وكما ورد في قوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَــلَمِينَ )(3)، وهنا إثبات لا شك فيه أن المقصود من كل ما ذكرناه سالفاً هم آل بيت محمد(صلى الله عليه وآله)لقوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى)(4).
كما أن القرآن ينص على ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) في قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(5).
ويضيف الاستاذ خالد: ومن هنا ايقنت بأن الحق مع أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، ثم ترسّخت عقيدة التشيع في قلبي بعدما تبيّنت لي عظمة أهل البيت(عليهم السلام).
مرحلة الاستبصار:
يقول الاستاذ خالد: ثم قرأت كتباً شيعية هزت اعماقي ككتاب النص والاجتهاد للعلامة شرف الدين، والذي جمع فيه الكثير من اجتهادات الصحابة، وبيّن أسباب الاختلافات في الأحكام التي يظن البعض أنّها من عند الله تعالى،
____________
1- النساء: 54.
2- الانعام: 90.
3- الانعام: 90.
4- الشورى: 23.
5- المائدة: 55.
ومن هذا المنطلق اعلن الاستاذ خالد استبصاره وانتماءه لمذهب أهل البيت، ثم وطّن نفسه لنشر هذا المذهب وذبّ الشبهات عنه.
مؤلفاته:
(1) "القضاء المنظر أو كشف الغطاء عن أهل السماء": مخطوط.
وسيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.
قال المؤلف في المقدمة: "قد كان ممّا قدّره الله تعالى على ابليس وحزبه أن يكونوا من المنظرين إلاّ عتاة الظالمين كالفراعنة ومن على طريقتهم ألاّ يكونوا من المنظرين، فيجعل الله تعالى عليهم العذاب، ونحن كمسلمين نعيش بينهما ولا يدري أكثرنا ما هو سبب إمهال الله تعالى للظالمين، وهل هو إمهال من الله، أم ترك لهم، أم نحن مخطئون ونعاقب، وتركنا الله عزوجل نموج في بعضنا البعض، فهذا الكتاب يبين هذا الأمر وهو انتظارهم ليوم الوقت المعلوم، وهو خروج امام آخر الزمان".
يحتوي هذا الكتاب على عدة مواضيع منها: الدعوة للنظر والتأمل، السبيل مقطوع أمام اعداء الرسول والأئمة، أولا: ابليس وبعضه من حزبه منظرين، ثانياً: الأمم الغير منظرة من حزب ابليس، هل ينظرون إلاّ تأويله وهو قيام قائم آل محمد.
(2) "الفتن، ما ظهر منها وما بطن".
وهو كتاب يبحث حول الدجال وكيفية محاربته لآل محمد(صلى الله عليه وآله).
(3) "توحيد أمير المؤمنين".
(4) "الدين القيم" مخطوط.
وهو كتاب يبحث حول كل جزئية في العقيدة من خلال القرآن.
(5) "تفسير القرآن" مخطوط.
وقد بين المؤلّف في هذا الكتاب أن كل ما قاله آل البيت من غرائب التفسير ما هي إلاّ بيان للقرآن بالقرآن، وقد اثبت من خلال الآيات القرآنية أحقية آل البيت بالامامة.
وقفة مع كتابه: "القضاء المُنظر"
يتناول الكاتب في كتابه هذا قضية عقائدية تخطر في بال معظم الناس وهي لماذا تكون السيطرة والغلبة لدول الظلم في هذه الدنيا؟ ولماذا لا تنتقم يد العدل الإلهية من الظالمين ـ خصوصاً مع انتهاكهم الحرمات وقتلهم الأنبياء والأئمة ـ ولم لا تقضي عليهم لتشفي غيظ قلوب المؤمنين والمستضعفين والمعذبين، ثم ما هي فلسفة إنظار الشيطان إلى يوم يبعثون، وهو الذي أغوى آدم أبو البشر، وأخرجه من الجنة، وأقسم على غوايه أبناءه؟ ثم لماذا يُنظر بعض حزبه معه إلى يوم القيامة؟ وهل انه هناك انتقام من الظالمين في هذه الدنيا قبل الآخرة؟ وإذا كان فكيف سيكون؟ هل سيكون على يد الامام صاحب الزمان عجل الله فرجه؟
هذه بعض الاسئلة التي يدور حولها هذا البحث الذي فيه جانب من العدل الالهي، وجانب من التخطيط الرباني لهذه الخليقة، كما انه يمس في بعض جوانبه المعاد والحشر والنفخ في الصور، وعقيدة الرجعة وعقيدة الامام المنتظر وغيبته ثم ظهوره وحروبه أو حروب آخر الزمان، وخاصة معركة الهرمجدون كما يسميها أهل الكتاب والتي يرى الكاتب أنه قد اشير إليها في سورة المرسلات من القرآن الكريم.
هذا وقد اعتمد الكاتب في بحثه للاجابة عن التساؤلات المتقدّمة على آيات القرآن الكريم، فكان بحثه قرآنياً يربط فيه بين الآيات ليستنبط منه المعاني والأفكار التي ترتبط بالبحث، ويصل بها إلى النتائج المطلوبة التي كان فيها بعض الجدة، كما لم يخل اسلوب البحث عن ابتكار في الربط وظرافة في الاستنباط.
القضاء المُنظر:
يقصد الكاتب من كلمة "المُنظر" بمعنى "المؤجل"، فهو يبحث في القضاء المؤجّل على إبليس وحزبه كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )(1)، وكذلك قوله تعالى: (كَذَ لِكَ سَلَكْنَـهُ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ى حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاَْلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَ هُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ )(2)، ويستدل الكاتب بهذه الآيات وغيرها على أن بعض الكافرين منظرون إلى يوم الفتح الذي يشير إليه قوله تعالى: (وَ يَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِيمَـنُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ)(3)، وهذا الفتح يكون على يد قائم آل محمد سلام الله عليهم وعجل الله فرجه الشريف وهو امام آخر الزمان الذي يسلّطه الله على الظالمين بسيف النقمة فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
وتدل الآيات القرآنية والروايات عن أهل البيت(عليهم السلام) انه لا ينتقم فقط من ظالمي آخر الزمان فقط، بل انه ينتقم من ظالمي الزمان المتقدم الذين يرجعون إلى الحياة الدنيا بقدرة الله تعالى للانتقام منهم في هذه الدنيا قبل الآخرة، وهكذا شاءت العدالة الالهية أن تتحقق العدالة ويُنتقم من الظالمين في الدنيا وفقاً لحكمته تعالى في تدبير الكون والخلق.
____________
1- الحجر: 36 ـ 37.
2- الشعراء: 200 ـ 204.
3- السجدة: 28 ـ 30.
الهرمجدون وسورة المرسلات:
يسمي أهل الكتاب معركة آخر الزمان بـ (معركة الهرمجدون)، وفقاً لما ورد في كتبهم، وهي معركة مصيرية تكون بين المسلمين والغرب، وقد كثر الحديث عنها أخيراً في الكتب ووسائل الاعلام الغربية، ويرى الكاتب ان في سورة المرسلات إشارات إلى هذه المعركة الفاصلة التي يساند الله فيها المسلمين برسله من الملائكة، وكذلك رسله من الإنس إشارة إلى ما ورد في الروايات من نزول عيسى(عليه السلام) في آخر الزمان ونصرته للإمام المهدي(عليه السلام).
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لاَِىِّ يَوْم أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ )(1)، وكذلك قوله تعالى: (انطَـلِقُواْ إِلَى ظِـلّ ذِى ثَلَـثِ شُعَب * لاَّ ظَـلِيل وَ لاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَر كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَــلَتٌ صُفْرٌ )(2).
والظاهر ان هذه الأوصاف هي ليوم القيامة، لكن يرى الكاتب أنها يمكن ان تشير إلى ملاحم آخر الزمان في الدنيا قبل الآخرة، ويورد القرائن والادلة على ذلك من آيات اخرى من القرآن الكريم.
الحشر والنفخ في الصور:
يتحدث الكاتب مستدلا بآيات القرآن الكريم عن الحشر وتتابع مراحله وكيفيتها، كما يتحدث عن النفخ في الصور بنفخة الصعق ونفخة البعث، ويتحدث أيضاً عن نفخ الروح والحياة في الانسان ويقارن بينها، ويوضّح صفاتها وكيفية
____________
1- المرسلات: 11 ـ 14.
2- المرسلات: 30 ـ 33.
وهو في خلال ذلك كله يوضح مكانة آل بيت محمد(عليهم السلام) وتكريم الله سبحانه وتعالى لهم، ويبين عملهم ويوضّح حقوقهم ومزاياهم، وكيفية تضييع الأمة لهم وخسارتها في جهلها بهم وبمقامهم بل ومحاربة طغاة الأمة وعصاتها لهم والتنكيل بهم وتشريدهم.
كما يوضّح فساد المناهج البديلة التي اتبعها بعض المسلمين بعيداً عن أهل البيت وعن ارشاداتهم التي هي حق المحض، وما بعد الحق إلاّ الضلال، لانه سيكون بعيداً عن التمسك بالثقلين معاً أما التمسك ظاهراً باحدهما وترك الآخر، فما هو إلاّ ترك لهما معاً وان كان الناس لا يعلمون.
(13) خوشابا شمعون حنا الشيخ (علي الشيخ)
(مسيحي / العراق)
ولد عام 1964م في بغداد عاصمة العراق، وترعرع في أجواء عائلة مسيحية ملتزمة بطقوسها الدينية.
يتحدث الأخ خوشابا شمعون حول نبذة عن حياته قائلا:
"في الأيام الأولى من حياتي أجريت لي مراسيم التعميد(1) في الكنيسة كبقية الأطفال، وفي سن السابعة أرسلني والدي لأخذ التناول(2). فكانت هذه الفترة من الفترات الجميلة في حياتي، إذ فيها تعلمت الكثير من الأمور".
التأثر بالأجواء المسيحية المحطية:
يضيف الأخ خوشابا شمعون: "عندما بلغت وأشتد عودي، ترسخت في نفسي هذه العقائد والتعاليم فكنت أمارس الطقوس الدينية من صلاة وصيام، وأذهب إلى الكنيسة بانتظام ولا سيما في (القداس الكبير) عصر يوم الأحد،
____________
1- التعميد هو طقس الغسل بالماء رمزاً للنقاوة، وهو علامة على التطهير من الخطيئة والنجاسة وعلى الانتساب رسمياً إلى كنيسة المسيح(عليه السلام).
2- التناول وهو المتعارف عندنا في الكنيسة الشرقية وبالتأكيد في بغداد بأن الطفل عندما يبلغ سن السابعة، يرسل إلى الكنيسة في العطلة الصيفية ولفترة من ثلاثة أسابيع إلى شهر وذلك لتعلم الصلاة وبعض الطقوس والاناشيد الدينية.
وأشتد حبي للمسيحية أكثر حينما بعث والدي أخي الصغير إلى (الدير)، للاشتغال بطلب العلوم الدينية ليصبح (قسيساً). وكان أخي لا يأتي إلى البيت إلاّ مرّةً واحدة في السنة ولفترة قصيرة، ولهذا كان والدي يرسلني لزيارته بين حين وآخر في الدير، فكنت أرى الأجواء الروحية التي كانت تهيمن على ذلك المكان فتترك في نفسي الأثر الروحي، وكذلك كنت أسال أخي عن كيفية الدراسة والموضوعات التي يدرسونها، فكان يحدثني عن مسائل كثيرة لم أكن أفهمها في ذلك الوقت، ولا أخفي فأني كنت في قرارة نفسي أغبطه على تلك الحياة التي يعيشها منزوياً عن الناس والدنيا".
موانع توسيع آفاق المعرفة:
يقول الأخ خوشابا شمعون: "وعندما تجاوزت العشرين تعمقت في المعتقدات المسيحية، ولكن ـ للأسف ـ لا عن وعي وبحث بل عن تقليد أعمى، وقبول كل تعاليم الكنيسة على أنها أمور صحيحة ومسلّم بها على أنها تعاليم سيدنا يسوع المسيح(عليه السلام).
ولم يكن ليخطر ببالي في يوم من الأيام أن أبحث وأحقق في هذه العقائد، ولعلي لا أكون ملوماً على هذه المسألة، لأني كنت أرى أغلب الناس على هذه الحال، فالانشغال والانغماس في الحياة المادية والدنيوية والتعلق بها، ادى إلى
وأما الآخرة والدين والعبادات والعقائد فلم تكن تعدو كونها عادات وتقاليد مأخوذة من الآباء والأجداد ونؤديها تقليداً ليس الاّ.
وكذلك فإن الحضور في الكنيسة لم يكن من أجل تعلم العقائد المسيحية بالشكل الصحيح، بل لمجرد أداء الطقوس التي كانت تأمر بها الكنيسة ولأعلان التوبة وطلب المغفرة، وفي أحسن الأحوال الاستماع إلى بعض النصائح الأخلاقية والتربوية".
عقبة التعصّب والتقديس الوهمي:
يقول الأخ خوشابا: "من أهم المعتقدات التي كنت أؤمن بها بقوة، هي أن المسيحية فقط هي الدين الحق، وباقي الأديان الأخرى كلّها خرافات وأباطيل، فاليهودية باطلة لأن اليهود لم يتبعوا المخلّص يسوع المسيح(عليه السلام) فهم يستحقون غضب الرب، والمسلمون كذلك، وعلى هذا فمن لم يكن مسيحياً فهو لا يدخل الجنة مهما فعل، والمسيحي الذي يؤمن بيسوع المسيح(عليه السلام) ويحبه ويتبعه فإنّ مصيرة لا محالة إلى الجنة مهما كان عمله لأن ذنوبه وخطاياه قد غفرت بالمسيح(عليه السلام)".
حمل الصورة المشوهة عن الاسلام:
ويضيف الأخ خوشابا: "كانت الصورة التي يحملها أبي عن الإسلام والمسلمين سيئة جداً، فإذا ما دار الحديث حول الاسلام والمسلمين كان والدي يصفهم بشكل سيء، وكان ينقل لنا القصص والحكايات التي تشين بشخصية النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)، ويقول لنا بأن المسلمين يسيئون إلى يسوع المسيح(عليه السلام) الذي هو ابن
فكنت أبغض الإسلام في نفسي، وكانت الصورة التي ارتسمت في ذهني عنه هو أنه ليس سوى خرافات وأباطيل جاء بها رجل من الجزيرة العربية اسمه محمّد(صلى الله عليه وآله)، وأن القرآن وهو الكتاب الذي يزعمون أنه سماوي ومقدس كان والدي يقول أنه من كتابة وتأليف محمد(صلى الله عليه وآله) نفسه وينسبونه زوراً إلى الله سبحانه وتعالى، واعتقد بأنّ أغلب المسيحيين متفقون على هذا الاعتقاد!".
توفّر الأجواء المحفزة على البحث:
شاءت الأقدار الالهية أن تشمل الأخ خوشابا رحمة الرب الرحيم بانتقاله إلى إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، فسنحت له فرصة طيبة للبحث والمطالعة لبعض المسائل الدينية الإسلامية، واللقاء مع الكثير من العراقيين المسلمين في إيران أيضاً، حيث كانت تدور بينه وبينهم النقاشات حول الإسلام والمسيحية ولم تكن تنتهي غالباً بهدوء، إذ أنّهم كانوا يطرحون بعض الاشكالات والتساؤلات عن المسيحية، فكان الأخ خوشابا يعجز عن الاجابة.
فكان يقول في نفسه: أن لكل هذه الاشكالات أجوبة وأن العلماء المسيحيين وآباء الكنيسة هم الذين يقدرون على تفسير المفردات الدينية كالبنوّة والتجسيد والتثليث وغيرها لأنها تعتبر من أسرار المسيحية التي لا يستطيع فهمها وأدراكها الاّ المسيحي المملوء بروح القدس.
التوجه الجاد لمعرفة الاسلام:
يقول الاخ خوشابا: "مضيت في مطالعتي للعقائد الاسلامية، ومن ضمن الكتب التي كان يدفعني الشوق لقراءتها القرآن الكريم وخصوصاً عندما عرفت
وشرعت في قراءة الكتاب السماوي (القرآن) ولا سيما الآيات التي تخص عيسى المسيح(عليه السلام) وأمه العذراء(عليها السلام)، فملكني الاعجاب عن الصفات العظيمة التي يصف القرآن الكريم بها المسيح(عليه السلام) وأمه، ولم أكد أصدق فأني كنت أعتقد أن المسلمين ـ وكما ذكرت ـ يسيئون إلى المسيح وأمه(عليها السلام)، ولكني وجدت عكس ذلك تماماً، فالآيات القرآنية التي تتحدث عنهما تذكرهما بكل عظمة ووقار، كما بحثت عن الآيات التي تتحدث عن العقائد المسيحية الاخرى كالتثليث والبنوّة والصلب والفداء وغيرها، فرأيت الأدلة القوية التي يقيمها القرآن الكريم على بطلانها".
بوادر الاقتناع بالدين الاسلامي:
يقول الأخ خوشابا: "بعد هذه المطالعات بدأت أشعر في نفسي بميل نحو هذه الأفكار والمعتقدات التي يطرحها الإسلام، ولكني أخفيت هذا الشعور في داخلي، وكنت أحاول قدر الامكان من خلال لقاءاتي مع المسلمين السؤال عن الشبهات التي كانت تراودني ولكن بصورة لا يفهم منها هذا الميل والشعور".
نشأة حالة صراع العقل والنفس:
يضيف الأخ خوشابا: "مرّت الأيام وكنت كلما أطالع وأبحث كان هذا الميل يزداد، فبدأت أعيش قلقاً وأجد في نفسي صراعاً لكننّي لا أدري ماذا أفعل.
وفي أحد الأيام سمعت أحد العلماء يتحدث عن موضوع هداية الإنسان وموانعها، وتلا آية قرآنية هزتني من أعماقي فكأنها تتحدث عن حالتي بالذات،
وبعدها اشتد هذا الصراع في داخلي أكثر، وملكني القلق والاضطراب، فقد بدأت أشعر بأن عقلي قد بدأ يستسلم لهذه الحجج والأدلة التي يطرحها الإسلام، وبدأت أحس أن هذه الاعتقادات الإسلامية هي أقرب إلى فطرتي من عقائد آبائي وأجدادي، وكذلك قلبي هو الآخر قد تغير، فبعد معاشرتي للمسلمين الملتزمين عن كثب انكشف لي حبهم وتعظيمهم ليسوع المسيح وأمه العذراء(عليهما السلام)ولا سيما من خلال النقاشات، فهم لم يكونوا يذكرون المسيح أو أمه إلاّ واردفوهما بـ (عليه السلام).
وأيضاً بذكرهم الأحاديث الواردة عن نبيّ الإسلام وأئمة الدين بحق المسيح وأمه(عليهما السلام)، من حيث مدحهم وتعظيمهم كل ذلك أدّى إلى أن تتحول تلك البغضاء وذلك الحقد إلى مودة وأنس".
عقبات دون الاستسلام للحقيقة:
يقول الأخ خوشابا: "بدأت أعيش مزيجاً من الفرح والخوف، ولا أبالغ لو قلت أنه كانت تجري في أعماقي معركة حقيقية بين جنود الرحمن وجنود الشيطان، فجنود الرحمن يدفعونني للاستسلام لنداء الفطرة والعقل واتباع الحق الذي انكشف لي، وفي المقابل كانت جنود الشيطان توسوس لي بانك كيف تستطيع أن تترك دين آبائك وأجدادك؟ وهل حقاً كانوا جميعهم على الباطل غافلين عن هذه الحقائق التي أكتشفتها أنت؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى أهلك فهل تستطيع أن تقنعهم بهذه الحقيقة؟ وهل يقبلونك فيما لو عرفوا بأنك قد تركت دينهم واعتنقت الإسلام وأنت تعلم شدة العداوة والبغضاء التي يحملونها إزاء الاسلام؟ فكل هذه الوساوس كانت تعيش في صدري وتقف حاجزاً دون إذعاني للحق".
____________
1- الزمر: 17 ـ 18.
قمة الصراع بين العقل والنفس:
وراحت هذه المعركة تشتد في سريرة الأخ خوشابا، حيث يصوّرها قائلا: "أذكر أني ولمدة ثلاثة أيام لم أكن اشتهي طعاماً ولا شراباً فكنت لا آكل إلاّ إذا اشتد بي الجوع، وكذلك أصابتني حالة من الأرق في هذه المدّة، وفقدت القدرة على اتخاذ القرار، لا سيما وأنا شاب واتخاذ قرار مصيري في هكذا ظرف يعتبر أمراً شبه مستحيل.
وفي أحدى الليالي بدأت أتضرع إلى ربي وخالقي ببكاء وبصدق واطلب منه المعونة لإخراجي من هذا الصراع ومن هذا الارتباك والقلق الذي أجهدني، وفي صباح اليوم التالي شعرت في نفسي بقوة عظيمة لم أعهدها من قبل، وأحسست انشراحاً عجيباً في صدري، حطمت بها كل الحواجز والوساوس التي كان يضعها الشيطان في طريق هدايتي، واتخذت أصعب قرار في حياتي بكل سكينة واطمئنان وقررت أن اعتنق الإسلام واتبع سبيل الحق، وأترك دين آبائي وأجدادي التقليدي، فبدأت حياتي الجديدة بهذه الولادة السعيدة".
تعميق المعرفة بالدين الاسلامي:
عكف الأخ خوشابا بعد هذا ولسنين على البحث والمطالعة بشكل دقيق ومكثف، للتعمق في أصول الإسلام وفروعه وآرائه وأحكامه، وكذلك بالبحث والتدقيق في ديانته السابقة وبتعمق أكثر، وقام بالمقارنة بينهما من حيث العقائد والتعاليم فرأى الحق واضحاً جلياً كنور الشمس، وأيقن أن العقيدة التي كان يحملها (المسيحية) فيها من التناقضات ما يأبى العقل عن قبولها فيما كان يعتبرها أسراراً لأن العقل لا يدركها، كالتثليث والبنوّة والتجسيد وغيرها من العقائد، وعلى
تجربته في الاستبصار:
ويقول الأخ خوشابا الذي سمى نفسه "علي" بعد اعتناقه للاسلام الأصيل: "أعتقد أن التعصب والجهل واتباع الهوى والغفلة هي العوامل الرئيسية التي تصرف الإنسان عن الاذعان للحق وقبوله".
ومن هنا فإنّه يرى بأن البحث والمطالعة والتنقيب لا تنفع لوحدها ما لم يوطن ويمهد الإنسان لها أرضية قبول الحق في قلبه بتهذيب نفسه وتطهير سريرته عن جميع الشوائب التي تقف عقبه دون اذعان الانسان بما لا يتلاءم مع مصالحه الشخصية وموروثاته العقائدية المترسخة في كيانه والممزوجه بعواطفه، والتي لا يتمكن الإنسان أن يتخلى عنها بسهولة إلاّ بعد مجاهدته لنفسه واخضاعها لقبول الحق.
مؤلفاته:
1 ـ "هبة السماء، رحلتي من المسيحية إلى الإسلام":
صدر عن دار الصادقين للطباعة والنشر سنة 1420 هـ ـ 2000 م.
هو نبذة مختصرة على رحلته من المسيحية إلى الإسلام، وما انكشف له فيها من الحقائق.
يقول المؤلف في خاتمة الكتاب: "وفي الحقيقة فالذي دفعني لكتابة هذا البحث هو احساسي وشعوري بالمسؤولية الانسانية اتجاه أبناء جلدتي، عسى أن يكون صوتاً للحق يقرع آذان قلوبهم فيستفيقوا من نوم الغفلة، فالمشكلة التي يعيشها أغلب أفراد العائلة البشرية ـ وللأسف الشديد ـ هي ابتعادهم عن الهدف
وأيضاً فهذه دعوة لاخواني المسيحيين الذين ابتعدوا كثيراً عن التعاليم والعقائد التى جاء بها السيد المسيح(عليه السلام) فهم يتبعونه بالاسم فقط، وأما ما يحملونه من عقائد وتعاليم في الوقت الحاضر فهي مخالفة له كثيراً، فالعقائد التوحيدية التي جاء بها، تحولت الى عقائد اشبه بالوثنية كالتثليث والبنوة، والشريعة والناموس الذي أكد عليها وأوصى بها مراراً، طرحت أرضاً واكتفي بدلاً عنها بالنواميس الروحية والايمان المجرد.
فهذه الدعوة لكل مسيحي حرّ باحث عن الحق والحقيقة، أن لا يكتفي بقبول ما يلقى إليه من قبل الكنيسة على أنّه من الامور المسلّمة واليقينة، بل ليجدّ في البحث والتحقيق العميق في عقائده وأمور دينه، لأنها مسألة ذات أهمية كبيرة، فإنّ الحياة الأخروية الأبدية التي نحن مقبلون عليها، سعادتها وشقائها ما هي إلاّ نتيجة لعقائدنا وأعمالنا في حياتنا الدنيا "فالدنيا مزرعة الآخرة" فيجب اعطائها اهتماماً كثيراً من فكرنا ووقتنا، وهذا أمر عظيم وخطير فحرّي باللبيب أن يجهد نفسه وفكره في انتخاب الطريق الذي يوصله الى السعادة في ذلك العالم".
ويتألف هذا الكتاب من مدخل وفصلين:
المدخل يذكر فيه نبذه عن حياته وكيفيه انتقاله من المسيحية إلى الإسلام.
أما الفصل الأول فيحتوي على المواضيع التالية: الكتاب المقدس، العهد القديم، العهد الجديد عيسى(عليه السلام) وحياته في العهد الجديد، والصلب والقيامة، الفداء والخطيئة الأصلية، من هو المسيح في العهد الجديد، الثالوث الأقدس، الشريعة.
وفي الفصل الثاني: فقد تم فيه البحث حول الإسلام، حياة النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله)، دلائل نبوته معاجزه، القرآن الكريم، قصة المسيح في القرآن، الشريعة.
وقفة مع كتابه: ((هبة السماء، رحلتي من المسيحية إلى الإسلام))
يذكر الكاتب في بداية كتابه نبذة من ترجمة حياته ـ التي تقدم الاشارة إليها ـ ويوضح كيفية استبصاره، ثم يذكر بعض المطالب عن الديانة المسيحية ويعرف بعض مشخصاتها ثم يقارنها بمثيلاتها في الاسلام، ويوضح خلال ذلك الفرق بينهما ويستنبط في الأثناء الأدلة التي ساقته إلى الإسلام.
الكتاب المقدس:
وهو ـ كما يعتقد المسيحيون ـ مجموع الكتب الموحاة من الله، والمتعلقة بخلق العالم وتاريخ معاملة الله لشعبه، ومجموع النبوءات عما سيكون حتى المنتهى، والنصائح الدينية والادبية التي تناسب جميع بني البشر في كل الأزمنة(1).
وينقسم الكتاب المقدس إلى عهدين:
1 ـ العهد القديم.
2 ـ العهد الجديد.
ويعتقد المسيحيون أن العهد القديم كان تمهيداً للعهد الجديد، وأنّ العهد الجديد هو المتمم له.
____________
1- قاموس الكتاب المقدس: 762.
العهد القديم:
كتب أكثر العهد القديم باللغة العبرانية، ووجدت بعض الفصول باللغة الارامية وهي لغة شبيهة بالعبرانية. والعهد القديم الموجود الآن مأخوذ عن النسخة الماسورية التي أعدتها جماعة من علماء اليهودية في طبرية من القرن السادس إلى القرن الثاني عشر للميلاد(1).
ويتألف العهد القديم من (39) سفراً، وقد قسم اليهود أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التوراة أو الناموس.
2 ـ الأنبياء.
3 ـ الكتب.
وقد لاحظ الكاتب هنا بعض النقاط التي أوقفته خلال الدراسة.
1 ـ إن هذه الأسفار قد كتبت خلال فترة خمسة عشر قرناً تقريباً، ومعظم النصوص الأصلية أو كلها مفقودة الآن، إضافة الى هذا فان الكثير منها لا يعرف مؤلفوها ولا ناسخوها ولا متى كتبت، وهي مترجمة من اللغة العبرية الى اللغات الاخرى.
2 ـ تجد في هذه الأسفار وفي مواضع كثيرة نسبة المعاصي والخطايا الكبيرة إلى الأنبياء كشربهم الخمر والزنا بالمحارم وغير ذلك من الأمور التي يأبى كل مؤمن التفكير بها فضلا عن مزاولتها.
3 ـ كثرة التناقضات الموجودة في هذه الأسفار فهي تخالف بعضها، بل هناك تناقضات واضحة في السفر الواحد.
____________
1- قاموس الكتاب المقدس: 763.
العهد الجديد:
كتب بلغة يونانية تسمى (بالكوني) وهي اللغة العامية ممزوجة ببعض الاصطلاحات العبرانية. وهو الأساس لكل العقائد المسيحية.
ويتألف العهد الجديد من (27) سفراً وهي: الأناجيل الأربعة، وأعمال الرسل، وعدة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويهوذا ويوحنا، مع رؤية يوحنا.
ويظهر أنها كتبت خلال نصف قرن تقريباً (55 ـ 110 م) فهي لم تر النور دفعة واحدة، ومما يلفت النظر فإنّ المسيحيين يعتقدون أن المسيح(عليه السلام) لم يكتب شيئاً ولم يأمر أحداً من تلاميذه بتدوين أقواله وأعماله.
وتعتقد الكنيسة أنّ الأناجيل كتبت بالوحي والالهام الالهي، فقد جاء في مقدمة العهد الجديد: "كتب العهد الجديد بوحي من الروح القدس في مدّة لا تعدى المائة من السنين، ولقد حفظ الله الانجيل في هذه النصوص رغم الاضطهادات والأخطار"(1).
وأما كيفية الوحي والالهام في كتابة هذه الأسفار فيعتقد المسيحيون أن الالهام الكتابي الذي يقصدونه هو غير الالهام النبوي، فالالهام الكتابي يدل على عمل الله (فوق الطبيعي) الذي يمارسه على مؤلفي الكتاب ليدفعهم الى تدوين الحقائق التي أوحاها وأعطاها للبشر وذلك بمساعدته الدائمة والمباشرة.
إنّ وحي الكتاب المقدس يختلف في مفهومه عن مفهوم الوحي في الإسلام، إذ يعتقد المسلمون أنّ النبيّ لم يكن سوى ناقل لكلام الله، ولا دخل له فيه، وأما الوحي الكتابي عند المسيحين فهو من عمل الله والانسان معاً، فالكاتب
____________
1- مقدمة العهد الجديد.
وقد أشار الكاتب إلى بعض الملاحظات والتساؤلات التي تدور حول صحة هذه الأسفار ونسبتها إلى الوحي الالهي:
1 ـ النسخ الاصلية مفقودة، وأقدم نسخة موجود تعود الى القرن الرابع الميلادي.
2 ـ إنّ الكنيسة الاُولى وإلى القرن الرابع تقريباً لم تكن تعترف بأنّ هذه الكتب كتبت بالالهام والوحي والالهي، بل تم ذلك في مجمع نيقية المسكوني سنة (325م) وهنا نستطيع التساؤل هل اختار هذه الكتب من بين مئات غيرها بوحي سماوي أم لا!
3 ـ النصوص المعتمدة هي نصوص مترجمة، ومهما كانت الترجمة دقيقة فهي لا تنقل المراد بشكل دقيق فيمكن أن يتغير المعنى المراد أصلاً.
4 ـ الكتاب السماوي يجب أن لا يشوبه التناقض والاختلاف وإن كان بالوحي والالهام الكتابي، ونحن نجد اختلافاً كثيراً، نشير هنا إلى بعض الاختلافات:
أ ـ الاختلاف في نسب عيسى في الاناجيل.
ب ـ الاختلاف في من حمل الصليب هل هو المسيح أو شخص يدعى سمعان.
ج ـ الاختلاف في مسألة القيامة وتعاليم المسيح بعدها.
5 ـ اعتراف عدد كبير من علماء الكتاب المقدس أنّ الأسفار ليست كلّها ـ على الأقل ـ مكتوبة بالوحي الالهي.
____________
1- معجم اللاهوت الكتابي: 15.