الصفحة 129

وفي (شرائع الإسلام)، و(تهذيب الأحكام): لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود، والصوف، والشعر، ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدناً كالملح، والعقيق، والذهب، والفضة، والقير إلاّ عند الضرورة، ولا على ما أنبتت الأرض إذا كان مأكولا بالعادة كالخبز والفواكه، ويجوز على القرطاس، ويكره إذا كان فيه كتابة(1).

وفي تهذيب الأحكام: السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس(2).

الصلاة على النبي والآل في التشهد:

في (كنز العمال): إذا جلست في صلاتك فلا تتركنَّ الصلاة عليّ فأنَّها زكاة الصلاة، (رواه الدارقطني)(3). وعن عبدالله بن بريدة قال(عليه السلام): يا بريدة إذا جلستَ في صلاتك فلا تتركنَّ التشهد، والصلاة عليّ (رواه الخطيب)(4).

وقال النووي في شرح مسلم: ذهب الشافعي، وأحمد إلى أنَّها (أي الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله)) واجبة لو تُركتْ لم تصح الصلاة. وهو مروي عن عمر، وابنه عبدالله، وهو قول الشعبي. وقد نسب جماعة الشافعي في هذا إلى مخالفة الإجماع، ولا يصح قولهم فأنَّه مذهب الشعبي ـ كما ذكرنا ـ (وقد رواه عنه البيهقي)(5).

وفي الروضة الندية: وذهب الشافعي وحده إلى وجوبها في التشهد الأخير

____________

1- شرائع الاسلام: 1 / 30، التهذيب: 1 / 323.

2- التهذيب: 1 / 325.

3- كنز العمال: 4 / 104.

4- أيضاً: 98.

5- النووي: 1 / 175.


الصفحة 130
فأنْ لم يُصلِّ لم تَصُحَّ صلاته(1).

وفي (الصواعق المحرقة): صحَّ عن ابن مسعود تعيين محلها (أي الصلاة)، وهو بين التشهد والدعاء، فكان القول بوجوبها، لذلك الذي ذهب إليه الشافعي هو الحق الموافق لصريح السُنَّة، ولقواعد الأصوليين. وتدلُّ عليه أيضاً أحاديث صحيحة كثيرة استوعبتُها في شرحي (الإرشاد) و(العُباب) مع بيان الرد الواضح على مَنْ تَشَنَّعَ على الشافعي، وبيان أنَّ الشافعي لم يشذَّ، بل قال به قبله جماعة من الصحابة كابن عمر، وابن مسعود، وجابر، وأبي مسعود البدري، وغيرهم والتابعين: كالشعبي، والباقر(عليه السلام)، وغيرهم كإسحاق بن راهويه، وأحمد. بل لمالك قول موافق للشافعي رجَّحه جماعة من أصحابه بل قال شيخ الإسلام، خاتمة الحُفّاظ ابن حجر: لم أرَ عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلاّ ما نُقِلَ عن إبراهيم النخعي مع إشعاره بأنَّ غيره كان قائلا بالوجوب(2)، فزعم أنَّ الشافعي شذَّ، وأنَّه خالف في ذلك فقهاء الأمصار مجرد دعوى باطلة لا يُلْتَفتُ إليها، ولا يعول عليها.

وللشافعي:


يا أهلَ بيتِ رسول الله حُبكُمُفرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ
كفاكُمُ من عظيم القدر أنَّكُمُمَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صلاةَ لهُ(3)

أقول: قوله: (لا صلاة له) أي صحيحة ليكون موافقاً لمذهبه بوجوب الصلاة على الآل.

في (مختلف الشيعة): قال (الشيخ) في النهاية: الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله)

____________

1- الروضة الندية: 60.

2- الصواعق المحرقة: 88.

3- الصواعق المحرقة: 88.


الصفحة 131
فريضة، فمَنْ تركها متعمداً وجب عليه إعادة الصلاة، ومَنْ تركها ناسياً قضاها بعد التسليم(1)، وكذا في (مسالك الأفهام).

وفي شرائع الاسلام: والواجب الصلاة على النبي وآله عليه السلام(2).

وفي مدارك الأحكام: ونقل المصنف في المعتبر الاجماع على وجوبها (أي الصلاة) على النبي وآله عليه السلام(3).

إرسال اليدين:

تفحّصت كثيراً من كتب أهل السُنَّة فلم أجد حديثاً مرفوعاً قولياً ضعيفاً ولا قوياً في قبض اليدين، لا تحت السرة ولا فوقها، لا متصلا ولا منفصلا، فإذا لم يثبت (القبض) ثبت (الإرسال) ضرورةً، وفطرةً (فطرة الله التي فطر الناس عليها). لأنَّ الإنسان إذا تولد تكون يداه مرسلتين، وإذا مشى مشى هكذا، وإذا نام نام هكذا، وإذا مات مات هكذا، وإذا غُسِّل وكفّن وضع هكذا، وإذا دُفِن دفن هكذا، وإذا حُشر واعطى كتابه بيمينه أو شماله كان هكذا، مع أنَّ أحاديث القبض مستلزمة للتعارض للوضع المكاني، ففي بعضها تحت (السرة)، وفي بعضها فوقها وفي بعضها فوق الصدر.

ومن أصولهم المُسلَّمة أنَّه إذا تعارضا تساقطا فبقى الأصل، وهو (الإرسال) كما قال عبدالحي في (فتاواه) عن معاذ: أنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا كان في الصلاة رفع يديه قبال أُذنيه، فإذا كبّر أرسلهما (رواه الطبراني)، وعن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلّى أرسل يديه (رواه ابن أبي شيبة)(4).

____________

1- مختلف الشيعة للعلامة الحلي: 1 / 139.

2- شرائع الإسلام: 1 / 37.

3- المدارك: 175.

4- الفتاوى: 1 / 346.


الصفحة 132
قال الشيخ الدهلوي في (فتح المنّان في تأييد مذهب النعمان): مذهب مالك إرسال اليدين، وهو عزيمة عنده، والوضع رخصة.

قال العيني في (شرح كنز الدقائق) قال مالك: العزيمة في الإرسال، والرخصة في الوضع والأخذ لأنَّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يفعل كذلك، وكذا أصحابه حتى ينزل الدم من رؤوس أصابعهم(1).

وقال النووي في شرح مسلم: عن مالك روايتان، أحدهما: يضعهما تحت صدره، والثانية: يُرسلهما ولا يضع أحدهما على الأخرى. وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم، وهي مذهب الليث بن سعد. وعن مالك أيضاً استحباب الوضع في(النفل)، والإرسال في(الفرض)، وهوالذي رجَّحه البصريون من أصحابه(2).

وفي (تنوير العينين): يحكى أنَّ الإمام مالك حكم بالارسال مع أنَّهُ كان مشهوراً في القرن الأول، واتفق عليه أكثر العلماء في القرن الأول، واتفق عليه أكثر العلماء في القرون الآخر، وقالوا أيضاً: إنَّ هذا الفعل في هذه البلاد تشبيه بالروافض، حيث تُرِكَ سوى مذهب الحنفية فلم يبق فاعلوه غير الشيعة، وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله): "إتّقوا مواضع التهم".

قلنا: هذا من قصوركم حيث تركتموه فصار شعاراً لهم، فعليكم بالاتفاق على فعله لئلا يبقى مختصاً بهم. وترك السُنَّة للتحرّز عن التشبيه بالفرق الضالة غير مشروع، (انتهى ما في تنوير العينين)(3).

وفي الكافي للإمامية قال حمَّاد فقلتُ: جُعلتَ فداك تعلّمني الصلاة فقام أبو عبدالله(عليه السلام) مستقبل القبلة منتصباً فارسل يديه جميعاً على فخديه قد ضم أصابعه(4).

____________

1- شرح العيني: 25.

2- صحيح مسلم: 1 / 73.

3- تنوير العينين: 30.

4- الكافي: 1 / 181.


الصفحة 133
وفي شرائع الإسلام: قواطع الصلاة قسمان، الثاني لا يبطلها إلاّ عمداً، وهو وضع اليمين على الشمال(1).

وفي (مدارك الأحكام شرح شرائع الإسلام): القول بالبطلان هو المشهور بين الأصحاب. ونقل الشيخ، والمرتضى فيه الإجماع، واحتجوا عليه بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قلتُ الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى، قال: ذلك التكفير فلا تفعل(2)، ولا تكفر فأنَّما يصنع ذلك المجوس(3).

وفي فروع الكافي، عن أبي جعفر(عليه السلام): وأرسلْ يديك، ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك(4).

وفي (دعائم الإسلام): هكذا عن علي(عليه السلام).

أقول: قد ثبت مما قلنا أنَّ (الإرسال) أصل ينبغي العمل عليه بالرواية والدراية، وأنَّ (القبض) قبيح لمخالفته فطرة الله تعالى (كما مرَّ)، ولأنه من شعائر المنافقين كما قال عزَّ إسمه "يقبضون أيديهم"، ولأنَّ المجرمين غُلّت أيديهم في الدنيا والآخرة كما لا يخفى فالعاقل تكفيه الاشارة، والمجادل لا تشفيه ألف رسالة.

إمامة صلاة الجماعة:

في كنز الدقائق: الجماعة سُنَّة مؤكدة، والأعلم أحقُّ بالإمامة، ثم الأقرأ، ثم الأورع، ثم الأسنّ، وكره إمامة العبد، والأعرابي، والفاسق، والمبتدع، والأعمى، وولد الزنا(5).

في (مستخلص الحقائق شرح كنز الدقائق): قوله الأعلم أحقُّ بالإمامة، أي

____________

1- شرائع الإسلام: 38.

2- تهذيب الأحكام: 1 / 158.

3- الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه: 1 / 199، والكليني، الكافي: 1 / 199.

4- الكليني، الكافي: 1 / 198.

5- كنز الدقائق: 29.


الصفحة 134
أولى الناس بالإمامة أعملهم بالسُنَّة إذا لم يطعن في دينه، وكره إمامة الفاسق لأنَّه لا يهتم بأمر دينه، ولأنَّ في تقديمه تقليل الجماعة لمكان الأنفة من اقتدائه.

وفي (جامع الرموز): والأولى بالإمامة الأعلم بالنسبة وانَّما قُدَّم الأعلم إذا قدر على ما يجوز به الصلاة من القراءة، واجتنب عن الفواحش الظاهرة كما في (المحيط)، وغيره، ثم الأقرأ، ثم الأورع، ثم الأسنّ فإنْ أمَّ عبدٌ أو اعرابي، أو فاسق (من الفسوق وهو لغةً الخروج عن الاستقامة، وشريعة الخروج عن طاعة الله تعالى بارتكاب كبيرة)، ويكره إمامة النمَّام كما في (الروضة)، وإمامة المُرائي والمتصنع. ومَن أَمَ بأجرة ـ كما في (الجلالي) ـ يكره(1).

وفي (الكبيري) شرح المنية: في فتاوى الحُجَّة: وفيه إشارة إلى أنَّهم لو قدموا فاسقاً يأثمون بناءً على أنّ كراهة تقديمه كراهة تحريم لعدم اعتنائه لأمر دينه وتساهله في الإتيان بلوازمه فلا يبعد منه الإخلال ببعض شروط الصلاة، وفعل ما ينافيها بل هو الغالب بالنظر إلى فسقه، ولذا لم تَجُزْ الصلاة خلفه أصلا عند مالك، ورواية عن أحمد إلاّ أنا جوزناها مع الكراهة لقوله(صلى الله عليه وآله): صلّوا خلف كلّ برٍّ وفاجر، وصلّوا على كل برٍّ وفاجر، وجاهدوا مع كل برّ وفاجر (رواه الدارقطني)، واعله بأنَّ مكحولا لم يسمع من أبي هريرة، ومن دونه ثقات. وحاصله أنَّه مرسل وهو حجّة عندنا، وعند مالك، وجمهور الفقهاء فيكون حجة عليه.

قال في شرح ردّ المختار (المشهور بالشامي): إعلم أنَّ المكروه إذا أُطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم إلاّ أنّ يُنَصَّ عليه التنزيه فقد قال المُصنِّف في (المُصفّى): لفظ الكراهة عند الاطلاق هو التحريم. قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة إذا قلت في شيء أكرهه فما رأيك فيه، قال: التحريم.

قال ابن الهمام في(فتح القدير شرح الهداية): ترك المكروه مقدم على فعل السنة.

____________

1- جامع الرموز: 1 / 76.


الصفحة 135
أقول: قد ثبت من كتب أهل (الجماعة) أنَّ الفاسق لا يصلح للإمامة، وأنَّ الكراهة كراهة تحريم، وأنَّ الحديث الجاري على ألسنتهم (أي صلّوا خلف كل برّ وفاجر) ليس مما يُستْنَد إليه (كما ذكرنا)، وأنَّ الإمام ضامن، والضامن ينبغي أنْ يكون أصلح القوم وأفضلهم وأتقاهم لأنَّه تعالى قال في كتابه المجيد، "إنّما يتقبل الله من المتقين"، ومفهومه المخالف يدل على أنَّه مَن ليس بمتق فلا يُتَقَبَّلُ منه لأنَّه مقرون بالحصر وأنَّ العلماء المتوارثين نسلا بعد نسل هم أئمة المساجد، ولو كانوا أجهل أو أفحش، وأسوأ أعمالا (كما في زماننا)، وإنَّ الذين إتخذوا الإمامة حرفةً وأُجرةً فقد ضلّوا وأضلّوا. والحال أنَّ كتبهم مشحونة بأنَّ (الاستيجار) على الإمامة، وتعليم القران حرام.

والذي نفسي بيده إني فررتُ من مذهب (الحنفية) ورجعتُ إلى (الحنيفيّة)، وآثرت مذهب (الإمامية) من صنيعتهم هذه لأنَّ (معاصري) كان إمام مسجد البلدة، ومعلم صبيان القرية، فقد شهد شهادة الزور مرةً بعد مرة لا سيَّما في معاملة النكاح، وحلف بالكتاب الكريم على الإعلان فتركت اقتداءه في الصلاة ثم إتُهمتُ بالتشيّع، فرأيتُ كتب القوم كرَّات، وقلتُ لهم هذا ما في كتبكم فلم يقبلوا للمعاندة، فطالعتُ كتب (الإمامية) فوجدتُ فيها ما كان حقّاً، والحقُّ أحقَ أنْ يُتَّبَع، واستمسكت بالثقلين ما إستطعتُ فاتخذني القوم عدواً كما هي عادتهم، وتوكلتُ على الله، وكفى بالله وليَّاً وكفى بالله نصيراً.

وأمَّا (الإمامية) فقد إتفق كلهم أجمعون على أنَّ إمامة الفاسق لا تجوز كما قال في (شرائع الإسلام): يُعتبر في الإمام الإيمان والعدالة والعقل وطهارة المولد والبلوغ على الأظهر(1).

وفي شرحه (مدارك الأحكام): إعتبار هذه الأمور الأربعة في إمام الجماعة

____________

1- شرائع الإسلام: 1 / 51.


الصفحة 136
مقطوع به في كلام الأصحاب مدعي عليه الإجماع. نعم ذهب ابن الجُنّيد إلى أنَّ كلَّ المسلمين على العدالة إلى أن يظهر منه ما يزيلها، وذهب آخرون إلى جواز التعويل على حسن الظاهر لعسر الاطلاع على البواطن، (وقد تقدَّم الكلام في ذلك مفصَّلا في صلاة الجمعة فلا نعيده)(1).

وقد قال في (باب الجمعة): الرابع (العدالة) وقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على أنَّها شرط في الامام، وإنْ اكتفى بعضهم في تحققها بحسن الظاهر، أو عدم معلومية الفسق(2).

وفي (مَن لا يحضره الفقيه) قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إمام القوم، وافدهم فقدموا أفضلكم، وقال(عليه السلام): انَّ سَرّكم أن تُزكّوا صلاتكم فقدموا خياركم، وقال أبو ذر: إنَّ إمامك شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً(3).

وفيه: لا تُصلِّ خلفَ مَنْ يشهد عليك بالكفر، ولا خلف مَن شهدتَ عليه بالكفر، (قاله أبو عبدالله(عليه السلام))(4).

وعن الرضا(عليه السلام) أنَّهُ سُئِل عن الرجل يقارف الذنب أيُصلّى خلفه أم لا، قال: لا.

وقال إسماعيل الجعفي لأبي جعفر(عليه السلام): رجل يُحبُّ أمير المؤمنين، ولا يتبرأ من عدوه، ويقول هو أحبُّ إليّ ممن خالفه، قال: هذا مخلط عدو فلا تُصلِّ وراءه. وقال الصادق(عليه السلام): ثلاثة لا تصلِّ خلفهم; المجهول، والغالي وإنْ كان يقول بقولك، والُمجاهر بالفسق وإنْ كان مقتصداً.

وهكذا نرى ان الكاتب تعرض لمواضيع عديدة ضمن الصلاة اثبت فيها الحق الذي عليه الشيعة، من النصوص والأقوال التي وردت في كتب أهل السنة.

____________

1- مدارك الأحكام: 232.

2- أيضاً: 192.

3- من لا يحضره الفقيه: 1 / 125.

4- المصدر السابق: 126.


الصفحة 137

(7) لمياء حمادة
(حنفي / سوريا)




ولدت في سوريا عام 1965م، وترعرعت في أجواء عائلة تنتمي إلى المذهب الحنفي، واصلت دراستها الاكاديمية حتى تخرجت عام 1987 م من كلية الشريعة في جامعة دمشق.

الانفتاح على الرؤى الجديدة في الجامعة:

تقول الأخت لمياء عن فترة دراستها في الجامعة: "دخلت علينا ذات يوم طالبة جديدة تتمتع بشخصية متينة ويبدو على سيمائها علامات النبل والخير والصلاح.

فاستفسرنا عنها فتبيّن أنّها عراقية، كانت تواصل دراستها في كلية الطب في العراق، لكنها بعد الهجرة إلى سوريا حبذت الدراسة في كلية الشريعة من أجل رفع مستواها العلمي بالأمور الدينية".

وهم نسجناه على منوال أسلافنا:

وتقول الأخت لمياء: "ثم تبيّن لي ولباقي الطلاب أن الأخت بتول تنتمي إلى مذهب التشيع، فاصبح ديدننا التحرش بها والسخرية والاستهزاء بها، لأننا كنا

الصفحة 138
نحسبها وفق ما كنا نعتقد أنها غير مسلمة!! وأنّها ممن يعبدون عليّ بن أبي طالب، ويتهمون الأمين جبرائيل بالخيانة في تسليمه الرسالة إلى محمد(صلى الله عليه وآله)، وأنّهم من الغلاة الذين يرفعون منزلة أئمتهم إلى درجة الألوهية، ويسجدون للحجر من دون الله، وأنّهم أشدّ على الإسلام من اليهود والنصارى.

ولكن كانت الأخت بتول رغم كلّ الاتهامات الموجهة اليها، تقابل الجميع بروح طيبة وتتعامل مع الجميع بلين ورفق، وتحاول أن تتجنب إثارة أية حساسية بينها وبين الآخرين.

اللقاء الأول بالشخصية الشيعية:

واستمر الوضع على هذا المنوال، حتى صادف ذات يوم أنني تأخرت عن موعد المحاضرة، فلم أجد مكاناً للجلوس سوى جنب هذه الفتاة الشيعية التي كنت اتجنب من التقرّب اليها فيما سبق.

فجلست بجنبها وأنا مستاءة من الوضع، لأنني شعرت بحالة من الاشمئزاز تحيط وجودي نتيجة قربي منها، ولكنني حاولت أن أسيطر على انفعالاتي، وقلت في نفسي: مالي وشأنها، دع كل منّا على دينه ومذهبه، فكل انسان يتحمل بنفسه تبعات العقيدة التي يختارها.

وصادف أن كان موضوع محاضرة الاستاذ في ذلك اليوم حول الشيعة والتشيع، وجعل الاستاذ يطعن بالتشيع ويستهزىء بافكارهم، فالتفتُ إلى بتول فرأيتها مستغربة مما يقال عن مذهبهم.

واستمر الوضع على هذا المنوال حتى انتهت المحاضرة، والأخت بتول متذمرة من الوضع وقد بان على وجها عدم الارتياح من محاضرة الأستاذ.

فالتفتُ اليها قائلة: ما لي أراك مستاءة، أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحاً؟


الصفحة 139
فابتسمت بتول وقالت: إذا كان هذا هو مستوى تفكير الأستاذ فلا لوم على الطلاب، واذا كان هذا مستوى وعي الطلاب فلا لوم على عامة الناس.

فقلت لها: وما الذي تقصديه؟

فقالت: أقصد أن ما ذكره الأستاذ حول الشيعة والتشيع ليس إلاّ مجرد أوهام وادعاءات كاذبة، وأنّ التشيع بريء من جميع هذه الأمور التي يتهمه بها من لا يخشى الله فيما يقول".

ثم حاولت الأخت بتول أن تسيطر على زمام انفعالاتها النفسية، ثم أبدت استعدادها للبحث مع لمياء وطلبت منها تمنحها فرصة أكبر لتبيّن لها المزيد من حقائق الأمور. فقبلت لمياء ذلك وتم الاتفاق أن يذهبا معاً إلى الكافتيريا.

المصادر الحقيقية للتعرف على التشيع:

فلما استقر بهما المكان في الكافتيريا وتوفر الجو المناسب لفتح باب الحديث بعد تناول القهوة.

قالت بتول: "هل صادف أن قرأت كتاباً حول التشيع، ليكون تقييمك لهم عن دليل وبرهان لا عن تبعية وتقليد؟

لمياء: نعم، قرأت بعض الكتب من قبيل كتب أحمد أمين وغيرها.

بتول: هذه الكتب في الحقيقة لا يصح الاعتماد عليها لمعرفة التشيع، لأنّ في نفوس مؤلفيها شائبة نحو التشيع وهم ممن ليس بوسعهم أن يكتبوا بموضوعية حول مذهب أهل البيت(عليهم السلام). والحل أن يرفع الانسان مستواه العلمي في المجال العقائدي، وأن لا يبادر إلى تقييم أي مذهب إلا بعد التعرف على آرائهم من كتبهم.


الصفحة 140

المذهب الجعفري والمذاهب الأربعة:

قالت لمياء لبتول: إنّ المذاهب الإسلامية أربعة لا غير، وأن ما سواها فليس من الإسلام في شيء!

بتول: إنّ المذاهب الأربعة قد أخذ بعضهم عن بعض، فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي، والشافعي أخذ عن مالك، ومالك أخذ عن أبي حنيفة، وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وهو الإمام الذي تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف فقيه ومحدث.

بعض الشبهات الواهية ضد الشيعة:

ثم حاولت الأخت لمياء أن تطرح على طاولة البحث شبهة كانت عالقة في ذهنها حول الشيعة فقالت لبتول: سمعت إنكم تعبدون عليّاً وتقدسونه، فهل يسعك، أن تبيّني لي أسباب ذلك؟!

بتول: هذا افتراء بالنسبة إلى أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ونحن إنما نعتقد بإمامة الإمام عليّ(عليه السلام) وأنه أحق بالخلافة من غيره بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

لمياء: أخبريني عن قولكم بخيانة جبرئيل؟

بتول: هذه أيضاً تهمة قد الصقت بنا من قبل المخالفين من أجل تشويه سمعتنا، وإنّ من له أدنى معرفة بعقائد الشيعة يعلم أنّهم يعتقدون بعصمة الأنبياء والأئمة رغم كونهم من البشر، وإنّ دلّ هذا على شيء فيدل من باب الأولى على قولهم بعصمة ملك مقرب عند الله وهو جبرئيل.

بوادر نشوء الشكوك والحيرة:

تقول الأخت لمياء: ثم تطرقنا إلى مواضيع عديدة، وبعد انتهاء الجلسة شعرت بخطئي في مجال تعصبي لمذهب أجهل الكثير من صحة أدلته ومبانيه،

الصفحة 141
وأحسست أنني بحاجه إلى تخصيص جملة من وقتي للمطالعة والتنقيب حول الأمور العقائدية والدينية.

كما أنني بعد انتهاء الجلسه شعرت بزوال أي نفور أو كدورة إزاء مذهب التشيع، ثم أُثير هذا التساؤل في نفسي: يا ترى هل يأتي يوم أجد فيه نفسي منتمية للتشيع، فارتعدت فرائصي وأسرعت لامحاء هذه الصورة من ذهني، وقلت في نفسي; استبعد مجيء هكذا يوم، لانني لا يسعني تصديق كون آبائي وأجدادي كلهّم على ضلال وأن أكون أنا الوحيدة من بين عائلتي على الحق.

طلب المزيد من العلم:

وبعد أيام عدة جاءت بتول لزيارة لمياء إلى بيتها، فانساق الكلام بينهما حتى دار حول القرآن الكريم، فقالت لمياء: يُقال أن لكم مصحفاً خاصاً بكم...؟

بتول: هذه مقولة من يريد تمزيق وحدة المسلمين، وتفريق صفوفهم، وليس لنا قرآناً غير ما هو متداول بين المسلمين.

لمياء: أرجو أن تبيني لي المزيد من الحقائق حول الشيعة والتشيع... حدثيني عن أدلتكم في أحقية عليّ بن أبي طالب في الخلافة، حديثني عن الحسين(عليه السلام)، وعن سبب بكائكم عليه، حدثيني عن توسلكم وتبرككم بأضرحة أئمتكم، حدثيني عن سبب اختلافنا معكم في طريقة الوضوء وبعض أجزاء الصلاة و...

بداية التوجه إلى المطالعة والتحقيق:

عندها مدّت الأخت بتول يدها إلى حقيبتها وأخرجت منها مجموعة من الكتب وقالت للمياء: من أهم الاُمور التي دعتني للإعجاب بشخصيتك هي تطلعك نحو العلم والمعرفة، فلهذا حملت معي عند مجيئي اليك بعض الكتب المؤلفة من قبل المستبصرين الذين كانوا من أهل السنة، فغيروا انتماءهم بعد البحث واعتنقوا

الصفحة 142
مذهب التشيع ثم ألفو حول استبصارهم، فأحببت أن أقدّم لك هذه الكتب، لتتمكني بعد مطالعتها من رفع مستواك العلمي والديني، بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، والحصول على إجابة الأسئلة التي تدور في ذهنك حول الشيعة والتشيع.

ففرحت الأخت لمياء بذلك وتقبلت منها الكتب بشوق ورحابه صدر.

المفاجأة بقضية رزية الخميس:

انكبت لمياء بعد ذلك في فترات فراغها على قراءة هذه الكتب بتأمل وامعان، وكانت كلما تقرأ تجد أنها تكتشف الجديد في العلم والمعرفة الدينية.

وتقول الأخت لمياء: كانت أكثر قضية أثارت اهتمامي بعد معرفتها، هي رزية يوم الخميس وموقف الصحابة عندما طلب منهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) وهو على فراش العلة قبل وفاته أن يأتوا له بكتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبدا.

فاستغربتُ من موقف الصحابة حينما اطلعت عليه في كتب المستبصرين، ولكنني ترويت، وأحببت أن لا أستعجل في الحكم إلاّ بعد الحصول على اليقين.

فقمت بمراجعة كتب أهل السنة التي ورد أن هذه القضية التاريخية قد وردت فيها من قبيل صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وتاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير. فتفاجأت بعد التأكد من صحة نقل هذه القضية في كتبنا المعتبرة، وعرفت أنني بحاجة إلى غربلة الكثير من معتقداتي وتمييز الصحيح والسقيم منها عن طريق البحث والتنقيب.

الاستبصار وإزاحة دواعي الانحياز الوهمي:

واصلت لمياء مطالعتها وبحثها حتى بانت لها الحقيقة، ووجدت نفسها تقترب بصورة تدريجية من فكر أهل البيت(عليهم السلام)، ولم تمض فتره حتى استقر رأيها على تغيير انتمائها واعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فلم تجد أمامها سوى عقبات

الصفحة 143
نفسية، فتوجهت إلى بارئها باخلاص، وطلبت منه أن يمنحها قوة اجتياز العقبات التي اعترت طريقها، فاحست بعد ذلك أنّها قادرة على حسم هذا الصراع النفسي الذي عانت منه في الآونة الاخيرة، فاتخذت قرارها النهائي واعتنقت اخيراً مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

وتقول الاخت لمياء حول الفترة التي اعقبت استبصارها: تأسفت كثيراً على الماضي الذي عشته بلا بصيرة ولا وعي، ثم شكرت الله لتوفيره لي الأجواء المناسبة للاستبصار والاهتداء إلى سبيل الحق.

أول اعلان عن الاستبصار:

صادف استبصار لمياء أيام العشرة الأولى من شهر المحرم، فلما التقت ببتول رأتها لمياء في رداء الحزن والأسى، وقد بان الانكسار على وجهها، فاستفسرت منها الأمر، فاخبرتها بتول بملحمة عاشوراء وكيفيه مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) واهل بيته وأصحابه بأيدي أهل الجور والظلمة والطغاة.

فتأثرت لمياء بذلك، وانحدرت دموعها على خديها وتفاعلت مع المصيبة التي جرت على عترة الرسول(عليهم السلام)، ثم أخبرتها باستبصارها وطلبت منها أن تأخذها معها إلى المآتم المنعقدة لاقامة العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام).

فتفاجأت بتول بذلك وجعلت تنظر إليها باستغراب، فاحتضنتها لمياء وضمتها إلى صدرها، ثم قبّلت ما بين عينيها، وقالت لها: لا يسعني أن اشكرك على ما قمت به من توفير أسباب استبصاري وهدايتي وانقاذي من الظلمات والجهل والانتقال إلى عالم النور والعلم والمعرفة.

مواساة العترة في احزانهم:

ثم ذهبت لمياء مع بتول للمشاركة في المأتم الحسيني، حيث تقول في هذا المجال لمياء: رأيت الناس في المأتم الحسيني تبكي فتذرف الدموع الغزيرة،

الصفحة 144
فبكيت معهم واستلهمت في ذلك المجلس الحسيني الكثير من المعاني النبيلة التي منحتني القوة والشجاعة والتضحية، واستنار وجودي بسيرة الإمام الحسين(عليه السلام)وشعرت أن الدموع التي أذرفها أنّها تغسل معها جميع الشوائب والأدران العالقة في قلبي، وشعرت في وجودي بعد انتهاء المجلس بطهارة القلب ونقاء البصيرة واستنارة العقل وطمأنينة النفس.

الصمود أزاء التيارات المعاكسة:

بادر أهل لمياء وأقاربها واصدقائها بعد استبصارها باستخدام شتى الاساليب لارجاعها إلى ما كانت عليه، لكن باءت جميع محاولاتهم بالفشل، فتركوها لشأنها بعد ما واجهوا صمودها واستقامتها في الثبات على مبادئها التي اعتنقتها عن دليل وبرهان.

ثم قامت لمياء بدورها لدعوتهم إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وبيّنت لهم الأدلة التي اعتمدت عليها في انتمائها إلى التشيع، فاقتنع اثنين من أخواتها واستبصرا على يديها، فوفرا معاً أجواء تحيطها هالة من المعنوية في ظل حديثهن عن فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، وغدت كل واحده منهن تشجع الأخرى على تعميق الصلة بتراث أهل البيت(عليهم السلام) والعمل وفق ما روى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن طريق عترته المعصومين والميامين الأبرار.

مؤلفاتها:

1 ـ "أخيراً أشرقت الروح":

صدر عام 1421 هـ ـ 2000 م عن دار الخليج العربي للطباعة والنشر.

طرحت المؤلفة في بداية الكتاب قصة استبصارها، ثم تعرضت في بقية الكتاب لحياة عائشة زوجة النبيّ(صلى الله عليه وآله).


الصفحة 145
تقول في المقدمة: "إنّ التحليل الموضوعي والدراسة المستوعبة لحياة الجيل الذي عاش مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ والذي كان له الدور الأكبر في رسم المستقبل السياسي والثقافي للمسلمين ـ يكشف لنا الواقع الصحيح، الذي حاولت الحكومات آنذاك تغييره وتزويره.

إلاّ أنّ النور لا يمكن أن تكتم أنفاسه. فبقي في بطون الكتب ومضات يلمسها كل من تحرر من التقليد الأعمى.

لقد جمعنا الومضات التي تكشف لنا عن سيرة أم المؤمنين عائشة (الصحيحة)، إننا نقدم للأحرار أم المؤمنين عائشة مأخوذة من كتب الحديث والتاريخ... دون الركون إلى كلام المقدسين لها فتقديس الأشخاص غالباً ما يكبل العقل ويعطل حركته".

ثم تعرضت الأخت لمياء لحياة عائشة في بابين يضمن كل منهما عدة فصول كما يلي:

  • الباب الأول: عائشة في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله).

    الفصل الأول: زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وعائشة.

    الفصل الثاني: صفات عائشة.

    الفصل الثالث: عبثية منهج عائشة.

  • الباب الثاني: عائشة ما بعد حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله).

    الفصل الأول: الفتنة على ظهر الجمل.

    الفصل الثاني: أشلاء أخيرة من سيرتها.


    الصفحة 146

    وقفة مع كتابها: "أخيراً أشرقت الروح"

    تنبع أهمية كتابها في كونه من كتب المستبصرين الذين انتقلوا إلى مذهب التشيع واهتدوا بنور الثقلين، فحاكوا خيوط هذا النور وصيروها حبلاً للتمسك بهما وركوب سفينة النجاة. وهي كتب لها مذاقها واسلوبها الخاصين فضلاً عن أهميتها الدينية والمذهبية. كما لاحظت وستلاحظ في كتابنا هذا الذي يعرف بها.

    ولهذا الكتاب خصوصية أخرى هو أنّ القلم الذي خطّه كانت تمسك به أمرأة مستبصرة لا رجل، وصاحبة القلم منهن قلائل وهي الوحيدة التي رأينا لها كتاباً، وقد انتقلت هذه الخصوصية إلى موضوع الكتاب فضلا عن اسلوبه، فاختارت أن تتحدث عن عائشة بنت أبي بكر زوجة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وهو اختيار سنلاحظ أنه كان موفقاً إلى حدّ بعيد.

    فكان عنوان الكتاب الكامل هو: "أخيراً أشرقت الروح، تلاشت الظلمة ورَحَلتُ إلى مرابع الشمس، وكان جمل الفتنة إحدى محطات إستراحتي".

    تعرض المؤلفة في بداية الكتاب قصة استبصارها الشيقة التي تقدم ذكرها في ترجمتها، ثم تنتقل إلى موضوع الكتاب الرئيسي وهو حياة عائشة وهي المرأة التي لعبت دوراً كبيراً ومهماً ـ وان كان فى الجانب السلبي ـ في صدر الرسالة الإسلامية.

    وكان من نتيجة ذلك أن يأخذ أهل السنة نصف دينهم عنها. باستنادهم من رسول الله(صلى الله عليه وآله) وارتباطها به، وقد استغل بنو أمية وعلماء السوء هذا الأمر أبشع استغلال فجعلوا قداسة الرسول قداسة لها واحترامه احتراماً لها رغم تحذير

    الصفحة 147
    الرسول منها مشيراً إلى بيتها: ـ "ههنا الفتنة ههنا الفتنة ومطلع قرن الشيطان"(1).

    ورغم الآيات القرآنية المتعددة التي تنتقد أعمال ومواقف زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)والتي كان لعائشة القدح المعلى في أسباب نزولها.

    فبعدما وصفت الآية القرآنية: (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَ جُهُ أُمَّهَـتُهُمْ)(2) نعت زوجات النبي بأمومة المؤمنين ـ وهي أمومة تشريعية لا غير ـ نتيجة ارتباطهن بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) كما يتبين ذلك واضحاً من أدنى تأمل لظاهر الآية.

    نجد أن ذلك لم يمنع الوحي الشريف من أن يقول: (إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَ إِن تَظَـهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صَــلِحُ الْمُؤْمِنِينَ...)(3).

    والمتظاهرتان هما ـ عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر بن الخطاب ـ كما اعترف عمر بذلك في حديثه مع ابن عباس(4).

    وأن يقول: (يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَ جِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(5).

    والمقصود هنا أيضاً (عائشة وحفصة) حيث تآمرتا عليه في قصة العسل المعروفة(6).

    ولقد ضرب الله لهما مثلاً خطيراً في سورة التحريم ليُعْلِمها وبقية المسلمين

    ____________

    1- البخاري: 4 / 46، باب ما جاء في بيوت ازواج النبي ـ كتاب الجهاد والسير.

    2- الاحزاب: 6.

    3- التحريم: 4.

    4- طبقات ابن سعد: 8 / 182.

    5- التحريم: 1.

    6- انظر طبقات ابن سعد: 8 / 135، وتفسير ابن جرير: 28 / 60.