أما ما يهمنا في هذا البحث الموجز فهو حقوق الجنين. قال الله تعالى: (وَ لاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْـاً كَبِيرًا )(1).
حرّم الإسلام قتل الطفل خشية الفقر قال الله تعالى: (وَ إِذَا الْمَوْءُودَةُ سُـئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنب قُتِلَتْ )(2). لأنَّ بعض قبائل العرب كانت تئد بناتها خوفاً من العار أو الفاقة أو السبي. وقد وصف القرآن الكريم الأب الجاهل الذي يُبشَّر بميلاد ابنة وصفاً دقيقاً فقال: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالاُْنثَى ظَـلَّ وَجْهُهُو مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَ رَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ى أَيُمْسِكُهُو عَلَى هُون أَمْ يَدُسُّهُو فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ )(3).
أما عادة وأد البنات (بمعنى دسّهِنَّ في التراب) فقد انقرضت... ولكنْ مع ذلك فالوأد للآن ما زال للأسف يُمَارسَ في بعض البيوتات بشكل أو بآخر. فالزوج الذي يعتدي على زوجته بالضرب المُبرح، أو يُضارّها بالطلاق، الذي لا يصل في العدد إلى حد (ثم يراجعها) أو يحلف عليها غُبناً بالإيلاء أو يجافيها بالظهار، أو بأي شكل من الأشكال، من غير وازع من ضمير... هذا الزوج إنّما يمارس عملية وأد عصرية.
نعم، والزوج الذي يعتدي على زوجته دون حق كذلك يئد "البنات"، لأنَّه يقتل فيها الإحساس بالكرامة واحترام الذات، والحب والحنان والاستقامة والطموحات الخلاَّقة. والزوج الذي يُحدّد النسل خوفاً من أَنْ تلد زوجته بنتاً أخرى، كذلك يئد البنات، ويقتل الأولاد، إذا كانت ظروفه المالية والاجتماعية حسنة. والزوج الذي
____________
1- الإسراء: 31.
2- التكوير: 9.
3- النحل: 58 ـ 59.
وفي القرآن الكريم إشارة وتحذير للنساء اللائي يُفكّرن في قتل أولادهن، قال الله تبارك وتعالى: (يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَـتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْـاً وَ لاَ يَسْرِقْنَ وَ لاَ يَزْنِينَ وَ لاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَـدَهُنَّ وَ لاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَـن يَفْتَرِينَهُو بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوف فَبَايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(1).
وبهذا يكون الكاتب قد جمع ما بين ما ورد في القرآن الكريم من اشارات كثيرة في عظمة الخلق وبين ما يقوله الطب الحديث في ذلك، وقدم مزيجاً مباركاً يوضح عظمة القرآن، ويدلل على انه الكتاب الإلهي الخالد الذي فيه تبيان كل شيء، فبعد أربعة عشر قرناً لازال يقدم للعلماء ما يبهر عقولهم، وصدق الله العلي العظيم حيث يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفاً كَثِيرًا )(2).
____________
1- الممتحنة: 12.
2- النساء: 82.