(10) حسين الرجا
(شافعي / سوريا)
ولد عام 1945م في سوريا، بمحافظة ديرالزور، قرية حطلة، ترعرع في عائلة شافعية المذهب وصوفية المسلك ينتهي نسبها إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليهما السلام)، تتلمذ على يد أحد الملالي ودرس عنده القرآن الكريم والفقه الشافعي والعقيدة الأشعرية، ثم التحق بمعهد الهداية مدّة خمس سنوات انتسب بعد ذلك إلى الطريقة القادرية الصوفية وعمل بها كمجاز من نقيب الاشراف في بغداد.
ترك المذهب الشافعي حوالي عام 1984م واعتنق مذهب أهل البيت، اثر البحث الذي اجراه في كتب المذاهب طوال أربعة اعوام.
بداية التعرّف على التشيع:
يقول السيد حسين، كان أحد أبناء قريتي يخدم في الجيش السوري برتبة مساعد، وقد أثر عليه بعض زملائه الشيعة في الجيش، وهو بدوره أيضاً أثر على بعض أفراد القرية.
فسمعت بهم وزرتهم طلباً للتعرّف على مذهبهم، فلم أجد عندهم في البداية ما يقنعني. فابتعدت عنهم وأخذت أحذّر الناس من الالتحاق بهم.
وفي السنة الثالثة حاولت أن اكتشف مظلومية أهل البيت عليهم صلوات الله في التواريخ المختلفة، وفي السنة الرابعة كنت حيراناً معذباً أقدّم رجلاً وأؤخر أخرى، كنت في حالة شك كبيرة، باعتبار أنني شككت في المذهب السني، ولم أكن أرى من رجوع اليه، وكنت أرى أحقية التشيع.
معاناة مرحلة التحول:
يقول السيد حسين: كانت دراستي خلال المقارنة بعيدة عن الهوى والتعصب والطائفية والعواطف، وكنت حذراً حاضر الذهن دقيق الملاحظة غير متسرع في الحكم، فآمنت بأهم المسائل العقيدية والمذهبية مسألة مسألة.
ويضيف السيد: وباعتبار أن مثل هذا الانتقال صعب وشائك جَعَلَتْ الرياح تعصفني يميناً وشمالاً، فتعثر لساني وتردّد قلبي وكأن أمواجاً تتجاذفه، موجة للدين وموجة للدنيا، لأني عالم بأن تشيعي سيكون على حساب مصلحتي وسمعتي وكرامتي عند بعض الناس وحجب ثقتهم عني وتفرقهم من حولي.
فأصبحت أسير الامتحان في سجن الابتلاء في لحظات لا مناص لأجل
ولقد استشرت رجالاً من أبناء قريتي وعمومتي ممن أثق بهم فسكت بعضهم وعارض البعض الآخر، وكل ذلك كان سرّاً.
اعلان التشيع وردود الفعل:
بعدما تيقنت بأحقية مذهب الأطهار من آل محمد عليهم الصلاة والسلام، اتخذت قراراً لارجعة فيه، فأعلنت تشيعي بكل ثقة، وكان ذلك عام 1984 هـ.
وعلى اثر ذلك تفرق الناس من حولي وخلعوا بيعة الطريقة واساؤا الظن وحكموا عليّ بأحكام لم يرض بها الله تبارك وتعالى.
فبعض الناس شمت وشتم، فاصبحت هدفاً للسهام وعبرة لمن يعتبر ولا مشاحة هنا، فإن الناس أعداء ما يجهلون، وبعضهم أعذرني ولكن باعتقاد أنني مجنون، وبعضهم يقول: إنه سياسي يستتر بالدين، وبعضهم يقول: أنه ترك دينه لأجل الأطماع، وبعضهم يقول أنه لا يستطيع أن يرجع إلى دينه فلو رجع فالشيعة يقتلونه، وللأسف الشديد أن مثل هذه الهراءة يطلقها أحد السماحات، وبعضهم ظن أنني أبحرت في العلم فاختلط أمري، وذلك انطلاقاً من المقولة الشائعة بين الناس: أن العالم عندما يبعد في خوض العلم يدخل على عقله.
المضايقات بعد الاستبصار:
يتحدث السيد حسين حول المضايقات التي لاقاها بعد الاستبصار قائلا:
"على أعقاب أن انغرست بذرة التشيع وتجذر جذعها وعلت
موقفه بعد الاستبصار:
صمد السيد حسين ازاء جميع الضغوط التي لاقاها من أبناء مجتمعه، ثم تحمل جميع الاجواء الخانقة التي فرضها عليه المخالفين، فلما هدأت الأوضاع شرع السيد بعمله التوجيهي لنشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
فيقول السيد في هذا المجال: بدأنا نأتي بالمبلغين في رمضان وعاشوراء، وبدأنا ندعو الناس ونصادقهم ونبث فيهم التوعية الإمامية من خلال أخلاق عالية وروح طيبة، فبدأ الوضع يتغير ويميل لصالحنا.
مواصلة البحث والتعلم:
لم يكتف السيد حسين بما تعلمة نتيجة الدراسة التي تصدى لها بنفسه من خلال مطالعة الكتب، بل التحق بعد الاستبصار بالحوزة العلمية بدمشق وتلقى فيها دروساً حوزوية لمدة سنتين، ثم تابع مسيرته الدراسية في الجامعة العالية للعلوم الإسلامية في لندن.
ثم انجز الكثير من المشاريع الإسلامية والخيرية، وهو لا يزال ساعياً نحو انجاز الكثير منها مثل: بناء العديد من المساجد والحسينيات في شتى المناطق وذلك بالتنسيق مع الحوزة العلمية الزينبية في دمشق.
مؤلفاته:
(1) "دفاع من وحي الشريعة" (ضمن دائرة السنة والشيعة):
صدر عام 1420، عن مؤسسة السيدة زينب الخيرية ـ بيروت ـ لبنان.
والكتاب هو مناقشة لأدلة أهل السنة والتي بموجبها يتحاملون على الشيعة، ويبتعدون عن التشيع، يحتوي على مقدمة وخمسة فصول.
المقدمة: مقدمات في مساري العقيدي وسيري الخلقي.
الفصل الأول: الشيعة والصحابة.
الفصل الثاني: المسلم لا يكفّر بلا موجب.
الفصل الثالث: أهل السنة والصحابة.
الفصل الرابع: أقسام الصحابة.
الفصل الخامس: الصحابة كما جاؤوا في احاديث الشطط.
وقفة مع كتابه ((دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة))
يتناول الكاتب في كتابه هذا قضية صحابة الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله) التي اختلف فيها السنة والشيعة، حيث يعتقد السنة بعدالة كل الصحابة دون استثناء وقد نص ابن حزم على أنّهم جميعاً في الجنة(1)، وصرح الآلوسي بأنّهم: "كلهم أنقى من ليلة القدر"(2) التي هي خير من ألف شهر.
بينما لا يعتقد الشيعة بعدالة كل الصحابة، بل يقسمونهم إلى عدّة أصناف، ففيهم المؤمنون حقاً، وفيهم ضعاف الايمان، وفيهم الشكاكون، وفيهم المنافقون.
من هو الصحابي؟
عرف علماء أهل السنة الصحابي، واختلفوا في حده، فآثر المتأخرون مذهب المحدثين على الأصوليين لأنّه أكثر شمولا ليدخل تحت اسم الصحبة عشرات الالوف من الذين رأوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولو مرّة واحدة، لذلك عرفه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم قائلا: "ومن صحب النبيّ أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"(3)، ويرد عليه ايرادات لانّه لا مانع ولا جامع(4)، وقال جمهور المحدثين: "هو من لقي النبيّ يقظة مؤمنا به بعد مبعثه حال حياته
____________
1- الاصابة لابن حجر العسقلاني 1: 19.
2- صحابة رسول الله للكبيسي نقلاً عن الاجوبة العراقية: 10.
3- صحيح البخاري: ج2 باب فضائل الصحابة ت. د. بغا. ما قبل ح 3449 ص 1246.
4- تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي للسيوطي: 2 / 209.
ويدخل في الصحبة الصبيان بشرط التمييز، كما نص عليه يحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود وغيرهم، ونقل السيوطي عن العراقي صحبة الجن المؤمنين "لان الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة"(2)، وقد بلغ عدد الصحابة (124000) نفر كما صرح الشيخ أبو زرعة الرازي(3).
تكفير الشيعة بسبب الصحابة:
أطلق الكثير من أخوتنا أهل السنة كلمة الكفر على المسلمين الشيعة، فتفوه بها الشارد والوارد، ولاكها الجهلة بأنياب حدد، وعركتها ألسن البعض حقابا من الزمن، جرى ذلك على لسان مالك بن أنس(4) في إحدى الروايتين (ت 179هـ)، ومحمد بن يوسف الفرياني(5) (ت 212 هـ)، وأحمد بن حنبل(6)(ت 241هـ) في إحدى الروايتين، وأبي زرعة الرازي(7) شيخ مسلم (ت 264هـ)، والطحاوي(8) (ت 321هـ)، وعبد العزيز الحنبلي(9) (ت 363هـ)، والقاضي حسين الشافعي(10) (ت 462هـ) في احد الوجهين، والخطيب
____________
1- انظر المصدر السابق وكتاب صحابة رسول الله للكبيسي نقلا من محاضرات في علوم الحديث: 1 / 131.
2- تدريب الراوي للسيوطي: 2 / 209 ـ 210.
3- الباعث الحثيث لابن كثير ص 185 وغيره.
4- الصواعق المحرقة ص 210 تفسير ابن كثير: 4 / 204.
5- الصواعق المحرقة: 258.
6- الصواعق المحرقة: 255 ونقله الكبيسي عن الصارم المسلول لابن تيمية: 571.
7- الصواعق المحرقة: 211 وانظر مقدمة محب الدين الخطيب على العواصم من القواصم: 34 والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 1 / 18.
8- صحابة رسول الله للكبيسي نقلا عن العقيدة الطحاوية: 528.
9- صحابة رسول الله للكبيسي نقلا عن طبقات الحنابلة: 1 / 119.
10- الصواعق المحرقة: 260.
ومن المتحاملين المعاصرين الشيخ نوح الحنفي(12)، ومحب الدين الخطيب(13)، وابن الجبهان(14)، وموسى جار الله التركستاني(15) (ت 1369هـ)، وإحسان إلهي ظهير(16).
____________
1- حيث نقل عن أبي زرعة وسكت عليه ونقله ابن حجر العسقلاني في الاصابة في تمييز الصحابة: 1 / 18.
2- صحابة رسول الله للكبيسي نقلا عن اصول السرخسي: 2 / 134.
3- صحابة رسول الله للكبيسي نقلا عن اصول السنة للحميدي: 2 / 546.
4- الصواعق المحرقة: 257.
5- صحابة رسول الله للكبيسي نقلا عن الجامع لاحكام القرآن: 16 / 297.
6- الصواعق المحرقة: ص253 وما بعدها.
7- الصواعق المحرقة: 258.
8- المصدر السابق.
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- المصدر السابق.
12- الفصول المهمة لعبد الحسين شرف الدين في الرد على الفتاوي الحامدية والتي نقحت بإمضاء الشيخ نوح الحنفي: 143.
13- مقدمة العواصم من القواصم لمحب الدين الخطيب: 34.
14- قاطع البرهان في الرد على ابن الجبهان لأحمد بن عزيز الفالي: 3 وما بعدها.
15- انظر الشيعة بين الحقائق والأوهام في الرد على وشيعة موسى جار الله للسيد محسن الأمين: 448 وغيرها.
16- انظر كتاباته عن الشيعة.
قول الله ورسوله:
قال تعالى: (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَـمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا)(3)نستفيد من هذه الآية الكريمة أنه يحرم على المؤمنين أن يقولوا لمن ألقى إليهم تحية الإسلام او أظهر الانقياد بكلمة الشهادة التي هي امارة على الإسلام ـ لست مؤمنا فإن شكوا أنه يتقي فليتبينوا فإن ظهر صدقه فهو أخو الإسلام قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(4). وكذلك نسترشد من هذه الآية الكريمة أن المؤمنين بقلوبهم وألسنتهم أخوة في الدين ويجب عليهم ان يصلحوا بين أي طائفتين منهم عند الشقاق ولا يجوز تكفير أي منهما إلا إذا كان الإمام الشرعي في احديهما فتكفر الثانية حتى الإفاءة وذلك حكم عام في الشقاق سواء كان لمصلحة دنيوية او اعتقاد في الدين لأن كليهما مكمن للتشتت والتمزق.
فالتكفير داء في الدنيا والآخرة والإصلاح دواء قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أيما امرىء قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)(5) فالحكم المستفاد هنا أنه يحرم التكفير بلا موجب ومن استحل ذلك من
____________
1- الصواعق المحرقة: 257.
2- صحابة رسول الله في الكتاب والسنة لعيادة أيوب الكبيسي نقلا عن الأجوبة للآلوسي: 50.
3- النساء: 94.
4- الحجرات: 10.
5- صحيح مسلم بشرح النووي ج1 جزء 2 ص 94.
وبعد ذلك يأتي من لا علم له من اخوتنا أهل السنة ـ أوله علم ولكنه يغالط ـ فينتقد بمر الانتقاد ويحلو له القول مشيرا إلى من يوحد الله ويسجد له هذا شيعي والشيعة كفرة حتى وان كانت عين المغالط تبصره يصلي ويصوم وان كان يعلم ان هذا المسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.
هذا كله يجري بحجة ان الشيعة يسبون الصحابة وينكرون خلافة الشيخين والغريب في الأمر أن المغالط يصدر احكاما جزافا يخرج بها على إجماع الجمهور من أهل السنة حيث اجمعوا على ان خلافة الشيخين بل مطلب الخلافة مطلقا ليس من أركان الإيمان الستة: 1 ـ الإيمان بالله. 2 ـ وملائكته. 3 ـ وكتبه. 4 ـ ورسله. 5 ـ واليوم الآخر. 6 ـ والقدر خيره وشره. ولا من اركان الإسلام الخمسة: 1 ـ الشهادتان. 2 ـ والصلاة. 3 ـ والزكاة. 4 ـ وصوم رمضان. 5 ـ وحج البيت من استطاع اليه سبيلا.
وهذا الحكم غيره في علي بن أبي طالب إذ ذاك حبه وخلافته من الإيمان كما صرح بذلك مسلم حيث وضعه في ابواب الإيمان عنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأمي(صلى الله عليه وآله) إلي ان لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق)(1).
وعلى افتراض أن أحدا من المسلمين تورط في سب بعض الصحابة فليس هو من الكفر والفسق في شيء وإلا فإن توهمنا ذلك فقد حكمنا على الكثير من الصحابة الكرام بالكفر لا سمح الله لأنهم تعرضوا للسب فيما بينهم ومنهم وعليهم.
____________
1- صحيح مسلم بشرح النووي ج1 جزء 2 ص 64.
وهذه بعض النصوص التي تثبت أن المسلم لا يكفر بلا موجب:
الحديث الأول:
إنّ أول من استعمل وعمل بالشتم والسباب وأفتى بقتل نفس بلا نفس وبلا موجب بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو عمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة، روى ذلك ابن قتيبة واليعقوبي وابن كثير وابن جرير، واللفظ له قال:
"فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبابكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطؤوه فقال: عمر اقتلوه قتله الله ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أنا اطأك حتى تندر عفوك فأخذ سعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة)(1). وفي البخاري قال عمر: (قتله الله)"(2).
تأمل أخي المسلم فهذا عمر ينال من سعد بن عبادة، يشتمه وينتقصه ويفتي بقتله، وهاهم المسلمون عبر الأجيال المتتالية والقرون المتعاقبة وعلى رأسهم حملة الشريعة ولواء الاستنباط والفتوى لم يتفوه أحد منهم بأن هذا الشتم ـ الذي يرافقه الافتاء بالقتل ـ هو كفر أو يؤول إلى الكفر، رغم أنه لا يحل دم امرىء مسلم إلا بشرط ومن شرطه النفس بالنفس والكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان، ولكن المكفرون يأبون إلا أن يحكموا بالكفر في أي مسلم تورط في سب أدنى صحابي..!
والذي نراه في تشريعات السماء وقوانين المفكرين وحكَّام التعقل ومقلدي الأعراف الكريمة في كل مجتمع كريم: أن السباب أخف جرماً وأقل جريرة من الشتم زائد حلال الدم الحرام، فما الفرق بين الحادثين فهل الله يحابي من ذنبه أكبر من مناط الحكم ويفرق بين الْحُكمْمين وان اتحد الموجب كما يصنع اللامعصوم
____________
1- الامامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 17 اليعقوبي: 2 / 124 الكامل لابن الاثير: 2 / 328 تاريخ الامم والملوك لابن جرير الطبري: 3 / 258.
2- صحيح البخاري ج2 ت. د. بغا. باب لو كنت متخذا خليلا ح 3467 ص 1253.
وفي منطق الشرع والعقل يجب أن يكون الحكم عادلاً، له مصداقية من الواقع وأن يلتزم المسلم بما يُلْزِمُ به غيره ليكون على الأقل منطقياً مع نفسه وإلا فهذا الحكم من باب اُلزِمُك بما لا التَزِمُ به، ولو قيل أن عمر بن الخطاب أفتى بالقتل غاضباً قاصداً نقول: يتم ذلك لو لم يرد في التاريخ انه نفَّذ ما أفتى به(1).
الحديث الثاني:
روى أحمد في المسند أنه: "أغلظ رجل لأبي بكر.. فقال أبو برزة ألا أضرب عنقَهُ؟. قال فانتهره وقال ما هي لأحد بعد رسول الله"(2).
وجه الدلالة في الحديث أنه من سب النبي(صلى الله عليه وآله) أو انتقده أو انتقصه ولو هازلاً أو تكلم بما يؤول إلى ذلك فإنه يكفر وذلك باجماع المسلمين، وأنه من سب صحابياً فلا يكفر ولا يفسق وانما يحرم سب الكثير منهم في الكثير من الموارد هذا كله في غير قربى رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ولكن المتشددين من اخوتنا أهل السنة أعذروا من أغلظ لأبي بكر وكفروا من صنع مثل صنيعه، ومما يلفت النظر حقا ازدواجية الشيخ أبي زرعة الرازي حيث قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق... وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"(3) ثم اتخذ اخوتنا أبناء العامة فتوى أبي زرعة وكأنها آية نزل بها جبريل على قلبه، فيالها من بلية عمت وأعمت.
____________
1- انظر: الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والأحداث: 132، نقلا عن انساب الأشراف والبلاذري: 1 / 589، وانظر الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي: 11.
2- مسند أحمد حديث أبي بكر ج1 ح 55 ص 18.
3- الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 1 / 18 نقلا عن الخطيب البغدادي في الكفاية.
1 ـ قول: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق) غلط فادح لأن الزنديق من الثنوية أو القائل بالظلمة والنور أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو يبطن الكفر ويظهر الإيمان(1)، فالزندقة لا تنطبق على المسلم الساب والشاتم لا كلا ولا بعضا ولا الانتقاص من مصاديقها وحتى لو كان السباب من مصاديقها لم تكن لأنه أظهرها. وعليه يكون أبو زرعة حكم على المسلمين دون أن يشق قلوبهم بما لم يحكم به الله ورسوله.
2 ـ قوله: (يريدون أن يجرحوا شهودنا). عثرة لا تقال ولقد فات أبا زرعة أن الصحابة شهود لكل المسلمين وليس لطائفة دون أخرى وليس الأمر عضالا، اللهم إلاّ إذا جرحنا (124) ألف صحابي ونعوذ بالله من ذلك، ولهذا عمر بن الخطاب وغيره جرحوا الكثير من الصحابة ومنهمه أبو هريرة ولا تثريب على الجارحين ولا اشكال رغم أنهم جرحوا أعظم شاهد من شهود الشيخ أبي زرعة، والذي يحز في القلب أنه لم يرفض حديث المجروح مثل أبي هريرة ولم يخطىء الجارح مثل عمر ابن الخطاب وما ذلك إلا ازدواج وكسر لا جبر بعده.
3 ـ قوله: (ليبطلوا الكتاب والسنة) فالذي نراه ونؤمن به أن الخوف على الكتاب والسنة واجب على كل مسلم، وباعتبار أن خوف الشيخ أبي زرعة أكثر من غيره فمن حقنا أن نسأل من أين دخل الخوف على قلبه وما هي أسبابه؟ ألم يقرأ القرآن فيطمئن لقوله الله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُو لَحَـفِظُونَ)(2).
____________
1- القاموس المحيط: 3 / 243.
2- الحجر: 9.
وإن كان الخوف استولى على قلب الشيخ أبي زرعة غيره على السنة فهو واجب على كل مسلم، ولكن ليس بتكفير المسلمين وإنما بأخذها عن العدل الضابط عن مثله عن المعصوم، ورحمة الله على عمر بن الخطاب فإنه هو الذي تولى جناية المنع من كتابة الحديث ولولاه لما اختلف اثنان في سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فهو الذي أصدر المرسوم المبتكر ورسول الله في مرض الموت، حيث قال: (هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر: أن النبي(صلى الله عليه وآله)قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا... ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي... قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): قوموا)(1) ومعنى غلبه الوجع أي أن النبي يهذو.
وعلى كل حال استمر عمر بن الخطاب يمنع من كتابة الحديث والتحدث بما لم يسمعه هو في عصر النبي(صلى الله عليه وآله)، واستمر الحال خلفا عن سلف نحوا من (90) سنة هجرية فاختلط حابل السُّنة الشريفة بنابلها من كثرة الكذابين، هذا هو السبب في اضطراب السنة واختلاطها وتعارضها لا لأن مسلما انتقد صحابيا، أليس كذلك يا شيخنا؟!
وعلى أية حال قد تهاوت كواكب السنة بأحد العمرين واعزها الله بأحد العمرين، حيث بعث الله عمر بن عبد العزيز حيث كتب إلى عامله أبي بكر محمد بن عمر بن حزم: "انظر ما كان من حديث رسول الله... فاكتبه فإني قد خفت دروس
____________
1- البخاري ت. د. بغا. ج4 باب قول المريض قوموا عني ح 5345 ص 21207.
4 ـ جرح الشهود الذي يخيف أبا زرعة لا علاقة له لازمة بالانتقاص، لأن الجرح حالة متلبس بها المجروح وهي غير الجارح وغير الساب، فكم من مجروح مسكوت عنه ومرضي عليه، وكم من ولي من أولياء الله يسب على المنابر عشرات السنين كما وقع لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فالسباب بما هو هو لا يجرح، نعم قد يلتقي بالمجروح في كثير من الموارد ويفترق في كثير منها ولأن الصحابة كل منهم تعرض للسب منه وعليه ولم يكن جرحا بما هو سب وإنما العامل هو الحالة المتلبس بها المجروح كما قلنا فعلى ضوئها يجرح ويترك حديثه(2).
5 ـ الشيعة يقولون بعدالة الالوف من الصحابة وهو عدد كاف وكفيل بايصال الكتاب والسنة إلى الاجيال، وباعتبار أن الشيخ أبا زرعة كلف نفسه مهمة احصاء الصحابة ـ واعطى الرقم الاخير (124) ألف صحابي لا زيادة ولا نقصان وتباكى على عدالة جميعهم حفاظا على الكتاب والسنة، وكفر من سبّ صحابيا واحدا ـ نقول له ولمن قلد فتواه: "إن جميع من صنف في الصحابة لم يبلغ مجموع ما في تصانيفهم عشرة آلاف مع كونهم يذكرون من توفى في حياته(صلى الله عليه وآله) وعاصره أو ادركه صغيرا"(3) وعلى هذا فلو أن مسلما نال من 114 ألف منهم لا يكون جرحا لأن هذه الأعداد الهائلة لم يصلنا منها ولا حرفا واحدا من الدين، على أنه نفس العشرة آلاف الكثير منهم لم يرو لنا إلا الحديث أو الحديثين والكثير لم يرو ولا حديثا واحدا، والكثير عد في الصحابة وليس منهم والكثير اختلف في صحبته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
____________
1- طبقات ابن سعد: 2 / 387 ترجمة عمرة بنت عبد الرحمن.
2- انظر علوم الحديث د. صبحي الصالح: 45.
3- تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي للسيوطي ج1 جزء 2 ص 221.
الحديث الثالث:
روى الإمام أحمد: "أن رجلا شتم أبابكر والنبي جالس فجعل يعجب ويبتسم..."(1).
إنّ هذا الحديث لم يصرح بالشتم الموجه لأبي بكر لا نوعا ولا كما ولا كيفا، غير إننا لا نشك بأن الشتم بحضرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع سكوته انتقاص للمشتوم، وأن ذلك لم يؤذ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بل أعجب إعجابا ترافقه ابتسامة نبوية شريفة.
وعلى أية حال فهذا رسول الله لم يقل للرجل أنت كفرت أو فسقت لأنك شتمت صاحبي أبابكر وشتمه يؤذيني ومن يؤذيني يكفر أو يفسق، لم يستعمل(صلى الله عليه وآله)هذه المقدمات أصلا توصلا إلى نتيجة هي تكفير الرجل لأنه(صلى الله عليه وآله) لم يؤمن بالرأي والقياس الفاسدين كما صنع الكثير من المسلمين، ولأنه لا علة جامعة بين الساب والمسبوب وبين رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإلاّ فلو صح ذلك لحكمنا على كل المسلمين بالكفر لأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتأذى من كل الاعتداءات الظالمة والمعاصي من أمته، وهذا كله بخلاف من سبّ آل محمد(صلى الله عليه وآله) فإنه يكفر لأنهم منه حقيقة، وكما نطق بذلك الوفر الهائل من النصوص الذي ليس هنا محله وإنما نكتفي بضرب مثال واحد للفارق بين آل محمد(صلى الله عليه وآله) وبين غيرهم فاقرا وتأمل.
رسول الله(صلى الله عليه وآله) مثل الشمس وآله من المعصومين مثل نورها وحرارتها من حيث الضوء والدفء.
والصحابة مثل الأرض ولا شك أن الأرض هي غير الشمس وغير نورها وحرارتها ولا تستقيم حياة الأحياء، بل ولا الأرض تعطي الحياة مع غياب الشمس وتجلياتها لفقدان شرط من شروط تجلي الحياة.
____________
1- مسند أحمد: 3 / 167 ح 9341 من حديث أبي هريرة.