3 ـ السبب الثالث: الجهل بموقف المذهب الاثني عشري من الغلو وفِرَق الغلاة.
القسم الثاني: الأسباب والعوامل التي ترجع إلى طبيعة الجماعة الوهابية، ويمكن حصرها في سببين رئيسيّين:
4 ـ السبب الرابع: طريقة التفكير عند الوهابية.
5 ـ السبب الخامس: الخروج عَنْ منهج أهل السنّة في التعامل مع المذهب الاثني عشري.
وبعد أن ينتهي القارىء من دراسة (المرحل الأولى) يتناول (المرحلة الثانية).
المرحلة الثانية: (مرحلة المعرفة التحليلية للمذهب الاثني عشري):
وفي هذه المرحلة نتناول أربع حقائق هامة وهي:
الحقيقة الأُولى: حقيقة الالوهية والنبوة في المذهب الاثني عشري.
والحقيقة الثانية: حقيقة الشرائع والأحكام في المذهب الاثني عشري.
والحقيقة الثالثة: حقيقة أهداف المذهب الاثني عشري.
والحقيقة الرابعة: حقيقة معنى بعض المصطلحات في المذهب الاثني عشري.
وبعد أن ينتهي القارىء من دراسة (المرحلة الثانية) يتناول (المرحلة الثالثة).
المرحلة الثالثة: (مرحلة المعرفة الجذرية للمذهب الاثني عشري):
الحقيقة الخامسة: حقيقة منابع المذهب الاثني عشري.
والحقيقة السادسة: حقيقة الإمامة في المذهب الاثني عشري.
والحقيقة السابعة: حقيقة هوية المذهب الاثني عشري.
والحقيقة الثامنة: حقيقة نشأة المذهب الاثني عشري وعلل نشأته.
وبعد أن ينتهي القارىء من دراسة المراحل الثلاث ينتقل إلى دراسة (خصائص المذهب الاثني عشري).
خصائص المذهب الاثني عشري:
وهذه الخصائص وإن كانت ترتبط بـ (مرحلة المعرفة التحليلية للمذهب الاثني عشري)، لكننا تعمدنا تأخيرها لأنها آخر ما يدركه الوهابيون من الاثني عشرية، وسوف ندرس ثلاث خصائص من خصائص هذا المذهب، وهي:
الخاصية الأولى: خاصية الوسطية الإيجابية في التعامل مع أهل البيت عند الاثني عشرية.
والخاصية الثانية: خاصية الواقعية في التعامل مع الصحابة عند الاثني عشرية.
والخاصية الثالثة: خاصية غيبة الإمام الثاني عشر في المذهب الاثني عشري.
هذه هي مراحل دراسة المذهب الاثني عشري التي ينبغي بل يجب الالتزام بالترتيب المذكور عند طرح هذا المذهب للوهابيين. وإليك فيما يلي بحثاً مختصراً حول كل منها حسب الترتيب المذكور.
والشكل الآتي يبيّن خلاصة المنهج الجديد في عرض المذهب الاثني عشري على الوهابيين.
التسلسل في عرض المراحل الثلاث للمذهب الاثني عشري
الجهل بمعنى الغلو:
يوضّح الكاتب أحد المعاني الرئيسية التي أراد أن يطرحها في كتابه بالقول:
إنني لاحظت من خلال قراءتي للكتب التي كتبها الوهابيون عن الغلو والغلاة أنّهم وقعوا في أخطاء كثيرة في تحديد وتعريف كلمة (الغلو)... وأنّهم وسّعوا من مدلول هذه الكلمة وأدخلوا فيها محتويات ومضامين غريبة عنها.
ولابدّ لنا من الإشارة إلى حقيقة هامة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع هذا الكتاب وهي: إنّ الوهابية ـ من حيث لا يعلمون ـ لم يميزوا بين معنى (الغلو) الذي ذكره فقهاء أهل السنّة وفقهاء الاثني عشرية، وفي أبواب ومسائل أحكام المرتدين الخارجين عن الإسلام، وبين معنى (الغلو) الذي يُطلق ـ أحياناً ـ على بعض رواة الحديث من المسلمين، ولا يُقصد منه ـ غالباً ـ ذلك المعنى الخطير للغلو الذي ذُكر في أبواب ومسائل أحكام المرتدين.
(وهم الذين غلو في حقِّ أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربّما شبّهوا واحداً من الأئمة بالإله، وربّما شبهوا الإله بالخلق، وهم على طرفي الغلو والتقصير. وإنّما نشأت شبهتهم من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية، ومذاهب اليهود والنصارى)(1).
ونستخلص من كلام الشهرستاني: إنّ الغلو الذي ذُكر في مسائل وأبواب أحكام المرتدين يرتكز على مرتكزين أساسيين:
المرتكز الأول: تإليه الإنسان.
والمرتكز الثاني: أنْسَنتْ الإله.
ولا شك أنّ القولَ باتحاد الذات الإلهية أو حلولها في الإنسان ـ أي إنسان ـ يقتضي أنسنت الإلهية; كما أنّ القول بقدم الإنسان ـ أي إنسان ـ يستلزم تإليه الإنسان. والباحث عن الفِرَق المغالية التي غالت غلواً ـ بهذا المعنى الذي ذكرناه ـ يجد أنّ مقالات هذه الفرق لا تخرج عن هذين المرتكزين الأساسين الخطيرين.
إذن، فالغلو الذي ذُكر في أبواب ومسائل أحكام المرتدين يشتمل على صفات معينة وردت في كلام الشهرستاني، أما الغلو الذي يطلقه علماء الرجال على بعض رواة الحديث فهو في الغالب لا يرتبط بذلك الغلو، بل يرتبط بمسائل فرعية خلافية بعيدة عن قضايا أُصول الدين الإسلامي.
وتكمن الخطورة الكبرى في الخلط عند الوهابية بين معنى الغلو الذي ذُكر
____________
1- كتاب الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني الشافعي الأشعري.
ولو كان (عبدالرحمن الزرعي) أدرك معنى ومفهوم الغلو ومراتبه وأنواعه لما وقع في هذا الخلط الخطير; الذي يلزم منه تكفير الكثير من رواة الحديث النبوي.
إنّ الوهابيين المعاصرين عندما يقرؤون الكتب الرجالية عند قدماء أهل السنة، يجدون أنّ قدماء أهل السنّة أطلقوا كلمة (الغلو) على رواة اختلفوا معهم في مسألة (التفضيل بين الصحابة)، وحسبوا أن اطلاق كلمة (الغلو) على هؤلاء كان بسبب أنّهم يقولون بتأليه غير الله ـ تعالى ـ.
ومن ثَمَّ لم يكن بد ـ وقد ابتعدت الوهابية من حيث لا يعلمون عن مفهوم الغلو عند قدماء أهل السنّة ـ من أن نفصلَ ونميز بين حقيقة (الغلو) عند أهل السنّة وبين حقيقة (الغلو) عند الجماعة الوهابية; لأنّ الوهابية بعد أن وسعت من مدلول كلمة (الغلو) أصبحت ترى أنّ جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية من فرق الغلاة الضالين والمنحرفين، وأصبحت الوهابية تطلق كلمة (الغلو) على الاثني عشرية، من دون ملاحظة الفرق بين مفهوم ومراد قدماء أهل السنّة من كلمة (الغلو) عندما أطلقوه على (الاثني عشرية)، وبين مفهوم ومراد قدماء أهل السنّة
المستقبل للمذهب الاثني عشري:
يعطي الكاتب هذه البشارة ويوضّح ذلك فيقول:
وحين نحسن العرض للمذهب الاثني عشري سوف يلتحق بهذا المذهب العظيم حتى أولئك الذين يوجهون الضربات الوحشية له; لأنّهم إنّما يحاربون هذا المذهب بسبب عدم إدراكهم وفهمهم لحقائق وخصائص هذا المذهب العظيم، وعزل أنفسهم ـ من حيث لا يعلمون ـ عن هذا المذهب بشتى التمويهات والأكاذيب عن هذا المذهب.
ولكن الذي لا شك فيه أنّ إخواننا الوهابيين إذا فهموا الخصائص الذاتية العظيمة للمذهب الاثني عشري، فسوف يلتحقون بهذا المذهب ويكونون من دعاته.
إنّ الوهابيين يعجبون كيف استطاع المذهب الاثنى عشري أنْ يفرضَ نفسه على أكثر مناطق العالم، على الرغم من كثرة أعدائه، وانتشارهم في كل مكان على وجه الأرض، واستخدامهم لشتى الخطط والأساليب في سبيل محاربته!
لكن سرّ ذلك الانتشار يكمن في القوة الذاتية والفكرية للمذهب الاثني عشري، وفي الاعتدال في فهم حقائق الإسلام ودرك مقاصده.
وإنّ الوهابيين يرون أنّ المذهب الاثني عشري بقوته الذاتية هو الذي يلتحق به المئات من أهل السنَّة، والعشرات من الوهابيين، ويرونهم يعلنون حرباً على خصوم هذا المذهب، بعد أن كانوا من أشدِّ أعداء (الاثني عشريين)!
(والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة)(1).
يقول هذا الكلام على رغم الخصومة الشديدة التي يحملها لهذا المذهب; بسبب أنّه لم يدرك حقائقه وخصائصه.
ونحن نستيقن أنّ الوهابيين عائدون إلى المذهب الاثني عشري، وأن المستقبل لهذا المذهب، ولكن لن يتحقق ذلك إلاّ إذا عرضنا هذا المذهب بطريقة تتناسب مع سنخية العقل الوهابي.
وهكذا; جاءت كتابات الوهابيين تشهد أنّ المستقبل للمذهب الاثنى عشري.
وفي موضع آخر يذكر الكاتب الوهابي الشيخ (ربيع بن محمد السعودي)... في كتابه (الشيعة الإمامية في ميزان الإسلام)(2) بما يؤكّد أنّ المستقبل لهذا المذهب ويقول:
(ففي زيارتي لمصر بعد انقطاع عنها دام أربع سنوات بل خمس، وبعد أنْ
____________
1- ج1، ص21.
2- ورغم أن الكتاب طبع في مؤسسة تحارب المذهب الاثني عشري، لكنه لا يستطيع إنكار حقيقة أنّ المستقبل للمذهب الاثني عشري. طبع هذا الكتاب في مكتبة العلم بمدينة جدة ـ السعودية.
وهو يعني التحوّل من المذهب السنّي والمذهب الوهابي إلى المذهب الاثني عشري.
إلى أن يقول:
(ومما زاد عجبي من هذا الأمر أنّ إخواناً لنا ومنهم أبناء أحد العلماء الكبار المشهورين في مصر، ومنهم طلاب علم طالما جلسوا معنا في حلقات العلم، ومنهم بعضُ الإخوان الذين كنا نحسنُ الظنَّ بهم; سلكوا هذا الدرب! [يعني: أصبحوا من الاثني عشريين] وهذا الاتجاه الجديد هو التشيع)(1).
لو كان أخونا الشيخ (ربيع بن محمد السعودي) يدرك الخصائص الذاتية العظيمة للمذهب الاثني عشري لما عَجِب وانبهر حين رأى كبار أهل التسنن والوهابيين يدخلون في المذهب الاثني عشري أفواجاً!
ومن أجل هذا الشيخ وأمثاله كتبنا هذا الكتاب حتى يدركوا الأسباب التي جعلت الكثير من الوهابيين يدخلون في هذا المذهب، وحتى يدركوا أنّ مسألة التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، هي مسألة ممكنة وليست مستحيلة كما يحسبون.
والآن نأتي إلى بشارة من العالم الوهابي الذائع الصيت الشيخ الدكتو (ناصر القفاري)، وهذه البشارة تبين أنّ المستقبل للمذهب الاثني عشري، وفيها يقول الشيخ ناصر القفاري:
(وقد تشيع الكثير [يعني الكثير من أهل السنَّة ومن الوهابيين] ـ إلى أن يقول ـ ومن يطالع كتاب (عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد) يهوله الأمر حيث يجدُ قبائل بأكملها قد تشيعت).
____________
1- انظر مقدمة كتابه المذكور.
وكلَّما نقرأ كتابات إخواننا الوهابيين نزداد يقيناً بأنّ المستقبل للمذهب الاثني عشري; لأنّهم يتابعون حركة الانتشار السريعة لهذا المذهب في وسط الوهابيين وغيرهم من المسلمين.
وفي هذه الحقيقة (حقيقة أنّ المستقبل للمذهب الاثني عشري) يقول الشيخ (عبدالله الغُنيمان) المدرس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في المملكة العربية السعودية، يقول في كتابه (مختصر السنة) الذي اختصره من كتاب (منهاج السنّة) للإمام ابن تيمية:
(حيث أطل الرفض [يعني الاثني عشرية لأن الشيخ عبدالله غنيم يخلط بين الرافضة وبين الاثني عشرية] على كلِّ بلد من بلاد الإسلام).
إنّ الوهابيين على يقين بأنّ المذهب (الاثني عشر) هو الذي سوف يجذبُ إليه كل أهل السنَّة وكل الوهابيين في المستقبل القريب.
ويحمل إلينا العالم الوهابي الشيخ (محمد بن عبدالرحمن المغراوي) بشارة عظيمة في كتابه (من سبَّ الصحابة ومعاوية فأُمة هاوية)، تبين انتشار المذهب الاثني عشري في بلاد الغرب، ويقول ـ بعد أنْ يبين انتشار المذهب الاثني عشري في مشرق العالم الإسلامي ـ:
(... فخفت على الشباب في بلاد المغرب...)(2)، ثم يبين دخول هذا المذهب.
ولو كان أخونا الشيخ (محمد عبدالرحمن المغراوي) يعلم الخصائص الذاتية العظيمة للمذهب الاثني عشري لما خاف من انتشار هذا المذهب في
____________
1- انظر مقدمة كتابه (أُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية) المجلّد الأوّل، الطبعة السعودية.
2- سلسلة العقائد السلفية (من سبَّ الصحابة ومعاوية فأُمه هاوية)، تأليف الشيخ الفاضل محمد بن عبدالرحمن المغراوي، مقدمة الكتاب: 4. مكتبة التراث الإسلامي القاهرة.
إنّه حين يتعرّف الوهابي على (الاثني عشريين) سوف يستيقن أنّهم ملائكة الرحمة، وفرسان الحق.. وفي هذا ينقل إلينا أخونا الشيخ الوهابي (مجدي محمد علي محمد) في كتابه (انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية)(1)، ينقل إلينا هذه العبارة:
(... جاءني شاب من أهل السنّة حيران، وسبب حيرته أنّه قد امتدت إليه أيدي الشيعة...).
إلى أن يقول في شأن هذا الشاب:
(.. حتى ظن المسكين أنّهم [يعني: الاثني عشريين] ملائكة الرحمة وفرسان الحقِّ..)(2).
وهكذا... وهكذا.. هنالك المئات من عبارات الوهابيين التي تؤكّد أنّ المستقبل القريب للمذهب الاثني عشري.
ولكن يبقى أمرٌ واحد يجب أن يكون في الحسبان وهو: إنّ الوهابيين ليسوا خصوماً لهذا المذهب العظيم، لأنّهم حين يعرفونه لا يترددون في اتباعه، ولكن يجب علينا أن ننزل إلى مستوى العقل الوهابي عند عرض الخصائص الذاتية العظيمة والعميقة للمذهب الاثني عشري; حتى نرفعهم إلى مستوى العقل الاثني عشري.
والله ينصر دين الحق ويظهره على الدين كله (هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )(3). وصدق الله العلي العظيم.
____________
1- والكتاب طُبع في دار وهابية، دار طيبة في الرياض ـ السعودية.
2- انظر الكتاب الذي ذكرناه: 11 ـ 14.
3- الصف: 9.
وقفة مع مناظرة الدكتور عصام العماد مع الشيخ عثمان الخميس
أهمية المناظرة بين الشيعة والسنة:
إن المسلمين في هذه الأيام العصيبة التي يشهد العالم الاسلامي غزواً ثقافياً هائلا من التيارات المضادة على الاسلام، ما أحوجهم إلى كلمة تلمّ شملهم وتؤلف بين قلوبهم.
ولا يتحقق هذا الأمر إلاّ عبر مناظرات سليمة تعين المسلمين على اجتياز الحواجز التي تقف فيما بينهم، لأنّ المناظرة المبتنية على الضوابط الصحيحة تدعو كلا الطرفين إلى قراءة تصحيحه واصلاحية واعية متجرّدة، وتؤدّي إلى تنقية العقيدة الاسلامية من كل دخيل ومشبوه افرزته الخصومات العقائدية الحاصلة بين المسلمين عبر التاريخ.
سمات وشروط المناظرة البناءة:
إن المناظرة البناءة هي المناظرة التي يشعر فيها طرفي الحوار أن الآخر يساعده للوصول إلى الصورة الكاملة عن الحقيقة، وهي المناظرة التي تؤدي إلى توسيع آفاق رؤية الطرفين وتخطّي الحواجز الموجودة فيما بينهم، والتي تدفعهما عن طريق تبادل الرأي وتلاقح الأفكار أن يصلا إلى الرؤية الواضحة عن فكر الآخر.
ولا تتحقق هذه المناظرة إلاّ إذا التزم كل من طرفي المناظرة
1 ـ تحديد ساحة مشتركة في النظر من أجل الوصول إلى لغة مشتركة يمكن من خلالها التفاهم حين تبادل وجهات النظر، والمبادرة إلى اقناع الطرف المقابل على ضوء مبناه وبما الزم به نفسه.
2 ـ ضبط الغضب والسيطرة على كل انفعال من شأنه أن يسلب قدرة الانسان على التفكير بوضوح ويدفعه إلى الخروج عن حالة التوازن والاعتدال في الكلام والتصرفات.
3 ـ إدراك طرفي المناظرة بأنّ الحوار ليس ساحة حرب أو معركة من أجل تأكيد الذات والتغلّب على الآخرين، بل هو ساحة تعاون مشترك من أجل اكتشاف الحقيقة، فلهذا لا يشترط في المناظرة أن يكون فيها غالب ومغلوب في نهاية المطاف، بل المطلوب أن يبيّن كل من الطرفين وجهة نظره للآخر، ليوسّع بذلك آفاق رؤيته إلى الحقائق.
4 ـ خلق أجواء ملؤها الثقة المتبادلة بين الطرفين، وإقامة علاقة طيبة ومتينة مع المقابل، بحيث يكون الطرفان قادران على فتح المغلق في أنفسهما وأن يتكلما بحرية كاملة دون تحفّظ.
5 ـ التفريق بين الفكر الضال والمنحرف وبين من يحمل هذا الفكر في ذهنه، والانطلاق من منطلق محبة الطرف المقابل في المناظرة كانسان كرّمه الله تعالى على سائر خلقه، والسعي من أجل انقاذه من الفكر المنحرف العالق بذهنه، لأنّ الذي يرى المناظر أو الانسان المتخبط في أوحال الضلال عدواً وخصماً له، لا يستطيع نفسياً أن يقدّم له الخير، ولا يستطيع أن يكون مهتمّاً بهدايته وارشاده إلى سواء السبيل، بل يكون همه القضاء عليه والتعريض الدائم به وتجريحه والاطاحة بكيانه وعدم ارادة الخير له.
6 ـ الابتعاد عن استخدام المغالطة والمراوغة وجميع الأساليب غير
الأرضية التمهدية لمناظرة الدكتور عصام مع الشيخ عثمان:
كانت الأرضية التمهيدية التي دفعت الدكتور عصام العماد للمناظرة مع الشيخ عثمان الخميس هي أن الشيخ عثمان القى محاضرة تحت عنوان "ماذا تعرف عن دين الشيعة" وحاول فيها أن يعرض صورة مشوّهة عن معتقدات مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
فادى هذا الأمر إلى استياء بعض الجامعيين في الكويت من الأكاذيب والافتراءات التي حاول الشيخ عثمان الخميس أن يلصقها بمذهب التشيع، فاتصلوا بمركز الأبحاث العقائدية واقترحوا عليه التصدي للردّ على هذه المحاضرة.
لكن المركز رأى أن هذه المحاضرة لا تستحق الرد، لأنّها لا تمتلك مقومات البحث العلمي الموضوعي، وأنّها لا تعتمد على الأسس والمباني العلمية، بل كل ما فيها معلومات مشوّهة عن الواقع واقتباسات مبتورة من تراث مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
ولكن الطلبة الجامعيين اصرّوا على المركز أن يتصدّى للردّ على هذه المحاضرة، وذكروا أن الكثير من الشباب المثقفين في الكويت بحاجة إلى توعية دينية في هذا المجال، لئلا تشتبه عليهم أمور دينهم نتيجة الشبهات التي ألقاها الشيخ عثمان في هذه المحاضرة.
ومن هنا أوعز المركز إلى قسم المستبصرين فيه لانتخاب أحد الشباب المستبصرين للردّ على الشيخ عثمان الخميس، فوقع الاختيار
ويقول الدكتور عصام حول ردّه لهذه المحاضرات: ادركت بعد سماعي لمحاضرة الشيخ عثمان أنها تريد اشعال الفتنة بين السنة والاثنى عشرية، ومن يسمع هذه المحاضرة يدرك أن صاحبها لا يحافظ على الوحدة الاسلامية.
ويضيف الدكتور عصام: انني في المحاضرة التي قمت فيها بالرد على الشيخ عثمان، بل في جميع محاضراتي ومقالاتي وكتاباتي ـ من قبيل كتابي: رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية ـ منذ أن تركت الوهابية أسعى إلى هدف واحد وهو حل مشكلة اساسية والبحث عن أسبابها وعن نتائجها السلبية، والبحث أيضاً عن طرق علاج هذه المشكلة وهي مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة، وقد بيّنت في محاضرتي للردّ على الشيخ عثمان ما وقع فيه الشيخ من خلط بين الشيعة الاثني عشرية والغلاة.
ثم اخذ الطلبة الكويتيين اشرطة الردّ إلى بلدهم وقاموا بتوزيعها في دولة الكويت وباقي الدولة العربية، وكان ذلك في شهر رجب من عام 1422هـ، فلقى هذا الرد استحساناً من الجميع وبالأخص الجامعيين من أهل الكويت.
وفي شهر شعبان من نفس السنة شرع الشيخ عثمان الخميس في القاء المحاضرات المتضمّنة للردّ على التشيع عبر الانترنت في "البالتاك" في غرفة "الداعون".
وهنا مرة اخرى رشح مركز الأبحاث العقائدية المستبصر الدكتور عصام العماد للردّ على الشيخ عثمان في غرفة "الغدير"، ومن هنا كان منطلق هذه المناظرة، حيث دعت غرفة "الحق" الشيخ عثمان للمناظرة مع الدكتور عصام
بداية مناظرة الدكتور عصام مع الشيخ عثمان:
وبالفعل شرعت المناظرة بين الدكتور عصام والشيخ عثمان في شهر شوال 1422هـ، وتم الاتفاق في الجلسة الأُولى من المناظرة على مراعاة بعض المقرّرات من قبل طرفي الحوار.
وكان من أهمها مراعاة وحدة الموضوع وعدم القفز من موضوع إلى موضوع آخر دون مقدّمات، لئلا تدور المناظرة في حلقة مفرغة من دون حسم أي موضوع.
كما أنّ الدكتور عصام اشترط على الشيخ عثمان أن يتناظر معه حسب المنهج الذي رسمه في كتابه "المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين" فقبل الشيخ عثمان ذلك، لكنّه للأسف لم يلتزم بكثير من المقرّرات التي اتفق عليها مع الدكتور عصام العماد وكان دأبه في المناظرة:
أولا: خروجه عن الموضوع مراراً، ومحاولته تشتيت البحث وطرح بحوث جانبية، من أجل تشويش اذهان السامعين وبث الشبهات.
ثانياً: تغيّبه عدة مرات عن الحضور في المناظرة بحجج متعدّدة.
ثالثاً: كثرة حصول القطع في الاينترنت عنده، بحجة ضعف خطوطها في الكويت، والملاحظ أن حصول القطع عنده كان في المواقع الحساسة جداً من المناظرة.
رابعاً: تهرّبه من الاجابة على أسألة الحضور.
خامساً: خروجه عن أدب الحوار والمناظرة، لا سيما في المناظرتين الأخيرتين.
من ثمار هذه المناظرة:
فتحت هذه المناظرة آفاق واسعة امام انظار الذين تابعوها عبر الانترنت، وتعرّف الكثير منهم على حقائق كانوا يجهلونها من قبل، فادى هذا الأمر إلى زعزعة مرتكزاتهم الفكرية السابقة وبالتالي تركها والالتزام بفكر مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
وكان من جملة الذين تأثروا بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) خلال هذه المناظرة هي الدكتورة أمينة المغربية(1)، حيث دفعتها هذه المناظرة إلى تغيير انتمائها المذهبي والانتقال من المذهب السني إلى المذهب الامامي الاثني عشري، ثم اعلنت استبصارها أمام الشيخ عثمان الخميس في احدى المناظرات.
المفاجأة بانسحاب الشيخ عثمان من المناظرة:
استمرت المناظرة حتى حلقتها الخامسة عشر، ثم تفاجأ الجميع بعدها من انسحاب الشيخ عثمان من المناظرة، وذلك بعد أن حاول الشيخ عثمان أن يلتزم منهج القاء التهم والأكاذيب والافتراءات على الشيعة والتشيع وان يتخذ السب والشتم وسيلة للدفاع عن مذهب الوهابية.
____________
1- الدكتوره امينة من المغرب، حاصله على الدكتوراه في القانون، وتدرّس في أمريكا.
مقتطفات من كلام الشيخ عثمان قبل انسحابه:
قال الشيخ عثمان في غرفتي "انصار عثمان" و"السرداب" على البالتوك في الانترنت وذلك قبل أيام من المناظرة التي انسحب فيها:
والله أنا رأيي أن نوقف الحوار كلّه، لا مع هذا ولا مع هذا، لأن الحوار معهم يعني هو عديم الفائدة، وكما قلت ابتداءً: يعني أنا ما دخلت في هذا الحوار حبّاً فيه، ولكنّي أُلجئت إليه إلجاءً، واضطُررت إليه اضطراراً، لا عن اختيار مني، وأنا مستاء جداً، يعني من هذا الحوار مستاء ومتضايق جداً منه، ولكن ما في اليد حيلة، الإنسان إذا دخل في هذا الموضوع لا يود أن يمسك على أهل السنة شيئاً في أنه تهرَّب وترك المناظرة وغير ذلك من الأمور التي تعرفونها أكثر من غيركم، وأنا إذا توقفت مع عصام العماد وأنهيت المناظرة معه لن أحاور أحداً منهم [الرافضة] قبل أن تمضي سنتين حتى أرتاح قليلا، يعني وأتفرّغ إلى أشياء أولى منها بكثير، وأقول حقيقةً ـ ولا أكذب ـ أنا لا أستعدّ لهذه المناظرة إلاّ في يومها!! لذلك أنا لو توقفت عن مناظرة الدكتور عصام العمادم فلن أناظر غيره، يعني الآن على الأقل، لأنّها حقيقة متعبة نفسياً هذه المناظرات متعبة بدنياً، ولذلك أنا اعتذر عن هذا...
وقال أيضاً:
... لكن ما أحب أو أُعيد وأُكرّر: أنّي دخلت هذه المناظرات رغماً عنّي، ليس باختياري.
وله أيضاً:
... بالنسبة للتعب من هذه المناظرة لا شكّ أن هذا الأمر موجود، ولعلّه ظاهرٌ من صوتي.
... خسرنا أمينة المغربية، آه... الله المستعان.
وقال:
... أما بالنسبة لي، أنا وما أتعرّض إليه من الإيذاء! فأكبر إيذاء أصابني هو ما يحدثُ مع عصام العماد في هذه المناظرات التي فلقت كبدي وآذتني كثيراً، والله أعلم!!
واخيراً فإن الشيخ عثمان عمد إلى تحريف المناظرة وتوزيعها محرّفة في الدّول العربية لا سيما الكويت واليمن على اشرطة الكاسيت، حيث حرّف الكثير منها وقدّم وأخّر لتخرج المناظرة بالشكل الذي ينفعه.
أثر هذه المناظرة في الصعيد العالمي:
إن المناظرة بين أهل السنة والشيعة كانت تعيش في دوائر ضيّقة ومحدودة، ولكن بفضل هذه المناظرة التي كان لها صدى واسع في العالم الاسلامي وكان لها رواد كثيرين عبر الانترنت وبفضل مناظرات اخرى عقدت بين أتباع أهل السنة وأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) دخل هذا النوع من المناظرات في مرحلة جديدة وبدأت تتسع في العالم الاسلامي حتى ادّت إلى فتح مناظرات أوسع على القنوات الفضائية.
وكل هذا يبشّر بخير، لأنه يؤدّي إلى ازالة الحجب عن أذهان المجتمعات التي حاول رجال دينها من خلال التعتيم والتشويه أن يُبقوا أهلها في دائرة ضيقة من الوعي.
وبفضل هذه المناظرات استطاع اتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) أن يبدوا معتقداتهم وأن يبرهنوا على صحتها أمام الآخرين، واستطاعوا أن يطهّروا اذهان الناس من الاتهامات المزيّفة التي يطبّل لها المغرضون من أجل تشويه سمعة
كما تمكّن اتباع مذهب أهل البيت أن يجعلوا أقوال وآراء علماء أهل السنة في الميزان، وأن يبيّنوا واقع هذه الآراء من أجل صدّ أبناء المجتمع من الانخداع بها وتحذيرهم من مطالعة كتبهم من دون الاهتمام بفحص الآراء المطروحة فيها.
(6) علي محمد فتح الدين الحنفي
(حنفي / باكستان)
ولد الشيخ علي محمد في أحد العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر الميلادي في مدينة "جنك" بالبنجاب، وهي المدينة التي تقع حالياً في دولة باكستان، وترعرع في أسرة تنتمي إلى المذهب الحنفي، ثم التحق ـ في ضوء عرف أهل زمانه ـ باحدى حلقات تدريس القرآن الكريم، فساعده ذلك على حفظ القرآن وهو في سن مبكّر.
سبب تسميته بالحافظ:
كان الشيخ علي محمد اضافة إلى حفظه للقرآن، متولّعاً منذ صغره بدراسة الحديث النبوي الشريف، وكان متميزاً بين اقرانه بذهنية رفيعة وذاكرة قوية، حتى أصبح من كبار حفّاظ عصره المشتهرين بحفظ الأحاديث الشريفة وأسانيدها، وروايتها، وقد بلغت ثقته بنفسه في هذا المجال حداً أنه قال عن نفسه في مواقف عديدة: "إذا فقدت جميع كتب الروايات فأنا استطيع أن أمليها من حافظتي".
تفوّقه في المجال العلمي:
ارتقى مستوى الشيخ على محمد في الصعيد العلمي بمرور الزمان حتى
تصدّى لمهمة التدريس، ثم اصبح استاذاً بارعاً يشار له بالبنان، وكان يحضر