وسمع ابو بكر ان فاطمه بنت محمد نادت باعلى صوتها:
(يا ابت، يا رسولاللّه، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابى قحافه) (1252).
وتذكر ابو بكر ما قالته فاطمه له شخصيا ولعمر بن الخطاب وجها لوجه:
(ارايتكما ان حدثتكما حديثا عن رسولاللّه تعرفانه وتفعلان به؟) قالا:
(نعم)، فقالت:
(نشدتكما اللّه الم تسمعا رسولاللّه يقول:
(رضى فاطمه من رضاى، وسخط فاطمه من سخطى، فمن احب فاطمه ابنتى فقد احبنى، ومن ارضى فاطمه فقد ارضانى، ومن اسخط فاطمه فقد اسخطنى؟) قالا:
(نعم) سمعناه من رسولاللّه، فقالت الزهراء:
(فانى اشهد اللّه انكما اسخطتمانى وما ارضيتمانى، ولئن لقيت النبى لاشكونكما اليه!!)
، فقال ابو بكر:
(انا عائذ باللّه من سخطه وسخطك يا فاطمه)، ثم انتحب ابو بكر حتى كادت نفسه ان تزهق وهى تقول:
(واللّه، لادعون عليك فى كل صلاه اصليها) (1253).
كما وتذكر ابو بكر ساعه هدد عمر بن الخطاب عليا بالقتل ان لم يبايع، وكيف التحق على بقبر النبى يبكى ويصيح:
(يا ابن ام ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى) (1254).
وتذكر ابو بكر يوم اتخذ تحت الضغط الشعبى لقاده التحالف القرارات الاليمه ضد اهل بيت النبوه، فقرر حرمانهم من ارث النبى (1255)، وحرمانهم من المنح التى اعطاها النبى لهم (1256)، وحرمانهم من حقهم الشرعى بالخمس (1257)، وبما ان الصدقه محرمه عليهم فمعناه موتهم جوعا، مما اضطره ان يعد بتقديم الاكل لهم (1258)، وهكذا اذلهم بعد عز ووضعهم بعد رفعه.
فقد تذكر ابو بكر كل ذلك وندم، وادرك انه اول ضحايا هذا النظام الجديد الذى اقامه عمر، وخرج الى الناس قائلا:
(يبيت كل واحد منكم معانقا حليلته، مسرورا فى اهله، وتركتمونى وما انا فيه، اقيلونى بيعتى (1259).. لقد كان الرجل صادقا بالفعل، لكن قاده الانقلاب وبالذات عمر، لن يسمحوا له بالافلات، لذلك امروه بالبقاء وتعللوا بسبب ظاهرى مفاده خشيتهم من عدم استقامه الامر ورخاوه العروه، فاضطر ابو بكر للبقاء، لانه ليس بوسعه الا البقاء، فهذه مرحله انتقاليه يجب ان يحمل وزرها، وهو مشرف على الموت، وبموته يرثون دوله مستقره.
هذه هى الفكره التى منعت عمر من قبول اعتزال ابى بكر، وفضلا عن ذلك فان ام المومنين عائشه ابنته، وقد اسدت للانقلابيين خدمه كبيره وما زال لها دور اعلامى خاص، ونفوذ ادبى كاسح.
وعائشه ام المومنين لم تكتف بما فعل ابوها وصاحبه:
كان ام المومنين لم تكتف بما فعل ابوها وصاحبه بعلى واهل بيت النبوه، وكانها اعتقدت ان مساهمتها بالانقلاب كانت متواضعه، لذلك ارادت ان تزيد اسهمها وان تصب جام غضبها على على ومن والاه، فقد سربت ام المومنين مجموعه من الروايات اسندتها لرسولاللّه، فقالت ان رسولاللّه قد اخبرها عن على:
(بانه يموت على غير دينى) (1260)، وربما وضعت ام المومنين هذه الروايه عندما بلغها ان عمر بن الخطاب هدد عليا بالقتل، تقول لعمر:
نفذ تهديدك ولا تخشى غضب رسولاللّه فقد اخبرها بان عليا يموت على غير دين النبى!!
ولم تكتف ام المومنين بذلك بل، روت بان رسولاللّه قال لها:
(من اراد ان ينظر الى رجلين من اهل النار، فلينظر الى هذين، فنظرت عائشه فاذا بعلى والعباس قد اقبلا!!)
وطالما ان عليا من اهل النار فليس عجيبا منه ان يعترض على خلافه ابيها (1261).
قال امير المومنين مخاطبا اهل البصره فى ما بعد:
(واما فلانه -اى عائشه- فادركها راى النساء، وضغن غلا فى صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيرى ما اتت الى لم تفعل) (1262).
ان حقدها على الامام لا يوصف، انه كما وصفه الامام:
(يغلى فى صدرها كالمرجل!!)
، وماذا تقول بالسيده التى تسجد شكرا للّه عندما يبلغها وفاه عدوها.
فقد كانت تعتبر عليا عدوا لها ولا تطيق ان تلفظ حتى اسمه (1263)!!
جاء فى مسند احمد (1264) عن عطاء بن يسار:
ان رجلا وقع فى على وفى عمار عند عائشه فقالت:
(اما على فلست قائله لك فيه شيئا، واما عمار فقد سمعت رسولاللّه يقول فيه لا يخير بين امرين الا اختار ارشدهما).
تقول ذلك عن على وهى تعلم فضله، وقد سقنا من البيان النبوى الذى تعرفه عائشه ما فيه الكفايه.
والعجب ان تقول ام المومنين بان عليا من اهل النار!!
ويموت على غير دين النبى، ولم تكتف بذلك، بل، ادخلت معه فى النار العباس!!
عم النبى، ومن يلمها بعد ان تاكدت من ان على هو حبيب الرسول الاول.
تجريد اهل بيت النبوه من كافه حقوقهم السياسيه:
وهكذا وعمليا ابتزوا ابتزازا حق على بن ابى طالب الشرعى بقياده الامه من بعد النبى (1265)، وحتى عمر بن الخطاب اعترف بذلك فقال لابن عباس:
(اما واللّه لقد كان على بن ابى طالب اولى بهذا الامر منى ومن ابى بكر (1266).. وقال عمر لابن عباس يوما:
(يا ابن عباس واللّه ان صاحبك هذا لاولى الناس بالامر بعد رسولاللّه ولكننا خفنا..) (1267).
وقد اعترف عمر بان الامام مظلوم فقال لابن عباس:
(ما اظن صاحبك الا مظلوما) (1268).
وقد اعترف عمر وبكل صراحه:
(بان الامر كان لعلى فزحزحوه عنه..) (1269).
ولم يكتف عمر وحزبه بذلك انما حرموا على الهاشميين ان يتولوا اى منصب من مناصب الدوله حتى لا يدعوا لانفسهم يوما فيجمعوا النبوه والملك معا ويتجاوزوا الخط الاحمر الذى رسمه عمر بن الخطاب (1270)، ولم يكتفوا بذلك انما حرموا على آل محمد الخلافه بحجه ان النبى كان من بنى هاشم ولا يجوز ان الخليفه منهم، والعدل يقتضى ان يختص الهاشميون بالنبوه وان تختص بطون قريش بالخلافه، فلا تجوز الخلافه لهاشمى بناء على تعليمات عمر بن الخطاب (1271).
وقد وصف الامام حالته وحاله اهل بيته واشار الى واقعه تجريدهم من حقوقهم السياسيه فقال:
(لما قبض اللّه نبيه، وكنا نحن اهله وورثته وعترته واولياوه من دون الناس، لا ينازعنا سلطانه احد ولا يطمع فى حقنا طامع، اذ انبرى لنا قومنا، فغصبونا سلطان نبينا، فصار الامر لغيرنا، وصرنا سوقه، يطمع فينا الضعيف، ويتعزر علينا الذليل (1272)..).
تجريد من يوالى اهل البيت من حقوقه السياسيه:
وعلى سبيل الاحتياط فلم يصدف وعلى الاطلاق ان ولى ابو بكر او عمر او عثمان او الامويين اى رجل على الاطلاق موال لال محمد او متظاهر بالولاء لهم، فلقد غضبوا على من والاهم من غضبهم عليهم، وجاء زمن من الازمان اصدر معاويه بن ابى سفيان مراسيم ملكيه عممها على كل مقاطعه وكوره، مفادها بالحرف (ان برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته)، فقام الخطباء على كل منبر يلعنون عليا، ويبرءون منه، ويقعون فيه، وكتب نسخه واحده الى كل عماله بان لا يجيزوا لاحد من شيعه على (محبيه واعوانه) شهاده، وكتب ايضا نسخه واحده:
(من قامت عليه البينه انه يحب عليا واهل البيت فامحوه من الديوان، واسقطوا رزقه وعطاءه، وشفع ذلك بنسخه اخرى قال فيها:
(من اتهمتموه بحب هولاء القوم (اهل بيت النبوه) فنكلوا به واهدموا داره) (1273).
من الذى جرا معاويه على فعل ذلك؟
معاويه كما يقول برسالته الى محمد بن ابى بكر:
(كان يرى حق ابن ابى طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا.. حتى اذا قبض اللّه رسوله فكان ابوك وفاروقه اول من ابتزه حقه وخالفه (1274))، فعمر بالذات وابو بكر هما اول من جرا الناس على رسولاللّه وعلى الولى من بعده، وعلى اهل بيت النبوه ومن والاهم ولولا اجتهاد هذين الرجلين لما اختلف اثنان كما قال سلمان الفارسى.
تجريد اهل بيت النبوه من الحقوق الماليه:
لقد شعر عمر ان تجريدهم من حقوقهم السياسيه كامله غير كاف، لذلك عمل الخليفه على تجريد اهل بيت النبوه من كافه اموالهم وممتلكاتهم ومصادرتها، فحرمهم من ارث النبى كما بينا (1275)، وصادر المنح التى اعطاها لهم رسولاللّه (1276)، وحرمهم من حقهم بالخمس الوارد بايه محكمه (1277)، ولما سالوه:
من اين ناكل اذا؟، بالغ باذلالهم وقال لهم:
ان الحاكم سيقدم لكم الطعام فقط ولا يزيد عليه (1278).
وهكذا جرد على واهل بيت النبوه وآل محمد من حقوقهم الماليه، وحولهم عمر وحزبه الى فئه ذليله تقف على باب الحاكم لتقدم له الولاء مقابل طعامها بلا زياده!!
فاذا اضفنا هذا الى انتهاك حرمات منازلهم، والتهديد باحراق هذه المنازل، والتهديد بقتل عميد اهل بيت النبوه، سنتبين عندها انه لم تكتو اى فئه من الامه بالنار التى اكتوى بها اهل بيت النبوه، وسنتسائل احسد هذا ام كره ام حقد؟ ام حسد وكره وحقد معا!!!
من الذى امر بتجريد اهل بيت النبوه من حقوقهم السياسيه والماليه؟ ومن الذى جلب عليهم المحن والمصائب؟
هل هو ابو بكر؟ لقد سمعنا اعتذار ابى بكر وتفهمنا نواياه الحسنه وقلبه الرقيق، وامكانياته المحدوده، وعرفنا انه ليس اكثر من واجهه لسياسه الحزب الذى يقوده عمر بن الخطاب، فعمر بن الخطاب هو بانى الحزب، وهو رئيس الدوله الفعلى، وهو المنظر لسياستها، وبالتالى كان وراء قرار تجريد اهل بيت النبوه من كافه حقوقهم السياسيه والماليه، وكان وراء كل المحن التى حلت باهل بيت النبوه وبالامه، وبموسسه الامامه من بعد النبى؟!!
قد يقال:
كيف ذلك، وابو بكر هو الخليفه الفعلى؟.
ابو بكر ليس له من الخلافه والحكم الا الاسم، اما الحاكم الفعلى، فهو عمر، والحزب الذى يقوده عمر!!
وابو بكر يقر بذلك ويعترف.
واقعه لا خلاف عليها:
كتب ابو بكر لعيينه بن حصن، والاقرع بن حابس كتابا، فاخذاه الى عمر ليشهد، فلما شاهد عمر الكتاب لم يعجبه، فتفل فيه فورا ومحاه، فرجعا الى ابى بكر وقالا له:
(واللّه، لا ندرى اانت امير ام عمر؟) فقال ابو بكر:
(بل، هو، لو شاء كان) فجاء عمر الى ابى بكر، وقرعه بشده على هذا الكتاب، فقال له ابو بكر:
(فلقد قلت لك انك اقوى منى على هذا الامر لكنك غلبتنى) (1279).
سر قوه عمر:
كان عمر فى الجاهليه نكره، فهو ليس اكثر من مبرطش يكترى للناس الابل والحمير وياخذ عليه جعلا (1280)، وبنو عدى لم يكونوا مع العير ولا مع النفير، لم يقاتلوا محمدا ولم يقاتلوا بطون قريش، كما قال ابو سفيان (1281)، ولم يتاكد على الاطلاق ان عمر بن الخطاب قد قتل مشركا او جرحه، وهو يتباهى بذلك، ويزعم ان الرسول قد نهاه حتى عن قتل المشركين!
سهيل بن عمرو مشرك، وابو جندل مسلم، اقترح عمر على ابى جندل ان يقتل سهيلبن عمرو وشجعه على ذلك فقال له ابو جندل:
ما لك لا تقتله انت؟ فقال عمربن الخطاب:
نهانى رسولاللّه عن قتله وقتل غيره (1282)؟!!.
وعمر يعتبر القتل عيبا بالرجل حتى ولو كان فى سبيل اللّه!
قال يوما لابن عباس:
(ان الامر كان لعلى بن ابى طالب فزحزحوه عنه لحداثه سنه وللدماء التى عليه) (1283).
واذا اشتد القتال كان عمربن الخطاب يولى الادبار ويهرب حرصا على الحياه التى وهبها اللّه له فقد هرب مع عثمان يوم احد (1284)، وانهزم عمر يوم حنين (1285)، وانهزم يوم خيبر (1286)، ولم يكن لعمر اى دور فى معركه الخندق.
حتى ان رسولاللّه كلف عمر بن الخطاب ان ينقل رساله شفهيه لبطون قريش مفادها ان الرسول لم يات لحرب انما جاء معتمرا، فرفض عمر ان يذهب خشيه ان تقتله قريش، لانه لا احد من بنى عدى يحميه (1287)!!
وبمعنى مختصر:
ان بطون قريش لم تكن تكره عمر ولم تحقد عليه، لانه لم يثبت اطلاقا ان عمر خلال عمره كله قد قتل مشركا او جرحه، ولم تقتل بنو عدى مشركا او يقتل منها احد، فاذا كانت بطون قريش لا تحب الرجل فانها لا تكرهه، فهو شخص عادى لا يقدم ولا يوخر، كل ما فى الامر انه اعتنق الاسلام كما اعتنقه العديد من ابناء بطون قريش، وزوج محمدا ابنته حفصه، فصار صهره.
ولم يكن عمر بن الخطاب شخصا مميزا فى الصحابه سوى بصهره من رسولاللّه، فلقد امر رسولاللّه عمرو بن العاص عليه وعلى ابى بكر فى غزوه ذات السلاسل (1288).
وتامير عمرو بن العاص على الاثنين له دلالات كبيره يمكنك فهمها، خاصه وان عمرو معروف دينه، وقد هاجر بعد صلح الحديبيه مع خالد بن الوليد.
وابعد من ذلك فان رسولاللّه قد امر اسامه بن زيد على ابى بكر، وعمر بن الخطاب، وابى عبيده وامثالهم (1289).
عمر لم يستمد قوته من تاريخه:
فليس لعمر موقع اجتماعى بارز فى بطون قريش، وليس له تاريخ حربى حافل، اذ لم يقتل او يجرح اى مشرك قط.
انما كان مسلما عاديا لمع اسمه، وتالق نجمه بمصاهرته لرسولاللّه، حيث زوج رسولاللّه ابنته حفصه، ومن هنا كانت بطون قريش حياديه وخاليه الذهن من جهته، فان احبته تحبه لان احد افراد بطون قريش، وليس هنالك ما يوجب كراهيه البطون لعمر.
عمر والمنافقون:
تابع المنافقون بشغف بالغ معارضات عمر بن الخطاب المتكرره لرسولاللّه، واعتراضاته عليه، وقد احيطوا علما بارتيابه، وسمعوا مقالته يوم الحديبيه:
(لقد ارتبت ارتيابا لم ارتبه منذ اسلمت الا يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعه تخرج عنهم رغبه عن القضيه لخرجت) (1290)، وقد اعترف عمر بذلك فقال:
(فما اصابنى قط شىء مثل ذلك اليوم، ما زلت اصوم واتصدق من الذى صنعت مخافه كلامى الذى تكلمت يومئذ).
الواقعه التى استقطبت ولاء المنافقين لعمر:
لقد اطمئن المنافقون الى عمر واحبوه حبا شديدا من يوم الرزيه، وهو اليوم الذى حال فيه عمر وحزبه بين الرسول وبين كتابه ما اراد.
وبالرغم من خطوره هذه الحادثه، وانها قد غيرت مجرى التاريخ الا ان المسلمين يمرون عليها مر الكرام، ولا يتوقفون عندها، مع ان ابا بكر قد كتب وصيته وهو مريض ولم يعترض عليه احد، ولم يقل له احد انه قد هجر مع ان عمر كان موجودا، ومع ان عمر نفسه قد كتب وصيته وهو مريض ولم يعترض عليه احد، ولم يقل عنه احد انه قد هجر، وكل خليفه من الخلفاء كتب وصيته وهو على هذه الحاله، ولم يعقه احد او يكسر بخاطره احد، ولم يقل احد بانه قد هجر؟!
لماذا يعترض عمر وحزبه على رسولاللّه؟!
ولماذا حالوا بينه وبين كتابه ما اراد وكسروا خاطره الشريف؟!
وما يعنينا ان هذه الواقعه الاليمه انتشرت بنفس الليله فى المدينه وما حولها، ورقص المنافقون من حول المدينه ومن مردوا على النفاق داخل المدينه فرحا بما فعل عمر، واعتبروا عمر بن الخطاب بطلا لانه قد تجرا هو ورجاله على الدخول الى منزل النبى ومواجهته، ومنعه من كتابه ما اراد، وقوله للنبى:
انت تهجر!
وعلم المنافقون ان عمر قد صد الرسول عن العهد لعلى بن ابى طالب، وعلى هذا عدوهم يبغضونه كما يبغضون النبى، ويكرهونه كما يكرهون النبى، وقد شاع بين المسلمين ان المنافقين كانوا يعرفون ببغضهم لعلى، وقد نص الشارع الحكيم على ذلك ايضا بانه:
(لا يحب على الا مومن، ولا يبغضه الا منافق).
والخلاصه:
ان هذه الواقعه او المواجهه التى حدثت بين الرسول من جهه، وبين عمر وحزبه من جهه ثانيه فى بيت الرسول، قد رفعت اسهم عمر بن الخطاب عند المنافقين الى القمه، ومن ذلك التاريخ لم يرو راو قط ان احدا من المنافقين قد عارض عمر، او تخلف عن دعوته لاى امر من الامور.
كان المنافقون دائما فى صف عمر، ومع ابى بكر من اجل عيون عمر، فلم يرو مورخ قط ان اى منافق قد تاخر عن بيعه ابى بكر او عمر او عثمان، او معاويه او اى خليفه من خلفاء التحالف!!
والخلاصه:
ان عمر بن الخطاب مدين بجزء كبير من قوته ونفوذه ووجوده للمنافقين!!
ثم احبت بطون قريش ال23 ابنها البار عمر بن الخطاب:
ولماذا لا تحبه بطون قريش، فلم يثبت خلال الحرب الدمويه التى جرت بين الرسول وبين بطون قريش ان عمر بن الخطاب قد قتل مشركا قط، او جرحه سواء اكان من بطون قريش او من غيرها، فليس لبطون قريش ثارات عند عمر، ثم ان البطون كانت على علم بمعارضات عمر للرسول، وسمع الطلقاء بمواجهات عمر المستمره للرسول، وخاصه المواجهه الاخيره للرسول فى بيته، وتاكدت البطون من معارضه عمر التامه لجعل النبوه والخلافه فى بنى هاشم (1291)، وهى على علم بشعار عمر:
(النبوه لبنى هاشم والخلافه للبطون)، وهى على علم بجهود عمر الحثيثه لتوحيد المهاجرين من ابناء البطون مع طلقائها وتكوين جبهه موحده من الفريقين لمواجهه آلمحمد، وكلما يريده عمر هو ان يثبت لبطون قريش انه ليس المبرطش الذى عرفوه فى الجاهليه، انما اصبح رجلا عظيما فى الاسلام، وبامكانه ان يلعب دورا تاريخيا ان ساعدته البطون، وقد وثقنا كل ذلك.
واحبت المرتزقه من الاعراب عمر بن الخطاب ايضا:
لقد احب المرتزقه من الاعراب عمر بن الخطاب حبا جما، واعطوه مقادتهم بلا تردد لانهم اكتشفوا ان المستقبل لعمر، وان الاموال ستكون بيد عمر وحزبه، ولما اعطاهم عمر اشاره وطلب مساعدتهم سارعت المرتزقه من الاعراب لتلبيه اشاره عمر ودعوته، وحضرت الى المدينه حتى ضاقت بهم السكك قال الطبرى:
(ان اسلم اقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا ابا بكر، فكان عمر بن الخطاب يقول:
ما هو الا ان رايت اسلم فايقنت بالنصر) (1292)، وقال الزبير بن البكار فى الموفقيات بروايه ابن ابى الحديد (1293):
(فقوى بهم ابو بكر ولم يعنيا حتى جاءت اسلم والظن ان يكون ذلك يوم الثلاثاء).
والسوال الذى طرحناه ونطرحه هو كيف علم ان بطون اسلم ستحضر؟، وكيف تيقن انها معه ومع الانقلابيين؟ وكيف جزم انهم سيبايعون ابا بكر؟ وكيف ايقن انهم سينصرونه؟ (فايقنت بالنصر) والموكد الوحيد ان هنالك اتفاق مسبق بينه وبينهم، على موعد محدد، وعلى هدف محدد.
السر الحقيقى فى قوه الرجل:
السر الحقيقى فى قوه الرجل يكمن فى التحالف الذى انشاه، او بالحزب الذى اسسه، ومن قيادته لهذا التحالف او الحزب، حيث ان عمر كخطوه اولى وحد بطون قريش المهاجر منها والطليق لهدف محدد وهو الحيلوله بين الهاشميين وبين ان يجمعوا مع النبوه الخلافه بعد وفاه النبى (1294)، بمعنى ان وحده البطون موجهه ضد البطن الهاشمى للحيلوله بين على وبين حقه بالولايه من بعد النبى، تماما كما حاولوا ان يحولوا بين النبى وبين حقه الالهى بالرساله.
وكخطوه ثانيه اقام عمر علاقات وثيقه مع المنافقين، فوافقوه بدون تردد، لان المنافقين يكرهون محمدا وعليا، ويكرهون آل محمد فسلم المنافقون له المقاده، واتحدوا مع بطون قريش لتحقيق ذات الغايه.
وكخطوه ثالثه وطد عمر علاقاته بالاعراب والمرتزقه من القبائل خارج المدينه، ومطمع المرتزقه وهمهم الوحيد هو المغانم والمنافع الماديه، وقدروا ان الرجل سيغلب هو وحزبه لذلك اطاعوه.
وهكذا اسس عمر حزبه:
وهكذا اقام عمر حزبا او تحالفا مكونا من 1-بطون قريش مهاجرها وطليقها، 2-ومن المنافقين من اهل المدينه ومن حولها من الاعراب، 3-ومن المرتزقه من الاعراب الموالين لمن يدفع لهم او يعدهم بالدفع.
لغايه محدده، وواضحه وهى صرف الامر عن على بن ابى طالب والحيلوله بين اهل بيت النبوه وبين اى دور مميز فى قياده الامه.
وزياده فى الاطمئنان ورط قاده التحالف الكثير من الانصار، وهكذا تحددت معالم المواجهه من بعد النبى.
1-ففى جانب يقف آل محمد برئاسه على بن ابى طالب ومعهم قله قليله من المومنين الصادقين الذين يجهلون خيوط الموامره، 2-وفى الجانب الاخر التحالف المكون من بطون قريش، والمنافقين، والمرتزقه من الاعراب ومن تورط معهم من الانصار.
وعلى قمه هذا الهرم جلس عمر بن الخطاب:
وتسلم عمر بن الخطاب عمليا رئاسه التحالف او الحزب، وجمع بين يديه خيوط القوه كلها، واخذ يواجه آل محمد بالطريقه التى يريدها وهو مستند الى جدار قوى من القوه والمنعه، وكيف ما فعل عمر بال محمد، فلن يجد منكرا او مستنكرا، فلو هدد عمر عليا بالقتل فالحزب يسكت، ولو هم باحراق بيت فاطمه فالحزب يسكت، والسكوت فى معرض الحاجه الى البيان بيان، ومن هنا صار عمر هو الناطق الرسمى باسم التحالف، وهو واجهه التحالف، وهو الذراع الذى يبطش به التحالف بال محمد، وهو القائد الذى يقود التحالف الى هدفه المحدد وهو تحجيم آل محمد، والحيلوله بينهم وبين قياده الامه.
هذا هو سر قوه عمر بن الخطاب.
لقد رتب عمر اموره خلال مده طويله وبترو، حتى اذا مرض النبى انقض على داره وواجهه تلك المواجهه الاليمه، وبعد موت النبى صب جام غضبه على على بن ابى طالب وعلى اهل بيت النبوه، وجردهم من كافه حقوقهم السياسيه والماليه كما وثقنا.
وجعلهم سوقه يطمع فيهم الضعيف، ويتعزز عليهم الذليل.. كما قال الامام (1295).
وحاول عمر ان يعدل شرع اللّه، ويتصرف بالسنه النبويه على الوجه الذى يريده ظانا انه سيد الجميع، وفوق الجميع، لان خيوط القوه قد تجمعت بين يديه، وافقدته توازنه، فصار يعتقد ان رايه الشخصى واجتهاده اقرب للصواب من حكم رسولاللّه!!
-كما سنوثق ونثبت ذلك فى حينه-، وهذه هى مكامن القوه والضعف فى ذات الرجل الذى غير التاريخ، وقلب الامور راسا على عقب.
الفصل الخامس: قاده التحالف خططوا لعزل اهل بيت النبوه وتحجيمهم وخلق حاله من المواجهه الدائمه معهم
القناعه المطلقه:
لسوء الحظ ان قاده التحالف وعلى راسهم عمربن الخطاب، قد اقتنعوا قناعه مطلقه لا تقبل المناقشه، بان النبوه وحدها تكفى البطن الهاشمى، ولا ينبغى تحت اى ظرف من الظروف ان يجمع الهاشميون مع النبوه الخلافه، لان جمع الهاشميين للنبوه مع الخلافه اجحاف صارخ بحق البطون القريشيه الاخرى!!
على حد تعبير عمر بن الخطاب.
والاصابه والتوفيق يتحققان عن طريق اربعه مبادىء:
المبدا الاول:
اعطاء النبوه لبنى هاشم فكل بطون قريش قد اعترفت بنبوه محمد الهاشمى.
المبدا الثانى:
اعطاء الخلافه لبطون قريش تتداولها فى ما بينها.
المبدا الثالث:
ابعاد الهاشميين عن مراكز الدوله والوظائف العامه من باب سد الذرائع حتى لا يستغل الهاشميون مناصبهم ومع الايام يستولون على الخلافه (1296)، وجاء فى الامامه والسياسه لابن قتيبه (1297) ان عبد الرحمن بن عوف قال لعلى:
(عليك عهد اللّه وميثاقه لتعملن بكتاب اللّه وسنه رسوله وسيره الشيخين وان لا تولى احدا من بنى هاشم!!.
المبدا الرابع:
وفى سبيل توحيد الناس ضد بنى هاشم عدلت هذه النظريه فى ما بعد، وراى قاده التحالف انه لا باس من ان يتولى الانصار الخلافه، فقال عمر:
لو كان معاذ بن جبل حيا وليته واستخلفته، ومعاذ هذا من الانصار، وكان من غير الجائز براى عمر ان يتولى الانصار الخلافه.
ولا باس ايضا من ان يتولى الموالى الخلافه، قال عمر بن الخطاب:
(لو كان سالم مولى ابى حذيفه حيا وليته، (وسالم من الموالى ولا يعرف له نسب فى العرب) (1298).
النجاحات المتتابعه لعمر بن الخطاب وحزبه:
نجح سادات البطون بتوحيد قريش مهاجرها وطليقها ضد على وضد اهل بيت النبوه، مثلما نجحوا بالتحالف مع المنافقين والمرتزقه من الاعراب ومثلما نجحوا بتوريط اكثريه الانصار بهذا التحالف وتكوين جبهه متحده منهم جميعا ومتفقه على صرف الخلافه عن على وعن اهل بيت النبوه، ونجح قاده التحالف بمواجهه الرسول فى بيته والحيلوله بينه وبين كتابه ما اراد (1299).
وبعد ذلك نجحوا بتنصيب اول خليفه للنبى فى غياب على واهل بيت النبوه (1300).
ونجح قاده التحالف بمحاوله حرق بيت فاطمه على من فيه، وفيه:
على وفاطمه وحسن وحسين دون اى معارضه او استنكار من مهاجر او طليق او انصارى (1301).
ونجح قاده التحالف برئاسه عمر بن الخطاب فى تهديد على بالقتل دون اى معارضه او استنكار من مهاجر او طليق او انصارى (1302).
ونجح قاده التحالف بتجريد على واهل بيت النبوه من ممتلكاتهم، فحرموا اهل البيت من تركه الرسول ومن ارثه (1303)، وورثه ابو بكر دون الناس وصار ابو بكر هو وارثه الوحيد حسب ترتيباتهم الجديده (1304).
وهكذا استولى قاده التحالف على كل تركه رسولاللّه دون منكر بيد او بلسان من كل المهاجرين والانصار!!
وبعد ان صادر قاده التحالف تركه الرسول وحرموا اهل البيت منها نجحوا ايضا بمصادره المنح التى اعطاها الرسول لهم حال حياته كفدك (1305)، ولم ينكر على قاده التحالف منكر، لا من المهاجرين ولا من الانصار، وبعد ذلك نجحوا بمصادره سهم ذوى القربى الوارد بايه محكمه، وحرموهم من حقهم بالخمس (1306)، ولم ينكر على قاده التحالف منكر لا من المهاجرين ولا من الانصار.
ونجح قاده التحالف بعزل على بن ابى طالب عن الناس جميعا، فقد ذهب:
على وفاطمه والحسن والحسين الى بيوت الانصار بيتا بيتا طالبين النصره فلم يجبهم احد (1307).
قال اليعقوبى فى تاريخه (1308) واجتمع جماعه الى على بن ابى طالب يدعونه للبيعه فقال لهم على:
اغدو على محلقين رووسكم فلم يغد عليه الا ثلاثه!!
ولتعلم حجم الضغط والاستقطاب ضد على واهل بيت النبوه، ان عمر وحزبه تجاهلوا بالكامل البيان النبوى الذى نص على امامه على من بعد النبى، فلم ينكر عليهم منكر، وهدد عليا بالقتل فلم ينكر منكر تماما كيوم تامرت البطون على قتل النبى!!
وتم تجريد اهل بيت النبوه من ممتلكاتهم فلم ينكر منكر تماما مثلما اتفقت بطون قريش على حصار ومقاطعه النبى وبنى هاشم.
واحضر عمر بن الخطاب الحطب وقبس من النار وهم ان يحرق بيت فاطمه على من فيه وفيه اهل البيت وبنو هاشم!!
ولم ينكر منكر لا بيد ولا بلسان، لقد رمى قاده التحالف اهل البيت بسهم واحد!!
وهكذا صار قاده التحالف ومن والاهم فى جهه وعلى واهل بيت النبوه فى جهه اخرى:
لقد نجح قاده التحالف نجاحا ساحقا بابتزاز حق اهل بيت النبوه بالقياده (1039) ونجحوا بعزلهم عن القاعده الشعبيه فلم ينصرهم او ينتصر لهم اى واحد من الانصار (1310)، ولم يكن مع اهل البيت عمليا من الناس الا ثلاثه (1311).
مما يعنى ان قاده التحالف ومعهم المجتمع كله رغبه او رهبه صاروا فى جهه وعلى واهل بيت النبوه وبنى هاشم وبنى المطلب صاروا فى الجهه الاخرى، تماما بنفس وضع النبى عندما اعلن عن النبوه، وبوضعه عندما قررت بطون قريش محاصره ومقاطعه بنى هاشم!!!
الحل الامثل والاستقطاب:
الحل الذى ارتئاه الولى على بن ابى طالب هو الحل الذى رآه النبى عندما اجتمعت بطون قريش ومن والاها على مقاطعته ومحاصره النبى وبنى هاشم، وهو الصبر، والبحث عن الاعوان، ولكن الاعوان الذين يريدهم على اعوان من نوع خاص اعوان يلتزمون بالشرعيه الالهيه بدقه متناهيه بالمعنى الذى بسطناه فى فصل (نماذج من مواجهه النظام للشرعيه الالهيه)، وهكذا جرت ضروره اعاده تنظيم وتعبئه المتشيعين لعلى بن ابى طالب واهل بيت النبوه، فبدا الامام بالاستقطاب العلمى حول الشرعيه، وبدا تنظيم التشيع، واخذ الامام يستقطب وبهدوء حوله وحول الشرعيه التى يمثلها، وبدات بذره التشيع تنمو من جديد.
عمر بن الخطاب يحتاط ويجذر المواجهه الى يوم الدين:
تيقن عمر بن الخطاب انه قد استطاع ان يجرد اهل بيت النبوه من كافه ممتلكاتهم، وان يعزلهم عزلا كاملا عن الناس.
ولكن رجلا له همه عمر، ومشاعره نحو على واهل بيت النبوه لا يقنعه ذلك ولا يكتفى به، فلدى الهاشميين دائما القدره على الخروج من بين الانقاض والبناء من جديد، لذلك اراد عمر ان يجذر المواجهه بين اهل بيت النبوه وبين المسلمين، وان يرسى قواعدها بحيث تصبح مواجهه المسلمين لاهل بيت النبوه ناموسا من نواميس الحياه تنقضى الحياه نفسها قبل ان تنقضى المواجهه، ويجب ان تكون الاجراءات التى يتخذها عمر بن الخطاب لترشيد المواجهه مع اهل بيت النبوه حاسمه وقويه بحيث يكون اهل بيت النبوه دائما هم الطرف الخاسر فى هذه المواجهه، وبحيث يبقى المسلمون فى جهه واهل البيت فى الجهه الاخرى.
خطط عمر لتجذير المواجهه ودوامها:
وضع عمر بن الخطاب بالتعاون مع قياده التحالف مجموعه من الخطط لتجذير المواجهه مع اهل بيت النبوه وجعلها حاله دائمه.
الخطه الاولى: القرابه من النبى:
لما واجه عمر بن الخطاب وحزبه رسولاللّه فى بيته، تجاهل عمر وجود الرسول، ووجه كلامه للحاضرين فقال:
(ان النبى يهجر، حسبنا كتاب اللّه) (1312).
فى سقيفه بنى ساعده، تجاهل عمر وجود اهل بيت محمد، كما تجاهل محمد فى بيته، واحتج بحجه اهل بيت النبوه وهى القرابه من رسولاللّه فقال:
(.. العرب لا ينبغى ان تولى هذا الامر الا من كانت النبوه فيهم، من ينازعنا سلطان محمد ونحن اهله وعشيرته)!!
وقال ابو بكر:
(ان المهاجرين هم عشيره النبى وهم الاولى به..)، هنالك اجماع بين المورخين على صحه هذين القولين (1313).
انت تلاحظ ان قاده التحالف تجاهلوا وجود اهل بيت النبوه واحتجوا بحجه اهل البيت وهى القرابه.
قال الامام ابو جعفر الصادق:
(تمالات علينا قريش حتى اخرجت الامر من معدنه، واحتجت على الانصار بحجتنا..) (1314).
فى دمشق استقبل المنهال بن عمرو الصحابى، على بن الحسين بن على عليهم السلام فقال له:
(كيف امسيت يا ابن رسولاللّه؟)، فقال علىبن الحسين (عليه السلام):
(امسينا كبنى اسرائيل فى آل فرعون، يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءهم.
يا منهال امست العرب تفتخر على العجم بان محمدا منهم، وامست قريش تفتخر على سائر العرب بان محمدا منها، وامسينا اهل بيت محمد ونحن مغصوبون مظلومون، مقهورون، مثبورون، مطردون، فان للّه وانا اليه راجعون على ما امسينا فيه يا منهال) (1315).
ومن النوادر المفجعه حقا، انه عندما ذهب امراء الشام الى ابى جعفر العباسى اقسموا له باللّه، وبطلاق نسائهم، انهم لا يعلمون ان كان لرسولاللّه اقارب!!
وهم يظنون ان اقاربه هم بنو اميه!!
لقد احتج عمر وحزبه بحجه اهل البيت، وصوروا للناس انهم اقارب محمد، واتفقت بطون قريش كلها على بنى هاشم، وصوروا الهاشميين بصوره الابن العاق للعشيره، وصوروا ابتزازهم لحق اهل بيت النبوه بصوره الخلاف العائلى.
وبلغ الاستهتار بقريش حدا انها منعت اهل بيت النبوه حقهم بالخمس بحجه ان قريش كلها قرابه -كما وثقنا-.
وهكذا اخذ عمر وقاده التحالف حجه القرابه من رسولاللّه ودعموها بنصوص تفيد بان الائمه من قريش كما هو مشهور عند القوم، وبما ان حكام الاقاليم هم البارزون فهم عمليا قرابه الرسول الوحيده.
الخطه الثانيه: تداول الخلافه بين البطون وفتح شهيه الجميع لها:
وليجعل عمر بن الخطاب للجميع مصلحه بالوقوف ضد اهل بيت النبوه ومواجهتهم واستبعادهم عن الحياه السياسيه عين ابا بكر ليكون اول خليفه من خلفاء التحالف، وابو بكر من بنى تيم، وصار عمر بن الخطاب هو الخليفه الثانى وهو من بنى عدى، وعين عثمان بن عفان خليفه من بعده وهو من بنى اميه المشهورين بحقدهم على على وعلى الهاشميين لانهم وتروهم.
وفتحت شهيه الانصار للخلافه عندما صرح:
(بانه لو كان معاذ بن جبل حيا وليته واستخلفته) (1316).
وفتح شهيه الموالى للخلافه عندما صرح:
(بانه لو كان سالم مولى ابى حذيفه حيا وليته واستخلفته) (1317)، وسالم هذا من الموالى ولا يعرف له نسب فى العرب!!
وهكذا طمع الجميع بمنصب الخلافه وطيب خاطر الجميع.
فصارت الامه كلها تنافس آل محمد على منصب الخلافه!!
وهذا هو السر فى قدره عمر على التدبير والتخطيط!!
اقتسام المناصب والولايات:
حسم عمر خلافه سريعا مع ابى سفيان الذى كما يبدو كان خارج اللعبه واعطاه ما بيده من الصدقات وفيها حق الفقراء والمساكين (1318).. وعين يزيد بن ابى سفيان قائدا لجيوش الشام، وعين اخاه معاويه نائبا له، فارتاحت نفس ابى سفيان، وشعر الامويون ان لهم مصلحه فى النظام، وانهم شركاء واخذوا يتحينون الفرص للاستيلاء على السلطه كلها، اذ من غير المعقول ان يكون الامر باذل حيين من قريش -على حد تعبير ابى سفيان (1319).
وترك عمر معاويه واليا على الشام يجمع كيفما شاء، ويعمل بما شاء دون رقيب ولا حسيب، وولايه الشام من اعظم الولايات، ولعل عمر بن الخطاب كان يعد معاويه ليتسلم قياده التحالف فى ما بعد، لقياده المواجهه ضد اهل بيت النبوه.
كان ابو سفيان ومعاويه والامويون عامه قوم موتورون وترهم الهاشميون وعلى بالذات، ومن المحال عقلا ان يحب الامويون بنى هاشم.
كما وسلم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص بلاد مصر وجزءا كبيرا من فلسطين، وعمرو بن العاص موتور وتره الهاشميون وعلى بالذات، ومن المحال عقلا ان يحبهم.
وجعل خالد بن الوليد علما من الاعلام، وخالد موتور من بنى هاشم، ومن المستحيل على بطن خالد وخالد ان يحبوا عليا وبنى هاشم، ثم طيب عمر خاطر بنى مخزوم بقوله:
(لو كان خالد بن الوليد حيا وليته واستخلفته) (1320).
وولى المغيره بن شعبه الجزء الاكبر من العراق، والمغيره بن شعبه مشهور بكرهه لبنى هاشم.
واغرق اصحاب الخطر بالعطايا والصلات:
بعدان الغى عمر سنه رسولاللّه التى تساوى بين الناس فى العطاء واحل رايه الشخصى الذى يفاضل بين الناس فى العطاء محلها (1321)، صار عمر يتصرف بمال المسلمين على الوجه الذى يريده، فاعطى اصحاب الخطر من الناس وروسائهم العطايا الجزيله والصلاه العظمى، واعطى روساء الانصار ورجالات قريش واصحاب النفوذ فيهم، وروساء القبائل اعطيات تفوق التصور والتصديق فعائشه ام المومنين نصيبها 12 الفا وحفصه 12 الفا وكل واحده من امهات المومنين عشره آلاف، وصار طلحه والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدبن ابى وقاص وعمرو بن العاص وابو سفيان وغيرهم من اصحاب الحظوه عنده، وهم اصحاب الخطر الذين تحولوا بقدره قادر الى اصحاب ملايين، فطابت نفوسهم، ورضوا بما اعطوا، وشعروا بالفعل انهم شركاء فى النظام، وان حالهم افضل من حال قائد التحالف عمر بن الخطاب الذى الزم نفسه بنمط متواضع من مستوى المعيشه، وصارت من مصلحه هولاء جميعا ان تكون القياده بيد التحالف لا بيد اهل بيت النبوه.
تجاهل عمر بن الخطاب للامام وتصغير منزلته الرفيعه علنا:
لما طعن عمر بن الخطاب، واخذ يتلوى من سكرات الموت، تجاهل تماما وجود الامام على بن ابى طالب فتمنى ان يكون ابو عبيده حيا حتى يوليه الخلافه، وتمنى ان يكون سالم مولى ابى حذيفه حيا ليوليه الخلافه، وتمنى ان يكون معاذ بن جبل حيا حتى يوليه الخلافه، بل وتمنى ان يكون خالد بن الوليد حيا حتى يوليه الخلافه، واكتشف بانهم اموات (1322).
فعندما يقدم عمر بن الخطاب هولاء على ولى اللّه بالنص وقائد الامه بالنص وامام المتقين بالنص وسيد العرب بالنص وسيد المسلمين بالنص، فانه يحقر الامام على بن ابى طالب علنا، ويصغر من منزلته، ويهون امره امام الامه، لقد اكتشف الامام على ذلك فقال يوما متوجعا شاكيا:
(اللهم انى استعينك على قريش ومن اعانهم فانهم قطعوا رحمى، وصغروا عظيم منزلتى، واجمعوا على منازعتى امرا هو لى) (1323).. وقال مره:
(اللهم انى استعديك على قريش ومن اعانهم فانهم قطعوا رحمى، واكفاوا انائى واجمعوا على منازعتى حقا كنت اولى به من غيرى) (1324).. لست ادرى باى موازين يتقدم خالد بن الوليد الذى غير مجرى معركه احد لصالح المشركين على على بن ابى طالب الذى قتل حمله رايات المشركين يوم احد وحمى النبى وانقذ المسلمين من هزيمه ساحقه!!
بل كيف يتقدم عمر نفسه على على بن ابى طالب مع ان عمر هناه بالاماره يوم غدير خم!!
كانت تلك محاولات متعمده لتهيئه الامور وتصغير منزله على باعين المسلمين!!
نفس على الذى اثبتنا بالنصوص الشرعيه القاطعه بانه خيره اللّه من خلقه لخلافه النبى!!
خمسه اسافين ينافسون عليا على الخلافه وذرياتهم تنافس ذريه على:
كان على بن ابى طالب يتنافس مع ابى بكر وحده، وموقن بانه الاولى منه بالخلافه، فاخذ ابو بكر الخلافه بالصوره التى بيناها آنفا، وهو على فراش الموت عهد بالخلافه لعمر بن الخطاب الذى ورث دوله مستقره، وامه مروضه مطيعه، ولما طعن عمر واشرف على الهلاك، فاجا الناس بقوله:
بان الخليفه واحد من سته:
على بن ابى طالب، عثمانبن عفان، عبد الرحمنبن عوف، سعد بن ابى وقاص، طلحه بن عبيد اللّه، الزبيربن العوام!!
وقال عمر:
(هولاء النفر الذى توفى رسولاللّه وهو راض عنهم) (1325).
مثلا لقد كان الرسول راضيا عن الحسن والحسين عندما مات، وكان راضيا عن سعد بن عباده لماذا لم يدخلهم عمر!!
لقد كان الرسول ساخطا على عمر عندما توفى، وكيف لا يسخط عليه وقد قال له:
انت تهجر، ولا حاجه لنا بوصيتك (1326)!!
وكيف لا يكون ساخطا عليه وقد حال بينه وبين كتابه ما اراد.
وهكذا اخرج عمر للمسرح خمسه اشخاص دفعه واحده ينافسون الامام على على الخلافه، ورفع مستواهم الى مستوى الامام وهبط بمنزله الامام الى منزلتهم.
وفى كل وقت يطلب فيه الامام الامامه، سينهضون بوجهه ويقولون له:
نحن اولى منك يا على فما انت الا واحدا من سته حسب ترتيبات امير المومنين عمر بن الخطاب!!
واولادهم سينافسون اولاد على وهكذا نجح عمر باقامه حاله من المواجهه الدائمه مع هولاء السته.
عمر بن الخطاب يعين عثمان خليفه له، والشورى شكل وديكور!!
خليفه عمر معروف قبل ان يطعن عمر، ومعروف من زمن ابى بكر، لما مات ابو عبيده صار عثمان بن عفان هو الرجل الثالث فى التحالف، فاصطفاه ابو بكر واصطفاه عمر ولم يخرج عثمان عن رايهما خلال حياتهما قط.
ولم يذكر ان عثمان قد عارض الاثنين قط، وكان عثمان اول زعيم من زعماء المهاجرين يبايع ابا بكر فلما بايع عثمان ابو بكر، بايعه بنو اميه (1327).
وكان عثمان يدعى فى اماره عمر بالرديف، والرديف بلغه العرب هو الرجل الذى ياتى بعد الرجل والعرب تقول ذلك للرجل الذى يرجونه بعد زعيمهم.
راجع نظام الحكم للقاسمى كما نقلها عن الطبرى من ابتداء معركه القادسيه.
اذا فتلك حقيقه مطلقه ان الثلاثه الذين دخلوا السقيفه قد خرجوا من السقيفه معا مثلما دخلوها معا ورتبوا ان يكون ابو بكر الخليفه الاول، وان يكون عمر الخليفه الثانى، وان يكون ابو عبيده الخليفه الثالث وبموت ابى عبيده وقع اختيار عمر على عثمان لانه من بنى اميه حتى يضمن ان يكون خصم على واهل البيت قوى وقادر على الحاق الهزيمه بهم.
ومن يدقق بالشروط التى وضعها عمر يكتشف ان عثمان معين بالنص عليه من عمر (1328).
راى عمر بالخمسه الذين جعلهم اقرانا لعلى:
قال عمر بن الخطاب لابن عباس:
(لا ادرى ما اصنع بامه محمد؟)، فقال له ابن عباس:
(لم تهتم وانت تجد من تستخلفه؟)، قال عمر:
(اصاحبكم يعنى عليا)، قلت:
(نعم، هو اهل لها فى قرابته من رسولاللّه وصهره وسابقته وبلائه)، فقال عمر:
(ان فيه بطاله وفكاهه)!!
قلت:
(فاين انت من طلحه؟) قال عمر:
(ابن الزهو والنخوه!!)
قلت:
وعبد الرحمن بن عوف قال:
(رجل صالح على ضعف!)
قلت:
(فسعد؟) قال:
(صاحب مقنب وقتال!!
لا يقوم بقربه لو حملها.
قلت:
(الزبير) قال:
(مومن الرضى، كافر الغضب شحيح!!)
قلت:
(عثمان؟) قال:
(لو وليها لحمل بنى معيط على رقاب الناس، ولو فعلها لقتلوه (1329)).
وفى لفظ آخر انه قال عن طلحه:
(انفه فى السماء واسته فى الماء)!!
لو ادرك عمر رجلين ما جعلها شورى!!!
قال عمر:
لو ادركت احد رجلين فجعلت هذا الامر اليه (سالم مولى ابى حذيفه، وابى عبيده الجراح، ولو كان سالم حيا ما جعلتها شورى) (1330).
ان كره عمر بن الخطاب للامام على ولاهل البيت افقده بصره وذاكرته!!
فهو لا يريد ان يرى النصوص الشرعيه التى بينها النبى، ولا يريد ان يتذكر انه قد هنا الامام بالاماره فى خم كما وثقنا ذلك اكثر من مره.
تعليمات عمر للشورى:
امر عمر اصحاب الشورى، ان يتشاوروا فى امرهم ثلاثا، فاذا اجتمع اثنان على رجل، واثنان على رجل، رجعوا فى الشورى.
فاذا اجتمع اربعه على واحد واباه واحد كانوا مع الاربعه.
فان كانوا ثلاثه وثلاثه كانوا مع الذين فيهم ابن عوف (1331).
وقال اليعقوبى (1332) فى تاريخه، والبلاذرى فى انساب الاشراف (1333):
(اذا اجتمع راى اربعه فليتبع الاثنان الاربعه، واذا اجتمع راى ثلاثه وثلاثه فاتبعوا راى عبد الرحمن بن عوف فاسمعوا واطيعوا، وان صفق عبد الرحمن بن عوف باحدى يديه على الاخرى فاتبعوه)، وقال المتقى الهندى فى كنز العمال:
(وان ضرب عبد الرحمن بن عوف احدى يديه على الاخرى فبايعوه) (1334).
والموكد ان طلحه كان غائبا ولم يحضر المشاوره، فيكون بالضروره عثمان وعبد الرحمن بن عوف صهره، وسعد بن ابى وقاص ابن عمه فى جهه، والزبير وعلى فى جهه اخرى.
فعثمان هو الناجح بالضروره، ثم ان الصلاحيات التى خولت لعبد الرحمن تدل بان عبد الرحمن سيفعل ما فعل، وبالنتيجه سيعهد عثمان لعبد الرحمن بن عوف!!
فى ما بعد.
لذلك قال على لعبد الرحمن:
(حبوته محاباه، ليس هذا باول يوم تظاهرتم فيه علينا اما واللّه، ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك) (1335).
الخطه الثالثه: طمس البيان النبوى واخفاوه:
كل الاحاديث النبويه المتعلقه بقياده على من بعد النبى، وبالدور المميز لاهل بيت النبوه، طمست وتم تجاهلها تماما، فقد منعوا روايه وكتابه احاديث رسولاللّه واحرقوا المكتوب منها (1336)، وعند تولى معاويه الخلافه، اباح دم من يروى شيئا من فضل علىبن ابى طالب او اهل البيت، وقاد حمله لوضع احاديث تناقض النصوص النبويه الوارده فى فضل على واهل بيت النبوه (1337).
«وقد وثقنا ذلك وفصلناه»، وبعد ان استرد الناس بعض حريتهم كانت الاحاديث الصحيحه محروقه ومنسيه، والاحاديث المختلطه والمكذوبه بين ايديهم.
الفصل السادس: عمر يضع اساس المملكه الامويه لتقود المواجهه ضد اهل بيت النبوه
كان عمر متيقنا ان عثمان بن عفان يحب اقاربه الامويين حبا عظيما، وانه لو تولى الخلافه فسيجمعهم حوله، ويحملهم على رقاب الناس (1338)، وبالرغم من يقين عمر هذا، الا انه استخلف عثمان عمليا وعينه خليفه من بعده، لان الخليفه متيقن ان البطن الاموى هو وحده القادر بعد وفاه عمر على قياده المواجهه ضد اهل بيت محمد، فالصراع بين الامويين والهاشميين سابق لعصر النبوه، وكانت القياده فى الجاهليه لبنى اميه فجاء الاسلام وجردهم منها، ولما نشبت الحرب بين الشرك والايمان، كان الامويون يقودون جبهه الشرك ضد محمد ودينه، وكان الهاشميون مع محمد، وفى معركه بدر بالذات فتك الهاشميون وخاصه على بن ابى طالب وحمزه ببنى اميه فتكا ذريعا فقتلوا سادات بنى اميه، وكان من جمله المقتولين:
حنظلهبن ابى سفيان شقيق معاويه، وعتبه، وشيبه، والوليد وهم جد معاويه وخاله وابن خاله، مثلما فتك الهاشميون ببنى معيط وابناء العاص عمومه عثمان الاقربين، بمعنى انه ليس فى بنى اميه بيت الا وهو موتور من بنى هاشم ومن علىبن ابى طالب بالذات، مما يعنى ان الامويين يحسدون بنى هاشم، ويحقدون عليهم لانهم سلبوهم القياده، وقتلوا احبتهم (1339).
كان عمر بن الخطاب يعرف كل ذلك، لذلك استخلف عثمان، ليجمع بنى اميه حوله، ليسلط الحقد الاموى، والنفوذ الاموى على اهل بيت النبوه خاصه، والهاشميين عامه، وليمكنهم من قياده المواجهه ضد اهل بيت النبوه، بقصد ابعادهم او استبعادهم نهائيا عن قياده الامه، وقد بدا بنفسه باثاره احقاد بنى اميه.
انظر الى قول عمر لسعيد بن العاص بن سعيد الاموى الذى قتل على بن ابى طالب اباه:
(انى لاراك معرضا عنى تظن انى قتلت اباك) (1340).. فعمر يذكر هذا الاموى بطريقه ذكيه ان الذى قتل والد هذا الاموى هو على بن ابى طالب!!