إليكم نص ما ورد في كتابه "لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت عليه
السلام:
كانت ولادتي (سنة 1314)ه في قرية من القرى التابعة إلى (أنطاكية)،
تبعدعنها ما يقرب من أربعة فراسخ، تدعى (عنصو)، وهي قرية جميلة لطيف هواؤها،
عذب ماؤها، تقع بمكان مرتفع، ذات أشجار كثيرة متنوعة، وأكثرها التين، والعنب،
والزيتون،وفيها الجوز واللوز والرمان، وغيرها. وكان فيها شيخ يعلم القرآن
والكتابة فقط، وذلك للصبيان، فوضعني والدي عنده لأتعلم القرآن والكتابة، ثم
بعد أن انتهيت من القرآن والكتابة ضمني والدي إليه لأعينه في بعض الأعمال.
ولما بلغت سن الرشد، وقع في نفسي حب أهل العلم والعلماء، فإذا رأيت عالماً،
قمت في خدمته حسب وسعي، ثم ألقي في روعي حب طلب العلم. وكان حينئذ شيخ في
قرية قرب قريتنا يدعى الشيخ رجب، وهو من أهل العلم، فبدأت أنا وأخي الشيخ
أحمد عنده، وبقينا ما يقرب من ثلاث سنين. ثم انتقلنا إلى ( انطاكية) ودخلنا
المدرسة بواسطة شيخ يدعى الشيخ نظيف، فأخذنا بالدراسة عنده، وعند والده الشيخ
أحمد أفندي الطويل، وبقينا فيها مدة سبع سنين تقريباً.
ثم ارتحلنا إلى مصر، وكان السابق إليها أخي، ودخلنا الجامع الأزهر
للدراسة. وبعد مدة قليلة تقرب من شهر، من دخولنا الجامع الأزهر، وقد أخذنا في
الجامع جل العلوم عن عدة مشائخ من أعلام مصر.أساتذتي في الأزهر:
1-علامة الأكبر الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الجامع الأزهر، ورئيس المجلس
الإسلامي الأعلى.
2-علامة الكبير الشيخ محمد أبو طه المهني.
3-علامة الكبير الشيخ رحيم، وغير هؤلاء من أعاظم مشيخة الأزهر، ممن يطول
الكلام بذكر أسمائهم.
حصول الشهادة:
ولما فرغنا من التحصيل، وحصلت لنا شهادات راقية، وأردنا العودة إلى
بلادنا، طلب منا بعض أعلام مصر، أن نبقى فيها لنكون من عداد المدرسين
بالأزهر، غير أنا وجدنا بلادنا أحوج إليـنا مـن بقائـنا في ( مصر) إذ أن (
مصر) بلد العلم والفضيلة، وفيها العلماء الفطاحل، فهم في غنى عنا، ولكن
بلادنا خالية من العلماء المبرزين إلا قليلاً، سيما في الفقه والتفسير
والحديث، كدت لا ترى من يتقنها.
عودتنا إلى البلاد:
فعدنا إلى البلاد، وأخذنا نمتهن إمامة الجماعة والجمعة، والتدريس
والإفتاء، والخطابة، مدة طويلة، نحو خمسة عشر عاماً.
الخلاف بين المذاهب الأربعة:
وكنا في هذه المدة نتذاكر في شأن الخلاف بين المذاهب الأربعة، أنا وأخي
الشيخ أحمد، ونتعجب منه، وإذ ذاك نجد في المسألة خلافاً في نفس المذهب، وفي
كثير من المسائل الخلافية، فضلاً عن الخلاف الواقع بينه وبين المذاهب
الثلاثة، حتى رأينا أن بعض المذاهب يحلل مسألة، والآخر يحرم، وبعضنا يكره،
والآخر يسن، وهكذا دواليك.
مثلاً: إن الشافعي يقول: إن لمس المرأة الأجنبية يوجب الوضوء، والحنفي
يقول بخلافه ويخالفهما مالك رحمة الله حيث يقول: إن اللمس إذا كان بشهوة، أو
عن عمد، وجب الوضوء وإلا فلا.
أيضاً: الشافعي يجيز نكاح البنت من الزنا، ويخالفه الثلاثة. والحنفي
يقول بوجوب الوضوء من خروج الدم من البدن، ولو قليلاً، ويخالفه الثلاثة.
أيضاً: والحنفي يجيز الوضوء بالنبيذ واللبن المشوب بالماء، ويخالفه
الثلاثة. والشافعي يجيز أكل لحم الضبع والجري والثعلب، وأبو حنيفة يحرم
أكلها. والقنافذ يحلها الشافعي، والآخرون يحرمونه. إلى كثير من هذا الخلاف
الواقع بينهم من أول الفقه إلى آخره.
يا سبحان الله ؟ أفهل كانت الشريعة ناقصة لم تتم حتى أتوا
بما أتوا به من الخلاف الدائر بينهم، فهذا يحلل، وذاك يحرم، والآخر يجيز،
وذاك بالعكس؟
وقد صح عن رسول الله ( ص) أنه قال: (( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة،
وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة)).
أما ترى أن الشافعي رضي الله عنه نفسه قد ألف مذهبه القديم، ونشره بين
المسلمين في ( العراق)، و( الحجاز)، و( اليمن) و ( الشام).
ثم ارتحل إلى( مصر) لأمر ما، وخالط المغاربة، وأخذ عنهم، فعدل عن مذهبه
القديم، وألف مذهباً آخر أسماه المذهب الجديد، حتى لم يبق من المذهب الأول
إلا مسائل.
أقول: فإن كان مذهبه الأول صحيحاً، فلماذا أتى بالثاني وبالعكس. وأيضاً
نرى أبا حنيفة يأتي بالقول في إحدى المسائل مثلاً، ويأتي ( أبو يوسف) أو (
محمد)، أو ( زفر) وهم ممن أخذوا عنه، وتتلمذوا عليه، ويخالفونه، فمرة يكون
أحدهم معه، والآخران عليه، وبالعكس، أو يخالفه الثلاثة، أو يوافقونه، وهكذا
مالك، وأحمد. والخلاف دائر بينهم في جميع المسائل- وطبعاً هذا مما يوقع في
الريب.
الوهابية:
وكنا نسمع عن الوهابية بأنهم يقيمون الحدود، ويجرون الأحكام الشرعية
تماماً، فهاجرنا إلى الحجاز، وتخللنا بينهم مدة، فوجدنا الأخبار التي وصلتنا
من القطر الحجازي كانت خلاف الواقع، فإنهم أضر على الإسلام من كل شيء، وقد
شوهوا سمعة الإسلام بأعمالهم وأفعالهم،وبسوء فتاوى علمائهم، وبسوء صنيعهم
بالعترة الطاهرة الأئمة الصالحين وغيرهم، وذلك بهدم قبورهم.
ولعمري! لقد أرادوا هدم ضريح النبي المقدس( ص)، فعارضهم كثير من
المؤمنين من شرق الأرض وغربها، فتركوه خوف الفتنة والإثارة فانظر إلى غريب
فتواهم. يقول الوهابي: إذا وضع الحاج أو أي شخص يده على القبر، فهو مشرك (
ويأتيه الشرطي ويقول: أرفع يدك يا مشرك) وإذا قال القائل يا رسول الله! فهو
مشرك.
وإذا أخذ أحد الضرائح، وقبلها أو تبرك بها فهو مشرك (( ويضربه الشرطي
ويضجره ويقول له: لا تفعل يا مشرك)). إلى غير ذلك من الآراء السخيفة التي لا
تنطبق على الشرع الإسلامي الشريف أصلاً، والتي تضحك الثكى
(( وشر البلية ما يضحك!)).
ثم والخطب الأفظع أنهم يوبخونه عن عمله المقدس بكلمة يا مشرك، يا كافر،
وذلك في أول مرة، فإن قبل فيها، وإلا فهو مباح الدم يجب قتله، كما فعله
الوهابيون في الحجاز، وفي العراق، وغيرهما، والله در القائل:
ومن عجب الدنيا حكيم مصفر
وأعمش كــحال، وأعمــى منجم
وقارئتا تركي، وهندي خطيبنا
تعالوا على الإسلام نبكي، ونلطم
وما عشت أراك الدهر عجباً! فماذا تقولون يا أيها المسلمون في شرق الأرض
وغربها بهذا المذهب المخترع الحادث القذر الذي هو كل على الإسلام والمسلمين
فإليك يا رب المشتكى منهم!
وبالجملة لما رأينا ما رأينا منهم، رجعنا إلى بلادنا، وعدنا إلى ما كنا
نمتهن من ذي قبل، وطال بنا الحال ( فحتى متى يا رب!). إذ لا نزال في ريب مما
نراه من الخلاف الداعي إلى القلق والاضطراب والتشويش، إلى أن حدثت أسباب دعت
إلى الاتصال بالطائفة الشيعية.
من هم الشيعة؟
هم الطائفة الحقة المحقة، والخيرة من خلق الله، والفرقة الناحية التي
تمسكت بولاء الله ورسوله والأئمة الأطهار من أهل بيته- عليهم صلوات الله-،
وعرفت حق أئمتها حق المعرفة، حسب الإمكان، وعرفت من عاداهم فأعطت كلاً منهم
حقهم.
وهم يعبدون الله وحده، لا شريك له ولا مثيل، ويؤمنون برسالة النبي
الأعظم محمد بن عبد الله ( ص) وبولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام، وبقية الأئمة الأحد عشر عليهم السلام:
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، الإمام الحسين الشهيد بكربلاء عليه
السلام، الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام، الإمام محمد بن علي الباقر
عليه السلام، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، الإمام موسى الرضا
عليه السلام الامام الحسن الزكي العسكري عليه السلام الإمام الحجة المنتظر
المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وسيظهر في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً
وقسطاً،بعدما ملئت ظلماً وجوراً ‘ (راجع كتب الفريقين لتعرف علة بقائه، وطول
عمره).
وإنهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة والخمس، ويصومون، ويحجون، ويجاهدون
في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، كما أمر الله ورسوله، ولا يخافون في الله
لومة لائم، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتسارعون إلى الخيرات.
ويأتون بجميع الواجبات، وينهون عن جميع المحرمات.
الشيعة هم الناجون:
السبب في نجاة هذه الطائفة بالإضافة إلى ما تقدم، هو امتيازها عن سائر
الفرق الإسلامية التي جاء بها الحديث المتفق عليه:
(( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة)).
وقد رأينا أن الأمة الإسلامية كلها تأتي بكلمة
( لا إله إلا الله محمد رسول الله) فإن قلنا بنجاة الكل كذبنا الحديث.
وإن قلنا بهلاك الكل أيضاً كذبنا الحديث، إذن فالفرقة الناجية هي كما قلنا
التي أخذت بولاء آل بيت رسول الله ( ص).
والدليل على نجاتها قيام الأدلة كتاباً وسنة ثابتة عند الطرفين. إذن فلا
بد أن تكون هذه الفرقة التي نجت، قد امتازت عن سائر الفرق بشيء لم تأخذ به
سائر الفرق،وهو الولاء والبراءة .وقولهم أيضا بعصمة أئمتهم وساد اتهم
وقادتهم، وشفعائهم.
فبالله عليك أيها القارئ المنصف الكريم المؤمن: أيقال لمثل هؤلاء كفرة
مشركون مرتدون مهدورو الدم؟ وينسب إليهم أنواع التهم الباطلة، والافتراءات
المفتعلة، والأقاويل الكاذبة الشنيعة، كما أتى به (( ابن تيمة، وابن حجر،
والقصيمي، والحنفاوي، وموسى جار الله، وأحمد أمين والجبهاني)) وكالمجرم شيخ
نوح الذي أفتى بكفر الشيعة وقتلهم، وسبي نسائهم، ونهب أموالهم، واسترقاق
ذراريهم، وقد ختم فتواه الطويلة بقوله: تابوا أم لم يتوبوا. انظر إلى نص
فتواه المشؤومة في كتاب ( الفصول المهمة) للإمام شرف الدين، وذلك في الفصل
التاسع. اللهمَ إليك المشتكى،وأنت المفزع في الملمات!.
وهل تعلم أيها القارئ اللبيب، ما هو ذنب الشيعة؟
هو عدم اعترافهم بالخلافة بغير أئمتهم كائنا من كان ، بل تقول أن
الخلافة لهم من أول البعثة إلى أخر الدنيا0 فبربك قل أهذا ذنب يورث الكفر
والارتداد ، ولاحول ولاقوة الا بالله0
وبعد الفحص الشديد عرفنا ان عد الشيعة اليوم اكثر من مائة مليون الظلم
والاضطهاد،خلال القرون الغابرة،لكان يبلغ عددهم اليوم بالف مليون على الاقل
وهم منتشرون في كل العالم شرقها وغربها شمالها وجنوبها، الا ان معظمهم في
الدول الاسلامية ولهم القدم السابقة،و القدح المعلى فيبث الدعوة الاسلامية،
ولهم القدم السابقة والقدح المعلى في بث الدعوة الاسلامية المشكورة، لم
يزل ولايزال يفتخر المسلمون بها ، وقدملأت الدنيا كتبهم ، ولاتحصى عددها
كثرة،وعليك بمراجة كتاب (الذريعة الى تصانيف الشيعة ) تأليف المجتهد الآكبر
الشيخ أغا بزرك الطهراني(حفظه الله) فأنه مع ماعثر عليه سماحته م مؤلفاتهم
ومصنفاتهم ذلك القسم الضئيل القليل جدامنها0 وفيهم العلماء والفقهاء
والحكماء والفلاسفة والمفكرون والسلاطين والوزراء والادباء والشعراء والكتاب
والمنجمون والرياضيون والفلكيون والمهنسون والاطباء وأرباب الصنلائع
والمخترعات والنوابغ والجهابذة والمشاهير.
وقدملأوا أرض الله الوسعة علما وعملا، ولهم أيضا المدارس العلمية
والمعاهد الدينية والمساجد الضخمة المعمورة بالمصلين جماعات وأفرادا،وذلك في
شق الارض وغربها مدنها وقراها.
وهذا الامام الاكبر فقيد الاسلام الراحل العظيم السيد أبو الحسن الموسوي
الاصفهاني فانه قد أسس المساجدوالمعاهد، في مختلف مناطق الدنيا و هكذا الامام
البروجردي رحمه الله ارسل دعاة مبشرين الى اقصى بلاد ألارض،وبنى مساجد ضخمة
جدا ومعابد معمورة منها في (امريكا) و(المانيا) و(لندن) و(باريس) 0فهل عرفت
الشيعة أيها اللا ئم؟0
ومع الأسف كله لم نجد لهم في كتب السير والتاريخ عند القوم، سوى المطاعن
والشتم المقذع، بل الكفر الصريح ( ولماذا ؟) السبب يارب لأنهم مشركون! هكذا
في ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر.
-أحرق الله مؤلفه في الأخرة. وأيضا أنهم لايحضرون الجمعة الاالجماعة!
وهنا الطامة الكبرى فهل يجوز تكفير المسلم بترك الجمعة والجماعة أيها
المسلمون ؟!
الاسباب التي دعتنا الى الاخذ بمذهب اهل البيت عليهم السلام هي أمور
كثيرة، نذكر منها :
أولا:رأيت أن العمل بمذهب الشيعة مجز، وتبرأ به الذمة بلا ريب ،وقد أفتى
به كثير من علماء السنة من السابقين واللاحقين، وأخيرا منهم الشيخ الأكبر
(( زميلنا الشيخ محمود شلتوت رحمه الله )) شيخ الجامع الأزهر ،بفتواه
الشهيرة المنتشرة في العالم الاسلامي.
ثانيا:ثبت عندي بلأدلة القوية، والبراهين القاطعة، الحجج الدامغة
الرصينة الواضحة التي هي كالشمس الساطعة في ضاحية النهار ،ليست دونها سحاب،
أحقية مذهب أهل البيت عليهم السلام وأنه هو المذهب الحق الذي أخذه الشيعة عن
أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جدهم رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)، عن
جبرائيل ، عن الرب الجليل، وأخذه الثقات عن الثقات من يوم البعثة الى يوم
البعث،
لايختلف أخرهم عن أولهم.
ثالثا:إن الوحي نزل في بيتهم، وأهل البيت ادرى بما فيه وأعرف من غيرهم
فجدير بالعاقل المتدبر أن لا يترك ما صح لديه من الادلة منهم، ويأخذ من
الاجانب الدخلاء
رابعا:كثير من الآيات الواردة في الذكر الحكيم، والقرآن المجيد دالة على
مدعانا، وسنبين جملة منها عن قريب.
خامسا:كثير من الاحاديث المأثورة، واخبار الواردة عن النبي الأعظم صلى
الله عليه وأله وسلم، دالة عللى ذلك ،وقد ذكرها الفريقان (السنة والشيعة ) في
كتبهم، وسنتعرض الى الى ذكر جملة منها ايضا قريبا إن شاء الله،الى غير ذلكمما
لايسعنا
في هذا المختصر الإحاطة به ،وقد أتينا على كثير منه في كتابنا ( الشيعة
وحجتهم في التشيع ) فراجع هناك تجد ما فيه الكفاية وراجع أيضا
( المراجعات ) خصوصا (المراجعة الرابعة ) ترى فيه ما يقنعك إن كنت
منصفا، وإلا فعذرك جهلك.
مناظرات بيني وبين علماء الشيعة:
أيضاً من جملة الأسباب التي دعتنا إلى التشيع هي وقوع كثير من المناظرات
التي جرت بيني وبين بعض علماء الشيعة، وفي حال المناظرة كنت أجد نفسي ممجوجا
معهم، غير أني أتجلد وأدافع دفاع المغلوب، مع ما انا عليه بحمد الله تعالى من
الاطلاع الواسع والعلم الغزير في مذهب السنة الشافعية وغيره اذ انني تتلمذت
حوالي ربع قرن على فطاحل العلماء والجهابذة في مشيخة الازهر حتى حصلت على
شهادات راقية كما مر عليك قريبا وقد طالت المناظرة بيننا زمنا طويلا لايقل عن
ثلاث سنين تقريبا وقد وقع في نفسي شئ من الريب في المذاهب الأربعة لكثرة
الخلاف فيها وسيأتيك قريباً جملة منها .
وأخيراً عثرنا على كتاب جليل لامام عظيم وهو كتاب ( المرجعات ) للمقدس
فقيد الامة الاسلامية آي الله الظمى المجاهد في سبيل الله بقلمه ولسانه طيلة
حياته الامام الأكبر والمجتهد الأعظم سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين
الموسوى العاملي قدس الله روحه الطاهرة وأسكنه فسيح جنته مع أجداده الطاهرين
فأخذت الكتاب وبدأت أتصفحه وأتدبر مقالاته بدقة وامعان فأدهشني بلاغته وسبك
جمله
حجته .
وقد رأيت مؤلفه العظيم لم يعتمد في احتجاجه على الخصم من كتب الشيعة بل
كان اعتماده على السنة والجماعة ليكون أبلغ في الرد على الخصم فبذلك زدت
اعجابا على اعجاب مما جرى به قلمه الشريف .هذا ولم يمض علي الليل إلا وأنا
مقتنع تماماً بان الحق والصواب مع الشيعة وأنهم على المذهب الحق الثابت عن
رسو اللهصلى الله عليه وسلم ، عن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام ولم يبق لي
أدنى شبهة البتة واعتقدت بأنهم على خلاف ما يقال فيهم من المطاعن والأقاويل
المفتعلة الباطلة .
عرض المراجعات على فضيلة الأخ :
ثم في صبيحة تلك الليلة عرضت الكتاب الشريف على أخي وشقيقي فضيلة
العلامة الفذ الحافظ الشيخ أمين الأنطاكي حفظه الله فقال لي ما هذا قلت كتاب
شيعي لمؤلف شيعي فقال أبعده عني أبعده عني أبعده عني ثلاثاً فانه من كتب
الضلال وليس لي به حاجة واني أكره الشيعة وما هم عليه .فقلت خذه واقرأه ولا
تعمل به وماذا يضرك ان قرأته فأخذ الكتاب ودرسه وطالعه بدقة وامعان وحصل له
ما حصل لي من الاعتراف بأحقية المذهب الشيعي وقال ان الشيعة على الحق والصواب
وغيرهم خاطؤون ثم تركت أنا وأخي المذهب الشافعي واعتنقنا المذهب الشيعي
الجعفري الامامي وذلك لقيام الأدلة الكثيرة الواضحة والبراهين الرصينة
الناصعة فاستراح ضميري بهذا التمسك بالمذهب الجعفري وهو مذهب آل بيت البوة
عليهم صلوات الله وسلامه أبداً ما دام الليل والنهار لعلمي أني قد حصلت على
أقصى غاية ما أريد بأخذ مذهب العترة الطاهرة .
وبذلك أعتقد يقيناً لا يشوبه شك أني قد نجوت من عذاب الله تعالى وأحمد
الله تعالى ثانياً على نجاة عائلتي كلها وكثير من أقربائي وأصدقائي وغيرهم
وهذا فضل ونعمة من الله لا يقدر قدرها إلا هو وهي ولاية آل الرسول فانه لا
نجاة إلا بولايتهم والحديث متفق عليه سنة وشيعة وهو قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهلك .
وأسأل المولى جل وعلا أن يوفقنا لمرضاته بولايتهم وبحبهم إنه أكرم مسؤول
وولي الاجابة .
تشيع جماعات معنا : وقد تشيع معي وكذلك مع أخي خلق كثير جداً من اخواننا
السنة من ( سورية ) و ( لبنا، ) و ( تركية ) وغيرها من البلاد والحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هداناالله.
اشتهار أمرنا : ثم اشتهر أمرنا في البلاد وذاع وشاع وملأ الأسماع حتى
أخذ الناس يتراكضون الينا يسألوننا عن السبب الذي دعانا الى الأخذ بمذهب أهل
البيت مذهب الحق وترك المذهب الشافعي وكنا نجيبهم بأن الأدلة قامت لدينا فمن
أراد منكم أن نوضح له المذهب الحق فليأت إلينا .
مراجعات الناس إلينا :
وفي هذه الفترة القصيرة التي هدانا الله تعالى خلالها كانوا يأتون إلينا
من كل حدب وصوب ومن مختلف الطبقات من العلماء والأساتذة والوجهاء والتجار
والكسبة والموظفين وغيرهم فكنا نلقي عليهم الحقائق من المصادر الموثوقة من
مصادرهم فمنهم من يسمع ويقنع ويأخذ بالمذهب ( مذهب أهل البيت عليهم السلام )
ويرفض مذهبه السابق ومنهم من يتعصب على مذهبه وعذره جهله
وتعصبه مع العلم أنه غير قادر على الدفاع عن مذهبه .وهكذا طالت بنا
الأيام ونحن دائبون على هذا السبيل دعاة للتبليغ ولا تزال وقد كـثر
المسـتبصرون في ( سورية ) بل امتد الى ( تركية ) والحمد لله .
حادثــــة طارئــــــة :
وفي بعض الأيام بينما أنا مشغول بتأليف كتاب التفسير إذ أتاني آت وهو من
المستبصرين عن يدنا ( وذلك بعد الأخذ بالمذهب الشيعي الحق ) رجل من قرية
( حرنبوش ) يدعى مصطفى عربش وأخبرني أن رجلاً من قرية ( الفوعة )
التابعة الى محافظة ( أدلب ) يدعى الحاج أحمد رشيد مندو يقول إن الشافعي ابن
زنا. فغاظني هذا الخبر فاضطررت لمقابلته واجتمعت معه في يوم من الأيام وقلت
له أنت الذي تقول إن الشافعي ابن زنا قال لا قلت سبحان الله إن فلاناً أخبرني
عنك أنك قلت ذلك قال أنتم تقولون قلت وكيف ذلك قال إنكم تقولون إن مالكاً
إمام المذهب بقي في بطن أمه أربع سنين قلت كذا يقولون ويدعون أنها كرامة له
قال وأي كرامة هذه والله لو بقي يوماً واحداً لمات . ثم شرعنا بالبحث ووقع بيننا جدال عنيف
واحتدم النزاع بيننا في أمر الخلافة فلم يحصل لنا في مجلسنا هذا سوى اتساع
شقة الخلاف مع حقد في الصدور وهكذا ثانية وثالثة غير أني أجد في نفسي عجزاً
عن الدفاع والمقاومة إذ الحق يعلو ولا يعلى عليه .ومضت علينا مدة طويلة لم
نجتمع ثم أخبرني من أثق به أن رجلاً من قرية
(بنش) وهي قرية قريبة من (الفوع) يدعى الحاج أحمد عبيد هبط الى
(حلب ) ونزل في فندق عند رجل شيعي يدعى السيد عبد القادر الحاج موسى وهو
من السادة الأشراف بني زهرة وهو رجل جدلي متعمق في الجدل حتى إذا أعجزه أمره
قال له
أنتم تقولون تاه الأمين فقال له لا تقولها وحاشا مذهب الشيعة من هذه
الخرافات والتهم الباطلة وأنتم تنسبون كل ذلك للشيعة الأبرار كذباً وعناداً
وتعصباً قال : بلى تقولون تاه الأمين . فغضب الشيعي وقال له مغضباً قم وانصرف
من فندقي فقام الرجل وانصرف .فغاظني هذا الخبر أيضاً فعزمت على الاجتماع به
ولما تمكنت من الاجتماع به أتيته فوجدته بالفندق جالساً فبدأته بالسلام فرد علي السلام بكل احترام
وأجلسني الى جنبه
وأخذ معي بالبحث العلمي وكلما أعترض عليه يردني بالحجج القوية ويرد على
السنة من كتبهم وأقوال علمائهم بحيث يفحمني ويقنعني الى أن وصلنا إلى مقتل
عثمان فقال
لي أنتم تقولون لعنة الله على من قتله ثم تقولون رضي الله عنهم كيف يجوز
لعنهم والترضي عنهم في آن واحد.
فسكت عن الجواب فتركني وذهب إلى منزل السكنى وأتاني بكتاب وإذا هو كتاب
(المراجعات) وقال لي خذ هذا الكتاب قلت وما هذا الكتاب قال كتاب من
مؤلفات الشيعة قلت لا حاجة لي به فأعاد علي القول فقلت له إن الكتاب لا يقرأ
في مجلس واحد فقال خذه معك عارية وكان الوقت بعد العصر . فحملته وذهبت الى
منزلي وبعد أن نام الأولاد وأمهم خلوت بنفسي وبدأت بالمطالعة وهذا أول كتاب
وصل إلي من كتب الشيعة وما أن بدأت بقراءة المقدمة حتى أخذتني دهشة لما فيها
من البلاغة وتركيب الألفاظ وسبك جملها كما تقدمنا قريباً
وزادت دهشتي عند وصولي إلى ( المراجعة الرابع) إذ فيها القول الفصل لمن
كان له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد . ولم أقتصر عليها بل أخذت كلما انتهيت من
واحدة بدأت في الأخرى وهكذا إلى أن مضى علي أكثر من ثلثي الليل وأنا لا أشعر
بملل ولا كلل لما وجدت فيه من حلاوة ألفاظه وطلاوة عباراته وحينئذ تفتحت
أمامي أبواب الصدق والصواب الصائب اللامرية فيه ولست بمغال إن قلت كأني صهرت
في بوتقة وفقدت شعوري لأنه قد استدرجني الكتاب وقادني إليه فسرت معه مختاراً
أو غير مختار فنمت
قليلاً .وعند الصباح أتيت أخي وكنا إذ ذاك في دار واحدة فطرقت عليه
الباب وقلت له خذ هذا الكتاب الى آخر ما ذكرناه سابقاً ثم رجعت الى منزلي
وجعلت أفكر في هذا اللأمر العظيم الشأن فبينما كنا نعتقد أن الشيعة فرقة ضالة
وأن غيرها من الفرق على الصواب وإذا الأمر بالعكس فعقدت الضمير على التشيع
وهكذا أخي إذ إن الذي صرت إليه سواء بسواء فكان تشيعي ليلاً وأخي صباحاً وعند
ذلك عزم أخي على بمقابلة مؤلف هذا الكتاب العظيم
( الامام شرف الدين رحمه الله ) وفعلاً ذهب إليه وبقي عند سماحته ضيفاً
بضعة أيام مكرماً معززاً ولما عاد زوده بكتاب أبي هريرة وهكذا كتاب ثان من
كتب الشيعة .قلت كيف وجدت هذا الرجل فأجاب بما معناه إنه فوق ما نتصور عالم
كريم سمح الخلق يمت بالنسب إلى موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن
زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وعندئذ باشرنا في
التبليغ وتشيع معنا ثلة من ذوي الرأي ثم ثلة وثلل كما تقدم منا قريباً تفصيل
ذلك وقد أدرجنا أسماء المستبصرين في كتابنا ( سبل الأنوار ) .ولما أخذنا
بالمذهب الحق واشتهر أمرنا أخذ يأتي إلينا الناس جماعات وأفراد فمنهم متبسماً
ومنهم متغيظاً وذلك للاحتجاج والمناظرة وللاستفادة وهناك مناظرات عديدة جرت
بيننا وبين القوم سنسجل جملة منها في كتابنا هذا تتميماً للفائدة راجياً من
الله الثواب ومن أصحاب العصمة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة يوم
الحساب .
مناظرتي مع كبير علماء الشافعية :
بعد اشتهار أمرنا بالتشيع أتاني أحد أعاظم علماء الشافعة المشهورين
بالعلم والفضيلة في مدينة ( حلب الشهباء ) وسألني بكل لطف لماذا أخذتم بمذهب
الشيعة وتركتم مذهبكم وما هو السبب الداعي لكم واعتمادكم عليه وما هو دليلكم
على أحقية علي بالخلافة من أبي بكر فناظرته كثيراً وقد وقعت المناظرة فيما
بيننا مراراً وأخيراً اقتنع الرجل. ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان
الأحقية في أمر الخلافة هل أبو بكر أحق أم علي فأجبته أن هذا شئ واضح جداً
بأن الخلافة الحقة لأمير المؤمنين علي عليه السلام فور وفاة رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم ثم من بعده الى الحسن المجتبى عليه السلام ثم الحسين
الشهيد بكربلاء عليه السلام ثم الى علي بن الحسين زين العابدين ثم الى محمد
بن علي الباقر عليه السلام ثم الى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ثم الى
موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ثم الى علي بن موسى الرضا عليه السلام ثم
الى محمد بن علي الجواد عليه السلام ثم الى علي بن مجمد الهادي عليه السلام
ثم الى الحسن بن علي العسكري عليه السلام ثم الى الحجة بن الحسن المهدي
الامام الغائب المنتظر ( عج ) ودليل الشيعة على ذلك الكتاب الكريم والسنة
الثابتة عن رسول الله من الطرفين وكتبهم مليئة بالحجج والبراهذذذالرصينة
ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم الا أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات
الشيعة والوقوف على ما فيها وهذا نوع من التعصب الأعمى .
أما الكتاب :
فقوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وإن هذه الاية نزلت في ولاية علي بلا ريب
بإجماع الشيعة وأكثر علماء السنة في كتب التفسير :كالطبري – والرازي – وابن
كثير وغيرهم فإنهم قالوا بنزولها في علي بن أبي طالب(ع)
ومما لا يخفى على ذي مسكة بأن الله جل وعلا هو الذي يرسل الرسل إلى
الأمم لا يتوقف أمرهم على إرضاء الناس وكذلك أمر الوصاية تكون من الله لا
بالشورى ولا بأهل الحل والعقد ولا بالانتخاب أبداً لأن الوصاية ركن من أركان
الدين والله جل والله جل وعلا لا يدع ركناً من أركان الدين الى الأمة تتجاذبه
أهواؤهم كل يجر إلى قرصه، بل لا بد من أن يكون القائم بأمر الله بعد وفاة
النبي صلى الله عليه واله وسلم منصوص عليه من الله لا ينقص عن الرسل و يزيد
معصوم عن الخطأ .
فالآية نص صريح في ولاية علي وقد أجمعت الشيعة وأكثر المفسرين من السنة
أيضاً أن الذي أعطى الزكاة حال الركوع هو علي بلا خلاف فتثبت ولايته عليه
السلام أي خلافته بعد رسول الله صلى الله علية وآله وسلم بهده الآية .فأورد
علي حجة يدعي بها تدعيم خلافة أبي بكر فقال إن أبا بكر أحق بالخلافة إذ أنه
أنفق أموالاً كثيرة قدمها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته
ابنته وقام إماماً في الجماعة أيام مرض النبي صلى الله علية وآله وسلم .
وقد تقدم القول في تفصيل هذه الآية الكريمة وأنها نزلت في علي عليه
السلام
فأجبته قائلاً : أما إنفاق أمواله : دعوى تحتاج إلى دليل يثبتها ونحن لا
نعترف بهذا الانفاق ولا نقر به ثم نقول من أين اكتسب هذه الأموال الطائلة ؟
ومن الذي أمره به لنا أن نسألك هل الانفاق كان في مكة أم بالمدينة ؟ فان قلت
في مكة فالنبي صلى الله علية وآله وسلم لم يجهز جيشاً ولم يبن مسجداً ومن
يسلم من القوم يهاجر الى الحبشة والنبي وجميع بني هاشم لا تجوز عليهم الصدقة
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غني بمال خديجة كما يروون .وإن قلت
بالمدينة فأبو بكر هاجر ولم يملك من المال سوى / 600 / درهم فترك لعياله
شيئاً وحمل معه ما بقي ونزل على انصار فكان هو وكل من يهاجر عالة على الأنصار
ثم إن أبا بكر لم يكن من التجار بل كان تارة بزازاً يبيع يوم اجتماع الناس
أمتعة يحملها على كتفه وتارة معلم الأولاد وأخرى نجاراً يصلح لمن يحتاج باباً
أو مثله .
وأما تزويجه ابنته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا لا يلزم منه
تولي أمور المسلمين به وأما صلاته في الجماعة إن صحت فلا يلزم منها تولي
الامامة الكبرى والخلافة العظمى فصلاة الجماعة غير الخلافة وقد ورد أن
الصحابة كان يؤم بعضهم بعضاً حضراً وسفراً فلو كانت هذه تثبت دعواكم لصح أن
يكون منهم حقيق بالخلافة ولو صحت لادعاها يوم السقيفة لكنها لم تكن آنذاك بل
وجدت أيام الطاغية معاوية لما صار الحديث متجراً ثم حديث الجماعة جاء عن
ابنته عائشة فقط .
ولا تنس لما سمع النبي صلى اله علية وآله وسلم تكبير الصلاة قال من يؤم
الجماعة فقالوا أبو بكر قال احملوني بأبي وأمي متعصباً مدثراً يتهادى بين
رجلين علي والفضل حتى دخل المسجد فعزل أبا بكر وأم الجماعة بنفسه ولم يدع أبا
بكر يكمل الصلاة فلو كانت صلاة أبي بكر بإذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أو برضاه فلماذا خرج بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم وهو مريض وأم القوم ؟ !
والعجب كل العجب من إخواننا أنهم يقيمون الحجة بهذه الأشياء التي لاتنهض
بالدليل ويتناسون ما ورد في علي عليه السلام من الأدلة التي لا يمكن عدها
كحديث يوم الإنذار إذ جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشيرته الاقربين
بأمر من الله ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) فجمعهم الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم وكانوا أربعين رجلاً أو ينقصونه وصنع لهم طعاماً يكفي الواحد منهم
فأكلوا جميعهم حتى شبعوا وبعد أن فرغوا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا
بني هاشم من منكم
يؤازرني على أمري هذا فلم يجبه أحد فقال علي عليه السلام أنا يا رسول
الله فأخذ برقبته وقال أنت وصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا . وحديث
يوم الغدير المشهور وحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث السفينة وحديث باب حطة
وحديث أنا مدينة العلم وعلى بابها وحديث المؤاخاة وحديث تبليغ سورة براءة وسد
الأبواب وقلع باب خيبر وقتل عمرو بن عبد ود العامري وزواج بضعة رسول الله
فاطمة الزهراء عليها السلام الى كثير وكثير من ذلك النمط مما لو أردنا جمعها
لملأنا المجلدات الضخمة .
أفكل هذه الروايات المتفق عليها لا تثبت خلافة علي عليه السلام وتلك
الروايات المختلفة فيها المفتعلة تثبت لأبي بكر تولي منصب الرسالة وهذا شئ
عجاب .
ثم قال لي أنتم لا تعترفون بخلافة أبي بكر قلت لا هذا لا نزاع فيه عندنا
ولكن ننازع في الأحقية والأولوية هل كان أبو بكر أحق بها أم أمير المؤمنين ها
هنا النزاع ولا عندئذ نظر في هذا الأمر العظيم الذي جر على الأمة بلاء وفرق
الأمة ابتداء يوم السقيفة إلى فرقتين بل إلى أربع فرق فالأنصار انقسموا على
أنفسهم قسمين قسم يريد علياً وذلك بعد خراب البصرة ولآخر استسلم وسلم الأمر
إلى أبي بكر وكذلك المهاجرين منهم من يريد أبا بكر والآخر علياً ثم إلى فرق
تبلغ الثلاث والسبعين كل فرقة تحمل على من سواها من الفرق حملة شعواء لا
هوادة فيها فجر الأمة الإسلامية إلى نزاع دائم عنيف فكفر بعضهم بعضاً ولا
زالت الأمة تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم المشؤوم إلى يوم الناس هذا
ثم إلى يوم يأتي الله بالفرج هذا الذي نحاول فيه .
فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآن وسنة وتاريخاً
ويحتجون من كتب خصومهم السنة فضلاً عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة
الأحد عشر الذين تمسكت الشيعة بإمامتهم . إلى غير ذلك من الأدلة التي أوردتها
على فضيلته فسمع واقتنع وخرج من عندنا وهو في ريب من مذهبه وشاكراً على ما
قدمناه له من ادلة وقد طلب مني بعض كتب الشيعة ومؤلفاتهم فأعطيته جملة منها
وفيها من كتب الامام الحجة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين .ولا بأس بأن
نطالب في هذا المقام إخواننا السنيين أن يقفوا على كتب الشيعة ومؤلفاتهم بلا
تعصب ونرشدهم الى جل من الكتب كمؤلفات سيدنا الامام شرف الدين وكتاب الغدير
للعلامة الأميني واحقاق الحق والصوارم المحرقة وكلاهما للشهيد السعيد الامام
قاضي نور الله رحمه الله وعبقات الأنوار للإمام السيد حامد حسين الهندي وغاية
المرام للإمام البحراني والسقيفة للعلامة المظفر ودلائل الصدق للحجة المظفر
وأصل الشيعة وأصولها للإمام كاشف الغطاء وغيرها فإن فيها ما فيها الكفاية
لأولي الألباب المخلصين المجردين عن العصبية المذهبية وبالله التوفيق .
شيعي وسني يترافعان عندي :
دخل علي يوماً في حلب رجلان من أهل ( حمص ) أحدهما شيعي مستبصر والآخر
سني مستهتر وكان بينهما مناقشة أولوية علي عليه السلام بالخلافة فقال لي
الشيعي يقول صاحبي هذا وهو من أهل السنة ليس هناك نص على علي عليه السلام
بأنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل .
فسألني السني هل هناك نص صريح فأجبته نعم بل نصوص صريحة في كتبكم
ومصادركم وأحلته على تاريخ الطبري وابن الأثير والتفاسير أجمع وذكرت له تفسير
آية ( وأنذر عشيرتك الأقربين) من تاريخ الكامل لابن الأثير والحديث بطوله وقد
رواه ابن الأثير بزيادة ألفاظ ما رواه الطبري إلى أن انتهيت إلى قول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أيكم يا بني عبد المطلب يؤازرني على هذا الأمر على
أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وأجابه علي لما لم يجبه أحد منهم فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي
فاسمعوا له وأطيعوا ثم قلت له أيها المحترم أتطلب نصاً أصرح من هذا النص فقال
إذا ما صنعوا ففهمت من قوله ( ما صنعوا ) يشير الى اجتماعهم في السقيفة
وتنازعهم فيمن يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمهاجرون أم أنصار
فقلت له هذا ما وقع فقال عجباً عجباً وانتهى امر وقال قولاً في هذا المقام
ولا أريد ذكره ثم استبصر وذهب حامداً شاكراً . وقد بلغني من بعض الثقات أنه
قام بالدعوة إلى المذهب الحق فاستبصر عن يده جماعات .والحمد لله على هذه
النعمة وهي نعمة الولاء والبراءة .
مناظرة مع جماعة من أهل السنة :
وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك ( سنة 1371 )
بينما أنا مشتغل في مكتبي بكتابة كتاب " الشيعة وحجتهم في التشيع " إذا
وفد علي جماعة يبلغ عددهم نحو خمسة عشر شخصاً أو أكثر وفيهم العلماء وغير
العلماء فتلقيتهم بالترحاب وبصدر رحب وقلب ملؤه السرور . وما أن اطمأن بهم
الجلوس حتى فاتحوني بالبحث العلمي يريدون الايضاح عن مذهب الشيعة وعن
اعتقادهم في الخلافة وما يدور حولها فبادرت إلى الجواب وهم صامتون يصغون إلى
ما أورد عليهم من الأدلة الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الساطعة القائمة
لدينا ولديهم حتى مضى علينا أكثر من ثلثي الليل وبعد انتهائنا من البحث قاموا
فمنهم الشاكر ومنهم المنكر ومن جملة ما أفدت عليهم قلت .
لاشك في أن النبي صلى الله علية وآله وسلم كان يعلم أن أمته الجديدة
القريبة العهد بالاسلام وما هي عليه من الرغبة في الخلافة ويعلم أنه سينقلب
الكثير منهم على الأعقاب ولا يسلم منهم إلا مثل همل النعم عند ورودهم
على الحوض ( كما جاء في البخاري في حديث الحوض ) ويعلم علم اليقين أن أصحابه
كانوا يضمرون الشر لوصيه وخليفته من بعده علي عليه السلام وأنهم فور موته
سيحدثون حدثاً . إذن فلا بد أن يكون قد وضع للخلافة حلاً لها يوقف من تدعوه
إالى الخلافة .ولا يخفى عليه أمر أصحابه إذ أنه قد سبرهم وعرف المستقيم منهم
والملتوي .
وهو القائل لهم : ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبراً وذراعاً بذراع حتى
لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .
وكان شيخنا العلامة الشيخ أحمد أفندي الطويل الأنطاكي يرويه لنا في
أثناء الدرس وعلى المنبر ويقول في ختام الحديث ولو جامع أحدهم امرأته في
السوق لفعلتموه .
وهو القائل .. من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية أي كفر .إذن فلا
بد أن يضع للخلافة حلاً يوقفهم عند حدهم . ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبي مرسل
من الله ونعلم أنه الذي ختم به الرسل ورسالته المستمرة الى آخر الدنيا فلا
يبقى له أن يترك أمته فوضى مع علمه أنها ستفترق الى ثلاثة وسبعين فرقة كما في
الحديث هذا ودعوى إيكال أمرالخلافة باطلة لأمور :
أولاً : إن أهل الحل والعقد أو الانتخاب أو ذوي الشورى لا يتم بما أوكل
إليهم إلى مدى الدهر بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوة
سحيقة لا حد لها ولا قرار لهذا نرى الأمة لا زالت تمخر في بحورساحقة لا حد
لها ولا قرار ولهذا نرى الأمة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم
إالى يومنا هذا ثم إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور .
ثانياً : مما لا خفاء فيه أن الناس يختلفون في معتقداتهم ومتباينون في
آرائهم ونرى أنه لا يتفق إثنان في الرأي بل الانسان نفسه لا يتفق له أن يستمر
على رأي دائم بل يتقلب رأيه في كل لحظة فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولاً إلى
أهل الحل والعقد وهذا يأباه العقل والوجدان.
ثالثاً:ظام حياة الانسان إلا بالقوة القاهرة وهذه موقتة زائلة ومتى زالت
رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارة بالسكان . لهذا قلنا مكرراً
إن الله لا يدع أمراً من أمور الدين للأمة تتجاذبه أهواؤهم بل لا بد من أن
يوكل الأمر إالى أربابه ممن له أهلية كاملة في العلم الغزير الذي كان عند
الرسول صلى اله عليه وآله وسلم والشجاعة والحكم والكرم والزهد والتقى
والفراسة والإعجاز وأهمها العصمة وغير ذلك مما يكون الوصي الذي يقوم مقام
الرسول في حاجة إليه في إدارة دفة الحكم . وهذا لا يمكن أن يتكمن منه أحد إلا
الله العالم بما تكنه الصدور ويعلم السر وأخفى والرسول قد بين بصراحة في كل
مناسبة أن الوصي والخليفة من بعده علي عليه السلام كما وأن هناك أدلة كثيرة
أخرى ترشدك إالى ما تقوم به الحجة زيادة على ما قدمنا مما هو ثابت لدينا
معاشر الشيعة والكتاب والسنة بينتنا على ذلك .ثم استحسن جميعهم ما أفدت عليهم
وطلبوا مني بعض مؤلفات الشيعة فأعطيتهم بعض ما كان عندي فقاموا واستسمحوا مني
بالانصراف حامدين شاكرين .ثم بلغنا بعد أيام أن أناساً منهم اعتنقوا المذهب
فحمدت الله تعالى على هذه النعمة .
مناظرة لطيفة بيني وبين بعض مشايخ الأزهر :
في اليوم السابع من شهر ذي القعدة الحرام ( عام 1371 ) قبيل الظهر
أخبرني أحد وجهاء ( حلب ) وهو الأستاذ شعبان أبو رسول بأن أحد مشايخ الأزهر
وهو علامة كبير ومؤلف شهير يقصد زيارتكم فمتى يأتكم ؟ فقلت يا أهلاً وسهلاً
فليشرف
في هذا اليوم فجاءني بعد العصر وبعد أن أخذ بنا المجلس ورحبت به سألني
قائلاً إنني قصدتك للإستفسار عن السبب الذي دعاكم الى الأخذ بالمذهب الشيعي
وترككم المذهب السني الشافعي ؟
فأجبته بكل لطف : الدواعي كثيرة جداً منها رأيت اختلاف المذاهب الأربعة
فيما بينهم ومنها وقد أخذت أعدد له الأسباب التي دعتني إالى الأخذ بالمذهب
الشيعي ثم قلت وأهمها أمر الخلافة العظمى التي هي السبب الأعظم في وقوع
الخلاف بين المسلمين إذ لا يعقل أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
يدع أمته بلا وصي عليهم يقوم بأمر الشريعة التي جاء بها عن الله كسائر
الانبياء إذ ما من نبي إلا وله وصي أو أوصياء معصومون يقومون بشريعته وقد ثبت
عندي أن الحق مع الشيعة إذ معتقدهم أن النبي صلى الله عليه وآاله وسلم قد
أوصى لعلي عليه السلام قبل وفاته بل من بدء الدعوة وبعد أولاده الأئمة الأحد
عشر وأنهم يأخذون أحكام دينهم عنهم وهم أئمة معصومون في معتقدهم بأدلة خاصة
بهم .لهذا وأمثاله أخذت بهذا المذهب الشريف ثم إنا لم نعثر على دليل يوجب
علينا الأخذ بأحدالمذاهب الأربعة بل ولا مرجح أيضاً غير أننا عثرنا على أدلة
كثيرة توجب الأخذ بمذهب أهل البيت عليهم السلام وتقود المسلم إالى سواء
السبيل .
ثم عرضت له كثيراً من الأدلة القطعية الصريحة بوجوب الأخذ بمذهب أهل
البيت عليهم السلام وكله سمع يصغي إلي إالى أن قلت : يافضيلة الشيخ أنت من
العلماء الأفاضل فهل وجدت في كتاب الله وسنة الرسول دليلاً يرشدك إالى الأخذ
بأحد المذاهب الأربعة فأجابني : كلا .
ثم قلت له : ألا تعرف أن المذاهب الأربعة كل واحد منهم يخالف الآخر في
كثير من المسائل ولم يقيموا دليلاً قوياً وبرهاناً جلياً واضحاً على أنه الحق
لا غيره وإنما يذكر الملتزم بأحد المذاهب أدلة لا قوام لها إذ ليس معضد من
كتاب أو سنة فهي كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار .مثلاً
لو سألت الحنفي : لم اخترت مذهب الحنفية دون غيره ولم اخترت أبا حنيفة
إماماً
لنفسك بعد ألف عام من موته ولم تختر المالكي أو الشافعي أو أحمد بن حنبل
مع بعض مزاياهم التي يذكرونها ؟ فلم يجبك بجواب تطمئن إاليه النفس
والسر في ذلك : أن كل واحد منهم لم يكن نبياً أو وصي نبي وما كان يوحى
إاليهم ولم يكونوا ملهمين بل إنهم كسائر من ينتسب إالى العلم وأمثالهم كثير
وكثير من العلماء .
ثم إنهم لم يكونوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثرهم أو
كلهم لم يدركوا النبي ولا أصحاب النبي صلى الله علية وآله وسلم فاتخاذ مذهب
واحد منهم وجعله مذهباً لنفسه والالتزام به وبآرائه التي يمكن فيها الخطأ
والسهو ...
وكل واحد منهم ذوي آراء متشتتة يخالف بعضها بعضاً لا يقره العقل ولا
البرهان ولا يصدقه الفطرة السليمة ولا الكتاب ولا السنة ولا حجة لأحد على
الله في يوم الحساب بل لله الحجة البالغة عليها حتى أنه لو سأل الله من التزم
بأحد المذاهب الأربعة في يوم القيامة بأي دليل أخذت بمذهبك هذا لم يكن له
جواب سوى قوله إنا وجدنا آبائنا عل أمة وإنا على آثارهم مقتدون.
أو يقول " إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا " فبالله عليك
يافضيلة الشيخ هل يكون لملتزمي أحد المذاهب الأربعة يوم القيامة أمام الله
الواحد القهار جواباً فأطرق رأسه ملياً ثم رفع رأسه وقال : لا . فقلت هل يكون أحد معذوراً
بذاك الجواب ؟ أجابني : كلا ثم قلت وأما نحن المتمسكين بولاء العترة الطاهرة
آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العاملين بالفقه الجعفري فنقول في
الحساب عند وقوفنا أمام الله العزيز الجبار ربنا إنك أمرتنا بذلك لأنك قلت في
كتابك ( ما آاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقال نبيك محمد صلى
الله عليه وآله وسلم باتفاق المسلمين " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله
وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "
وقال صلى الله عليه وآله وسلم " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها
نجا ومن تخلف عنها غرق " .
ولا ريب لأحد أن الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام من العترة
الطاهرة وعلمه علم أبيه وعلم أبيه علم جده رسول الله صلى الله علية وآله وسلم
وعلم رسول الله من علم الله هذا مضافاً إالى أن الامام الصادق قد لتفق جميع
المسلمين على صدقه ووثاقته وهناك طائفة كبيرة من المسلمين من يقول بعصمته
وإمامته وأنه الوصي السادس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه حجة الله
على البرية وأن الامام الصادق عليه السلام كان يروي عن آبائه الطيبين
الطاهرين ولا يفتي برأيه ولا يقول بما يستحسنه فحديثه " حديث أبي وجدي " إذ
إنهم منابع العلم والحمة ومعادن الوحي والتنزيل فمذهب الامام الصادق عليه
السلام هو مذهب أبيه وجده المأخوذعن الوحيل لايحيد عنه قيد شعرة لا باجتهاد
كغيره ممن اجتهد فالآخذ بمذهب جعفر بن محمد عليه السلام ومذهب أجداده آخذ
بالصواب ومتمسك بالكتاب والسنة .
وبعد أن أوردت عليه ما سمعت من الأدلة أكبرني وفخم مقامي وشكرني فأجبته
إن الشيعة لا يطعنون على الصحابة جميعاً بل إن الشيعة يعطون لكل منهم حقهم
لأن فيهم العدل وغير العدل وفيهم العالم والجاهل وفيهم الاخيار والاشراف
وهكذا الا ترى ما أحدثوه يوم السقيفة تركوا نبيهم مسجى على فراشه وأخذوا
يتراكضون على الخلافة كل يراها لنفس كأنها سلعة ينالها من سبق اليها مع ما
رأوا بأعينهم وسمعوا بأذنهم من النصوص الثابتة الصارخة عن الرسول صلى الله
علية وآله وسلم من اليوم الذي أعلن الدعوة الى اليوم الذي أحتضر فيه مع أن
القيام بتجهيز الرسول صلى اله عليه وآله وسلم أهم من أمر الخلافة على فرض أن
النبي لم يوص فكان الواجب عليهم أن يقوموا بشأن الرسول وبعد الفراغ يعزون
آاله وأنفسهم لو كانوا ذوي انصاف فأين العدالة والوجدان ؟ وأين مكارم الاخلاق
؟ وأين الصدق والمحبة . ومما يزيد في النفوس حزازة تهجمهم على بيت بضعته
فاطمة الزهراء عليها السلام نحون من خمسين رجلاً وجمعهم الحطب ليحرقوا الدار
على من فيها حتى قال قائل لعمر أن فيها الحسن والحسين وفاطمة قال : وإن
ذكر هذا الحادث كثير من مؤرخي السنة(1) فضلاً عن اجماع
الشيعة. وقد علم البر والفاجر وجميع من كتب في التاريخ أن النبي
(ص) قال : فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني ومن
أغضبني فقد أغضب الله ومن أغضب الله أكبه الله على منخريه في النار.
ووقائع الصحابة الدالة على عدم القول بعدالة الجميع كثيرة راجع البخاري
ومسلم فيما جاء عن رسول الله ( ص ) في حديث الحوض تعلم صحة ما ذهب أليه
الشيعة ومن نحا نحوهم من السنة فأي ذنب لهم اذا قالوا بعدم عدالة كثير منهم
وهم الذين دلوا على انفسهم وحرب الجمل وصفين أكبر دليل على اثبات مدعاهم
والقرآن الكريم كشف عن سوء أحوال كثير منهم وكفانا سورة برأة دليلاً ونحن ما
اتينا شئ أذاً آلا ترى إلى ما أحدثه الطاغية معاوية وعمرو بن العاص ومروان
ويزيد ومغيرة بن شعبه وعمر بن سعد الذي أبوه من العشرة المبشرة في الجنة على
ما زعموا وطلحة والزبير اللذان بيعا علياً ونقضا البيعة وحاربا إمامهما مع
عائشة في ( البصرة ) وأحدثوا فيها من الجرائم التي لا يأتي بها ذو مروءة
.فليت شعري هل كان وجود النبي ( ص) بينهم موجباً لنفاق كثير منهم ثم بعد
لحوقه بالرفيق الأعلى بأبي وأمي صار كلهم عدولاً .ونحن لم نسمع قط بأن نبياً
من الأنبياء أتى قومه وصاروا كلهم عدولاً بل الأمر في ذلك بالعكس والكتاب
والسنة بينتنا على ذلك فماذا أنت قائل أيها الأخ المحترم فأجابني : حقاً لقد
أتيت بما فيه المقنع فجزاك الله عني خيراً ث/ قلت جاء في كتاب ( الجوهرة في
العقائد) للشيخ ابراهيم اللوقاني المالكي :
فتابع الصالح ممن سلفا
وجانب البدعة ممن خلفا
قال: نعم هكذا موجود قلت أرشدني من هم السلف الذين يجب علينا اتباعهم ؟
ومن الخلف الذين يجب علينا مخالفتهم .
قال : السلف هم صحابة رسول الله ( ص ) قلت إن الصحابة عارض بعضهم بعضاً
وجرى ما جرى بينهم مما لا يخفى على مثلكم فتوقف برهة ثم قال : هم أصحاب
القرون الثلاثة قلت له : إذا أنت في جوابك هذا قضيت على المذاهب الأربعة
لأنهم خارجون عن القرون الثلاثة فتوقف أيضاً ثم قال ماذا أنت تريد بهذا
السؤال ؟ قلت : الأمر ظاهر وهو يجب علينا أن نتبع الذين نص عليهم رسول الله (
ص ) بأن يكونوا قدوة للأمة قال ومن هم قلت علي بن أبي طالب وبنيه الحسن
والحسين وأبناء الحسين عليه السلام التسعة آخرهم المهدي
( عجل الله فرج ) .
قال : والخلفاء الثلاثة ؟ قلت الخلاف واقع فيهم فأن مائة مليون وهم
منتشرون في الدنيا كما تقدم وفيهم العلماء الأعاظم والفقهاء الأكابر
والمحدثين
الأفاضل ... فلم يعترفوا بخلافة الثلاثة ولكن أهل السنة والجمعة اعترفوا
بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام فخلافة أمير المؤمنين مجمع عليها عند
المسلمين عامة وخلافة الثلاثة ليس بمجمع عليها .
والخلافة بعد أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى
ولده الأئمة التسعة خاتمهم قائمهم ( عجل الله فرجه ) ،
والنصوص في ذلك من كتبكم كثيرة وجاءت الروايات من طرقكم بفضل أهل البيت
وتقديمهم على غيرهم وأهمها العصمة .
قال : نحن لا نقول بالعصمة قلت أعلم ذلك ولكن الدليل قائم عند الشيعة
على ما قلت وسأقدم لك كتاباً يقنعك ويرضيك .
قال : إذا ثبت لدي عصمتهم انحل الاشكال بيني وبينك فقدمت له الكتاب وهو
كتاب ( الألفين ) لأحد أعاظم مجتهدي الشيعة الامام الأعظم ( العلامة الحلي
رحمه الله ) فأخذ الكتاب يتصفحه في مجلسه فأكبره وأعجبه هذا السفرالعظيم ثم
قال لي هل تعلم أن فضيلتك أدخلت علي الريب في المذاهب الأربعة وملت إلى مذهب
أهل البيت عليهم السلام ،
لكن أريد منك تزويدي ببعض كتب الشيعة فقدمت جملة منها له ومنها كتب
الامام شرف الدين ودلائل الصدق والغدير وأمثالها وأرشدته إالى سائر كتب
الشيعة ثم ودعني وقام شاكراً حامداً قاصداً إلى محله وهو متزلزل العقيدة وذهب
.
ثم بعد أيام أتتني رسالة شكر من الأزهر الشريف وأخبرني فيها بأنه قد
اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام وصار شيعياً ووعدني أن يكتب رسالة في
أحقية مذهب الشيعة .
وهو اليوم سلمه الله لا يزال مشغولاً بتأليف هذا الكتاب على ما بلغني
أيده الله والمسلمين جميعاً لخدمة الدين والمذهب إنه سميع الدعاء .
مناظرة بيني وبين بعض الأعلام من أهل السنة والجماعة في شأن التربة
الحسينية والتعازي :
وفي اليوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام ( سنة 1374 ) أتاني جماعة من
علماء السنة وبعضهم زملائي في الأزهر حاملين علي حقداً في صدورهم لأخذي بمذهب
أهل البيت وتركي مذهب السنة ودار البحث بيننا طويلاً يقرب حوالي عشر ساعات
تقريباً وذلك في كثير من المسائل ومنها انتقادهم على الشيعة بأنهم يسجدون على
التربة الحسينية فهم مشركون وإجراؤهم التعازي على الامام الحسين عليه السلام
وهو بدعة فقلت لهم كلاهما أمر محبوب محبذ إليه من الشارع المقدس .
أما قولكم إن الشيعة يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون : هذا غير
صحيح لأن السجود على التربة لا يكون شركاً لأن الشيعة تسجد على التربة لا لها
وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم
" على الفرض المحال "
أن التربة هي أو في جوفها شئ يسجدون لأجله فكان اللازم السجود لها لا
السجود عليها لأن الشخص لا يسجد على معبوده لأن السجود يجب أن يكون للمعبود
وهو الله يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هي لله سبحانه أما السجود على
الله فهو كفر محض فسجود الشيعة على التربة ليس شركاً .
فأجابني أحدهم وهو أعلمهم قائلاً : أحسنت يا فضيلة الشيخ علي هذا
التحليل اللطيف ولنا أن نسألك ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ولم
لا تسجدون على سائر الأشياء كما تسجدون على التربة فأجبته ذلك عملاً بالحديث
المتفق عليه باجماع جميع الفرقاء المسلمين وهو قوله ( ص ) " جعلت لي الأرض
مسجداً وطهوراً " .
فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين
لذلك نسجد دائماً على التراب الذي إتفق المسلمون جميعاً عليه فأجبته : أول ما
جاء رسول الله ( ص ) الى المدينة وأمر ببناء مسجده فيها هل كان المسجد
مفروشاً بفراش ؟ فأجابني كلا لم يكن مفروشاً قلت فعلى أي شئ كان يسجد النبي (
ص ) والمسلمون ؟ أجابني على أرض المسجد المفروشة بالتراب قلت ومن بعد النبي
في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين علي عليه السلام هل كان المسجد
مفروشاً بفرش فأجابني أيضاً كلا قلت فعلى أي شئ كان المسلمون يسجدون في
صلواتهم في المسجد أجابني على أرض مفروشة بالتراب فقلت إذن جميع صلوات رسول
الله ( ص ) كانت على الأرض وكان يسجد على التراب وكذلك المسلمون في زمانه
وبعده كانوا يسجدون على التراب .
فالسجود على التراب صحيح قطعاً ومعاشر الشيعة إذ تسجد على التراب تأسياً
برسول الله ( ص ) فتكون صلواتهم صحيحة قطعاً .فأورد علي : بأن الشيعة لم لا
تسجد على غير التراب التي يحملونها معهم من سائر مواضع الأرض أو غيرها من
التراب فأجبته ك
أولاً : إن الشيعة تجوز السجود على كل أرض سواء في ذلك المتحجر منها أو
التراب .
ثانياً : حيث أنه يشترط في مجل السجود الطهارة من النجاسة فلا يجوز
السجود على أرض نجسة أو تراب غير طاهر لذلك يحملون معهم قطعة من الطين الجاف
الطاهر تفصياً عن السجود على ما لا يعلم طهارته من نجاسته مع العلم أنهم
يجوزون السجود على تراب أو أرض لا يعلم بنجاستها .
فأورد علي إن كان الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص
فلم لا يحملون معهم تراباً يسجدون عليه فأجبته حيث أن حمل التراب يوجب وسخ
الثياب لأنه أينما وضع من الثوب فلا بد أن يوسخه لذلك نمزجه بشيئ من الماء ثم
ندعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب ثم إن السجود على قطعة من الطين الجاف
أكثر دلالة على الخضوع والتواضع لله فإن السجود هو غاية الخضوع ولذا لايجوز
السجود لغير الله سبحانه فاذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله فكلما كان
مظهر السجود أكثر في الخضوع لا شك أنه يكون أحسن ومن أجل ذلك استحب أن يكون
موضع السجود أخفض من موضع اليدين والرجلين لأن ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله
تعالى .
وكذلك يستحب أن يعفر الأنف بالتراب في حال السجدة لأن ذلك أشد دلالةعلى
التواضع والخضوع لله تعالى ولذلك فالسجود على الأرض أو على قطعة من الطين
الجاف أحسن من السجود على غيرهما مما يجوز السجود عليه لأن في ذلك وضع أشرف
موضع الجسد " وهو الجبهة " على الأرض خضوعاً لله تعالى وتصاغراً أمام عظمته .
أما أن يضع الانسان في حال السجدة جبهته على سجاد ثمين أو على معادن
كالذهب والفضة وأمثالهما أو على ثوب غالي القيمة فذلك مما يقلل من الخضوع
والتواضع وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم .
إذن فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الانسان أمام ربه
شركاً وكفراً والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى تقرباً من الله إن ذلك
إلا قول زور ثم سألني فما هذه الكلمات المكتوبة على التربة التي تسجد الشيعة
عليها فأجبته :
أولاً : إنه ليس جميع أقسام التربة مكتوباً عليها شيئ فان هناك كثيراً
من التربات ليس عليها حرف واحد .
وثانياً : المكتوب على بعضها سبحان ربي الأعلى وبحمده رمزاً لذكر السجود
وعلى بعضها إن هذه متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة بالله عليك من فضلك هل
في ذلك بأس وهل يعد ذلك شركاً أو هل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز
السجود عليه فأجايني كلا !ثم سألني ما هذه الخصوصية في تربة أرض كربلاء حيث
أن أكثر الشيعة مقيدون بالسجود عليها مهما أمكن
قلت : السر في ذلك أنه ورد في الحديث الشريف " السجود على التربة
الحسينية يخرق السماوات السبع ... الخ يعني أن السجود
ذكره العلامة الكاشاني في ( مصابيح الجنان ) نقلاً عن ( الكامل ) لابن
قولويه وهو من أعلام المسلمين في القرن الثالث الهجري . عليها يوجب قبول
الصلاة وصعودها الى السماء وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ليست في تربة غير
كربلاء المقدسة فأورد علي هل السجود على تربة الحسين تجعل الصلاة مقبولة عند
الله تعالى ولو كانت الصلاة باطلة ؟
فأجبته إن الشيعة تقول بأن الصلاة الفاقدة لشرط من شروط الصحة باطلةغير
مقبولة ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة قد تكون مقبولة عند الله تعالى
وقد تكون غير مقبولة أي لا يثاب عليها فإذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة
الحسين قبلت ويثاب عليها فالصحة شئ والقبول شئ آخر .
فسألني وهل أرض كربلاء المقدسة أشرف من جميع بقاع الأرض حتى من أرض مكة
المعظمة والمدينة المنورة حتى يكون السجود عليها أفضل ؟
فقلت وما المانع من ذلك ؟
قال إن تربة مكة والتي لم تزل منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض كعبة
وأرض المدينة المنورة التي تحتضن جسد الرسول الأعظم (ص) تكونان في المنزلة
دون منزلة كربلاء قال هذا أمر غريب وهل الحسين بن علي أفضل من جده الرسول ؟
قلت كلا إن عظمة الحسين من عظمة الرسول (ص) وشرف الحسين من شرف الرسول
ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنه إمام سار على دين جده الرسول
(ص) حتى استشهد في ذلك . لا .. ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منزلة الرسول
ولكن حيث أن الحسين عليه السلام قتل هو وأهل بيته وأنصاره في سبيل إقامة
الإسلام وارساء قواعده وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات عوضه الله تعالى
باستشهاده ثلاثة أمور
1-استجابة الدعاء تحت قبته .
2-الأئمة من ذريته .
3-الشفاء في تربته .
فعظم الله تعالى تربته لأنه قتل في سبيل الله أفجع قتلة وقتل معه أولاده
وأخوته وأصحابه وسبي حريمه وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين
فهل في ذلك مانع أم هل في تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على أرض
المدينة معناه أن الحسين عليه السلام أفضل من جده الرسول (ص) بل الأمر بالعكس
فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين وتعظيم الحسين عليه السلام تعظيم لله ولجده
رسول الله (ص) .فقام أحدهم عن مجلسه وعليه آثار البشاشة والسرور فحمدني
كثيراً وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة بعد أن قال مولاي إفاداتك هذه صحيحة وإني
كنت أتخيل أن الشيعة يفضلون الحسين حتى على جده رسول الله (ص) والآن عرفت
الحقيقة وأشكرك على هذه المناظرة اللطيفة والالتفاتات الطيبة التي زودتنا بها
وسوف أحمل معي أباً قطعة من أرض كر بلاء المقدسة لأسجد عليها أينما صليت كما
أني سأدع السجود على غير التراب ومخصوصاًًًًًًًًًً التربة الحسينية ثم قلت :
وأما قولك إجراء الشيعة التعازي على الإمام الحسين عليه السلام هو بدعة
فهذا كلام باطل فاسد ولا أدري لماذا تنقمون على الشيعة بإقامتهم التعازي على
شهيد الحق والانسانية الإمام ابن الإمام حفيد الرسول وسلالة الزهراء البتول
سيد الشهداء الإمام أبن عبد الله الحسين عليه السلام في مصابه العظيم الذي
زلزلت له أظلة العرش مع أظلة الخلائق والحادثة المروعة التي لم يسبقها في
العالم الاسلامي ولا في غيره سابق ولا يلحقها لاحق إذ أنه جلل عم خطبه العظيم
جميع الأمة الاسلامية حتى الجن والطير والوحش راجع كتب المقاتل تعرف وبعضكم
يتعرض على الشيعة بأن الحسين عليه السلام قتل منذ زمن بعيد يربو على (13
قرناً) فأي فائدة في البكاء عليه واللطم على الصدور والضرب بالسلاسل بحيث
يسيل الدم فاعلموا أن عمل الشيعة هذا هو عين الصواب .
أولاً: لو أنهم لم يستمروا على إقامة ذكرى الشهداء لأنكرتموه كما أنكرتم
يوم الغدير وحديثه المشهور المعترف به لدى المؤالف والمخالف فرواه أكثر من
مائة وثمانين صحابياًفيهم البدري وغير البدري ومن التابعين أكثر فأكثر
فالشيعة لم يأتوا بشيء إذا .
ثانياً : الشيعة اقتفوا أثر أئمتهم في ذكرى أبي عبد الله الحسين عليه
السلام فلو وقفتم على كتب الشيعة لما أوردتم علينا نقداً وألفت نظركم إلى
كتاب
( مقدمة المجالس الفاخرة ) للإمام شرف الدين و
(إقناع اللائمعلى إقامة المآتم ) للإمام السيد محسن الأمين العاملي
رحمهما الله ففيهما من الجج ما يقنع الجميع وانظروا أيضاً إلى ( ص 576 )
من ( مصابيح الجنان ) للحجة السيد الكاشاني إذ قال فيه
ينبغي للمسلمين إذا دخل شهر المحرم أن يستشعروا الخزن والكآبة وأن
يعقدوا المجالس والمآتم لذكرى ما جرى على سيد الشهداء وأهل بيته والصفوة من
أصحابه من الظلم والعدوان وهو أمر مندوب إليه ومرغب فيه على أن في ذلك
تعظيماً لشعائر الله تعالى وامتثالاً لأمر رسول الله (ص) واقتداء بالأئمة
المعصومين ويدل عليه ما ورد عن الرضا عليه السلام وهو الامام الثامن من
أوصياء رسول الله (ص) أنه قال كان أبي وهو الامام الكاظم الإمام السابع من
أوصياء الرسول (ص) إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً وكانت كآبته تغلب عليه
الحديث ."
ويستفاد منه رجحان كل ماله دخل في الخزن والكآبة من غير أن يشتمل على
فعل محرم ثم قال :" ويستحب البكاء وإجراء التعازي على سيد الشهداء وإسالة
الدموع عليه لا سيما في العشر الأول من المحرم فإن البكاء عليه من الأمور
الحسنة المندوبة ومن موجبات السعادة الأبدية والزلفى إلى المهيمن سبحانه
ويكفي في رجحانه الأحاديث المعتبرة المروية عن الحجج الطاهرة وهي كثيرة جداً
نحيلك على مظانها ( إلى أن قال ) :
" وأما الذين يعيبون الشيعة بذلك فلا يعبأ بقولهم إذ أنهم حائدون عن
جادة الإنصاف وقاسطون عن طريق الصواب مع هذه النصوص الكثيرة المتواترة
الواردة عن الأئمة السلف خاصة عن أئمة العترة الطاهرة من أهل البيت عليهم
السلام وهم أحد الثقلين الذين لا يضل التمسك بهما على أن في ذلك المواساة
لرسول الله (ص) ووصيه أمير المؤمنين وابنته الصديقة فاطمة الزهراء .وقد اتفقت
الطوائف الاسلامية على اختلاف مذاهبها على جواز التفجع لفقد الأحبة والعظماء
جرت عليها سيرتهم العملية وإجماعهم وكان عليه السلف تشهد بذلك الموسوعات
الضخمة المشحونة بأقوالهم سواء في ذلك الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
وغيرهم من سائر المسلمين فمن راجع كتبهم يجد نصوصهم في هذا المورد كثيرة
مدهشة ." فنحن إذ نجد الأدلة النقلية والعقلية متوفرة نجدد ذكرى مصاب سيد
الشهداء وريحانة الرسول الامام الحسين عليه السلام غير مكترثين بالتقولات
الشاذة التي لا وزن لها راجين بذلك من الله الثواب ومن رسوله الشفاعة يوم
الحساب ... " انتهى ما جاء في " مصابيح الجنان" للكاشاني ) .ثم أيها الإخوان
إن الشيعة مقتدون بسلفهم الصالح إذ جاء في حديث معتبر مأثور أن علياً زين
العابدين بن الحسين عليه السلام لما عاد من أسره هو ومن معه من أسلرى أهل
البيت عليهم السلام من دمشق جعلوا طريقهم على العراق ولما وصلوا كربلاء أخذ
هو ومن معه في البكاء يندبون الحسين عليه السلام .
فأي بأس على الشيعة في أمثال هذه الأعمال المقدسة المحبوبة عند الله
ورسوله والصفوة من آله ؟
لكن البأس كل البأس والنقد الشديد موجه عليكم وهو أنكم أخذتم ببدعة يزيد
بن معاوية الطليق ابن الطليق إذ أنه جعل في كل سنة في العشر الأول من المحرم
عيداً يقيم فيه الأفراح وينصب الزينة وتقام المهرجانات ويسميه عيد النصر
والفوز وأشفعه ببدعة أخرى تدل على خسته ودناءته فإنه قد أتى بمومسة تشبه في
صفتها جدته هند بنت عتبة فيجمع الأخساء من بني شجرته الملعونة ويأتي بآلة
الطرب والخمر وكل ما يلزمه من الأشياء وتعزف الموسيقى وتقوم تلك المرأة ذات
العهر والفجور للرقص وأطلق عليها الحاج زينب يريد تشبيهها بعقيلة الوصي زينب
الكبرى بطلة كربلاء فأي الفريقين أحق بلأمر يا مسلمون فدعوا الشيعة وشأنهم
فأنهم هم الفرقة التي عناها رسول الله (ص) من الثلاث والسبعين فرقة لذلك
اعتنقنا هذا المذهب الشريف وتركنا المذهب السني .
ولما وصلت إلى هنا شكرني جميع من في المجلس ثم قالوا كنا لا ندري أن
مذهب الشيعة هكذا بل كنا نسمع عنهم بأنهم ليسوا على حق بل هم كفرة فجرة
مشركون فقلت لا إنما هو كما أخبرتكم وستعرفون مذهب الشيعة بعد وقوفكم على
كتبها والذنب ذنبكم في تقصيركم عن الوقوف على مؤلفات الشيعة ولماذا ؟
ثم إني أبين أن هذه التهم الموجهة إلى الشيعة الأبرار تبعة رسول الله
(ص) ووصيه أمير المؤمنين علي وذريته العترة الطاهرة عليهم السلام ليس لها
واقع وإنما هي أكذوبات بحتة اختلقها عليهم الآثمون من أعداء المسلمين المسمين
أنفسهم بالمسلمين فعليكم أن تتحروا الحقيقة دائماً ولا تعتنوا بكل ما تسمعون
ضد الشيعة دون أن تبحثوا عن واقعه وحقيقته وهذا ما أرجوه منكم ثم قاموا
وودعوني جميعهم وذهب كل منهم إلى محاه بعد أن جاءوا غضاباً فرجعوا فرحين
مسرورين وأخيراً بلغني من بعض من أثق به أن بعضهم اعتنق المذهب الشريف مذهب
أهل البيت والحمد لله على هذه النعمة الكبرى وهي ولاية أهل البيت عليهم
السلام .
حادثة الافتراء :
وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الأول عام ( 1373 ) بينما أنا في مكتبي
الواقع في منزلي في مدينة ( حلب الشهباء ) فإذا بشخصين قد استأذنا علي فأذنت
لهما فدخلا علي وبعد السلام والترحيب وبعد أن استقر بهما الجلوس رأيت عليهما
أثر الكآبة فقلت ما شأنكما فقال أحدهما للآخر قص على فضيلة الشيخ فقال أحدهما
لا يخفى على فضيلتكم أنا تلميذ في الجامعة وقد أخذت بمذهب أهل البيت منذ
سنتين وذلك عند وقوفي على كتب الشيعة ومؤلفاتهم خصوصاً كتاب ( المراجعات )
للإمام الفقيد شرف الدين رحمه الله ففي اليوم الماضي كنا نتلقى الدرس من
الأستاذ في الجامعة فأخذ يوجه المطاعن على الشيعة ويكيل لهم الشتائم ويوجه
إلى مذهب أهل البيت نقداً وتنكر على الشيعة بشدة وحمل عليهم حملة شعواء لا
هوادة فيها
( وهو لا يعلم أنني شيعي ) ومما قال :
إن أحاديث الشيعة كلها كذب وافتراء على رسول الله (ص) ورمى الشيعة
بالبهتان فقال إن الشيعة يجوزون الجمع بين تسع نسوة ويستدلون بالآية الشريفة
( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ويمسحون على الأرجل في
الوضوء بعد الغسل فصلاتهم باطلة ويتهمون عائشة بالزنا ويتطاولون على الصحابة
جرأة منهم على الله ورسوله .فأخذتني الهشة وأزعجني جداً هذا النبأ المؤلم
وقلت يا سبحان الله ما هذا التعصب الأعمى من القوم ( السنة ) ولماذا يوجهون
هذه الأكاذيب والافتراء ات إلى الشيعة الأبرار ويفضحون أنفسهم بها ثم أخذت
بالرد على هذا الأستاذ الجاهل المعاند وذلك على سبيل :
الرسالة :
" أهكذا كتبت أيها الأستاذ المرشد المتصدي لتهذيب الجيل الجديد أهكذا
تهذب طلابك وتعلمهم بالأكاذيب لتهذيب الجيل الجديد أهكذا تهذب طلابك وتغريهم
بسوء الأخلاق الداعية للتفرقة بين المسلمين بلغني أنك في اليوم الماضي في
الجامعة تعرضت في أثناء محاضراتك على طلبتك على الشيعة الأبرار تبعة رسول
الله (ص) ووصيه من بعده علي أمير المؤمنين عليه السلام وذلك جهلاً منك
بالمذهب الشيعي الامامي الشريف فقلت إن أحاديث الشيعة كلها كذب وافتراء على
رسول الله ورميت الشيعة بالبهتان فقلت إن الشيعة يجوزون الجمع بين تسع نسوة
ويستدلون بالآية
( فانكحوا ما طاب ... ) الخ ، ويمسحون على الأرجل في الوضوء بدل الغسل
فصلاتهم باطلة ويتهمون عائشة بالزنا ويتطاولون على الصحابة جرأة منهم على
الله ورسوله !
فالعجيب كل العجب منك أيها الأستاذ وأنت تدعي أنك المهذب المرشد فما هذا
التحامل الأعمى والتطاول الشنيع على مائة مليون مسلم من أتباع رسول الله وأهل
البيت عليهم السلام فماذا عذرك عند ربك يوم تلقاه وتبلغ القلوب الحناجر
ولماذا اغتبت واتهمت المسلمين بالأكاذيب ولم فضحت نفسك بخرافتك هذه فإن
العصر عصر نور والكل يعلم بأنك كذبت وافتريت فإليك الجواب عن فريتك على سبيل
الإختصار :
أما قولك: إن أحاديث الشيعة كلها كذب على رسول الله: لا يا أستاذ، ليس
الأمر كما تزعم، بل الأمر بالعكس، فإن الشيعة اخذوا العلم واستقوه من نمير
صاف زلال، عن النبي وعترته، أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين طهرهم الله
من الرجس تطهيراً، ليس في مذهبهم دخيل فكلما عبتم به عليهم فهو فيكم فإن
رواتكم معلوم لدى الجميع كأبي هريرة وسمرة بن جندب وعمر بن الخطاب رئيس
الخوارج وعمرو بن العاص ومروان والمغيرة بن شعبة وغير هؤلاء من الكذابين راجع
كتاب ( الغدير ) للإمام الحجة المجاهد الشيخ الأميني العظيم فإنه عرف الأمة
عن أحوال هؤلاء الوضاعين .
وأما قولك إن الشيعة يجوزون نكاح تسع نسوة عملاً بظاهر الآية فالجواب إن
الشيعة أجل قدراً وأرفع مقاماً من أن يسفوا بعقولهم المنيرة إلى هذه الخرافة
فيعملون بحكم الآية الكريمة التي أباحت للأمة الإسلامية الزواج بأربعة من
النساء عند الاستطاعة بالقيام بالعدل بين الزوجات فإن لم يستطيع فلا يجوز له
أن يتزوج بأكثر من واحدة فإن تمكن من إقامة العدل فلا بأس أن يتزوج باثنتين
وهكذا إلى الرابعة .
ومعنى الآية ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى )
أي اثنين وثلاث أي : ثلاثة ورباع أي أربعة فلا يحل له أن يتزوج بالخامسة
إلا إذا ماتت احداهن أو طلق وذلك بعد انقضاء عدتها هذا ما عليه إجماع الشيعة.
وأما قولك بأنهم يمسحون على الأرجل في الوضوء فصحيح وهو الواجب الذي
أراده الله من عباده المكلفين وعمل به الرسول الأعظم (ص) والأئمة من عترته
عليهم السلام وعلى ذلك جرى الشيعة الإمامية من يومهم إلى اليوم ثم إلى يوم
يبعثون لا يحيدون عن أئمتهم عليهم السلام وعملاً بالقرآن المقدس الذي لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فآية الوضوء علمان
يخالف أحدهما الآخر لأن حكم الله المنزل لا خلاف فيه وإنما أحدث الخلاف من
أخذ عن كل من دب ودرج كحاطب ليل .والشيعة استقوا علومهم من علوم آل بيت
العصمة من نمير صاف زلال وما جاء مخالفاً لأقوال الأئمة يضربون به عرض الجدار
كائناً من كان قائلة انظروا إلى قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين ) الآية .
يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين آمراً لهم أنهم حينما يقومون لأداء
فريضةالصلاة أن يتطهروا على الكيفية التي قصها عليهم فقال
( اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) .
فالآية ناصة بصراحة بغسل عضوين وهما الوجه واليدان ومسح عضوين وهما
الرأس والرجلان وهي جملتان كل منهما على حدة لا علاقة لها بالأخرى.
الإعراب:
إغسلوا : فعل وفاعل وجوهكم مفعول ومضاف إليه والميم علامة الجمع وأيديكم
عطف على الوجوه وامسحوا فعل أمر وفاعل على نسق ما تقدم وبرؤوسكم الباء حرف جر
ورؤوس مجرور بها ومضاف أيضاً والكاف مضاف إليه والميم علامة الجمع والأرجل
معطوفة على الرؤوس .فإن قرئ بالجر فيكون معطوفاً على اللفظ أو بالنصب فعلى
المحل إذ أنه لو رفعت الياء لقرئ بالنصب ليس إلا.
قال الشيخ إبراهيم الحلبي الحنفي صاحب حلبي كبير أثناء تفسيره لهذه
الآية ما هذا لفظه قرئ في السبعة بالنصب والحر والمشهور أن النصب بالعطف على
الوجوه والجر على الجوار قال والصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في
القراءتين ونصبها على المحل وجرها على اللفظ .
قال : وذلك لامتناع العطف على المنصوب للفصل بين العاطف والمعطوف بجملة
أجنبية والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة قال : ولم يسمع في
الفصيح نحو ضربت زيداً ومررت بعمرو وبكراً بعطف بكر على زيداً قال وأما الجر
على الجوار فإنما يكون على قلة في النعت كقول بعضهم هذا جحر ضب خرب بجر خرب
أو في التأكيد كقول الشاعر :
ياصاح بلغ ذوي الحاجات كلهم
أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب
بجر ( كلهم ) على ما حكاه الفراء قال وأما في عطف النسق فــلا
يكون لأن العاطف يمنع المجاورة هذا كلام راجع ( ص 15) والتي بعدهامن
كتاب المشهور بحلبي كبير المتملي في شرح منية المصلي في الفقه الحنفي وإن شئت
فراجع .تفسير الرازي الكبير حول تفسير الآية والطبري والخازن وغيرها تجد صحة
ما نقول وكفى بذلك حجة على وجوب مسح الأرجل دون غسلها في الوضوء .
وروى ابن عباس(2) أن
الوضوء: غسلتان ومسحتان وقال أيضاً افترض الله الوضوء غسلتين ومسحتين ألا ترى
أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين .وقال(3) في مقام آخر يأبى الناس إلا الغسل ونجد في كتاب الله
المسح .
وعن الشعبي(4) قال أما جبرائيل فقد نزل بالمسح على القدمين وعنه
أيضاً(5) قال نزل القرآن بالمسح على القدمين الحديث .وعن ابن عباس أنه حكى
وضوء رسول الله (ص) فمسح على رجليه وأخرج الطبراني(6) عن عباد بن تميم عن
أبيه قال رأيت رسول الله (ص) يتوضأ ويمسح على رجليه .
أما ما روي عن سادة أهل البيت عليهم السلام في ذلك فأكثر من أن يحصى فمن
ذلك ما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي عن فضالة عن حماد بن عثمان وعن غالب بن
هذيل قال سألت أبا جعفر
الباقر عليه السلام عن المسح على الرجلين فقال هو الذي نزل به جبرائيل .
وعن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن المسح
على القدمين كيف هو فوضع بكفه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين والأخبار في
هذا متواترة عن سائر الأئمة من العترة الطاهرة فنصوص الثقلين صريحة بوجوب
المسح على القدمين وبها أخذ الامامية من يوم وجوب الوضوء ثم استمر الأمر عنهم
وعن شيعتهم حتى اليوم .
فاذا جاء ما يعارض ذلك ضرب به عرض الجدار من كان راويه ولو وثقوه(7).
فالشيعة لا يأخذون برواية الوضاعين والطلقاء وأبناء الطلقاء والمجاهيل
كأبي هريرة وسمرة بن جندب وعمران بن حطان والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه
وعمرو بن العاص ومعاوية ومروان وغيرهم ممن لا يوثق بهم لسوء سمعتهم ولا تغتر
بدعاية عدالة الصحابة من أولهم إلى آخرهم فإن كلهم ليسوا بعدول كما تقدم فإن
رجعت إلى كتب الشيعة الأبرار متأملاً منصفاً وجردت نفسك عن العصبية العمياء
والطائفية لعرفت أن الشيعة سلكوا سبيلاً مستقيماً لا عوج فيه ولا اعوجاج
لهذا كثرت المطاعن عليهم من أهل الأغراض المتكالبين على الدنيا .
وأما الأخبار الواردة في الغسل : فلا تخلو إما أن تكون مفتراة وإما
متوهم بها فإن رسول الله (ص) كان يتوضأ ويمسح ثم يصب الماء على قدميه تبرداً
ولم يثبت أنه غسل قدميه في الوضوء أبداً طيلة حياته .
ونحن إذا أقمنا الحجة على أخصامنا أخذوا يتعطلون بالنظافة مرة وبالإسراف
أخرى أو بالعموم والخصوص فيقولون كل غسل مسح ولا عكس وهي حجج واهية أوهن من
بيت العنكبوت .
فهل كان رسول الله يأمر الناس بالمسح على الأرجل القذرة النجسة نعوذ
بالله من الجهل أو كان رسول الله لا علم له بالعموم والخصوص حتى أتانا قوم
بعد ثلاثة قرون فذهبوا مذاهب تضاربت فيها الأقوال فيرشدون الأمة إلى أن النبي
كان مخطئاً ( نعوذ بالله ) أو أنه ترك الدين ناقصاً فأكملوه أو زاد فيه شيئاً
فأصلحوه ( نعوذ بالله ) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وأما حديث " ويل للأعقاب من النار " فإن صح ( وهو لا يصح ) فهو حجة
عليهم لا لهم حيث يقول " ويل للأعقاب من النار " ولم يقل " ويل لمن لم يغسل "
فقد أرشدهم إلى أن المسح لا يجوز مع نجاسة الأرجل .
ولنا أن نسأل الراوي لهذا الحديث وهو عبد الله بن عمرو بن العاص المعروف
حاله وحال أبيه فنقول له من أين عرفت المسح لو لم يكن له سبق لأنه يروي هكذا
غزونا مع رسول الله (ص) فسبقناه فأرهقتنا صلاة العصر فأخذنا نتوضأ ونمسح
فأدركنا رسول الله (ص) فقال ويل للأعقاب من النار .. ثلاثاً فالرواية ظاهر
عليها الوضع من وجوه :
الأول : إن النبي (ص) كان على جانب عظيم من حسن الخلق إذ قد وصفه الله
سبحانه بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ولم يكن فظاً غليظاً فكيف يتوعدهم
بالنار ولم يكن علم بالنسخ حيث قالوا إنه قد نزل عليه جبرائيل بالغسل .
وهذا القول غير سديد لأنه حديث رواه واحد وحديث الآحاد لا ينسخ القرآن
ولا سيما المحكم منه كآية الوضوء .
الوجه الثاني : إن الراوي أتى بما سمعت أنه غزا مع الرسول وأخرى أنه
سافر مع الرسول من مكة إلى المدينة .
وروى الحديث وهذا دليل على أن الرواية مفتعلة .
الوجه الثالث : هو إجماع الفقة على المسح وكثير من علماء السنة قد
وافقوا على أن القرآن نزل بالمسح فلا تترك العمل بالقرآن وعمل أهل البيت
لحديث مشكوك فيه بل موضوع .
فهل فيما قدمناه لك أيها الأستاذ المرشد مقنع وتسمح لنا أن نسألك هل أنت
من المصلين أم من التاركين والثاني هو الغالب على الظن وهل تعرف مذهبك الذي
تؤدي العبادة به إن كنت من أهلها أم تجهل وهل تعرف الأحاديث الصحيح منه
والمكذوب ؟
وهل عندك علم الناسخ والمنسوخ ؟
وأما قولك في عائشة إنهم يتهمونها بالزنا فهذه التهمة منكم لا من الشيعة
فالشيعة لا يتهمونها بالزنا حتى يبرؤونها وهاك كتب الشيعة ففي أي كتاب من كتب
الشيعة رأيت ذلك ومن أي عالم من علمائها سمعت سبحانك اللهم هذا وغيرها بهتان
عظيم على الشيعة الأبرار .وأما قولك إن الشيعة يتطاولون على الصحابة جرأة
منهم على الله ورسوله فهذا قول زور فإن الشيعة أعطوا الصحابة كل ذي حق حقه إذ
فيهم العالم والجاهل والعدل وغير العدل كما أمر الله تعالى عنهم وفيهم
المنافقون .
ثم أيها الأستاذ إن كنت عالماً بتاريخ الشيعة والتشيع فما هذه الأكاذيب
التي صدرت عنك وعن أمثالك ممن ليس لهم المروءة والإنصاف وإن كنت جاهلاً في
ذلك كله فكيف تقدم على الطعن في فرقة مؤمنة تدين الله بمذهب أهل بيت الرسول
(ص) وفيهم العلماء الأعلام والفقهاء العظام والحكماء والفلاسفة ....
وقد ملأوا أرض الله الواسعة علماً وعملاً ولكن نقول ليس للكذوب حافظة .
وفي الختام أقدم لك نصيحة خالصة أيها الأستاذ سامحك الله إتق الله في
نفسك وكف عن الخوض في أعراض المسلمين ودع كلاً منهم يعمل بما يدين الله به من
المذاهب وحسابهم على الله ونحن في عصر عصيب وخطب جلل وإننا لفي أشد الحاجة
إلى التماسك والتكاتف كما قد سكتنا عن كثير من المشاغبين الذين لا يعرفون عن
العلم والتاريخ شيئاً ولا يدينون الله أبداً وليس لهم ضمير حر ومروءة وإنصاف
وهم الذين وجهوا إلينا المطاعن والأكاذيب والتهم .... وسكوتنا كان حرصاً منا
على حفظ الإسلام والسلام على من اتبع الهدى .
محمد مرعي الأمين الانطاكي المعتنق لمذهب أهل البيت عليهم السلام
25/
ربيع الثاني / 1379 هـ
حلــــــــــــب – ســـــــــوريــــــة
وقد أعطيت الرسالة إلى الشخصين المذكورين وقلت لهما أوصلاها إلى
الأستاذ فذهبا .
وفي اليوم السابع والعشرين من ربيع الثاني ، زارني الأستاذ المذكور في
بيتي خجلاً منفعلاً عما صدر عنه ، واعتذر عن إطلاعه وعلمه بالمذهب ، وطلب مني
بعض مؤلفات الإمام شرف الدين رحمه الله ، فاستسمح منا ’ وودعنا ، وذهب إلى
محله .
فبعد أسبوع أتانا ثانياً حامداً شاكراً لنا وأعلمنا عن أخذه بمذهب أهل
البيت عليهم السلام ثم قال : لا يخفى على سماحتكم أنني أخفي أمري وأكتم مذهبي
مذهب العترة الطاهرة ولم أعلن بالتشيع وذلك لأمر ما إلا أنني أقوم بالدعوة
والإرشاد حسب ما يرضي الله ورسوله والعترة الطاهرة وقد أهديته قرآناً خطياً
ثميناً.
1- انظر في الامامة والسياسة والرياض النضرة ومروج الذهب وانساب الاشراف
والامام علي لعبد الفتاح عبد المقصود وشرح النهج لابن ابي الحديد وغيرها من
مصادر القوم فقد تجد أنهم ذكروا هذه الحادثة المؤلمة اما الشيعة فبرمتهم
ذكروها حتى وقد ذكر المؤرخون اسماء الذين أتوا بهذه الجناية
قال : وكان ذلك يرأسه عمر – الشهم البطل المغوار لكن لا في ساحة القتال
وبهذا المعنى قال شاعرهم حافظ ابراهيم :
وقولة لعـــلي قــلــهــا عــمـــر
أكرم بســامــعـهـا أعـظم بملقيها
حرقت دارك لاابقي عليك بهــا
إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ماكان غير أبي حفص يفوه بها
امام فارس عدنان وحـامـــيهــــا
2-كنز العمال ج 5 ص 310.
3-أخرجه ابن ماجه في سننه
والترمذي وأبو داود والنسلئي في صحاحهم وسعيد بن منصور في سننه ورواه ابن أبي
شيبة وغيره من أعاظم السنة وكذلك جاء في ص 103 من الكنز .
4-كنز العمال : ج5 ، ص104.
5- الكنز ج5 ، ص 104.
6-كما أواخر ص 19 من كتاب
المسح على الجوربين للشيخ محمد جمال الدين الدمشقي .
7- بعض ما أوردناه لك في هذه
الرسالة أخذنا من كتاب ( أجوبة مسائل جار الله ) للإمام شرف الدين رحمه الله
ص 27 فراجع.