الصفحة 69

لقد منّ الله عليَّ بالهداية بفضله وادخلني برحمته إلى حيث نور الحق وشكراً لهذه النعمة يجب عليّ أن أبلغ للناس ما توصّلت إليه.

لذلك اسطر هذه المباحث واكتب هذا الكتاب إنه شعلة حق اخذتها من فاطمة الزهراء(عليها السلام) واقدمها لكل طالب حق، ولكل باحث عن الحقيقة".

ويحتوي هذا الكتاب على عدّة مواضيع منها: ضرورة البحث في التاريخ، الشيعة والتشيع، الإمامة والخلافة، الانقلاب وكربلاء امتداد للسقيفة.


الصفحة 70

وقفة مع كتابه: "بنور فاطمة(عليها السلام) اهتديت"

فاطمة(عليها السلام) هي: الصدّيقة الشهيدة، وهي بنت الرسالة وأم أبيها الرسول الحنون، وزوج الولاية والدرع المحامي عنها، وهي أصل الإمامة وشجرتها الطيبة، حاولت الاصنام إطفاء نورها وطمس حقها، ولكن هيهات يأبى الله إلاّ أن يتم نورها الذي هو شعاع من نوره رغم كثافة الظلام، ومكر الأفواه الذي تزول منه الجبال، فكانت الزهراء التي تشع على التاريخ والأجيال جيلا بعد جيل، ولكن يلزم لمن يريد أن يتلمس طريق الفلاح ويرتقي مدارج الكمال، أن يبحث في كتب التاريخ عن هذا الشعاع الزاهر ليستضيء به وهو يسير الى الأمام، للوصول إلى مرحلة التشيع الحقيقي لأهل البيت(عليهم السلام) ليكون من الفائزين وهذا ما حاوله الكاتب في حياته العملية التي يعرض جوانب منها في هذا الكتاب، فقدم بين يدي الاهتداء بنور فاطمة(عليها السلام) بحثاً في التاريخ وبحثاً في التشيع، ثم أعشى بصره في النور الفاطمي الوهاج وتمثله في خيال البصيرة الفسيح فملأ منه ما بين الخافقين فقاده إلى أنوار ولاية علي(عليه السلام)، فبحث في الإمامة والخلافة فعرف أهل الحق وعرف أهل الباطل، ومن هناك عرف كربلاء الشهادة والبطولة التي وقفت في وجه أحفاد السقيفة واحابيلها، فاهتدى بالنور وسار في دائرته بين دعاء ووضوء وصلاة و... وأخيراً كانت خطبة فاطمة ـ كما كانت أولا ـ شعلة الحق.

البحث في التاريخ ضرورة:

يحاول البعض أن يغطّ رأسه في الرمال ويتجلبب بجلباب التقوى وعدم

الصفحة 71
إثارة الفتنة فيقول: لماذا يجب أن نبحث في التاريخ، وما الفائدة التي تجتنى من ذلك؟ وهل هي إلاّ أحداث قد مضت فلماذا ننبشها من جديد وخاصة في فترة زمنية حساسة كثرت فيها الخلافات والنزاعات كفترة ما بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله).

وهكذا يبررون لانفسهم أن يخالفوا ضرورة العقل بالاعتبار بأحداث الماضي لبناء الحاضر والمستقبل، وما تسالمت عليه الأمم بالاستفادة من التجارب في بناء حضاراتها، بل يخالفون القرآن الذي نقل كثيراً من قصص الماضين وحث على التفكّر فيها وأخذ العبرة منها(1).

وقد تطرّق القرآن إلى مسألة الاختلاف بعد الرسل فقال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـت وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَـتِ وَأَيَّدْنَـهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَـتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )(2)، فهل كان القرآن هنا مثيراً للفتنة بذكره الخلاف بعد الأنبياء وأنّ بعضهم آمن وبعضهم كفر! وهل أنّه لم يحترم قدسية أصحاب الأنبياء فوصف بعضهم بالكفر؟

كلا بل نحن نجد العكس هو الصحيح! ففي قصة بلعم بن باعوراء الذي كان في زمن نبي الله موسى(عليه السلام) وقيل أنّه كان يعلم اسم الله الأعظم، وقد اتاه الله آياته بتعبير القرآن الكريم لكنه انسلخ منها فاغواه الشيطان وأخلد إلى الأرض فصار مثل الكلب الذي يلهث على كل حال(3)، فهل بعد هذا تقديس لأحد وإن كان صحابياً إذا ساءت عاقبته، أو قصة السامري الذي تعهده جبرئيل بالتربية في عهد فرعون الذي كان يذبح أطفال بني اسرائيل، فصار من العلماء حتى قال: (بَصُرْتُ

____________

1- الاعراف: 176، يوسف: 111.

2- البقرة: 253.

3- انظر الاعراف: 175 ـ 176.


الصفحة 72
بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ى)(1)، لكن كانت عاقبته أن يضلّ بني اسرائيل بالعجل الخوّار المصنوع من الحلي(2)، فهل بعد هذا يقال أنّ من صاحَبَ النبيّ لا يمكن أن تخدش عدالته.

لمحات من التشيع في السودان:

ولد التشيع مع ولادة الرسالة الاسلامية وانتشر في كل بلاد الاسلام، لكن السلطات الحاكمة على طول تاريخ المسلمين حاولت إطفاء جذوته وتشريد أتباعه خوفاً منها على سلطانها القائم على الجور واتباع الشهوات، فكان ان انحسر التشيع عن بعض البلاد أو تخفى في مظهر الصوفية في كثير من البلاد، ولكن لم يستطيع السلاطين أن يقتلعوا جذوره من ثقافة المسلمين، وكان وما زال حب آل البيت تخفق به كل القلوب المسلمة لربها.

وهكذا كان الأمر في السودان فنرى فرق صوفية كثيرة تلهج بذكر آل البيت، ونقرأ في التاريخ أنّ السودان كانوا من أنصار الدولة الفاطمية في مصر، وأنّ صلاح الدين قد أوقع فيهم مذبحة عظيمة لولائهم لهذه الدولة(3).

كما أنّه هناك قبائل كبيرة تنسب نفسها إلى أهل البيت(عليهم السلام) كالجعافرة والركابية والعبدلاب، ويتسمّى الكثير من أبناء السودان باسماء المعصومين من أهل البيت(عليهم السلام)، والثقافة الشعبية السودانية تفيض بمدائح أهل البيت(عليهم السلام) وتتحدّث عن فضائلهم وظلم الظالمين لهم.

وكنموذج نذكر هذه المقطوعة الشعرية للشاعر يوسف الهندي مؤسس الطريقة الهندية الصوفية في مدح أهل البيت(عليهم السلام):

____________

1- طه: 96.

2- انظر طه: 87 ـ 97.

3- أنظر: الدولة الفاطمية في مصر: 135، للدكتور محمد جمال الدين سرور.


الصفحة 73

سفن النجاة للملأ بشهادة النص الأتمهم النهى، هم البهى، هم التقى، أهل الشيم
هم الشفاعة في غد هم السقاية في الملمهم الهداية حاضرة والنور والقصد الأعم

الطاهرون من سوء أرجاس اللمم

بنور فاطمة(عليها السلام) اهتديت:

فاطمة عميدة أهل البيت(عليهم السلام) أهل البلاغة والفصاحة، المدافعون عن دين الله بالبيان الساحر، والمواجهون للظالمين بكلام المعبر الذي ينفذ الى اعماق القلوب.

بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) كانت فاطمة(عليها السلام) أول من واجهت السلطان الجائر بكلمة الحق فهزت عرشه، خرجت في لمة من حفدتها في منظر عزيز يذكّر الناس بأبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)فنطقت بجواهر الكلام في شجاعة يعزّ مثيلها إلاّ من أمثالها، فكان كلامها نوراً ممتداً على طول الزمان، انطلق من مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله) ليهدي الأجيال تلو الأجيال وحتى زماننا الحاضر، حتى يصرّح الأخ عبدالمنعم ـ وأمثاله كثيرون ـ باهتدائه بنور فاطمة(عليها السلام).

طالبت بحقها باستدلال قوي لا يدع مجالا للهروب منه أمام الخصم إلاّ أن يكذب ويخترع حديثاً ما انزل الله به من سلطان، مخالف لصريح القرآن لا يقبله إلاّ اتباع السلاطين الضالين أو المضللين، فكان موقفها فيصلا بين الحق والباطل، وهكذا هي مواقف المعصومين وخاصة وهي البضعة الطاهرة التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، وفضحت بذلك الخلافة الزائفة والإمامة المغتصبة.


الصفحة 74

فدك الرمز:

ألح الرشيد الخليفة العباسي على الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) في أخذ فدك.

قال له الإمام: ما آخذها إلاّ بحدودها.

قال الرشيد: وما حدودها؟

قال(عليه السلام): الحد الأول عدن، والحد الثاني سمرقند، والحدث الثالث افريقية، والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية.

فقال له الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي.

فقال الإمام: قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردَّها.

ومن هذا النص يتبين أنّ فدك هي رمز للخلافة الإسلامية، وأنّ مطالبة الزهراء(عليها السلام) بها ـ وإن كانت بحق مشروع لها ـ هو طريق للوصول الى الهدف الأكبر وهو تثبيت حق الإمام عليّ(عليه السلام) أمير المؤمنين في الولاية وفضح باطل الخليفة المغتصب لتتم الحجة على المسلمين وليحيي من حيّ عن بينة ويموت من مات عن بينة، فهذا هو دور المعصومين وإذا كانوا يطالبون بالخلافة ـ وهي حقهم المنصوص عليه ـ فانهم يطالبون بها وفق الموازين الأخلاقية ولا يجبرون الناس عليها لأن ولايتهم على الناس قائمة على المحبة والصداقة لا على الحيلة والعنف والاكراه كما فعل غيرهم ممن تسموا بخلفاء الرسول(صلى الله عليه وآله) زوراً وبهتاناً.

الخلفاء واقتحام الدار:

بعد وفاة الرسول واجتماع السقيفة الذي أفضى الى مبايعة أبي بكر، توترت الأجواء في المدينة وصار شبح التصفية يطارد أهل البيت(عليهم السلام)، وفاطمة رمز قداسة هذا البيت لا يبعد أن يصيبها وابلٌ من غضب أصحاب السقيفة، وهذا ما جرى

الصفحة 75
للأسف الشديد فهم اقتحموا الدار وفيه فاطمة، وأحرقوا الباب وخلفة فاطمة، وأسقطوا المحسن الجنين في بطن فاطمة.

واعترف أبو بكر بأنّ الدار قد تمّ اقتحامها بأمره، ويعتبرها أحدث أفعاله التي تمنى لو أنه لم يقم بها، حيث يقول في مرض موته: "إني لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهن وددن أني تركتهن وثلاث تركتهن وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله، فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على حرب..."(1).

وفي قول آخر: "... وليتني لم افتش بيت فاطمة بنت رسول الله وادخله الرجال ولو كان اغلق على حرب"(2).

فهو يعترف هنا بانه لو لم "أكشف" ولم "افتش" بيت فاطمة(عليها السلام)، ولم "ادخله الرجال"، وهذه كلمات تدل على عنف ما جرى وانه حصل بالقهر لآل البيت(عليهم السلام)ما حصل.

وأما عمر "فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لاحرقنها على من فيها فقيل له يا أبا حفص: إن فيها فاطمة؟ قال: وإن!!"(3).

و"استقبلتهم الزهراء(عليها السلام) من وراء الباب صارخة إلى أين يابن الخطاب؟ اجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم!!"(4).

وقال إبراهيم بن سيار بن هاني النظام المعتزلي: "إنّ عمر ضرب بطن فاطمة

____________

1- تاريخ الطبري: 2 / 619.

2- تاريخ اليعقوبي: 2 / 115.

3- الامامة والسياسة: 1 / 12.

4- تاريخ أبي الفداء: 1 / 164.


الصفحة 76
حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح احرقوا دارها بمن فيها"(1).

وقال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ عن أحمد بن محمد بن السري بن يحيى: حضرته ورجل يقرأ عليه: "إنّ عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن"(2).

وهكذا إذن توجوا أعمالهم الاجرامية بقتل المحسن فقطعوا نسل السادة المحسنية ناهيك عما جرى على فاطمة نفسها مما أدّى الى وفاتها فيما بعد وهي في عمر الزهور.

استشهاد الزهراء(عليها السلام):

بقيت الزهراء حزينة منكسرة في بيتها تبكي وتشكو همها إلى الله عزّوجلّ وتنتظر يومها الموعود، فقد اخبرها المصطفى بأنها أول أهل بيته لحوقاً به، فظلت تبكي وتبكي إلى أن جاء "شيوخ" أهل المدينة يظهرون لعليّ(عليه السلام) انزعاجهم وتأذيهم من بكاء فاطمة، فبنى لها أمير المؤمنين علي(عليه السلام) بيتاً خارج المدينة سمي "بيت الأحزان" وهناك واصلت مأساتها.

ويوماً فيوماً راحت تذبل تلك الزهرة اليانعة، وأخذ المرض منها مأخذاً، يقول الإمام الصادق(عليه السلام): (فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً وكان ذلك هو السبب في وفاتها).. كيف لا يكون كذلك وهي ابنة ثمانية عشر عاماً.

وجاء في وصيتها للإمام عليّ(عليه السلام): ".. وصلِّ عليَّ وليصلِّ معك الادنى فالادنى من أهل بيتي وادفني ليلا لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار، وسراً لا جهاراً وعَفِّ موضع قبري ولا تشهد جنازتي أحداً ممن ظلمني).

وهكذا واصلت الزهراء(عليها السلام) الجهاد بعد الموت، فكانت وصيتها الاعلان

____________

1- الملل والنحل للشهرستاني: 1 / 57.

2- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني: 1 / 268.


الصفحة 77
الأخير لموقفها الصامد والذي استمر من وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) وحتى أيام مرضها، وارادت له أن يبقى الى ما شاء الله... صرخة مدوية عبر التاريخ فالى الآن لا يعلم أين قبر فاطمة بالضبط فيأتي التساؤل تلو التساؤل لماذا؟ كيف؟ وماذا حدث؟ و... و...

واُسدل الستار عن أول محطة سقطت فيها الأمة في امتحانها، وغادرت الزهراء(عليها السلام) مشتاقة للقاء أبيها، ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاماً عظاماً.. وتركت لنا أعلام هداية ومنارات فرقان..

ويقول الأخ عبدالمنعم هنا: "ورغم أنني تجرعت كأس ألمها إلاّ أنّه بالنسبة لي كان ممزوجاً بالحلاوة شربت منه فاشرقت لي فاطمة بنورها فكانت الدليل إلى الصرط المستقيم. وما أعظم شأنها. حقاً أنّها فاطمة بنت محمد زوج عليّ".

الخلافة بالشورى أم بالتعيين:

اتى علماء أهل السنة بنظرية الشورى لتبرير الواقع التاريخي الذي جرى بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإلاّ فان الشيخين لم يحتجّا بالشورى في السقيفة، وعيّن أبو بكر عمر خليفة، وهي غير واضحة المعالم عندهم، فهل تكفي بيعة شخص واحد أم أنها لا تنعقد إلاّ بأهل الحل والعقد؟ وهؤلاء من هم ومن الذي يعينهم؟

واستدلوا بآيتين ذكرت الشورى وهي اجنبية عن المقام ولا يمكن تثبيت الشورى المزعومة بهما.

الأولى: (وَشَاوِرْهُمْ فِى الاَْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(1)، التي تشير إلى أن هناك حاكماً قد استقرت حكومته وتوجهه لمشاورة الرعية والأخذ بالنافع بعد تحميص الآراء والأفكار ثم يعزم هو على ما ارتآه بعد المشاورة متوكّلا على

____________

1- آل عمران: 159.


الصفحة 78
الله، وتبيّن أن بدون الحاكم لا وجود للشورى لأنّها تحتاج إليه ليكون قيماً عليها، وعليه فهي تدلّ على أصل الشورى في مسألة الخلافة.

الثانية: (وَ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(1)، التي تشير إلى أنّ: من صفات المؤمنين التشاور في أمورهم التي تخصّهم، أما كون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهو أول الكلام، ولا تدل الآية عليه وهي عامة ولابدّ من الرجوع إلى الآية السابقة لتحديد تفصيلات الشورى، فالآية الثانية تتحدّث عن صفات المؤمنين والرسول أحدهم بل أكملهم واتقاهم وهو ولي الأمر المستقر له الوضع، وبعد وفاة الرسول إذا كان هناك ولي أمر فلا داعي للشورى لتنصيبه، وإذا لم يكن فالشورى تحتاج الى ولي أمر لكي تكون شرعية وبدونه لا تكون الشورى شرعية ولا تلزم أحد من المسلمين.

وأما التعيين فتدل عليه ضرورة العقل والوجدان، فهل من المعقول أن يترك الرسول أمر الخلافة ويدع الاُمة بدون راع تركن إليه وهو الذي وضح كل شيء حتى أحكام التخلي.

إضافة إلى آيات كثيرة كآيات الاصطفاء التي تدل على التعيين الالهي، والروايات المتواترة التي تدل على ولاية عليّ بن أبي طالب وخلافته كرواية الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الدار و...

ثم إنّ التعيين أمر تنبه له أبو بكر عندما نصب عمر ـ في كتاب وصيته ـ خليفة من بعده وأمر الناس بالسمع والطاعة له، وقد نفذ عمر هذه الوصية بحرص زائد في حين أنه كان المعترض الأول على الرسول(صلى الله عليه وآله) عندما أراد كتابة وصيته وهو مريض وقال (انه يهجر).

____________

1- الشورى: 38.


الصفحة 79

كربلاء ثمرة للسقيفة:

ما جرى في كربلاء من أحداث مفجعة واعتداء على الحسين(عليه السلام) وآل الرسول(عليهم السلام) من قبل آل اُميه، ما كان ليحدث لولا ان أساس الظلم قد بدأ في السقيفة وما جرى بعدها من اعتداء على بيت فاطمة(عليها السلام).

فالحاكم الأموي يزيد امتدادٌ لأبيه الذي اكتسب شرعيته وملكه من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي اشتهر بقساوته ومساءلته للولاة فيما عدا معاوية (كسرى العرب) كما يقول عنه عمر لما عرف به من حبه للبذخ والترف واهتمامه بالمظاهر، وهكذا كان معاوية في وضع مريح جعله يمتلك امبراطورية مسلحة بالشام ادخرت لنصرة الباطل فظهرت في صفين ضد عليّ بن أبي طالب وفي النهاية اصبحت مقراً لحكم بني أمية.

من ركام الباطل إلى النور:

أهل البيت(عليهم السلام) هم أحد الثقلين وكلماتهم نور كما هي كلمات القرآن فهم معصومون ولا ينطقون عن الهوى، تجد عندهم ما لا تجده عند غيرهم، ومنهجهم في تربية الأمة وتوجييها يجعلك تحس بمعنى خلافة الله في الأرض، ولم يشهد التاريخ بانهم تعلموا على يدي أحد بل الكل يرجع إليهم ويغرف من معينهم.

ولا يمكننا استعراض بحار علومهم التي أخذ منها شيعتهم فكان تفوقهم على من سواهم في جميع المجالات، وموسوعة واحدة من مصادرهم الحديثية تكفي لتلتهم كل ما عند أهل السنة والجماعة، وبحار الأنوار بمجلداته العشرة بعد المائة دلتنا على ذلك وحقاً إنه بحار من أنوار العلم.

ولأهل البيت(عليهم السلام) تراث عظيم لم تستفد منه كل قطاعات الأمة، وإحدى

الصفحة 80
معاجزهم التي بهرت الكاتب هو ذلك المنهج في الدعاء وكيفية التقرب إلى الله تعالى والأدب الرفيع في مخاطبة الرب سبحانه، فذكر الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين كمثال على محرومية أهل السنة من كنوز أهل البيت(عليهم السلام).

وفي ظل أمواج الفتن ما احوج الانسان إلى أن يجد سفينة النجاة لتأخذ به الى بر الأمان، وما احوجه الى التعرف على المعتقد السليم الذي من خلاله يستطيع أن يعيش واقع حياته اليومية باطمئنان حتى يلقى الله وقد وفى بعهده وميثاقه.


الصفحة 81

(5) عصام علي يحيى العماد
(وهابي / اليمن)




ولد عام 1968م في اليمن بمدينة "اب" قرية "الصبار"، نشأ في أسرة سنّية ومتأثره بالتيار السلفي الوهابي(1)، واصل دراسته الأكاديمية حتّى حصل على

____________

1- وجّه مركز الأبحاث العقائدية رسالة إلى قناة المستقلّة بتاريخ 25/11/2002م، وذلك عندما أثير فيها شبهة تشير إلى أنّ الدكتور عصام العماد كان زيدياً، ولم يكن وهابياً، جاء في الرسالة:

"... ثانياً: قال ضيف البرنامج (عبدالسلام المغربي) يوم أمس عن عصام العماد بأنه زيدي، وقال ما نصّه: (في الانترنت، الموقع الذي يهتمّ بالمستبصرين، ينصّ على أنّه زيدي، ومن أسرة زيدية، وأخوه الزيدي إنّما ترفّض بسبب مناقشته).

وبما أنه يقصد من الموقع الذي يهتمّ بالمستبصرين موقع (مركز الأبحاث العقائدية)، تطلّب الأمر أن ننبهكم إلى أن موقع المركز لم يذكر ترجمة لعصام العماد في موقعه [كان ذلك فيما سبق أثناء المناظرة، وفيما بعد المناظرة نظّم المركز موقعاً مختصاً بالدكتور عصام العماد فيه ترجمة مفصّلة عنه]، وإنّما ذكر له عدّة محاضرات حول رحلته من الوهابية إلى الاثني عشرية، ومسائل عقائدية، وردود ومناظرات، ولم يردّ في واحدة منها أنه كان زيدياً.

نعم، ورد في ترجمة حسن العماد (أخ عصام) أنه نشأ في عائلة زيدية المذهب، ولكن نفس حسن العماد في محاضرته يقول:

(تركت نظري إلى المذهب السني...).

إلى أن يقول:

(هذا أكبر دافع، يعني ترك المذهب السنّي الأول، وبعد المذهب الزيدي بقيت فيه حتّى أتيت قم).

فالمركز ذكر انتقاله من آخر مذهب، وهو الزيدي، إلى المذهب الإمامي الاثني عشري.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أنّ أصول أُسرة العماد زيدية، ولكنهم لمّا سكنوا في منطقة (الصبار) ـ التي هي معقل من معاقل الوهابية في اليمن ـ تأثروا بالفكر السني عموماً والفكر الوهابي خصوصاً، حتّى أصبح من أُسرة العماد قيادات كبيرة في الحركة الوهابية في اليمن، وفي مقدّمتهم رئيس الكتلة البرلمانية الوهابية في مجلس الشورى اليمني عبدالرحمن العماد (عم عصام العماد)، الذي أولى اهتماماً كبيراً لعصام منذ طفولته، حتّى أنه أرسله إلى معهد صنعاء العلمي الذي يعدّ أكبر معهد للوهابيين في اليمن، فدرس عصام فيه من السنة الابتدائية الأولى إلى أن تخرّج منه عام 1987م، ثمّ أرسله عمه عبدالرحمن إلى السعودية للدراسة في جامعة الامام محمد بن سعود (قسم الحديث) في الرياض في عام 1988م.

وبعد هذا كلّه، فلا ريب في كون عصام كان وهابياً ثمّ انتقل إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، حتّى أنّه ألّف كتابه (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية)...

ونرفق لكم مع هذه الرسالة وثيقة تخرّج عصام العماد من المعهد المشار إليه، وهي مصدّقة من وزارة الخارجية اليمنية...".


الصفحة 82
شهادة الليسانس في قسم الدراسات الإسلامية ثم حصل على درجة الماجستير، وبعدها على شهادة الدكتوراه في علوم القرآن والحديث.

وفي مجال اهتمام الدكتور عصام بالدراسة الدينيّة فإنه إلى جنب دراسته الأكاديمية درس المذهب الوهابي في المعاهد الدينيّة منها (معهد صنعاء العلمي) وهو أكبر معهد وهابي في اليمن، وأخذ الثانوية ـ القسم الشرعي ـ من هذا المعهد، كما انّه حفظ عشرة أجزاء من القرآن، ثمّ درس عند علماء اليمن في المساجد، وحضر دروس بعض الشخصيات العلمية البارزة في صنعاء منهم العلاّمة العمراني في جامع الزبيري في صنعاء، ثم قام بتدريس الفقه السلفي، فدرّس كتاب فقه السنة في جامع الأسطى، كما أنه مارس الخطابة في مساجد صنعاء، فتولّى خطبة الجمعة في جامع الأسطى وتارة في جامع باب القاع. كما أنه سافر إلى السعودية والتحق بكلية اصول الدين ـ قسم الحديث ـ في جامعة الإمام محمد بن سعود وبقى في السعودية أكثر من سنة، حضر خلالها بعض الدروس عند مفتي المملكة ابن باز.


الصفحة 83

تصوره السابق عن المذهب الشيعي:

كان المصدر الوحيد لمعرفة الدكتور عصام بمذهب التشيع هو كُتب إحسان الهي ظهير وكُتب محمد مال الله، وكتاب محبّ الدين الخطيب، فلهذا تبادرت في ذهنه صورة قبيحة عن هذا المذهب، ومن خلال تراكم هذه الصور المشوهة امتلأ قلبه بالحقد والكراهية أزاء الشيعة والتشيع.

وشبّ الدكتور عصام على هذا المنوال بحيث أدى به هذا النفور من التشيع إلى الانزعاج المطلق منهم ومن كل أمر له صله بهم، فدفعه ذلك لتأليف كتاب ضد الشيعة تحت عنوان: "الصله بين الشيعة والغلو"(1).

إعادته النظر حول التشيع:

كانت أوّل حادثة دعت الدكتور عصام لتجديد النظر في رؤيته وتقييمه للكيان الشيعي هي أنّه حصل على كتاب (الإمام الصادق) لمؤلفه محمد أبي زهرة، فكان هذا الكتاب أوّل كتاب أتاح للدكتور عصام فرصة النظر من زاوية أخرى إلى الشيعة.

ويقول الدكتور عصام حول هذا الكتاب: "إنّ هذا الكتاب ـ وإن كان يحتوي على نقد للمذهب الجعفري ـ لكنّه كان يمتاز بإسلوب موضوعي في مناقشة مباني وعقائد الشيعة وكان إسلوبه يختلف عن منهج إحسان إلهي ظهير وغيره من الذين تطفح كتاباتهم بالأساليب غير الموضوعية والفاقدة للاتزان".

ومن هذا المنطلق قرّر الدكتور عصام أن يتّبع منهج أبي زهرة في دراسته للتشيع، فتوجّه إلى البحث بأسلوب غير متعصّب حتى عثر على مجلة "رسالة الإسلام" وهي مجلة مصرية قديمة، فوجد فيها أبحاثاً تتطرق حول موضوع التشيع.

____________

1- لم يقم المؤلف بطبعه، بل بادر إلى اتلافه بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام).


الصفحة 84

المفاجأة الأولى في البحث:

يقول الدكتور عصام: "كانت أكبر صدمة لي حين بحثي حول التشيّع هي قراءتي لفتوى الإمام الشيخ محمود شلتوت المشهورة والتي ذكر فيها أنّ الشيعة مسلمون، وأنّ المذهب الاثنى عشري هو المذهب الخامس في الاسلام".

فاستغرب الدكتور عصام من هذه الفتوى، ثم قرّر أن يعمّق دراسته للمذهب الشيعي، ليتعرّف على الأسباب التي دعت الشيخ شلتوت لهذا القول بالنسبة إلى هذا المذهب.

وكان الدكتور عصام أنذاك عام 1988م في جامعة الإمام محمّد بن سعود إلاّ أنّه كان يتردد على جامعة الملك سعود لقربها من محل سكنه في "الدرية" وكان آنذاك يطالع في جامعة الملك سعود، وكانت مكتبة الجامعة تمتلك قسماً خاصاً يتعلق بجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان في هذا القسم حقلا من الكتب حول الشيعة الجعفرية، فبادر الدكتور عصام إلى مطالعة هذه الكتب، لكنه بمرور الزمان وجدها لا تفي له بالغرض الذي يبتغيه، لأنها تعتمد على أساليب سطحيّة في دراسة الفكر الشيعي وتتّسم بالنظرة الجزئية إلى الكيان الشيعي وتلتجىء إلى أساليب غايتها تشويه صورة التشيّع، واستنتج بالتدريج بأنّ بعض علماء أهل السنة قد التبس عليهم الأمر في تقييمهم للتشيع وأنّهم وقعوا ضحية الخلط بين الشيعة والغلاة، ولم يفرّقوا بين التشيع والغلو.

اكتشافه للحقيقه:

اكتشف الدكتور عصام أنّ علماء الجرح والتعديل لم يتعاملوا مع الإمام علي(عليه السلام)بنفس الصورة التي تعاملوا مع غيره من الصحابة، ثم رأى في كتابات

الصفحة 85
كثيرة وجود تحيّز خاص بالنسبة إلى الصحابة، وهو غير موجود حينما يتم التطرّق إلى شخصية الإمام علي(عليه السلام)، فرأى الامام علي مظلوماً بحيث لم يدافع عنه الكثير من الكتّاب والمؤلفين خشية أن يُتهموا بالتشيع.

فبحث الدكتور عصام هذه الظاهرة، ثمّ بدأ ينبش في التاريخ ليصل إلى دليل هذا الأمر، فرأى جذوره في دولة بني أمية، ورأى أن معظم العلماء قد وقعوا في الفخ الذي حفره لهم بنو أمية، وأن الكثير من المفكرين ساروا على النهج الذي رسمه بنو أمية واتبعوا سيرتهم في تعاملهم مع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).

ومن هنا اطّلع الدكتور عصام على المؤامرة التي حيكت لتنحية أهل البيت(عليهم السلام)عن الساحة، وإبعاد الأمّة عن حديث الثقلين الذي ورد بصيغة كتاب الله وأهل بيتي وهكذا إبعادهم عن حديث الاثنى عشر وغير ذلك.

وكان من أبرز الشواهد التي لامسها الدكتور عصام في هذا التحيّز أنّه لاحظ حين اصغائه لدرس العالم الوهابي "محمد بن اسماعيل العمراني" الذي كان يحضر عنده لتلقي العلوم الاسلامية، أنّه كان يذكر أقوال عشرات الفقهاء حول المسألة الفقهيّة التي يتطرّق إليها، ويورد أسماء عشرات الأئمة والحفاظ والعلماء على مدى جميع القرون ثم يقول في الأخير: وقيل أن بعض أهل البيت قالوا كذا وكذا، فكان غالبية الحاضرين يعترضون عليه اعتراضاً شديداً حينما يذكر رأي بعض أهل البيت(عليهم السلام) ولا يطيقون استماع هذه المقولة بأنّ لأهل البيت رأياً في المسائل الفقهية.

فشعر الدكتور عصام كأنّ العصر الأموي لا يزال مهيمناً على دفة الحكم، وأنّه يحكم بثقافته المعادية لأهل البيت(عليهم السلام).

فبدأ الدكتور عصام يتساءل في نفسه: لماذا نسمع ونصغي لرأي جميع الأئمة والعلماء، ولكننا لا نطيق الاستماع إلى ذكر أهل البيت(عليهم السلام).

وهكذا بدأت التساؤلات تزداد يوماً بعد يوم في سريرة الدكتور عصام حتى تحوّلت إلى قوة هائلة دفعته للبحث المعمق حول مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).


الصفحة 86

اعتناقه لمذهب التشيع:

حينما وجد الدكتور عصام بغيته في مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لم يتحمّل البقاء في انتمائه السابق، وكان أنذاك في جامعة الامام محمد بن سعود، فغيّر انتماءه العقائدي، واعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ثم قرّر بعدها مغادرة الجامعة والهجرة إلى الأرض التي تعينه على تعميق الصلة بالعقيدة التي فرضت نفسها عليه بالأدلة والبراهين، فعاد إلى بلده اليمن، ثم سافر إلى سوريا والتحق بالحوزة العلمية في دمشق بالسيدة زينب، فبقي فيها فترة وجيزة، ثمّ سافر إلى إيران عام 1990م والتحق بالحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة، ودرس فيها المقدمات والسطوح إلى أن وصل إلى البحث الخارج في الحوزة العلمية، وهو يعتبر أقدم طالب وفد إلى إيران لطلب العلم.

ثم بادر الدكتور عصام بعد بلوغه المرتبة المطلوبة في العلم إلى القيام بعملية التبليغ، فمارس عملية تدريس علوم أهل البيت(عليهم السلام) في أوساط الحوزة العلمية وباشر التأليف والكتابة، كما أنّه تصدى لمناظرة أهل السنة والحوار معهم من أجل أن يبيّن لهم الحقائق التي توصّل إليها خلال البحث، ومن جملة هذه المناظرات هي مناظرته مع الشيخ عثمان الخميس التي سيتم الإشارة إليها لاحقاً.

مؤلفاته:

(1) "رحلتي من الوهابية إلى الاثنى عشرية":

سيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن "سلسلة الرحلة إلى الثقلين".

(2) "المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين"، محاولة للتقريب بين الاثني عشرية والوهابية.

الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الاسلامية، الطبعة الأولى 1422هـ.

يتضمن هذا الكتاب عدة مواضيع منها: كيف نعرض المذهب الاثنى عشري للوهابيين، مشكلة الخلط عند الوهابية، موقف الاثنى عشرية من التصورات الوثنية للغلاة.


الصفحة 87

وقفة مع كتابه: ((المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين))

"يعرض المؤلف حقيقة كتابه بالقول:

إنّ هذا الكتاب هو محاولة لمعالجة بعض سلبيات الحوار بين الاثنى عشرية وبين الوهابية، من خلال تجربتي في الحوار مع الوهابية لفترة دامت أكثر من اثنى عشر عاماً، ومنْ خلال انتمائي السابق للوهابية، فقد درست عند كبار علماء الوهابية في اليمن، ثُمّ ذهبت للدراسة في المملكة السعودية. وكنت من أشدّ الوهابيين تعصّباً، حتى إنني كتبتُ كتاباً في تكفير الاثنى عشرية سمّيته (الصلة بين الاثني عشرية وفرق الغلاة)، وبعد أن تركت الوهابية وانتقلتُ إلى الاثنى عشرية كتب كتاباً تحت عنوان (حقائق المذهب الاثنى عشري وخصائصه أو رحلتي من الوهابية إلى الاثنى عشرية). ومن ثَمَّ فأنا عندما أتحدَّث عن كيفية الحوار مع الوهابيين، إنّما أتحدث عن كيفية الحوار مع جماعة كنت من أكثر الناس تعصّباً لها، وبالتالي فأنا أعرفُ الطريقة المثلى في الحوار مع الوهابيين".

بعض خصائص الحوار المطلوب:

لابد من الإشارة إلى قضية هامة في منتهى الأهمية وهي: أنّ الحوار مع الوهابيين لا بد أن ينحصر في أمرين ضروريين ويضاف لهما أمر ثالث:


الصفحة 88
الأمر الأول: لابد من إقناع الوهابي الذي نحاوره أن يكون الحوار في آية واحدة من القرآن أو في رواية واحدة لا في موضوع واحد، بل لابد من اقناعه أن يكون الحوار في نقطة واحدة من آية واحدة أو رواية واحدة من موضوع واحد; لأنّ العقل الوهابي لا يمكن أنْ يستوعب حقيقة المذهب الاثنى عشري إلاّ إذا بحثنا معه بالتدرج البطيء; من آية إلى آية ومن رواية إلى رواية. ولابدّ قبل بداية الحوار مع الوهابيين أن نبين لهم أهمية الالتزام بذلك.

إنّ الحوار بهذه الصورة هو حوارٌ ذو منهجية علمية; ففي العالم كلِّه نجد أنّ الجامعات ترفض البحث عن قضية كلية، بل تطالب بالبحث عن جزء صغير من قضية كلية; لأنّ فائدة البحث تكون قوية إذا انحصرت في جزئية صغيرة. أما إذا بحثنا مع الوهابيين بصورة عامة فلا يمكن أن يدركوا حقائق وخصائص المذهب الاثنى عشري.

والأمر الثاني: من الخطأ الكبير أن تحاور الوهابيين في غير حديث الثقلين: لأنك إذا حاورته في غير حديث الثقلين من فضائل الإمام علي الأُخرى فسوف يقول لك: وردت الفضائل في غيره ـ أيضاً ـ.

ومن هنا لابدّ أن نبين للعقل الوهابي أنّ ورود الفضائل في غير الإمام عليّ من الصحابة لا يعني التمسك بهم والأخذ بأقوالهم وأفعالهم، بينما حديث الثقلين دلّ على وجوب التمسك بالإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ. وقد ذكره الإمام مسلم في باب (ما ورد عن النبي في الإمام علي).

وإذا طلب الوهابي أن يكون الحوار من خلال القرآن، فلابد أن تبدأ معه بآية التطهير، لا بآية الولاية أو غيرها; لأسباب علمية كثيرة.

وأهم هذه الأسباب أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين آية التطهير وبين

الصفحة 89
حديث الثقلين، فلا يوجد أحد من أهل السنّة ذكر آية التطهير وحديث الكساء إلاّ وذكر معهما حديث الثقلين ولا يوجد أحد من المسلمين يجهل العلاقة الوثيقة بين حديث الكساء وبين حديث الثقلين، والبحث في آية التطهير سوف يجرّنا إلى البحث في حديث الكساء وإلى البحث في حديث الثقلين.

والأمر الثالث: لابد أن يكون الحوار مع الوهابيين حول دور بني أمية في الفصل بين أهل السنة وأهل البيت.

ولابدّ من ترك الحوار في القضايا التي يثيرها الوهابيون من أجل صرف الناس عن مذهب أهل البيت، مثل: أُسطورة وجود قرآن آخر للاثني عشرية وغيرها من الأساطير التي نسبوها لمذهب أهل البيت، وباعدوا بسببها بين الناس وبين مذهب أهل البيت.

والذي جعلني أرى أن يكون ابتداء الحوار مع الوهابيين حول حديث الثقلين أنني رأيت ـ ومن خلال دراسة استقرائية شاملة ـ أنّ حديث الثقلين هو السبب الرئيسي في انتقال الكثير من الوهابية ومن أهل السنّة إلى المذهب الاثني عشري.

ومن هنا لابد أن يكون الحوار معهم قبل كلِّ شيء حول حديث الثقلين، وأي حوار معهم لا يبدأ بحديث الثقلين لن يكون مثمراً ولن ينقلهم إلى مذهب أهل البيت، مع أننا لا نهدف من الحوار مع الوهابيين إلاّ نقلهم إلى مذهب أهل البيت، أو التقريب بينهم وبين الاثني عشرية. ولا شكّ أنّ الكثير من الوهابيين يريدون معرفة الحق، ولو عرفوا الحق لاتبعوه.

وأذكر أمراً هاماً وضرورياً لابدّ من طرحه على الوهابيين قبل بدء الحوار معهم حول حديث الثقلين أو غيره، وهو: إنه لابدّ للوهابي أن يعلن قبل

الصفحة 90
بدء الحوار مع الاثني عشري أنه يلتزم بما قاله أهل السنّة من أن الاثني عشرية من الفرق الإسلامية، وأن يبين له أنّ الحوار بين الوهابية وبين الاثني عشرية هو حوار بين فرقتين من فرق الإسلام. وإذا أصرّ على تكفير الاثني عشرية، فلابدّ أن نبيّن له أنه خرج عن منهج أهل السنّة في التعامل مع الاثني عشرية، وفي التعامل مع المذاهب الأربعة عند أهل السنّة. وإذا أصرّ الوهابي ـ أيضاً ـ على تكفير الاثني عشرية، فلا يصح له أن يحاور الاثني عشرية في حديث الثقلين أو في غيره.

ولابدّ من الإشارة إلى قضية هامة ترتبط بالحوار حول قضية الصحابة: حيثُ إنني أرى من الخطأ طرح قضية الصحابة قبل طرح حديث الثقلين; لأن قضية الصحابة إنّما طُرحت بسبب مخالفة حديث الثقلين، بل إنّني أعتقد أن الحوار حول أي شبهة من الشبهات التي اُثيرت ضد مذهب أهل البيت لا يصح إلاّ بعد طرح حديث الثقلين على مائدة الحوار، لأنّ كل الشبهات التي أثيرت ضد مذهب أهل البيت إنّما تولّدت كنتيجة حتمية لإعراض بعض المسلمين عن حديث الثقلين. وحين ننتهي من البحث مع الوهابيين حول حديث الثقلين حينئذ نشرع في البحث معهم حول حديث الكساء، ثم نبحث بعد ذلك معهم حديث الاثنى عشر.

وهذه الأحاديث الثلاثة (حديث الثقلين + حديث الكساء + حديث الاثني عشر) هي السبب الرئيسي في تحول الكثير من الوهابيين وأهل السنّة إلى الاثني عشرية، فلابدّ أن يدور الحوار في البداية حول هذه الأحاديث الثلاثة قبل الحوار مع الوهابيين حول الشبهات; التي أثارها خصوم مذهب أهل البيت ضد الاثني عشرية.


الصفحة 91

مراحل المنهج:

يقول المؤلف عن منهجه:

ومنهجنا في عرض ورسم (حقائق الاثني عشرية وخصائصها) يمر بثلاث مراحل، لابد من الالتزام بها حتى نسلم من الاخطاء التي انزلت فيها اتباع الوهابة ى أثناء عرضهم ورسمهم لـ (حقائق الاثني عشرية وخصائصها).

والمراحل الثلاث في هذا المنهج الذي اخترته ـ من أجل عرض حقائق وخصائق المذهب الاثني عشري على الوهابيين حتى يتمكنوا من فهمها ودركها ـ سوف أعرضها بهذا الترتيب الذي ينبغي مراعاته:

المرحلة الأُولى: (مرحلة المعرفة الانتسابية للمذهب الاثني عشري):

وسوف ندرس في هذه المرحلة الأسباب وعوامل خطأ الوهابية في مرحلة المعرفة الانتسابية للمذهب الاثني عشري. أو بتعبير آخرد أسباب وعوامل مشكلة الخلط بين المذهب الاثني عشري وفرق الغلاة عند اتباع الوهابية.

وهذه الأسباب والعوامل تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الأسباب والعوامل التي ترجع إلى جهل اتباع الوهابية بالمذهب الاثني عشري، وهي ثلاثة أسباب:

1 ـ السبب الأول: الجهل بمعنى الغلو.

2 ـ السبب الثاني: الجهل بمعنى المذهب الاثني عشري.