مكتبة العقائد الإمامية

فهرس الكتاب

 

 

سماحة الشيخ معتصم سيد أحمد

مؤلف كتاب: الحقيقة الضائعة - رحلتي نحو مذهب آل البيت( ع)

مقتطفات من حياتي

أيام صباي :

كانت تنتابني الرغبة منذ صغري.. وتشدني الفطرة نحو الالتزام بالدين،وكانت الصورة التي تراود ذهني وأستشف منها مستقبلي،لاتخرج عن اطار التدين فكنت ارى نفسي عبر أحلام اليقظة بكلا وفارسا إسلاميا مجاهدا، أردللدين حرمته وللاسلام عزته لم أكن قد تجاوزت المراحل الأولى في المدارس الأكاديمية، ولذلك كانت أفكاري قاصرة ، والمامي بتاريخ المسلمين وحضارتهم محدودا، ولم أكن أعرف الا بعض القصص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحروبه مع الكفار، وبطولات الامام علي عليه السلام وشجاعته.. وبعد دراستنا لتاريخ الدولة المهدية في السودان، أعجبت بشخصية (عثمان دقنة) وهو أحد قواد جيش المهدي الثائر في شرق السودان وكان يشدني جهاده عندما كان أستاذنافي التاريخ يصور لنا استبساله وعظمة شخصيته،وهو مجاهد بين الجبال والوديان.. وهكذا تعلق قلبي به،وبنيت أمالي على أن اكون مثله، وبدأت أفكر بعقلي الصغير للوصول لهذا الهدف فكان طريقي الوحيد الذي كنت أتصوره أن أكون خريجا في المستقبل من الكلية الحربية العسكرية،حتى أتدرب على فنون القتال واستعمال السلاح، وعشت على هذا الهوس سنين من عمري.. حتى انتقلت الى المرحلة الثانوية، وفيها تفتحت مداركي وازدات معرفتي،فتعرفت على قادات التحرر في العالم الاسلامي،أمثال عبد الرحمن الكواكبي والسنوسي، وعمر المختار.. وجمال الدين الأفغاني، ذلك الثائر والعبقري المفكر االذي أنطلق من أفغانستان وتنقل في عواصم الدول الإسلامية والغير اسلامية ناشرا الفكر الحيوي الذي يتناول أبعاد التخلف في العالم الإسلامي وكيفية علاجها.

وما شد انتباهي ! هو اسلوبه الذي كان يمارسه في عمله الجهادي من الحكمة والحنكة ونشر الثقافة واعطاء الرشد الفكري للامة الاسلامية من غير ان يحمل سلاح ..!

فقد كنت اعتقد ان كل من يريد ان يجاهد ويدافع عن المسلمين لابد ان يرفع السيف ويخوض الحروب والمعارك فكان اسلوبه مغايرا تماما لما كنت اتصوره فأسلوب الكلمة والثقافة الواعية شئ جديد في تفكيري الديني ولكني لم استطع التخلي بسهولة عما بنيت عليه أفكاري وطموحاتي رغم اكتشافي أن أزمة الأمة أزمة ثقافية رسالية ناضجة لأن الثقافة هي التي يمكن أن تحمل كل فرد مسؤوليته فهذا هو جمال الدين طاف العالم وهو يبث نوره وبركته وينشر الفكر والثقافة التي تلقاها المسلمون بترحيب وتفاعل لأنها كانت تحل لهم مشاكلهم وتتعامل مع واقعهم فأرهب بذلك القوى الاستعمارية الحاقدة فكانت العروة الوثقى وحدها تحد شامخ لهم جعلهم يعملون على محاصرتهم ومنع إصدارها .

فكان التساؤل الذي يراودني :

كيف تمكن هذا الفرد الوحيد أن يغير تلك الموازنات وكيف أرهب كل هذه القوى المستكبرة ؟

1- وهي جريدة اصدرها جمال الدين وتلميذه محمد عبده في لندن .

وللإجابة على هذا السؤال انفتحت أمامي بوابة من الأسئلة بعضها بسيط وبعضها لا إجابة له في الواقع السوداني مما جعلني أحاول أن أتحرر من هذا الواقع وأفك كل قيود والأغلال التي كانت تدعوني للاستسلام والخضوع لهذا الواقع الديني لكي أسير في هذه الحياة كما كان يسير آبائي وأجدادي ولكن شعوري بالمسؤولية وحبي لجمال الدين كان ناقوسا يدق على أوتار فطرتي فكنت اتساءل:

كيف يمكن لي أن أصير مثل جمال الدين ؟!

وهل الدين الذي ورثته يمكن أن يحملني لذلك المستوى ؟!

ثم اقول ولم لا ؟! هل كان لجمال الدين دين غير ديننا ؟! واسلام غير اسلامنا.

وللإجابة تحيرت سنين عديدة وكل ما توصلت اليه هو تغير مفهومي للدين بصورة إجمالية فأصبحت أرى في جمال الدين القدوة والمثال بعدما كان عثمان دقنة وتغيرت تبعا لذلك الوسيلة فبعدما كانت الكلية الحربية أصبح المنهج السليم الذي يعرفني على الفكر والثقافة الإسلامية الأصيلة التي من خلالها تكون النهضة الإسلامية .

كيف كانت البداية :

كان البحث عن المنهج والفكر الناضج والثقافة المسؤولة صعبا وكانت المرحلة مريرة رغم أن بحثي كان بصورة عفوية وفطرية ففي أثناء حياتي الطبيعية كنت أسأل وأناقش وغير ذلك ولم يكن هناك تفرغ للبحث والمثابرة .

وبعد الغزو الوهابي العنيف على السودان واشتداد المناظرات والمناقشات وأزدياد الاسئلة الواقعية تلك الأسئلة العفوية التي كانت تراود ذهني .

فكثر اهتمامي بالوهابية متابعاً لمناظراتهم وندواتهم التي كانت تشدني وأهم ما تعلمته منهم في تلك المرحلة هي الجرأة وتحدي الواقع ومخالفته فلقد كنت أعتقد أن الواقع مقدس لا يمكن التهجم عليه أو التعرض له رغم ملاحظاتي الكثيرة عليه التي غالباً ما كنت أستشفها من وجداني وفطرتي فكنت أتحفظ على كثير من أفعال وممارسات المجتمع الديني .

فواصلت معهم المسير ودار بيني وبينهم كثير من المناقشات التي كانت في الواقع عبارة عن تلك الأسئلة التي كانت حائرة في ذهني فوجدت لبعضها أجوبة أرضتني في تلك المرحلة وأسئلة لم أجد لها أجوبة عندهم فكان هذا كفيلاً بالنسبة لي أن أتعاطف معهم وأشد أزرهم مع بقاء بعض الملاحظات التي كانت حائلاً بيني وبين أن ألتزم تماماً بالمنهج الوهابي أولها وأهمها أنني لم أجد عندهم ما يكفيني ويلبي طموحاتي الرسالية وكلن الوسواس يأخذني أحياناً بقوله : إن الذي تفكر فيه وتبحث عنه شيء مثالي لا واقع له وأن الوهابية أقرب نموذج للإسلام ولا بديل غيرها .

فكنت أنساق لهذا الوسواس وأصدقه لعدم معرفتي بالأفكار والمدارس الأخرى ولكن سرعان ما أنتبه إلى أن الذي صنع جمال الدين لا يمكن أن يكون هذا الفكر الوهابي فكنت أصرخ إن الوهابية هي أقرب الطرق إلى الإسلام لما يقيمونه من أدلة ونصوص على صدق مذهبهم لم أشهدها في الطوائف الأخرى في السودان – ولكن مشكلتهم أن هذا المذهب الذي يتبنوه أشبه بقوانين الرياضيات فهو عبارة عن قواعد وقوانين جامدة تطبق من غير أن تكون لها انعكاسات حضارية واضحة في حياة الإنسان وفي فن تعامله مع هذه الدنيا في شتى الأصعدة الفردية منها أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية وحتى في كيفية العلاقة مع الله تعالى بل العكس تماماً فكثيراً ما تجعل الإنسان متوحشاً في عزلة عن المجتمع بما يحمله من صكوك التفكير لكل قطاعاته فلا يستطيع الواحد منهم أن يتعايش مع المجتمع فيتميز عنهم بلباسه وتصرفاته وفي كل جزئية من حياته لا يتآلف إلا مع أقرانه فكنت أحس منهم الغرور والكبر والأنفة لأنهم ينظرون إلى الناس من شاهق عال لا يتفاعلون معهم ولا يشاركونهم في حياتهم وكيف يشاركونهم ؟! وكل ما يفعله المجتمع بدعة وضلال وأنا أذكر جيداً عندما دخل المد الوهابي إلى قريتنا في مدة قليلة ومن غير دراسة ووعي انضمت مجموعة كبيرة من الشباب إلى الخط الوهابي ثم لم يستمر الزمن كثيراً حتى تخلوا عنه جميعاً وكان هذا توقعي لأن المذهب الجديد منعهم من مخالطة المجتمع وحرم عليهم كثيراً من العادات التي تربوا عليها وهي في الواقع لا تخالف الدين .

ومن الطريف أن أذكر أن الأشياء التي كان يعاني منها الشباب المنضمون إلى الوهابية أنه كان من العادة في قريتنا أن الشباب ليالي القمر يجلسون على الرمال الصافية ويتسامرون ويقضون أوقاتهم وهي ساعة اللقاء الوحيد لشباب القرية الذين يعملون طوال النهار في مزارعهم وأشغالهم المتعددة فكان شيخهم يمنعهم من ذلك ويحرمه عليهم بحجة أن رسول الله (ص) حرم الجلوس في الطرقات رغم أن هذه الأماكن لا تعتبر طرقات وثانياً وهي مشكلة كل الوهابية أن الواحد منهم بزمن قليل من تدينه وبقليل من العلم يصبح مجتهداً يحق له أن يفتي في أي مسألة وأذكر يوماً أن أحدهم كان جالساً معي أناقشه في كثير من الأمور وفي أثناء النقاش انتفض قائماً بعدما سمع صوت أذان المغرب في مسجدهم قلت له مهلاً نكمل حديثنا قال : لا حديث قد حان وقت الصلاة هيا لنصلي في المسجد قلت له أنا أصلي في بيتي – رغم التزامي بالصلاة معهم قال صارخاً باطلة صلاتك ذهلت من هذا القول وقبل أن أستفسر أدار ظهره ليذهب قلت له مكانك ما هو سبب بطلان صلاتي في البيت ؟ .

قال ( بكل افتخار وعجب) قال رسول الله (ص) لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قلت له لا خلاف في أفضلية صلاة الجماعة في المسجد ولكن هذا لا يعني سلب صحة الصلاة في غير هذا الموضع والحديث ناظر لتأكيد هذه الأفضلية لا لتبيين حكم الصلاة في البيت والدليل على ذلك أننا لم نر في الفقه أن من مبطلات الصلاة الصلاة في البيت ولم يفت أحد من الفقهاء في هذه المسألة ثم ثانياً بأي حق تصدر هذه الأحكام ؟! هل أنت فقيه ؟! ومن الصعب جداً أن يفتي الإنسان ويبين حكماً لموضوع معين فالفقيه يقوم بدراسة كل النصوص في مثل هذا المورد ويتعرف على دلالة الأمر والنهي في النص هل يدل الأمر على الوجوب أم على الاستحباب والنهي هل يدل على الحرمة أم الكراهة فهذا الدين عميق فأوغل فيه برفق .

بدا الانكسار في وجهه وعبس وبسر ثم قال : أنت تؤول الحديث والتأويل حرام .. وذهب ..

فاحتسبت أمري لله من هذا الأحمق الذي لا يفهم شيئاً .

هذه العقلية المتحجرة كانت هي السبب الثاني الذي حال بيني وبين أن أكون وهابياً رغم أنني تأثرت بكثير من أفكارهم فكنت أتبناها وأدافع عنها .

وبقيت على هذه الحال مدة من الزمن تائهاً لا قرار لي ولا اتجاه أقترب من الوهابية حيناً وأبتعد عنها حيناً آخر ورأيت أن الحل الوحيد أمامي بدلاً من الكلية العسكرية أن أدرس في كلية أو جامعة إسلامية حتى أواصل بحثي بطريقة أكثر دقة وإمعاناً وبعد امتحاني للجامعة وكانت هناك ستة رغبات من الجامعات والمعاهد التي يرغب الطالب في دراستها فلم أختر غير الجامعات والكليات الإسلامية وبالفعل تم قبولي في أحد الكليات الإسلامية ( وهي كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة وادي النيل في السودان ) فطرت بها فرحاً وأعددت العدة لهذه المرحلة الجديدة في حياتي وبعد أداء التدريب العسكري ( الدفاع الشعبي ) الذي لا يمكن دخول الجامعة إلا بعد الفراغ منه بدأت الوفود من مختلف أنحاء السودان بالمجيء إلى الجامعة وكنت أنا من أولهم واثناء المقابلة سألني مدير الكلية عن شخصية أعجبت بها في حياتي ؟ قلت له جمال الدين الأفغاني وأوضحت له سر إعجابي في الكلية وبعدها انطلقت إلى المكتبة التي حوت كثيراً من الكتب والموسوعات الضخمة فأصبحت ملازماً لها ولكن المشكلة التي واجهتني هي من أين أبدأ وأي شيء أقرأ ؟ .

وبقيت على هذه الحال انتقل من كتاب إلى آخر وقبل أن أضع لنفسي برنامجاً فتح لي أحد أقاربنا

باباً واسعاً ومهماً في البحث والتنقيب وهو دراسة التاريخ وتتبع المذاهب الإسلامية لمعرفة الحق من بينها وكان الفتح توفيقاً إلهياً لم يكن في حسباني عندما التقيت بقريبي عبد المنعم وهو خريج كلية القانون – في منزل ابن عمي في مدينة عطبرة وقبل غروب الشمس رأيته في ساحة المنزل يتحاور مع أحد ( من الأخوان المسلمين) الذي كان ضيفاً في البيت فأرهفت السمع لأرى فيم يتحادثان وأسرعت إليهم عندما علمت بطبيعة النقاش وهو في الأمور الدينية فجلست بالقرب منهم أراقب تطورات المحاورة التي امتاز فيها عبد المنعم بالهدوء التام رغم استفزازات الطرف الآخر وتهجمه ولم أعرف طبيعة النقاش بتمامه إلى أن قال الأخ المسلم : الشيعة كفار زنادقة ...!!

هنا انتهت وأمعنت النظر ودار في ذهني استفهام حائر ..

من هم الشيعة ؟ ولماذا هم كفار ؟

وهل عبد المنعم شيعي ؟

وما يقوله من غريب الحديث هل هو كلام الشيعة ؟

وللإنصاف إن عبد المنعم أفحم خصمه في كل مسألة طرحت في النقاش بالإضافة إلى لباقة منطقة وقوة حجته .

وبعد الانتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم  وسألته بكل احترام هل أنت شيعي ؟ ومن هم الشيعة ؟ ومن أين تعرفت عليهم ؟

قال : مهلاً ... مهلآ سؤال بعد سؤال .

قلت له عفواً  أنا ما زلت مذهولاً مما سمعته منك

قال : هذا بحث طويل ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب مع الأسف لم تكن النتيجة متوقعة.

فقاطعته : أي نتيجة هذه ؟

قال: ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام ؟ وبعد البحث اتضح أن الحق كان مع أبعد الطرق تصوراً في نظري وهم الشيعة . قلت له لعلك تعجلت .. أو اشتبهت ...!

فابتسم في وجهي قائلاً : لماذا لا تبحث أنت بتأمل وصبر ؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيراً .

قلت ( متعجباً ) مكتبتنا سنية فكيف أبحث فيها عن الشيعة ؟!

قال : من دلائل صدق التشيع أنه يستدل على صحته من كتب وروايات علماء السنة فإن فيها ما يظهر حقهم بأجلى الصور .

قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة ؟!

قال : لا فإن للشيعة مصادر خاصة تفوق أضعافاً مضاعفة مصادر السنة كلها مروية عن أهل البيت (ع) عن رسول الله (ص) ولكنهم لا يحتجون على أهل السنة بروايات مصادرهم لأنها غير ملزمة لهم فلا بد أن يحتجوا عليهم بما يثقون به أي ألزموهم بما الزموا به أنفسهم .

سرني كلامه وزاد تفاعلي للبحث قلت له إذن كيف أبدأ ؟

قال : هل يوجد في مكتبتكم – صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي ؟

قلت : نعم عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث .

قال من هذه ابدأ ثم تأتي بعد ذلك التفاسير وكتب التاريخ فإن في هذه الكتب أحاديث دالة على وجوب اتباع مدرسة أهل البيت .

وبدأ يسرد لي أمثلة منها مع ذكر المصدر ورقم المجلد والصفحة توقفت حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل مما جعلني أشك في كتب السنة ولكن سرعان ما قطع عني هذا الشك بقوله سجل هذه الأحاديث عندك ثم ابحثها في المكتبة ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله .

في الجامعة :

بعد مراجعة تلك الأحاديث في البخاري ومسلم والترمذي في مكتبة جامعتنا تأكد لي صدق مقالته وفوجئت بأحاديث أخرى أكثر منها دلالة على وجوب اتباع أهل البيت مما جعلني أعيش في حالة من الصدمة لم نسمع بهذه الأحاديث من قبل ؟!

فعرضتها على زملائي في الكلية حتى يشاركونني في هذه الأزمة فتفاعل البعض ولم يكترث لها البعض الآخر ولكنني صممت على مواصلة البحث ولو كلفني ذلك كل عمري وعندما جاء يوم الخميس انطلقت لعبد المنعم فاستقبلني بكل ترحاب وهدوء وقال يجب عليك ألا تتعجل وأن تواصل البحث بكل وعي .

ثم بدأنا في بحوث أخرى متفرقة استمرت إلى مساء الجمعة استفدت منها الكثير وتعرفت على أشياء لم أكن أعرفها وقبل رجوعي إلى الجامعة طلب مني عدة أمور أبحثها وهكذا دواليك إلى مدة من الزمن وكانت طبيعة النقاش بيني وبينه تتغير من فترة إلى أخرى فأحياناً أحتد معه في الكلام وأحياناً أكابر في الحقائق الواضحة فكنت مثلاً عندما أراجع بعض

الأحاديث في المصادر وأتأكد من وجودها أقول له إن هذه الأحاديث غير موجودة ولست أعلم إلى الآن ما الذي كان يدفعني إلى ذلك سوى الشعور بالانهزام وحب الانتصار .

وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن أتوقعها وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي وبعدما ضاق زملائي بي ذرعاً طلبوا مني أن أناقش دكتوراً كان يدرسنا الفقه قلت لا مانع لدي ولكن هناك حواجز بيني وبينه تمنعني من الحرية في الكلام فلم يقتنعوا بهذا وقالوا : بيننا وبينك الأستاذ فإذا أقنعته فنحن معك .

قلت ليست المسألة هي الاقتناع وإنما هي الدليل والبرهان والبحث عن الحق .

وفي أول درس للفقه بدأت النقاش معه بصورة أسئلة متعددة فوجدته لا يخالفني كثيراً بل العكس كان يؤكد على حب أهل البيت (ع) ولزوم اتباعهم وذكر فضائلهم وبعد أيام متعددة طلب مني أن آتيه في مكتبة في مقر الجامعة وبعد الذهاب إليه قدم لي كتاباً من عدة أجزاء وهو ( صحيح الكافي ) من أوثق مصادر الحديث عند الشيعة وطلب مني عدم التفريط في هذا الكتاب لأنه تراث أهل البيت لم أتكلم من شدة المفاجأة لأخذت الكتاب وشكرته على ذلك وكنت أسمع بهذا الكتاب ولم أره مما جعلني أشك في تشيع هذا الدكتور مع معرفتي أنه مالكي وبعد السؤال والاستفسار اتضح لي أنه صوفي متعلق بحب أهل البيت (ع) .

وعندما شعر زملائي بهذا التوافق بيني وبين الأستاذ طلبوا مني مناقشة أستاذ آخر كان يدرسنا مادة الحديث وكان رجلاً متديناً كثير التواضع طيب الأخلاق وكنت أحبه كثيراً فاستجبت لطلبهم وبدأت بيننا نقاشات متعددة وكنت أسأله عن صحة بعض الأحاديث فكان يؤكد صحتها وبعد مدة من الزمن شعرت منه النفور وعدم الارتياح من نقاشي وقد أحس بذلك زملائي ففكرت أن أفضل وسيلة لمواصلة النقاش هي الكتابة فكتبت له مجموعة من الأحاديث والروايات التي تدل بصراحة على وجوب اتباع مذهب أهل البيت (ع) وطلبت منه البحث في صحتها وكنت أسأله كل مرة عن الإجابة فيعتذر بعدم البحث وتابعت معه بهذه الطريقة حتى أحس مني المضايقة .

قال لي : كلها صحيح .

قلت إنها واضحة في اتباع أهل البيت .

لم يجب وذهب مسرعاً إلى المكتب .

كان هذا التصرف صدمة بالنسبة لي مما جعلني أشعر بصدق مقالة الشيعة ولكني أحببت التريث وعدم العجلة في الحكم .

ومن غريب الصدفة أن عميد الكلية وهو الأستاذ علوان كان يدرسنا التفسير فقال يوماً في تفسير قوله تعالى ( سأل سائل بعذاب واقع ) إن رسول الله (ص) لما كان في غدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي (ع) فقال من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك في أقطار البلاد وبلغ الحارث بن نعمان الفهري فأتى رسول الله (ص) على ناقته فأناخ راحلته ونزل عنها وقال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله فقبلناه منك وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه وأمرتنا بالزكاة فقبلناه وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلناه وأمرتنا بالحج فقبلناه ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي بن عمك تفضله علينا فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أم من الله ؟ .

فقال النبي (ص) والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله عز وجل فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو بعذاب أليم فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر سقط على هامته وخرج من دبره .

فأنز الله عز وجل ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج )..

و بعد الفراغ من الدرس لحق به أحد أصدقائي  و قال له : إن ما قلته هو كلام الشيعة  توقف الأستاذ العميد هنيهة ثم نظر إلى هذا المعترض وقال له : ادع لي معتصما إلى مركز الإدارة .. !

استغربت هذا الطلب و تهيبت لقاء الأستاذ العميد  وحزمت أمري و ذهبت إليه  و قبل أن أجلس  قال: يقولون أنك شيعي!.

قلت :أنا مجرد باحث.

قال: إن البحث جميل ولا بد منه .

أخذ العميد يذكر لي بعض الشبهات عن الشيعة التي كثيرا ما كانت تردد و قد أعانني الله بالرد عليها بأقوى الأدلة والبراهين حيث انطلقت في الحديث بأكثر مما كنت أتوقع و قبل ختام حديثنا أوصاني بكتاب المراجعات و قال: إنه من الكتب الجيدة في هذا المجال .

و بعد قراءتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين و بعض الكتب الأخرى اتضح لي الحق و انكشف الباطل لما في هذين السفرين من أدلة واضحة وبراهين ساطعة بأحقية مذهب أهل البيت.

و ازدادت قوتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي وأعلنت تشيعي...

و من ثم بدأت مرحلة جديدة من الصراع فلم يجد الذين عجزوا عن النقاش طريقاغير السخرية والسب والشتم والتهديد و الافتراء.. و غير ذلك من أساليب الجهل فاحتسبت أمري عند الله و صبرت على ما جرى رغم أن الضربات قد وجهت لي من أعز أصدقائي الذين حرموا الأكل و النوم معي تحت سقف واحد.

و ضربت علي عزلة كاملة إلا من بعض الأخوة الذين هم أكثر فهما و تحررا. و بعد مدة من الزمن استطعت أن أعيد علاقتي بالجميع وبصورة أفضل من الأول بل ولقد أصبحت بينهم محترما ومقدرا و كان بعضهم يستشيرني في كل صغيرة وكبيرة في أمور حياته و لكن هذا الحال لم يستمر طويلا فقد شبت نار الفتنة من جديد بعدما أعلن ثلاثة من الطلبة تشيعهم بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الطلبة اظهروا تعاطفهم و تأييدهم للشيعة فدارت سلسلة أخرى من الصدامات و الصراعات التزمنا فيها جميعا الأخلاق الرسالية و الحكمة فتمكنا من امتصاص الغضب بأسرع ما يكون.

في قريتنا :

قريتنا (ندي) من القرى الصغيرة في شمال السودان على ضفاف النيل و معظم سكانها من قبيلة (الرباط) و قد اشتهرت هذه القبيلة بالذكاء و سرعة البديهة و يعتمد سكانها على النخيل و زراعة المحاصيل الموسمية .

و قد استغل الوهابيون أهلها الطيبين في نشر الفكر الوهابي فأثروا بطريقة غير مباشرة على مفاهيمهم و عقولهمو لكثرة المحاضرات والندوات التي يقيمونها فأبديت تحفظي في البداية  وملأت أوقاتي بالقراءة و الاطلاع و الدعوة إلى مذهب أهل البيت (ع) بين الأهل و الأقارب. و قد جرى بيني و بين أخي الأكبر كثير من المناقشات و المشادات لدرجة أنه رفض أن يقرأ كتب الشيعة و هددني بحرقها و بعد النقاش تمكنت من التأثير عليه فقرأ بعض الكتب أمثال : ( أهل البيت قيادة ربانية المراجعات معالم المدرستين..) إلى أن هداه الله إلى نور أهل البيت(ع) و أعلن تشيعته أما بقية الأهل فقد أبدى الغالبية تعاطفهم و تأييدهم..

و بهذا انتشر أمري في القرية و بدأت أطرح مذهب أهل البيت على كثير من أهلها فشبت نار الوهابية و تأجج غضب مروجيها فأصبحت كل محاضراتهم في أية مناسبة كانت هي عبارة عن سب وشتم الشيعة و الافتراء عليهم و أحيانا يتعرضون لشخصيتي و واجهت كل ذلك بالصبر و الصفح الجميل.

مناظرة مع شيخ الوهابية:

و جرى حوار بيني وبين شيخهم- أحمد الأمين- و طلبت منه العقلانية و ترك الاستهتار و التهجم دون جدوى و بعدما طفح الكيل و ازداد تعنتهم و تعصبهم ذهبت إلى مسجدهم و صليت خلفه صلاة الظهر و بعد الانتهاء من الصلاة سألته: هل تعرضت لك يوما طوال هذه المدة التي تسب فيها الشيعة و تكفرهم بمكبرات الصوت‍ ؟

قال: لا.

قلت: أو تدري ما السبب ؟‍

قال: لا أدري.

قلت: إن كلامك تهجم و جهل و تعرض لشخصيتي فخفت أن اعترض عليك فيكون ذلك دفاعا عن نفسي و ليس عن الحق و الآن أطلب منك مناظرة علمية ومنهجية أمام الجميع حتى ينكشف الحق.

قال: لا مانع عندي.

قلت: إذا حدد محاور المناظرة.

قال: تحريف القرآن و عدالة الصحابة.

قلت: حسنا و لكن هناك أمران ضروريان لا بد من مناقشتهما و هما صفات الله و النبوة في اعتقادكم ورواياتكم.

قال: لا.

قلت: ولم؟

قال:أنا أحدد المحاور فإذا طلبت منك-أنا- المناظرة يكون الحق لك في تحديد

المحاور.

قلت: لا خلاف.. متى موعدنا؟

قال اليوم بعد صلاة المغرب.. – ظنا منه أنه سيرهبني بهذا الموعد القريب – فاظهرت موافقتي بكل سرور وخرجت من المسجد.

و بعد أداء صلاة المغرب بدأت المناظرة . فبدأ الشيخ – أحمد الأمين – الحديث كعادته يتهجم ويتهم الشيعة بالقول بتحريف القرآن و كان يمسك بيده كتاب( الخطوط العريضة لمحب الدين) و بعد الفراغ من حديثه ابتدأت حديثي وقمت بالرد على كل ما افتراه من اتهامات بالتفصيل و برأت الشيعة تماما من القول بتحريف القرآن و بعد ذلك قلت له كما قال عيسى عليه السلام: (ترون التبنة في أعين غيركم ولا ترون الخشبة في أعينكم) فإن الروايات التي كتب الحديث عند السنة ظاهرة في اتهام القرآن الكريم بالتحريف فنسبة القول بالتحريف إلى السنة ظاهرة منها إلى الشيعة و ذكرت ما يقارب عشرين رواية مع ذكر المصدر و رقم الصفحة من صحيح البخاري ومسند أحمد و الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: مثال:

أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي كعب قال: كم تقراؤن سورة الأحزاب ؟ قال: بضعا وسبعين آية قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها آية الرجم.

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر ابن الخطاب قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها و عقلناها و وعيناها فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و رجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : و الله ما نجد آية الرجم قي كتاب الله  فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله.. إلى أن يقول : ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله :

(أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم و إن كفرا بكم أن ترغبوا عن

آبائكم).

و روى مسلم في صحيحه  قال: بعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قراؤا القرآن فقال : أنتم خيار أهل البصرة و قراؤهم  فأتلوه ولا يطولن عليكم الأمر فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم  و إنا كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول و الشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب )  و كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها : (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب أمانة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة).

و في أثناء ذكري لهذه الروايات لاحظت أن الشيخ حملق عينيه و فتح فاه و ظهرت الحيرة و الدهشة على وجهه فما أن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول :

أنا لم أسمع بذلك و أنا لم أر ذلك  و أطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي. قلت قبل قليل كنت تتهجم على الشيعة وتتهمهم بالتحريف فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث أحضرها حتى أخرج لك هذه الروايات منها وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر وهو أن الشيعة تقوم بالتقية فكيف نصدق كلامهم ؟!

وهرج ومرج حتى قام أحدهم وأذن لصلاة العشاء وبعد الصلاة تواعدنا أن نكمل المناظرة في الأيام القادمة على أن نختار في كل يوم موضوعاً نتناظر حوله ولما جاء الغد كنت جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلم علي بكل احترام وقال : إن هذه المباحث لا يفهمها العامة فمن الأفضل أن نتحاور وتنناظر أنا وأنت على انفراد .

قلت : أوافق لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعة وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعة ..

***

ملاحظات للباحث لا بد منها :

قبل البدء في تسجيل بعض بحوثي في هذا الكتاب أحببت أن أشير إلى بعض الملاحظات التي استفدتها من تجاربي السابقة في منهج البحث .

(1) الثقة والتوكل على الله تعالى وهي نقطة الانطلاق في البحث فقد أعطى الله سبحانه الإنسان نور العقل والعلم وجعل أمر الاستفادة منه بيد الإنسان فمن أهمل ذلك النور ولم يشعله لكشف الواقع سيظل يعيش في ركام من الجهل والخرافات والضلال الذي يستثمر عقله وينميه والفرق بين الإثنين يرجع إلى سبب واحد وهو الثقة وعدمها فالذي يشعر بالضعف والانهزام لا يستفيد من عقله أما الذي يثق بالله تعالى وبما أعطاه من نور العقل يصل إلى قمة المعرفة والتحضر فلذلك إن كثيراً ممن اعترض طريقي في البحث كان يستخدم هذا الأسلوب لضعضعة ثقتي فيقول من أين لك القدرة في بحث هذه الأمور ؟!

وإن كبار علمائنا لم يتوصلوا إلى ما توصلت إليه فما هي قيمتك

أمام جهابذة العلماء ؟! وغير ذلك من أساليب تحطيم القدرات .

ولم يكونوا يريدون مني أكثر من أن أخوض فيما يخوضون وأنعق كما ينعقون قال تعالى ( قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) 104 المائدة .

2-التجنب من خداع الذات بمعنى منع تسرب الحقيقة إلى العقل قد يكون ذلك بإغلاق منافذ النفس المطلة على الواقع الخارجي فيتعصب ويمتنع عن سماع أحاديث المعرفة والأفكار الأخرى وقراءة الكتب وغير ذلك وأي نوع من أنواع الانفتاح على الثقافات الأخرى فكل دعوى تأمر بانغلاق وعدم البحث وتحصيل المعرفة فإنها دعوى تكريس الجهل وإبعاد الناس عن الحق إن ما يقوم به الوهابية من تحصن بعدم الإطلاع على الكتب الشيعية وعدم مجالسة أفراد الشيعة والنقاش معهم هو أسلوب العاجز وهو منطق غير سليم وقد عارض القرآن الكريم هذه الفكرة بقوله ) قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) 111- البقرة .

3- تقوية الإرادة أمام تيارات الشهوة وخطوط ضغط المجتمع الذي ينفر

من كل من يخالفه أو يتمرد عليه فلا بد من مواجهة هذه الضغوط بالصبر والعزيمة لأن الحق لم يكن امتداداً للمجتمعات وإفرازات طبيعة الإنسان وهذا تاريخ أنبياء الله تعالى فقد لاقوا أشد أنواع العذاب من مجتمعاتهم فكان بنوا إسرائيل يقتلون في اليوم سبعين نبيا قال تعالى(و ما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون) 7- الزخرف.

(1)هناك حجب كثيرة قد تكون حاجزا عن اكتشاف الحق فلا بد من الالتفات إليها و مراعاتها حتى الحقيقة أكثر وضوحا و ضياء و من بين هذه الحجب:

حب الذات و هو شر داء فمنه تنعكس كل صفة ذميمة مثل الحسد والحقد والعناد فعندما يجعل الإنسان أفكاره ومعتقداته جزءا من ذاته و كيانه حتى ولو خرافية لا يمكن أن يتقبل أي نقد لها لأنه يعتبر نقدها نقدا لذاته وكيانه فبغريزة الدفاع عن النفس و حبها يستبسل في الدفاع عنها من غير وعي و فهم و أحيانا يتعصب لفكرة لأنها تجلب له نفعا أو تدفع عنه ضررا يتلون معها و يحامي عنها و يرفض بذلك كل الأفكار حتى و لو كانت حقيقتها ظاهرة للعيان وقد يحب الفكرة لأنها تنسجم مع هواه أو هوى مجتمعه فلا يتنازل عنها.

أ- حب الآباء و هو يبعث الإنسان على تقليدهم من غير تفكير وتدبر فتحت داعي الاحترام و الخشية بالإضافة إلى الوراثة و التربية يسلم تسليما مطلقا بأفكارهم و عقائدهم و هذا من أعظم الحجب التي تمنع الإنسان من اكتشاف الحقيقة.

ج- حب السلف إن النظرة القدسية للعلماء السابقين و العظماء تدعو الإنسان إلى تقليدهم مطلقا و الاتكال على أفكارهم فالاستسلام لهذا التقليد مدعاة للانحراف عن الحق فلم يجعل الله سبحانه وتعالى عقولهم حجة علينا و إنما عقل كل إنسان حجة عليه فلا يمنعنا احترامنا لهم من مناقشة أفكارهم والتدقيق فيها حتى لا ندخل في قوله تعالى:(و قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا)67- الأحزاب.

د- و من عوامل الخطأ أيضا التسرع و هو نتاج حب الراحة فمن غير أن يتعب الإنسان نفسه في البحث والتنقيب يريد أن يصدر حكمه من أول ملاحظة و من هنا قل المفكرون في العالم لصعوبة التفكير والبحث فمن يريد الحق لابد أن يتعب نفسه في البحث.

و غير ذلك من الملاحظات العلمية التي لا بد من أن يضعها الباحث نصب عينيه قبل الشروع في البحث و بالإضافة إلى طلب العون و التضرع إلى الله تعالى لكي ينير قلبه بنور الحق :(اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه)حديث شريف.

 

الفصل الثاني

و انكشف الزيف:

*عليكم بسنتي..الخدعة الزائفة

*مصادر الحديث

*رواية الترمذي

*سند الحديث عند أبي داوود

*سند الحديث عند ابن ماجة

*الواقع التاريخي و حديث(و سنتي)

*الحديث الآخر

*حوار مع المحدث الدمشقي الأرنؤوطي

*لا تحل مشكلة أهل السنة بالحديثين

*الخلفاء هم أئمة أهل البيت

*أهل البيت طريق التمسك بالكتاب و السنة

... و انكشف الزيف...

إن الحديثين:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) و(إني تارك ما تمسكم به لن تضلوا كتاب الله و سنتي )؛ كانا بالنسبة لي من أقوى الأدلة التي كنت أحتج بها حينما كنت أميل إلى الفكر الوهابي فبعد أن حفظت الحديثين اللذين يرددهما كثير من علمائهم في الكتب والمحاضرات و لم أحدث نفسي يوما بالرجوع إلى مصادرها الأصلية من كتب الحديث و كنت أتعامل معهما تعامل المسلمات و البديهيات  و هذا ليس بالشيء الغريب فهما في الواقع الأساس الأول الذي يبتني عليه الفكر السني و بالأخص الفكر الوهابي الذي تبنى الحديثين بصلابة .. فلم يطرأ ببالي مجرد الشك في صحتهما لأنهما القاعدة التي أنطلق منها في انتمائي .

و هذه الفكرة التي انخدعت بها لم تكن _ بعد التحقيق_ وليدة العصر أو وليدة

الفكر السني و إنما هي وليدة خطة مدروسة دبر لها من قديم الزمان لتمويه الحقائق و لمواجهة خط أهل البيت الذي يمثل الإسلام بأروع صورة و للأسف الشديد فإن كثيرا من المدارس الفكرية قامت على أنقاض ذلك المخطط الخبيث فتبنت أفكاره و كأنها نازلة من عند الله سبحانه و تعالى و روجوا لها و دافعوا عنها بكل السبل و الوسائل. و ما الوهابية إلا مثال واضح لضحايا ذلك المخطط الذي أودى بالأمة الإسلامية إلى واد سحيق من الانقسام و الفرقة و الشتات. و سنحاول كشف نزر يسير من مكائده في كل فصل من فصول الكتاب.

و ما يهمنا من ذلك المخطط في هذا المجال هما الحديثان اللذان كانا الخطة الأولى لتحريف الدين و تغيير مسار الرسالة ولإبعاد المسلمين عن مسار رسول

الله صلى الله عليه وآله وسلم:(إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي).. ذلك الحديث المتواتر الذي روته كتب الحديث و تعددت مصادره عند السنة والشيعة ولكن يد الغدر و الخيانة حاولت أن تخفيه عن الأنظار و روجت بدلا عنه حديثي:(كتاب الله و سنتي) و (عليكم بسنتي..) اللذين سينكشف ما ينطويان عليه من ضعف.

فوجئت عندما سمعت أول مرة حديث:(..كتاب الله و عترتي)..

أخذني الخوف..وتمنيت ألا يكون صحيحا  لأنه يهدم كل ما بنيته من فكري الديني بل ينسف مرتكز الفكر السني.. و لكن جاءت الرياح كما لا تشتهي السفن.. و حدث العكس تماما عندما نظرت إلى الحديثين في مصادرهما الأصلية فوجدت أن حديث:( كتاب الله وعترتي..) عليه من الصحة و الوثاقة مالا يستطيع أحد أن يشك فيه بخلاف حديث:( كتاب الله وسنتي..)الذي لا يتجاوز أن يكون خبر آحاد مرفوعا أو مرسلا و عليه من الهزالة والضعف ما انكسر له قلبي. و من هنا كانت انطلاقتي في البحث عندما شعرت بمرارة الهزيمة فبدأت بعد ذلك تجتمع عندي القرائن والإشارات واحدة بعد أخرى حتى انكشف لي الحق بأجلى صوره...

وسوف نثبت هنا ضعف حديثي :(عليكم بسنتي) و (. و كتاب الله و سنتي..) و صحة حديث العترة الذي هو الرصاصة الأولى التي تصيب قلب الفكر السني..

*حديث:(..عليكم بسنتي..)الخدعة الزائفة:

(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).

الناظر لأول وهلة لهذا الحديث يظن أنه الحجة الدامغة و الدلالة الواضحة على وجوب اتباع مدرسة الخلفاء الراشدين و هم:(أبو بكر الصديق عمر ابن الخطاب عثمان بن عفان و علي ابن أبي طالب) و لا يمكن له أن يحمله على هذا المعنى إلا أن يكون ضربا من التـأويل و روحا من التعصب و الجدال و من هنا كانت قوة الخدعة و ذكاء المحرفين فيه يثبت صحة مذهب أهل السنة والجماعة مدرسة الخلفاء في قبال مذهب التشيع مدرسة أهل البيت  لأنها قامت على الحديث وأمثاله..

و لكن بالنظرة العلمي و بقليل من الجهد في تفحص الواقع التاريخي ، وملابسات هذا الحديث و أمثاله ، او بالنظر في مجال علم الحديث وفنون الجرح والتعديل يظهر وينكشف زيف هذا الحديث وبطلانه ..

ومن الجهل أن يحتج أي سني على أحد من الشيعة بهذا الحديث و ذلك لانفراد أهل السنة به ، ولا يمكن إلزام الشيعة بما لا يروونه في مصادر هم التي يثقون بها  . ولاكن بما أنني ، باحث سني لا بد ان تكون انطلاقتي من الكتب والمصادر السنية ، حتى تكون ملزمة لي ، وهذه نقطة منهجية ومحورية في البحث . لا بد أن نلفت إليها في احتجاجاتنا وحوارتنا لأن الحجة لاتسمى حجة إلا إذا التزم الخصم حتى تكون حجة عليه وهذا مالا ينتتبه له الكثير من علماء اهل السنة ، عندما يحتجون على الشيعة  بهذا الحديث مثلا .. مقابل ما يحتج به الشيعة من حديث كتاب الله وعترتي ، والفارق بين الحجتين واسع ، إذ أن حديث سنتي من مختصات السنة ، بخلاف حديث وعترتي الذي يعتد به عند الطرفين .

مصادر الحديث:

إن أول إشكال يوجد للحديث ( عليكم بسنتي ) أنه مما أعرض عنه الشيخان – البخاري ومسلم – ولم يخرجاه وهذا يعني النقصان في درجة صحيحة وذلك لأن أصح الأحاديث ما أخرجه الشيخان ثم ما انفرد في إخراجه البخاري ثم ما انفرد في إخراجه مسلم ثم كان على شرطيهما ثم ما كان على شرط البخاري ثم ما كان على شرط مسلم وهذه الميزات في الحديث .

يوجد الحديث في ( سنن أبي داوود  سنن الترمذي  سنن ابن ماجة ) إن رواة هذا الحديث لا يخلو جميعهم من ضعف عند علماء الجرح والتعديل والمتتبع لتراجمهم بلا حظ ذلك جيداً ولا يسعني في هذه العجالة أن أناقش رواة هذا الحديث واحد واحداً بشتى طرقه ونقل آراء علماء الجرح والتعديل فيهم وسأكتفي بتضعيف راو واحد أو إثنين من مسند كل رواية وهو كاف لتضعيفها كما اتفق على ذلك علماء الجرح والتعديل إذ ربما يكون هذا الراوي الضعيف قد اختلق هذه الرواية

رواية الترمذي :

روى الترمذي هذا الحديث عن بغية بن الوليد وإليك آراء علماء الجرح والتعديل فيه ابن الجوزي في حديث وقد ذكرنا أن بغية كان يروي عن المجهولين والضعفاء ولربما أسقط ذكرهم من رووا له عنهم .

وقال ابن حبان " لا يحتج ببفية" وقال بغية مدلس يروي عن الضعفاء وأصحابه لا يسوون حديث ويحذفون الضعفاء منهم .

وقال أبو اسحاق الجوزجاني رحم الله بغيه ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه .وغيرها من كلمات وعلماء الجرح ولتعديل وما ذكرناه كاف لمقام .

سند الحديث :

الوليد بن مسلم روى الخبر عن ثور الناصبي كما قال ابن حجر العسقلاني وكان جده قتل يوم طعن مع معاوية فكان ثور إذا ذكر علياً قال : لا أحب رجلاً قتل جدي أما الوليد فقد قال الذهبي وقال أبو مسهر الوليد مدلس وربما دلس عن كذابين .

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل " سئل عنه أبي فقال كان رفاعاً وغير ذلك وهو كاف لتضعيف روايته .

1- الموضوعات لابن الجوزي ج 1 ص 109 .

2-المصدر السابق ص 151 .

3-المصدر السابق ص 218 .

4-خلاصة عبقات الأنوار ج2 ص 350

5-المصدر السابق ص 344 .

6- ميزان الاعتدال ج 4 ص 347 .

تهذيب التهذيب ج 11 ص 154 .

سند الحديث عند ابن ماجه:

روى بثلاث طرق :

- ففي طريق الحديث الأول عبد الله بن علاء وقد قال فيه الذهبي وقال ابن حزام ضعفه يحيى وغيره وهو روى الخبر عن يحيى وهو

مجهول عند ابن ماجه :

روى الخبر عن ثور – الناصبي عبد الملك بن الصباح ففي ميزان الاعتدال متهم بسرقة الحديث هذا بالأضافة إلى الحديث خبر أحاد ترجع كل روايه إلى صحابي واحد وهو العرباض بن سارية وخبر الأحاد لا يثبت في مقام الاحتجاج بالأضافة إلى أن العرباض كان من شيعة معاوية وجلاوزته .

-الواقع التاريخي وحديث وسنتي :

أما الواقع التاريخي فإنه يكذب هذا الحديث أيضاً :

ذكر التاريخ أن السنة المطهرة لم تكتب على عهد رسول الله (ص) بل هناك أحاديث من طرق أهل السنة ينهى فيها رسول الله (ص) عن كتابه الأحاديث مثل قوله (ص) :

لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه كما في سنن الدارمي ومسند أحمد وفي رواية أنهم استأذنوا النبي (ص) أن يكتبوا عنه فلم يأذنهم وغيرها من الروايات الظاهرة بمنع الكتابة من رسول الله (ص) وكل هذا كان ضمن المخطط الذي نفذ لمنع نشر الحديث وكتمانه حتى لا يظهر الحق ولم يقفوا عند ذلك فقد اجتهد عمر اجتهاداً واضحاً لمحو السنة روى عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص) فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال :

(إني كنت أردت أن أكتب السنن وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيْ أبداً .)

وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ثم في الأمصار من كان عنده شيء فليمحه .

وروى ابن جرير أن الخليفة عمر بن الخطاب كان كلما أرسل حاكماً أو والياً إلى قطر أو بلد يوصيه في جملة ما يوصيه جرد القرآن وأقل الرواية عن محمد وأنا شريككم .

وقد حفظ التاريخ أن الخليفة قال لأبي ذر وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء ما الحديث الذي تفتشون عن محمد ؟! .

كاما ذكر أن عمر جمع الحديث من الناس فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال أمنيه كأمنية أهل الكتاب كما روى الخطيب عن القاسم في تقييد العلم .

وما ذكره عمر من سبب لمصادرة السنة فإنه سبب لا يقبله الجاهل فضلاً عن العالم لأنه مخالف للقرآن والروح الدين والعقل فكيف يقول جردوا القرآن وأقلوا الرواية والقرآن نفسه يؤكد أن حجته تقوم بالسنة لأنها موضحة وشارحة ومخصصة ومقيدة وغير ذلك وقد قال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )

1-رواه حافظ المغرب بن عبد البر والبيهقي في المدخل عن عروة .

جامع بيان العلم وفضله ج 1 ص 65 طبقات ابن سعد ج 1 ص 3 .

2- تاريخ الطبري ج 3 ص 273 .

3- كنز العمال ج 10 ص 293 .

فكيف يبين رسول الله (ص) القرآن أوليس بالسنة ؟!

وقال تعالى ( ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) فما فائدة لوحي إذا أمرنا بكتمانه وحرقه وهذه السنة التي تحتجون بلزوم اتباعها قد مرت عليها سلسلة من المؤامرات فقد بدأت المسيرة من أبي بكر فقد أحرق في خلافته خمسمائة حديث كتبه عن رسول الله (ص) قالت عائشة جمع أبي الحديث عن رسول الله فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلب ولما أصبح قال أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فأحرقها وقال خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك .

وكتب عمر في خلافته إلى الآفاق أن من كتب حديثاً فليمحه وسار عثمان على نفس الخط لأنه وقع على أن يواصل مسيرة الشيخين – أبي بكر وعمر – فقال على المنبر لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمه به عهد أبي بكر ولا عهد عمر .

ثم واصل المسيرة من بعده معاوية بن أبي سفيان قائلاً يا ناس أقلوا عن رواية عن رسول الله وإن كنتم تتحدثون فتحدثوا بما كان يتحدث به عهد عمر .

وبذلك أصبح ترك كتابة الأحاديث سنة متبعة وعدت كتابتها شيئاً منكراً ولم يكن هذا الكتب والتضليل الإعلامي الذي مارستة السلطات الحاكمة على كتابة الحديث إلا من أجل كتم فضائل أهل البيت والحيلولة دون انتشارها هذا هو السبب الذي لا يرضاه الكثيرون هو الواقع المرير الذي يصطدم به المتتبع في التاريخ والدارس لأحداثه وبعد ذلك أي سنة أمر رسول الله (ص) بإتباعها ؟! .

هل هي ما محاه عمر أم ما أحرقه أبو بكر ؟!

ولو كان هناك أمر بإتباع السنة فلماذا لا ينصاع له الخلفاء الراشدون فيكثروا من روايتها ويحرصوا على كتابتها ؟

فماذا يصنع من يريد التمسك ( بالسنة ) من بعد رسول الله (ص)

فلنفترض أنه عاشر الصحابة أيظل يبحث عن جميع الصحابة ليأخذ منهم سنة رسول الله (ص) وفيهم الولاة والحكام والقواد والجنود في الثغور ؟! .

أيبحث عنهم جميعاً ليسألهم عن طبيعة ما يريد التعرف عليه من أحكام أم يكتفي بالرجوع إلى الموجودين وهو يجزئه لاحتمال صدور الناسخ أو المقيد أو المخصص بحضور واحد أو أثنين ممن ليسوا بالمدينة والحجة – كما يقول ابن حزم : لا تتقوم إلا بهم .

وإذا كانت هذه مشكلة من أدرك الصحابة وهم قلة فما بالك من بعدما توسعت الدولة الإسلامية وكثرت الفتوحات وكثرة الأسئلة عن الحوادث والمتغيرات .

فبماذا يجابون ؟!!!

وهكذا ضاع كثير من الأحاديث والأحكام وإلى هذا كانت تهدف المؤامراة فقد صرح عمر بذلك في عهد رسول الله (ص) عندما قال رسول الله (ص) عند وفاته :

" ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً فقال عمر إنه يهجر حسبنا كتاب الله .

فالغاية التي منعت من إحضار الكتف والدواة لرسول الله ليكتب لهم كتاباً يمنعهم من الضلالة هي نفسها التي منعتهم عن جمع الأحاديث وكتابتها .

فكيف يروى بعد ذلك ( تمسكوا بسنتي ) .

ولم يتمسك بها الصحابة ولا الخلفاء بل صرحوا بغير ذلك كما روى الذهبي في تذكرة الحفاظ قال إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه .

إن الشيء الطبيعي أن لا يفرض أي مصدر تشريعي على الأمة ما لم يكن مدوناً ومحدد المفاهيم أو يكون هناك مسؤول عنه يكون المرجع .

وقد أجمعت الأمة على السنة لم تدون في عهد الرسول ولا عهد خلفاء ولم تدون إلا بعد قرن ونصف من وفاة رسول الله (ص) فبأي وجه يقول قائل : ( عليكم بسنتي ) .

* الحديث الآخر :

نصه : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه "

هذا الحديث أسخف من أن يناقش وكل ما يمكن أن يقال فيه بالإضافة لما تقدم .

1- إن هذا الحديث لم يروه أصحاب الصحاح الستة عند أهل السنة وهذا كاف لتضعيفه فكيف يا ترى تمسكوا ابحديث لم يكن له وجود في صحاحهم ومسانيدهم والناظر لهذا الحديث عند أهل السنة لا يختلجه الشك في أن هذا الحديث قد روته الصحاح وعلى رأسها البخاري ومسلم وفي الواقع لا وجود له بتاتاً .

2-إن أقدم المصادر التي ذكرت هذا الحديث هي موطأ الإمام مالك وسيرة ابن هشام والصواعق لابن حجر ولم أجد كتاباً آخر روى هذا الحديث وقد اشتركت هذه الكتب في نقل الحديثين ما عدا الموطأ .

3- رواية الحديث مرسلة في الصواعق ومبتورة السند في سيرة ابن هشام ويدعي ابن هشام أنه أخذ الحديث من سيرة ابن إسحاق وبحثت سيرة ابن إسحاق فلم أجد الحديث في كل الطبعات فيا ترى من أين أتى به ابن هشام ؟!

4-أما رواية مالك للحديث فهو خير مرفوع لا سند له قال راوي الموطأ " حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله (ص) الحديث كما تلاحظ أن هذا الحديث من غير سند فلا يمكن الاعتماد عليه ولماذا انفرد مالك بهذا الحديث ولم يرويه أستاذه أبو حنيفة أو تلميذه ه عليه ولماذا انفرد مالك بهذا الحديث ولم يرويه أستاذه أبو حنيفة أو تلميذه الشافعي وأحمد بن حنبل فلو كان الحديث صحيح لماذا أعرضت عنه أئمة المذاهب وأئمة الحديث ؟! .

5-أخرج الحاكم في مستدركه الحديث بطريقتين الطريق الأول فيه زيد الديلسي عن عكرمة عن ابن عباس ولا يمكن أن نقبل هذا الحديث لأن في سنده عكرمة الكذاب وهو من أعداء أهل البيت (ع) ومن الذين خرجوا على علي (ع) وكفروه وأما الطريق الآخر فيه صالح بن موسى الطلحي عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن صالح عن أبي هريرة وهذا الحديث أيضاً لا يمكن أن يقبل لأن الحديث على

رواية أبي سعيد الخدري قاله رسول الله (ص) وهو على فراش الموت وفي هذه الفترة كان أبو هريرة في البحرين أرسل مع العلاء الحضرمي قبل أن يتوفى رسول الله (ص) بسنة ونصف إذن متى سمع النبي وهو على فراش الموت ؟! .

6-السنن الكبرى للبيهقي ينقل الحديث ج 10 ص 4 دار المعرفة بيروت – لبنان حديث مسلم تركت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ثم ينقل حديثي المستدرك بالنص .

7- كتاب الفقيه المتفقه – للخطيب البغدادي ج 1 ص 94 قام بتصحيحه والتعليق عليه فضيلة الشيخ اسماعيل الأنصاري عضو دار الافتاء – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان نقل حديثين الأول هو حديث المستدرك ( عن ابي صالح عن أبي هريرة ) أما الحديث الجديد الذي نقله قال حدثني سيف بن عمر ابن اسحاق الأسدي عن الصباح بن محمد عن أبي حازم عن أبي سعيد الخدري الحديث وهذا السند لا يمكن أن يقبل بشهادة علماء الجرح والتعديل في سيف بن عمر الذي أجمعوا على كذبه وافتراءه وسوف يأتيك قول العلماء فيه .

8- كتاب الالماع إلى معرفة أصول الرواية وتقيد السماع للقاضي عياض 479- 544 هـ تحقيق السيد أحمد صقر الطبعة الأولى الناشر دار الراس الناصرة – المكتبة العتيقة – تونس ص 9 نقل نص الحديث من كتاب الفقيه المتفقه الذي في سنده سيف بن عمر .

وغير ما ذكرناه لا يوجد كتاب قط نقل حديث ( كتاب الله وسنتي ) فإذن لم يثبت الحديث إلا ثلاثة طرق عن ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وهذه

الطرق مع ضعفها لم تظهر إلا في وسط القرن الخامس الهجري بعد الحاكم ولم يأتي كتاب أقدم من ذلك يذكر هذه الطرق هذا أولاً وثانياً أن هؤلاء الصحابة الثلاثة أبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدري رووا حديث ( كتاب الله وعترتي ) في القرن الثاني الهجري كما روى مسلم فأيهما نقبل وبذلك لا تتجاوز هذه الرواية كونها خبر أحاد مرفوعة أو مرسلة ومما يدل على أنها موضوعة أن حديث في الأهمية بمكان وهو الدستور الذي سوف تسلكه الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه ! فيفترض أن يكرره رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مواضع كثيرة وأن يتناوله الصحابة بالرواية والحفظ كما في حديث ( كتاب الله وعترتي ) .

فلا يمكن أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جعل لنا هذا الحديث مصدراً تشريعياً لأنه حديث مبهم قاصر الدلالة بالإضافة إلى ظنية صدوره .

حوار مع المحدث والحافظ الدمشقي :

عبد القادر الأرنؤوطي :

حدث لي أثناء اقامتي في الشام لقاء مع الشيخ عبد القادر الأرنؤوطي وهو من علماء الشام وله إجازة في علم الحديث وقد تم هذا اللقاء من غير اعداد مني وإنما كان من طريق الصدفة كان لي أحد الأصدقاء السودانيين اسمه عادل تعرفت عليه في منطقة السيدة زينب (ع) وقد أنار الله قلبه بنور أهل البيت (ع) وتشيع لهم وامتاز هذا الأخ بصفات حميدة قل ما تجدها في غيره فكان خلوقاَ متديناً ورعاً وقد أجبرته الظروف على العمل في إحدى المزارع في منطقة تسمى العادلية 9كم تقريباً جنوب السيدة زينب (ع) وكان بجوار المزرعة التي يعمل بها مزرعة أخرى لرجل كبير السن متدين يكنى بأبي سليمان فعندما عرف هذا الجار أن السوداني الذي يعمل بجواره شيعي جاء إليه وتحدث معه قال :

- يا أخي السودانيون سنة طيبون من أين لك بالتشيع ؟ هل في أسرتك أحد شيعي ؟

قال عادل لا ولكن الدين والقناعة لا تبتنى على تقليد المجتمع والأسرة .

قال إن الشيعة يكذبون ويخدعون الأمة .

قال عادل : أنا لم أر منهم ذلك .

قال عادل : يا حاج هل تؤمن بالبخاري ومسلم وصحاح السنة ؟ قال نعم .

قال عادل : إن الشيعة يستدلون على أي عقيدة يؤمنون بها من هذه المصادر فضلاً عن مصادرهم .

قال إنهم يكذبون ولهم بخاري ومسلم محرف .

قال عادل إنهم لم يلزموني بكتاب مخصص بل طلبوا مني أن أبحث في مكتبة العالم العربي .

قال هذا كذب وأنا من واجبي أن أردك مرة أخرى إلى السنة ( وإن يهدي بك الله رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس )

قال عادل نحن طالبي حق وهدى نميل مع الدليل حيثما مال قال : سأحضر لك أكبر عالم في دمشق وهو العلامة عبد القادر الأرنؤوطي عالم جليل ومحدث حافظ وقد حاول الشيعة اغراءه بالملايين حتى يصبح معهم لكنة رفض ...

وافق الأخ – عادل هذا الطرح وقال له أبو سليمان موعدنا يوم الأثنين أنت وكل السودانيين الذين تأثروا بالفكر الشيعي .

جاء إلي عادل وأخبرني بما حدث وطلب مني أن أذهب معه وبفرحة شديدة قبلت هذا العرض وتواعدت معه يوم الأثنين بتاريخ 8 صفر 1417 من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم في تمام الساعة 12 ظهراً .

وكان يوم شديد الحر تقابلنا في الموعد وانطلقنا نحو المزرعة مع ثلاثة من السودانيين وبعد وصولنا كان الأخ عادل في استقبالنا في مزرعة خضراء تحفها الأشجار المثمرة من الخوخ والتفاح والتوت وغيرها من الفواكه التي لا توجد عندنا في السودان .

وبعدها أخذنا نحث الخطى إلى مزرعة جاره السني فاستقبلنا بحفاوة بالغة وبعد قليل من الاستجمام في ذلك المكان الذي تحيط به الخضرة من كل حدب قمت إلى صلاة الظهر وفي أثناء الصلاة جاءت قافلة في مقدمتها سيارة تحمل الشيخ الأرنؤوطي وقد امتلأ المكان بالناس وخارج المبنى بالسيارات وعلت الدهشة وجوه أصحابي السودانيين من هيبة هذا المقام لأنهم لم يتصوروا أن الأمر بهذا الحجم وبعدما استقر كل واحد في مكانه اخترت مكاناً بجوار الشيخ .

وبعد اجراء التعريف بين الجميع تحدث صاحب المزرعة مع الشيخ قائلاً إن اخواننا من السودان تأثروا بالتشيع في السيدة زينب وبينهم واحد شيعي يعمل في المزرعة التي بجوارنا .

قال الشيخ : أين هذا الشيعي .

قالوا له : ذهب إلى مزرعته وسيرجع بعد قليل .

قال . إذن نؤخر الحديث إلى رجوعه .

ذهب إليه أحد السودانيين وأحضره إلى المجلس وقد استغل الشيخ هذه الفرصة بقراءة أحاديث كثيرة يحفظها عن ظهر قلب وكان موضوعها أفضلية بعض البلدان على بعض وخاصة الشام ودمشق وقد أخذ الموضوع حوالي نصف ساعة – وهو موضوع لا جدوى فيه – وقد تعجب منه كثيراً كيف لا يستغل هذا الظرف وقد أعاره الجميع عقولهم بحديث يستفيدون منه في دينهم ودنياهم ثم قال إن دين الله لا يؤخذ بالحسب والنسب وقد جعل الله شرعه لكل لناس فبأي حق نأخذ ديننا من أهل البيت ؟ وقد أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بكتاب الله وسنته وهو حديث صحيح لا يستطيع أحد تضعيفه ولا يوجد عندنا طريق آخر غير هذا الطريق وضرب بيده على ظهر عادل وقال له يا ابني لا يغرنك كلام الشيعة .

استوقفه قائلاً :

سماحة الشيخ  نحن باحثون عن الحق وقد اختلط علينا الأمر وجئنا كي نستفيد منك عندما عرفنا أنك عالم جليل ومحدث وحافظ قال نعم .

قلت من البديهيات التي لا يتغافل عنها إلا أعمى أن المسلمين قد تقسموا إلى طوائف ومذاهب متعددة وكل فرقة تدعي أنها الحق وغيرها باطل فكيف يتسنى لي وأنا مكلف بشرع الله أن أعرف الحق من بين هذه الخطوط المتناقضة ؟‍ هل أراد الله لنا أن نكون متفرقين أم أراد أن نكون على ملة واحدة ندين الله بتشريع واحد وإذا كان نعم ما هي الضمانة التي تركها الله ورسوله لنا لكي تحصن الأمة من الضلالة ؟

مع العلم أن أول ما وقع الخلاف بين المسلمين كان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة فليس جائز في حق الرسول أن يترك أمته من غير هدى يسترشدون به .

قال الشيخ : إن الضمائر التي تركها رسول الله لتمنع الأمة من الاختلاف قوله (ص9 إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي .

قلت لقد ذكرت قبل قليل في معرض كلامك قد يكون هناك حديث لا أصل له أي غير مذكور في كتب الحديث .

قال نعم :

قلت له هذا الحديث لا أصل له في الصحاح الستة فكيف تقول به وأنت رجل محدث ؟

هنا شبت ناره وأخذ يصرخ قائلاً ماذا تقصد هل تريد أن تضعف هذا الحديث

تعجبت من هذه الطريقة وعن سبب هيجانه مع أنني لم أقل شيئاً فقلت مهلاً إن سؤالي واحد ومحدد هل يوجد هذا الحديث في الصحاح الستة ؟

قال الصحاح ليست ستة وكتب الحديث كثيرة وإن هذا الحديث يوجد في كتاب الموطأ للإمام مالك .

قلت ( متوجهاً إلى الحضور) حسناً قد اعترف الشيخ أن هذا الحديث لا وجود له في الصحاح الستة ويوجد في موطأ مالك.

فقاطعني (بلهجة شديدة) قائلاً: شو الموطأ مو كتاب حديث؟

قلت: الموطأ كتاب حديث ولكن حديث (كتاب الله وسنتي) مرفوع في الموطئ من غير سند- مع العلم ان كل أحاديث مسندة هنا صرخ الشيخ بعدما سقطت حجته وأخذ يضربني بيده ويهزني شمالاً ويميناً أنت تريد أن تضعف الحديث وانت من حتى تضعفه حتى خرج عن حدود المعقول وأخذ الجميع يندهش من حركاته وتصرفه هذا.

قلت يا شيخ ‍! هنا مقام مناقشة ودليل وهذا الاسلوب الغريب الذي تتبعه لا يجدي وقد جلست أنا مع الكثير من علماء الشيعة ولم أرَ مثل هذا الاسلوب ابداً قال تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك.وبعد هذا هدأ قليلاً من ثورته .

قلت أسألك يا شيخ : هل رواية مالك لحديث كتاب الله وسنتي في الموطأ ضعيفة أم صحيحة ؟‍

قال ( بتحسر شديد ) ضعيفة .

قلت فلماذا إذن قلت أن الحديث في الموطأ وأنت تعلم أنه ضعيف ؟

قال ( رافعاً صوته ) : إن للحديث طرق أخرى .

قلت للحضور : قد تنازل الشيخ عن رواية الموطأ  وقال إن للحديث طرق أخرى فلنسمع منه هذه الطرق .

هنا أحس الشيخ بالهزيمة والخجل لأن ليس للحديث طرق صحيحة وفي هذه الأثناء تحدث أحد الجلوس فوكزني الشيخ بيده وقال لي وهو مشيراً إلى المتحدث اسمع له والتفت يريد بذلك الهروب من السؤال المحرج الذي وجهته له......

أحسستُ منه هذا ولكني أصررت وقلت أسمعنا يا شيخ الطرق

الأخرى للحديث ؟؟

قال ( بلهجة منكسرة ) : لا أحفظها وسوف أكتبها لك .

قلت سبحان الله ‍ أنت تحفظ كل هذه الأحاديث في فضل البلدان والمناطق ولا تحفظ طريق أهم الأحاديث وهو مرتكز أهل السنة والجماعة والذي يعصم الأمة عن الضلالة كما قلت فظل ساكتاً .

وعندما أحس الحضور بخجله قال لي أحدهم :

ماذا تريد من الشيخ وقد وعدك أن يكتبها لك .

قلت : أنا أقرب لك الطريق إن هذا الحديث يوجد أيضاً في سيرة ابن هشام من غير سند.

قال الشيخ الأرنؤوطي : إن سيرة ابن هشام كتاب سيرة وليس حديث .

قلت : إذن تضعف هذا الرواية .

قال : نعم .

قلت : كفيتني مؤونة النقاش فيها .

وواصلت كلامي قائلاً ويوجد أيضاً في كتاب الالماع للقاضي عياض وفي كتاب الفقيه المتفقه للخطيب البغدادي ... هل تأخذ بهذه الرواية ؟

قال : لا .

قلت : إذن حديث كتاب الله وسنتي ضعيف بشهادة الشيخ ولم يبقى أمامنا إلا ضمانة واحدة تمنع الأمة من الاختلاف وهي حديث متواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد كتب الحديث السنية والصحاح الستة ما عدا البخاري وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي فإن العليم الخبير أنبئني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " كما في رواية أحمد بن حنبل ولا مناص لمؤمن يريد الإسلام الذي أمر الله به ورسوله غير هذا الطريق وهو طريق أهل البيت المطهرين في القرآن الكريم من الرجس والمعاصي وذكرت مجموعة من فضائل أهل البيت (ع) والشيخ ساكت لم يتفوه بكلمة طوال هذه المدة – على غير عادته – فقد كان يقاطع حديثي بين كلمة وأخرى .

وعندما رأى مريدوه الانكسار في شيخهم أصبحوا يهرجون ويمرجون .

قلت كفى جدلاً ونفاقاً ومراوغة عن الحق إلى متى هذا التنكر ؟!!

والحق واضحة آياته ظاهرة بيناته وقد أقمت عليكم الحجة بأن لا دين من غير الكتاب والعترة الطاهرين من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وظل الشيخ ساكتاً ولم يرد علي كلمة واحدة فقام منتفضاً قائلاً أنا أريد أن أذهب وأنني مرتبط بدرس – مع العلم أنه كان مدعواً لطعام الغداء !! –

أصر عليه صاحب المنزل بالبقاء وبعد احضار طعام الغداء هدأ المجلس ولم يتفوه الشيخ بكلمة واحدة في أي موضوع كان طيلة جلسة الغداء وقد كان فيما سبق هو صاحب المجلس والحديث أولاً !..

هكذا مصير كل من يراوغ ويخفي الحقائق فلا بد أن ينكشف أمام الملأ ..

* لا تحل مشكلة أهل السنة بالحديثين :

إذا تغاضينا عن كل ذلك وسلمنا جدلاً بصحة الحديثين " عليكم بسنتي " كتاب الله وسنتي " فذلك لا ينقذ أهل السنة ولا يفك محنتهم بل إنه بكل الطرق والاتجاهات يؤيد ويدعم مذهب أهل البيت ( التشيع ) وذلك للآتي : الحديث الأول : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"

* الخلفاء هم أئمة أهل البيت :

فإن كلمة الخلفاء هنا عامة غير مخصصة لفئة معينة وتفسير أهل السنة لها بالخلفاء الأربعة تأويل من غير مصدر ولا دليل لأن القضية أوسع من المدعى بل إن الأدلة تنطبق بعكس ذلك إذ أن الخلفاء الراشدين هم الأئمة الأثنا عشر من أهل البيت لما ثبت من الأدلة والروايات القاطعة أن الخلفاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر خليفة وقد أورد القندوزي الحنفي في ينابيع المودة قال " ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقاً أن الخلفاء من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر خليفة كلهم من قريش في البخاري من ثلاثة طرق وفي مسلم من تسعة طرق وفي أبي داود من ثلاث طرق وفي الترمذي من طريق واحد وفي مسند الحمدي من ثلاثة طرق ففي البخاري عن جابر رفعه يكون من بعدي اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها فسألت أبي ماذا قال : كلهم من قريش وفي مسلم عن عامر بن سعد قال كتبت إلى ابن سمرة أخبرني بشيء سمعته من النبي (صلى الله عليه وآله) إلي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الجمعة عشية رجم الأسلمي يقول لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

وبعد هذا لا يمكن بأن يحتج محتج بحديث وسنة الخلفاء " حاملاً ذلك على الخلفاء الأربعة لهذه الروايات المتواترة التي بلغت عشرين طريقاً وكلها تصرح أن الخلفاء اثنا عشر خليفة ولا يمكن أن نجد تفسيراً لهذه الروايات في الواقع الخارجي إلا في أئمة مذهب أهل البيت الإثني عشر

فيكون الشيعة بذلك هم الفرقة الوحيدة التي جسدت معاني هذه الأجاديث وبولا يتهم للإمام علي (ع) ثم من بعده الحسن والحسين ثم تسع أئمة من ذرية الحسين فيكون العدد بعد ذلك اثنا عشر إماماً .

ورغم أن كلمة قريش في هذه الروايات مطلقة وغير محددة ولكن بضميمة روايات وقرائن أخرى يتبين أن المراد منه أهل البيت وذلك لوجود روايات متضافرة على إمامة أهل البيت – سنتطرق إلى بعضها في البحوث القادمة .

ويكفيكم في هذا المقام رواية " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي:

فما دام قيام الدين بولاية اثني عشر خليفة كما صرحت الرواية السابقة وفي نفس الوقت هناك روايات تؤكد ملازمة أهل البيت للكتاب فذلك خيردليل على أن المقصود من ( اثني عشر خليفة ) هم الأئمة من أهل البيت .

وأما عبارة ( كلهم من قريش ) فما هي إلا تبديل وتدليس في الحديث فوضعت حتى تشوه الدلالة الواضحة في وجوب اتباع أهل البيت لأن العبارة الصحيحة هي ( كلهم من بني هاشم ) ولكن يد الغدر والخيانة تتبعت فضائل أهل البيت فأخفت منها ما استطاعت وبذلت وغيرت ما يمكن تحريفه .

وهذه الرواية إحدى ضحايا التغيير والتبديل ولكن يأبى الله إلا أن يظهر نوره فقد نقل القندوزي الحنفي نفسه في ينابيع المودة .

العاشرة من كتاب – مودة القربى – لسيد علي الهمداني – قدس الله سره – وأفاض علينا بركاته وفتوخه عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي أخفى صوته فقلت لأبي : ما الذي أخفى صوته قال : قال : كلهم من بني هاشم ). بل قد روزى القندوزي أحاديث أكثر وضوحاً من ذلك فقد روى عن عبايه بن ربعي عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين وإن أوصيائي بعدي إثنا عشر أولهم علي وآخرهم القائم المهدي .

ولم يجد القندوزي الحنفي بعد ذكر هذه الأحاديث إلا أن يعترف ويقول ( إن

الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله) اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة فبشرح الزمان وتعريف المكان علم أن مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حديث هذا الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته إذ لا يمكن أن نحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على إثني عشر ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ولكونهم غير بني هاشم لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال كلهم من بني هاشم. في رواية عبد الملك عن جابر وإخفاء صوته (صلى الله عليه وآله) في هذا القول يرجح هذه الرواية لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن نحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) وحديث الكساء فلا بد أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الأثني عشر من أهل بيته وعترته (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم

وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله وكان علمهم عن أبائهم متصلاً بجدهم (صلى الله عليه وآله) فحمل الحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " على الأئمة من أهل البيت أقرب من حملها على الخلفاء الأربعة لما تبين بأن الخلفاء من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) إثنا عشر خليفة من بني هاشم.

* أهل البيت طريق التمسك بالكتاب والسنة :

أما حديث " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي فإنه لا يعارض حديث " كتاب الله وعترتي " ولا يلجأ إلى التعارض إلا أذا تحكمت المعارضة واستحال الجمع بينهما ومع إمكانية الجمع بينهما لا معارضة أصلاً وقد كفانا ابن حجر الجهد في إمكانية الجمع بينهما فقد ذكر في صواعقه

( إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي زاد الطبراني أني سألت الله ذلك لهما فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم وفي رواية كتاب الله وسنتي وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لأن السنة مبينة له فأغنى ذكره عن ذكرها والحاصل إن الحث وقع علىالتمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة ..).

وبتعبير أدق مما قاله ابن حجر فإن الأمر بالتمسك بالسنة لا يكون إلا عن طريق حفظها وهم أهل البيت وأهل البيت أعلم بما داخله كما أثبتت الروايات ذلك وشهد به التاريخ فيكون الحث من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وقع بالتمسك بالكتاب وبأهل البيت فيكون التمسك بالسنة أمر طبيعي ملازم للتمسك بأهل البيت وليس كما قال ابن حجر الحث وقع على التمسك بالسنة لأن الروايات الواردة بلزوم التمسك بالعترة من أهل البيت قد بلغت حد التواتر وإضافة إلى ذلك قد علمت ما جرى على السنة من حرق وكتم وتزوير فأهل البيت هم الطريق الوحيد لمعرفة القرآن والسنة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم كما ذكرها الطبراني فيكون لا مناص بعد ذلك عن وجوب التمسك بأهل البيت .

***

 

الفصل الثالث

حديث كتاب الله وعترتي في المصادر السنية

◘عدد الرواة من الصحابة

◘عدد الرواة من التابعين

◘في صحيح مسلم

◘عند الحاكم

◘عند الترمذي

◘بعض الكتب التي أوردت الحديث

◘شبهات على حديث الثقلين

◘دفع الشبهة

◘دلالة الحديث على إمامة أهل البيت (ع)

إثبات حديث " كتاب الله وعترتي "

وضح لك في البحث السابق وهو حديث التمسك بالسنة الذي يعتبر العمدة الأساسية في قيام كيان أهل السنة والجماعة وباهتزاز هذا الأساس يهتز كل الكيان وهذا ما يفسر حرص علمائهم على كتم رواية " كتاب الله وعترتي " وترويج كتاب الله وسنتي " حتى انطلى على أذهان العامة إلى درجة أنني حينما أذكر حديث العترة لأي جماعة كانت ترتسم الدهشة على وجوههم .

ولذلك أحببت – حتى تكتمل الحجة – أن أثبت حديث العترة في هذا الفصل من كتب أهل السنة بجميع طرقه وإليك التفصيل :

أولاً : سند الحديث :

عدد الرواة من الصحابة :

لقد تواتر هذا الحديث عن مجموعة من الصحابة إليك بعض أسمائهم :

(1) زيد بن أرقم (2) أبو سعيد الخدري

(3) جابر بن عبد الله (4) حذيفة بن أسيد

(5) خزيمة بن ثابت (6) زيد بن ثابت

(7) سهل بن سعد (8) ضميرة الاسدي

(9)عامر بن أبي ليلى ( الغفاري ) (10) عبد الرحمن بن عوف

(11) عبد الله بن عباس ( 12) عبد الله بن عمر

(13) عدي بن حاتم ( 14) عقبة بن عامر

(15) علي بن أبي طالب ( 16) أبو ذر الغفاري

(17) أبو رافع ( 18) أبو شريح الخزاعي

(19)أبو قدامة الأنصاري (20) أبو هريرة

(21) أبو الهيثم بن التيهان ( 22) أم سلمة

(23) أم هانئ بنت أبي طالب ( 24) ورجال من قريش

عدد الرواة من التابعين :

وقد تواتر هذا النقل أيضاً في عهد التابعين وإليك بعض من نقل منهم حديث كتاب الله وعترتي :

(1)أبو الطفيل بن واثلة (2)عطية بن سعيد العوفي

(3)حنش بن المعتر (4)الحارث الهمداني

(5)حبيب بن أبي ثابت (6)علي بن ربيعة

(7)القاسم بن حسان (8)حصين بن سبرة

(9)عمر بن مسلم (10)أبو الضحى مسلم بن صبيح

(11)يحيى بن جعدة (12)الأصبغ بن نباته

(13)عبدالله بن أبي رافع (14)المطلب بن عبد الله بن حنطب

(15)عبد الرحمن بن أبي سعيد (16)عمر بن علي بن أبي طالب

(17)فاطمة بنت علي بن أبي طالب (18)الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

(19) زين العابدين بن علي بن الحسين ... وغيرهم

عدد الرواة خلال القرون :

أما من رواه من بعد الصحابة والتابعين من أعلام الأمة وحفاظ الحديث ومشاهير الأئمة عبر القرون فجماعة لا يسمح لنا المقام ذكر أسمائهم ورواياتهم وقد أحصاها عدد من البحاثة والعلماء وللتفصيل ارجع إلى كتاب عبقات الأنوار الجزء الأول والثاني .

وأكتفي بذكر عددهم في كل طبقة زمنية من القرن الثاني إلى

القرن الرابع عشر:

القرن الثاني : عدد الرواة 36

القرن الثالث عدد الرواة 69

القرن الرابع عدد الرواة 38

القرن الخامس عدد الرواة 21

القرن السادس عدد الرواة 27

القرن السابع عدد الرواة 21

القرن الثامن عدد الرواة 24

القرن التاسع عدد الرواة 13

القرن العاشر عدد الرواة 20

القرن الحادي عشر عدد الرواة 11

القرن الثاني عشر عدد الرواة 18

القرن الثالث عشر عدد الرواة 12

القرن الرابع عشر عدد الرواة 13

فيكون مجموع رواة الحديث من القرن الثالث إلى القرن الرابع عشر / 323/ فتأمل

حديث الكتاب والعترة في كتب الحديث :

أما عن الكتب التي روت الحديث فهي كثيرة نذكر منها :

1- صحيح مسلم : ج 4 ص 123 دار المعارف بيروت لبنان . روى مسلم في صحيحه " حدثنا محمد بن بكار التريان حدثنا حسان ( يعني ابن ابراهيم ) عن سعيد ( وهو ابن مسروق) عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال : دخلنا عليه فقلنا له : لقد رأيت خيراً لقد صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصليت خلفه لقد لاقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يا لبن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما حدثتكم فاقبلوا مالا فلا تكلفونيه ثم قال :

قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل وهو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) فقلنا من أهل بيته نساؤه . قال : وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها ترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده وروى مسلم أيضاً :

( عن زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعاً عن ابن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال فطلقت ... ثم ذكر الحديث ).

وراه مسلم عن(أبوبكربن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل وحدثنا اسحاق بن ابراهيم أخبرنا جرير كلاهما عن ابي حيان ... ثم ذكر الحديث). وروايات مسلم كله ترجع الى أبي حيان بن يعيد التميمي، وقد قال فيه الذهبي:

(يحيى بن سعيد بن أبو حيان التميمي0 كان الثوري يعظمه ويوثقه،قال أحد بن

عبدالله العجلي:ثقة ،صالح ، مبرز صاحب سنة).

وقال الذهبي أيضا في العبر ج 1ص 502 (وفيها يحيى بن سعيدالتميمي،مولى تيم الرباب الوفي ، وكان ثقة إماما صاحب سنة روى عنه الشعبي ونحوه).

وقال اليافعي ك: (وفيها يحيى بن سعيد التميمي الكوفي ،وكان ثقة إماما صاحب سنة ).

وقال العسقلآني:( أبو حيان التميمي الكوفي ثقة عابد من السادسة مات سنة خمس وأربعين )

....وغيرهم من علماء الجرح والتعديل.

كما لا يخفى أن كون الحديث مرويا في صحيح مسلم حاكم على صحته  لاجماع المسلمين على تصحيح كل روايته.

ولقد صرح مسلم نفسه بأ ن جميع ما في صحيحه مجمع على صحته فضلآ عن كونه صحيحا عنده كما قال الحافظ السيوطي.

قال مسلم : ليس كل شىء صحيح عندي وضعته هنا وإنما وضعت ما أجمع عليه) كما في تدريب الراوي:

وقال النووي في ترجمة مسلم : (وصنف مسلم في علم الحديث كتبا كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذي من الله الكريم و له الحمد والنعمة والفضل والمن- به على المسلمين)..

وغيره... لايسع المقام لإيرادهم ولبداهة المدعى.

رواية الحديث عند الإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري في مستدركه على البخاري ومسلم ج3 ص27 كتاب معرفة الصحابة –دار المعرفة بيروت – لبنان.

- روى الحديث (أبو عوانة) عن الأعمش حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجه الواداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فققمن فقال ( كأني قد دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال :إن اللع عز وجل مولاي وأنا مولى وانا مولى كل

كل شيء صحيح عند وضعته هنا وإنما وضعت ما أجمع عليه ) كما في تدريب الراوي :

وقال النووي في ترجمة مسلم ( وصنف مسلم في علم الحديث كتاب كثير منها هذا الكتاب الصحيح الذي من الله الكريم – وله الحمد والنعمة والفضل والمن به على المسلمين ) ...

وغير لا يسمع المقام لإيرادهم والبداهة المدعى .

2- رواية الحديث عند الإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري في مستدركه على البخاري ومسلم ج 3 ص 27 كتاب معرفة الصحابة – دار المعرفة – بيروت – لبنان .

- روى الحديث ( أبو عوانة ) عن الأعمش حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال كأني قد دعيت فأجبت إبي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه فالرسول (ص) يؤكد إذاً أول أهل البيت ورأسهم الذي أوجب اتباعه هو علي (ع) كما رواه عن ( حسان) بن ابراهيم الكرماني محمد بن سلمى بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم يقول وساق الحديث على نحو ما سبق إلا أنه زاد

( ثم قال : تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم قال من كنت مولاه فعلي مولاه )

- وأيضاً رواه الحاكم بطريقين آخرين ولمراعاة عدم التطويل اكتفينا بإثبات طريقين .

- ومما يدل على صحة الحديث وتواتره أن الحاكم أخرجه وحكم بصحته على شرط البخاري ومسلم .

3- رواية الحديث عند أحمد بن حنبل :ج3 من مسند ص 17 – 26-14-59- دار بيروت  لبنان .

( حدثنا ) عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النظر ثنا محمد يعني ابن أبي طلحة عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال : إني أوشك أن أدعي فأجيب وأبي تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما .

ورواه أيضاً ( حدثني عبد الله حدثني أبي ثنا بن نمير ثنا عبد الله الملك يعني ابن أبي سليمان عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) ورواه بطرق متعددة غير التي سبقت .

4- رواية الحديث عن الترمذي ج 5 ص 663 – 662 – دار إحياء التراث العربي .

- وحدثنا علي بن المنذر الكوفي . حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا الأعمش عن عطية وعن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا : قال رسول الله (ص) إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إالى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .

- ( حثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحسن وهو الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال رأيت رسول الله (ص) في حجته يوم عرفه وهو على ناقته يخطب فسمعته يقول : يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) .

5- كما أورد هذا الحديث العلامة علاء الدين علي المتي بن حسام الدين الهندي المتوفى سنة 975 في ( كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال الجزء الأول الباب الثاني – في الاعتصام بالكتاب والسنة ص 172 طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الخامسة سنة 1985 –

وهو الحديث 810-871-872-873 ).

ولو استرسلنا في هذا الباب لإيراد الكتب التي روته لطال بنا المجال واحتاج كتاباً لوحده وسوف نذكر هنا مجموعة من الحفاظ والعلماء الذين أوردوا كنموذج لا للحصر . وللتفصيل راجع كتاب إحقاق الحق لأسد الله التستري ج 9 ص 311 ومنهم :

1-الحافظ الطبراني المتوفى سنة 340 في ( المعجم الصغير ).

2-العلامة محب الدين الطبري ( في ذخائر العقبي ).

3-العلامة الشيخ إبراهيم بن أبي بكر الحنفي في ( فرائد السمطين).

4-ومنه ابن سعد في طبقاته الكبرى .

5-الحافظ نور الدين الهيثمي في ( مجمع الزوائد ).

الحافظ السيوطي في ( إحياء الميت ).

الحافظ العسقلاني في ( المواهب اللدنية).

العلامة النبهاني في ( الأنوار المحمدية).

العلامة الدارمي في سننه.

10-الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي في ( السنن الكبرى).

11-العلامة البغوي في ( مصابيح السنة).

الحافظ أبو الفداء بن كثير الدمشقي في ( تفسير القرآن).

وفي جامع الأصول لابن الأثير.

المحدث الشهير أحمد بن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة 914 هجري في كتاب ( الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة الطبعة الثانية سنة 1965 مكتبة القاهرة – شركة الطباعة الفنية المتحدة.

وقال بعد إيراد حديث الثقلين ( ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طريقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً وله طرق مبسوطة حادي عشر الشبهة وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الهجرة ( الحجرة) بأصحابه وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم وفي أخرى أنه قاله لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مر ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة وفي رواية عن الطبراني عن عمر آخر ما تكلم به النبي (ص) أخلفوني في أهل بيتي وفي أخرى عند الطبرني وأبي الشيخ أن لله عز وجل ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ دنياه ولا آخرته قلت ما هن ؟ قال حرمت الأسلام وحرمتي وحرمة رحمي وفي رواية للبخاري عن الصديق من قوله يا أيها الناس أرغب محمد (ص) في أهل بيته ؟ أي احفظوه فيهم فلا تؤذوهم>

( وأخرج) ابن سعد والملا في سيرته أنه (ص) قال أستوصي بأهل بيتي خيراً فإني أخاصمكم عنهم غداً ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار وأنه قال من حفظني لأهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً ( وأخرج) الأول أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً والثاني حديث في كل خلف في لأمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا من توفدون ... ثم قال سمى رسول الله (ص) القرآن وعترته – وهي بالمثناة الفوقية الأهل والنسل والرهط الأدنون – ثقلين لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العليا والأحكام الشرعية ولذا حث رسول الله (ص) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم وقال الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت وقيل سميا ثقلين وجوب رعاية حقوقهما ثم الذين وقع الحث عليهم منهم أمناهم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ويؤيدهم الخبر السابق ولا تعلموهم فأنهم أعلم منكم وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)

فهل راعيت يا ابن حجر كل هذا فحفظت رسول الله (ص) لفي أهل بيته وواليتهم وانقطعت في أخذ الدين عنهم؟!

أم تقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

وصدق الإمام جعفر الصادق عليه السلام عندما قال : يدعون حبنا ويتبعون عقوقنا . فابن حجر وأمثاله يدعي حب أهل البيت ويوالي يأخذ دينه ممن ظلم أهل البيت فهذا ابن حجر نفسه عندما يثبت فضائل أهل البيت ويعترف بلزوم التمسك بهم يشن هجومه على الشيعة في صواعقه ويصنفهم من الفرق الضالة وينهال عليهم بأبشع التهم وأقبح السب.

فما ذنبهم يا ابن حجر ؟!

هل لأنهم والوا أهل البيت)وتمسكوا بأخذ الدين منهم ؟