الصفحة 526
وفي عائشة سورة كاملة ـ وهي سورة التحريم ـ فيها من التهديد والوعيد من الله بالطلاق والإبدال بزوجات خير منهما وبعذاب النار ما لا يخفى على أيّ شخص يفهم لغة العرب، وقد تقدّمت في باب "الصحابة في القرآن" هذه السورة.

وقد ورد في ترجمة حفصة من كتاب أسد الغابة ما يلي:

"... وتزوّجها بعد عائشة، وطلّقها تطليقة واحدة ثمّ ارتجعها، أمره جبريل بذلك وقال: إنّها صوّامة قوّامة، وإنّها زوجتك في الجنّة..."(1).

وأورد كذلك: "طلّق رسول الله(صلى الله عليه وآله) حفصة تطليقة، فبلغ ذلك عمر، فحثا التراب على رأسه وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل(عليه السلام) وقال: إنّ الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر، رحمة لعمر"(2).

وكماترى فالحديثان مُختلفان، ولذلك لا يعتّد بهما، لكن نقول: لو كانت حفصة صوّامة قوّامة فلماذا طلّقها رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟! هل كان رسول الله يريد من النساء أكثر من ذلك وهو الذي يوصينا بذات الدين؟! ثمّ أليس الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى؟! فما بال الرسول يطلق دونما سبب؟! وإذا كان هناك سبب فلماذا لا يذكره لنا أصحاب السير والتواريخ؟!

أمّا كون حفصة زوجة الرسول في الجنّة فهو أعجب من الأوّل، فمع وجود سورة التحريم الّتي تُتلى إلى يوم القيامة فإنّا نشكّ في ذلك.

وعلى الحديث الثاني فيكون سبب إرجاع الرسول(صلى الله عليه وآله) لحفصة ليس منزلتها عند الرسول، بل لمنزلة عمر كما يزعم الراوي.

وحفصة هذه ممّن آذت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكذبت عليه في قصّة المغافير

____________

1- أسد الغابة: 7 / 66 ترجمة حفصة بنت عمر.

2- المصدر السابق.


الصفحة 527
(الثوم) المشهورة والتي يرويها الصّحاح، كما آذت وحسدت زوجات رسول الله الأخر كصفيّة بنت حي اليهودي التي تزوّجها الرسول بعد خيبر بعد أن أعتقها من الأسر، وفي ترجمة هذه المرأة الصالحة من كتاب أسد الغابة تقرأ على لسانها: "... دخل عليَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرتُ ذلك لرسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال: ألا قلتِ: وكيف تكونان خيرا منّي وزوجي محمّد وأبي هارون وعمّي موسى؟!..."(1).

وبهذا الكلام من رسول الله(صلى الله عليه وآله) على لسان صفيّة تعلم كذب الحديث المرويّ في الصحاح والمسانيد حول فضل عائشة حيث فيه: "وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على باقي الطّعام؟!"(2).

وحسبنا قول الله في سورة التحريم حيث هدّد عائشة وحفصة بالطلاق وبأن يبدلهّن الرسول(صلى الله عليه وآله) بزوجات أفضل منهنّ في صفات عديدة ذكرتها السورة، فلو كانت عائشة أفضل نساء العالمين فضلاً عن زوجات الرسول فكيف يهدّدها الله تعالى بنساء أفضل منها في كلّ شيء؟!

ولكي تتيقّن أنّ حفصة وعائشة هما المقصودتان من تهديد الله تعالى في سورة التحريم أقرأ هذا الخبر:

"عن ابن عباس قال: أردت أن أسأل عمر فما رأيتُ موضعاً، فمكثت سنتين، فلمّا كنّا بمر الظهران وذهب ليقضي حاجته فجاء وقد قضى حاجته فذهبتُ أصبّ عليه من الماء، قلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللّتان تظاهرتا على رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟! قال: عائشة وحفصة"(3).

____________

1- أسد الغابة: 7 / 170 ترجمة صفية بنت حي بن أخطب.

2- مسند أحمد: 3 / 264 و: 6 / 159.

3- مسند أحمد بن حنبل: 1 / 48.


الصفحة 528

هند بنت عتبة:

هي زوجة حربة الكفر ورئيس الأحزاب أبي سفيان، وكانت قد أستسلمت لجيش رسول الله كما فعل بقية الطلقاء. وهي التي لاكت كبد حمزة سيّد الشهداء يوم أُحد بعد أن أمرت وحشيّا بأن يطعنه من الخلف، وإذا كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد ذلك ـ بعد الفتح ـ كلّما رأى وحشيّاً يقول له: "غيّب وجهك عنّي" فكيف به(صلى الله عليه وآله)عندما كان يرى من لاكت كبد عمّه ومثّلث بجسده؟!

لكن القوم جعلوها مؤمنة مسلمة، بل حسن إسلامها، بل لها فضائل ومناقب يُصرف عليها الحبر والكتابة.

والكيّس يدرك أنّ ما ورد فيها وفي زوجها أبي سفيان وفي معاوية أبنهما من الفضائل لا تعدو أن تكون زخرفاً من القول وكذباً، وذلك أنّ معاوية أبنهما لمّا ملك رقاب المسلمين طمس تلك المثالب وأظهر لهم مناقب لم يقلها الرسول ولم يسمع بها الصحابة.

وهل تريدون من معاوية (أمير المؤمنين) أن يترك أهله ونفسه للفضيحة؟! وهل تريدون منه وهو يصعد منبر رسول الله أن ينبزه الصحابة ومن يأتي من بعدهم؟! هيهات.

وأقرأ معي هذه المنقبة المزعومة:

"لمّا كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها وأتين رسول الله وهو بالأبطح فبايعنه، فتكلّمت هند فقالت: يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رَحِمكُ، يا محمد (لم يتعوّد لسانها على مخاطبته بالرسول) إنّي أمرأة مؤمنة بالله مصدّقة برسوله، ثم كشفت عن نقابها وقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله: مرحبا بك، فقالت: والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على ظهر الأرض أهل

الصفحة 529
خباء أحبّ إليّ من أن يعزّوا من خبائك..."(1).

سبحان مغيّر الأحوال، ولكن لتتيقّن من كذب هذه الفضيلة الواهية أقرا الصفحة التالية من نفس هذا الكتاب (طبقات ابن سعد) لترى كيف أنّ هذه المرأة التي صار رسول الله أحبّ الناس إليها وأعزّهم لديها تسيء الأدب معه:

"عن الشعبي يذكر: أنّ النساء جئن يبايعن فقال النبي(صلى الله عليه وآله): تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا، فقالت هند: إنّا لقائلوها (تقصد كلمة الشهادة)، قال: فلا تسرقن، فقالت هند: كنت أصيب من مال أبي سفيان قال أبو سفيان: فما أصبت من مالي فهو حلال لك، قال: ولا تزنين، فقالت هند: وهل تزني الحرّة؟ قال: ولا تقتلن أولادكّن، قالت هند: أنتَ قتلتَهم"(2).

تقصد هند بقولها: أنتَ قتلتهم، هلاك أبنها فيمن هلك يوم بدر كابيها وعمّها وأخيها.

نعم هذه حقيقة هند، خسّة ونذالة وأحقاد جاهلية رغم عفو وسماحة رسول الله(صلى الله عليه وآله) معهم يوم الفتح، ولو كان مكانه(صلى الله عليه وآله) أيّ قائد دنيوي آخر لذبح رؤوس رجالهم وبقربطون أطفالهم ولسبي نساءهم جواريا، فهم الطلقاء لا فضل لهم ولا فضيلة ولا هجرة ولا منقبة ولا غزوة ولا... بل ولا كلمة طيّبة. وسيفضحهم الله يوم القيامة بما كان يكذبون في إسلامهم، وهم أبطنوا الكفر.

هذه هي هند وأمثال هند، هذه التي يصبح أبنها معاوية الأفعى خليفة للمسلمين (وكفى بها مصيبة) بلا سابقة ولا جهاد، وهي جّدة يزيد الخمور الذي أرتضع من أسلافه الحقد على الرسول فقتل ذرّية رسول الله في كربلاء وهجم على مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله)(3) لأنّها موطىء الأنصار الذين ساعدوا رسول الله بأموالهم

____________

1- طبقات ابن سعد: 8 / 236 ترجمة هند بنت عتبة.

2- طبقات ابن سعد: 8 / 237.

3- مع أنّه (صلى الله عليه وآله) يقول في حديث له: "من أبغض الأنصار أبغضه الله" مسند أحمد: 2 / 501 ـ 527، ويقول: "من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" مسند أحمد: 4 / 55.


الصفحة 530
وأسيافهم، فكانوا بنظر يزيد شركاء للنبي في قتل أجداده ببدر.

وإنّي أقولها صريحة: إنّ من يقرأ تاريخ هؤلاء الخبثاء ويطّلع على فعالهم قبل إسلامهم وبعد استسلامهم ثمّ يعتقد بفضيلة بل ويعتقد بأنّهم أسلموا، اقول: هكذا شخص بليد الذهن عديم الفطنة.

الشيعة والصحابة:

إنّ الشيعة لا يسبّون كما قال أعداؤهم، لكن الشيعة أخذت طريقاً وسطاً وعقلانيّاً ينطبق مع الكتاب والسنّة، فلم يقولوا بعصمتهم جميعاً كأهل السنّة، وكيف يقولون ذلك وفي الصحابة من زنى ومن شرب الخمر ومن قتل النفس ومن حارب سنّة الرسول ومن أشعل الفتن؟!

ثم إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) نفسه كان يقيم الحدود كحدّ السرقة والزنا وشرب الخمر، فعلى من كان يقيم تلك الحدود؟! أليس على أصحابه المسلمين، وإلاّ فالكافر بعيد عن المجتمع المدني بطبيعة الحال.

ولو نظرت إلى كتب الشيعة لرأيتها مليئة بمدح الصحابة الذين لم يغيّروا ولم يتغيروا بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتجد هذا كذلك في دعاء أئمة أهل البيت كالصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين(عليهما السلام).

فهذه الضوضاء التي يُثيرها بعض الغوغاء على الشيعة ليست بأكثر من زوبعة في فنجان، وهكذا كلّ عقائد الشيعة في الواقع كلّها متطابقة مع العقل والنقل، لكن الأعراب أبوا إلاّ التهريج وجعلوا أصابعهم في آذانهم.

وكما عرفت فإنّه تسقط بعد هذا عدّة أحاديث مكذوبة، كحديث "أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم" فالصحابة اختلفوا وتنازعوا وأفتى بعضهم خلاف

الصفحة 531
الآخر، فبأيّ واحد أم بأي فريق نقتدي؟!

نعم لقد أوصانا رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى بأن نتّبع أهل بيته(عليهم السلام)فقال(صلى الله عليه وآله): "تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسّكتم بهما، لن تضلّوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"(1)، وهكذا حدّد لنا لمن نرجع بعده(صلى الله عليه وآله)، والرسول(صلى الله عليه وآله) ما كان ليخفى عليه ما سيقع في أمته من الفتن خاصة ما سيحدث بين أصحابه، ولهذا كان من غير المعقول أن يوصي رسول الله والله من وراءه بجميع الصحابة، فهذا بمثابة اجتماع النقيضين كما يقال.

____________

1- مسند أحمد: 3 / 17، مستدرك الحاكم: 3 / 148 وورد في مسلم بألفاظ أخرى، أنظر مسلم، كتاب الفضائل: فضائل علي بن أبي طالب.


الصفحة 532

الصفحة 533

(24) هشام آل قطيط
(سني / سوريا)




ولد عام 1965م في قرية البابيري التابعة لمحافظة حلب في سوريا، تخرّج عام 1992م من كلّية الآداب اللغة العربية في حلب.

بداية الرحلة الفكرية:

بدأت رحلته الفكرية من مجموعة تساؤلات فكرية وعقائدية تبلورت في ذهنه، سلبت منه حالة الاستقرار النفسي، فاندفع إلى البحث بغية الوصول إلى حالة الاستقرار والطمأنينة، وكانت أهم الأمور التي حفّزته على البحث هي مسألة معرفة الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة والتي قال عنها رسول الله أن اثنين وسبعين فرقه منها في النار. فكان يدفعه ضميره الحي إلى البحث اندفاعاً لضمان الفوز بالجنة في يوم المعاد.

في هذه الفترة التي كان يعيشها الشيخ هشام متعطّشاً للعلم والمعرفة وقع بيده كتاب المراجعات عن طريق تصفّحه لمكتبة أحد اصدقائه الذي تعرّف عليه خلال فترة خدمة العلم، ولكن نازعه الشك في مطالعة هذا الكتاب لأنّه استحضر في باله صور تحذير علمائهم من الاقتراب بالشيعة، والذين كانوا قد أحشوا أدمغتهم بأن الشيعة هم قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، وهم القائلين بخيانة الأمين

الصفحة 534
جبرائيل في تسليمه للرسالة الالهية إلى النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله)، وهم الذين يسجدون للحجر ويسبّون الصحابة ويعملون بالتقية، فلا يمكن معرفة حقيقة أمرهم بالحوار والمناظرة، لأنّهم يخفون عقائدهم عن الآخرين ولا يبدونها لأحد إلاّ بعد الثقة به، فلهذا إن الحوار والمناظرة معهم مبادرة محكومة بالفشل.

الحيرة والاضطراب:

عاش الشيخ هشام الحيرة بين تلبية نداء العقلية التقليدية التي أملتها عليه البيئة الاجتماعية والتي كان يعيش فيها، ونداء العقلية المنفتحة التي بدأت تتبلور عنده نتيجة تخطيه حواجز التبعية والعزم على الوصول إلى الحقيقة، عن طريق البحث والتتبّع من دون الانقياد الأعمى للتيارات الفكرية السائدة.

التوجه إلى البحث:

لم تمض فترة من الانغماس في الشك والحيرة حتى اتخذ الشيخ هشام قراره النهائي فاستعار كتاب المراجعات من صديقه لمدة اسبوع، ثم بدأ بقراءته بغية توسيع آفاق مداركه الذهنية، ولم تمضِ مئتي صفحة من مطالعته هذا الكتاب إلاّ وأحس أنّه أمام تيار هائل من الأدلة والبراهين التي زعزعت أركان معقتداته الموروثة، فخشي أن تنهار ركائزه العقائدية إن واصل المطالعة، فغلق الكتاب خشية أن تحطم وتهدم العاصفة التي أثارها هذا الكتاب في كيانه كل مرتكزاته العقائدية وكل مبادئه وتقتلعها من جذورها.

وازداد اندفاع الأخ هشام للبحث بعدما لامس التحدي الذي واجهه من كتاب المراجعات، فانتفض هذه المرة بعزم ليعزز اركانه الفكرية التي فقدت ثباتها، فقصد الدكتور الشيخ عبدالفتاح صقر(1) الساكن في بيروت بغية أن يداوي

____________

1- الدكتور الشيخ عبدالفتاح صقر، من البعثة الأزهرية في بيروت (دار الفتوى) استاذ في كلية الشريعة، واحياناً يخطب الجمعة في مسجد دار الفتوى (بيروت).


الصفحة 535
الجروح التي اصابت عقيدته الموروثه، لكنه لم يسمع منه سوى التحذير المطلق من الاقتراب بالفكر الشيعي.

عدم مواصلة البحث:

ترك الشيخ هشام البحث ليدخل خدمة العلم حتى عام 1990م، ثم تعلّم مهنة الحدادة والنجارة والبناء من عمه في بيروت، ثم باشر عمله فكان يقف مع العمال العاطلين في معرض العمال على أمل أن يأتيه أحد بحاجة إلى عامل أو معلم أو حداد أو نجار فيأخذه ليعمل ازاء أجرة معينة.

وبقى الشيخ هشام على هذه الحالة حتى صادف ذات يوم أن دخل إلى المعرض صديقه الشيعي الذي كان معه في خدمة العلم والذي استعار منه كتاب المراجعات، فلمّا التقى به رحّب به ثم دعاه للعمل معه في ورشة مصلحة البلاد، فقبل الشيخ هشام ذلك.

وفي اليوم الثاني من العمل سأله صديقه عن نتائج مطالعته لكتاب المراجعات، فتعذّر منه الشيخ بأن المطالعة تتطلّب ذهنية صافية وأن الفرصة لم تسمح له في تلك الفترة للمطالعة والبحث.

توفير أجواء البحث:

قدّم له صديقه الشيعي كتاب "ثم اهتديت" للتيجاني السماوي، فحاول الشيخ هشام أن يتهرّب من أخذ هذا الكتاب متعذّراً بحجج كان ينقلها عن لسان مشايخه.

فدعاه صديقه إلى نبذ التعصب ورفض التفكير وفق الطريقة التقليدية الموروثة، ثم قال له: "دائماً تقول لي، الشيخ عندنا قال كذا، والشيخ قال كذا، فكّر

الصفحة 536
بعقليتك، لا بعقلية الشيخ".

فقال له الشيخ هشام: "أنا وانت نفهم أكثر من العلماء والشيوخ؟!".

فبيّن له صديقه الشيعي أن تعطيل العقل وتجميد الفكر والتقليد والتبعية العمياء تصنع من الانسان شخصية ضعيفة وغير واعية، وهذا ما تجعلها لقمة سائغة لاصحاب المطامع لتستغلها باسم الدين وباسم العناوين البرّاقة فتدفعها إلى الضلال والانحراف.

أما الشخصية الواعية والمتفهّمة والمستفسرة حسب نطاق قدرتها تكون محصّنة نسبةً ما، وقادرة على التمييز النسبي بين الحق والباطل.

ومن هنا بدأ الشيخ هشام يعيش حالة الصراع الحاد في داخلية بين مواصلة البحث وقراءة كتاب ثم اهتديت، وبين الابتعاد عن هذه الأجواء التي اربكت نفسيته، فاستشار جملة من العلماء، فلم يجد عندهم سوى التحذيرات الحادة من قراءة الكتب الشيعية والخوض معهم في حوار أو بحث.

وبقى على هذه الحالة يعيش الازمة النفسية والحيرة من تحديد اتجاهه العقائدي، حتى هيمن عليه الضعف فالزمه الفراش عدّة أيام، وكانت وصايا الاطباء ترشده إلى ترك العمل والاستراحه وترفيه النفس.

وفي هكذا اجواء اضطر الشيخ هشام إلى اتخاذ قراره النهائي، فعزم على مطالعة كتاب المراجعات والتوجه إلى البحث والتتبع.

العودة إلى البحث مرّة اخرى:

انتهز الشيخ هشام فرصة أخذه الاجازة من العمل، فتوجه إلى مطالعة كتاب المراجعات، مع مراجعة مصادره من كتب أهل السنة في مكتبة دار الفتوى.

يقول الشيخ: "راجعت المصادر ووقفت عليها ووجدت صدق ما يأتي به

الصفحة 537
العالم الشيعي، فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم واحاطته الدقيقة بالتاريخ والسيرة والصحاح واستهواني الكتاب باسلوبه الجذّاب".

صادف الشيخ هشام أن تعرّف في بيروت حين بحثه عن بعض المصادر برجل دين شيعي، فدار بينهما حوار حول الإمامة والخلافة، فأهدى الشيعي إليه كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، وأوصاه بقراءة رسالة الجاحظ في تفضيل الإمام عليّ(عليه السلام) الموجوده في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

الاحتكاك بالشيعة:

بعد هذا بدأت تتفتّح ذهنية الشيخ هشام، واصبح لا يمرّ من ظاهرة إلاّ ومستخدماً وعيه لمعرفتها اجمالا، وأخذ يحتك بالشيعة ويتباحث معهم حول المعتقدات التي يعتقدونها، حتى تعرّف خلال ذلك على العلامة السيد علي البدري، فحكى له السيد قصته وتجربته في الانتقال من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، وقدّم له بعض كتب المستبصرين وجرت بينهم لقاءات عديدة تحاورا معاً حول كثير من المسائل العقائدية، ثم صادف أن سافر إلسيد الى بيروت لاجراء عملية جراحية لقلبه، ثم سافر إلى ايران ولم تمض فتره حتى وصله نبأ وفاته.

اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام):

واصل الشيخ البحث حتى بانت له الحقيقة بكل وضوح في نهاية المطاف، فاعلن استبصاره ولم يخف في الله لومة لائم أو هجران الناس له، بل جابه جميع العقبات التي ارادت أن تصدّه عن تحقق هدفه المنشود بصمود وتحدّي، حتى اندفع عام 1994م إلى الدراسة في الحوزة الزينبية من أجل أن ينهل من عذب

الصفحة 538
علوم أهل البيت(عليهم السلام)ولا يزال يتابع دراسته الحوزوية.

مؤلفاته:

(1) "وقفة مع الدكتور البوطي في مسائله":

صدر عام 1417هـ ـ 1997م عن دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان ودار الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله).

كان الدافع الذي حفّز المؤلف لتأليف هذا الكتاب هو أنه استمع إلى محاضرات الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الاستاذ المحاضر في كلية الشريعة ـ جامعة دمشق ـ فوجد فيها أن عرض صور بعض الحقائق وجملة من الأحداث التاريخية لم تذكر بالصورة المطلوبة، فألف هذا الكتاب ليزيل الغموض والتشويش التاريخي عن بعض القضايا قدر المستطاع.

وله في هذا الكتاب جملة من الملاحظات على أقوال الدكتور البوطي فيما يخص بعض المسائل منها:

مأساة أهل البيت، دراسة التاريخ، عدالة الصحابة، الإمامة والخلافة، وراثة الأنبياء، الشورى، حديث المنزلة، حديث الغدير، مكانة الإمام عليّ(عليه السلام)، اتخاذ القبور، حديث كتاب الله وسنتي، التقية، نشأة التشيع و...

(2) "حوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين للدكتور البوطي":

صدر عام 1418هـ ـ 1998م عن دار المحجة البيضاء ـ بيروت ـ لبنان ودار الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله).

يقول المؤلف في المقدمة: "هذا البحث الذي بين يديك هو دراسة عن حدث تاريخي مهم، ومفصل من مفاصل التاريخ الاسلامي الذي حظى بشهرة عظيمة، وصيت ذائع، ومكانة مقدسة، وهالة عظيمة، لم تجرؤ بعض الاقلام على

الصفحة 539
خوض الحقيقة في غماره الشائك.

وهذه الدراسة تستهدف البحث حول واقع تلك الهالة المقدسة وما خلفته من أحداث جسام وويلات تلو الويلات، فحاولت جاهداً في هذا البحث أن احدث شرخاً في جدار التعتيم المضروب على تلك الهالة المقدسة.

فحاولت قدر المستطاع تسليط الضوء على أحداث قامت بها شخصية اسلامية مهمة، وهي زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله) السيد عائشة أم المؤمنين لما لها من أثر في مجرى الاحداث التاريخية في الاسلام".

وقد تطرّق الكاتب خلال نقده لكتاب "عائشة أم المؤمنين" لمؤلفه الدكتور البوطي، فابدى بعض الملاحظة على جملة من المسائل العقائدية التي أوردها الدكتور البوطي من منطلق وجهة نظره.

وحاول المؤلف أن يتوقف على بعض آرائه فيناقشها بموضوعية وحوار علمي بنّاء، فكانت من جملة المواضيع التي تم التعرّض لها:

ـ مفتريات على صاحب الرسالة.

ـ النبوة في الصحيحين.

ـ سرقة القاب الصديق والفاروق ووضعها لأبي بكر وعمر.

ـ معجم شتائم واساءات الدكتور البوطي.

ـ دور الشيعة في تطور العلوم الاسلامية.

ـ التعريف بمالك الأشتر.

ـ حديث العشرة المبشّرون بالجنة.

ـ التحقيق في قضية ابن سبأ.

وأمّا موضوع سيرة عائشة فهو يعتبر المحور الأساسي الذي تم تسليط الضوء عليه، حيث قام المؤلف بتبين جوانب متعدّدة ترتبط بعائشة من قبيل:


الصفحة 540

  • قضية تفضيلها على بقية أُمهات المؤمنين.

  • غيرة عائشة من نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله).

  • جملة من مواقفها في عهد الرسول(صلى الله عليه وآله).

  • ارث عائشة من النبي(صلى الله عليه وآله).

  • قيادتها لجبهة المعارضة في عصر عثمان.

  • معارضتها الكبرى في زمن الامام عليّ(عليه السلام).

  • سبب اختلاف أحاديثها.

    (3) "ومن الحوار اكتشفت الحقيقة (من بيروت كانت البداية)":

    صدر عام 1421هـ ـ 2000م عن دار المنتظر ـ بيروت.

    يتعرّض المؤلف في كتابه هذا الى ذكر مراحل رحلته الفكرية الشاقة والمريرة في المذهب والمعتقد، فيذكر من المراحل:

    ـ مرحلة الحيرة والشك التي تمكّن أن يتحرّر منها عبر بذل الجهد في البحث والمطالعة واللقاءات العديدة التي اجراها مع السيد علي البدري، والتي من خلالها تفتحت آفاقه الذهنية على حقائق أنارت له طريق الهداية.

    ـ مرحلة المامه بمجموعة من الحوارات والمناظرات التي تمت بين بعض علماء الشيعة والسنة، ثم يبين النقاط التي استوقفته بشده.

    ـ مرحلة التفاته إلى ظاهرة تشيع جملة من علماء ومثقفي أهل السنة، وتبيين الدور الذي كان لها في اليفظة والتحرر من الغفلة.

    ـ مرحلة الوعي بأنه كان ضحية لأحاديث اخترعتها السياسة الأموية، فيبدأ بتنقية افكاره منها واحدة تلو الاخرى حتى يصل إلى مرحلة النقاء الفكري، فعندها يجد نفسه مستعداً لتقبل الحقائق بكل ترحاب.

    ـ مرحلة تخطي الاشاعات التي كانت تحول بينه وبين التشيع.


    الصفحة 541
    ـ أسباب تحوّله العقائدي وانتقاله إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فيذكر جملة من الأدلّة منها احاديث الدار، الثقلين، الخلفاء الاثني عشر، السفينة وغيرها.

    ـ ذكر أهم الأحداث التاريخية التي الوت بعنقة لاعلان التشيع، من قبيل: رزية الخميس، حادثة الصحابة في صلح الحديبية، سرية أسامة، حادثة الشورى المصطعنة.

    وفي نهاية الكتاب يذكر المؤلف مجموعة من الأدلّة والنصوص الموجبة لاتباع عليّ(عليه السلام).

    (4) "محاكمة شيخ الأزهر ـ الأزهر بين فكّي كمّاشة، التيار السلفي وظاهرة التوظيف الديني، (وثائق وحقائق):

    طبع هذا الكتاب طبعة جديدة منقحة عام 1421هـ ـ 2000م.

    يتضمّن هذا الكتاب انتقادات جملة من العلماء والفضلاء على مجموعة من أفكار ومواقف شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، وكان من جملة الذين وجهوا انتقاداتهم اليه:

    الكاتب المصري صالح الورداني، السيد محمد حسين فضل الله، الدكتور البوطي، علماء الأزهر، الدكتور وهبة الزحيلي، الاستاذ حسن الجواهري، الشيخ كامل حاتم، الدكتور أسعد علي، الدكتور عارف تامر، الشيخ عبدالله زين الدين والدكتور عمر أبو زلام.

    (5) "المتحولون ـ حقائق ووثائق ـ ظاهرة تحوّل تلك النخبة من العلماء والمثقفين نحو مذهب أهل البيت(عليهم السلام)".

    صدر عن دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر ـ بيروت ـ في ثلاثة أجزاء.

    وهو كتاب تعريف لكثير من الشخصيات المرموقة التي تحوّلت من المذهب السني إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، مع ذكر نبذه مختصرة عن حياتهم

    الصفحة 542
    ونشاطهم الفكري والثقافي، وإشارة إلى بعض كتبهم واقتطاف ما اوردوه فيها حول قصة استبصارهم وأهم الأسباب والدواعي والأدلة العلمية التي دفعتهم إلى ذلك، مع ارفاق جملة من مناظراتهم وحواراتهم ولقاءاتهم الصحفية بتراجمهم، مزودة بصورهم وصور أغلفة كتبهم وما تم نشره عنهم خصوصاً في موقع مركز الأبحاث العقائدية (صفحة المستبصرين)(1)، ومجلة المنبر وكتاب المستبصرون وباقي الصحف والمجلات.

    ____________

    1- وذلك للاجازة الممنوحة من قبل مركز الأبحاث العقائدية في الاقتباس من موقعه على الانترنيت، ويلحظ هذا الاقتباس من المؤلف بوضوح في الجزء الثاني من كتابه، حيث نقل 58 ترجمة من موقع المركز من مجموع 80 ترجمة من تراجمه التي أوردها في الكتاب.


    الصفحة 543

    وقفة مع كتابه: "ومن الحوار اكتشفت الحقيقة"

    خصائص الحوار والمحاور:

    الحوار يحتاج إلى طرف آخر تنفتح عليه وتحاول أن تصل معه إلى قناعات مشتركة حول مواضيع الحوار، ثم إنك لا تريد أن تجبره إجباراً على افكار لا يقتنع بادلتها واصولها، ثم تحاججه بالمنطق وتخاطبه بالعاطفة فيكون الحوار حوار العقول والقلوب.

    ولابدّ للمحاور إذا أراد من حواره الوصول إلى ثمرات نافعة أن يقبل بالحجّة والبرهان الساطع إذا قام لديه واقتنع به في نفسه، فلا يعاند ولا يكابر ولا يشمخ بانفه لأنّ ذلك نقض لغرض الحوار، كما أنه لا يصح من المحاور أن يرفض الأدلّة الواضحة بالتأويل والتبرير والتلبيس فيوقع نفسه في الشبهات من حيث يدري أو لا يدري، أو يجر الحوار إلى مجادلات عقيمة لا تثمر وتُضيع الوقت والجهد وتؤدي إلى تنافر القلوب.

    ولكي تُحارو الطرف الآخر باسلوب أفضل مع نتائج للحوارات ذات فائدة، لابدّ أن تعرف الأصول الفكرية لهذا الطرف مع دراسة مقوّمات بناءه الفكري الشخصي والعام، فأنت مثلا لابدّ أن تقرأ كتب مدرسته الفكرية التي ينتمي إليها، فبدون ذلك قد تصطدم بعقبات في مجرى الحوار يصعب اقتحامها ولا تستطيع مواصلة الطريق نتيجة ذلك.

    ولابدّ للحوار أن يكون بهدوء وترو، وأن يكون المحاور ذا نفس طويل في الحوار، لا يستعجل الوصول إلى النتائج بدون أن يستوفي الحوار كل الجوانب المحيطة بموضوع الحوار.


    الصفحة 544
    وطبيعة الحوار أن يسير بمسيرة تكاملية ويتدرّج في الوصول إلى مبتغاه، فكل طرف يلقي بأفكاره وحججه ثم يدافع عنها بعرض أحسن وصقل أوفى عندما ينتقدها الطرف الآخر أو يحاول أن يفنّدها، وهكذا يستمر الأمر بين طرفي الحوار بتهذيب الكلام والتدقيق في الأدلّة إلى أن يصل إلى النتائج المطلوبة والأهداف المرجوة.

    والانسان المليء والواثق من أفكاره وعقائده لا يخاف من الحوار ولا يضع خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها أو الاقتراب منها، إذ لا حدود أمام الحوار إذا كان الهدف الوصول إلى الحقائق المجرّدة، لكن هذا لا يعني التوهين المتعمد للعقائد وجرح شعور الطرف المخاطب أو السامع للحوار أو حتى القارىء له بعد حين، بما يؤدي إلى التنافر والتباغض أو ترك الحوار أو نقض الغرض منه في التآليف والوصول إلى نتائج ذات منفعة].

    تجربة الاستاذ هشام:

    تهيّأت للاستاذ هشام فرصة الحوار مع أحد العلماء ـ والحوار مع العلماء له ميزاته الخاصة ـ فاهتدى إلى اكتشاف حقائق لم يكن يصل إليها لو أنّه ترك الحوار في وسطه ولم يواظب عليه حتى الحصول على ثمراته النافعة التي تستريح إليها النفس ولا تعود تطلب المزيد، وقد حصل الاستاذ على هذه البشرى والراحة النفسية باستخدام عقله واستماعه للقول واتباع أحسنه والتمسك به كمنار على درب الهدى الالهي الذي يختص به ناسٌ دون آخرين.

    شبهات زالت مع الحوار:

    كانت تدور في ذهن الاستاذ هشام عدّة شبهات قبل اقتناعه الكامل بالتشيع وصحة مذهب أهل البيت(عليهم السلام). وقد أجاب على هذه الشبهات أحد علماء الشيعة.

    ونحن هنا نذكر بعضاً منها باختصار على شكل أسألة وأجوبة:


    الصفحة 545
    ـ سؤال: إذا كنتم أهل الشيعة تعتقدون بأنّ عليّاً(رضي الله عنه) هو الإمام بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله)والخليفة دون غيره، وأنّه أحق بها وأهلها، فما الوجه في تقدم الخلفاء الثلاثة وادعائهم الإمامة دونه واظهارهم أنهم أحق بها منه؟

    جواب: هذه شبهة تخطر في ذهن كل سني في البداية إذ بحث في هذا الموضوع، والجواب: إن هناك نصوصاً وأدلّة من القرآن والسنة النبوية الشريفة إتفق عليها الفريقين السني والشيعي، فمن الأدلة القرآنية آية التبليغ: (يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُو وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(1)، وقد أجمع المفسّرون من السنة والشيعة على أنها نزلت في غدير خم في شأن عليّ(عليه السلام)في تحقيق أمر الخلافة والإمامة وأنّها نصٌ من الله سبحانه وتعالى.

    ـ سؤال: لم أسمع جواباً على سؤالي بالتحديد خاصة وأنّ الأكثرية أجمعوا على خلافة أبي بكر؟

    جواب: المصدر التشريعي الأول هو القرآن ونحن أوردنا هذا الدليل منه لتأخذه بالاعتبار، أما ما اوردته كدليل لفعل الخلفاء وهو الأكثرية فليس بحجّة ولا يعد دليلا علمياً على صوابهم وأن الحق في جانبهم.

    فعل الأكثر لا يدلّ على الصواب:

    وردت آيات قرآنية تدلّ على أن الحق لا يكون دائماً بجانب الكثرة وإنّما الأغلب هو بجانب القلّة، ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الاَْرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)(2). وقال تعالى: (وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ)(3)، وقوله تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِم مِّنْ عَهْد وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَـسِقِين)(4)،

    ____________

    1- المائدة: 67.

    2- الأنعام: 116.

    3- سبأ: 13.

    4- الاعراف: 102.


    الصفحة 546
    وقوله تعالى: (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)(1)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَ لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ)(2)، وقوله تعالى (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَ أَكْثَرُهُمُ الْكَـفِرُونَ)(3)، وقوله تعالى: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ )(4).

    ـ سؤال: يقول الله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُو أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ)(5) أليس الخلفاء الثلاثة كانوا مع النبي(صلى الله عليه وآله)؟

    جواب: الآية لا تختص بالخلفاء الثلاثة وتشمل غيرهم من الصحابة ويدخل في عمومها الاطلاقي كل من كان مع النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فاذا كان المراد من الآية كل من كان مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الزمان والمكان أو بظاهر الاسلام، فقد صرت إلى أمر كبير وهو مدح المنافقين الذين (معه)(صلى الله عليه وآله) في المكان وكانوا يتظاهرون بالاسلام ويبطنون النفاق كما صرّح القرآن.

    ـ سؤال: لكن الخليفة أبي بكر كان مع رسول الله في الغار، ألا يحقق ذلك معنى الآية: (والذين معه)، فلماذا تنكرون هذه الفضيلة التي تكرّرت في آية الغار (ان الله معنا)، وتغفلون شرف الهجرة مع الرسول وانزال السكينة على أبي بكر، وشرف الصحابة الذي تعبر عنه آية الغار؟

    جواب: أخذ الرسول أبا بكر معه على غير ميعاد، وقال الشيخ أبو القاسم ابن الصباغ في كتابه (النور والبرهان) وهو من كبار علماء أهل السنة: "أن أبا بكر بعدما التقى بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) في الطريق اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه

    ____________

    1- الفرقان: 50.

    2- يونس: 60.

    3- النحل: 83.

    4- الانبياء: 24.

    5- الفتح: 29.