مكتبة العقائد الإمامية

فهرس الكتاب

 

 

الدكتور أحمد راسم النفيس

(مصر)

الدكتور أحمد راسم النفيس مؤلف كتاب (الطريق إلى مذهب أهل البيت(ع))

أول الطريق

 

نشأتي الأولى

ولدت عام ( 1372 هـ / 1952 م) كان أبي ( رحمه الله )

من رجال التعليم أما جدي فكان عالماً من علماء الأزهر الشريف يقوم بالخطاب في مسجد القرية وكان منتدى يجتمع فيه المثقفون من أبناء هذه القرية يتعلمون على يديه العلوم الدينية والفقهية والأدبية .

تفتحت عيناي على أسماء الكتب والمؤلفات الحديثة لطه حسين والعقاد وكم دارت مساجلات في بيتنا حول الشعر والأدب بين أبي ( رحمة الله عليه ) وبين أصدقائه من الشعراء والأدباء الذين بين أبي ( رحمة الله علية) وبين أصدقائه من الشعراء والأدباء الذين حفلت بهم آنئذ مدينة المنصورة تلك المدينة الجميلة

( سابقاً ) التي تقع على شاطئ النيل .

تعلمت من أبي وجدي ( رحمة الله عليهما ) حب القراءة والأطلاع قرأت كل ما وقع تحت يدي من كتب أثناء طفولتي إلا كتاب واحد عجزت عن مواصلة القراءة فيه وهو أبناء الرسول في كربلاء للكاتب المصري خالد محمد خالد كنت أجهش بالبكاء في اللحظة التي أمسك فيها الكتاب وأعجز عن مواصلة قراءته مضت أيام العمر الأولى كان أبي هادئاً لا يرتبط بأي اتجاه سياسي أو ديني من تلك الاتجاهات التي حفلت بها مصر خلال هذه الحقبة أما أنا فكنت مختلفاً بعض الشيء عن باقي أفراد الأسرة .

الجمعية الشرعية :

في العام ( 1388 هـ / 1968 م) فتح بالقرب من منزلنا مسجد ( الجمعية الشرعية ) كانت تلك الجمعية تطرح على الناس حديثاً عن الإسلام والمسلمين منددة بالبدع التي دخلت على الدين وكانت ترفع شعارا مضمونه أن لا خلاص للمسلمين مما هم فيه إلا بتنقية الإسلام مما علق به من البدع والخرافات وأهمها بكل تأكيد ما يفعله الناس من قول سيدنا محمد (ص) بدلاً من قولهم ( محمد ) فقط مجرداً من جميع الألقاب والمصيبة الكبرى عندهم هي الصلاة على النبي وآله عقب الأذان أما الشرك الأعظم – كما يرون – فهو تأكيد زيارة قبور الصالحين من آل البيت أو غيرهم هذا هو الإسلام الصحيح من وجهة نظرهم اجتذبتنا هذه الدعوة ( التصحيحية ) آونة من الوقت وما لبث المسجد أن تحول إلى مجرد مكان للصلاة ثم لا شيء .

في الجامعة :

حصلت على الثانوية العامة عام ( 1390 ه / 1970 م) بمجموع مرتفع أهلني لدخول كلية الطب بمدينة المنصورة في جمهورية مصر العربية التي سبقني إليها أخي الأكبر المولع بالنشاط الفني, وهو ما أهله لدخول اتحاد الطلبة. و كان هذا حافزا لي على خوض التجربة نفسها, و لكن في مجال الثقافة. وكان هذا المجال النافذة التي فتحت لي باب الاطلاع على الصراعات الفكرية و السياسية التي امتلأت بها الساحة المصرية في أوائل السبعينيات, حيث كان التيار الشيوعي لا يزال نشطا من خلال المواقع التي احتلها في الحقبة الناصرية والواقع أن الحجم الإعلامي لهذا التيار تجاوز بكثير حجمه الحقيقي وكان التيار الديني يتحرك بصورة خجولة محاولاً اكتساب بعض المواقع وكان من الطبيعي أن يحدث الصدام بين التيارين المتناقضين وخاصة أن التيار اليساري كان يتحرك بصورة مستقرة للجميع .

في العام ( 1395 هـ / 1975 م) وبعد سلسلة من الاستفزازات اليسارية خضنا الانتخابات الطالبية تحت راية التيار الإسلامي في مواجهة التيار اليساري وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة لليسار وانتصار باهر للتيار الإسلامي وتسلمت رئاسة اتحاد الطلاب بكلية طب المنصورة لعامين متاليين

وقامت الثورة الإسلامية الإيرانية

بهرت بذلك ا لرجل ( روح الله الخميني ) ( رضوان الله عليه ) منذ اللحظة الأولى وبهرني ذلك الشعب العظيم الذي يتلقى الرصاص بصدره ويستعذب الشهادة وضايقني أن يكون ذلك الشعب منحرف العقيدة كما وصفه بعضهم من غير المنصفين أو أن تكون هذه الثورة العظيمة مجرد مؤامرة أمريكية كما يصورها آخرون من دون وازع من دين أو خوف من الله وعندما حاولنا طباعة كتيب لمناصرة الثورة الإسلامية في إيران رفض ذلك بعض رفاقنا في العمل الثقافي ولم يكن بوسعي يومها إلا السكوت فليس هناك مصادر للمعرفة حول هذا الأمر .

ثم قتل السادات

كان رأيي في محمد أنور السادات ولا يزال هو أن هذا الرجل يحاول ممارسة السياسة على طريقة لاعبي السيرك فكان أن وجدت عنقه في إحدى الألعاب الخطرة التي مارسها وأنه ارتكب كل موبقات السياسة .

أعطى الصهاينة ما لم يحلموا به طوال عمرهم وأعطى الأمريكان عام

( 1400 هـ / 1979م ) القاعدة الجوية في مصر ليهاجموا إيران من أجل

إطلاق رجال المخابرات الأمريكية المحتجزين في ما كان يطلق عليه السفارة الأمريكية في طهران واستقبل شاه إيران محمد رضا بهلوي على أرض مصر مستفزاً مشاعر ( شعبين مسلمين ) الشعب الإيراني والشعب المصري ثم لم يمت حتى وقف في صف نظام صدام حسين في عدوانه على الجمهورية الإسلامية ( 1401 هـ - 1408 هـ / 1980 – 1988 م) قائلاً : " نعم العراق هوا لمعتدي ولكننا نساعده " هذه هي الأجواء التي سبقت مقتله بيد أحد رجاله في يوم زينته وهو المقتل الذي فتح على أبناء الشعب المصري الكثير من المصاعب إلى يومنا هذا .

لم يكن قد مضى على زواجي سوى ثلاثة أيام حين أصدر السادات آخر قراراته البهلوانية وهو قرار التحفظ على ( 1500 ) شخص من معارضيه من كافة التيارات السياسية في مصر ( سبتمبر / أيلول 1981 م) لم يمض شهر حتى قتل السادات يوم السادس من أكتوبر تشرين أول 1981 م. ولم يمض شهر آخر حتى جاء زوار الفجر يطرقون الباب طلبوا مني الحضور لمدة خمس دقائق وهي خمس دقائق طالت مدة سنة كاملة في هذا الوقت كنت على وشك الأنتهاء من رسالة .

بعد يومين كنت في سجن الاستقبال الذي كان مقراًً للتحقيقات في قضية تنظيم الجهاد وفي اللحظة التي دخلت فيها تلقيت الصفعة الأولى التي أطاحت بنظارتي الطبية وكسرتها ,حاولت لملمة النظارة فلم أفلح إذ انهالت الضربات علي من كل جانب ثم أمرنا بالوقوف في مواجهة الحائط والأيدي مرفوعة إلى أعلى وانهالت السياط على ظهورنا هذه يسمونها حفلة الاستقبال ثم حلقوا لنا رؤوسنا بصورة مشوهة ثم قادونا إلى الزنازين بالسياط والركل كان هذا في بداية فصل الشتاء وقد ألقي بنا في الزنازين على البلاط معصوبي الأعين بعدما أخذوا ملابسنا وكانت التعليمات تقضي ببقاء العصابة على العيون حتى في داخل الزنزانة والوقوف انتباهاًص لحظة دخول الجنود في مواجهة الحائط وتلقي السياط أو الكابلات وفقاً لما تيسر كان هذا السجن أحد المواقع الأساسية لتحقيقات مع تنظيم لجهاد وكان التحقيق يبدأ يومياً بعد الساعة العاشرة مساءً ولا ينتهي إلا مع طلوع الفجر حيث كنا كل ليلة نسمع صراخ المحققين يطلبون من المعتقلين الأعتراف وصراخ المعتقلين تحت التعذيب أما عن أسلوب التعامل معنا في المعتقل فالعنوان الأبرز هو انعدام الإنسانية .

الحيرة :

وهكذا مضى عام كامل علي في ذلك المعتقل غير الإنساني الذي كانت فيه أبسط حقوقنا الإنسانية مسلوبة بيد أن الله تبارك وتعالى أنزل علينا صبراً ووفقني لحفظ القرآن الكريم .وبقيت تجربةا لسجن مع هذه التيارات المختلفة في الرأي والمتنازعة في الأهواء ماثلة أمامي وما لفتني هو إجتماع كل أولئك في ضيافة النظام الحاكم .

لقد كانت هذه التجربة فرصة رائعة لتأمل في الكثير من الأفكار وفي فكر المجموعات من حولي واستخلاص العبر من معايشتها ومعاينتها وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً .

وفي مثل هذا الجو الذي يختم عليه الجهل لم تكن قضية مذهب آل البيت (ع) مطروحة لأسباب عديدة قد يكون من أهمها إنعدام أدوات المعرفة .

إنتهت رحلة المعتقل يوم 31/10/1982 م ( 1402 هـ ) حيث عدت إلى مكاني في مستشفى المنصورة الجامعي وإلى بيتي الصغير وإلى أسرتي وسارت الأمور هادئة وكان الغيث ينزل من السماء رويداً رويداً .

***

كيف نزل الغيث ؟

حوار حول المهدي المنتظر

التقيت ذات يوم من أيام الأعوام ( 1404 – 1406 هـ / 1983 – 1985 م) بأحد الأصدقاء المصريين العائدين من بعثة علمية في بريطانيا وأخبرني أنه التقى ببعض الإيرانيين أثناء دراسته ودار بينه وبينهم حوار حول الثورة الإسلامية في إيران وأخبروه أن هناك حديثاً اسمه حديث الرايات السود )(1) التي تأتي من قبل المشرق تمهيد للمهدي قلت له لا علم لي بمثل هذه الرواية فسكت والتفت بأحد الأصدقاء الأزاهرة " نسبة للأزهر الشريف ) فسألته عن حقيقة الأمر فلم يعطني إجابة نافعة كعادتهم فكل شيء عندهم فيه قولان وأحياناً ثلاثة وربما أربعة فلم أقتنع بكلامه وقلت

أبحث بنفسي فوجدت الرواية في كتاب " الملاحم والفتن " لابن كثير عن رسول الله (ص) إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق يحملون الرايات السود يسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون فمن أدركهم منهم فليأتهم ولو حبواً على الثلج فإن فيهم خليفة الله المهدي وغيرها من الروايات المشابهة واصلت البحث فوجدت روايات أخرى تمدح الشيعة وهي روايات لا تقبل التأويل أو التدجيل مثل قوله (ص) في تفسير قوله تعالى في سورة الجمعة : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ) الجمعة / 3.

قال هذا وقومه وأشار إلى سلمان الفارسي وهي رواية موجودة في تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وغيرهما .

الكتب الصفراء

في هذه الآونة ( 1982-1985 ) كانت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها فجأة تحول جزء من النفط عن مساره المعهود في تمويل آلة الحرب العراقية أو تحسين الليالي الحمراء وتحويلها إلى ليالٍ ملتهبة فتحولت بعض المنابر إلى منابر حمراء " وهي الأخرى .في هذه الأونة امطرت الساحة المصرية بوابل من الكتب الصفراء التي تتهجم على المسلمين الشيعة وانطلق التيار السلفي ليقوم بالدور المرسوم له في مهاجمة المسلمين الشيعة وبيان بطلان عقائدهم ومن الواضح تماماً أن هؤلاء كانوا ينفذون خطاً مرسوم ومدعوماً بل ويحاولون الإيحاء بأن وراء التشيع في الجمهورية الإسلامية خطاً عنصرياً فارسياً في مواجهة الإسلام العربي والغريب أن أحد الصحفيين المصريين الذين ما زالو على عهد الولاء بمقاومة الشيعة وأهل البيت حتى آخر أكذوبة في جعبته النتنة قد طلع علينا بمقولة أن التشيع الإيراني إنما هو من إيحاء أوروبا التي أرادت أن تجعل من تشيع إيران وسيلة لضرب الدولة العثمانية .

لا بأس من الكذب والقوم شعارهم أ يها الكذابون لا تخجلوا

لماذا اخترت مذهب أهل البيت ؟

كنت في سفرة عائلية في أحد أيام صيف عام 1405 هـ / 1984 م ) وعثرت في إحدى المكتبات على كتاب عنوانه لماذا إخترت مذهب أهل البيت ) استأذنت في أخذه لم يكن أحد يعبأ به أو يعرف محتواه أخذت الكتاب وقرأته تعجبت كيف

يمكن لعالم أزهري هو الشيخ الأنطاكي(2) مؤلف الكتاب أن يتحول إلى مذهب أهل البيت (ع) أرقتني هذه الفكرة آونة وقلت في نفسي هذا الرجل له وجهة نظر ينبغي احترامها لم أقرر شيئاً آنئذ واحتفظت بالكتاب .

خلفاء الرسول الإثنا عشر

بعد عام وفي التوقيت نفسه وفي المكان نفسه عثرت على الكتاب الثاني " خلفاء الرسول الإثنا عشر " قرأته وفهمته ولم أقرر شيئاً لم يأت آنئذ أو أن اتخاذ القرار لكنه صار قاب قوسين أو أدنى .

التحول – الأستفزاز – الزنداني – حزب الله – حركة التوحيد الإسلامي – طرابلس – الشيخ سعيد شعبان – سبتمبر / ايلول 1985 – الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .

التقت جميع هذه العناوين فجأة في سبتمبر / أيلول 1985 .

كنت على وشك إنهاء رسالة الدكتوراه كانت وما زالت تسليتي الوحيدة في أثناء العمل هي جهاز الراديو نعرف أخبار العالم ومآسي المسلمين منه فجأة التهبت المعارك في طرابلس – لبنان بين حركة التوحيد الإسلامي بقيادة الشيخ سعيد شعبان ( حزب سني ) وبين الأحزاب اليسارية وكانت معارك ساخنة قصف وحصار وقتلى .

في هذه الأثناء كان هناك مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي أشرفت عليه وقتها نقابة الأطباء في مصر كنت أحضر هذا المؤتمر وبعد انتهائه التقيت بأحد الزملاء الذين يتحركون في معية الشيخ عبد المجيد الزنداني اليمني اللاجئ للعربية السعودية آنئذ اقترح علي هذا الزميل لقاء الشيخ ودعوته لإلقاء محاضرة في إحدى مساجد المنصورة عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وهي مسألة كان وما زال لي فيها رأي مختلف لا بأس قلنا نذهب لدعوة الشيخ صعدنا إليه في غرفته الفاخرة في أحد فنادق القاهرة قمت بتوجيه الدعوة إليه كان الرجل حريصاً على إبراز جواز السفر الدبلوماسي السعودي الذي كان يحمله رغم كونه يمنياً .قبل أن أذهب إلى المحاضرة كنت قد استمعت إلى آخر الأخبار عن طرابلس وحركة التوحيد المحاصرة من جميع الجهات والتي كادت الأحزاب اليسارية في لبنان تفتك بها وعن تدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإنهاء الحصار وإنقاذ الشيخ سعيد شعبان السني وحزبه من الدمار وذهاب وفد من حزب الله إلى طرابلس لضمان أمن الشيخ موقف هزني من الأعماق وأسعدني أن يكون هذا موقف الجمهورية الإسلامية ورئيسها آنئذ السيد علي الخامنئي الذي هاتف الرئيس السوري حافظ الأسد مدة ساعة لإنهاء الأزمة ذهبت إلى المحاضرة وجاء الشيخ وقال ما لديه عن الأجنة والفلك وأن الإسلام حلو وجميل.

جاء دور العشاء وعلى المائدة جاء دور الأسئلة الخاصة فسأله سائل عن إيران والخميني والشيعة ويبدو أن الرجل لم يكن يتوقع أي معارضة فاتخذ موقفاً منذ البداية هؤلاء الشيعة أوغاد – يحاربون الجهاد الأفغاني – كذبوا على الله وادعوا اثني عشر إماماً فأبى الله إلا أن يخزيهم فغيب إمامهم الثاني عشر وهم ينتظرونه عند السرداب .

قلت سبحان الله يا مولانا المعركة الآن هي بين الإسلام والعلمانية المدعومة من قوى الكفر العالمي ولا ينبغي إطلاقاً أن نسمع بمعركة بين الإسلام السني والإسلام الشيعي ثم سألته أين كانت الدول الإسلامية السنية وحركة التوحيد الإسلامية السنية تذبح في طرابلس .؟

ولماذا لم يتدخل أحد إلا إيران الإسلامية لشيعية أليس هذا دليل على صحة ما أقول .

قال : نعم ولكن هؤلاء رافضة ينبغي ألا نتعاون معهم ثم استدرك وقال : ينبغي أن يكون التعامل معهم من خلال هيئة أمم إسلامية سكت ... وسكت الشيخ وتكلم الصمت .

عدت إلى بيتي وأنا في قمة الاستفزاز والأنفعال قلت لنفسي إن كان حقاً ما يقولون إن المسلمين الشيعة بكل هذه الدناءة فلعنة الله عليهم وإن كانت كل هذه أكاذيب موجهة إليهم فتلك النازلة الكبرى التي ما بعدها نازلة .

مضت أيام كان هناك معرض لكتاب في كلية الطب بالمنصورة مررت به فوجدت كتاباً بعنوان الإمام جعفر الصادق ) تأليف المستشار عبد الحليم الجندي طبعة مجمع البحوث الإسلامية 1977 م قلت هذا كتاب عن لإمام جعفر الصادق من تأليف كاتب مصري سني وصادر من قبل مؤسسة رسمية قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران فأخذته وقرأته وتزلزل كياني لما فيه من معلومات عن أهل البيت (ع) طمستها الأنظمة الجائرة وكتمها علماء السوء فإن القوم كما روي على لسان الزهري رواية بني أمية لا يطيقون أن يذكر آل محمد بخير .

عدت إلى الكتابين السابقين وأخرجت ما فيهما من المعلومات ووجدتها جميعها من مصادر سنية قلت لعل المسلمين الشيعة كذبوا فأوردوا على الناس ما لم يقولوه فلنعد إلى هذه المصادر بنفسها قمت بعملية جرد دقيقة لجميع هذه الكتب سواء منها ما كان في مكتبتي الخاصة أم ما كان في مكتبة جمعية الشباب المسلمين وتحققت فعلاً من صحة هذه المعلومات وعرفت مدى المصداقية التي يتمتع بها الزنداني وأبو إسماعيل وإحسان إلهي ظهير !! وهنا نقطة هامة وهي إن كتب الحديث عند أهل السنة كالبخاري ومسلم وغيرهما, تكاد تكون مقدسة عند القوم لأن صحة خلافة الخلفاء الثلاثة الأول مستمدة من الأمر الواقع وثانياً من الروايات التي وردت في هذه الكتب فإذا كان القوم يسلمون بصحة الروايات الواردة في فضائل الثلاثة الأول وجب عليهم التسليم بكل ما عداها ومنها فضائل أهل البيت (ع) وإمامتهم .(3)

أما إذا قالوا : بل ننظر في صحة الروايات والرواة فقد فتحوا باب النقد في مسلماتهم وصار من حقنا النقاش في صحة أسانيدهم وترجيح الدليل الأقوى وهو عين ما يتوخاه كل باحث عن الحق

وعندئذ ستكتسب الروايات الواردة في إمامة أهل البيت (ع) قوة مضاعفة أولا من قوة أسانيدها وثانياً من اعتراف مخالفيها بصحتها والفضل ما شهدت به الأعداء والخصوم .

لم تمض إلا أسابيع ثم التقيت بواحدٍ من الأصدقاء القدامى وجدته على هذا الأمر وبدأنا في تدارس بعض الأحكام الفقهية اللازمة لتصحيح العبادات وكنت مشغولاً في هذا الوقت في إنهاء رسالة الدكتوراه حتى أنني أقفلت عيادتي للتفرغ للعمل بهذه الرسالة وقبلت في نيسان / إبريل عام 1986 وبدأت أتأهب لدخول امتحانات الدكتوراه في تخصص الباطنة العامة " كنت منكباً على القراءة العلمية وكانت راحتي ومتعتي الوحيدة إذا أصابني الملل من القراءة في الطب هي اللجوء إلى كتب أهل البيت (ع) وبدأ النبأ يتسرب إلى الذين تعاهدوا فيما بينهم وقرروا مقاطعة العبد الفقير لا كلام ولا سلام معاملة وبدأت حلقات الضيق تتكاثر حول شخص المتهم بالأنحراف الفكري والخلل العقلي لماذا؟

كنت أتساءل بيني وبين نفسي عن سر هذا العداء والشراسة في مواجهة كل من ينتمي إلى

خط آل بيت وما هي الجريمة التي ارتكبها أولئك المنتمون تارة يقولون إنه انحراف عقائدي أي عقائدي هذا هل صار الإيمان بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان جزءاً متمما ً لكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله أم ماذا ؟

"هل يقصدون ضرورة إثبات اليد والرجل والأصابع والصعود والهبوط للذات الإلهية وهو ما يؤمن به السلفيون ومن يدينون بمذهبهم تعالى الله عما يقولون والواصفون والجاحدون علواً كبيراً

لم يحاول أحد منهم أن يقنعني بركائز هذه العقيدة ومعالم الأنحراف العقيدي التي حلت بالعبد الفقير ولم أكن في حاجة إلى من يعرفني فكتبهم موجودة في الساحة توزع من دون مقابل وهي موجودة لدي أيضاً .

إعتقال عام ( 1408 هـ / 1987 م )

في أيار مايو / 1987 انطلقت عدة رصاصات على وزير الداخلية المصري السابق حسن أبو باشا وعلى الفور بدأت حملة اعتقالات على طريقة عناقيد الغضب الإسرائلية فتوجست من هذه الحادثة وبعد ثلاثة أسابيع من بدء حملة عناقيد الغضب جاء زوار الفجر وأخذوني مرة أخرى إلى سجن الاستقبال ومنه مباشرة إلى ساحات الاستجواب والتعذيب جرى تعصيبي وتقييدي من الخلف ويبدو أنها تكنولوجيا أمريكية جديدة لم أرها في المرة السابقة ألقوا بي في العراء على هذه الطريقة لمدة يومين وكعادتهم اللاآدمية أخذوا ملابسي ثم أعادوني إلى السجن ورموني في زنزانة في الطابق الرابع بلا ماء ولا شبابيك ولا فراش ولم يؤنس وحدتي إلا أسراب البعوض ثم أعادوني إلى ساحة التعذيب والاستجواب بعد أسبوعين حيث بدأت حفلة تعذيب بالكهرباء كان الاستجواب فيها مجرد غطاء لممارسة التعذيب بالكهرباء وتوجيه صدمات كهربائية للمخ وباقي الأماكن الحساسة ثم أطلقوا سراحي بعد يومين آخرين كان الهدف واضحاً من حفلة التعذيب هذه حيث لا تهمة ولا حتى معلومات يريدون الحصول عليها ومنذ اللحظة الأولى قال لي المحقق السفاح سندفعك إلى الجنون ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال / 30 .

خرجت من المعتقل مريضاً بالفعل ومضت علي عدة شهور حتى استطعت استعادة قدرتي على التركيز إلى سابق عهدها ولكن التآمر أخذ شكلاً آخر كان الهدف منه إخراجي من عملي بالجامعة بكل ما لديهم من وسائل وهكذا تم تأخير حصولي على الدكتوراه من عام 1408 هـ 1987 م حتى 1413 هـ / 1992 م ست سنوات كاملة من الضغوط الوظيفية والمعاشية كي يجبروني على تغيير عقيدتي الفاسدة حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون .

التنظيم الإسلامي الشيعي 1989 م

القضية التي زج باسمي فيها والغريب في هذه الأمور أن قضية مفبركة من هذا النوع تحتوي قرابة الثلاثين شخصاً تم جمعهم من الشرق والغرب تحظى بتغطية إعلامية في الصحف والمجلات القومية وقد تم إعداد المتهمين من اللحظة الأولى لتصويرهم تماماً كأفلام السينما لها منتج يتحمل التكاليف ويجني المكاسب ومخرج ومجموعة من الممثلين كانت هذه هي الطريقة التي يتم التصرف بها في مصائر المسلمين على مذابح الزعامات الزائفة والانتصارات الموهومة .

وانفض الجمع كما بدأ بل وكانت النتائج عكسية تماماً حيث وجدنا من أحرار الأمة من يدافع عنا سواء من رجال الجامعة أم من رجال الصحافة وفشلت الحملة السوداء التي كانت تتصور أنه بمجرد اتهامنا بكلمة الشيعة والتشيع سيقف المجتمع ضدنا وقفة رجل واحد لم يحدث هذا ولن يحدث إن شاء الله في مصر الأزهر الشريف الذي بناه المسلمون الفاطميون الشيعة، مصر التسامح المذهبي التي وسعت بين أرجائها المسلمين والمسيحيين بل وحتى اليهود فكيف يتخيل بعضهم أن هذا الشعب العظيم يمكن أن يحقق لهؤلاء أغراضهم لم تتوقف المضايقات ولكن حدتها قد خفت كثيراً في الوقت الراهن .

حوارات مع السلفيين

لم يكن أحد يعرف من هم المسلمون الشيعة ولا التشيع الثورة الإسلامية الإيرانية وربما كان من الممكن التماس العذر لكل من وقفوا من الشيعة موقفاً سلبياً فالحقيقة غائبة ولا سبيل إليها إلا بمصادفة كالتي تعرضت لها فالشيعة مسلمون يؤمنون بالله خالقاً تجب عبادته وإطاعة أوامره وحده لا شريك له ولإنتهاء عن معاصيه ويؤمنون بمحمد (ص) نبياً مرسلاً هادياً ويؤمنون بيوم المعاد ( القيامة ) ويؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدينا اليوم كتاباً منزلاً على الرسول (ص) وأن الله سبحانه وتعالى قد حفظ هذا الكتاب من أي تحريف أو نقص أو زيادة والمنصف هو من يعود إلى كتبهم العقيدية ليطلع على أفكارهم وعقائدهم لا أن يقرأ كتب خصومهم التي تحتوي على الإفتراءات والأكاذيب بما لا يرتضيه دين ولا يقر به عاقل منصف .

لو قرأ أولئك الناس كتب التراث الإسلامي لتغيرت نظرتهم وصارت أكثر عمقاً ولكن هيهات لماذا يقرؤون وقد صاروا زعماء سياسيين ودينيين لمجرد أنهم قرؤوا الصحف والمجلات وبعض قصاصات ولو ساروا في الأرض كما أمرهم الله عز وجل لوجدوا المسلمين الشيعة في طول الأرض وعرضها يحملون المصحف نفسه يقرؤونه ويتعبدون به، له الواحد الأحد ولكن الهوى لا دواء له.

إسلام واحد أم إسلامان ؟

لم ولن أغير موقعي المدافع عن الأسلام في مواجهة أعدائه ولن يصبح هذا الموقع يوماً ما موقع مدافع عن طائفة ضد طائفة أو مذهب ضد مذهب آخر وما زال الصراع الحقيقي هو بين الإسلام والكفر وليس بين السنة والشيعة أو حتى بين الإسلام والمسيحية أو بين الإسلام واليهودية سيبقى الصراع بين الحق والباطل بين العدل والبغي بين المستضعفين والمستكبرين ولكن شيئاً من هذا لا ينافي قراءة الإسلام في العمق ولا معرفة حقائق التاريخ .

كيف يمكن لأمة أن تحكم بإقامة دولة إسلامية وهي لا تمتلك مشروعاً أو فقهاء مجتهدين، الجميع يعلمون أن المسلمين الشيعة وحدهم هم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهي وهذه المدارس المتكاملة التي أقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات والجراحات وهي مدرسة تستند إلى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة ودائماً كان دليلهم الأقوى وكانت فتاواهم هي الأصوب . مثلاً أجمع فقهاء أهل البيت على أن " حج التمتع " أفضل وأنه فرض للبعيد عن المسجد الحرام أخذا بقوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ) البقرة 196 ) .

أهل البيت يرون ذلك فرضاً أما الشيخ سيد سابق فيراه ذلك " مجرد مذهب " لابن عباس وأبي حنيفة(4) تدل عليه بآية في كتاب الله وهو بهذا يجعل الدليل القرآني مساوياً لآراء الصحابة والتابعين هل هذا دين ؟! ثم يقولون لنا إن المسائل الفقهية محسومة وأن لا اجتهاد مع النص أليس هذااستهزاء بالنص القرآني ؟!

منذ عدة سنوات اقترح الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين تعديل قوانين الميراث والأخذ بالمذهب الجعفري الذي ينص على أن الأنثى تحجب كالذكر وقال إن الأخذ بهذه المادة القانونية يحل الكثير والكثير من المصائب والمشاكل الاجتماعية فقامت الدنيا ولم تقعد وانهال الهجوم على الرجل والكل يتحدث بمنطق العصبية البغيض مذهبنا ومذهبهم ورحمة الله على رجال من نوعية الشيخ محمد أبوزهرة والشيخ محمود شلتوت الذين حاولوا تحريك هذه البرك الراكدة فلم يفلحوا .

يروون عن أئمة المذاهب الأربعة أنهم قالوا : إذا صح الدليل فهو مذهبي فهل استثنى هؤلاء وقالوا إلا ما جاء من ناحية أهل البيت وشيعتهم فلا تأخذوا به فهو باطل وإن صح أين هي حرية الفكر وحرية العقل ؟ .

لماذا ضاعت هذه الشعارات وسط بريق النفط الأسود ؟ وهل للنفط بريق إلا لمن عميت بصائرهم وماتت ضمائرهم فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .

في النهاية أسجل رؤيتي لقضية الإمامة : أولا , رؤية نقدية لمرويات أهل السنة في هذا الموضوع ثانياً قراءة عقلية للنص القرآني والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة .

****

على طريق الإمامة

في الصميم :

لم تكن قضية الإمامة تحظى بقدر كبير من الاهتمام في صفوف الحركات الإسلامية المعاصرة في العالم الإسلامي بيد أن قيام الثورة الإسلامية في إيران القيا دة آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني ( رحمه الله ) قد ألقى عدة أحجار في البحيرة الراكدة وفرض على الكثيرين من العلماء والمفكرين وأصحاب القلم إعادة التفكير والنظر في مسلمات الأمس القريب في حين اختار بعضهم موقف المعاداة لكل ما جهلوا وصدق الله العلي العظيم حيث يقول

( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) يونس / 39 } .

وهناك من قام بإعمال فكره وعقله في النصوص وفي الواقع بهدف الحصول على الحقيقة بغض النظر عن الاستنتاج النهائي وبغض النظر عن قوى الواقع التي تمارس بشكل عملي الأسلوب الذي تتحدث عنه الآية القرآنية المباركة وتذمه ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) الزخرف / 22 } تمارس تلك القوى ذلك من دون أن تعلنه باللسان .على أن قضية الإمامة وإن تعددت الدراسات حولها وكثرت إلا أن غالبية ما كتب لم يكن ليكتب في إطار عقلي بل إن السائد أن كل طرف يأتي بما يؤيد وجهة نظره من الروايات ويتحدث عن أسانيدها ورواياتها ووثاقتهم الأمر الذي دفعني لاستخدام المنطق العقلي في هذه الدراسة لأن ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض دراية ومن ثم رواية من دون ما حاجة لسرد أسماء الرواة والمحدثين وما يتفق مع العقل ينبغي قوله والتسليم به لأن احكام الدين وشرائعه تتكامل ولا تتناقض وما نعنيه هنا هو عرض أدلة المسائل الفردية على الأدلة الكلية الجامعة فإذا كان الله تبارك وتعالى ( إن الله يأمر بالعدل ) النحل / 90} . فلا يعقل أن يأمر بطاعة ( فاقد العقل ) وإلا لأمر سبحانه بالشيئ وضده العدل – الجور وهذا محال على اله سبحانه الله وتعالى .

وإلى جانب إيماننا بذلك فإننا نؤمن بالتكامل في الشريعة الإسلامية الغراء بمعنى أن قواعد الإسلام العظيم مرتبة بعضها على بعض فالقرآن الكريم تحدث عدة مرات عن قاعدة " الإصطفاء " وأنها محصورة في الذرية والآل

( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) آل عمران / 33 } . ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هؤلاء المصطفين الأبرار مسؤولية هداية البشرية وتعريفها بالحق ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير * ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا ) فاطر / 31-32 } . وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها أمة من الأمم فلماذا تشذ الأمة الإسلامية ( قل ما كنت بدعاً من الرسل )

الأحقاف /9 }.

وأخيراً هناك قضية حجية السنة(5)؟ معارضون لمدرسة أهل البيت (ع) حينما تضيق بهم السبل يلجأون إلى حجة في غاية الغرابة وهي الدفع بعدم ورود إمامة أهل ا لبيت (ع) وخلافتهم للنبي (ص) في القرآن الكريم وهو ما لا سبيل إلى القبول بمناقشته ونحن نعلم أن حجية السنة المتواترة تماماً كحجية الكتاب فصاحب السنة هو متلقي الوحي من رب السموات والأرض ولعنة الله على من كذب على رسول الله (ص) وليموه على الناس دينهم وهذا الكذب هو الذي أدى إلى إلقاء بعض الظلال على حجية السنة المطهرة وهي أوامر الله ونواهيه التي جاء بها النبي المعصوم محمد (ص) والتشكيك في حجية السنة لا يختلف في شيء عن التشكيك في حجية القرآن .

نقول أيضاً : إن انتقال النبي محمد (ص) إلى الرفيق الأعلى عام ( 11هـ / 632 م ) كان من المفترض أن يصاحبه انتقال السلطة والنظرية إلى يد أمينة قادرة على التعبير عن الأمرين وجعل السلطة والقوة في خدمة النظرية وليس العكس أن تكون النظرية في خدمة السلطة فتتشكل النظرية وفقاً لقدرات أصحاب السلطة الذهبية والعقلية ولمدى أمانتهم في التطبيق ومن هنا كان عهد النبي الأكرم لعلي سلام الله عليه يوم غدير خم بقوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه )(6) وله يوم سار النبي (ص) إلى غزوة تبوك وكانت يومها الدولة قائمة " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (7).

ولكن الذي حدث كان غير ذلك فالخلافة النبوية انتقلت إلى من انتقلت إليه برأي بعض المسلمين بالنص وأولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم في استيعاب النصوص ومعرفتهم ومن ثم تعبيرهم عن النظرية وإن أمسكوا بالسلطة في أيديهم وكانت ثمرة الخلفاء الثلاثة الأول أن انتقال السلطة إلى الإمام علي (ع) لم يكن انتقالاًً هادئاً ولا مستقراً إلى إمام منصوب من الله عز وجل ما أسهم في تفلت خيوط القوة من بين يديه ووصولها غنيمة باردة إلى بني أمية بقيادة ابن " آكلة الأكباد " وهو انتقال رسخ الوضع الآتي :

1- سلطة لم تستمد قوتها من شرعية إلهية وإنما من الغصب والعدوان وهو عبر عنه معاوية في خطاب تسلم السلطة إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا , ولا لتزكوا إنكم تفعلون ذلك وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون .(8)

آكلة الأكباد هي هند بنت عتبة أم معاوية بنت أبي سفيان سميت بآكلة الأكباد لأنها بقرت بطن ( حمزة ) عم النبي وأخرجت كبده ولاكته وذلك في معركة

( أحد) التي دارت بين المسلمين وكفار قريش بقيادة أبي سفيان فجرح الرسول فيها وقتل عمه حمزة وذلك سنة 3 هـ / 625 م .

2- نظرية يفترض أنها ( الإسلام ) ولكنه من الناحية الواقعية الإسلام الأسير في أيدي أقوام جعلوا إحدى شعائر صلاة الجمعة لعن أمير لمؤمنين علي (ع) على المنابر وهذه مسألة متواترة ناهيك عن باقي موبقاتهم وجرائمهم .

في ظل هذا الواقع السلطوي والنظرية الإسلامية التي تتلقى الطعنات صباح مساء من أصحاب السلطة صيغت نظريات السلطة ورويت الروايات ودونت الكتب فكتب الصحاح التي يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبي الأكرم (ص) ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطاً من النصوص المبتورة عن مواضعها على الرغم من صحتها وتلك النصوص المكذوبة على رسول الله (ص) وتلك النصوص المنتقاة لبعض الأشخاص أصحاب المواقف المتمشية مع أهواء كل النظم الحاكمة إلى يومنا هذا والأهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التي تركت فارغة ولم يدون شيء بشأنها في كتب الأحاديث واقتصر تدوينها على كتب التاريخ ولذا فإننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها سعياً لإيضاح الحقيقة والإنتصار الحق .

حدود الإمامة :

يقول الإمام علي (ع) لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في

أمرته المؤمن " (9) ,يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج " فأما طريق وجوب الإمامة ما هي فإن مشايخنا البصريين رحمهم الله يقولون طريق وجوبها الشرع وقال البغداديون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين إن العقل يدل على وجوب الرئاسة غير الوجه الذي توجب منه الإمامة الرئاسة وذاك أن أصحابنا يوجبون الرئاسة على المكلفين من حيث أن في الرئاسة مصالح دنيوية ودفع مضار دنيوية والأمامية يوجبون الرئاسة من حيث كان في الرئاسة لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعه القبائح العقلية " .

وأياً كان طريق وجوب الإمامة أو الإمرة فالحقيقة أنها واجبة

ولكن هناك تباين حول الوجه الذي يوجب الإمامة هل هو قاصر أو مرتكز على حفظ المصالح الدنيوية أم أن المسألة أعمق وأشمل من وأنها يرى المسلمون الإمامة لطف من الله وبعد للمكلفين عن ممارسة القبائح العقلية .(10)

وفي اعتقادنا أن طبيعة الرئاسة أو الإمرة وهل هي معنية أساساً بحفظ المصالح

الدنيوية أم أنها ينبغي أن تكون أكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينية هذه الأمة

وبالتالي فإن مهام الرئاسة في الأمة الإسلامية لا يمكن أن تتشابه مع مهام الرئاسة في الأمة الأمريكية مثلاً ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ص 28 } .

ومن هنا فإننا نرى أن طبيعة رئاسة الأمة الإسلامية تكتسي وتعنون بالعناوين المدونة في كتاب الله:

وفي سنة رسول الله (ص) نفسها وأن المواصفات المطلوبة في إمامة الأمة الإسلامية هي القدرة على حمل هذه الأعباء وأن أي خلل في قدرات القيادة المسلمة على أداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساؤلات حول أهلية هذه القيادة وأحقيتها لهذا الدور ودونكم بعض الأمثلة من كتاب لله :

( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل / 90 .

( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا الحساب ) ص / 26 .

( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) التوبة / 29 } .

( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر 9 } .

إن إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنهي عن الفواحش وتطهير الأرض من الشرك والظلم والبغي ومقاتلة دول البغي والشرك وحفظ حرمات المسلمين وقبل هذا كله حفظ كيان الدين نصاً وروحاً هي مهام من صميم الواجبات الإسلامية الدينية بل وهي ومن دون أدنى شك امتداد لمهام النبوة التي لا تزيد عن هذا إلا بالتبليغ وتلقي الوحي من رب السموات .

ونضيف إلى هذه الواجبات الشرعية واجباً في غاية الأهمية وهو الحفاظ على وحدة المسلمين من التفكك أيا كان المسوغ أو المسمى وذلك قوله تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) الشورى / 13 } . (وأن هذا صرا طي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الأنعام / 153 } . ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) آل عمران / 103 } .

فكيف إذا يقال أن اختلافهم رحمة أو أنه لا يوجد مذهب صحيح أو غير متفق عليه أو أن كل المذاهب الفقهية على تناقضها وتباينها هي مذاهب صحيحة واجبة الإتباع إننا إذا تأملنا في كلمات الإمام علي (ع) وهو يذم اختلاف العلماء في الفتيا فيقول " ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً والههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله ديناً تاماً فقصر الرسول (ص) عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) الأنعام 38} . وفيه تبيان لكل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) النساء / 82 } . وإن القرآن ظاهره أنيق

وباطنه عميق لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به "(11)

إن كلمات أمير المؤمنين علي (ع) تحضر أسباب تعدد اجتهادات العلماء في المدارس الفقهية في عدة افتراضيات ليس من بينها أن اختلافهم وتشتتهم رحمة كما يروي بعض الرواة عن رسول الله (ص) فهذه الأسباب الافتراضية لا تخرج عن عدة احتمالات .

أولها.. أن الله تبارك وتعالى أمر الناس بالأتفاق فعصوا وهذا أصح الأحتمالات.

ثانيها.. أن الله سبحانه أمرهم بالأختلاف فأطاعوه وهذا فرض مستحيل .

ثالثها.. أن الدين جاء من عند الله ناقصاً وأن الناس أكملوه بآرائهم وهذا أيضاً فرض مستحيل

أما الفرض الرابع والأخير .. أن الرسول الأكرم (ص) قد قصر في إبلاغ ما أوحي إليه من ربه وهذا أيضاً فرض مستحيل فلا يبقى أمامنا إلا الفرض الأول وهو الصحيح فالله تبارك وتعالى أمر المسلمين بالأتفاق فعصي أمر الله وشذ بعض الناس عن طاعة ربهم ومولاهم ولا بأس أن نقرر بداية أن المخالفة لأمر الله بدأت من قضية الإمامة وهي الأصل وامتدت لتشمل فروع الدين حتى وصلت الأمة إلى هذه الحالة المزرية التي نعيشها الآن .

1- توضيح قول المسلمين الشيعة بأن الإمامة لطف من الله إن الإنسان مخلوق غريب الأطوار وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة وبواعث الخير من جهة أخرى ولقد خلق الله تعالى فيه عقلاً هادياً يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير ولصعوبة أن يهتدي الإنسان بنفسه لجميع طرق الخير والصلاح كان من لطف الله إرسال الأنبياء (ع) لهداية البشر ولأن محمد (ص) هو خاتم الأنبياء كان لا بد من استمرار هذا الخط بإمامة علي وذريته (ع) انظر : عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر ص 72 وما بعدها ط دار الإرشاد الإسلامي بيروت 1409 ه / 1988 م .

الإمامة ضرورة قرآنية : جاء الحديث عن الإمامة في القرآن الكريم في غير موضع ومنها :

( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) البقرة / 124 } .

( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ) الفرقان / 74 .

( يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً ) الإسراء / 71 } .

( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) التوبة / 12 ,

( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) الأنبياء / 73 } .

( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) القصص / 5

( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) السجدة 24 } .

إن الآيات السابقة تدلنا على عدة مفاهيم قرآنية :

أولا .. وجود نوعين من الإمامة إمامة الحق وإمامة الضلالة .

ثانياً.. أن أئمة الحق مختارون من عند الله ( وجعلنا منهم أئمة ) , ( قال إني جاعلك للناس إماما ً )

ثالثاً.. أن أئمة الحق مختارون وفقاً لقاعدة الاصطفاء الإلهي .

رابعاً .. أن أئمة الحق يهدون ويحكمون بأمر الله لا بأهوائهم ولا باجتهادهم ولا بفهم يصيب ويخطئ ( يهدون بأمرنا )

خامساً .. أن الناس يحشرون يوم القيامة تبعاً لأئمتهم إما إلى الجنة أو إلى النار

( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) .

قاعدة الاصطفاء الإلهي :

لقد خضعت الرسالات السماوية لعدة قوانين ربانية سواء في ما يتعلق بشخصية الرسل (ص) أو في ما يتعلق بمسار الدعوة وقبول الأمم لها أو رفضها أو التاريخ الطبيعي للأمة بعد الاستجابة لرسل الله وصدق الله العظيم ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) الأحقاف / 9 } . ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاً ) الإسراء / 77 وقوله (ص) لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع " .

وإحدى أهم هذه القواعد هي قاعدة الاصطفاء أو الاجتباء ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) آل عمران / 33 – 34 }

( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) ص / 47 ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) الأنعام / 87 ( سلام على إل ياسين ) الصافات / 130 ( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) هود / 73 } . إن هذه القاعدة تعني أن شخصيات الرسل أو الأئمة كما أسلفنا إنما هي شخصيات معدة ومنتقاة سلفاً والناس في عالم الذر وأن هذه النطف الطاهرة قد انتقلت من رحم مؤمنة طاهرة إلى رحم مؤمنة طاهرة من دون أن تمر على أرحام المشركين أو أصلابهم ولم يحدث أن اصطفى رب العزة واحداً من عامة الناس للقيام بهذه المهمة أو أنها قد انتقلت من يد نبي إلى أحد من صحابته وإنما هي تجري في إطار الذرية والآل (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثير منهم فاسقون ) الحديد / 26

( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد اتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيما ) النساء / 54 } .

إننا لسنا في حاجة إلى أن نؤكد عمومية القواعد السابقة وانطباقها على محمد وآل محمد وحسبنا صيغة الصلاة الإبراهيمية التي نقولها في كل صلاة " اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم " إننا نؤكد على ثبات حقيقتين تنطلقان من قاعدة الاصطفاء ..

الحقيقة الأولى : أن اختيار الرسل والأئمة عليهم الصلاة ولسلام محصور في ذرية الرسل والأنبياء ( ذرية بعضها من بعض ) آل عمران / 34 } . وأن مخالفة هذه القاعدة بالادعاء بأن هذا الاختيار يمتد إلى عموم أصحاب أي نبي أو إلى عامة أمته هو تعسف لا يقوم عليه أي دليل .

الحقيقة الثانية : أن هذا الاصطفاء قد انتقل إلى النبي محمد وآل بيته عليهم الصلاة وأتم السلام تطابقاً مع قوله تعالى ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ) الإسراء / 77 } . فالنبي محمد وآله في الدرجة الرفيعة من آل إبراهيم وقد خصهم ربنا عز وجل بالمدح في مواضع من القرآن الكريم ولنضرب بعض الأمثلة على هذا .

1- آية التطهير

قوله تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) الأحزاب / 33 أورد ابن كثير في تفسيره برواية الإمام أحمد عن أم سلمة ذكرت أن النبي (ص) كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها

ببرمة(12) فيها خزيرة(13) فدخلت عليه بها فقال (ص) لها إدعي زوجك وابنيك فقالت فجاء علي وحسن وحسين رضي الله عنهم فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته (ص) كساء خيبري قالت : وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله عز وجل هذه الآية : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )

قالت رضي الله عنها فأخذ (ص) فضل الكساء فغطاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله فقال (ص) إنك إلى خير إنك إلى خير(14) وقد أورد ابن كثير في كتابه تفسير القرآن العظيم " ست عشرة رواية بهذا المعنى أو نحوه في تفسير هذه الآية بما يقطع بصحة هذا التأويل ونزول الآية في آل بيت النبوة (ع) خاصة من دون غيرهم وهذا يقطع بصحة ما نعتقد ه من أن منزلة آل محمد كمنزلة آل إبراهيم سواء في فضلهم أم في دورهم ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً ) النساء / 54 } .

2- آية المودة في القربى :

قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) الشورى / 23 } أخرج ابن كثير في تفسيره عن البخاري وغيره عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال : معنى ذلك أن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم(15) وقال السدي عن أبي الديلم قال :

( لما جيء بعلي بن الحسين (ع) أسيراً على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين (ع) أقرأت القرآن قال : نعم قال أقرآت ال" حم " قال قرأت القرآن ولم أقرأ أل حم : قال أما قرأت ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال نعم "(16)

إننا وعند هذه النقطة من البحث بحاجة إلى أن نتوقف لمراجعة التصور الإجمالي لقضية الإمامة قبل أن ننتقل إلى مرحلة التحديد والقطع باستنتاجات محددة ..

أولاً : إن قضية الإمامة على خطورتها القصوى لم تعالج بصورة متجردة وإنما عولجت في إطار محاولة إخضاع النصوص للواقع السياسي المفروض على الأمة المسلمة وخاصة وأن هذه القضية تمس شرعية النظم السياسية التي حكمت المسلمين في الصميم وإن محاولة لا ستنطاق النص بصورة واضحة كانت تمثل جريمة وإن أراد معرفة ما حصل فليراجع كتابه (الطريق إلى مذهب أهل البيت (ع) شق عصا الطاعة ومفارقة خاصة وأن حكام الأمس كانوا أحرص ما يكونون على إلقاء غلالة رقيقة من الانتساب إلى الإسلام .

ثانياً : الإسقاط العمدي لبعض النصوص كهذه التي وردت عن الإمام الحسين (ع) أثناء مواجهة جبابرة بني أمية أو تلك الواردة عن الإمام الحسن (ع) تفتح باب التساؤل عن المصلحة الكامنة وراء هذا فلا يمكن أن يتعلل أصحاب السنن بعلة ضعف الأسانيد مثلاً فلا يعقل أن حادثاً جليلاً بهذا الشكل مر على الأمة مرور الكرام من دون أن تسجل فيه خطبة من خطب الإمام الحسين أو استناد منه إلى كتاب الله وسنة رسوله في هذه المواقف المصيرية الفارقة بين الحق والباطل .

ثالثاً : الإثبات المنحاز لبعض النصوص فعلى فرض صحتها فإنها لا ترقى إلى مستوى النص الشرعي الملزم لجمهور المسلمين وخير شاهد إثبات بيعة عبد الله بن عمر لعبد الملك بن مروان أو إنكاره لخروج أهل المدينة من صحابة رسول الله (ص) من المهاجرين والأنصار على يزيد السكير ووصفه لهم بالغدر والخيانة .

رابعاً : إفتقار النصوص المطروحة للتناسق والوضوح يقطع بأن هناك حلقة مفقودة لا بد من البحث عنها وإثباتها .

خامساً : إنقطاع العلاقة بين بعض النصوص المطروحة وبين النصوص القرآنية لدور الأمة الإسلامية وخاصة ذلك التناقض الغريب بين محاولة إسباغ الشرعية على سلاطين الجور الغاصبين للخلافة وبين طبيعة الرسالة الإسلامية وحرصها على إقامة العدل ومحاربة الاستكبار ونصرة المستضعفين ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) القصص / 5 } .

سادساً : افتقاد الترابط بين بعض النصوص المطروحة في كتب السنة وقانون الاصطفاء الإلهي كما ذكرنا في الصفحات السابقة من هذا الكتيب .

 

1 - جاء في موسوعة الأنور 51/82 " قال رسول الله (ص) إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فائتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي " بحار الأنوار للشيخ محمد باقر المجلسي 51/82 دار إحياء التراث العربي بيروت ط 3 / 140 هـ - 1983 م .

2 - الشيخ الأنطاكي : هو محمد مرعي الأمين الأنطاكي ولد سنة 1314 هـ - 1896 م ) في قرية تدعى عنصو في تركيا تلمذ في الأزهر الشريف للشيخ مصطفى المراغي والشيخ محمد أبو طه المهني تولى إمامة الجماعة ولجمعية والتدريس والإفتاء في حلب بسوريا نحو خمسة عشر عاماً .

3 - أنظر في ذلك باب مناقب علي بن أبي طالب وباب مناقب قرابة رسول الله (ص) في الجزء الرابع من

( صحيح البخاري ) ص 248 وما بعدها طباعة دار الفكر – بيروت 1414 هـ / 1994م

4 - يتألف حج التمتع من العمرة والحج معاً وفيه إحرامان وسعيان وثلاثة أطوفة الأول للعمرة والثاني للحج والثالث للنساء وهو للبعيد عن مكة قال الإمام جعفر الصادق (ع) من حج فليتمتع إنا لا نعدل بكتاب الله وسنة نبيه وقال ما نعلم حجاً لله غير المتعة إنا إذا لقينا ربنا قلنا عملنا بكتابك وسنة نبيك وقال القوم عملنا برأينا فليجعلنا الله وإياهم انظر : محمد جواد مغنية فقه الإمام جعفر الصادق (ع) دار التيار الجديد – بيروت ط – السادسة 1413 هـ / 1992 م .

5 - أنظر السيد سابق : فقه السنة المجلد الأول ص 580 الطبعة الثامنة دار الكتاب اللبناني ( 1407 هـ / 1987 م ) بيروت لبنان .

6 - ف علماء أصول الفقه الحجة بأنها كل شيء يكشف عن شيء آخر ويحكي عنه على وجه يكون مثبتاً لهأا ما السنه فهي قول المعصوم أو فعله أو تقريره . للتوسع أنظر : أحمد البهادلي مفتاح الوصول إلى علم الأصول 2/31 .

7 - الحديث يعرف بحديث الغدير وقد روي في صحاح أهل السنة بألفاظ متقاربة ومعنى واحد أنظر سنن الترمذي 2/298 مطبعة بولاق – مصر 1292 هـ سن ابن ماجه ص 12 مطبعة الفاروقي – دهلي ( غير مؤرخ ) مستدرك الصحيحين 3/ 1098 و 533 مطبعة حيدر آباد الدكن 1324 هـ مسند أحمد بن حنبل 1/48 المطبعة الميمنية – مصر 1323 هـ الخصائص للنسائي ص 22 و 40 مطبعة التقدم العلمية – مصر 1348 هـ الإمام والسياسة لابن قتيبة ص 93 طباعة الفتوح الأدبية 1331 هـ .

8 - هذا الحديث في : -صحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق باب غزوة تبوك ) 3/ 1359 حديث =3503 , المطبعة الخيرية مصر 1320 هـ، صحيح مسلم ( كتاب فضائل الصحابة ) 5/ 23 حديث 2404 طباعة بولاق 1290 ه.

مسند ابن حنبل 1/277 حديث 1466 المطبعة الميمنية / مصر 1413 هـ .

9 -أبو الفرج الأصفهاني : مقاتل الطالبين ص 77 ط الأعلمي بيروت لبنان ( 1408 ه / 1987 م ) . وابن أبي الحديد نهج البلاغة 4/16 ط دار الهدى الوطنية , بيروت – لبنان – مؤرخ ) .

10 - كاظم محمدي / محمد دشتي : المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة خطبة ( 40 ) ص 24 الأضواء – بيروت ( 1406 هـ / 1986 م ) .

11 - ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة 4/16 م س .

12 - البرمة : القدر من الحجر .

13 - يقول ابن منظور في شرح معنى الخزيرة مادة ( خزر) اللحم الغاب يؤخذ فيقطع صغاراً في القدر ثم يطبخ بالماء الكثير والملح فإذا أميت طبخاً ذر عليه الدقيق فعصد به ثم أدم بأي أدام شيء "

14 - الإمام أبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم 3/585 دار الفكر – بيروت 1414هـ / 1994 م .

15 - الإمام أبي الفداء ابن كثير الدمشقي تفسير القرآن العظيم 4/ 136 .

16 - ابن كثير تفسير القرآن العظيم 4/137 مس .