وبالفعل فما ان رتب النبى الاوضاع الداخليه لكيانه السياسى حتى بدا بارسال الاشارات المتلاحقه الى زعامه بطون قريش لاشعارها ان الامور قد تغيرت، وان طريق تجارتها الى بلاد الشام اصبحت تحت رحمته، فان شاء تركها تمر آمنه، وان شاء منعها، ومن الخير لها ان تفاوضه، فهو لا يطمع بالكثير، وغايه ما يتمناه بهذه المرحله هو ان تخلى بطون قريش بينه وبين العرب، وان تتوقف عن استغلال البيت الحرام لبث اكاذيبها ودعاياتها الظالمه ضده وضد دينه.
سبع اشارات خلال احد عشر شهرا:
فى الشهر السابع من الهجره ارسل الرسول سريه عسكريه برئاسه عمه حمزهبن عبد المطلب لاعتراض عير قريش، وفى الشهر الثامن ارسل سريه اخرى برئاسه ابن عمه عبيدهبن الحارث (409).
وفى الشهر التاسع ارسل سريه برئاسه سعدبن ابى وقاص، وفى الشهر الحادى عشر قاد بنفسه سريه لاعتراض عير قريش، واثناء عودته وادع بنى ضمره (410).
وفى الشهر الثالث عشر تمت غزوه بواط لذات الغايه، وفى الشهر السادس عشر تمت غزوه ذى العشيره لذات الهدف (411).
وفى الشهر السابع عشر تمت غزوه نخله لذات الغايه، حيث قتل عمرو الحضرمى، واسر صاحباه (412).
واخيرا تم تجهيز قوه للاستيلاء على القافله التى عادت من بلاد الشام، والتى اسفرت عن معركه بدر وهى اول مواجهه مسلحه بين النبى، وبين زعامه البطون (413).
كانت زعامه البطون تسمع بخروج كل سريه، وتعرف الغايه من خروجها، وقد تيقنت ان طريق تجارتها تحت رحمه محمد، ولكنها مضت بتجاهلها للرسول، وتجاهلها للواقع متغطرسه، تابى مفاوضته او التحدث معه باى شكل من الاشكال.
الرد بالقوه على اشارات النبى الوديه، ودعوته للتفاوض:
فى المره الثامنه خرج النبى لاعتراض العير القادمه من الشام، وعلم ابو سفيان بخروج النبى، فغير خط سيره، وارسل الى بطون قريش يستنفرها لحمايه عيرها واموالها، فقررت بطون قريش ان تخرج كلها هذه المره، وان تشترك بالنفقات، فما تخلف احد من قريش الا بعث مكانه بعيثا (414).
وتولى حنظلهبن ابى سفيان، وعمروبن ابى سفيان مهمه تحريض قريش على الخروج، مع ان مال العير لابى سفيان (415).
وفى غياب ابى سفيان قاد ابو جهل جيش البطون.
وجهزت قريش 950 مقاتلا، ومئه فرس، وسبعمئه بعير والبست كل فارس درعا (416).
واستعدت لزحفها الاثم على رسولاللّه لغايه معلنه وهى حمايه الاموال والعير.
محاولات للحيلوله دون الزحف الاثم:
رات عاتكه بنت عبد المطلب رويا مفادها ان راكبا اقبل على بعير حتى وقف بالابطح، ثم صرخ باعلى صوته يا آل غدر انفروا الى مصارعكم ثلاثا، ثم دخل الكعبه وعلاها وكرر صرخته ثلاثا، وصعد الى ابى قبيس وكررها ثلاثا، ثم اخذ صخره فرماها وهوت فما بقى بيت من بيوت مكه، ولا دارا من دورها الا دخلته منها فلذه، الا بنى هاشم وبنى زهره اذ لم يدخل بيوتهم من هذه الصخره شيئا.
وانتشر خبر الرويا، وسمعت به زعامه البطون، فقال ابو جهل:
(ان يكن ما قالته عاتكه حقا فسيكون خلال ثلاثه ايام، وان مضت الثلاثه ولم يكن نكتب ان الهاشميين اكذب بيت فى العرب...) (417).
لما نجت القافله ارسل ابو سفيان لقريش رساله مفادها:
(انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم فقد نجاها اللّه فارجعوا) (418).
قبل ان يبدا القتال وقف عتبه بن ربيعه، واقترح على بطون قريش قائلا:
(ارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب، فان اصابوا فذاك الذى اردتم وان كان غير ذلك الفاكم) (419).
ومما قاله عتبه:
(لا آمن ان تكون الدائره عليكم، وانتم لا تطلبون الا دم الحضرمى والعير التى اصاب، وانا احمل ذلك وهو على، يا قوم ان يك محمد كاذبا يكفيكموه ذوبان العرب، وان يك ملكا اكلتم فى ملك ابن اخيكم، وان يك نبيا كنتم اسعد الناس به، يا قوم لا تردوا نصيحتى ولا تسفهوا رايى) (420).
الهدف الحقيقى من الخروج:
لم يكن هدف بطون قريش من خروجها حمايه العير، فالعير قد نجت، ولا دم الحضرمى، لقد افصحت بطون قريش عن هدفها الحقيقى من الخروج، فها هو قائد البطون ابو جهل يعلن:
(لا واللّه لا نرجع حتى يحكم اللّه بيننا وبين محمد) (421)، (واللّه لا نرجع بعد ان مكننا اللّه منهم، ولا نطلب اثرا بعد عين، ولا يعترض لعيرنا بعد هذه ابدا) (422).
وفى لحظه من لحظات بطر قياده البطون وغطرستها قال ابو جهل:
(وايم اللّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا واصحابه فى الحبال فلا الفين احدا منكم قاتلا احدا منهم، ولكن خذوهم اخذا، نعرفهم بالذى صنعوا لمفارقتهم دينكم، ورغبتهم عما كان يعبد آباوهم) (423)، وصرحت زعامه البطون بان من اسباب خروجهم، ان تسمع العرب بهذا الخروج، ويشربون الخمر فى بدر، وتعزف لهم القيان، والى هذا اشار اللّه سبحانه وتعالى بقوله (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس) (424).
وهكذا زحفت بطون قريش لتحقيق هذه الاهداف، والقت عصاها فى منطقه بدر، لترد عمليا على الاشارات المتلاحقه من محمد لمفاوضتها.
محمد واصحابه بالانتظار:
لقد نجت القافله، وسمع النبى واصحابه بخروج قريش بخيلها ورجلها، وتصميمها على الوصول الى بدر، فاتخذ النبى بمشوره اصحابه افضل المواقع، وسيطر على الماء، وعبا اصحابه، وكانت رايه المهاجرين مع علىبن ابى طالب، ورايه الانصار مع سعدبن عباده (425).
وتترس بعضهم ببعض بصفوف متقاربه، واعطى الرسول امرا لاصحابه ان لا يسلوا السيوف حتى يغشاهم المشركون، وان لا يقاتلوا حتى يامرهم الرسول بالقتال، وبين لهم ان رجالا من بنى هاشم قد اخرجوا كرها، وقال لهم:
(فمن لقى منكم احدا من بنى هاشم فلا يقتله) (426).
وكانت زعامه البطون على علم بحقيقه مشاعر الهاشميين فى مكه عندما اكرهتهم على الخروج.
انظر الى قولها:
واللّه لقد عرفنا يا بنى هاشم وان خرجتم معنا ان هواكم مع محمد (427).
الدعاء قبل نشوب القتال:
وقفت بطون قريش بخيلها ورجلها مصطفه للقتال، وبرز امام الصفوف قائدها ابو جهل، وبخشوع مصطنع، وبوقار كاذب رفع يديه الى السماء ودعا ربه قائلا:
(اللهم اقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداه) (428).
وفى الجانب الاخر اصطف اصحاب محمد، وسوى النبى الصفوف، ورتب امورهم بمساعده الحمزه وعلى، ثم رفع يديه الى السماء ودعى ربه قائلا:
(اللهم انك انزلت على الكتاب وامرتنى بالقتال، ووعدتنى احدى الطائفتين وانت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذى وعدتنى، اللهم احنهم الغداه) (429).
اليقين والاوهام:
بعد ان هيا النبى اصحابه للقتال قال لهم بيقين:
سيروا على بركه اللّه، واللّه لكانى انظر الى مصارع القوم.
هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان... فما عدا كل رجل مصرعه.
وفى الجانب الاخر وبعد ان رتب ابو جهل بطون قريش قال لاحد معارضيه:
(سترى غدا خلاف ما ترى يقتل اشراف اصحاب محمد ويوسرون) (430).
المبارزه وحكيم البطون اول جاهل:
وقفت كل فئه بمواجهه الاخرى، وصارت المواجهه المسلحه بينهما اقرب من السواد الى البياض، وفجاه خرج عتبهبن ربيعه بين اخيه شيبه وابنه الوليد للمبارزه ونادى مناديهم:
يا محمد اخرج لنا الاكفاء من قومنا.
فقال النبى:
(يا بنى هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذى بعث اللّه به نبيكم، اذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه.
وكلف حمزهبن عبد المطلب عمه، وعلىبن ابى طالب ابن عمه، وعبيداللّهبن الحارث قريبه ان يخرجوا للمبارزه.
وقتل المشركون الثلاثه، وقطعت ساق عبيداللّه وحمل لرسولاللّه.
فقال عبيداللّه يا رسولاللّه الست شهيدا؟ قال:
بلى، قال:
اما واللّه لو كان ابو طالب حيا لعلم انى احق بما قال حين قال:
فكذبتم وبيت اللّه نخلى محمدا ولما نطاعن دونه ونناضل فونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن ابنائنا والحلائل (431) صعقت بطون قريش بهذه النتيجه، واهتزت، وادرك ابو جهل ذلك فخاطب جيشه قائلا:
(الا لا يهولنكم مقتل عتبه، وشيبه، والوليد، فانهم عجلوا وبطروا حين قاتلوا، وايم اللّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا واصحابه فى الحبال، فلا الفين احدا منكم قتل منهم احدا ولكن خذوهم اخذا، نعرفهم بالذى صنعوا لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباوهم) (432) وشهر سيفه، وشهر المشركون سيوفهم ثم هجموا، والتحمت الفئتان التحاما رهيبا، قله مومنه، قليله العده والعدد، وكثره مشركه كثيره العده والعدد.
النجم المتالق:
حمزه بن عبد المطلب اسد اللّه واسد رسوله، لا يخفى على احد، لكن الرجل الذى قاتل بقدره، وكفاءه تفوق الوصف والتصور هو علىبن ابى طالب، حتى لفت انظار اهل الارض واهل السماء، فنادى ملك من السماء:
(لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على) (433).
لقد تالق نجم ولى عهد النبى فى بدر، وادرك الكثير بان اللّه اعلم حيث يضع رسالته، لقد اثخن الامام على، وقتل هو وحمزه نصف ما قتل من المشركين، وصارت بطوله الامام فيما بعد مسبه له، ووسيله للتحريض عليه، ومبررا لابعاده عن حقه بالامامه من بعد النبى، فبعد عشرين سنه يقول عمربن الخطاب لسعيدبن العاص:
(انى لاراك معرضا تظن انى قتلت اباك، واللّه ما قتلت اباك) (434)، يريد عمر ان يذكر سعيدا ان الذى قتل اباه فى بدر هو علىبن ابى طالب.
الهزيمه:
انجلت المعركه، وهزمت بطون قريش هزيمه منكره، ومنيت بخسائر فادحه، وصدقت رويا عاتكه، فما من بيت الا وسقطت فيه فلذه من تلك الصخره، وصرع كل رجل من القتلى فى المكان الذى حدده النبى سلفا وقتل من قتل، واسر من اسر، وصدق اللّه وعده، فاعطى نبيه ذات الشوكه بعد ان نجت العير، وسمع العرب بنتائج المعركه، وادركوا ان قوى خارقه تدعم محمدا، وان محمدا اصبح حقيقه من حقائق الحياه فى الجزيره، وان السير معه هو طريق النصر والمجد.
وانضم الحقد الى الحسد:
انتهت المعركه بهزيمه البطون الساحقه، وبانتهائها حملت نفوس البطون باسوء جنين عرفته الخليقه وهو الحقد، فامتلات نفوس البطون بالحقد الاسود على محمد وعلى آل محمد، وظل هذا الحقد فى نفوسها، ولم يفارقها لحظه قط.
وهكذا جمعت بطون قريش مع الحسد لمحمد ولاله، الحقد الاسود عليهم، وانى لاى دين ان يقتلع هذا الثنائى القذر من النفس البشريه!!
كيف يمكن لابى سفيان ان يحب عليا وقد قتل ابنه وعمه؟!
كيف يمكن لمعاويه ان يحب عليا وقد قتل شقيقه وجده وخاله وابن خاله وعمومته؟!
كيف يمكن لخالدبن الوليد وعثمانبن عفان، والوليدبن عقبهبن ابى معيط، ان يحبوا الحمزه وعلى وسيوفهما تقطر بدم الاباء والاعمام والاخوال!!
يسهل التصور ان يحبوا النبى، ويصعب التصور بان يحبوا آله!!
لقد لاحقهم الوتر، واورثوه لذرياتهم، وكتب على اهل بيت محمد طوال التاريخ ان يدفعوا ضريبه عاليه لانتمائهم الصادق لمحمد ولدين محمد سيقول بعضهم:
(الاسلام يجب ما قبله)، انهم يحملون النص غير معناه.
ان النفس البشريه ليست زرا كهربائيا تطفا وتضاء بحركه.
انها عالم من الانفعالات يتعذر عمليا على الانسان ان يحب الذى قتل ابنه، او اباه، او جده، او اخاه او ابن اخيه، او عمه او ابن عمه، ان ذلك فوق طاقه النفس البشريه.
صحيح ان الذى قتلهم قتلهم على الايمان وجهادا فى سبيل اللّه، بل ودفاعا مشروعا عن النفس، وصحيح ايضا ان عنوان الايمان موالاه اللّه ورسوله، ومعاداه اعدائهما حتى ولو كانوا الاباء والابناء والاخوه والذريه، لكن هذا كله لا يمنع انفعالات النفس البشريه، وثوره اشجانها من حين الى حين.
فمحمد هو الامر، وعلى ابن ابى طالب، وحمزه بن عبد المطلب هما المنفذان اللذان نكلا بالبطون، فما من بطن الا وتعددت فيه النوائح على قتيل او مقتولين فى بدر، والهاشميون بمعيار بطون قريش يتحملون الجزء الاكبر من المسووليه، فلو سلموا محمدا للبطون، او خلوا بين البطون وبين محمد، لما قتل الذين قتلوا، ولما تطورت الامور الى هذا الحد.
قتلى بطون قريش فى بدر:
من البطن الاموى:
قتل من الامويين فى بدر احد عشر قتيلا، قتل اكثريتهم الساحقه على، وبعضهم قتله حمزه، والبعض الاخر اشترك الاثنان بقتله.
ومن هولاء القتلى حنظلهبن ابى سفيان، الابن الكبير لابى سفيان وشقيق معاويه، وعتبه بن ابى ربيعه جد معاويه، والوليد بن عتبه خال معاويه، وشيبه بن عتبه شقيق جد معاويه وعم امه، والعاصبن سعيد، وابنه عبيدهبن سعيدبن العاص، وعقبهبن معيط وهم القرابه القريبه لعثمانبن عفانبن ابى العاصبن اميهبن عبدشمس (435).
من بنى تيم بن مره:
قتل اثنان منهم:
عميربن عثمانبن عمروبن كعببن سعدبن تيم، قتله علىبن ابى طالب، وعثمانبن مالكبن عبيداللّهبن عثمان، وهما من القرابه القريبه لابى بكر عبداللّهبن عثمانبن عامربن عمروبن كعببن سعدبن تيم، ومن القرابه القريبه لطلحهبن عبيداللّه احد الذين عرفوا بانهم من المبشرين فى الجنه (436).
من بنى مخزوم:
قتل منهم عدد كبير، منهم ابو جهل، والعاص بن هشام بن المغيره خال عمربن الخطاب، والوليدبن المغيره والد خالدبن الوليد، وقتلهما علىبن ابى طالب (437).
من بنى اسد:
قتلت مجموعه من بنى اسد منهم ربيعهبن الاسود، والحارثبن ربيعه، قتله علىبن ابى طالب، وعقيلبن الاسودبن عبد المطلب، قتله حمزه وعلى، ونوفلبن خويلدبن سعد، قتله على... وهم من القرابه القريبه للزبيربن العوام احد الذين عرفوا بانهم من المبشرين فى الجنه (438).
بنو عدى (لا فى العير ولا فى النفير):
خرجت بنو عدى مع بطون قريش، (فلما كانوا فى السحر عدلوا فى الساحل منصرفين الى مكه، فصادفهم ابو سفيان فقال:
يا بنى عدى، كيف رجعتم لا فى العير ولا فى النفير؟)، وباختصار فان بنى عدى رجعوا من الطريق ولم يشتركوا فى القتال، وحجه بنى عدى الظاهره انهم رجعوا امتثالا لامر ابى سفيان حيث قالوا له عندما سالهم عن سبب رجوعهم:
(انت ارسلت الى قريش ان ترجع فرجع من رجع ومضى من مضى) (439).
بنو زهره:
قال الاخنس بن شريق وكان حليفا لبنى زهره:
(يا بنى زهره قد نجى اللّه عيركم، وخلص اموالكم، ونجى صاحبكم مخرمهبن نوفل، وانما خرجتم لتمنعوه وماله، وانما محمد رجل منكم، ابن اختكم، فارجعوا واجعلوا جبنها بى، فلا حاجه لكم ان تخرجوا فى غير منفعه، لا ما يقول هذا الرجل، فانه مهلك قومه، سريع فى فسادهم) وبنو زهره هم قوم عبدالرحمنبن عوفبن عبدالحارثبن زهره وسعدبن ابى وقاصبن اهيببن عبد منافبن زهره، وهما من العشره الذين اشتهر بانهم من المبشرين فى الجنه، وهما من السته الذين اختارهم عمر ليكون احدهم خليفه (440).
من بنى الحارث بن فهر:
وهم قوم ابى عبيده عامربن عبداللّهبن الجراح، وهو احد الذين اشتهروا بانهم من المبشرين فى الجنه، وهو ثالث الثلاثه الذين دخلوا السقيفه فى ما بعد ووطدوا الامر لابى بكر وعمر، لم يقتلوا ولم يقتل منهم احد فى معركه بدر.
البطون الاكثر حقدا على محمد وآل محمد:
اكثر بطون قريش بغضا للنبى وآله وحقدا عليهم هم:
(بنو اميه، وبنو المغيره، وبنو مخزوم) هكذا رتبهم النبى (441).
وهذا النص علاوه على انه صادر عمن لا ينطق عن الهوى، فهو قراءه متانيه وعميقه لوقائع الامور، فاكثر القتلى فى بدر كانوا من هذه البطون الثلاثه، والمتنافسون على زعامه بطون قريش هم سادات تلك البطون الثلاثه، وحسب حسابات هذه البطون الثلاثه فانها الاكثر تضررا من النبوه الهاشميه والتميز الهاشمى، وهذه البطون ايضا من اكثر بطون قريش حبا للوجاهه، وولعا بالتسلط.
ومع ان هذه البطون الثلاثه لا تطيب نفوس بعضها لبعض، لانها تطلب ذات الغنيمه وتركض خلف نفس الطريده، الا ان كراهيتهم لمحمد ولال محمد اظهرتهم دائما بمظهر الفريق الواحد.
فكم تهارش ابو جهل وعتبه، وكم قرع احدهما الاخر حيا وميتا لكنهما حاربا معا تحت نفس الرايه، لانهم بالضروره فريق واحد، ومع نشوب القتال وسقوط القتلى صارت بطون قريش تحقد على محمد وعلى آلمحمد الا ان هذه البطون الثلاثه كانت رمز حسد البطون وحقدها على محمد وعلى آل محمد.
حقد لا يزول وثار بعد ثار:
الاكثريه الساحقه من بطون قريش ومواليها ناصبت محمدا وآلمحمد العداء، ورفضت النبوه الهاشميه والتميز الهاشمى رفضا قاطعا خلال المده التى قضاها النبى فى مكه قبل الهجره، وكل البطون اشتركت بموامره قتل النبى، وباثم مطاردته عندما نجا من القتل، وقد اسلم القليل من افراد البطون ومواليها، وعندما هاجر الرسول لحقوا به مهاجرين، وتجمع فى المدينه اكثر من مائه عنصر من عناصر البطون وشكلوا جماعه متميزه عن غيرها سميت بالمهاجرين.
وقد حاول الرسول مشفقا وبكل قواه ان يتجنب الصدام المسلح مع بطون قريش خوفا من آثاره، لكن البطون ركبت راسها، وفرضت عليه هذا الصدام المسلح فرضا.
فرتب اصحابه وكانوا يتالفون من:
1- المهاجرين وهم الذين اسلموا من بطون قريش ومواليها.
2- الانصار وهم الذين خرجوا معه من الاوس والخزرج ومواليهما.
3- آل محمد وابرزهم الحمزه وعلى وهم مع النبى بمثابه هيئه اركان، وفى الجانب الاخر وقفت بطون قريش بكل خيلائها وفخرها معلنه بان هدفها هو القضاء على محمد وربط من ينجو من اتباعه بالحباله، وسوقهم الى مكه نكالا لهم ولغيرهم.
وبدات المعركه، واحتدم القتال، وفوجئت بطون قريش بعمود المسلمين، وبالعزم المميز لمحمد ولال محمد، وانتهت المعركه بهزيمه البطون، وبقتل 70-رجلا من خيره رجالات البطون وباسر مثلهم.
اذهلت هذه النتيجه كل الذين سمعوا بانباء هذه المعركه، لقد كانت خروجا واضحا عن كل اطوار التوقعات المعتاده.
والذين قتلوا من بطون قريش تركوا فراغا هائلا، وصاروا جراحا نازفه فى قلوب ذويهم من بطون قريش التى بقيت على الشرك وتحول القتلى الى غصات فى حلوق اقاربهم من الذين اتبعوا محمدا.
فحذيفه او ابو حذيفه بن عتبه بن ربيعه كان من اصحاب محمد، وابوه واخوه وعمومته كانوا من اركان البطون، وقد شاهد بام عينيه اباه، واخاه، وعمه، وسادات بنى اميه يتجرعون كووس الموت امامه.
صحيح انه على دين محمد، لكن من غير الممكن عقلا ان لا يكون موتهم غصه فى حلقه، قد يفارق الحياه قبل ان تفارقه تلك الغصه، وبحركه عفويه، وبتصرف لا-شعورى يعبر عن حقيقه مشاعره فيقول للنبى، الذى طلب من اصحابه ان لا يتعرضوا لاحد من بنى هاشم لانهم اكرهوا على الخروج:
(انقتل آباءنا وابناءنا واخواننا وعشيرتنا ونترك العباس عم النبى، واللّه لئن لقيته لالحمنه السيف) (442).
ومثل حذيفه (حذيفات) والفرق بين حذيفه وغيره ان حذيفه صادق وعفوى، ولا يخفى من مشاعره شيئا، وغيره يتمتع بقدر من الدهاء، وضبط الاعصاب فيخفى مشاعره رغبه او رهبه.
فهل يعقل ان يقتل خال عمربن الخطاب، واولاد عمومه ابى بكر وعمومه عثمان... الخ.
ولا يترك قتلهم غصات فى قلوب ذويهم!!
يمكن للدين ان يرشد هذه الغصات، ولكنها لن تختفى ابدا ومن الممكن وبكل المعايير الانسانيه ان تتهيج هذه الغصات كلما راوا عليا وحمزه او النبى او احدا من بنى هاشم.
ان فكره الثار ضاربه الجذور فى النفسيه العربيه، ولا ترتاح نفوس ذوى القتيل، الا اذا قتل القاتل، او ابعد تماما عن المسرح والاعين، وكيف يمكن ابعاد النبى، او الحمزه او على ولى المومنين من بعد النبى؟!
ثم لنفترض بان القاتل قد مات فان ذريته مطلوبه، صحيح ان الذين قتلوا فى بدر من البطون قد قتلوا على الشرك، وقتلهم واجب دينى، ومن قبيل الدفاع عن النفس لكن تلك هى طبائع النفوس التى خرجتها مدارس الشرك عبر التاريخ، انظر الى قول ابى سفيان:
(وانى لانا الموتور الثائر قتل ابنى حنظله وساده اهل الوادى...) (443).
وانظر الى قول هندبن عتبه زوجه ابى سفيان:
(لو اعلم ان الحزن يذهب من قلبى بكيت، ولكن لا يذهبه الا ان ارى ثارى من قتله الاحبه) (444) ومن هم الذين قتلوا احبه هند؟ هم النبى وحمزه وعلى؟!!
وهند لا تكتفى ذات يوم بقتل حمزه ولو بالغدر، انما تمثل به وتقطع اذنيه، وتشق بطنه، وتحاول ان تاكل كبده.
هذه طبيعه حقد ذوى المقتولين على محمد وعلى آل محمد، ولا تهدا الجراح بموت النبى ولا بقتل حمزه ولا بموت على، ولا تزول الغصات من الحلوق، انها جراح دائمه، وغصات معترضه فى الحلوق يورثها الاباء للابناء والاجداد للاحفاد، ويهيجها اصحاب الارب، فبعد عشرين سنه من وقعه بدر يقول عمربن الخطاب لابن احد قتلى بدر (سعيدبن العاصبن سعيد) الذى قتله على:
(انى لاراك معرضا تظن انى قتلت اباك، واللّه ما قتلته...) (445) فعمربن الخطاب يظن ان سبب اعراض سعيد هو ظنه بان عمر قتل اباه فى بدر، لذلك هو يذكر ابن المقتول بطريقه ذكيه انه لم يقتل اباه، انما الذى قتل اباه هو على.
وهذا التعريض لا يصدر عن رجل من عامه الناس انما يصدر عن خليفه المسلمين بعد قرابه عشرين سنه على وقعه بدر!!
وعندما جىء براس الحسين ورووس الطيبين من اهل بيت محمد بعد مذبحه كربلاء ووضعت الرووس بين يدى يزيدبن معاويه تمثل بقول ابن الزبعرى.
فقد قتلنا القوم من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل فلست من خندف ان لم انتقم من بنى احمد ما كان فعل (446) فبعد 58 عاما يعرب حفيد ابى سفيان وهند وابن معاويه عن حقيقه مشاعره، لم تغيره الخلافه، ولم يغيره اسلامه، ولم تهن مشاعره الحاقده مع طول الامد، انما عبر عن حقيقه مشاعره فجاه بعفويه واظهر ما كان يتصنع باخفائه، وغمره الفرح والسرور الذى غمر اباه واجداده عندما قتل حمزه وعلى والحسن.
ولم يقصر الحاقدون حقدهم على محمد وعلى آلمحمد، بل حقدوا على كل الموالين لهم، فبعد 58عاما على وقعه بدر، ارسل مسلمبن عقبه رووس المتمردين على يزيدبن معاويه من اهل المدينه، وعندما القيت الرووس بين يديه جعل يتمثل بشعر ابن الزبعرى.
فليت اشياخى ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل فلاهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل فلعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء ولا وحى نزل (447) تلك هى طبيعه النفوس الكارهه لمحمد ولال محمد (ان تمسسكم حسنه تسوهم وان تصبكم سيئه يفرحوا بها) (448) كبر معاويه فى الخضراء فكبر اهل الخضراء، ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء، فخرجت فاخته بنت قرظه من خوخه لها، فقالت لمعاويه:
(سرك اللّه يا امير المومنين!
ما هذا الذى بلغك فسررت به؟) قال:
(معاويه موت الحسنبن على) (449).
وبالاجمال فان نجاح النبوه الهاشميه، وتكرس التميز الهاشمى، والجراح التى نتجت عن قتلى معركه بدر، والغصات التى اعترضت حلوق الذين اتبعوا محمدا من بطون قريش تركت بصماتها على التاريخ الاسلامى كله، وظلت تعمل وتعتمل بالنفوس حتى كانت من ابرز الاسباب التى قوضت النظام السياسى الاسلامى الالهى، وفرغته من مضمونه ومحتواه، واخرجت المنظومه الحقوقيه عمليا من الخدمه.
ردود الفعل على معركه بدر:
كانت النتائج المذهله وغير المتوقعه لمعركه بدر صدمه هائله، لبطون قريش، وليهود المدينه، وللمنافقين، وهزه عنيفه لقناعات القبائل العربيه التى كانت تتربص لمعرفه نتيجه المواجهه بين محمد، وبين بطون قريش.
لقد ذهلت قبائل اليهود بنتائج المعركه، وحسدت محمدا والمسلمين هذا النصر الباهر، وذهل منافقوا المدينه، وحقدوا على محمد واصحابه لانهم انتصروا، وحزن اليهود والمنافقون لان البطون قد هزمت، لا حبا بالبطون، ولكن كراهيه لمحمد ولال محمد ولمن اتبعهم.
اما بطون قريش فكلها ثائره، وموتوره، ومنكوبه، وحاقده الا بنى عدى -لم يكونوا مع العير ولا مع النفير- كما وصفهم ابو سفيان، وبنى زهره الذين لم يشتركوا فى القتال، ومع هذا تاثر هذان البطنان بما اصاب بطون قريش، وانضما فى ما بعد الى قافله البطون المطالبه بالثار والقضاء على محمد، وقد صممت بطون قريش على الانتقام من محمد وآله واصحابه، والثار منهم، والقضاء عليهم ان استطاعوا.
ولا نبالغ اذا قلنا ان ما حدث طوال التاريخ السياسى الاسلامى وثيق الصله بمعركه بدر ونتائجها وآثارها.
محاوله للانتقام العاجل:
كان البيت الاموى عامه وابو سفيان واولاده خاصه من اعمق بطون قريش ثوره، واكثرها احساسا بالنكبه والفجيعه، فقد قتل منهم فى بدر احد عشر سيدا من سادات الوادى على حد تعبير ابى سفيان، منهم:
ولده حنظلهبن ابى سفيان، اما زوجته هند، فان حقدها على النبى وآله يفوق التصور والتصديق، ولم لا، فهى تعتبرهم مسوولين عن قتل ابنها وابيها واخيها وابن اخيها وسادات عمومتها وابنها معاويه ويزيد كانا يغليان بالحقد والكراهيه على محمد وآلمحمد.
لقد توفرت فى بيت ابى سفيان كل دواعى العجله فى الانتقام، وامام ضغط الاسره، وفيض مشاعر الحقد والاحباط، حرم ابو سفيان الدهن حتى يثار من محمد، فخرج فى اربعين فارسا او مائتى فارس، ووصلوا الى المدينه ليلا وحلوا ضيوفا على سلامبن مشكم اليهودى، واستقصوا اخبار النبى، ومع الفجر خرجوا فقتلوا رجلا من الانصار، واجيرا له، واهلكوا حرثه، وحرقوا بيتين واهلكوا حرثا فى العريض، ثم ولوا مدبرين، واعتقد ابو سفيان انه قد تحلل من يمينه، وانه قد اوصل بنفسه رساله ضمنيه لمحمد وآل محمد، بان الثار والانتقام لقتلى بدر قدر لا مفر.
وسمع النبى بالخبر، وفهم مضمون الرساله، فندب اصحابه لتعقب الغزاه، وتعقبهم بالفعل، ولكن الغزاه قد نجوا بالفرار.
ووصل ركب ابى سفيان سالما الى مكه واخذ يعد العده للثار والانتقام (450).
البحث عن طريق تجارى بديل:
التجاره عصب الحياه فى مكه، وقوامها رحلتى الشتاء والصيف، واسهل طرق رحله الصيف الى بلاد الشام المرور من طريق المدينه المسلوكه والمختصره، والمرور من هذا الطريق مستحيل الا بموافقه محمد، ومحمد لن يوافق الا بالمفاوضه، وبطون قريش لن تفاوضه، لان مفاوضتها معه اعتراف ضمنى بوجوده، وهى لا تريد ان تعترف به.
والغاء رحله الصيف كارثه، فالبديل الاوحد هو البحث عن طريق بديل، ودلهم فراتبن حيان العجلى على الطريق البديل، وهى طريق العراق، فجهزوا قافله وارسلوها عبر الطريق الجديد، وعلم النبى فارسل زيدبن حارثه ومعه مائه راكب فاصابوا القافله، وفر حراسها واسر الدليل فرات بن حيان.
وهكذا ارسل الرسول رساله ضمنيه الى زعامه البطون مفادها، ان تجاره بطون قريش لن تمر الى بلاد الشام الا بموافقه محمد، وموافقه محمد لن تدرك الا بالمفاوضات، وغايه ما يطلبه محمد من هذه المفاوضات هو ان تخلى البطون بينه وبين العرب، وان تتوقف عن استغلال نفوذها ضده.
وفهمت بطون قريش مضمون الرساله، فكلمات عتبه بن ربيعه ما زالت فى اذهان البطون:
(خلوا بينه وبين العرب فان اصابوه فذلك الذى اردتم، وان كان غير ذلك الفاكم)، لكن انى لبطون قريش ان تدرك الرشد بعد ان جمعت بين الحسد والحقد، لقد تيقنت زعامه البطون انها قد خسرت رحله الصيف الى حين، وقررت ان تستبعد فكره المفاوضات مع محمد، وان تعتمد كليا على القوه للثار من محمد وآله ومن والوهم، والقضاء التام عليهم (451).
الاستعدادات الهائله للثار والقضاء على محمد:
رجعت البطون من بدر مهزومه وموتوره، ووجدت العير التى عاد بها ابو سفيان من الشام موقوفه فى دار الندوه لم توزع لغيبه البطون فى بدر.
هرعت زعامه البطون الى ابى سفيان، واجتمعوا فى دار الندوه، وتداولوا الامور وما جرى فى بدر، والسبل التى سيسلكونها للثار من محمد والقضاء عليه، واتفقوا على النقاط التاليه:
1 تعيين ابى سفيان قائدا عاما لجيش البطون.
2 تخصيص كامل العير التى نجت لتجهيز هذا الجيش.
3 تشكيل اربعه وفود لتسير فى العرب طالبين النصر منهم، وفد برئاسه عمروبن العاص، ووفد برئاسه هبيرهبن ابى وهب، ووفد برئاسه ابن الزبعرى، والوفد الرابع برئاسه ابى عزت الجمحى.
وبالفعل تحركت الوفود الاربعه، ونجحت بتاليب العرب، وجمعهم ضد محمد.
4 ولتتذكر البطون قتلى بدر، فلا ترجع حتى تدرك ثارها او تموت دونه، قرروا اخراج الحريم معهم، ولقد عورض القرار لكن هند زوجه ابى سفيان تصدت للمعارضين واصرت على خروج الحريم ليشهدن القتال والثار للاحبه الذين قتلهم محمد وآله، وهكذا خرجت البطون ومن والاها مع ظعنهم (452).
الخروج من مكه والمسير الى احد:
خرجت بطون قريش ومن معها من العرب والاحابيش الذين نجحت بحشدهم على شكل جيش منظم ومدرب قوامه ثلاثه آلاف مقاتل يركبون مائتى فرس، وثلاثه آلاف بعير، وفيهم سبعمائه دارع، وعده وسلاح كثير لقتال النبى والثار منه ومن آله واصحابه والقضاء عليهم ان امكن، وقادتهم المقادير ليقفوا وجها لوجه امام محمد وآله، ومن اتبعهم فى منطقه جبل احد قرب المدينه (453).
وخرج النبى لملاقاه الغزاه:
لما اجمعت قريش على الخروج كتب العباسبن عبد المطلب كتابا الى النبى اخبره فيه ان قريشا قد اجمعت على المسير اليه، بثلاثه آلاف مقاتل منهم سبعمائه دارع، وثلاثه آلاف جمل، وقادوا مائتى فرس، وختم الكتاب، واستاجر رجلا من بنى غفار، واشترط عليه ان يسير ثلاث ليال.
وقدم الغفارى، وسلم رسولاللّه الكتاب (454).
وانتشر الخبر واجتمع النبى باهله واصحابه.
الرويا:
قال النبى:
ايها الناس انى قد رايت فى منامى رويا:
رايت كانى فى درع حصينه، ورايت كان سيفى ذا الفقار انقصم من عند ظبته، ورايت بقرا يذبح، ورايت كانى مردف كبشا.
قال الناس فما اولتها؟ قال اما الدرع الحصينه فالمدينه، فامكثوا فيها، واما انقصام سيفى فقتل رجل من اهل بيتى، واما البقر المذبح فقتلى فى اصحابى (455)..
قرار الخروج:
واستشار النبى اصحابه، وكان راى عبداللّهبن ابى البقاء فى المدينه، وراى النبى مع راى ابن ابى، وكان ذلك راى كبراء المهاجرين والانصار فقال النبى:
امكثوا فى المدينه، واجعلوا النساء والذرارى فى الاطام، فان دخلوا علينا قاتلناهم فى الازقه، فنحن اعلم بها منهم، وارموا من فوق الصياصى والاطام... ورات الاكثريه الخروج وملاقاه العدو، وخشى بان يفسر العدو البقاء فى المدينه جبنا، واستجاب النبى لراى الاكثريه، وامرهم بالاستعداد للخروج ولبس عده الحرب، وشعرت الاكثريه انها اكرهت الرسول على الخروج فندمت، وقالوا:
(يا رسولاللّه ما كان لنا ان نخالفك فاصنع ما بدا لك؟) فقال:
(دعوتكم فابيتم، ولا ينبغى لنبى ان لبس لامته ان يضعها حتى يحكم اللّه بينه وبين اعدائه).
ودفع لواء المهاجرين الى علىبن ابى طالب، ولواء الخزرج الى سعدبن عباده، ولواء الاوس الى سعدبن معاذ، وارجع اليهود الذين خرجوا معه، وانصرف عبداللّهبن ابى ومن والاه، وسار النبى حتى وصل الى جبل احد، فجعل احدا خلف ظهره، واستقبل المدينه، ورتب خمسين من الرماه على جبل احد، وقال النبى للرماه:
(احموا لنا ظهورنا، فانا نخاف ان نوتى من ورائنا، والزموا مكانكم لا تبرحوا منه، وان رايتمونا نهزمهم حتى ندخل معسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وان رايتمونا نقتل فلا تعينوننا ولا تدافعوا عنا، وارشقوا خيلهم بالنبل، اللهم انى اشهدك عليهم، ثم وقف امام اصحابه، ونهى ان يقاتل احد حتى يامره) (456).
واشعل الغزاه الحرب:
اقبل المشركون وقد اتخذ جيش الاسلام مواقعه، فاستدبروا المدينه، واستقبلوا احدا، وصفوا صفوفهم، واقاموا النساء خلف الرجال يضربن بالاكبار والدفوف، اما نساء عليه بطون قريش بزعامه هند ام معاويه فكن يشجعن، ويحرضن الرجال على القتال، ولم يطل الانتظار، فبرز من صفوف المشركين طلحهبن ابى طلحه، وصاح:
من يبارز، فبرز له على عليه السلام، واختلفا بضربتين، فضربه على على رجل فقطعها وقتل، فلما قتل طلحه، سر رسولاللّه واظهر التكبير وكبر المسلمون وشد اصحاب الرسول على المشركين (457).
وقتل على بن ابى طالب حمله اللواء من المشركين وكانوا ثمانيه، ثم حمل اللواء عبد لهم فالحقه الامام بهم وقتله (458).
وعلى اثر صولات على وحمزه، وبعد ان قتل حمله اللواء انكشف المشركون منهزمين لا يلوون، وتبعهم المسلمون حتى اجهضوهم عن العسكر واخذوا ينهبون، وشاهد الرماه ذلك، وتركوا اميرهم وانطلقوا الى معسكر الشرك ينهبون وخلوا الجبل، ولم يبق مع الامير الا عشره، واخذ المسلمون ينهبون، ونظر خالدبن الوليد الى خلاء الجبل وقله آهله فكر بالخيل ومعه عكرمه فقتلوا من بقى من الرماه وقلبوا موازين المعركه.
وفوجىء المسلمون بما حدث، واخذ المسلمون يضربون بعضهم، وفر عمربن الخطاب، وعثمانبن عفان وغيرهما (459)... وزاد الطين بله ان الامويين قدروا ان قتل على مستحيل، وان قتل الحمزه ممكن، فرتبوا موامره للغدر بحمزه ونفذت الموامره وقتل حمزه، واشيع بان النبى قد قتل، فزلزل المسلمون زلزالا شديدا، وقاتل علىبن ابى طالب قتالا يفوق التصور والتصديق، وصبر على وصابر، قال ابن اسحاق:
(كان الفتح يوم احد بصبر على) (460).
وقاتل سعدبن عباده، وقاتل المقداد، والحباببن منذر، وقاتل كعب، وابو دجانه، وسهلبن حنيف وغيرهم من الاخيار، ومع هذا اصيب النبى فى جبهته ورباعيته وشفته.
واحتاج المسلمون الى وقت حتى اعادوا تنظيم انفسهم، وعاد الذين فروا من القتال بعد ان اشيع بان النبى قد قتل، واحس المشركون بانهم قد ثاروا لقتلاهم فى بدر، فقد قتلوا 70رجلا من الانصار، واربعه من المهاجرين، منهم حمزه عم النبى وجناحه، ويده الطولى، وقدرت قياده جيش البطون انها قد ثارت لقتلاها فى بدر، وانها قد انتصرت حقيقه، ومن حسن التدبير ان تحافظ على بريق نصرها، فانسحبت واقبل المسلمون على قتلاهم، واحضروهم الى رسولاللّه.
وكان اول من احضر حمزه فصلى عليه النبى، ثم جمع اليه الشهداء، وكلما اتى بشهيد وضع الى جنب حمزه فصلى عليه وعلى الشهداء حتى صلى عليه 70مره.
ودفن الشهداء، وقال النبى:
(انا على هولاء شهيد)، فقال ابو بكر:
يا رسولاللّه اليسوا اخواننا اسلموا كما اسلمنا، وجاهدوا كما جاهدنا)؟ قال الرسول:
(بلى، ولكن هولاء لم ياكلوا من اجورهم شيئا ولا ادرى ما تحدثون بعدى)، فبكى ابو بكر وقال:
(انا لكائنون بعدك؟).
واقسم النبى:
(والذى نفسى بيده لا يسلم عليهم احد الى يوم القيامه الا ردوا عليه)، واضاف:
(فلا تدعوا السلام عليهم وزيارتهم.
وعزى رسولاللّه القوم بقتلاهم، واكد انهم فى الجنه، وارتاح الناس لسلامه النبى رغم جراحه.
واشاع اليهود بان محمدا طالب ملك، وما اصيب هكذا نبى قط فى بدنه واصحابه، وجعل المنافقون يثبطون عزائم الناس، ويبثون الاراجيف.
فاشار عليه بعض اصحابه بقتلهم، فقال النبى:
(ان اللّه مظهر دينه ومعز نبيه ولليهود ذمه فلا اقتلهم، فقيل:
فهولاء المنافقين يا رسولاللّه، فقال رسولاللّه:
اليس يظهرون شهاده ان لا اله الا اللّه وانى رسولاللّه؟ قيل:
بلى يا رسولاللّه، انما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان امرهم وابدى اللّه اضغانهم عند هذه النكبه.
فقال رسولاللّه نهيت عن قتل من قال لا اله الا اللّه محمد رسولاللّه).
وجاءت نساء الانصار فبكين على حمزه، لان استشهاد حمزه كان جرحا غائرا فى قلبه، فقال النبى:
(رضى اللّه عنكن وعن اولادكن) ومن ذلك التاريخ ما بكت امراه من الانصار الا بدات بحمزه (461)... من الموكد ان بطون قريش قد انتصرت فى معركه احد، وثارت لقتلاها فى بدر، وكبدت المسلمين 70 او 74 قتيلا احدهم حمزه عم النبى، وجناحه القوى ويده المقتدره، وكادت ان تقتل النبى نفسه لولا رحمه اللّه، ومن الموكد ان البطون قد انسحبت من المعركه انسحاب المنتصر، وكان الجيش الاسلامى ساعتها مضعضعا، ولا يقلل من حقيقه انتصار البطون فى احد فقدانها ل25 قتيلا من رجالها.
ولكن الموكد ايضا ان المسلمين لم يهزموا فى احد من قله، فقد انتصروا فى بدر وهم اذله، انما يكمن سبب هزيمتهم فى مخالفتهم لرسولاللّه، فقد طلب منهم ان يبقوا فى المدينه فابوا الا الخروج.
وخرج ورتب امور المعركه ترتيبا محكما، وامر الرماه ان لا يبرحوا مكانهم مهما كانت الاسباب وخالفته اكثريه الرماه، وعصت امره وتركوا مواقعهم ليشاركوا فى النهب، فجاء خالدبن الوليد ومن معه من فرسان قريش فانقضوا على المسلمين من الخلف فى غياب الرماه وقلبوا موازين المعركه.
وطوال التاريخ الاسلامى كان مكمن كل النكبات والكوارث التى لحقت بالامه الاسلاميه فى مخالفه الرسول واعتماد الراى بدلا من النص.
تعكير انتصار البطون وخطف بريقه:
هزت هزيمه المسلمين فى احد التركيبه الهشه لمجتمع المدينه وما حولها، عاد النبى جريحا ومعه الجرحى، وقد سبقت عودته انباء القتلى، واشاع اليهود ان محمدا طالب ملك، وعلى حد علمهم فلم يصب نبى كما اصيب محمد، وتنمر المنافقون، واظهروا شماتتهم وفجع المسلمون الصادقون بقتلاهم، وحزنوا حزنا شديدا، وكان النبى من اكثرهم حزنا على عمه الحمزه.
وفى الجانب الاخر كانت بطون قريش تتلذذ بنصرها بالوقت الذى اختلط فيه عليها امرها، ففريق يرى ان محمدا قد انتهى بالفعل، فقد اصيب بعده جراح، وقتل عمه، و73 رجلا من اصحابه، وقد انتصرت البطون عليه بالفعل، وثارت لقتلاها، وما هى الا فتره حتى ينفض اصحابه من حوله، وينهار الكيان السياسى الذى بناه، فمن الحكمه ان تعود البطون بنصرها الموزر، وان تترقب آثار انتصارها.
وقد تكون ملاحقه محمد كارثه تسلبها بريق انتصارها العظيم فقد ينفر معه الاوس والخزرج اذا احسوا انهم قد هوجموا فى قعور بيوتهم.
وفريق آخر يرى ان الفرصه سانحه للقضاء على محمد قبل ان يتمكن من التقاط نفسه، واعاده تنظيم رجاله.
ادرك النبى ان ترك الامور على ما هى عليه دون اجراء عاجل.
سيضاعف هزه المجتمع اليثربى، ويكون ضربه معنويه موجعه يصعب التنبو باثارها.
فبعد ان ضمد جراحه، وضمد الذين جرحوا جراحهم، اصدر اوامره بالاستعداد للخروج لملاقاه بطون قريش او ملاحقتها، وبعد صلاه الصبح نادى مناديه:
(ان رسولاللّه يامركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا الا من شهد القتال بالامس) (462)، ودعا رسولاللّه باللواء وهو معقود لم يحل ودفعه الى على عليه السلام، وخرجوا حتى وصلوا الى حمراء الاسد فعسكروا هنالك، وامرهم ان يجمعوا الحطب فى النهار، وان يوقدوه ليلا.
وكان معسكر بطون قريش بالروحاء، وهول معبدبن ابى معبد الخزاعى الامر لبطون قريش فاخبرهم:
(تركت محمدا واصحابه خلفى يتحرقون عليكم بمثل النيران، وقد اجمع معه من تخلف عنه بالامس من الاوس والخزرج وتعاهدوا الا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثاروا منكم) (463).
ذهل ابو سفيان واركان حربه من سرعه اعاده النبى لتنظيم صفوف اصحابه ومن رده العاجل، وادركوا ان محمدا قد عكر عليهم نصرهم وخطف منهم بريقه، وانهم ان اصطدموا معه بهذه الحاله فسيهزمهم لا محاله وينقلب فرحهم الى ترح.
ومر بابى سفيان نفر يريدون المدينه، فخصص لهم مكافاه اذا قالوا لمحمد ان بطون قريش قد اجمعت على الرجوع اليه.
ليضمن توقف محمد عن الملاحقه.
واصدر ابو سفيان واركان حربه اوامرهم بالرحيل والعوده الى مكه فورا.
بعد ان نغص النبى انتصارهم.
لقد كانت حركه النبى حركه بارعه بكل الموازين العسكريه، لقد اعادت الروح المعنويه للمسلمين، وعكرت صفو بطون قريش، وخطفت منها بريق انتصارها، ورجعت وكانها مهزومه، وكانت هذه الحركه الرائعه ابلغ رساله لليهود والمنافقين والقبائل المحيطه بالمدينه التى تنتظر من يقع حتى تنقض عليه وتاكله.
ومن هنا اعلن تعالى رضاه عن (الذين استجابوا للّه وللرسول من بعد ما اصابهم القرح) (464)، وعفا عن الذين فروا من معركه احد كعمربن الخطاب، وعثمان وغيرهم من الصحابه الكرام، واعطاهم فرصا جديده (465).
بدر الموعد:
قبل ان ينصرف ابو سفيان من احد نادى المسلمين وزهو النصر يملا اهابه:
(موعد بيننا وبينكم بدر الصفراء راس الحول، نلتقى فيه فنقتتل) (466) فامر الرسول من يقول لابى سفيان:
هو موعد بيننا وبينكم ان شاءاللّه.
(وبدر الصفراء كانت مجمعا وسوقا سنويا للعرب تجتمع وتتبادل السلع فيه من 1-8 ذى القعده ثم يعودون الى بلادهم) (467).
ولما عادت بطون قريش الى مكه عممت موعد اللقاء، واخذت تستعدى على النبى، وتجمع الاموال استعدادا للخروج، وفرضت ضريبه على سكان مكه ولاول مره فى تاريخها، ولم يترك احد الا وينبغى ان يدفع مالا لا يقل عن (اوقيه) مساهمه بالمجهود الحربى، فجمعوا الاموال العظيمه ورصدوها لحرب محمد وآله ومن والاهم.
ومع اقتراب الموعد كره ابو سفيان قائد تحالف البطون هذا الخروج، وندم على قوله وتحديده الموعد، وتعرض لملامه الكثير من قومه، وتمنى عدم خروج الرسول للموعد، لان العام جدب، والارض مثل ظهر الترس ليس فيها لبعير شىء، ولكن البطون كرهت ان يخرج محمد ولا يخرجون فيجترىء عليها، فاحبت ان يكون الخلف من قبله.
وفى غمره حيرتها قدم نعيمبن مسعود الاشجعى مكه، فاتفقوا معه على ان يعطوه عشرين ناقه مقابل ان يخذل اصحاب محمد، ورجع الرجل واخذ يشيع بان ابا سفيان قد جمع الجموع واجلب معه العرب، وجاء محمد واصحابه بما لا قبل لهم به واشار على اهل المدينه ان يبقوا فى المدينه ولا يخرجوا، لانهم ان خرجوا فلن يفلت منهم احد هذه المره، ونجح الرجل بغرس كراهيه الخروج فى قلوب الكثير من اصحاب محمد، وفرح المنافقون واليهود، وتصوروا ان محمدا لن يفلت من هذه الجموع التى يصفها نعيمبن مسعود.
ونجح نعيم بتثبيط بعض الصحابه، والقاء الرعب فى قلوبهم.
قال عثمانبن عفان (رضى اللّه عنه) يصف حالته وامثاله ممن اصغوا لنعيم:
(لقد رايتنا وقد قذف الرعب فى قلوبنا فما ارى احدا له نيه فى الخروج) (468).
كان الرسول يرصد آثار دعايه نعيم فجمع الناس وحثهم على الخروج ثم قال:
(والذى نفسى بيده لاخرجن وان لم يخرج معى احد) (469) عندئذ تشجع من وهن من المسلمين وخرج مع النبى 1500-مقاتل ومعهم عشره افراس فاعطى النبى رايته لعلىبن ابى طالب، وغايه المسلمين من الخروج كانت ملاقاه البطون على الموعد، ومع هذا تزودوا ببضائع، واقاموا فى بدر الصفراء ثمانيه ايام ورجعوا بخير وفضل من اللّه وربح الدينار دينارا.
اما ابو سفيان فقد اطلع بطون قريش على الخطه التى رسمها لنعيم، وبين لهم ان العام عام جدب، واقترح عليهم ان يسيروا يومين فيرجعوا، فخرجت البطون وهم الفان ومعهم خمسون فرسا وانتهوا الى مجنه، فشربوا السويق فسمى اهل مكه ذلك الجيش جيش السويق، وعادوا بعد ان بلغهم خروج النبى، وقال صفوانبن اميه لابى سفيان:
(قد واللّه نهيتك يومئذ ان تعد القوم، وقد اجتراوا علينا وراوا انا قد اخلفناهم، وانما خلفنا الضعف عنهم.
فاخذوا فى الكيد والنفقه فى قتال رسولاللّه) (470)، واعدوا العده لغزو النبى فى ما بعد.
تحالف الاحزاب واجماعها على حرب النبى:
عندما تمكن النبى من السيطره على طرق تجاره البطون الى بلاد الشام، فقدت رشدها، وعمت الكراهيه نفوس قادتها وافرادها، وبعد وقوع الصدامات المسلحه، وسقوط القتلى فى بدر جمعت البطون مع الحسد لمحمد وآله الكراهيه والحقد على محمد وآله، ان الثار للقتلى لا يعيدهم، ولكنه يعزى النفس الموتوره الى حين، ولن تهدا حتى يفنى القاتل وتفنى ذريته، وينقطع ذكره من الوجود تلك هى طبيعه النفس الموتوره الحاقده، تلك هى طبيعه مشاعر بطون قريش ضد محمد وآل محمد، وجماع هذه المشاعر ومهيجها هو البطن الاموى، وبالتحديد ابو سفيان واولاده، وعلى الاخص معاويه وزوجته هند وبنو عمومتهم، فالطريقه التى قتل فيها حمزه، واسلوب هند بالتمثيل به ترسم بادق صوره واوضحها المشاعر المخيفه التى يحملها اهل هذا البطن لمحمد وآل محمد، ويلى هذا البطن بنو مخزوم عامه، وبنو المغيره خاصه، ثم تتساوى البطون دون ذلك بهذا الخليط من المشاعر.
اقل ما ترضى به بطون قريش اساسا للتحالف: