ويضيف الأخ محمد: ثم صحبت الشيخ في رحلاته إلى قفصه وغيرها، وبعدها أصبح الشيخ يكلّفني بالسفر للتبليغ أو الاتصال بالأخوة، وسرعان ما أتى ذلك النشاط أكله وأينعت ثماره فاستبصر كل من طهرت سريرته وانطوى مكنونه على بارقة خير، فتشكّلت منهم نواة اقتحمت اسوار الجامعة، وانتشرت دعوتهم في البلاد طولا وعرضاً وشمالا وجنوباً حتى لم يعد هناك مدينه إلاّ وفيها مؤمنون مستبصرون على منهاج المعصومين(عليهم السلام) قلباً وقالباً.
المضايقات بعد الاستبصار:
يقول الأخ محمد حول المصاعب والمضايقات التي واجهها بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام): لم يخل طريقي من بعض العراقيل والاشواك، فقد اعتقلت في 7 أوت 1985م وحقق معي بشأن تشيعي واطلق سراحي بعد 14 يوماً، ثم وقع طردي من العمل في 4 جانفي 1986م، ثم اعتقلت مرة أخرى في 21 أوت 1986 ولم يطلق سراحي إلاّ في 19 سبتمبر من نفس السنة، ثم وقع اعادتي إلى العمل بعد انقلاب السابع من نوفمبر تهدئة للاجواء في البلاد، ثم اعتقلت سنة 1991م ثلاثة أيام، تعرّضت خلالها للتعذيب ظلماً وعدواناً، ثم تعرّضت للطرد من عملي هذه المرة نهائياً سنة 1992 ثم اعتقلت سنة 1994 خمسة أيام واطلق سراحي.
مؤلفاته:
1 ـ له عدة مقالات، ستصدر في مجلد واحد أو عدّة مجلدات من مركز الأبحاث العقائدية ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين المقالة الأولى: التوحيد عند أهل البيت(عليهم السلام).
المقالة الثانية: النبوة عند أهل البيت(عليهم السلام)، دراسة مقارنة.
المقالة الثالثة: الاثبات في نفي استخلاف أبي بكر للصلاة.
المقالة الرابعة: حب أهل البيت(عليهم السلام) ولاية الله تعالى.
المقالة الخامسة: الدعاء والعبادة عند أهل البيت(عليهم السلام).
وقفة مع كتابه: "دراسة مقارنة في التوحيد والنبوة"
كتاب يحتوي عدة مقالات عقائدية توضح عقائد الشيعة، وتتبع ما ورد عن أهل بيت العصمة(عليهم السلام)، ويقارن في بعضها بين ما اعتقده أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وهو الاسلام الحق وبين ما اعتقده المذاهب الأخرى التي جمعت بين الغث والسمين، وقد رأينا هنا ـ طلباً للاختصار والانسجام ـ التعريف بأهم ما اورده في مقال التوحيد.
أهمية التوحيد في العقيدة الاسلامية:
يبين الكاتب أهمية التوحيد، فيقول:
يمثّل التوحيد في العقيدة الاسلامية رأسها ودعامتها، ومن دون توحيد سليم قائم على معرفة صحيحة، لا يكون البناء العقائدي قوياً وثابتاً لدى الفرد المسلم، لذلك حث المولى سبحانه وتعالى مخلوقاته العاقلة على الأخذ باسباب العلم لبلوغ الغاية من المعرفة في التوحيد، وفي سائر العقائد الاسلامية الأخرى. فقال في محكم تنزيله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ)(1) وقال ايضاً: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(2) فالآيتين تشيران إلى أن العلم هو الطريق الوحيد، والمسلك الرشيد لبلوغ اركان العقيدة، وأعلى مراتب التوحيد، لذلك لم يجز على كل مسلم أن يكون مقلّداً في التوحيد وفي سائر العقائد، ووجب عليه أن يسلك من أجل تحصيل
____________
1- محمد: 19.
2- آل عمران: 18.
أدلة التوحيد عند أهل البيت(عليهم السلام):
يوضح الكاتب بعض ما قاله أهل البيت(عليهم السلام) بشأن التوحيد فيقول:
ان المتأمل في امهات كتب الامامية الاثنى عشرية، يلاحظ اهتماماً بالغاً ما انفك يوليه ائمة أهل البيت(عليهم السلام) لكل ما يتعلق بالدين عقيدة وشريعة. ولقد جاء من آثارهم ما اظهر تصديهم لكل دخيلة عن الدين أو مارقة منه، حتى إنهم كانوا يتحسسون مواضع الداء قبل استفحاله، ففي يوم الجمل مثلا وقف أمير المؤمنين(عليه السلام) يرد على رجل من جنده عندما سأله قائلا: "اتقول ان الله واحد؟ فحمل الناس عليه وقالوا يا اعرابي أماترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب؟ فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): دعوه فان الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم. قال: يا اعرابي ان القول ان الله واحد على أربعة أقسام فوجهان منهما لا يجوزان على الله عزوجلّ ووجهان يثبتان فيه.
فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الاعداد فهذا ما لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أماترى انه كفر من قال ثالث ثلاثة، وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس الوجهان فهذا ما لا يجوز عليه، لانه تشبيه وجل ربنا وتعالى عن ذلك، اما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الاشياء شبيه كذلك ربنا عزوجل، وقول القائل إنه ربنا عزوجل، احدي المعنى، يعني انه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عزوجل"(1).
____________
1- نهج البلاغة.
ومثلما سلك الإمام(عليه السلام) في الاستدلال على الخالق والتعريف به، بحيث لا يتطرق إلى أقواله تحريف أو تأويل. سلك الأئمة الهداة من بنيه(عليهم السلام) في الذب عن أركان الدين كلما سنحت لهم بذلك. فرصة: فكانوا على مرّ العصور حماة الدين. ورعاة آثار وتراث الرسول(صلى الله عليه وآله)، المبلغ عن رب العالمين، بما استودعوه من علوم صحيحة وأفكار متطابقة صريحة، سأقتصر منها على قلة المراجع التي بحوزتي ما طالته يدي من مأثور أقوالهم ومستصفى آرائهم التي هي امتداد من مركز النبوة، وهدى من نور الامامة، فهذا أبو عبدالله الحسين بن علي سيد الشهداء(عليه السلام) يقول في دعاءه الشهير في عرفة الذي أرهفت له آذان السامعين وتحيرت له عقول الحاضرين، وهزّ نياط قلوب المؤمنين بما حواه من سبحات القدس ولواعج الأنس:
"كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك. متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك عليها
____________
1- أحمد في المسند، المتقي الهندي في كنز العمال، محب الدين الطبري في الذخائر.
قوله(عليه السلام) عميت عين لا تراك اشارة لطيفة إلى بصيرة النفس لا إلى بصر العين لاستحالة رؤية المولى سبحانه وتعالى بالعين.
وتعددت ادلة الائمة من أهل بيت النبوة(عليهم السلام) في اثبات وجود الخالق وبيان معنى صفاته فجاءت متنوعة ومتفاوتة المعاني على مقدار عقول السائلين.
جاء رجل إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام). فقال له: دلني على معبودي: فقال له اجلس. وإذا غلام له صغير وفي كفه بيضة يلعب بها. فقال(عليه السلام): ناولني يا غلام البيضة، فناوله اياها فقال: يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة، وفضة ذائبة، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة. فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها. ولا دخل فيها داخل مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للانثى تنفلق عن مثل الوان الطواويس. اترى لها مدبراً؟ قال فاطرق ملياً ثم قال: اشهد ان لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمداً عبده ورسوله، وانك امام حجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه(2).
وقيل للإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) يابن رسول الله: ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال له(عليه السلام): انك لم تكن ثم كنت، وقد علمت انك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك"(3).
وسُئل أمير المؤمنين(عليه السلام): بماذا عرفت ربك. قال بفسخ العزائم ونقض الهمم، لما هممت فحيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء والقدر عزمي علمت ان
____________
1- دعاء الامام الحسين بعرفه، حق اليقين، عبدالله شبر: 1 / 40.
2- حق اليقين، عبدالله شبر: 1 / 32.
3- نفس المصدر.
وعن إثبات الصانع قال(عليه السلام): البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، واثر القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة، لا يدلان على اللطيف الخبير(2).
وتفرّد الائمة من أهل بيت النبوة(عليهم السلام) في الاستدلات العقلية والاجوبة المنطقية في التوحيد وغيره من عقيدة الإسلام، مضافاً إلى سبرهم لأغوار الوحي ونيلهم العلوم الإلهية ما فاض على اتباعهم، معارف وحقائق جعلتهم على بصيرة من أمرهم، وجعلت غيرهم من المتنكبين عنهم في حيرة يعبدون الله على حرف أو دونه.
كلام الامام الرضا(عليه السلام) في التوحيد:
للإمام علي بن موسى الرضا ثامن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) مناظرات واحتجاجات، ودروس ومحاضرات في شتى العلوم الإلهية، فيها من الأجوبة الشافية والردود الكافية ما قصم به ظهر الباطل واعاد الحق إلى نصابه، فقد جاء عنه(عليه السلام) في التوحيد:
عن محمد بن عبدالله الخراساني خادم الرضا(عليه السلام) قال: "دخل رجل من الزنادقة على الرضا(عليه السلام) وعنده جماعة فقال لأبي الحسن(عليه السلام): أرأيت أن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا واياكم شرع سواء ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا واقررنا فسكت فقال أبو الحسن(عليه السلام): وان يكن القول قولنا وهو قولنا وكما نقول ألستم قد هلكتم ونجونا؟ قال: رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو؟ قال ويلك ان الذي ذهبت إليه غلط وهو أيّن الأين وكان ولا أين، وكيّف الكيف وكان
____________
1- نفس المصدر.
2- نفس المصدر: 1 / 33.
حدّثنا علي بن الحسن بن الفضال عن أبيه قال: سألت الإمام علي ابن موسى الرضا(عليه السلام) في قوله الله عزوجل: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَـئِذ لَّمَحْجُوبُونَ)(1) فقال: ان الله تعالى لا يوصف بمكان يحلّ فيه فيحجب عنه فيه عباده ولكنه يعني انهم عن ثواب ربهم محجوبون قال وسئلته عن قول الله
____________
1- المطففين: 15.
عن الحسن بن سعيد عن ابي الحسن الرضا(عليه السلام) في قوله عزوجل: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاق وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ)(6) قال حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنين سجداً. وتدمج اصلاب المنافقين لا يستطيعون السجود.
منها قول القائل: كشفت الحرب عن ساق أي اظهرت نتيجتها.
عن محمد بن عبيدة قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن قول الله عزوجل لابليس: (مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(7) قال(عليه السلام): "يعني بقدرتي وقوتي".
عن الحسين بن خالد قال قلت للرضا(عليه السلام): "يا بن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ان الناس يروون ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال (ان الله عزوجل خلق آدم على صورته) فقال: قاتلهم
____________
1- الفجر: 22.
2- التوبة: 79.
3- البقرة: 15.
4- آل عمران: 54.
5- النساء: 142.
6- القلم: 42.
7- ص: 75.
عن الحسين بن خالد قال قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام): يا ابن رسول الله ان قوماً يقولون: لم يزل الله عالماً بعلم قادر بقدرة حياً بحياة قديماً بقدم سميعاً بسمع بصيراً ببصر. قال(عليه السلام): من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى وليس من ولايتنا على شيء ثم قال(عليه السلام): لم يزل عزوجل عليماً قديراً حياً سميعاً بصيراً لذاته تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علواً كبيراً.
التوحيد عند غير أهل البيت(عليهم السلام):
لا يمكننا اظهار صحة ما نحن عليه من توحيد سليم إلاّ بعرض ما يعتقده غيرنا من المسلمين. فنقول أما المنحرفون عن ولاية الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)، فقد ذهبت بهم مذاهبهم إلى تبني معتقدات أساسها الكذب على الله تعالى وعلى رسوله الأكرم(صلى الله عليه وآله)، بما ابتدعه لهم علماؤهم وفقهاؤهم، وما زكاه حكامهم لهم من أباطيل لو ثابوا إلى رشدهم منها لبكوا على ما فرطوا في جنب الله تعالى، ولضحكوا على تفاهة عقول مبتدعيها ومنتحليها، وأي بناء لا يكون أساسه سليماً مآله السقوط. والعقيدة التي اختلط فيها الغث بالثمين والسقيم بالسليم لا يمكن أن تفرز بعداً غيبياً وتواصلا إلهيّاً، وهي أقرب إلى الجهالة منها إلى المعرفة. وإلى النفرة منها إلى الحب.
والمتتبع لجملة الأحاديث التي أوردها هؤلاء في اثبات جسمانية الخالق وتفاصيل اجزاءه وجلوسه ونزوله وتنكره وضحكه ورؤية المؤمنين له يوم القيامة يلاحظ اصرار غريباً من حفاظهم على نقل تلك المفتريات المتعارضة مع القرآن.
ثم تراهم يحثون اتباعهم على التدين بها حثاً ويحرمون عليهم معارضتها أو حتى مجرد التشكيك في مدى صحتها فلم ينشأ بينهم غير التعصب الأعمى والتدين الأعرج وتولدت فيهم جراء تلك الروايات الفاسدة عقيدة عقيمة وتوحيد اقرب للوثنية وآلهة الأغريق القدامى منه إلى توحيد الحق تعالى وحلت الخرافة في الدين محل العلوم الالهية، والقصاصون محل العلماء حتى عجت كتبهم بها ومع ذلك لا يتحرجون ولا يتأثمون منها طالما انهم يعتقدونها من اقوال رسول الله(صلى الله عليه وآله)وبما انني اتحدث عن مقام واحد منها فقد اخرجت ما هو متعلق بالتوحيد فقط على أن يكون لكل باب من بقيتها مقام ومقال:
اخرج البخاري ومسلم وغيرهم من حفاظ العامة ما يلي:
1 ـ عن صهيب عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: إذا ادخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً ازيدكم؟ فيقولون الم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئاً أحب إليهم من ربهم عزوجل(1).
2 ـ عن أبي هريرة اخبر ان أناساً قالوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فانكم ترونه كذلك(2).
3 ـ عن أبي هريرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال يد الله ملآى لا يغيضها نفقة
____________
1- اخرجه مسلم: 1 / 112.
2- مسلم: 1 / 114.
4 ـ عن أبي هريرة أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له؟(2)
5 ـ في حديث طويل عن ابن مسعود جاء فيه.. قالوا "مم تضحك يا رسول الله قال: من ضحك رب العالمين"(3).
6 ـ وعن جابر بن عبدالله في حديث طويل... ثم يأتي ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون فيقولون: ننظر ربنا فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك قال: فينطلق بهم ويتبعونه(4).
7 ـ عن أبي هريرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: خلق الله عزوجلّ آدم على صورته طوله ستون ذراعاً...(5)
هذه الروايات وغيرها تؤيد الرأي العام المتداول عند تلك الطائفة في أن الخالق تعالى عن ذلك جسماً وجعلوا له صفات وقالوا بأنها غير ذاته وان له اعضاء كاليدين والوجه والعينين والرجل وانه ينزل ويأتي ويضحك ويتنكر إلى غير ذلك من السفسطات والسخافات.
____________
1- اخرجه البخاري في تفسيره سورة هود، ومسلم في الزكاة.
2- اخرجه البخاري في باب التهجد باب الدعاء والصلاة في آخر الليل ومسلم في صلاة المسافرين.
3- مسلم: 1 / 120.
4- مسلم: 1 / 122.
5- صحيح مسلم: 8 / 149.
توحيد الادعياء:
قد سلك الجاحدون للامامة الشرعية والمنحرفون عن الائمة الهداة عليهم وعلى جدهم ازكى السلام وأفضل الصلاة وهم الوهابية اتباع محمد بن عبدالوهاب، فقد سلكوا مسلك أحمد بن تيمية وتلميذه ابن القيم واتباعهم حينما ادعوا بأنهم هم الموحدون حقاً وغيرهم من المسلمين مشركون، وأن توحيدهم لله هو التوحيد الصحيح الذي تنبني عليه عقيدة الإسلام، والمتصفح لكتبهم ككتاب التوحيد لابن عبدالوهاب، والعقيدة الحموية والواسطية وغيرها وهي رسائل لابن تيمية يقف على مدى بطلان عقيدتهم وفساد رأيهم وتفاهة عقولهم، فان الذي يثبت لله تعالى جهة الفوق والنزول والمجيء والقرب والوجه واليدين والأصابع والعينين بمعانيها الحقيقية دون تأويل، مختل الاعتقاد وفاسد التوحيد.
ولم يقفوا عند ذلك الحد في تطاولهم السخيف بل راحوا يستنكرون ويشنعون على كل من قال بتنزيه المولى عن كل نقص، ولم تكن ارهاصاتهم ولا شطحاتهم تلك وليدة استنتاج علمي أو بحث فكري، حتى تصنف في خانة الاجتهاد وإنما هو دليل يخرج به كل ذي بصيرة بعد إطلاعه عليها يعبّر على سطحية وضحالة علوم كل من تبنى عقيدة هؤلاء الذين اطلق عليهم طواغيت العصور الغابرة أهل السنة والجماعة وهم للبدعة أقرب وأولى بالتسمية. فعن أي سنة يتحدثون؟ إن كانت سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأهل بيته الذين أذهب عنهم المولى سبحانه وتعالى الرجس وطهرهم تطهيرا وقرنهم جدهم بالكتاب العزيز أولى عقلا ونقلا. وسيرهم تنبئك عن حالهم، ولو ردّ هؤلاء إليهم ما التبس من دينهم لوجدوا عندهم ما يشفي صدورهم ويجعلهم على بصيرة من أمرهم، وإن كانت سنة أخرى كالذي أدخله بنو أمية في الدين فإنها لا تغني عن الحق شيئاً.
طريقان لا ثالث لهما:
يوجه الكاتب خطابة إلى المسلمين، ويقول:
أخي المسلم لا شك أن الدين قد مرّ قبل وصوله إلينا بقنوات مشبوهة كان لها أثر كبير في تحريف ما وصل إلينا منه، وقد تضررت عقيدة السواد الأعظم من المسلمن بما علق بها من أكاذيب وتآويل خاطئة، وقد حان الوقت لنستأصلها ونعيد الحق إلى نصابه والدرّ إلى معدنه بالعود الى المستحفظين على كتاب الله والناطقين عنه وثقله كما أحالنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قبل بقوله: "تركت فيكم الثقلين ما ان تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
والمعتصم بهم آمن من الزيغ والانحراف بمنأ التناحر والاختلاف محفوظاً في كنف المولى من الانصراف إلى أئمة النار وحزب الشرّ والأشرار أتباع الشيطان وأوليائه من الدعاة إلى التعبد بالشك والظنّ. والآن ليس امامك غير طريقين لا ثالث لهما فأما أن تعبد الله الحق اله الأنبياء والمرسلين اله محمد وآله الطاهرين (صلى الله عليه وآله). الذي لا يتجزّء ولا يتحيّز ليس كمثله شيء ولا يرى في الدنيا والآخرة ذو الصفات التي لا تحصى وهي ذاته المقدّسة، او أن تعبد هذا الذي يعرضه عليك هؤلاء والذي هو على صورة آدم، وان قالوا بلا كيف فقد كيفوا نتيجة انصرافهم عن آل طه وانحرافهم عن الراسخين في العلم.
نسأل الله تعالى ختاماً أن يلزمنا كلمة التقوى، ولا يحيد بنا عن صراطه المستقيم، ولا يباعد بيننا وبين أوليائه الذين اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، ويهدي أمة الإسلام بالرجوع اليهم بعد قرون التيه والضياع انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
(11) محمد سليم عرفة
(حنفي / سوريا)
ولد عام 1965م في دمشق بسوريا، واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة مساعد مهندس اختصاص الكترون، كانت نشأته في عائلة تعتنق المذهب الحنفي، لكنه عن طريق المطالعة والقراءة تفتح ذهنه على افاق رحبة من المعارف والعقائد الاسلامية حتى توصّل إلى نتائج دفعته لاعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
اهتمامه بالشؤون الدينية:
يقول الأخ محمد سليم: كنت اتردد منذ صغري على المساجد وحلقات الدرس الدينية مما سمح لي بدراسة الفقه على أيدي عدة من مشايخ دمشق، وكنت مهتماً بدراسة الاديان السماوية ومناقشة البعض من معتنقيها، كما كنت مهتماً بالبحث حول الخلافات الدينية.
بداية تعرّفه على التشيع:
يقول الأخ محمد سليم حول بداية تعرفه على مذهب أهل البيت(عليهم السلام): "عملت لدى خال لي عنده مكتب عقاري، ومن خلال عملي في هذا المكتب كنت
لذلك كان يتردد الكثير منهم لاستئجار بيوت قريبة من هذه المنطقة فيدخلون هذا المكتب ليسألوا عن البيوت.
وقد كلمني أحدهما وكان قادماً إلى المكتب ليستأجر داراً للسكن، وقد أخبرني أنه يدرس في الحوزة، ولم أكن قد سمعت بهذا التعبير من قبل، فسألته ماذا تعني (الحوزة) فوضح لي وسألني: ماذا أعرف عن الشيعة؟
فقلت له: لا أعرف إلاّ أنه مذهب من المذاهب الاسلامية، وأنهم يقدّسون سيدنا علياً(رضي الله عنه) وأهل بيته ويرون أنه أفضل من كل الصحابة هذا ما أخبرته به فقط مع أني كنت أخفي في قرارة نفسي ما كنت أسمعه من مشايخي ومن العوام من تشنيع على الشيعة وذلك منعاً للإحراج، ولكنه بدأ يكلمني عن بعض الأمور الخلافية بين الشيعة والسنة، وقد كنت أندهش لأن ما أسمعه منه لم أسمع به من قبل، وعندما رآني غير مصدّق لكلامه قال لي: ألست تقول بأنك تحب المطالعة وأنك لا مانع عندك من قراءة أي كتاب؟ فقلت: نعم، فنصحني بقراءة كتاب (المراجعات).
وقال لي: إن هذا الكتاب حوار بين شيخ سني وآخر شيعي وأن كل ما فيه هو من كتب وصحاح أهل السنة.
وقد حاولت جاهداً أن أجد هذا الكتاب في المكتبات التي أعرفها في دمشق، لكنني لم اصل إلى النتيجة المطلوبة".
المامه بمأساة واقعة الطف:
يقول الأخ محمد سليم: "وفي هذه الفترة جلب لي شقيقي (المئة الأوائل من
وقد علمت بعد ذلك أن ما كنت أقرؤه كانت كتباً موجهة تحاول أن تمنع أن تصل إلينا مثل هذه الأمور..
وبعد قراءتي لهذه الخطبة حاولت أن أبحث في الكتب عن واقعة كربلاء واندهشت عندما قرأتها في تاريخ الطبري.
فسيدنا الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة كما جاء في الحديث الشريف.
(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
قد قتل هو وأهل بيته وأصحابه في هذه الحادثة أمام أعين المسلمين وسمع الآخرين، وقاتلهم يزيد وجيشه، وهذا الطاغية كان خليفة المسلمين في ذلك الوقت فهذه الحادثة جعلتني أعزم على أن أعرف كيف وصل هذا الطاغية إلى الحكم فتحكم بالإسلام والمسلمين وتجرأ على ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله)".
قراءته لكتاب المراجعات:
يقول الأخ محمد سليم: "ومن حسن الحظ في تلك الفترة أن التقيت صدفة بأحد أصدقائي لدى خروجي من صلاة الجمعة يحمل كتاباً فقلت له: ما هذا الكتاب؟
فقال بنفور: كتاب عن الشيعة.
فقلت له: هاته. وكم كانت فرحتي شديدة عندما قرأت عنوان الكتاب (المراجعات) بين السيد شرف الدين والشيخ سليم البشري، فهذا ما كنت أبحث عنه، وقد حاول صديقي منعي من أخذه بحجة أنه مختلق كما يعتقد وأن شيخه قد
فقلت له: لا عليك سوف أقرؤه بسرعة وأعيدة اليك غداً وفعلا قرأت الكتاب وأنهيته في ساعة متأخرة من تلك الليلة، وقد أعدت قراءته لأتأكد مرة ثانية من حقيقة الروايات، والأحاديث المثبتة في هامش الكتاب، والتي استشهد بها السيد شرف الدين.
وقد قلت في نفسي إن كانت هذه الروايات موجودة في كتب أهل السنة وتواريخهم وتفاسيرهم، فسوف أعيد النظر في قناعاتي، فلا يهم إن كان هذا الكتاب ملفقاً أو صحيحاً، لأن الغاية هي ما جاء فيه وليس غير ذلك.
وبالفعل، فقد تأكدت من وجود هذه الأحاديث في الصحاح وكتب التفسير والتاريخ، وكل ما قاله واحتج به السيد عبدالحسين شرف الدين من حجج باهرة لا يمكن نكرآنهاإلاّ على من لا يريد أي يرى ضوء الشمس".
ردود فعل ابناء مجتمعه:
يقول الأخ محمد سليم في مجال المضايقات التي واجهها بعد التوصل إلى القناعات الجديدة:
عندما رفضت أن أحجز عقلي حكمو عليّ بالضلالة كما صرح أحد المشايخ الذين كنت أحضر دروسهم، وحتى أنه رفض مناقشتي في هذه الأمور.
وشيخ آخر نصح الناس بالابتعاد عني، وذلك عندما نقل له أحد من كان يحضر عندي من تلاميذه بأني أعطيهم بعض الكتب لي يقرؤوها مثل كتاب (ثم اهتديت للدكتور محمد التيجاني) وكتاب (المراجعات).
وكل الذين كتب الله لهم سبيل الهداية إلى مذهب أهل البيت.
فما كان من هذا الشيخ إلاّ أن قال في خطبة يوم الجمعة وعلى المنبر:
إن أحد الزنادقة يوزع كتاباً فيها سب وشتم للصحابة، فننصح الأخوة عدم
هذا كل ما عنده وعند أمثاله فأي إنسان يخالفه بالرأي سيصبح زنديقاً يسب الصحابة ولا يصح أن يكلمه أحد.
وعندما آثرت أن أقرأ كتاب العواصم من القواصم لأرى ما فيه فوجئت بما وجدت فيه من سب وشتم الصحابة وانتقاص منهم، وفي نهاية الكتاب فتوى بقتل الشيعة وكل من يخالف مذهب العامة..
لذلك قررت أن أذهب إلى هذا الشيخ وذلك في يوم الجمعة، وقد أخذت معي كتاب العواصم من القواصم بعد أن كنت قد همشته، ووضعت علامات على المواضيع التي ينتقص فيها مؤلف الكتاب من الصحابة، وأخذت معي أيضاً كتاب التشيع للسيد عبدالله الغريفي (حفظه الله)..
وفي يوم الجمعة دخلت إلى مسجد الزهراء في منطقة المزه، واستمعت إلى الخطبة، ثم صليت معهم صلاة الجمعة، وبعد الانتهاء التفت الشيخ إلى الحضور وبدأ يجيب عن أسئلتهم، فلمّا شارف على الانتهاء وهم بالوقوف توجهت إليه وقلت له:
إذا سمحت يا شيخ عندي بعض الأسئلة، وهنا بادرني بالسؤال عندما رأى كتاب العواصم من القواصم بيدي قائلا:
هل اشتريت الكتاب؟
فقلت له: نعم حسب ما طلبت أنت من الأخوة، فطلب مني أن أعطيه الكتاب ليتأمل، وبالفعل أخذه من يدي وبدأ يتصفحه ويبدي سروره عند كل صفحة وعندما قال لي ما سؤالك؟
فقلت له: إن كان يوجد هنا مكتبة أو مكتب لندخل له حتى يتسنى لنا الحديث بهدوء فقال: لا، أسأل هنا أمام الأخوة.
فقلت له: يا سماحة الشيخ ألم يأمرنا الله بالاعتصام بحبل الله جميعاً وأمرنا
وهذا الكتاب أيضاً يسب الصحابة، ويقول إن بعض هؤلاء مثل عمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبو حذيفة قد لعب فيهم ابن اليهودية (عبدالله بن سبأ) فكادوا لدولة الإسلام، وأججوا الفتنة التي أدت لمقتل عثمان بن عفان.
فقاطعني هنا الشيخ وقال: تفضّل لنتكلم في الداخل.
وقد كان المصلون قد تجمعوا حولنا فقادني إلى غرفة بجانب المصلى وقد دخل معنا جمع غفير من المصلين، فالتفت إليّ قائلا أنا لم أقرأ الكتاب، ولعل ما فيه مدسوس، فقلت له: هذا هو الكتاب، وقد فتحت له على الصفحة التي فيها الفتوى بقتل الشيعة.
فالتفت إلى الشيخ وقال: أنا لم أقرأ الكتاب.
فقلت له: ان مشلكتنا أننا نجهل كل شيء عن الشيعة إلاّ ما يقوله المغرضون والمشنعون، وقد أتيتك بكتاب يشرح منشأهم وأصول المذهب عندهم، وأتمنى منك أن تقرأ بعين المصنف، وسوف آتي إليك في الأسبوع المقبل لأعرف رأيك وهذا رقم هاتفي واسمي وعنواني فبان عليه الاستغراب عند سماع اسمي فعرفت ما يدور في ذهنه، فقلت له: إني كنت حنفي المذهب، والآن أتبع مذهب أهل البيت.
وقد أعطيته كتاب التشيع (للسيد عبدالله الغريفي حفظه الله) وطلبت منه أن يتصل بي إن أشكل عليه أمر ما، وودعته على أمل اللقاء بعد أسبوع.
وعندما أتى الموعد ذهبت إلى المسجد ولم يكن قد اتصل بي خلال هذا الأسبوع، وعندما قابلته بعد الصلاة اعتذر وقال إنه لم يقرأ الكتاب لأنه مشغول،
فعرفت أنه لم ولن يقرأ الكتاب، فلم أعد له ولم يتصل بي، ولكني عرفت رأيه من نظرة بعض الأصدقاء لي ونفورهم وكلامهم لي: لماذا تركت مذهبي واعتقادي السابق وكنت دائماً أشرح لهم وأعرَّفهم الحق وقد اهتدى البعض، واستنكف آخرون لأنهم كانوا يأخذون بكلام مشايخهم وإن كان بلا دليل، ويرفضون كلامي وإن أتيت عليه بألف دليل من الكتاب والسنة. وقد نسوا قول الله تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ...)(1).
ومن المعلوم أن النصارى لا يعبدون أحبارهم ولا رهبانهم، بل يطيعونهم فيما يقولون ويصدقونهم ويسلموا لهم دون دليل ودون تعقل أو تفهم، لذلك وصفهم الله بأنهم يعبدونهم من دون الله.
فهل يريد منا هؤلاء أن نكون مثلهم، وقد أمرنا الله أن نحكم عقلنا من بعد الكاتب وسنة رسول الله.
قال تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَآ..)(2).
لذلك فقد حررت عقلي ومضيت في سبيل الله لا أخشى لومة لائم، وبذلك قد نزعت التعصب الأعمى وما أورثه لي أسلافي، فانكشف لي ما حاولوا تغطيته والتعتيم عليه عبر العصور.
وما أحوجنا الآن إلى أن يدرس هذا التاريخ الذي اختفى من ورائه النزاع السياسي والصراع الطائفي دراسة واقعية على ضوء التحقيق العلمي المجرّد عن التعصب والتحيز ليظهر الحق والحق أحق أن يتبع.
____________
1- التوبة: 31.
2- محمد: 24.