روى المدائنى فى كتابه (الاحاديث) كما فى شرح النهج لعلامه المعتزله ابن ابى الحديد، وكما فى معالم المدرستين للعلامه العسكرى (742) ان معاويه كتب نسخه واحده الى كل عماله بعد عام الجماعه ان (برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته) (743).
فمعاويه احد قاده التحالف، وعلى علم بالاسباب الحقيقيه لمنع احاديث الرسول، وطالما ان معاويه بالتعاون مع المنافقين والمرتزقه، والغافلين عن الدين استطاع ان يقهر المومنين وان يحكم امه محمد بالقوه فما هو الداعى للمواربه واللف والدوران والتستر ليعلنها صريحه (بانه لا يجوز ان يروى او يكتب اى حديث يتضمن فضلا او ذكرا لعلىبن ابى طالب، او لاهل بيت النبوه، ممن يخشى معاويه اذا اعلن الحقيقه، وكشف عن الغايه من منع حديث الرسول، فشعار حسبنا كتاب اللّه لم يعد كافيا، ولا قادرا على حل الاشكالات فى مملكته الاسلاميه الكبرى!!
وزياده فى الوضوح عمم معاويه نقمته على كل الذين يوالون علىبن ابى طالب واهل بيت النبوه، فاصدر مرسوما ملكيا ثانيا وعممه على عماله فى الافاق (ان لا يجيزوا لاحد من شيعه علىبن ابى طالب واهل بيته شهاده) (744).
واصدر مرسوما ثالثا وعممه على الافاق هذا نصه:
(ولا تتركوا خبرا بروايه احد من المسلمين فى ابى تراب الا وتاتونى بمناقض له فى الصحابه، فان هذا احب الى واقر لعينى، وادحض لحجه ابى تراب وشيعته) (745).
واصدر مرسوما رابعا وعممه على جميع البلدان هذا نصه:
(ان انظروا من قامت عليه البينه انه يحب عليا واهل بيت النبوه فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه) (746).
واصدر معاويه مرسومه الملكى الخامس وعممه على البلدان، وهذا نص المرسوم:
(من اتهمتموه بموالاه هولاء القوم -يعنى عليا واهل بيت النبوه- فنكلوا به واهدموا داره) (747).
وهكذا صارت تهمه الكفر اخف من تهمه محبه اهل بيت النبوه، وهكذا وضح معاويه الاسباب الحقيقه لمنع روايه وكتابه احاديث الرسول، وصب كامل نقمته ونقمه الدوله التى يراسها على اهل بيت النبوه، وعلى كل من يذكر بحبهم!!
وهكذا كشف معاويه عن غايه قاده التحالف من منع روايه الاحاديث النبويه وكتابتها، وحدد هذه الغايه تحديدا واضحا (ودخل البيوت من ابوابها) اما قاده التحالف الذين سبقوه، فقد اضطروا ان يخفوا غايتهم الحقيقيه، وان يسلكوا طريقين الى هذه الغايه ففى حياه الرسول اطلقوا فيه شائعاتهم السريه للتشكيك بقول الرسول، وخلقه، وعقله حتى يبطلوا مفاعيل احاديث الرسول المتعلقه بولايه وقياده الامه بعد وفاه الرسول، والمتعلقه بالدور المميز لاهل النبوه، ولتحقيق نفس الغايه وبعد موت الرسول وبعد ان استولى قاده التحالف على السلطه صدرت مراسيمهم بحرق احاديث الرسول المكتوبه، ومنع روايه وكتابه احاديث الرسول بدعوى ان القرآن وحده يكفى، وان روايه وكتابه احاديث الرسول تصد الناس عن القرآن، على حد تعبير عمربن الخطاب، وتسبب الاختلاف، على حد تعبير ابى بكر، وقد استظل الاثنان بخيمه شعارهم العتيد (حسبنا كتاب اللّه)، وقد وثقنا ذلك اكثر من مره.
الباب الرابع - الامامه او القياده فى الاسلام
الفصل الاول: التاصيل الشرعى للامامه بعد وفاه النبى (ص)
الانجازات الكبرى ونصر اللّه والفتح:
بفتره زمنيه قياسيه، وبكلفه بشريه لا تكاد تذكر، استطاع الرسول الاعظم(ص) ان يحول العرب من الشرك الى دين التوحيد، فلم يعد بوسع احد ان يظهر غير دين التوحيد، كما استطاع الرسول الاعظم ان يوحد قبائل العرب وبطونها، وان يبنى لهم دوله لاول مره فى التاريخ البشرى كله، واحاط الناس علما بالتعاليم الالهيه المتعلقه بالعبادات، والمعاملات والسياسات.
وادرك الذين آمنوا ان اللّه قد اوفى بوعده لرسوله، واتضح الطريق وانه قد جاء حقا نصر اللّه والفتح، وان الرساله الالهيه قد بلغت الا قليلا، وان الفراق بين القائد والاتباع قد اقترب بعد ان احيط الذين آمنوا علما بان اللّه قد خير رسوله بين الملك فى الدنيا او ما عند اللّه، فاختار ما عند اللّه، لان الملك وما فى الدنيا كلها هزيل اذا ما قورن بما عند اللّه.
القائد على علم بالتحالف المنحرف:
علم النبى -القائد- بقيام التحالف، وبالمجموعات التى تكونه، وعرف قياداته وفهم اهدافه، ومجملها:
رفض الاختيار الالهى لعلىبن ابى طالب(ع) ليكون اماما وقائدا ومرجعا للامه بعد وفاه النبى(ص)، ورفض الاختيار الالهى لاهل بيت النبوه ليقوموا بدور مميز بقياده الامه بعد وفاته، وكان النبى على علم بالشائعات التى اطلقتها قياده التحالف للتشكيك بشخصه، وذاكرته، وعقله وصولا الى ابطال مفاعيل الاوامر الالهيه التى بلغها الرسول للامه.
وقد اسف النبى لذلك اشد الاسف وشلت حركتهم ضده قيمه الامر الالهى، بالتفصيل الذى تناولناه فى الفصل السابق.
وما على الرسول الا البلاغ:
لقد اختار اللّه محمدا رسولا كما اختار غيره من الرسل، ليبلغ آخر رساله الهيه الى بنى البشر، ومهمه الرسول ان يبلغ الرساله التى عهد اللّه اليه تبليغها بدون زياده ولا نقصان، ويتبع ما يوحى اليه بكل خطوه، فالرسول عبد مامور للّه، ليس له من الامر شيئا الا ما خوله اللّه تعالى، لقد بلغ كل رسول سبق النبى رساله اللّه الى قومه، ورفضت على الغالب اقوام الرسل كافه الرسالات الالهيه، لم يعاقب اللّه الرسول بجرم قومه وعدم تصديقهم له انما اخذ الاقوام التى كذبت الرسل، ونجى اللّه رسله، لان مهمه الرسول اى رسول هى البلاغ.
لقد نجح النبى حيث اخفق غيره، وتحمل من الاذى والبلاء، ما لم يتحمله غيره، وصبر على قومه، حتى انقذهم من الشرك الى التوحيد، واقام دولتهم لاول مره فى التاريخ، وبين لهم صراط اللّه المستقيم، وتابع عمليه تعميق مفهوم التوحيد فى النفوس، ومفهوم الوحده، ووضع الناس فى ادق تفاصيل صراط اللّه المستقيم، فاستقامت امورهم وعرفوا درب الفلاح.
فى بدايه الفرحه بنصر اللّه والفتح، انحرفت شرائح من امه محمد، وطعنت باختيار اللّه سبحانه وتعالى لعلى ليكون امام الامه من بعد النبى، مثلما طعنت باختيار اهل بيت النبوه لدور تاريخى مميز بعد وفاه النبى، بمعنى ان هذه الشرائح التى كونت تحالفا قبلت الرساله الالهيه او تظاهرت بقبولها، ولكنها رفضت الجانب المتعلق بقياده الامه من بعد النبى ورفضت اعطاء اهل بيت النبوه دورا مميزا فى قياده الامه!!!
وباختصار شديد فان التحالف يقبل بكل احترام الرساله الالهيه الا ذلك الجانب منها المتعلق بقياده الامه ومرجعيتها وامامتها، والذى يعطى دورا بارزا لاهل بيت النبوه، تماما كما رفضوا هم واسلافهم ومن شايعهم نبوه محمد(ص) فى بدايه الامر لنفس الاسباب والحجج الواهيه.
ان رفض التحالف (للاختيار الالهى) يهز اسلام كل فرد منخرط فى هذا التحالف، ويعرض للخطر مستقبل الامه التى بناها محمد(ص) واهل بيته بالعرق والدم، وينحرف بهذه الامه عن صراط اللّه المستقيم الذى تعذب محمد(ص) طوال 23 عاما حتى بينه، فماذا يفعل النبى بهذه الحاله؟ هب ان الامه رفضت الرساله الالهيه كلها فماذا يمكنه ان يفعل؟ انما هو رسول ومهمته تنحصر بالتبليغ وباتباع ما يوحى اليه:
(فهل على الرسل الا البلاغ المبين) (748) (فان تولوا فانما عليك البلاغ) (749) (وما على الرسول الا البلاغ المبين) (750) (فان اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيظا ان عليك الا البلاغ) (751) (وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل) (752) (ان يشا يرحمكم او ان يشا يعذبكم وما ارسلناك عليهم وكيلا) (753).
وبالايجاز:
فان مهمه النبى منحصره بتبليغ الرساله الالهيه كامله الى العرب خاصه، والجنس البشرى عامه واتباع ما يوحى اليه اثناء عمليه التبليغ، فاذا اعرض العرب كلهم او بعضهم، واذا اعرض الناس كلهم او بعضهم عن مضامين الرساله الالهيه كلها او بعضها، فمحمد(ص) ليس حفيظا على العرب او على الناس ولا وكيلا عنهم انما عليه ان يبلغ رساله ربه، وما اوحى اليه كاملا سواء تقبل منه الناس ذلك او اعرضوا عنه.
فهو فى حاله تقبل الناس لما جاء به لا يوقف البلاغ انما يعممه ويعمقه، وفى حاله الاعراض عنه لا يوقف عمليه البلاغ، انما يكررها ويعممها ما دام موجودا، لان مهمته الاساسيه محصوره بابلاغ رسالات ربه ما دام حيا.
تركيز الرسول على قياده الامه ومرجعيتها بعد وفاته:
الامه الاسلاميه نشات حديثا، وولدت رسميا بواقعه الهجره المباركه، وتعودت على الارتباط بنبيها ورسولها، وقائدها، ومرجعها محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فهو:
الرسول وهو القائد، وهو المرجع، وهو القاضى، وهو المعيل، وهو الحاكم وهو الحكم بنفس الوقت، بمعنى:
ان قائد الامه الاسلاميه كنظام السبحه (خيط المسبحه) اذ انقطع الخيط فجاه -وبوقت غير مناسب- تتفرق كل حبات السبحه، وقد تضيع، وقد تدملها الارجل.
ثم ان الامه حديثه العهد بالاسلام، فاعداد ساحقه منها لا تعرف من الاسلام الا اسمه ولا تجيد الا التلفظ بالشهادتين، بمعنى انهم يجهلون الاسلام ويجهلون بيان القرآن، وقد قضى الامر، وبعد نصر اللّه والفتح، اختار الرسول ما عند اللّه فما هى الا سنه وبعض السنه حتى تغيب شمس الاسلام بغياب محمد، ويرحل البدر التام، ويشغر منصب القياده والامامه والمرجعيه بموت النبى.
هذه بعض الاسباب الواقعيه التى تدعو الرجل العادى للتفكير بمنصب الامامه والمرجعيه بعد وفاه الرسول العظيم، فكيف يكون حجم تفكير الرسول نفسه بهذه الناحيه وهو المدعوم بالوحى الالهى، والذى يرى المستقبل بالوضوح الذى يرى فيه الحاضر والماضى!!.
لذلك ركز النبى تركيزا خاصا على منصب قياده الامه ومرجعيتها بعد وفاته.
من هو الموهل لقياده الامه ومرجعيتها بعد وفاه النبى؟
الموهل لقياده الامه بعد النبى يجب ان يكون الاعلم والافهم بكتاب اللّه تعالى، والاقدر على بيانه بيانا قائما على الجزم واليقين، والافهم بسنه رسولاللّه (قوله وفعله وتقريره) والاكثر جهادا وبلاء فى سبيل اللّه، والاكثر اخلاصا للّه، والاتقى، والافضل، بحيث يكون هذا الشخص بعد وفاه النبى، هو اعلم اهل زمانه بالقرآن والسنه علما قائما على الجزم واليقين، وهو الاكثر اخلاصا للّه، والاتقى، والاصلح.
هذا الرجل بالذات هو الموهل لقياده الامه بعد وفاه النبى، لانه سيتولى بيان القرآن للذين لا يعرفون بيانه من المسلمين، ومن الامم الجديده التى تدخل فى الاسلام، وبيان سنه الرسول وبيان الحكم الشرعى فى كل مساله تعرض.
ولم لا!
فهو مرجع الامه، وقائدها، وملاذها، وهو القائم مقام النبى، فهو ربانى الامه الاوحد بعد وفاه النبى، الا انه ليس بنبى.
الصفات الخفيه والاختصاص الالهى:
لا يوجد مخلوق فى الارض، ولا فى السماء، يعلم ان هذا او ذاك هو الاعلم بالقرآن وهو الاقدر على بيانه، بيانا قائما على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين، وانه الاكثر جهادا وبلاء، والاكثر اخلاصا للّه، والاتقى والافضل، لان هذه صفات خفيه لا يعلمها مخلوق قط.
الوحيد الذى يعلم ان هذه الصفات متوفره بهذا الشخص او ذاك هو اللّه سبحانه وتعالى.
فهو وحده المختص بمعرفه هذا الشخص وتقديمه للناس.
التاهيل الالهى:
الرسل، والائمه، والقاده، ومراجع الدول التى اقيمت بامر اللّه، يوهلهم اللّه تعالى لذلك، فما من رسول ولا نبى الا اهله اللّه سبحانه وتعالى، واعده وهياه ليقوم باعباء الرساله، فعلى سبيل المثال:
الرسول موسى عليه السلام، اختاره اللّه للرساله وهياه واعده ورعاه، منذ ان ولدته امه وحتى ذلك اليوم الذى كلفه فيه بحمل الرساله، وكذلك داود وكذلك سليمان، وكذلك خاتم الرسل محمد، فما من رسول الا واهله اللّه تعالى لاداء رسالته ولاتباع ما يوحى اليه بدون زياده ولا نقصان.
كذلك فانه اعد الائمه واهلهم وهياهم ليقوموا مقام الانبياء، وليتبعوا ما اوحى الى الانبياء بدقه بدون زياده ولا نقصان.
او بتعبير ادق عصمهم، (والعصمه هى التوفيق الالهى) (وهى ضروريه لانه لو كان غير ذلك، لم يومن من اتباع الهوى، خاصه وانه معلم الامه ما يجهلونه من احكام الشرع، وصدور الذنب منه يودى لعدم الوثوق باقواله فالدليل الدال على عصمه الرسول دال على عصمه خليفته المنصوص عليه شرعا، لانه القائم مقام النبى فى حفظ الشرع، وتاديته للامه) (754).
فالعصمه تقريبا للذهن بمثابه مصل الهى يمنع من الوقوع بالخطا مهما كانت صوره، تماما كما يمنع التطعيم ضد السل من الاصابه بهذا المرض.
والخلاصه:
ان الرسل والائمه معدون، ومهيوون، وموهلون الهيا للقيام بالمهام التى اناطها اللّه سبحانه وتعالى بهم.
الرسل والائمه، والشورى والانتخاب:
لم يصدف طوال التاريخ البشرى ان اختير نبى من الانبياء او رسولا من الرسل او اماما من الائمه عن طريق الشورى او الانتخاب!
لان الرسول بالضروره هو اعلم بنى البشر فى قومه بمضامين الرساله التى ارسله اللّه بها، وهو الموهل الهيا والوحيد القادر على ابلاغ الرساله وما يوحى اليه، وهو الاقرب للّه، وهو الاتقى، وهو الاصلح، وهو الافضل، وتلك صفات خفيه لا يعلمها على وجه الجزم واليقين الا اللّه تعالى، ومن هنا فان الشورى، التى يقوم بها الناس، والانتخاب الذى يمارسونه، لا يصلح لاختيار الرسل، لانهما يقصران عن بلوغ المطلوب، ولا قدره للناس على معرفه الاعلم، والافضل، والاتقى، والاقرب الى اللّه.
وتكليف الناس بهذه الامور عبث، والشارع الحكيم منزه عن العبث.
والامام القائم مقام الرسول كذلك يجب بالضروره ان يكون الاعلم، والافهم بالدين، والاقرب الى اللّه، والاتقى، والافضل، حتى يكون موهلا ليقوم مقام الرسول، ويبين القرآن بيانا قائما على الجزم واليقين، وليقدم للناس سنه النبى بدون زياده ولا نقصان، وليقود الناس الى المقصود الشرعى من كل نص، وبهذه الحاله، فان فكره الشورى، ووظيفه الانتخاب يعجزان عن ادراك الامام المطلوب لان الناس لا يعرفون من هو الاعلم.. والخ، فلو عرفوا ما كانت هناك حاجه الى شورى، ولا داعى لعمليه الانتخابات.
اللطف الالهى واختيار الرسل والائمه:
لا خلاف على ان اختيار الرسل مهمه الهيه ولا علاقه للبشر بها، لكن الخلاف منحصر باختيار الائمه.
اللّه سبحانه وتعالى يختار الامام لقياده المجتمع الذى كان يقوده الرسول، ولتعليم المجتمع الذى كان يعلمه الرسول، ولتعميق مفاهيم ومضامين الرساله التى جاء بها الرسول، بمعنى ان هذا الامام لا يقوى على القيام بهذه الاعمال على الوجه الاكمل الا اذا كان هو الاعلم والافهم بالدين، والاقدر على بيانه، والاتقى، والاقرب الى اللّه والى الرسول الذى سبقه، وافضل الموجودين، وهذه صفات لا يعلمها على وجه الجزم واليقين الا اللّه سبحانه وتعالى، ومن هنا تشابهت موجبات اختيار الرسول وموجبات اختيار الامام.
ثم ان كل فرد فى المجتمع المومن يتمنى ويدعو اللّه ان يدله على الاعلم والافهم بالدين، والاقدر على بيانه، والاتقى والاقرب الى اللّه والى الرسول والى افضل الموجودين، ودعاء المومنين (اللهم ولى امورنا خيارنا) فتلطف اللّه اللطيف، وقدم للناس الرجل الذى تتوفر فيه كل الصفات اللازمه للقيام مقام النبى، وامرهم بطاعته، لان اللّه اختاره لهم حيث توفرت فيه كل الصفات.
والخلاصه:
ان اختيار الرسل والائمه عمليه تستند الى صفات خفيه لا يعلمها الا اللّه، لذلك خص نفسه بصلاحيه اختيارهم.
فمن شاء فليكفر ومن شاء فليومن:
الامه المومنه تبحث عن:
الافضل، والاعلم، والافهم، والاتقى، والاقرب الى اللّه والى رسوله، واللّه سبحانه وتعالى لطف بها فدلها على الرجل المطلوب ليكون امامها وقائدها من بعد النبى، فاذا قبلت الامه الاختيار الالهى، وبايعت هذا الرجل الامام على السير معا على صراط اللّه المستقيم فقد اهتدت وآمنت وسعدت فى دنياها، وعاشت فى ظلال العدل الالهى.
وان رفضت الامه المومنه الاختيار الالهى، واتكلت على نفسها وهواها ونصبت غيره، وبايعت سواه، فان لها معيشه ضنكا لانها اعرضت عن ذكر اللّه او كما قالت سيده نساء العالمين فاطمه بنت محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم:
(باى عروه تمسكوا، لبئس المولى وبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا واللّه الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعا، (الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)، ويحهم (افمن يهدى الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون)، اما لعمرى لقد لقحت، فنظره ريثما تنتج، ثم احتلبوها ملء القعب دما عبيطا، وذعاقا مقرا هنالك يخسر المبطلون، ويعرف اللاحقون غب ما اسسه الاولون، ثم طيبوا عن دنياكم نفسا، واطمئنوا للفتنه جاشا، وابشروا بسيف صارم، وسطوه معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرتا لكم!
وانى بكم وقد عميت عليكم، انلزمكموها وانتم لها كارهون) (755).
هذه بعض النتائج المدمره اذا رفضت الامه اختيار اللّه للامام، واتكلت على نفسها واختارت بدلا منه على هواها.
الفصل الثانى: من هو الامام الذى اختاره اللّه تعالى لقياده الامه بعد وفاه النبى
تاريخ الاعلان:
بنفس اليوم الذى امر اللّه فيه نبيه ان يعلن انباء النبوه والرساله والكتاب، امره باعلان نبا ولايه العهد والامامه من بعد النبى فسارت انباء النبوه، وابناء ولايه العهد والامامه من بعد النبى معا.
ولكن انباء النبوه والرساله والكتاب طغت على نبا ولايه العهد والامامه من بعد النبى، واستهان المشركون بهذا النبا ولم يحملوه على محمل الجد، اذ استبعدوا تماما ان ينجح محمد بنشر دينه واقناع الناس به فضلا عن بناء ملك!
لذلك اعتبروا نبا ولايه العهد والامامه من بعد النبى ضربا من الخيال المفرط.
من هو ولى عهد النبى وامام الامه من بعده؟
اعلن النبى ان ولى عهده وامام الامه وقائدها ومرجعها ووصيها وامامها من بعده هو:
علىبن ابى طالب، اعلن ذلك بنفس الساعه التى اعلن فيها رسميا نبا النبوه، وامام بنى هاشم فى الاجتماع الذى عقده لغايات هذه الاعلانات الكبرى.
اذ اخذ النبى برقبه على وقال امام الجمع كله:
(ان هذا اخى ووصيى وخليفتى فيكم فاسمعوا له واطيعوا) وهذا الحديث صحيح وقد صححه ابو جعفر الاسكافى، وابن جرير الطبرى كما ذكر ذلك السيوطى (756)، ورجاله كلهم ثقات باستثناء، ابو مريم (عبد الغفاربن قاسم) المتهم بموالاه اهل بيت النبوه، وحسب موازين السلطه التاريخيه واشياعها فان من يوالى اهل البيت ليس بثقه، ومع هذا فقد اثنى ابن عقده على ابى مريم واطراه وبالغ بمدحه كما فى لسان الميزان (757) وقد ارسل ائمه الحديث هذا الحديث ارسال المسلمات (758).
(ثم ضرب النبى بيده على يد على كنايه عن المبايعه) (759) وبايعه الرسول على ذلك فعلا (760)، هنالك اعلن الرسول امام الحاضرين وقال لعلى:
(فانت اخى ووزيرى ووصيى وخليفتى من بعدى)(761) ، ثم قال:
(ادن منى فدنا على ففتح النبى فاه، ومج فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه) (762).
هل اعلن الرسول عليا اماما من بعده من تلقاء نفسه او بامر من اللّه؟
لقد تلقى النبى امرا الهيا بان يصدع بما يومر، عندئذ جمع النبى بنى هاشم، واعلن انباء النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد والامامه من بعده، فاذا كان النبى لا ينوى على تزويج ابنته الا بامر من اللّه فهل يعقل ان يعلن امرا بهذه الخطوره بدون امر من اللّه!!
والقرآن الكريم اكد هذه الحقيقه مرات متعدده اذ امر اللّه رسوله بان يعلن (ان اتبع الا ما يوحى الى) (763) (قل انما اتبع ما يوحى الى من ربى) (764) وقوله تعالى:
(واتبع ما يوحى اليك) (765) وقوله تعالى:
(واتبع ما يوحى اليك من ربك) (766).. واذا اصغينا الى اراجيف بطون قريش وقاده التحالف فعلينا ان نسال عن عدد ركعات كل صلاه هل هى من النبى(ص) وضعها من تلقاء نفسه ام هى من اللّه!!
فعدد الركعات لم يرد فى القرآن الكريم!!!
ومن هنا اوجب اللّه على عباده ان يومنوا بان محمد(ص) لا ينطق عن الهوى، اطلاقا وما يقوله ثمره وحى يوحى كما هو ثابت فى سوره النجم، واوجب اللّه على عباده المومنين ان ياخذوا كل ما اتاهم به الرسول، وان ينتهوا عن كل ما نهاهم عنه كما هو ثابت بسوره الحشر آيه 7.
ومن هنا فاننا نتجاهل اشاعات قاده التحالف وبطون قريش ونجزم بان اللّه سبحانه وتعالى هو الذى امر نبيه بان يعلن بان ولى عهده والامام من بعده هو علىبن ابى طالب، وانه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يعلن ذلك من تلقاء نفسه انما بناء على وحى من ربه.
تكييف قرار تعيين ولى العهد والامام من بعد النبى:
القرار الالهى بتعيين الامام علىبن ابى طالب، وليا لعهد الرسول واماما من بعده هو امر الهى واجب الاتباع، تماما كالصلاه، وتماما كالتسبيح وكالزكاه، ومثل اى امر الهى آخر، ويبقى هذا الامر الالهى نافذا وواجب التطبيق حتى ينسخ او يلغى بقرار او امر الهى لاحق.
هل نسخ او الغى قرار التعيين هذا؟
لقد ثبت ان رسولاللّه بامر من ربه قد عين على بن ابى طالب وليا لعهده واماما من بعده، وان هذا التعيين بمثابه امر الهى واجب التطبيق ما لم ينسخ او يلغى، فهل نسخ قرار التعيين هذا او الغى؟ هل نسخه اللّه تعالى، وهل الغاه؟ على الرغم من ان التاريخ قد كتب تحت اشراف قاده التحالف وان الاحاديث النبويه فى ما بعد قد رويت تحت اشراف وبعلم وعن طريق علماء شيعه قاده التحالف، فانه لم يرو ويذكر ان امر التعيين الالهى هذا قد نسخ او الغى بايه او بحديث، وكل ما روى يوكد ثبات هذا النص.
قرانا فى تاريخ الطبرى ان الرسول قد قال لعلى:
(ان هذا اخى وخليفتى ووصيى فيكم فاسمعوا له واطيعوا)، ثم قرانا فى تفسير الطبرى قول الرسول (ان هذا اخى وكذا وكذا)، لقد ثقلت على السنتهم كلمه (خليفه) وكلمه (وصى) فاستبدلوها بكذا وكذا حتى يقووا على لفظها، ومع هذا لم يرووا ان قرار التعيين هذا قد نسخ او الغى.
بل على العكس توطدت اركان هذا النص وجاءت مئات النصوص الشرعيه لتدعمه وتقويه وتثبت مركزه بحيث يكون كالجبل الشامخ لا يقوى مكر واعاصير قاده التحالف على اقتلاعه من وجوده الثابت.
لماذا اختار اللّه عليا للامامه ولم يختر غيره؟
لماذا اختار اللّه محمدا للنبوه ولم يختر ابا سفيان او عمرا او زيدا من الناس؟ هذا فضل اللّه يوتيه من يشاء، ولا يسال عما يفعل.
هذا من جهه، ومن جهه ثانيه، فان اللّه اعلم حيث يضع رسالته، ومن جهه ثالثه لان اللّه سبحانه وتعالى قد اعد عليا وهياه واهله لولايه العهد وللامامه من بعد النبى.
اعتراض قياده التحالف وبطون قريش:
فى البدايه لم تكترث بطون قريش بولايه العهد، ولا بخلافه النبى، لانها استبعدت ان يتمكن محمد(ص)، من نشر دينه فضلا عن بناء ملك، وبالتالى اعتبرت فكره ولايه عهده والخلافه من بعده ضربا من ضروب الاوهام، ولكن لما نجح، وحدث الفتح والنصر العظيم، اخذت بطون قريش تحمل ولايه عهد النبى والخلافه من بعده على محمل الجد، واخذ الحسد ينهش قلوب سادات البطون، فاسسوا التحالف لغايه الحيلوله بين على وبين قياده الامه من بعد النبى، وبين اهل بيت النبوه وبين اى دور مميز لهم فى قياده الامه من بعد النبى، ويكمن اساس اعتراض بطون قريش وقياده التحالف فى ان الهاشميين اخذوا النبوه، وليس من الاصابه ولا من الصواب ان ياخذ الهاشميون الملك او الخلافه ايضا ويحرموا بطون قريش والعرب من هذين الشرفين!!
لذلك فان بطون قريش وقياده التحالف تعترض على ذلك.
والاصوب، والاوفق، والافضل، براى عمر بن الخطاب خاصه، وسادات بطون قريش وقاده التحالف عامه ان تكون النبوه لبنى هاشم لا يشاركهم فيها احد من البطون، وان تكون الخلافه او الملك للبطون لا يشاركهم فيه اى هاشمى (767).
وهذا هو الاساس الذى استقطب التحالف، وهذا هو الموج الذى ركبه عمر بن الخطاب حتى قاده لزعامه البطون.
ولا يخفى ان هذه القسمه التى قسمها قاده البطون ساقطه دينيا، لان الفضل بيد اللّه يوتيه من يشاء، ولان الرساله والامامه من بعد النبى وظيفه دينيه، واللّه اعلم حيث يضع رسالته، ومن جهه ثانيه فان اللّه سبحانه وتعالى قد اعطى آل ابراهيم الكتاب والحكمه والملك (فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمه وآتيناهم ملكا عظيما) (768)، (ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوه والكتاب) (769).
فلماذا تعترض البطون وقياده التحالف على ذلك، وتصب اعتراضها على محمد!!
وآل محمد!!
ثم كيف تستغرب قياده التحالف ان يخلف علىبن ابى طالب ابن عم النبى، وزوج ابنته، ووالد سبطيه وتعترض عليه، ولا تستغرب ان يخلف يزيد ابن معاويه اباه معاويه، وان يخلف مروان بن الحكم اولاده من بعده!!
مالكم كيف تحكمون!!
وباختصار فان اعتراض البطون ساقط دينيا لانهم لا يردون على النبى وحده، انما يردون على اللّه تعالى.
صحيح ان قياده التحالف قد خططت فى الظلام، ونجحت بالحيلوله بين الامام على وبين حقه الشرعى بقياده الامه بعد وفاه النبى، لكنها لم تنجح بالغاء هذا الحق، ولا برفع الامام من قائمه الائمه، فقط نجحت البطون بانقلابها الاسود وباستيلائها على السلطه بالنفوذ، وبردها على اللّه ورسوله، ومعصيتها لهما.
الفصل الثالث: الامام من بعد النبى هو الاقرب فعلا للنبى
بعد ان جاء نصر اللّه والفتح، صارت سيره النبى محط اهتمام الجميع، وفهم المسلمون مغزى تلميحات النبى بانه قد خير فاختار ما عند اللّه، وبدا اهتمام الناس ينصب على من يقود الامه بعد وفاه النبى، وتصادف اهتمامهم مع تركيز النبى الخاص على عصر ما بعد النبوه، وانتشر حديث الدار، والقرار الالهى بتعيين علىبن ابى طالب وليا لعهد النبى واماما من بعده، وانتشرت تاكيدات النبى لهذا النبا، وبدا الناس ينقصون طبيعه العلاقات، وحجم القرب والبعد بين الرسول القائد وبين ولى عهده والامام من بعده، وادركوا بعض الاسرار الكامنه فى الاختيار الالهى لعلى.
ابو طالب كافل النبى وحاميه:
بعد موت عبد المطلب كفل عبد مناف المكنى بابى طالب ابن شقيقه محمدا رسولاللّه، وضمه لعياله، يرعاه كما يرعاهم، ويعيله كما يعيلهم، وكان عمر النبى آنذاك ثمانى سنين، وخلال هذه الفتره التى امتدت سبع عشر عاما كان ابو طالب بمثابه الوالد للرسول، وكانت زوجته فاطمه بنت اسد بمثابه ام الرسول حقيقه، وكان اولاد ابى طالب بمثابه اخوه الرسول، عاشوا جميعا تحت سقف واحد، واكلوا من قصعه واحده، وتقاسموا مر الحياه وحلوها سبعه عشر عاما، فاحبهم الرسول واحبوا الرسول حبا جما.
ولقد عبر الرسول عن عمق هذه العلاقه الوطيده يوم ماتت فاطمه بنت اسد زوجه ابى طالب وام على فقال:
(اليوم ماتت امى، انها كانت امى، ان كانت لتجيع اطفالها وتشبعنى، وتشعثهم وتدهننى) (770) وبعد موت الام الحنونه بقى الى جانب ابن اخيه يغمره حبا يفوق حب الوالد لبنيه، ورعايه تفوق حد التصور والتصديق، حتى اذا بلغ الخامسه والعشرين من عمره زوجه عمه خديجه بنت خويلد، فاستقل النبى فى بيت خاص به، وبقيت علاقته الحميمه مع بيت عمه ابى طالب، ولما شرف اللّه نبيه بالرساله، وقف ابو طالب مع ابن اخيه الرسول وقفه الرجال كما اسلفنا وجمع الهاشميين تحت قيادته، وحولهم الى ذراع عسكرى، القى الرعب فى قلوب سادات بطون قريش، وتمكن ابو طالب من حمايه الدعوه وحمايه الداعيه، وقد تناولنا ذلك بالتفصيل فى الباب الاول من هذا البحث.
ومرض العم الشيخ، وفارقته الحياه، ومسح النبى على جبين عمه قائلا:
(يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، ونصرت كبيرا، فجزاك اللّه خيرا) (771)، وبعد ان دفن ابو طالب، شعر النبى بعمق المصيبه فقال والاسى يملا قلبه الشريف:
(اجتمعت على هذه الامه مصيبتان لا ادرى بايهما انا اشد جزعا) (772).
وعبر النبى بدقه عن هول المصيبه بفقدان عمه عندما قال (ما نالت منى قريش حتى مات ابو طالب) (773)، ومن المحزن ان وسائل اعلام قاده التحالف حولت الرجل الذى حمى الدعوه والداعيه الى مشرك!!
النبى يضم عليا ويتولى تربيته:
لما بلغ النبى الخامسه والعشرين خطب له عمه وزوجه خديجه بنت خويلد المراه الغنيه الفاضله، وكون النبى لنفسه اسره، ولم ينقطع عن بيت عمه، وفى احدى الايام اشتكت فاطمه بنت اسد المخاض فاخذ النبى بيدها وقادها الى الكعبه، فطلقت طلقه واحده، فولدت على بن ابى طالب، وعاد به النبى الى بيت عمه فرحا مسرورا، وكان على بن ابى طالب اول مولود يولد فى الكعبه طوال التاريخ (774)، وقد القى اللّه محبه على الخاصه فى قلب النبى، فكان النبى يتردد على بيت عمه بصوره مستمره، ليطمئن على على وليشرف على تربيته، وفى سنه جدباء، اقترح النبى على عمه العباس ان يساعدوا ابا طالب فيكفلون بعض بنيه، فاخذ العباس جعفرا واخذ الرسول عليا لينفق عليه، ويضمه الى اسرته، وكان عمر على يوم ذاك ست سنين (775)، وعندما اخذ الرسول عليا قال صلى اللّه عليه وآله وسلم:
(قد اخترت من اختاره اللّه عليكم عليا) (776)، وهذا التصريح يوكد، بان ضم الرسول لعلى ترتيب ربانى، فقد اراد اللّه ان ينشا ولى عهد النبى والامام من بعده فى كنف النبى، ليتربى الولى تربيه خاصه، وليعد اعدادا كافيا لتولى الامامه بعد موت النبى، وليتثبت فواد على بما يرى من المعجزات.
وهكذا عاش الامام على مع النبى فى بيت واحد طوال الفتره التى سبقت النبوه وخلال فتره النبوه التى سبقت الهجره، وما بعدها ايضا.
ارتباط من نوع خاص:
لقد كشف الامام على عن عمق ارتباطه بالنبى خلال تلك المرحله، والمراحل التى تلتها فقال:
(وضعنى فى حجره وانا وليد، يضمنى الى صدره، ويكتنفنى فراشه، ويمسنى جسده، ويشمنى عرقه، وكان يمضغ الشىء ثم يلقمنيه.. وما وجد لى كذبه فى قول، او حظله فى فعل، وكنت اتبعه اتباع الفصيل لاثر امه، يرفع لى كل يوم من اخلاقه، ويامرنى بالاقتداء به، وكنت فى حراء، فاراه ولا يراه غيرى، ولم يجمع بيت واحد يومئذ فى الاسلام غير رسولاللّه، وخديجه وانا ثالثهما، ارى نور الوحى، واشم ريح النبوه) (777).
وسئل قثم بن العباس، كيف ورث على رسولاللّه دونكم؟ فقال قثم:
(كان اولنا لحوقا به واكثرنا لصوقا به) (778)، واخرج البيهقى فى دلائل النبوه عن على، كما نقل الاربلى فى كشف الغمه (779) خرج الرسول فى بعض نواحى مكه فما استقبله شجر ولا جبل الا قال له:
(السلام عليك يا رسولاللّه)، وقال الامام جعفر الصادق عليه السلام:
(كان على عليه السلام، يرى مع النبى صلى اللّه عليه وآله وسلم الضوء ويسمع الصوت) (780) ، وقال النبى يوما لعلى:
(انك تسمع ما اسمع وترى ما ارى، الا انك لست بنبى، ولكنك وزير، وانك لعلى خير) راجع شرح النهج كما ورد فى سيره الرسول واهل بيته (781).
ولى عهد النبى والامام من بعده كان اول المومنين:
نبىء النبى يوم الاثنين، واسلم على يوم الثلاثاء، قال الامام زين العابدين (ولقد آمن على باللّه تبارك وتعالى وبرسوله وسبق الناس كلهم الى الايمان باللّه وبرسوله والى الصلاه ثلاث سنين).
وكون علىبن ابى طالب اول المومنين، حقيقه لا يمارى فيها الا قاده التحالف وشيعتهم الذين فصلوا الدين على قدر التاريخ وقد اشار الى حقيقه ان عليا اول المسلمين (782).
وقال الامام الحسن فى خطبه له فى مجلس معاويه:
(انشدكم اللّه ايها الرهط!
اتعلمون ان الذى شتمتموه منذ اليوم صلى القبلتين كلتيهما وانت يا معاويه بهما كافر، تراها ضلاله وتعبد اللات والعزى غوايه، وانشدكم اللّه هل تعلمون انه بايع البيعتين كلتيهما بيعه الفتح وبيعه الرضوان وانت يا معاويه باحداهما كافر وبالاخرى ناكث، وانشدكم اللّه هل تعلمون انه اول الناس ايمانا، وانك يا معاويه من المولفه قلوبهم) (783).. قال انس بن مالك:
بعث النبى يوم الاثنين واسلم على يوم الثلاثاء، اخرجه الترمذى (784) والحاكم فى المستدرك (785) وابن الاثير فى جامع الاصول كما فى تلخيصه تيسير الوصول (786).
قال زيد بن ارقم اول من اسلم مع رسولاللّه علىبن ابى طالب (787).
قال تعالى:
(والذى جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون) (788) فمحمد هو الذى جاء بالصدق، وعلى هو الذى صدق به (789).
لم يفارق النبى قط، كانا معا فى مكه، وكانا معا فى المدينه، وسكنا فى بيت واحد طوال حياه النبى التى ادركها على، لم يجادل النبى، ولم يعانده، ولم يعصه طرفه عين، انما كان الصديق لكل اقواله، مثلما كان فارسه الاوحد فى كل حروبه، ومن هنا وصفه الرسول:
(بانه الصديق الاكبر والفاروق الاعظم) (790).
وما الذى يمنع من ان يكون على هو اول من آمن، وقد عاش فى كنف النبى منذ كان وليدا فى السادسه من عمره، وكان يرافق النبى اينما حل وارتحل، يتبعه اتباع الفصيل لاثر امه، وقد شاهد خلال رفقته لرسولاللّه من آيات ربه الكبرى ما لم يشاهد غيره!!
السبب الوحيد الذى يحول دون ذلك:
اثبتنا فى الفصول السابقه ان قاده التحالف!
اطلقوا سلسله من الشائعات ضد الرسول نفسه!
فشككوا بخلق الرسول!
وشككوا بتوازنه!
ووصلت بهم الامور حدا ان شككوا بعقله!!
فقالوا:
هجر رسولاللّه، وزايدوا على الرسول نفسه، وحاولوا ان يلقوا فى روع العامه انهم احرص على الدين من الرسول، وارحم بالامه منه، وصولا لغايتهم الكبرى وهى الاستيلاء على السلطه، ونسف الترتيبات الالهيه لعصر ما بعد النبوه، ونجحوا فى ذلك، وصارت قياده الامه من بعد النبى لمن غلب.
وعملت وسائل اعلام السلطه الغالبه كل جهدها لتحويل اشاعاتها ضد النبى وآله الى قناعات.
وآلت الامور الى ابى بكربن ابى قحافه رضى اللّه عنه، فسموه صاحب النبى وصديقه، وقالوا:
انه اول من اسلم، وعهد ابو بكر بالخلافه لعمر، فسمى فاروقا، ومع الايام وضغط وسائل الاعلام تحولت الشائعات الى قناعات، وبعد زمن ظهرت الحقائق فاذا علىبن ابى طالب هو اول من اسلم، واذا بالنبى قد وصفه:
بانه الصديق الاكبر والفاروق الاعظم، فعز على شيعه الخليفتين ذلك فوقفوا بالمرصاد ليحولوا بين الناس وبين معرفه الحقائق الشرعيه، ولكشف حقيقه فعلهم بانهم قد تبعوا الدين للتاريخ، وقاسوا الدين على التاريخ وكان الاولى بهم ان يتبعوا التاريخ للدين، وان يقيسوا التاريخ على هذا الدين، فما وافق الدين فحق هو، وما خالفه فهو رجس من عمل الشيطان، والتبرى منه اولى بالعاقل.
ولى عهد النبى والامام من بعده هو اخ النبى:
تجسيدا لمنزله على عند النبى، وابرازا لقربه منه، وانه لا يوجد من هو اقرب من على اليه، اعلن النبى بامر من ربه، ان على بن ابى طالب هو اخوه حقا، وانه تعالى قد آخى بينهما، قبل الهجره وبعدها، وامره ان يعلن عن هذه الاخوه امام المسلمين ليزداد يقينهم بولى عهد نبيهم، وبقائدهم من بعده (791).
وحتى لا ينسى المسلمون رابطه الاخوه بين النبى وعلى ذكرهم النبى بهذه الاخوه فى مناسبات متعدده فقال (بشاره اتتنى من ربى فى اخى وابن عمى وابنتى بان اللّه زوج عليا فاطمه) (792).
وانظر الى قول النبى مخاطبا عليا:
(انت اخى وصاحبى ورفيقى فى الجنه) (793) ومثل قوله لعلى:
(واما انت يا على فاخى وابو ولدى ومنى والى..) (794) وظل النبى يردد ويعلن هذه الاخوه طوال حياته، ولما حضرته الوفاه قال النبى (ادعوا لى اخى) (795)، فلما جاء على قال له النبى:
ادن منى فدنا منه، واسند اليه ولم يزل يكلمه حتى فاضت روحه الزكيه.
ومن هنا كثيرا ما قال على (انا عبد اللّه واخو رسوله، وانا الصديق الاكبر والفاروق الاعظم لا يقولها بعدى الا كاذب) (796).
وكان معروفا عند العامه والخاصه اخوه النبى لعلى، مثلما كانت معروفه تاريخيا اخوه ابى بكر لعمر.
وكان الناس يرسلون هذا ارسال المسلمات وقد عهد ابو بكر لاخيه عمر ونفذ عهده، بينما عهد الرسول لاخيه على ولم ينفذ لان قياده التحالف رات ان عهد النبى ليس فى مصلحه المسلمين!!
وان الترتيبات الالهيه لعصر ما بعد النبوه ستفرق بطون قريش عن الاسلام لذلك اوجدوا بديلا للترتيبات الالهيه!!
ذريه النبى من صلب على:
الانسان بالفطره يجب ان تكون له ذريه تمتد بعد وفاته، وتنمو لتعبر عن وجوده، ومروره بالحياه وارتباطه بها، ومحمد انسان بالدرجه الاولى يحب ما يحب الانسان بفطرته، وكل نبى من الانبياء كانت له ذريه من بعده فى قومه، تذكرهم به، وبالمبادىء والمثل العليا التى نادى بها هذا النبى او ذاك ومن الطبيعى ان تكون ذريه كل نبى من صلبه.
ليكون ابوهم، وعقبهم ينتمون اليه.
ولان محمدا آخر الانبياء، ولان عليا آخر الاوصياء، واحكاما لحلقه التكامل والترابط بين رسولاللّه وبين ولى عهده والامام من بعده، واقناعا للمسلمين شاءت حكمه اللّه وارادته ان تكون ذريه النبى من صلب على وان تكون فاطمه بنت محمد هى رمز استمرار هذه الذريه، لقد مات اولاد الرسول الذكور، وانقطعت ذريه النبى من بناته الاخريات، وبقيت ذريه النبى محصوره بنسل فاطمه من على وتلك حكمه ربانيه، واحكام للحجه على العباد وقد اعلن عن هذه الحقائق قبل وقوعها ويوم اعلنها النبى كان احدى بناته تحت ابن ابى العاص، والاخرى تحت عثمان، وكانت سيده نساء العالمين مع على ومع هذا فان النبى يوكد بان ذريته ستكون من فاطمه وعلى، حيث تنتمى ذريتها له، فيكون ابوهم ان فى ذلك لايه لقوم يعقلون.
قال صلى اللّه عليه وآله وسلم:
(ان اللّه جعل ذريه كل نبى من صلبه، وجعل ذريتى من صلب على) (797)، وهذا معنى قول النبى:
(كل بنى انثى ينتمون الى عصبتهم الا ولد فاطمه فانا وليهم وانا عصبتهم وانا ابوهم) اخرجه الطبرانى وهو الحديث رقم 22 من الاحاديث التى اوردها ابن حجر (798) حيث قال:
انه حديث صحيح، وطالما قال النبى لعلى:
(واما انت يا على فاخى وابو ولدى) (799).. وقال مشيرا لعلى:
(هذا اخى وابن عمى وصهرى وابو ولدى) (800).. فليست صدفه ان تنحصر ذريه النبى بولد فاطمه، وقد احيطت الامه علما بذلك قبل وقوعه، وعلمت الامه فى ما بعد علم اليقين، انه ليس للنبى ولد الا ولد فاطمه، وطالما ردد النبى بحب طافح وفخر ساحق، هذا ابنى الحسن، وهذا ابنى الحسين، وان اللّه سماهما باسميهما هذين، وانهما سيدا شباب اهل الجنه، وريحانتاه من هذه الامه.
وبالرغم من محاولات قاده التحالف المستميته لاباده نسل النبى حتى يحلو لهم وجه الاستيلاء على السلطه، وبالرغم من ان معاويه قد سم الامام الحسن، وان ابنه يزيد قتل الحسين، واباد الذريه المباركه فى كربلاء، وبالرغم من مطارده الائمه وملاحقتهم طوال التاريخ الا ان السماء بقيت متالقه بنجومها.
الزواج المبارك:
كان النبى على علم بان لا يكون له ذريه من صلبه، ولا يكون له اولاد ذكور تلك حكمه اللّه، وكان يعلم ان ابنته فاطمه الزهراء صديقه، اجتباها اللّه واصطفاها كما اصطفى البتول مريم، وان اللّه يعدها لامر عظيم، وانه تعالى سيختار لسيده نساء العالمين سيدا يليق بمقامها، وكانت سيده نساء العالمين تتالق فى بيت ابيها بالعز كانها كوكب درى، تطمع لعليائها الانظار وتهوى فخرها ومكانتها قلوب الرجال، خطبها ابو بكربن ابى قحافه فرفض النبى ان يزوجها له، وخطبها عمر ورفض النبى، كان جواب النبى واحدا (انه ينتظر امر ربه) (801).
وجاء امر اللّه:
وفى احدى الايام جاءت البشاره التى طالما انتظرها النبى، وزف الرسول البشاره الى الامه الاسلاميه فقال لاصحابه:
(بشاره اتتنى من ربى فى اخى وابن عمى وابنتى بان اللّه زوج عليا فاطمه) (802).
ويزف النبى الخبر لسيده نساء العالمين فيقول لفاطمه مذكرها بنعمه اللّه (اما ترضين ان اللّه اختار من اهل الارض رجلين احدهما ابوك والاخر بعلك) (803).
وقالت فاطمه:
يا رسولاللّه زوجتنى عائلا لا مال له، فقال لها النبى صلى اللّه عليه وسلم:
(اوما ترضين ان يكون اللّه اطلع الى اهل الارض فاختار منهم رجلين فجعل احدهما اباك والاخر بعلك) (804).
واشتكت فاطمه من فاقتها يوما فذكرها النبى بنعمه اللّه عليهم حيث قال لها:
(اما ترضين انى زوجتك، اقدم امتى سلما، واكثرهم علما، واعظمهم حلما) (805).
الائمه سادات الامه من بعد النبى:
لقد جاء امر اللّه بعد طول انتظار، وصدر القرار الالهى بان تتزوج سيده نساء العالمين الصديقه البتول فاطمه بنت محمد رسولاللّه ومصطفاه وخيرته من اهل الارض، علىبن ابى طالب، ولى اللّه والامام من بعد النبى وخيره اللّه ومصطفاه من اهل الارض بعد محمد، وهكذا التقت الصفوه فاطمه، بعلى الصفوه، تحت اشراف صفوه الصفوه، وتزوج السيد من السيده ضمن ترتيب الهى ليخرج من تلاقح الصفوتين الائمه الكرام الذين سيتتابعون على قياده الامه بعد وفاه جدهم محمد وابيهم على.
ومن هذا التلاقح والتزاوج والتقارب تتكون موسسه اهل بيت النبوه، لتكون احد الثقلين، بحيث يكون القرآن ثقل، واهل بيت النبوه وائمتهم الثقل الاخر، وقضى الحق جلت قدرته على الامه انها لن تدرك الهدايه الا بالاثنين معا، ولن تتجنب الضلاله الا بالاثنين معا، مثلما قضى اللّه عليها ان يكون اهل بيت النبوه فيهم مثل سفينه نوح، فكلما اوشكت الامه على الغرق تهرع للسفينه الجاهزه، ثم قضى اللّه ايضا ان يكون الائمه نجوم واعلام الامه تهتدى بهم، كلما حلت الظلمات، واختلطت عليها المنهاج والطرق وخلال حياه النبى انعم اللّه على الصفوه بالحسن والحسين، فتولى اللّه تسميتهما، واعلن النبى امامتهما قاما او قعدا، ومن الحسين فى ما بعد انحدر الائمه التسعه وعمليه تزويج اللّه لعلى من فاطمه، والنسل المبارك جزء لا يتجزء من الترتيبات الالهيه لعصر ما بعد النبوه فقد سمى اللّه اثنى عشر اماما.. وامر نبيه ان يعلنهم على الامه ليقودها بالتتابع كل امام يسلم الرايه لمن يليه حيث يكون كل واحد منهم امام الامه وقائدها ومرجعها، وقد سماهم الرسول قبل ان يولدوا، واخبر الامه بعددهم قبل ان يولدوا ايضا، اول الائمه علىبن ابى طالب، 2-الحسنبن على، 3-الحسينبن على، 4-زين العابدين علىبن الحسين، 5-محمدبن على الباقر، 6-جعفربن محمد الصادق، 7-موسىبن جعفر الكاظم، 8-علىبن موسى الرضا، 9-محمدبن على الجواد، 10-علىبن محمد الهادى، 11-حسنبن على العسكرى، 12-محمدبن الحسن المهدى.
وسنعالج هذا الموضوع فى حينه.
الرسول واهل بيته يسكنون معا:
رتبت العنايه الالهيه حتى طريقه سكن النبى وولى عهده والامام من بعده حيث سكنا معا قبل النبوه فى بيت واحد، وبعد النبوه بقيا معا، وقبل ان يتزوج على، كان يسكن مع النبى، وبعد زواجه بقى ساكنا مع النبى، ولم لا، فعلى ولى عهده والامام من بعده، وهو ابن عمه واخوه وابو ولده، واراد اللّه سبحانه وتعالى ان يجعل من موضوع سكن على مع النبى جانبا وبابا تطل منه الشرعيه وتثبت ولايه عهد على للنبى وامامته من بعده، فامر اللّه نبيه ان يقف خطيبا ليقول:
(ان رجالا يجدون فى انفسهم شيئا، ان اسكنت عليا فى المسجد واخرجتهم، واللّه ما اخرجتهم واسكنته بل اللّه اخرجهم واسكنه.
ان اللّه عز وجل قد اوحى الى موسى واخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا، واجعلوا بيوتكم قبله واقيموا الصلاه، وان عليا منى بمنزله هارون من موسى وهو اخى ولا يحل لاحد منكم ان ينكح فيه النساء الا هو) (806).
واخرج رسولاللّه عمه العباس وغيره من المسجد فقال العباس:
تخرجنا وتسكن عليا؟ فقال الرسول:
(ما اخرجتكم واسكنته ولكن اللّه اخرجكم واسكنه) (807).
وخطب النبى يوما فقال:
(اما بعد فانى امرت بسد هذه الابواب الا باب على، فقال فيه قائلكم، وانى ما سددت شيئا ولا فتحته، ولكنى امرت بشىء فاتبعته) (808)، وقال:
(واللّه ما اخرجتكم من قبل نفسى، ولا انا تركته، انما انا عبد مامور ما امرت به فعلت، ان اتبع الا ما يوحى الى) اخرجه الطبرانى، راجع منتخب الكنز (809).
ثم قال النبى موضحا:
(ان اللّه اوحى الى نبيه موسى ان ابن لى مسجدا طاهرا لا يسكنه الا انت وهارون، وان اللّه اوحى الى ان ابن لى مسجدا طاهرا لا يسكنه الا انا واخى على) (810).
منزله على بن ابى طالب من النبى: