلم له او تسلم معه، فاتجهت اليه كل القلوب بقوه الانبهار، وحوافز البحث عن الحلم المفقود.

واغتنم النبى الفرصه، واراد ان يصفى ما تبقى من اوكار الشرك، فاتجه الى حنين ومعه كثره كاثره من المسلمين سكرى بزهو النصر، وفاجاهم عدوهم فولوا مدبرين، ولكن النبى واهل بيته ثبتوا، حتى استعادت جموع المسلمين روعها، فكرت بعد فر والحقت الهزيمه بعدوها (254)، واتجهوا الى الطائف آخر معاقل الشرك، فتحصن بها اهلها فحاصرهم النبى، ثم قرر ان الطائف قد سقطت عمليا، وان اهلها اتوه يوما فتركها (225)، وقسم الغنائم بين الناس، وعاد الى المدينه المنوره، يغمره السرور بنصر اللّه والفتح، وما ان استقر قليلا حتى بدات الوفود تتقاطر عليه، معلنه استسلامها او اسلامها على يديه (256)، وخلال تلك الفتره كان النبى يتفقد ما بقى من جيوب الشرك، ويرسل سراياه وبعوثه ورسله، لتطهيرها وهدايه اهلها.

وارتاحت نفسه الشريفه وهو يرى ان بلاد العرب قد توحدت، ولاول مره فى التاريخ، وبكلفه بشريه لا تتجاوز اربعمائه قتيل، وبمده زمنيه لم تتجاوز تسع سنين واطمان قلبه الطاهر وهو يرى دين الاسلام قد اصبح دينا لكل سكان بلاد العرب، وصرح علنا بان الشيطان قد يئس من ان يعبد فى بلاد العرب.

لقد اقلقت هذه الانجازات الهائله مضاجع قاده الدولتين الاعظم آنذاك خاصه الاباطره، واشيع بان الروم قد حشدوا جيشا كبيرا، فاستنفر رسول‏اللّه المسلمين، وجهز حمله كبرى قوامها ثلاثين الف مقاتل معهم (15الف) بعير، وعشره آلاف فرس فى ظروف صعبه، وسار بهذا الجيش قرابه 500 كيلومتر ووصل الى تبوك (257)، واخضع دومه الجندل، ووطد سلطان الاسلام بهيبته، واحجم الروم عن ملاقاته بعد ان قذف اللّه فى قلوبهم الرعب، وحققت الغزوه اهدافها النفسيه، فضلا عن الكم الهائل من العبر والاسرار، فقد جمعت غزوه تبوك الاخيار والاشرار، وثبت للاخيار بان الذين اجرموا يحقدون على محمد وعلى آل محمد، وان النبى وآله لو فتحوا اقطار الدنيا، وملكوها للمجرمين، فلن يرضوا عن محمد وآل محمد، بالوقت الذى يتلفظ فيه اولئك المجرمون بالشهادتين ويدعون الاسلام!!

واكبر دليل الايات القرآنيه النازله فى غزوه تبوك والتى فضحتهم، وموامرتهم الدنيئه على قتل النبى فى طريق عودته من تبوك (258)، والمثير للدهشه حقا، انهم بنفس الوقت الذى كانوا يعدون فيه موامره قتل النبى، كانوا يبنون مسجدا ويرجون من النبى ان يفتحه لهم تبركا به (259).

ولما قيل للنبى لم لا تقتلهم؟ قال الرسول:

(انى اكره ان يقول الناس ان محمدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده فى قتل اصحابه).

فقيل:

(يا رسول‏اللّه فهولاء ليسوا باصحاب) قال الرسول للسائل:

(اليس يظهرون انه لا اله الا اللّه)؟ قال السائل:

(بلى ولا شهاده لهم) قال النبى:

(اليس يظهرون انى رسول‏اللّه؟) قال السائل:

(بلى ولا شهاده لهم) ولم يستوعب السائل فقال النبى:

(قد نهيت عن قتل اولئك) (260).

بمعنى ان هذا الصنف من المسلمين يتلفظ بالشهادتين، ويمارس كل الاعمال الظاهريه التى تدل ظاهريا على اسلامه، ولكنه بنواياه وبقلبه كافر بكل ذلك، ويخرج عن صلاحيه النبى ان يحاكم الناس على نواياهم وما فى قلوبهم!!

ولكن النبى يكشف صفاتهم للمخلصين حتى يحذرهم -المسلمون- فلا يقعوا فى احابيلهم ولا ينخدعوا بمظاهرهم، لانهم هم العدو الحقيقى.

ولم يتوقف النبى فى هذه المرحله عن ترسيخ العقائد، وبيان الطريقه المثلى، لكشف المنافقين وعزلهم، بعد ان اصبحوا خطرا حقيقيا يتهدد الاسلام ومستقبله، وفى هذه المرحله حج النبى حجه الوداع (261)، وقال للناس:

انها حجه الوداع، وانه لن يلقاهم ثانيه، وبعد انتهاء مراسم الحج وعوده الناس، جمعهم النبى فى مكان يدعى:

غدير-خم ليس فى بلاد العرب مكان آخر يحمل هذا الاسم، واعلن امامهم ولايه الامام على، وامارته على المومنين، وتوجه بتاج الاماره، وطلب من الحاضرين ان يقدموا له التهانى بالاماره وهكذا كان (262).

وكان ابو بكر وعمر اول المهنئين (263)، وما ان استقر قليلا حتى امر بتجهيز بعث اسامه، وكلف ابو بكر وعمر ان يلتحقا بالبعث ولعن من يتخلف عن بعث اسامه (264).

ثم مرض مرضه الذى مات منه، وهو على فراش المرض اراد ان يلخص الموقف لامته ليجنبها شرور العواصف التى تتربص وتنتظر موت النبى حتى تنقض وتقتلع كل شى‏ء من جذوره، فقال لمن حوله:

قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا، وما ان سمع عمر كلام رسول‏اللّه حتى قال:

(حسبنا كتاب اللّه) بمعنى ان المسلمين ليسوا بحاجه الى كتاب رسول‏اللّه، لان القرآن عندهم، وما ان اتم عمر جوابه حتى قال رجال عمر بصوت واحد:

القول ما قاله عمر.

ولما ابدى بعض الحضور استغرابهم قال رجال عمر:

ان النبى قد هجر -حاشا له- وقال عمر:

ان النبى قد هجر، وهكذا حالوا بين الرسول، وبين كتابه ما اراد، وصعدت الروح الطاهره الى بارئها وانتهت تلك المرحله (265).

المرحله الرابعه:

وبدات منذ اللحظه التى حالوا فيها بين رسول‏اللّه وبين كتابه ما اراد وامتدت حتى قتل عثمان‏بن عفان الخليفه الثالث، ويبدو انه قد تم الاعداد الدقيق لصنع تاريخ هذه المرحله وبتروى اثناء حياه النبى، فقول النبى:

(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده)، لا يستدعى نفور عمر ورده الفورى:

(لا حاجه لنا بالكتاب حسبنا كتاب اللّه)، ولما ابدى بعض الحاضرين دهشتهم من رد عمر، قال اتباع عمر:

(القول ما قاله عمر)، وامام وجود اصوات تطالب بان تتاح الفرصه لرسول‏اللّه ليكتب ما يريد قال اتباع عمر بصوت واحد ان النبى يهجر واكثروا اللغط (266)، ومن يجرو ان يقول فى حضره النبى انه هجر غير عمر، فلو لم يقل عمر اولا بهجر النبى، لما تجرء الذين معه على ترديد هذه الكلمه النابيه والقاسيه (267)، وباختصار من غير الممكن عقلا ان تلد هذه المقدمه مثل هذه النتيجه، وان يكون هذا التوافق بين عمر والذين تضامنوا معه وليد لحظته!!

والظاهره الثانيه ان كل بطون قريش ال‏23 وقفت وقفه رجل واحد، وشكلت جبهه واحده بمواجهه اهل بيت النبوه وبنى هاشم، فمن غير الممكن عقلا ان تكون هذه الوقفه ثمره تصور آنى!!!

وانت تلاحظ ان هذه البطون قد وقفت مجتمعه ضد النبى وحاربته وحاربت دينه وحاربت الهاشميين بكل وسائل الحرب طوال 18عاما، حتى احيط بها فسلمت او استسلمت ونطقت بالشهادتين كارهه، واليوم تدعى هذه البطون بانها الاولى بالاماره، لان محمدا من قريش!!

اما رهطه بنى هاشم الذين حاربوا ووقفوا معه طوال حياته والذين قاطعتهم هذه البطون نفسها، وحاصرتهم بسبب موالاتهم لمحمد، فليس لهم من الامر شى‏ء (268).

والمدهش ان كل المنافقين وقفوا مع بطون قريش وقفه رجل واحد، وصاروا بقدره قادر من المومنين، وكانهم كانوا ينتظرون موت النبى حتى يهتدوا بيوم وفاته!!

وقبضت البطون على مقاليد الامور، ووقع الخلاف بين الانصار، واكتشفوا بانهم امام تجمع قبض على مقاليد الامور، وتحول الى سلطه حقيقيه، فسلموا لينجوا بانفسهم وليحافظوا على حياتهم ومصالحهم، ومن يعارض فالموت الزووم ينتظره!!

فلن يكون احد بعد النبى بوزن الامام على، فهو الولى بالنص، وهو الخليفه بالنص كما بينا وسنرى ومع هذا هدد بالقتل ان لم يبايع (269)، ولن يكون احد اعظم حرمه، واقرب للنبى من سيده نساء العالمين فاطمه وابنيها سيدا شباب اهل الجنه، وريحانتى النبى فى هذه الامه، ومع هذا وضع الحطب حول منزلهم وهددوا باحراق البيت عليهم وهم احياء ان لم يخرج نفر ممن لم يبايعوا (270).

كان ذلك فى اليوم الثانى لوفاه النبى!!

فكان الامر ملخصا للناس (اما الموت او المبايعه والرضا بالامر الواقع، فاختار الناس المبايعه والقبول بالامر الواقع.

ومن جهه ثانيه فان الذين قبضوا على مقاليد الامور، وصاروا سلطه، قبضوا فى الوقت نفسه على موارد الارزاق ومنابع الثروه، وعلى قرار الجاه والنفوذ، فمن لم يبايع يحيا ذليلا ويموت جوعا، فصارت البيعه طريق خلاص، ومسلك حياه.

ووجد اهل بيت النبوه انفسهم وجها لوجه امام سلطه جمعت رغبه ورهبه، من خلفها امه تقف بمواجهتهم، فصار اهل بيت النبوه والقله ممن والاهم فى جهه، وصارت السلطه وجميع اوليائها فى جهه اخرى.

ومع هذا قاوم اهل بيت النبوه، واقاموا الحجه على خصومهم (271)، واعترف عدوهم بشرعيه حجتهم ومنطقيتها وعقلانيتها (272) وطاف الامام وزوجته وولداه على بيوت الانصار يسالون النصره، فاحتج الانصار بوقوع البيعه وتمنوا لو سبق الامام اليهم (273).

امام هذه المقاومه الضاريه اصدرت السلطه الحاكمه سلسله من القرارات الاقتصاديه، قصمت فيها ظهر اهل بيت النبوه وهى:

1- قرار حرمان اهل بيت النبوه من ميراث النبى (274).

2- قرار حرمان اهل بيت النبوه من منح النبى لهم ومصادره هذه المنح (275).

3- قرار حرمان اهل بيت النبوه من حقهم فى الخمس الوارد فى القرآن الكريم باى محكمه (276).

4- الزمت السلطه نفسها باعاله اهل بيت النبوه (277).

وكانت هذه القرارات الاليمه حاله فريده فى تاريخ المواجهه، ففى اقسى مرحله من مراحل المواجهه، قررت بطون قريش ان تحاصر النبى واهله بنى هاشم فى شعب ابى طالب، وان تقاطعهم فلا تبيع منهم ولا تشترى ولا تنكح منهم ولا تنكحهم، لكن بطون قريش المشركه آنذاك لم تتعرض لممتلكاتهم واموالهم، ولم تتدخل فى موضوع اعالتهم (278)، والفرق بين الحالتين ان بطون قريش كانت على الشرك عندما اتخذت قرارات المقاطعه والحصار، وبطون قريش وموسسوا هذه المرحله كانوا على الاسلام عندما اتخذوا قراراتهم الاقتصاديه بحق اهل بيت النبوه!!!

واحتج اهل البيت، فتلطفت السلطه، وسمعت ظلامتهم، ولكنها اصرت، فاستسلم اهل بيت النبوه، حفاظا على شوكه الاسلام، ولكنهم لم يتركوا فرصه دون الاحتجاج بالنصوص الشرعيه التى اعطتهم مركز القياده، وبينت ان الهدى لا يدرك الا بالقرآن وبهم، وان الضلاله لا تتجنب الا بالقرآن وبهم (279).