الصفحة 323

وقفة مع كتابه: "ودخلنا التشيع سجداً"

تواجه الباحث السني شبهات منهجية عندما يدرس نظرية الإمامة التي يقول بها مذهب أهل البيت(عليهم السلام) إذا أراد الاقتناع بها والاعتقاد بمحتواها خصوصاً بعد الشك بما تقوله مدرسة الخلفاء في هذا المجال، وذلك لرغبة هنا ببديلا يقينياً لا تعتريه الشبهات، فتراه يعيش في صراع فكري عميق ونزاع عقائدي شديد نتيجة تراكم شبهات الباطل خلال ما يربو على أربعة عشر قرناً من عمر الإسلام.

يتعرض الكاتب في هذا الكتاب إلى قصة استبصاره واعتناقه لمذهب أهل البيت التي تقدم طرف منها، ثم يذكر بعضاً من الشبهات المنهجية التي واجهته في مرحلة التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي.

ويوضح أنّ الإمامة كانت موضع اهتمام النبيّ(صلى الله عليه وآله) منذ بدء الدعوة، بل أنّ العناية الالهية كانت تهيء الإمام عليّ(عليه السلام) حتى قبل الدعوة لهذا المنصب حالها حال اعدادها للنبوة والدين الإسلامي كَكُل، فلا يستطيع أحد أن ينكر العنايات الالهية بالنبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) قبل زمان نبوته، وهكذا كان الإمام عليّ(عليه السلام) محوطاً بها في ذلك الزمان أيضاً حتى قال أهل السنة: كرم الله وجهه.

ثم يستعرض الواقع التاريخي لقضية الإمامة بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) من يوم السقيفة المشؤوم إلى أيام حرب صفين، التي كانت امتداداً واحداً سعى فيه مغتصبي الخلافة وأنصارهم إلى إطفاء نور الإمامة الملازم لنور النبوة وأصل الدين.


الصفحة 324

شبهات منهجية:

الشبهة الأولى:

لا يوجد في القرآن نص صريح على ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، أو آية لا يعتريها الشك في خلافة الإمام عليّ(عليه السلام)، وإنّما هناك آيات تنوه بفضلهم وتحث على مودتهم يؤولها البعض خطأ بالإمامة وولاية الأمر. ولو كان الأمر صريحاً لما اختلف إثنان فيه.

مناقشتها:

1 ـ القرآن يتحدث عن قصص الماضين للاعتبار بها في بناء الحاضر والمستقبل ولا ينقلها فقط للتسلية، والرسالات السابقة تمهيد للرسالة الخاتمة لأنّ القرآن ينظر للبشرية باعتبارها كياناً واحداً يجري على آخرها ما جرى على أولها من السنن الالهية الثابتة.

ومن هذه السنن بل من أهمها سنة الاصطفاء الالهي للقادة، حيث نلاحظ الطرق المتواصل عليها في القرآن وذلك برفع شأن ذرية الأنبياء والتنويه بهم باعتبارهم صفوة الله وخاصته وأقدر الناس على تمثيل خلافة الله في أرضه.

وأهل البيت(عليهم السلام) وإن لم يذكروا مباشرة في القرآن إلاّ قليلا، إلاّ أنّ القرآن ما ذكر غيرهم من ذريات الانبياء إلاّ من أجلهم. وإذا كان ربّ العزة قد اتخذ من آل إبراهيم وآل عمران أنبياء فقد اتخذ من آل محمد(صلى الله عليه وآله) أئمةً. والإمامة أعظم درجة من النبوة وقد نالها إبراهيم(عليه السلام) النبيّ والرسول والخليل بعد هذه الدرجات وبعد ابتلاء خاص.

2 ـ لا فرق في الأهمية بين أحكام القرآن وأحكام السنة، وقد أوكل الله إلى نبيه أمر تبليغ الكثير من الأحكام المهمة التي لا يمكن التعرف عليها من ظاهر القرآن.

وقد قام الرسول(صلى الله عليه وآله) بتفصيل كل ما ورد في القرآن مجملاً، فالصلاة ـ مثلاً ـ

الصفحة 325
ورد الأمر بها في القرآن مجملاً ولولا ما فصله الرسول من شأنها لما عرف عدد الصلوات ولا كيفية أدائها، وليس لأحد أن يقول كان ينبغي للقرآن أن يبيّن جميع تفاصيلها لأنّها عمادُ الدين، ولقد صرح النبيّ(صلى الله عليه وآله) بما لا يدع مجالاً للشك في أمر ولاية أهل البيت(عليهم السلام) وتواترت عنه الأحاديث في ذلك وتضمنتها الموسوعات الحديثية لمختلف المذاهب.

3 ـ لو أنّ الإمامة لم يقررها القرآن كسنة إلهية، ولم يدع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى أهل بيته أئمة يهدون بأمر الله من بعده، ولو أنّ أتباع مذهب أهل البيت لم يقولوا بإمامتهم، لو أنّ كل ذلك لم يكن، لكان ضرورياً بحكم الفطرة أن نفترض ذلك النظام كما افترضنا وجود الله وترقبنا رسله، فأمر الدين لا يستقيم أبداً إلاّ بنبيّ أو وصي نبيّ، ولابدّ من قائم لله بالحجة في كل زمان كما يقول الإمام عليّ(عليه السلام) في نهج البلاغة: "لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً"(1).

الشبهة الثانية: الشورى ثابتة في القرآن والسنة كنظام للحكم والولاية بعد رحيل النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وهذا ما فهمه الصحابة من بعد النبيّ وعملوا به، فكان العهد الراشدي نموذجاً نادراً للشورى وحرية الاختيار على أساس من القيم والمصلحة العامة للإسلام والمسلمين، وهي خير من النظام السياسي القائم على الوراثة التي تعتبر من أسوأ الانظمة في التاريخ، وهذا ما توصلت البشرية إليه مؤخراً وبصورة غير مبرأة من العيوب فيما سمي بالديمقراطية.

مناقشتها: إنّ أمر الإمامة ليس مسألة توارث للسلطة أو اتباعاً لمعايير الأحساب والأنساب، بل هو إصطفاء الهي جرياً على سنة الله في الماضين التي لا تتبدل ولا تتحول، وهذا الاصطفاء له مقومات ولم يكن اختياره سبحانه وتعالى للأئمة عشوائياً، وإنّما وفق معايير التفاضل التي بينها للناس وحضهم على التنافس فيها.

____________

1- نهج البلاغة: 97.


الصفحة 326
فكان لابد أن يكون قادة المسيرة هم الذروة في الكمال البشري، وهذه المواصفات هي مما لا يدركها في العباد إلاّ ربّهم، ومن هنا كان تنصيب أئمة البشرية وقادتها جعلاً الهياً على أساس الاجتباء والاصطفاء. وهذا لا يتعارض مع القول أن الله يؤيد أصفياءه ويعصمهم تمكيناً لهم من تبليغ رسالاته وتولي أمر عباده.

ولو أنّ الخيار كان قد ترك للناس ليتخذوا من بين أنفسهم أئمة، لاختاروا وفق معايير خاطئة ولمالت بهم الأهواء عن الحق، وحادت بهم العصبيات عن سواء السبيل.

وأما ما ادعي من شورى فهي ما أُتي بها إلاّ لتوجيه ما حصل بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)من اقصاء للخلافة عن أولي الأمر الحقيقيين، وإلاّ فهي نظرياً تحتاج إلى ولي أمر حسب القرآن الكريم، وعملياً ما كانت إلاّ تنصيب بعد تنصيب ولم يدعها الخلفاء أنفسهم.

الشبهة الثالثة: إنّ حال الأمة الإسلامية يختلف عن أحوال الاُمم من عدة جهات:

1 ـ انقطاع الوحي بعد النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) وليس هناك أنبياء بعده فلا اصطفاء كما في الاُمم السابقة فكان لابد أن يتصدى الناس لولاية الأمر لسد الفراغ فيختاروا أحدهم لخلافة النبيّ عملا بقوله تعالى (وَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(1).

2 ـ لقد بلغت الاُمة الإسلامية من النضج بحيث لا تحتاج إلى وصاية بخلاف الاُمم السابقة، والدليل هو توقف الوحي وانقطاع بعث الأنبياء.

3 ـ القرآن لا يمكن تحريفه بينما حرفت الكتب السماوية السابقة فلا حاجة إلى أوصياء يقومون الانحراف.

مناقشتها:

1 ـ إنّ اصطفاء الأئمة من آل البيت(عليهم السلام) قد تم في زمان الوحي على لسان

____________

1- الشورى: 38.


الصفحة 327
النبيّ(صلى الله عليه وآله) أيام تنزل القرآن وبهذا الاصطفاء اكتملت الرسالة وتمت النعمة.

2 ـ ادعاء نضج الاُمة ادعاء التوى عنق الحقيقة مرات ومرات لاجل اثباته، ومع ذلك لم يثبت منه شيء، فالأمة تحتاج إلى وصي يدير شؤونها وهذا ما أثبتته الاحداث بعد وفاة النبيّ بدءاً من السقيفة ومروراً بكل الفتن التي لفّت الصحابة كقطع الليل المظلم، ومن ثم قتل ابن بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله) الحسين بن عليّ(عليه السلام) الإمام المعصوم، ومروراً أيضاً بكل عصور الجور والطغيان والفساد في القرون التالية، وانتهاء بما نحن عليه اليوم.

3 ـ نعم لم يحصل تحريف لفظي في القرآن، لكن قد حصل تحريف معنوي ناشيء عن الرأي واتباع المناهج الخاطئة في التفسير والاعتماد على الاحاديث الموضوعة والتزوير في اسباب النزول واتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كل ذلك أدى إلى افراغ القرآن من محتواه فلم يبق إلاّ رسمه، والتاريخ يقول أنّ الاُمة قد ارتكبت في حق كتابها كل الذي حذرت منه، وصار الكتاب في مختلف العصور أداة طيعة بيد الطغاة وأئمة الجور يصرفون آياته وفق ما تمليه مصالحهم واهواؤهم.

وقد افترقت الاُمة إلى عشرات الفرق العقائدية والفقهية والكل يزعم صدوره عن القرآن ووروده إليه. ولقد ضلت الاُمة ـ والقرآن معها ـ يوم أن فصلت بينه وبين الثقل الآخر ـ أهل البيت ـ بينما كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يدعوهم للتمسك بهما معاً حتى لا يضلوا.

الشبهة الرابعة: عليّ كرم الله وجهه هو الرابع في ترتيب الصحابة، ولا أحد من المسلمين ينكر فضائله، على أنّ ذلك لا يعني تقديمه على الثلاثة الأوائل (أبو بكر وعمر وعثمان)، كما أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يخصه بشيء أكثر مما خص به خلفاءه، أما ما يعتقده الشيعة في عليّ فهو غلوياً يأباه الدين، خاصة إذا عرفنا أنّ فريقاً من الشيعة يرفعونه إلى مرتبة الالوهية، حتى أنّه في أيام خلافته عاقب بعض المغالين

الصفحة 328
المؤلهين له بالاحراق بالنار.

مناقشتها: لقد نزل أتباع مدرسة الخلفاء بمقام الإمام عليّ(عليه السلام) كثيراً فجعلوه رابع الخلفاء والصحابة ولم يقبل حتى هذا أمثال ابن عمر فنزل به دون الرابع.

والواقع إنّ الإمام عليّ(عليه السلام) له من الكرامات والمناقب مما جعله أن يكون نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله) باختيار ربّ العزة في آية المباهلة.

وأول كراماته مولده الشريف في جوف الكعبة فكان أول وآخر من يولد فيها، وقد ربّاه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) رداً لجميل أبي طالب وفاطمة بنت أسد اللذين ربياه في صغره، وهكذا قدّر الله لعليّ أن يلازم خير خلقه ويتتلمذ لدى معلم البشرية واستاذها الأعظم نبيّه محمد(صلى الله عليه وآله)، فكان إسلامه لم يسبق بشرك كما حصل للآخرين، فكيف يقارن به غيره فضلاً عن أن يقدم عليه؟! وهو أحد الدعائم الأساسية التي قام الدين متكئاً عليها، ولكل ذلك كان تبشير النبيّ(صلى الله عليه وآله) بامامته يسير جنباً إلى جنب مع تبليغ أركان الدين الاخرى، ولذلك أيضاً ضاق المنافقون ذرعاً وحسدوه فعملوا على منع تنفيذ وصية النبي(صلى الله عليه وآله) فاستهدفوا قداسة النبيّ(صلى الله عليه وآله)أيضاً.

الشبهة الخامسة: القول بالوصية، وبموقف متميز لأهل البيت، وخلافة الإمام عليّ للرسول من دون فاصل، كل ذلك ينطوي على اتهام صريح لجميع الصحابة وقد بايعوا خلاف من استخلف نبيهم، وبالتالي الطعن في عدالة الجميع بما فيهم كبار المهاجرين والأنصار، بل والخلفاء الثلاثة.

وعدالة الصحابة ثابتة باتفاق الجميع، وقام عليها الدليل من القرآن والسنة، فلا يجوز الطعن فيهم لأنّا عرفنا الدين والحق من خلالهم.

وأضف إلى ذلك أن القدح فيهم هو قدح في امكانيات الرسول(صلى الله عليه وآله) وقدراته التربوية التي بذلها معهم، مع أنّ الثابت هو أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أعظم مرب شهدته البشرية وأنجح معلم في التاريخ.


الصفحة 329
مناقشتها:

1 ـ لا دليل للقائلين بعدالة كل الصحابة إلاّ التأويل الخاطيء لبعض آيات القرآن وتجاهل البعض الآخر، والاعتماد على المفتريات من الروايات، وتخصيص الأحاديث التي تذكر الصفات السلبية لبعضهم والتي تتنبأ بردّة بعض وانقلابهم وانحرافهم من الخط.

2 ـ الدور المفترض للصحابة بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) كنقلة لأحكام الدين عنه إنّما يرد إذا تحقق افتراض آخر، هو وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) دون وصية ودون تعيين لمن يشغل مكانه بعد رحيله.

3 ـ القرآن ذكر كثرة المنافقين مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) كما سلط الضوء على سيرة أصحاب الأنبياء السابقين وذكر نقاط ضعفهم، وأورد قصصهم بتفاصيلها ليقرر حقيقة أن العدالة ليست ملازمة للصحبة، وأنّ ما جرى لأصحاب الرسل السابقين يجري مع أصحاب رسولنا الأعظم(صلى الله عليه وآله) حذوا النعل بالنعل وحذوا القذه بالقذة.

وبناء على ما تقدم نستطيع القول: أنّ الصحابة بشر اعتياديون خصهم الله بصحبة نبيّه الأكرم، فمنهم من أحسن الصحبة وأخلص الولاء، ومنهم من أضاع الفرصة منذ البداية، ومنهم نكث غزله من بعد قوة أنكاثاً.

وبالتالي ليس غريباً أن يكون المخلصون هم الأقلون عدداً، وأن تنقلب الاكثرية على الاعقاب وتتجاهل وصية النبي(صلى الله عليه وآله) أو تقوم بتأويلها بما يتفق مع مصالحها وأهوائها ثم تزعم أنها ما ارادت بما فعلت إلاّ إصلاحاً.

إمامة الإمام عليّ(عليه السلام):

لقد بشر النبيّ(صلى الله عليه وآله) منذ أوائل الرسالة بإمامة الإمام عليّ(عليه السلام)من بعده، فقد أنذر عشيرته الاقربين استجابة لأمر الله فعرفهم برسالته وعرض على من يؤازره منهم أن يكون له أخاً ووصيّاً وخليفةً من بعده، فأبى القوم إلاّ علي، هنالك توجه

الصفحة 330
النبيّ(صلى الله عليه وآله) إليهم بقوله: "إنه أخي ووزيري ووصيّي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا"(1).

ومن هنا يظهر أنّ إهتمام النبيّ(صلى الله عليه وآله) بمستقبل الرسالة اقترن منذ الوهلة الأولى بالإعلان عن نبوته، ثم استمر في مختلف مراحل الدعوة إلى أن خفقت أجنحة الموت فوق رأسه الشريف، ويدل على ذلك أحاديث كثيرة منها: حديث المنزلة، وحديث الغدير، ورزية يوم الخميس، حيث أراد أن يكتب كتاباً لا تضل الأُمة بعده أبداً فمنعه عمر وقال: "انه يهجر"(2).

وبعد أن لبى رسول الله(صلى الله عليه وآله) نداء ربّه، انقلب القوم على أعقابهم واغتصبوا الخلافة والحكم، واضطر الإمام عليّ(عليه السلام) أن يساير القوم حفاظاً على أصل الدين ـ رغم مأساة السقيفة وما جرته على أهل البيت والاُمة من ويلات أولها ما أصاب الزهراء(عليها السلام) وآخرها لم ينته بكربلاء بل استمرت واستمرت إلى يومنا هذا ـ فكان يهدي الناس وهو خارج الحكم وينصح الخلفاء في مواقع الخطر على الإسلام أو في مجال تبيين أحكامه وتدعيم أركانه.

شورى الستة:

يلاحظ في هذه القضية أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) دخل فيها وهو يعلم سلفاً أنّ النتيجة محسومة لغير صالح الإسلام والإمامة، لكنه أراد أن يوضح للناس بطلان دعوى القوم، فعندما اشترط عليه ابن عوف الذي حصل على امتياز الحسم في قضية الشورى من عمر الالتزام بسيرة الشيخين رفض ذلك مبيّناً بطلان سيرتيهما، كما أراد أن يبين تناقض قول عمر وفعله، لأنّ عمر قد أهله للخلافة في قضية الشورى، وكان من قبل يقول أنّ النبوة والخلافة لا تجتمع في بيت واحد.

وبعد أن رست الخلافة بالشورى العمرية على الشاطيء الأموي خرج

____________

1- راجع تاريخ الطبري: 2 / ص 319 ـ 321.

2- صحيح البخاري، كتاب المرض: 7 / 9 صحيح مسلم، كتاب الوصية: 2 / 16 ط عيسى الحلبي، تاريخ الطبري: 3 / 193. الكامل لابن الاثير: 2 / 320.


الصفحة 331
عليّ(عليه السلام)، ليخاطب الناس بقوله: "أيها الناس لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري، أما وقد انتهى الامر إلى ما ترون، فو الله لاسالمنَّ ما سلمت أُمور المسلمين ولم يكن جور إلاّ عليّ خاصة إلتماساً لاجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرف".

تصدي الإمام عليّ(عليه السلام) للحكم:

يلاحظ المرء عندما يطالع لأول مرّة وقائع البيعة التي تمت للإمام عليّ(عليه السلام)في أعقاب مقتل عثمان، إن الإمام قال للناس: "دعوني والتمسوا غيري، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً"، ويتساءل كيف تقول الشيعة أنّ الإمامة وولاية أمر المسلمين من مختصات عليّ وأهل بيته بالنص، وأنها لا تنبغي لغيرهم، بينما يرد الإمام عليّ الأيدي التي امتدت لتبايعه؟

وفي مقام الجواب نقول: أنّ الإمامة ـ كما تقدم ـ لا تكون إلاّ عن طريق الاصطفاء والاجتباء الرباني شأنها في ذلك شأن النبوة، وليس على الناس إلاّ التسليم والطاعة، ويبقى الإمام إماماً حتى وإن لم يبايعه أحد.

إذاً فالإمام عليّ(عليه السلام) كان يدفع عن نفسه الامارة والحكم لا الإمامة، فهو لم يزل إماماً واجب الطاعة منذ أن مات النبيّ(صلى الله عليه وآله)، لم يقدح في إمامته إن تولى الحكم غيره، ويذهب البعض إلى أنّ علياً(عليه السلام) إنّما تمنّع أول الأمر حتى يلتف الناس حوله مع علمه أنهم غير تاركيه، ولو تركوه بناءً على طلبه "دعوني والتمسوا غيري" لا سقط في يده.

ونقول: إنّ مثل هذه المناورات والأساليب السياسية قد تصدر عن غيره(عليه السلام)، أما أن تصدر عنه، فذاك ما يأباه المبدا الذي أقامه الإمام عليّ(عليه السلام) وسار عليه، ولو كان مناوراً لما ردّ الشروط التي أملاها عليه عبد الرحمن بن عوف من داخل الشورى العمرية، بل لوافق عليها وتسلّم ـ بالتالي زمام الإمارة، وما كان لأحد بعد

الصفحة 332
ذلك ان يسأله عن سيرة الشيخين التزم بها أم لا.

والحقيقة إنّ الإمام عليّ(عليه السلام) كان صادقاً مع نفسه ومع الناس إذ قال: "دعوني والتسموا غيري" لأنه أعطى تبريره لهذا الموقف بقوله: "إنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت".

وقد كان(عليه السلام) خبيراً بما انطوت عليه نفوس القوم من الشبهات والاحقاد والأطماع، كما أن المتغيرات التي طرأت على الدولة الإسلامية في سائر نواحيها ـ خلال حكومة الثلاثة ـ كانت من السعة بحيث لا يمكن لعليّ(عليه السلام) ازالتها إلاّ بقرارات ومواقف حاسمة لا تقوم لها القلوب ولا تركن لها النفوس، وهو من جانبه لا يرضى أن يقرّ أوضاعاً لا تمت إلى الدين بصلة.

وفي ذات الوقت كانت ثقته بمن حوله ضعيفة ولا يأمن غوائلهم ولا يضمن مساندتهم له إذا ما قام بحركة اصلاحية كبيرة تعيد الوضع إلى سابق عهده أيام رسول الله(صلى الله عليه وآله); كما برهنت عليه الأحداث فيما بعد.

لكن الإمام عليّ(عليه السلام) تحت إلحاح الناس واجتماعهم عليه نهض بالأمر، وفي ذلك يقول: "أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ على العلماء ألاّ يقاروّا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت اخرها بكأس اولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز"(1).

بهذه الكلمات العميقة يبين الإمام الدواعي والأسباب التي حملته على التصدي للامارة والامساك بمقاليد الدولة وأزمّة الأمور، ولولاها لظلّ كما هو يؤدي رسالته إماماً شاهداً على عصره.

____________

1- نهج البلاغة: 49.


الصفحة 333

(15) محمّد العمدي
(زيدي / اليمن)




ولد عام 1975م في اليمن، بمدينة ذَمار، نشأ في أسرة تعتنق المذهب الزيدي، توجّه بعد الحصول على الابتدائية العامة إلى الدراسة الدينية في المذهب الذي نشأ فيه، ثم توجّه إلى العمل التوجيهي، فأصبح مبلّغاً وداعياً في الكثير من المناطق وكاتباً في عدد من الصحف المحلية.

مرحلة تراكم التساؤلات في ذهنه:

كان دأب السيد محمد العمدي التعطش للبحث والتنقيب والاحاطة بالحقائق، فدفعه ذلك إلى غربلة معتقداته الفكرية والتخلّي عن الضعيف منها، ثم الاندفاع إلى البحث في المذاهب والتيارات الفكرية الأخرى من أجل الوصول إلى العقيدة التي تروي ظمأه الفكري.

وبذلك تراكمت عنده الاستفسارات والتساؤلات الفكرية والعقائدية، فاندفع إلى الهجرة من منطقته إلى باقي المناطق من أجل الوصول إلى الأجوبة المقنعة لاسئلته الحائرة، فالتقى بالعديد من الأدباء والشعراء ورواد الحداثة والعلمانيين و... فلم يجد بغيته عند أحد منهم، عندها فقد توازنه الروحي واعترته انتكاسات شديدة بحيث لم يجد لها حلاً سوى التوجه باخلاص إلى الله سبحانه وتعالى.


الصفحة 334

التوجه إلى الباري عزوجل:

اعتكف السيد محمد العمدي متصوفاً في جامع النهرين بصنعاء ممارساً ـ كما اسماه في تلك المرحلة من حياته ـ بدء دور "النقه الروحي" ليمضي بعدها سبيله في الصراع مع أمواج أفكار العالم واطروحات صراع الحضارات!

وبقي على هذه الحالة حتى زاره أحد الأخوة من أصدقائه القدماء مستفسراً منه الحالة التي يمّر بها في تلك الفترة.

فيقول السيد محمد العمدي: "قال لي ذلك الأخ المؤمن: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ قد سمعنا عنك أنك قد لويت عنانك لعالم الأفكار الحديثة والمنهج العلمي المادي فما أنت وهذا المكان؟!

قلت: لا عليك، أنا كما سمعت; إلاّ أنني أحببت أن أمرّ بدور "نقه روحي" لأتوثب من جديد لمواصلة طريقي في عالم الفكر الحديث وطرحه العلمي البحث (التجريبي).

قال: وما زلت في مطالعاتك كما كنت؟

قلت: لا

قال: وكيف تدير رحى "نقهك الروحي" هذا اذن؟

قلت: بما يعنيني ولا يعنيك!

قال: فهلاّ عرّجت على كتاب أو كتب للصوفية تبهج روحك وتؤنس خلوتك؟!

قلت: لي في كتاب الله سلوة وعزاء!

قال: لجدّك الإمام يحيى بن حمزة كتاب اسمه "تصفية القلوب" فلم لا تجعله مُصفّياً لقلبك؟!


الصفحة 335
قلت: ذاك كتاب قرأته منذ زمن!

قال: "فإحياء علوم الدين"

قلت: الحق أني بين الفينة والأخرى أقلّب صفحات أحد مجلداته وأقرؤها!

قال: فهل لك إلى كتاب آخر أعطيكه لترى ما فيه من تهذيب للنفس وسير بها في معارج العرفان؟

قلت: لا بأس

قال: آتيك به.

بداية تعرفه على التراث الشيعي:

وبعد يومين أو ثلاثة جاء صديقه وأعطاه، كتاباً عرفانياً من كتب الشيعة الاثني عشرية.

يتحدث العمدي حول انطباعه عن ذلك الكتاب: "كان كتاباً عجيباً! كنت أغرق في بحوره ساعات وساعات وهو يذهب بي ذات اليمين وذات الشمال...، ومنتقى القول أنه كان عاصفة في حياتي هوجاء لا أرى مجالا متّسعاً للاستطراد في تسطيرها!

وبعدها بأيام جاءني ذلك الأخ بكتاب آخر حول جهاد النفس.

وحصلتُ بعدها على كتب أُخرى في تهذيب النفس، ويالتلك الذكريات العذبة التي ما زالت مخيّلتي تحتفظ بها عن تلك الأيّام".

ويضيف السيد العمدي: "انقضت فترة وجيزة و"غرَقي" في تلك الكتب كان قد بلغ مداه، ولما وصلتُ إلى الساحل قلت: من أين أتى كاتب تلك الكتب بما في تلك الكتب!؟

إنّه لم يكن ليأتيَ بشيء من عنده ومن جعبته الخاصة!!

كلّ ما هناك أنوارٌ وأحاديث لأهل البيت(عليهم السلام).


الصفحة 336
وأغرقتُ في التساؤل والاستعجاب!

قلت: ولكن أوليس "المؤلّف" من "الاثني عشرية" وهم من هم في مخالفتهم لعقائد "الزيدية" الحقّة!؟

وأعقبتْ ذلكم السؤال محاورات تَترى بيني وبين نفسي ومخزوني الفكري والعقائدي والمذهبي.

كانت رياح توجهّي "الحديث" حينها تصرفه عن ما هو فيه إلاّ أني كنتُ أرجعها إليه في مفارقات عدّة لا مجال لتسطيرها هنا!!

ومن ثمَّ رجعت في نهاية المطاف إلى نفسي وقلت: أولستَ قد أخذت على نفسك عهداً أن لا تدع قول فرقة في فرقة قائدك ومقنعك إلاّ بعد "فحص" ما جاء عنها في كتبها؟

أيقبلُ عقلُك أن يكون "للزيدية" هذه الردود والنقوض على مذهب الاثني عشرية وتظلُّ واقفةً حائرة لا تردّ ولا تدافع عن نفسها، وهي من عرفتَ في ردودها على أهل السنّة ودحض أقاويلهم عليها.

وكم لهم من المؤلفات في ذلك!! اضرب بطرفك لاترى إلاّ "الغدير" و"عبقات الأنوار" و"إحقاق الحقّ" و"المراجعات" و...

حواره مع ذاته:

يقول السيد محمد العمدي: "وقبل أن تراودني نفسي على الإطّلاع على ما عند "الشيعة الإثني عشرية" أدرت حواراً مع نفسي "كعادتي"! كان نتاجه:

البحث العلمي والمنهجي يتطلّب موضوعيةً بحتة، أي أن يرتكز على نقاط أُسُسيّة مبدئيّة ويناقش فقرات مفصلية في عقيدة أي نحلة أو فرقة.


الصفحة 337
والبحث في "الزيدية" و "الإثني عشرية" هو البحث في "الشيعة" و "التشيع".

إذن هو البحث في "الإمامة" و "الخلافة".

البحث عن "التقية والمتعة والمسح على الأرجل و(أشهد أن علياً وليّ الله) والسجود على التربة" للوصول إلى حلّ جذري وحاسم عند النقاش بين "الزيدية" و"الاثني عشرية" ـ بنظر صاحب هذه السطور ـ ليس إلاّ لجاجةً وتعنّتاً واستعراض عضلات في الفقه والحديث وأبواب الصلاة وكتاب النكاح!

وليس المقصود ـ لا سمح الله ـ أن لا تُناقش تلك المسائل وأن لا تطرح، إذ قد تكون في أغلب الأحيان هي القضيّة المحورية للنقاش ـ وإن كان هذا النقاش ممّا لا أراه مجدياً من أجل التوصّل إلى أحقيّة فرقة عن أُخرى ـ بل إن هنالك حاجةً ملحةً أحياناً لإبداء وجهة نظر المذهب المدافَع عنه في تلك المسائل، خصوصاً إذا كانت في دائرة "الشُبَه" التي تُلقى هنا وهناك! هكذا على عواهنها!، لا لشيء إلاّ للتهويل والتخويف والتحوير والتنفير!!

أقصد أن هنالك ما هو أكبر في دائرة النقاش، بل وما هو أهمّ عند الحديث عن فرقتين من فرق الشيعة كتب لهما البقاء مع أختهما الثالثة "الإسماعيليّة" حتّى هذا العصر، ولم تنقرض كما انقرضت الفرق الأُخرى سواءاً من الشيعة أو السنة".

البحث عن مكمن الخلاف المذهبي:

يقول السيد محمد العمدي: "إنّ البحث في المذاهب ومنها "الاثنا عشرية" و "الزيدية" يختزل اختلافاً ـ قد يكون واسعاً في بعض أطروحاته ـ في شتّى مناحي التفكير عند تلك المذاهب بدءاً من "العقيدة" وما فيها من: "عدل" و"نبوّة" و"معاد" و"إمامة" بل و"توحيد" مروراً بـ "الحديث ورجاله ومتونه وأسانيده

الصفحة 338
ومسانيده" و"التاريخ وحركاته وتطوّراته وانكماشاته" و"الفقه واختلافاته واستنباطاته واجتهاداته ومراحله وتدوينه" و"التفسير" و"الكلام" وانتهاءاً بالطرح المعاصر لذلك المذهب أو ذاك.

من هنا: كان لابدّ من تلمّس أشدِّ المواضيع صلةً برأس الاختلاف وأُسُّ الانشقاق حيث نرى أن للشيعة بمذاهبها الثلاثة المعاصرة: الاثني عشرية والزيدية والإسماعيلية قاسماً مشتركاً من عنده افترقت.

فما هو أصل اختلاف "الاثني عشرية" و"الزيدية"؟

من المعلوم أنّ الفرقتين شيعيّتان أي أنهما تقولان بأحقيّة أهل البيت النبوي في الخلافة "الإمامة" بل وتتفقان على النصّ على "علي(عليه السلام) والحسنين(عليهما السلام)".

بغضّ النظر عن كونه "جليّاً" أو "خفيّاً"!

ومن بعد الحسين(عليه السلام) يبدأ الخلاف:

فالإثنا عشرية تقول: النصُّ ثابتٌ في من بعد الحسين(عليه السلام) وهو ابنه الامام زين العابدين(عليه السلام) وفي من بعده... هكذا حتّى "الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر(عليه السلام)".

والزيدية تقول: لا نصّ بعد الحسين(عليه السلام) إلاّ ما كان نصاً على أهل البيت صلوات الله عليهم بشكل عام، كقوله(صلى الله عليه وآله): "تركت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي".

إذن أصل خلاف الفرقتين في "الإمامة" ومنها انقسامهما.

ومنهجية خلاف الفرقتين "الزيدية" و"الاثني عشرية" يتم مروراً بالخطوات التالية:

1 ـ تعريف "الإمامة" عند المذهبين الزيدي والاثني عشري.

2 ـ صفات الإمام أو شروط الإمام عند المذهبين الزيدي والاثني عشري.


الصفحة 339
3 ـ الطريق إلى معرفة الإمام عند المذهبين الاثني عشري والزيدي.

وبطرح آخر:

إنّ قول "الزيدية" بأنّ "طريق معرفة الإمام هو الدعوة والقيام" ضرورة اقتضاها قولهم بأنّ "شروط الإمام شروط أفضلية بشريّة وملكات احتيازية" ـ أوصلوها إلى أربعة عشر شرطاً ـ وهذا القول كان ـ هو الآخر ـ ضرورة اقتضاها قولهم بأنّ "الإمامة رئاسة عامة في أُمور الدنيا لم يوجبها اللطف بل المصلحة".

ومن المنطق أن يقول شخصٌ: بأنّ طريق معرفة الإمام هو قيامه ودعوته ما دام وقد قال بأنّ الشروط المتطلّبة في الإمام هي شروط كماليّة بالإمكان حصولها في أي شخص اتّفق، والقول الأخير هذا يفرضه المنطق أيضاً!! ـ بناءاً على القول بأنّ "الإمامة رئاسة عامة لاحتياج الناس للّطف الذي يُطرح في بحث النبوّة وأن الإمامة ليست في طول النبوّة أو في عرضها".

لكن الأمر يختلف إذا ما قلنا بأنّ طريق معرفة الإمام ليست قيامه ودعوته، وإنما الطريق إلى معرفة الإمام هو "النصّ"، وهذا بدوره يقود إلى القول بأنّ المنصوص عليه لابدّ وأن تكون له خصوصياتٌ غير تلك التي تكون ملكةً واحتيازية، أي أنّه لابدّ أن يكون "معصوماً" حتّى يُنصَّ عليه; كما هو الحال في النبوّة والنبيّ.

والقول بهذا ضرورة تقتضيها العقيدة بأنّ "الإمامة رئاسة عامة في الدين والدنيا للّطف الإلهي" وأن "الإمامة لطفٌ واستمرارٌ للنبوّة".

إذن من النقطة الأُولى "يتمنهج" البحث بشكل أكثر منطقيّةً!!

وكما يعبّر "القدماء" إن قالوا فنقول وإن قلتَ قلتُ!!

إن قلنا: كما هو رأى الزيدية ـ إنّ "الإمامة" رئاسة عامة لشخص معيّن في الدنيا وأُمور الناس; فسنقول ـ ضرورةً ـ إنّ مواصفات هذا الإمام كماليّة بشرية أو

الصفحة 340
فقل: "أربعة عشر شرطاً".

وعليه فسنقول: إن طريق معرفته قيامُه ودعوته لنفسه إذ لا طريق غيره.

أما لو قلنا كما تقول "الإثنا عشرية": إن الإمامة لطف واستمرارٌ للنبوّة أو رئاسة عامة في الدين والدنيا يقتضيها اللطف فلابدَّ من القول بعصمة صاحبها "الإمام" وعندها فلا طريق لمعرفة إمامته إلاّ "النصّ".

نهاية مطافه في البحث:

وهكذا كانت حركة بحثي في العقيدتين والمذهبين.

تحركتُ من نقطة "اللطف أو المصلحة" فقادتني "الإشارات المرورية الإلهيّة والعقليّة المنطقية" إلى "ضرورة" القول بـ "اللطف"! ثمّ قادني "اللطف" بدوره إلى الإعتقاد "بضرورة العصمة" التي أدّت بذاتها إلى الإعتقاد بـ "النص" مخلِّفاً ورائي: أن لا يمكن الإيمانُ بـ "الشروط الأربعة عشر" و"القيام والدعوة"، لأعتنق بعد ذلك مذهب الشيعة الإثني عشرية تاركاً مذهبي السابق.

وكم كان صعباً ذلك التحوُّل والاعتناق الجديد!! لو لم تكن للنفحات الرحمانيّة جولات وصولات هدّأت النفس وطمأنت القلب وعقّلت العقل!!".

مؤلفاته:

(1) "واستقر بي النوى":

صدر سنة 1420 هـ عن مركز الأبحاث العقائدية في سلسلة الرحلة إلى الثقلين.

كتاب يعرض فيه المؤلف رحلته إلى المذهب الاثني عشري، كما يتعرض لوجوه الاتفاق والخلاف بين الاثنا عشرية والزيدية.

يقول المؤلف في آخر الكتاب: "والى هنا تنتهي بنا "رحلة عقل" مصغرة،

الصفحة 341
استوقفتنا ـ فيها ـ محطات جادّة للمباني الهرمية الاسسية في نظرية الامامة عند الزيدية والاثني عشرية.

آمل أن تكون هذه الأوراق والتساؤلات "إثارات" للباحثين عن الطريق الصحيح، و"برنامج عمل عقائدي بحثي موضوعي" لمن يريد لنفسه "الخلاص" من الموروث العقائدي الذي لم يقم على "إقناعات" تامة وجلية، وترك فراغات واسعة لم تُحلّ ـ ولن تُحلّ ـ إلا بغربلة واسعة النطاق لكل مفردات ذلك الموروث العقائدي".

(2) "الزيدية والامامية جنباً إلى جنب": مخطوط.

سيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.

الكتاب اطروحة توحيدية في مقابل اطروحة ـ الزيدية والإمامية وجهاً لوجه ـ الاطروحة الارتجالية والتي ظهرت كحالة انفعالية في الساحة اليمنية.

يقول المؤلف في المقدمة: "وقد حاولت هذه "القراءات" ان تعرض وتقف عند "لوحات" خالدة من الفكر الشيعي في ملمحيه الرئيسين في اليمن "الزيدية والامامية" كما قامت بلمسات الترسيم الاولى لبعض الاصول الهامة المشتركة عند المذهبين.

وحاولت القيام بعملية تجذير أو بحث عن جذور صلبة. تجعل من الحركة المعاصرة هادفة أكثر ومحافظة على اصول من الانتماء لعلي(عليه السلام) قد تكون أهم بكثير مما قد يشغل الساحة ويخطط له الأباعد من تمييع قضية الولاء في أرض الولاء".

واستعرض المؤلف في كتابه شيئاً من تاريخ اليمن وأهلها وقدم تشيعهم لأهل البيت(عليهم السلام) ودفاعهم عن عقيدتهم في مفترق طرق المذاهب الإسلامية. ثم يعرض شيئاً من تاريخ الزيدية واليمنيون منهم بالخصوص كما يذكر سيرة زيد بن

الصفحة 342
علي واحترامه من قبل الفرقتين وأسباب خروجه على الظالمين، كما تعرض لمن خرج بعده من الزيدية، ومكانة أهل البيت(عليهم السلام) في كتب الزيدية، ثم يستعرض الملامح التوحيدية بين الفرقتين، ثم يناقش في عصمة الأئمة وأهمية النص لدى الفرقتين، ثم بحث في قضية المهدي والروايات والأقوال الواردة فيه لدى الطرفين.

(3) "اليمن المعاصر في تقرير شامل": مخطوط.

يتعرض فيه إلى اوضاع دولة اليمن سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً في عالم السياسة، يذكر الاحزاب والشخصيات السياسية اليمنية ويتعرض للخلافات اليمنية السعودية على الحدود بين البلدين وكذلك الخلافات اليمنية الارتيرية، ثم يبحث حرية الصحافة، أما في مجال الاقتصاد فيستعرض الحالة الاقتصادية في اليمن منذ حوالي أربعين سنة إلى فترة الوحدة والحرب الاهلية التي أثرت على الاقتصاد اليمني وكذلك اخراج العمال اليمنيين من دول الخليج في حرب الخليج الثانية.

وفي مجال الفكر تعرض للدين والتدين من قبل الناس، واستعرض المذاهب الموجودة في اليمن وصراعاتها الحزبية والسياسية.