كنت قلقاً وأنا أحاول تجنب أي حوار مع ابن عمي حول هذا المذهب الجديد
الذي تجسد في سلوكه أدباً وأخلاقاً ومنطقاً مما جعلني أفكر في أنه لا غضاضة
في النقاش معه حول أصل الفكرة رغم قناعتي بأن ما يؤمن به لا يتجاوز أطر
الخرافة أو ربما نزوة عابرة جهلته يتبين هذه الأفكار الغريبة .
قلقي كان نابعاً من تخوفي لأن أتأثر بفكرته أو ربما أجد أنها تجبرني على
الاعتراف بها وبالتالي أخالف ما عليه الناس وما وجدت عليه آبائي وسأكون شاذاً
في المجتمع وربما اتهمت بأني مارق من الدين كما أتهم .
ولكني تجاوزت كل ذلك وقررت أن أخوض معه حواراً لعلني أجد منفذاً أزعزع
من خلاله ثقة هذا الرجل بما يعتنقه خصوصاً وأننى قرأت كتباً لا بأس بها ضد
الشيعة والتشيع ومنها كان المخزون الذي من خلاله أنطلق لجداله فبدأت معه
الحوار قلت له الآن أنت تركت ما كان عليه الناس وأصبحت شيعياً فما هي
الضمانات التي تمنعك من أن تغير مذهبك غداً .
قال : الآية الكريمة تقول : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وأنا
من أنصار الدليل أينما مال أميل وقد أفرغت وسعي وتوصلت إلى أن الطريق
المستقيم هو مذهب أهل البيت (ع) والدليل على صحته أن الأدلة التي يسوقها
أصحابه مما اتفق عليه جميع المسلمين .
قلت : لكن لماذا لم يكتشف غيرك هذه الحقيقة ؟
قال : أولاً من قال لك أنه لا يوجد غيري ! وثانياً وصول غيرك للحقيقة أو
عدمه ليس دليلاً على صحة أو خطأ ما توصلت إليه إن المسألة تكمن في نفس وجدان
الحقيقة والحق ومن ثم اتباعه ولا شأن لي بغيري لأن الله يقول ( ياأيها الذين
آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ( سورة المائدة /5)
قلت له لو افترضنا صحة مذهب الشيعة ذلك يعني أن 90% من المسلمين على خطأ
لأن كل المسلمين يؤمنون بمذهب أهل السنة والجماعة فأين هذا التشيع من عامة
الناس ؟
قال: الشيعة ليست بهذه القلة التي تتصورها فهم يمثلون غالبية في كثير من
الدول ثم إن الكثرة والقلة ليست معياراً للحق بل القرآن كثيراً ما يذم الكثرة
يقول تعالى ( ولكن أكثركم للحق كارهون ) ( سورة الزخرف : آية 78) ويقول ( ولا
تجد أكثرهم شاكرين ) ( سورة الأعراف آية / 17 ) ( وقليل من عبادي الشكور ) (
سورة سبأ : آية /13 ) وبذلك لا تكون الكثرة دليلاً على أنهم على حق .
أما التشيع كمنهج سماوي فهو موجود بدليل أنني شيعي وإذا وجه الإشكال إلى
عدم انتشار التشيع فهذا يتوجه أيضاً لرسول الله (ص) في أول دعوته وحتى وفاته
إذ أن الإسلام لم يكن منتشراً ومع ذلك فهو الحق المنزل من قبل الله تعالى.
قلت متعجباً : وهل تريداني أن أسلم بأن آباءنا وأجدادنا الذين عرفناهم
متدينين طريقهم غير الذي أمر به الله .
ابتسم قائلاً أنا لست في مقام بيان وتقييم أحوال الماضين فالله أعلم بهم
ولكن أذكرك بأن القرآن يرفض أن يكون الأساس في الاعتقاد تقليد الآباء
والأجداد يقول تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما
ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ) سورة
البقرة آية/ 170)
شعرت بأن الحوار قد أخذ منحى عاماً وأن حجته بدت في هذا المجال قوية
ومدعمة بآيات قرآنية فقررت أن أناقش معه مفردات معقده التي قرأت نقدها من
الكتب وتركها كورقة أخيرة في النهاية لأنى على ثقة من أنه لا يستطيع الإجابة
عليها ولقد أضفت إليها رأيي الخاص ولأغير مجرى الحديث إلى حيث أريد قلت له
:حسناً ماذا تقول الشيعة ؟!
هنا اعتدل في جلسته وقال : الشيعة يقولون أن هذا الدين الخاتم لا يجوز
لنا أخذه إلا عن طريق أئمة أهل البيت (ع) ويعتبرون أن هذا هو عين التمسك
بسنته (ص) وهو المطلوب من كل إنسان .
قلت ساخراً كلنا نتبع رسول اله (ص) ولا أحد يرى أنه خلاف ما جاء به أفضل
الصلاة والسلام .
قال : الأمر ليس مجرد ادعاء إنما يجب إثبات ذلك بالدليل ونحن كشيعة نرى
أن المسألة الاساسية التي ابتليت بها الأمة هي مسألة الإمامة والقيادة بعد
رسول الله (ص) والتي اختص بها علي (ع) كوصي وخليفة ومن بعده أئمة أهل البيت
(ع) وواحدة من مستلزمات هذه الوصاية والإمامة الخلافة السياسية ومن أهل البيت
فقط يصح أخذ الدين أما أخذ من غيرهم فلا نقول أنه باطل مطلقاً ولكنه حق مخلوط
بباطل ونحن مأمورون بأخذ الحق فقط دون غيره .
قلت : وما جدوائية البحث حول قضية مرت عليها قرون وهل يفيدنا إذا ما كان
علي هو الخليفة أم أبو بكر ؟ سكت قليلاً ثم قال :
عندما ننظر يا أخي لكل مشكلة يجب البحث عن جذور المشكلة حتى نحللها وما
عليه المسلمون اليوم من فرقة وشتات وضياع إنما هو ناتج عن ذلك اليوم الذي
حجبت فيه الخلافة عن علي بن أبي طالب وأعطيت لغيره بلا حق ومن هناك ابتدأ
افتراق الأمة والآن أنا أمامك أقول لك أن الشيعة على حق وأنت ترى خلاف ذلك من
هنا جاءت ضرورة البحث في الماضي لنعرف أين الأصل ومن الذي خالف .
هنا أخذتني العزة وقررت الهجوم عليه من كل جانب فانهلت عليه بالأسئلة
مقاطعاً :
- إذا أنتم تشككون في الصحابة ؟!
أجاب بهدوء نحن لسنا في مقام التشكيك في أحد ما نقوله أن كل من اتبع
الحق من الصحابة أو غيرهم على رؤوسنا نقدسهم نحترمهم وكل من خالف النهج
السماوي القويم فلن نسمح لأنفسنا أخذ معالم ديننا منه .
لا أريدك أن تناقشني في عموميات ! من غير المعقول أن كل الصحابة الذين
بايعوا أبا بكر خالفوا قول الرسول (ص) أتدري ماذا يعني ذلك يعني أن نشكك في
ديننا فكيف تجوزون لأنفسكم ذلك وأرجو ألا تستعمل معي التقية المعروفة عندكم .
أجاب : أولاً : التقية شرعية من الكتاب والسنة ولها مجالها وهي ليست
واجبة في كل الأحوال إنما لها ظروفها الخاصة وأنا أمثل كل الشيعة بإمكانك أن
تطلع على كتب الشيعة فلن تجد غير كلامي هذا أما بالنسبة للصحابة فالأمر لا
يصل إلى مستوى التشكيك في الدين إلا إذا كان الدين عندك ملخصاً في الصحابة ..
قاطعته : إنهم هم الذين نقلوا لنا الدين :
قال : بحثنا الآن حول نقلهم وهذا أول الكلام وبيت القصيد أنتم تجرحون
الرجال في علم الجرح والتعديل وتبدأون عملية معرفة أحوال الرجال من القرون
المتأخرة بعد عهد النبي (ص) لأن منهم من كان منافقاً وآخر كان لا يفقه شيئاً
وهكذا أضف الى ذلك من الذي قال أن الجميع قد بايع أبا بكر ارجع لكتب التاريخ
ستجد أن أول المعترضين كان علياً (ع) ومعه مجموعة من الصحابة .
قلت : لو كان الأمر كما تدعون لنصر الله علياً وخذل أبا بكر وهذا دليل
على أن الله اختار للأمة أبا بكر .
قال : بقولك هذا تلغي فلسفة الابتلاء التي يمتحن الله بها العباد إن
الله يبين الطريق للناس فقط ثم يدعهم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والله لا
يجبر الناس وإلا نكون من الذين يقولون بالجبر فنسقط الثواب والعقاب ونتيجة
كلامك هذا أن أي شخص يتحكم في رقابنا يجب أن نهتف له ونعتبره تأييداً من الله
وهذا مالا يعقل ورميت آخر سهم في جعبتي قائلاً : إنكم تغالون في أهل البيت
وتقولون أنهم معصومون كما أنكم تبيحون زواج المتعة وتجمعون في الصلاة وتصلون
للحجر والأخير رأيته بعيني لم أقرأه في كتاب فقط .
قال: أخي هذه فروع بإمكاني أن أناقشها معك ولكن من المنهجية أن تبحث
أولاً حول الأصل الذي يتبعه الفرع أو توماتيكياً فأنت عندما تريد أن تدعو
شخصاً غير مؤمن بالله الى الإسلام لن تبدأ معه بكيفية الوضوء والصلاة بل لا
بد من إقناعه بوجود الله ثم النبي ثم تفرع على ذلك .
فأطلب منك أخي أن تبحث بتجرد وسترى نور الحقيقة انتهينا من جلسة الحوار
هذه وأنا متعجب من هذه الثقة التي يملكها وفكرت في البحث ولكن ليس لكي أقتنع
وإنما لأملك أدلة أقوى أدحض بها حججه وبع فترة قررت الا أدخل معه في نقاش حتى
أكون بعيداً عن المشاكل وحتى لا أتأثر بهذه الأفكار الغريبة والتي أرى شخصاً
عن قرب يتبناها .
ثم كانت البداية جعلتني أنطلق في البحث .
البـــــدايـــــــــــة:
" تسرون حسواً في ارتغاء وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء , ونصبر
منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشى وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا
أفحكم الجاهلية تبغون ؟ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ؟ أفلا تعلمون ؟
بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته أيها المسلمون !! أأغلب إرثي يابن
أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئاً فرياً
أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول
( وورث سليمان داوود ) وقال فيما اقتص من خبر زكريا – إذ قال ( فهب لي
من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله ) وقال ( إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً
على المتقين ) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج
أبي منها ؟ أم تقولون إنا أهل ملتي لا يتوارثان ؟ أوليس أنا وأبي من أهل ملة
واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة
مرحومة تلقاك يوم حشرك نعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند
الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون .
بنور فاطمة اهتديت:
كلمات كالسهم نفذت إلى أعماقي فتحت جرحاً لا أظنه يندمل بسهولة ويسر
غالبت دموعي وحاولت منعها من الانحدار ما استطعت !
ولكنها انهمرت وكأنها تصر على أن تغسل عار التاريخ في قلبي فكان التصميم
للرحيل عبر محطات التاريخ للتعرف على مأساة الأمة وتلك كانت هي البداية
لتحديد هوية السير والانتقال عبر فضاء المعتقدات والتاريخ والميل مع الدليل .
كان ذلك في الدار التي يقيم فيها ابن عمي الشيعي ! جئت لتحيته والتحدث
معه عن أمور عامة ... لحظة ثم لفت انتباهي صوت خطيب ينبعث من جهاز التسجيل
قائلاً " وهذه الخطبة وردت في مصادر السنة والشيعة وقد ألقتها فاطمة الزهراء
لتثبيت حقها في فدك ثم بدأ الخطيب في إلقاء الخطبة .
إلى حين استماعي لهذا الشريط لم أكن على استعداد للخوض في قضايا خلافية
مذهبية قد عرفنا أن الأخ – ابن عني – شيعي وسألنا الله أن يهديه وكنا نتحاش
الدخول معه في نقاش بقدر استطاعتنا وذلك بعد الحوار الذي مر في بداية هذا
الفصل ولكن أبي الله سبحانه وتعالى إلا أن يقيم علينا حجته .بصوت هادئ جميل
بدأ الخطيب في الخطبة وتدفق شعاع كلماتها إلى أعماق وجداني، وضح لي أن مثل
هذه الكلمات لا تخرج من شخص عادي حتى ولو كان عالماً مفهوماً درس آلاف
السنين، بل هي في حد ذاتها معجزة. كلمات بليغة...
عبارات رصينة، حجج دامغة وتعبير قوي.. تركت نفسي
لها واستمعت إليها بكل كياني وعندما بلغت خطبتها الكلمات التي بدأت بها هذا
الفصل لم أتمالك نفسي وزاد انهمار دموعي. وتعجبت من هذه الكلمات القوية
الموجهة إلى خليفة رسول الله ( ص) ومما زاد في حيرتي أنها ابنة رسول الله
فماذا حدث؟
ولماذا... وكيف؟!! ومع من كان الحق وقبل هذا
هل هذا الاختلاف حدث حقيقة ؟ وفي الواقع لم أكن أعلم صدق هذه الخطبة ولكن
اهتزت مشاعري حينها وقررت الخوض في غمار البحث بجدية مع أول دمعة نزلت من
آماقي .. وفي هذا المنحى لا أريد أن أسمع من أحد فقط أريد خيط البداية الخيط
لأنطلق ولم تكن الخطبة مقصورة على ما ذكرته من فقرات بل هي طويلة جداً وفيها
الكثير من الأمور التي تشحذ الهمة المعرفة تفاصيل ما جرى وظروفه الموضوعية
المحيطة به .
انتهى الشريط كفكفت دموعي محاولاً إخفاءها لا يحس بها ابن عمي لا أدري
لماذا ربما اعتزازاً بالنفس ولكن هول المفاجأة جعلني أنهمر عليه بمجموعة من
الأسئلة وما أردت جواباً إنما هي محاولة للتنفيس وكان آخر أسئلتي إذا كان ما
جاء في بعض مقاطع الخطبة صحيحاً فهل كل ذلك من أجل فدك قطعة الأرض؟!
أجابني عليك أولاً أن تعرف من هي فاطمة ثم تبدأ البحث بنفسك حتى لا أفرض
عليك قناعتي وأول مصدر تجد فيه بداية الخيط صحيح البخاري وناولني الكتاب
فكانت المفاجأة التي لم أتوقعها .
ماذا بين أبى بكر وفاطمة ( ع) ؟
أخرج البخاري في صحيحه الجزء الخامس (ص82) في كتاب المغازي باب غزوة
خيبر قال : عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت النبي (ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله
ميراثها من أبيها مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو
بكر : إن رسول الله (ص) قال " لا نورث ما تركناه صدقه إنما يأكل آل محمد من
هذا المال ... إلى أن يقول البخاري فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها
شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت وعائشت بعد
النبي (ص) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً وصلى عليها ولم يؤذن
بها أبا بكر " وأورد مسلم في صحيحه ذات الواقعة مع تغيير طفيف في الألفاظ
يقول " فغضبت فاطمة " بدل كلمة وجدت (1).
من هاتين الروايتين وغيرهما نستخلص الآتي :
أولاًك هذه الحادثة التي وقعت بين فاطمة بنت النبي (ص) والخليفة الأول
حقيقة لا يمكن تكذيبها ولا الإعرض عنها لأنها مثبتة في متن أكثر الكتب صحة
واعتماداً عند أهل السنة والجماعة بل في كل المصادر التاريخية والحديثية كما
سيأتي بيانه لاحقاً .
ثانياً: إن الحادثة لم تكن خلافاً عابراً أو سوء تفاهم بسيط بل هي مشكلة
كبرى وهذا ما نلمسه من كلمة " فوجدت فاطمة على أبي بكر " أو بتعبير مسلم "
فغضبت فاطمة " فالغضب والوجود معناهما واحد محصلة أن فاطمة غضبت غضباً شديداً
على أبي بكر .. بالرغم من قول الخليفة بأن الرسول (ص) قال " لا نورث " ولكن
فاطمة غضبت .
ثالثاً: إن غضب الزهراء كما أنه لم يكن قليلاً في حدته لم يكن قصيراً في
مدته بل استمر حتى وفاتها كما يقول البخاري نقلاً عن عائشة " فهجرته ولم
تكلمه
حتى توفيت " وهذا معنى جلي في أن حالة الغضب والخلاف استمر إلى وفاتها
بل إلى ما
بعد ذلك إذ أن أبا بكر لم يصل عليها ودفنت ليلاً سراً بوصية كما سنبين .
رابعاً: غضب الزهراء لم يكن منصباً فقط على أبي بكر بل شمل الخليفة
الثاني بدليل عدم ذكره ضمن المصلين عليها وسيتضح أثناء البحث أن موقف أبي بكر
وعمر واحد يعني موقف الزهراء منها وموقفها منها يقول ابن قتيبة في تاريخه "
دخل أبو بكر وعمر على فاطمة فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط .. إلى أن
يقول فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (ص) تعرفانه وتعملان
به ؟ قالا : نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اله (ص)
يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي
أحبني ومن أرضاها فقد أرضاني ومن أسخطها فقد أسخطني ؟ .
قالا : نعم سمعنا من رسول الله (ص) قالت : فإني أشهد الله وملائكته
أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه ثم قالت
والله لأدعون عليكما في كل صلا’ أصليها "(2).
كل هذه الحقائق جعلت الدنيا مظلمة لدى .. وفور توصلي إليها قفز إلى ذهني
ألف سؤال وسؤال .. لا أدري ماذا أفعل وكيف أفكر والى من ألجأ ؟!! إنها بضعة
المصطفى الصديقة فاطمة أقرأ فإذا بها عاشت بعد أبيها في حالة غضب إلى أن ماتت
... كيف ولماذا !! الطرف الآخر الذي غضبت عليه الزهراء إنه الخليفة الأول ..
الصديق .. الخليل لقد كان يحب رسول الله (ص) – كما علمونا
- أكثر من نفسه فكيف يفعل بالزهراء شيئاً يغضبها ؟ .
كيفما كانت التساؤلات ومهما كان التبرير ها هي فاطمة (ع) كما وجدت بين
طيات الكتب غاضبة على الخليفتين ... وكما سأبين لك عزيزي القارئ في الفصول
القادمة .. وبرغم كل الحواجز قررت مواصلة البحث والتنقيب على الآ أجعل بين
نفسي والحقائق حجاب الخوف أو الرهبة أو التبرير ومضيت في طريق ربما كان
شائكاً في بدايته ولكني بفضل بركات الصديقة الطاهرة وصلت إلى شاطئ اليقين
ومعها – روحي فداها – كانت البداية المفجعة والنهاية الممزوجة بحلاوة الإيمان
وقمة المعرفة .
وسأبدأ معك عزيزي القارئ محطة فمحطة ولننطلق من تعريف شخصية فاطمة (ع)
من خلال فضائلها التي سطرها الوحي بأحرف من نور وكللها النبي (ص) بصدق حديثة
وهو الصادق المصدق فكانت كلماته حول فاطمة ذات دلالات ومعان نحاول أن
نستقضيها في هذه الصفحات وبلا شك لن نستوعب كل ما جاء من مناقب وفضائل عن
الزهراء (ع) والتي بنورها وبركاتها اهتديت وخرجت من ظلمات الجهل إلى رحاب نور
أهل البيت (ع)
فاطمة ( ع) في القرآن:
كثيرة هي الآيات التي تحدثت عن قدسية الزهراء (ع) ومكانتها السامية
سنختار هنا بعضاً منها .
الآية الأولى :
قوله تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيراً ) سورة الأحزاب : آية /33 ) .
تشمل هذه الآية المباركة فيمن تشمل السيدة فاطمة الزهراء (ع) بل هي محور
الآية وأساسها ... لأنها نزلت في أهل بيت النبوة ولنا حديث مع أولئك الذين
حاولوا دخال البعض من غير أهل البيت في نطاق الآية وما يهمنا الآن هو أن
الزهراء معنية بهذا الخطاب الإلهي ... ولقد فصلت السنة في سبب نزول الآية
وفيمن جاءت .
لقد أورد مسلم في صحيحه أن الآية محل النقاش نزلت في خمسة : النبي (ص)
وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) وذلك في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل
البيت وهو الحديث المعروف بحديث الكساء كما أنه اشتهر عند أهل بيت النبي (ص)
بأهل العباءة أو الكساء وهذا من المتسالم عليه بين كل المسلمين خصوصاً في
مجتمعنا السوداني وسنزيدك من المصادر التي تؤكد أن النبي (ص) وعلياً وفاطمة
والحسين هم المقصودون بالآية في البحوث القادمة إن شاء الله ولكن دعنا الآن
نتدبر الآية ومن خلالها نتعرف على شخصية فاطمة (ع) .
إن المتأمل في كلمات الآية يتوصل إلى أن المخاطبين بهذه الآية وفاطمة
أحدهم مطهرون معصومون من كل رجس وتقريب ذلك تصدير الآية بأقوى أدوات الحصر
على الإطلاق إنما مما يعني أن هذا الأمر خاص بجماعة معينة محددة لا يتعداهم
إلى غيرهم تم يأتي البحث عن الإرادة الإلهية التي ذكرت في الآية
( إنما يريد الله ) هي إرادة المولى عز وجل ( إنما أمره إذا أراد
شيئاً أن يقول له كن فيكون ) فلا يمكن بحال تخلف إرادته تعالى .
أما الرجس في اللغة فمعناه كل ما يلوث الإنسان سواء كان لوثاً ظا هرياً
أو باطنياً والذي يعبر عنه بالإثم .. والرجس في هذه الآية هو اللوث والنجاسة
الباطنية لأن الابتعاد والطهارة من النجاسة الظاهرية وظيفة دينية عامة لجميع
المسلمين وذلك لشمول التكليف للجميع ولا خصوص لأهل البيت حتى ترد هذه الآية
بحصرها وتوكيدها لنفي الرجس الظاهري عن أهل البيت إنما جاءت لبيان فضيلة لهم
خصهم بها الله سبحانه وتعالى وأخبر عنها في كتاب العزيز .
ثم يأتي التأكيد ( ويطهركم تطهيراً) إن النظرة العميقة للآية تجعلنا لا
نشك لحظة واحدة في عصمة أهل البيت الذي ذكروا فيها ومنهم فاطمة بنت محمد (ص)
فهي معصومة مطهرة من كل رجس ظاهراً وباطناً وسيأتيك التأكيد على ذلك .
الآية الثانية :
قوله تعالى:(قل لاأسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى )(سورة
الشورى: آية
/23).
لقد جعل الله سبحانه وتعالى أجر الرسالة مودة أهل البيت ومنهم فاطمة الزهراء
,فالآية نزلت في قربى الرسول وهم غلي وفاطمة والحسن والحسين كما نقل ذلك
أعلام الحديث والتفسير مثل الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج2 ص130
والحاكم النيسابوري في المستدرك (3).
الآية الثالثة:
قوله تعالى ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)( سورة آل عمران آية / 61 )
لم يختلف المسلمون أن هذه الآية أيضاً من مختصات أهل البيت فهي نزلت يوم
مباهلة نصارى نجران وقد أمر الله تعالى النبي ( ص) أن يأخذ معه علياً وفاطمة
والحسن والحسين (ع) فكانت هذه الآية وذلك مما ذكره مسلم في صحيحه كتاب
الفضائل باب فضائل علي بن ابي طالب(4)
وهكذا مثلت فاطمة كل نساء الأمة وكانت المباهلة بمثابة تثبيت للرسالة ولأهمية
الحديث وعظمته في مسيرة
الإسلام كان المباهلة بهم مع النبي (ص) هم علي وفاطمة وابناهما .. مع أن
الآية ذكرت نساءنا بصيغة الجمع إلا أن التمثيل المقدس كانت فاطمة فقط دون
غيرها من النساء ولا حتى نساء النبي (ص) فتأمل عزيزي القارئ وانطلق بعقلك
لتدرك مكانة الزهراء وعظمتها وما أظنك بقادر .
آيات أخرى :
يقول تعالى ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب
بها عباد الله يفجرونها تفجيراً يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً
) إلى قوله تعالى ( إن هذا كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكوراً )
( سورة الإنسان . آية /5-22 )
هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة
أيام وتصدقهم في تلك الأيام الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير
بينما هم في أشد الحاجة إلى الطعام لإفطارهم ولقد ذكر جميع كبير من
المحدثين والمفسرين أن هذه الآيات نزلت في هؤلاء الأربعة منهم الزمخشري
في كشافه .. والفخر الرازي في تفسيره (5).
إن نزول هذه الآيات في علي وفاطمة والحسين ينبوع أخر لكرامتهم ومكانتهم
عند الله ... إذ أن الخالق جل وعلا خاطبهم من عليائه بصيغة الأمر الذي أبرمه
وفرغ منه ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً وجزاهم بما صبروا
جنة وحريراً ...) إلى آخر الآيات هذه هي حقيقة الزهراء فاطمة وتلك هي مكانتها
عند الله .
يطول بنا المقام لسرد كل ما جاء عن فاطمة في القرآن ولقد جمع أحد
العلماء الآيات التي نزلت في فضل فاطمة وأهل البيت فبلغت (258) آية من الذكر
الحكيم .
ومع ذلك لو لم تأت إلا آية التطير أو المباهلة لكفي بها موعظة لقوم
يؤمنون فهذا قرآن عظيم في كتاب مكنون تنزيل العزيز الحميد .
فاطمة ( ع) بلسان أبيها:
ملاحظتان قبل الانطلاق في أحاديث الرسول (ص) عن فاطمة :
الملاحظة الأولى :
إن النبي (ص) حينما يتحدث عن فاطمة فإنه لا ينطلق من عاطفة الأبواب وهو
القائل فيه البارئ عز وجل ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وهو (ص)
في عموم حديثة عن الأشخاص لا يعطي أحداً أكثر مما يستحقه تبعاً لعاطفته وحتى
لو كان الإنسان ابنته .
لأننا لو قلنا بذلك لطعنا في نبوته وكلماته القدسية التي نؤمن جميعاً
بأنها حجة لا زيغ فيها ولا هوى .. قال عبد الله بن عمر بن العاص " كنت أكتب
كل شيء أسمعه من رسول الله (ص) فنهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول
الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول
الله فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق "
إن النبي الأكرم (ص) لا ينطق إلا صدقاً وعدلاً فلنضع كلماته عن الزهراء
نصب أعيننا ونحن نقرأ عن موقفها بعد وفاته ولا نترك للشيطان سبيلاً يتسلل منه
... لأن فهمنا لهذه النقطة يمهد لنا السبيل لفهم موقف فاطمة (ع)
.
الملاحظة الثانية :
إنه (ص) ركز في شخصية فاطمة على قدسيتها وخلوصها لله تعالى وقربها منه
(ص) بحيث يجعلك تأخذ الإحساس بأنها جزء منه ما يصيبه كأنما أصابها وما يصيبها
كأنما أصابه وأنها تمثله جسداً وموقفاً .. تعبر عنه وهو المعبر عن إرادة الله
تعالى وذلك في مجمل أحاديثه عن فاطمة " من أسخط فاطمة فقد أسخطني " من
أغضب فاطمة قد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله " وعلى هذا المنوال .
ولقد استوقفني كثيراً محور كلام الرسول عن ابنته والذي كان يدور حول
غضبها وسخطها ورضاها وكأنه – بأبي وأمي – يلمح للأمة بمصيبتها وابتلائها في
موقفها من الزهراء ... وهذا لا ولن يخف على ذوي الألباب المتفتحة والقلوب
المفعمة بحب النبي وآله فلماذا يا ترى كان التركيز على هذا المحور بالذات ؟!
هل يعقل أن يكون ذلك بلا سبب ؟ ! ألا يحمل هذا في طياته دلالات عميقة وإشارت
واضحات لقد كان رسول الله (ص) أبلغ العرب حين يتكلم وأكثر الناس حكمة حينما
يفصح كما كان أحسنهم إنصافاً للناس .
لقد هيأ الرسول (ص) الناس حتى يصدقوا الزهراء حين تنطق وهيأهم لأن
يتحاشوا غضبها إذا غضبت وأخبرهم أن أذاها أذى له وهكذا مهمة الأنبياء تربية
الأمم حاضراً أثناء حياتهم وتهيئتهم لاستقبال الحوادث المستقبلية بعد رحيلهم
.. والنبي وهو أعظم خص الزهراء وهو الصادق الأمين بهالة قدسية تحرم على
الآخرين هتكها ولم يكن ذلك لقرابتها منه بل لأنها أخلصت للحق وذابت في بوتقته
فكانت مقياساً ومعياراً بعد أبيها (ص) وتجلت حكمة الرسول في أحاديثه المختلفة
للأمة التي كانت تنظر لواقع المستقبل وهي تحمل في طياتها بصائر تتضح من
خلالها الرؤية وتحكم بها على أحداث الواقع في أي زمان ومكان والأمثلة على ذلك
كثيرة لقد تحدث النبي الأعظم (ص) عن علي بن أبي طالب (ع) حينما قال " علي مع
القرآن والقرآن مع علي " لأن معاوية سيأتي يوماً ويرفع المصاحف على أسنة
الرماح طالباً التحكيم بالقرآن كما حدث في صفين حينها ستعرف أين جهة الحق
والصدق لأن الرسول (ص) ترك المعيار فعلي والقرآن لا يفترقان كذلك عندما قال
(ص) لعمار " تقتلك الفئة الباغية " فإنه (ص) لم يترك مجالاً للاعتذار لأولئك
الذين قاتلوا في صف معاوية ضد علي ومعه عمار بن ياسر وهكذا أحاديث النبي (ص)
تنطلق من الحاضر لتشخيص داء الأمة في المستقبل كل ذلك يجعلنا ننظر إلى غضب
الزهراء بقدسية والى موقفها بتعقل إنه غضب من أجل الحق وموقف صدق ضد الانحراف
.
إننا ننزه الزهراء من أن تغضب في سبيل شيء غير الحق إنه غضب مقدس وصرخة
حق مدوية وبعد قليل سينكشف الغطاء وترى لماذا كان هذا الغضب .
واليك بعضاً مما قاله المصطفى في ابنته ربيبة الوحي فاطمة الزهراء (ع)
1- " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني "
رواه البخاري في صحيحه باب مناقب قرابة الرسول ج4 ص 281 دار الحديث
القاهرة(6) .
2- " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها "
رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة
وفي رواية " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها "
(7).
3- قال الرسول (ص) لفاطمة (ع)" إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " رواه
الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب مناقب الصحابة ص 154 وقال عنه حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه (8).
4-جاء في صحيح البخاري كتاب بدء الخليفة في باب علامات النبوة ج4 ص 250
بسند عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي ما تخرم مشيتها مشية النبي (ص) فقال
النبي (ص) مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو شماله ثم أسر إليها حديثاً
فبكت فقلت لها لم تبكين ؟! ثم أسر إليها حديثاً فضحكت فقلت ما رأيت
كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول
الله (ص) حتى قبض النبي (ص) فسألتها فقالت : أسر إلي أن جبرائيل كان يعارضني
بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول
أهل بيتي لحاقاً بي فبكيت فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة
فضحكت لذلك(9) .
وأورد الترمذي في سننه كتاب المناقب عن حذيفة قال " أتيت النبي (ص)
فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال : من
هذا حذيفة قلت : نعم قال : ما حاجتك غفر الله لك ولأمك ثم قال : إن هذا ملك
لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة
سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "(10).
وجاء في المستدرك ج 2 ص 294 بسنده عن عائشة قالت لفاطمة : ألا أبشرك؟
إني سمعت رسول الله (ص) يقول " سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران
وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسيا بنت مزاحم " وقال عنه الحاكم
النيسابوري حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه " يقصد بخاري ومسلم "
وجاء في كنز العمال ج7 ص 111 أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وذكر محي
الدين الطبري حديث أفضل أربع نساء فضلهم الله في ذخائر العقبى ص 44 وأضاف
وأفضلهم فاطمة .
5- عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي (ص) قالت ما رأيت أحداً
كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها .
6-أورد السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى ( سبحان الذي
أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام ) قال : وأخرج الطبري عن عائشة
قالت : قال رسول الله (ص) لما أسري إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على
شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة
فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض
واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة "(11).
وروى الحاكم في المستدرك ج 3 ص 156 بسنده عن سعد بن مالك قال :
قال (ص) أتاني جبريل (ع) بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت
خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة "
7- عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم
تحضى ولم تطمث وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ذكر ابن
حجر في صواعقه ص 160 كما أخرجه النسائي وجاء في تاريخ بغداد ايضاً ج 12 ص 331
.
8- في صحيح الترمذي ج 2 ص 319 عن عائشة أم المؤمنين قالت : ما رأيت
أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله (ص) قالت : وكانت إذا دخلت على
النبي قام اليها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي(ص) إذا دخل عليها
قامت
من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها الحديث رواه أيضاً أبو داوود في
صحيحه ج 33 في باب ما جاء في القيام ورواه الحاكم أيضاً في مستدرك الصحيحين ج
3 ص 154 .
9- جاء في مسند أحمد بن حنبل ج5ص275 كان رسول الله (ص) إذا سافر جعل آخر
عهده فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة وذكر ذلك الحاكم في المستدرك
ج1ص489 ورواه البيهقي في سننه .
10- قال رسول الله (ص) لعلي وفاطمة والحسنين : " أنا سلم لمن سالمكم
وحرب لمن حاربكم " رواه أحمد بن حنبل في مسنده ج 2 ص 442 والحاكم في المستدرك
ص 149 وابن الأثير في أسد الغاب ج3ص11 وج 5 ص 523
11- في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 190 أن النبي (ص) قال إذا كان يوم
القيامة نادى مناد من بطنان العرش " ياأهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم
حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين
كمر البرق " ذكره الحاكم في المستدرك ج3 ص 153 .
كانت جولتنا مع أحاديث الرسول (ص) حول فاطمة قصيرة مقارنة بما ورد في
حقها ولكن هذا القدر يكفي للعاقل حتى يتعرف على الزهراء (ع) التي أحاطتها
العناية الإلهية من قبل ميلادها وكانت في جنة الخلد هنالك كان المبدأ كما في
رواية الإسراء والجنة هي النهاية كما علمت وما بين الانطلاقة الأولى من الجنة
والمنتهى فيها كانت حياة الزهراء عظيمة تنبض بكل معاني القيم النبيلة فهل من
الممكن أن يكون هناك نشاز في منتصف الطريق ؟! يقيناً لا .. لذلك أوصى الرسول
بفاطمة كثيراً وحذر الناس من غضبها الذي يعني غضبه بل وغضب الله عز وجل كما
مر وشهدت لها عائشة بأنها أصدق الناس لهجة فهي الصديقة كما أن العناية
الإلهية كان لها الدور المباشر في صياغة شخصية الزهراء فصار أذها أذى الرسول
الذي يعني أذى الرسالة ونزل الوحي يجلجل بالتطهير كما جاء في آية التطهير
وتأكيداً على قدسية المسير ومباركة الرب لعمل فاطمة وأهل بيتها كانت سورة
الإنسان ... وحتى نزداد يقيناً بارتباط الزهراء بالوحي واستقامتها كانت
المباهلة ثم الزواج المبارك الذي تم في السماء قبل أن يتم في الأرض بأمره
سبحانه وتعالى . ورعاية الرسول (ص) الخاصة بفاطمة حتى انه عند قدومها يقبلها
ويجلسها في مجلسه وكذا العكس ولا يخرج (ص) في سفر إلا أن يكون آخر من يودعه
ابنته وأول من يسلم عليه عندما يعود هي سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل
الجنة إذا كل فعل تفعله هو فعل أهل الجنة وكل موقف تقفه هو موقف أهل الجنة
ولو نظرت في الجنة لرأيت نعيماً وملكاً كبيراً ويأتي المنادي غضوا أبصاركم
حتى تجوز فاطمة وتستقر في مقام محمود منه انطلقت وإليه تعود هذه المسيرة
المقدسة وهذه العظمة ألا تدفعنا للوقوف إجلالاً وإعظاماً لشخصية قدستها
السماء وبارك مسيرتها أبوها صاحب رسالة السماء كل ذلك الا يجعلنا نتوقف
قليلاً أمام مواقفها يبدو لي أننا حتى نستوعب كل ذلك نحتاج إلى عقل سليم وقلب
مفرغ من الغرور والاستكبار والهوى لقد جسدت الزهراء تعاليم الوحي وسارت وفق
هداه فكانت من الجنة إلى الجنة وما بين ذلك غضبها هو غضب الله فتأما وتفكر
وتدبر .
موقف الزهراء (ع) هو الفيصل:
في الأحداث التاريخية يلعب العقل دوراً كبيراً في استخلاص النتائج
والاعتبار بها والاستفادة منها ومن ثم الانطلاق لتجديد موقف معين تجاه تلك
الأحداث والتاريخ الإسلامي كتاب الثقافة الذي حفظ لنا تراثاً ضخماً ما زالت
الأمة تعيش على معينه وطوال تاريخ أمتنا الإسلامية مرت أحداث عظام مثلت منحى
لهذه الحضارة التي قامت أسسها على تعاليم الوحي بشقيه القرآن والسنة وبما أن
التاريخ ثبت لنا مجموعة من الأحداث يجب علينا نحن اليوم النظر فيها بعين
الإنصاف كما يجب علينا التعقل لنستخلص منها عبراً تعيننا لتحديد اتجاه السير
الصحيح خصوصاً وأن الأمة وبعد وفاة النبي الأكرم (ص) شهدت اختلافاً كبيراً
امتدت آثاره إلى يومنا هذا .
وقضية الزهراء (ع) ومأساتها لم تكن لتنفك عن أمر الرسالة الإسلاميةوموقف
الزهراء (ع) لا يمكن أن يمر عليه العاقل المتم بأمر الإسلام مرور الغافلين بل
لابد من التوقف عنده والسؤال هل كان موقف فاطمة (ع) يعني شيئاً في مسيرة
تحديد هويات الاتجاهات المختلفة ذلك ما سنعرفه الآن ولكن هناك مقدمة ضرورية
قبل الإجابة على هذا السؤال وهي :
نحن في تحديدنا للموقف المتعددة يجب وقبل كل شيء معرفة صاحب الموقف
معرفة تامة لأن ذلك يعيننا لتشخيص وتحليل الموقف تماماً وهذا شيء طبيعي
وعقلاني فمثلاً عندما يقف الرسول موقفاً معادياً لشخص آخر فإننا تلقائياً
ندين الطرف الآخر الذي وقف منه الرسول موقفاً عدائياً لأننا على يقين بأن
الرسول هو المقياس للفصل بين الحق والباطل وبالتالي إذا وقف في وجه شخص آخر
فذلك الشخص على خطأ لا يحتاج منا إلى بيان ولكن هذا احتاج منا إلى مقدمات
تجاوزناها سلفاً وهي عصمة الرسول وحجية قوله وتقريره وهذه الحجة لا تكون إلا
إذا كان قوله (ص)وفعله وتقريره حقاً ولا يمكن أن يكون بحال من الأحوال باطلاً
لأن القول بخطأ النبي (ص) يستلزم الطعن في القرآن الذي أمر بطاعة النبي (ص)
دون قيد أو شرط بل ليس الطاعة فقط وعدم المخالفة إنما عدم الحرج في قضائه (
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً
مما قضيت ويسلموا تسليماً ) من هذه الخلفية نكون على اطمئنان بكل موقف يقفه
النبي ( ص) إذ أن معرفتنا للشخصية تجعلنا نقيم الأحداث بشكل سليم بأفضل ما
يكون . والزهراء (ع) رفضت أن تبايع الخليفة وعارضته بأشد ما يكون وتركت لآثار
معارضتها إلى الآن إذ أنها أمرت بدفنها ليلاً وسراً ( ولم يكشف عن مكان قبرها
إلى الآن) فما مدى تأثير هذا الموقف الذي جوبه بأشد أنواع العنف في سيرة
الرسالة وما مدى حجيته علينا نحن المسلمين اليوم وإن ذلك يستدعي التعرف على
شخصية الزهراء بصورة تفصيلية خصوصاً فيما يختص بالحجة " يعني هل فعلها حجة
لها أم عليها " وذلك من الناحية التشريعية وإلا قد مر عليك فضائل الزهراء
ومناقبها .
عصمة الزهراء (ع):
المتتبع للنصوص الواردة في القرآن والسنة الشريفة عن أهل البيت (ع) بما
فيهم الزهراء (ع) لا يجد سوى الإقرار بعصمتهم وعلو شأنهم عن الذنوب والمعاصي
واليك لمحات من القرآن الكريم السنة الشريفة التي تثبت عصمة أهل البيت (ع)
وطهارتهم وقد مر عليك ذكر بعضها .لقد مرت عليك عزيزي القارئ آية التطهير
ودلالتها على عصمة أهل البيت المقصودين في الاية وفاطمة منهم ونورد الأدلة
التالية تعزيزاً لقولنا بعصمة فاطمة (ع)
1- قول الرسول (ص) عنها " إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها " هذا القول
للرسول (ص) تلازمه العصمة لأنه من المستحيل أن يناط غضب الزهراء بغضب الله
سبحانه وهي غير معصومة ...لأن القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في
الزلل والخطأ وربما تغضب لغير الحق والرسول (ص) في كلامه إطلاق بلا تقييد
يعني أن الزهراء (ع) لن تغضب إلا لشيء يغضب الله بسببه ومن كان غضبه يعني غضب
الله فهو لن يفعل إلا الحق ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين وبالتالي
يمثل غضبه الحق وفي الواقع إن هذا الحديث يدلل ا، الزهراء مكانة عظيمة لا
تدرك بالعقول .
ولبيان هذه العظمة التي من تجلياتها عصمتها (ع) أكد الرسول تكراراً
عليها كقوله (ص) فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها "(12)
,إن أذى الرسول يعني أذى الرسالة أذى القيم والمبادئ لأنه (ص) هو محور الحق
الذي يجب أن نقتبس منه إن الرسول (ص) يمثل الإدارة الإلهية وهو قطب الرحى
الذي به يعرف الموحد من المشرك والكافر إذ ا، اله تعالى غيب لا ندركه بعقولنا
وأوهامنا والارتباط به تعالى يكون عبر رسله وأنبيائه لذلك كان مبعث الأنبياء
وتوليه الأوصياء ولذلك لا يكون الرسول إلا معصوماً حتى لا يفترق عن الحق لحظة
واحدة وبالتالي تكون كل تصرفاته حق وأذيته تعني التحدي للرسالة والإرادة
افلهية ولبيان هذه الحقيقة يقول القرآن الكريم ( إن الذين يؤذون الله في
الدنيا والآخرة ) سورة الأحزاب آية /57 ) وأكرر القول إن الرسول (ص) عندما
يتحدث عن شخص أو يدلى بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة وبالتالي
يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حق والمتفق عليه أن قول الرسول (ص) وفعله
وتقريره حجة يعني شرع نتعبد به قربة الى الله تعالى وقد قال عليه وآله الصلاة
والسلام فاطمة بضعة مني يعني هي جزء لا يتجزأ من كيانه وروحه وهو كما قلنا
محور الحق والشرع وبالتالي تكون الزهراء (ع) أيضاً كذلك لذلك جعل الرسول
أذاها أذاه وكل شيء يريبها يريبه وهو المعصوم الذي لا تميل به الأهواء ومن
يكون جزءاً منه يؤذيه ما يؤذيه فهو أيضاً مؤهل أن يكون معصوماً وبهذا التقريب
نرى عصمة الزهراء (ع) جلية وواضحة أيضاً فقط تحتاج إلى وجدان صاف سليم وعقل
مستنير .
2- قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) إن كل
الأنبياء السابقين لم يطلبوا أجراً من أقوامهم إنما كان قولهم ( وما أسألكم
عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) لقد ذكر ذلك في القرآن على لسان
الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (13)
. ولكن نبينا الأعظم أمره الله عز وجل بأن يسأل أمته المودة في القربى ولكن
لا لكي يستفيد هو بل لتستفيد أمته لأنه ليس بدعاً من الرسل ليطالب بأجر
لرسالته من دون الرسل كما أنه ليس من المتكلفين كما جاء على لسانه قوله تعالى
( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين )(14)
. ودليلنا على أن الفائدة من هذا الأجر الذي طلبه منا تعود علينا نحن قوله
تعالى ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله )(15)
وبنظرة أخرى إلى آيات القرآن الحكيم نجد أن هذا الأجر المتمثل في مودة القربى
هو السبيل إلى الله تعالى في قوله عز وجل ( ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء
أن يتخذ إلى ربه سبيلاً)(16).
وهو الذكرى للعالمين كما يقول تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو
إلا ذكرى للعالمين )(17)
إذاً مودة القربى هي الذكرى وهي السبيل الذي يقول عنه تعالى ( إنا
هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ) والسبيل إلى الله لابد أن يكون
قويماً لا عوج فيه يعني باتباعه نضمن أننا على الصراط المستقيم ونهايتنا
الجنة بمعنى أقرب لا بد أن يكون معصوماً وقد تجسد في القربى وهم أهل البيت
(ع) كما هو المسلم به
عند جميع المسلمين فيما يرتبط بنزول الآية في أهل البيت (ع) وفاطمة عماد
ذلك البيت فوجب ان تكون معصومة لأنها أحد مصاديق ذلك السبيل .
3- فاطمة (ع) ومريم (ع) : فيما سبق من روايات وضح لنا أن فاطمة الزهراء
(ع) هي سيدة نساء العالمين وهي سيدة نساء الجنة وما إليه من أحاديث تثبت أن
الزهراء (ع) أفضل النساء من الأولين والآخرين ومن جملة النساء الكمل مريم
الصديقة (ع) أم النبي عيسى (ع) لقد ارتقت مريم سلم الكمال حتى اصطفاها الله
تعالى وطهرها بل وخاطبها الوحي كما جاء في القرآن الكريم يقول تعالى (وإذ
قالت الملائمة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) (
سورة آل عمران آية / 42 ) لقد طهر الله مريم واصطفاها وهذه هي العصمة بعينها
ولا يمكن بمجال أن يكون الفاضل أقل درجة من المفضول فإذا ثبتت عصمة مريم (ع)
فبالأولى إثبات عصمة الزهراء (ع) لأنها أعلى رتبة وأخص درجة بما عرفت عنها
ومدح الرسول (ص) لها .
لقد أوردنا ما أوردناه لإثبات عصمة الزهراء (ع) أو لا أقل بيان قدسيتها
بحيث يمتنع صدور فعل قبيح منها يخالف الشرع أو يرضى طموحاً لها ورغم قناعتي
بأن الكثير من المسلمين لا يحتاجون إلى مزيد من الكلام حول طهارتها وقدسيتها
إلا أنني تأكيداً للحجة على المعاندين والمغالطين أطلت الحديث عن هذا الموضوع
ولأنه سيكون المعتمد الأساسي في الإجابة على سؤال عريض سيواجهنا وتجب الإجابة
عليه
ألا وهو أين نقف نحن بالنسبة لموقف الزهراء من أبي بكر ؟ وكيف المخرج هل
يجوز لنا القول بأن الزهراء (ع) مخطئة ؟
أما بالنسبة للسؤال الأخير فلا يحق لنا ذلك بل إن القول به يعني الكفر
بالله وبآياته وبرسوله ويبدو لي أن الإجابة على بقية الأسئلة واضحة ولا تحتاج
إلى كبير عناء . ولكن قبل أن أنهي الحديث عن هذا الموضوع الذي أترك فيه
المجال لأصحاب العقول المنيرة والضمائر الحية ليحددوا فيه الموقف أعرج على
حديث شغلني كثيراً وأنا أقيم موقف الزهراء (ع) من الخليفة أبي بكر وغضبها
وعدم السماح له ولعمر بالصلاة عليه حتى وهي ميتة ألا وهو الحديث المشهور ( من
مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )حسناً لقد أصبح أبو بكر خليفة
للمسلمين بعد انتقال الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى والخليفة هو الإمام وقد
جاء في الحديث أن من لم يعرفه يموت ميتة كميتة الجاهلية وفاطمة (ع) ليس فقط
لم تعرف الخليفة بل عارضته وهاجمته وغضبت عليه وأمرت أن لا يصلي عليها فكيف
المخرج من هذه المعضلة فإما أن تكون فاطمة ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله
وهذا ما لا يقول به مؤمن برسالة أبيها (ص) وإما أن يكون في موقفها على حق
وبالتالي تنسف كل شرعية للخلافة القائمة آنذاك وهو ما قامت عليه الأدلة
والبراهين فثبتت نقلاً وعقلاً كما بينا وسنبين المزيد إن شاء الله تعالى .
بماذا طالبت الزهراء (ع) ؟
لقد جاء في البخاري ومسلم وغيرهما من المصادر أن الزهراء طالبت بفدك ولا
شك ولا ريب أنها كانت تطالب بشيء تعتبره ملكاً لها أو حقاً شرعياً خاصاً بها
لقد طالبت فاطمة بالإضافة إلى فدك بحقوق أخرى سنذكرها لكنها أظهرت فدك
باعتبار أن ملكيتها آلت إليها بوجود الرسول (ص) وقبل وفاته وبالتالي لاربط
لها بقضية الميراث التي زعموا أن الرسول خارج عنها .
أما فدك فقد قال عنها ياقوت هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان
وقيل ثلاثة وفيها عين فوارة ونخيل كثير(18)
.
وقصتها أن الرسول (ص) بعث إلى أهل فدك وهو بخيبر منصرفه منه يدعوهم إلى
الإسلام فأبوا فلما فرغ رسول الله (ص) من خيبر قذف الله الرعب في قلوبهم
فبعثوا إلى رسول الله (ص) يصالحونه على التصرف فقبل منهم (19).
وفي فتوح البلدان : فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله لأنه لم يوجف
المسلمون عليه بخيل ولا ركاب .
لقد كانت فدك ملكاً لرسول الله (ص) ومعلوم أن من حقه التصرف في ملكه وقد
كان ذلك حينما منحها لقرة عينيه فاطمة كما جاء في شواهد التنزيل للحسكاني
وميزان الاعتدال للذهبي ومجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي واللفظ
للأول عن أبي سعيد الخدري لما نزلت ( وآت ذا القربى حقه ) دعا النبي (ص)
فاطمة وأعطاها فدك(20).
إذا فدك كانت ملكاً وحقاً لفاطمة الزهراء ولا يجوز بحال نت الأحوال
منعها هذا الحق وهي هي كما علمت فكيف يجرؤ أحد على منعها ما أعطاه لها الرسول
بأي حق كان ذلك لقد قالوا أن الأنبياء لا تورث – ورغم عدم ثبوت ذلك فإن فدك
لم تكن من التركة حتى يحتج عليها بهذا الحديث ولقد تدرجت الزهراء في مطالبتها
بحقوقها حتى تتضح الأمور لذي عينين غير أن بعض الأحاديث مجملة غير مفصلة
تختلط فيها لدى القارئ أو راق القضية فيظن أن فدكا كانت ميراثاً وكذلك سهم ذي
القربى في حين أن كل ذلك غير الميراث وحتى تتضح الرؤية دعنا نفصل بعض الشيء
في هذا الأمر .
لقد طالبت فاطمة أولاً بما أعطاها الرسول (ص) ثم ثانياً بإرث الرسول
وثالثاً ذي القربى وإليك بعض الكلام في هذه المطالبات .
أولاً: المطالبة باسترداد فدك التي لها ملكيتها .
جاء في فتوح البلدان : إن فاطمة (ع) قالت لأبي بكر الصديق (رض) أعطني
فدك فقد جعلها رسول الله لي فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي
(ص) فشهدا لها بذلك فقال إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل
وامرأتين (21).
وفي رواية أخرى " شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهداً أخر فشهدت لها
أم أيمن وإن عشت أراك الدهر عجباً فاطمة (ع) التي نزلت آيات القرآن تطهرها
وتعصمها تكذب وتسأل البينة إنها سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة التي
بلعت درجة من العصمة والطهارة حتى صار غضبها غضب الرب ورضاها رضاه لقد قبل
المسلمون شهادة أبي بكر في حديث الرسول (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث فكيف
لا يقبلون ادعاء الزهراء بأن فدكاً ملكها لقد تجلت حكمة الرسول (ص) حينما أكد
على مكانة الزهراء وصدقها في الأحاديث المتقدمة خاصة ما جاء على لسان عائشة
بنت أبي بكر لقد قالت ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها أي فاطمة (ع) .
لقد وقفت حائراً أمام هذا الموقف أين أقف ؟! هل أضرب بكلام الوحي وقول
الرسول (ص) عن فاطمة عرض الحائط وأؤيد تكذيب القول لها أم ماذا أفعل بلا شك
لن أجعل كلام الرسول هذراً ولن أضعه وراء ظهري كما أنني لن أبرز ما فعلوه
حينما صدوا الزهراء عن حقها لقد استولى أبوبكر على فدك كما استولى
على غيرها من الأملاك والحقوق الخاصة بالرسول (ص) ولا أرى مبرراً
وجيهاً يدعوه لمنع الحق عن أصحابه إلا أن يكون هناك أمر آخر ربما خفي
علي وعليك أيها القارئ العزيز لكن مجريات الأحداث ستبين لك ما هو
غامض !!
ثالثاً : مطالبتها بإرث الرسول (ص)
عن أبي الطفيل بمسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داوود وتاريخ الذهبي وتاريخ
ابن كثير وشرح النهج واللفظ للأول قال: لما قبض رسول الله (ص) أرسلت فاطمة
إلى أبي بكر : أنت وارث رسول الله (ص) أه أهله ؟
قال : فقال : لا بل أهله قالت : فأين سهم رسول الله (ص) (22).
وفي رواية عن أبي هريرة في سنن الترمذي : أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر
وعمر ( رض ) تسأل ميراثها من رسول الله (ص) فقالا : سمعنا رسول الله يقول "
إني لا أورث " قالت والله لا أكلمكما أبداً فماتت ولا تكلمها "(23)
. وغيرها من الروايات الكثيرة التي تتحدث عن منع أبي بكر فاطمة ميراثها من
الرسول (ص) أبيها بما في ذلك الحديث الذي بدأنا به هذا البحث
ثالثاً : المطالبة بسهم ذي القربى .
لقد منعوها ملكها الخاص " فدك" وجاؤوها بحديث " الأنبياء لا يورثون "
الذي قال فيه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة " المشهور أنه لم يرو حديث
انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده وقال " إن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر
إلا أبو بكر وحده ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه اطبقوا
على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد
وقال شيخنا أبو علي : لا
يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة فخالفه المتكلمون والفقهاء
كلهم واحتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده " نحن معاشر الأنبياء
لا نورث "(24).
عندما لم يجيبوها في كل ذلك طالبتهم بسهم ذي القربى فقد جاء عن أنس بن
مالك أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات
وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ثم قرأت عليه
قوله تعالى ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى )
فقال لها أبو بكر بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول اله (ص)
وحق قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقر أين منه ولم يبلغ علمي منه أن
هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملاً قالت : فلك هو ولأقربائك ؟! قال : لا
بل أنفق عليكم منه وأضرف الباقي في مصالح المسلمين قالت : ليس هذا حكم الله(25).
وفي فتوح البلدان وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام للذهبي وشرح النهج عن
أم هاني قالت : إن فاطمة بيت رسول الله أتت أبا بكر (رض) فقالت : من يرثك إذا
مت ؟ قال : ولدي وأهلي قالت فما بالك ورثت رسول الله دوننا ؟ قال : يا بنت
رسول الله ما ورث أبوك ذهباً ولا فضة , فقالت : سهمنا بخيبر وصافيتنا فدك .
ولفظ طبقات ابن سعد : فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك . وفي لفظ
ابن أبي الحديد وتاريخ الإسلام للذهبي :
قال : ما فعلت يابنت رسول الله (ص) فقالت بلى إنك عمدت إلى فدك وكانت
صافية لرسول الله (ص) فأخذتها وعمدت إلى أنزل الله من السماء فرفعته عنا(26)
لقد طالبت الزهراء (ع) بحقوقها كاملة فلم تحصل منها على شيء ولا أدري
لماذا منعت وردت إما لأنها كذبت في دعواها وحاشا لمن وعى كلام رسول الله (ص)
وآمن بالوحي حقاً أن يدعي عليها مثل هذه الفرية وقد علمت حرص الرسول (ص) في
الحديث عن فاطمة (ع) حتى لا تذهب المذاهب بالقول وكيف يمكن أن تكذب وهي
المطهرة بنص القرآن والمعصومة والصادقة في سيرتها كما جاء في الروايات وهي
التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ؟ إنها الزهراء (ع) ميزان الحق الذي به
يعرف الباطل وأي خطأ وخطل يرتكب من يحاول أن يشكك في حقها الذي طالبت به ؟
لأن ذلك يعني الشك في قول الله تعالى وقول رسوله .وليس هناك مجال لمدع يدعي
أنها كانت جاهلة بحقوقها وأنها ربما لم تسمع بأنها لن ترث أباها وأن ملكها
يمكن أن يتصرف فيه الخليفة كيف يشاء إذ أن من المستحيل أن يغفل رسول الله (ص)
عن بيان ذلك لابنته الزهراء (ع) وهي المعنية بالأمر في الدرجة الأولى دون
سائر المسلمين وزوجها هو علي بن أبي طالب الذي قال عنه الرسول (ص) أنا مدينة
العلم وعلي بابها "(27).
وقد أكد علي (ع) دعوى فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر : قال رسول الله " لا
نورث ما تركناه صدقة " فقال علي ( وورث سليمان داوود ) وقال ( يرثني ويرث من
آل يعقوب )
قال أبو بكر هو هكذا وأنت والله تعلم مثل ما أعلم فقال علي : هذا كتاب
الله
ينطق ! فسكتوا وانصرفوا (28).
إذا فاطمة كانت تدرك تماماً ما تفعله وعن علم كامل بحقوقها وإلا لماذا
استمر غضبها إلى حين وفاتها ولم تتراجع بل احتجت على أبي بكر بأن الأنبياء
يورثون من القرآن الحكيم في خطبتها التي خطبتها أمام الخليفة الأول وذلك بعد
منعها منحتها وإرثها وحقها في الخمس .جاء في شرح النهج وبلاغات النساء لأحمد
بن طاهر البغدادي لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر منعها فدك لآثت حمارها على
رأسها واشتملت جلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما
تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من
المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنه أجهش لها القول
بالبكاء وارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيخ القول وهدأت فورتهم
افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله ثم قالت
: أنا فاطمة بنت محمد أقول عوداً بدء لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما
عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا
ابن عمي دون رجالكم ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها
ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من
الله حكماً لقد يوقنون يا ابن أبي قحافة ! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت
شيئاً فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم
محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون .
وفي معرض خطبتها الغراء تواصل الزهراء احتجاجها بما جاء من القرآن عن
ميراث الأنبياء فقالت : أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ
يقول الله تبارك وتعالى : ( وورث سليمان داوود ) ووقال ونبذتموه وراء ظهوركم
إذا يقول الله تبارك وتعالى ( وورث سليمان داوود ) وقال الله عز وجل في ما قص
من خير زكريا ( رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال عز
ذكره ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله ) وقال ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) وقال (
إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) وزعمتم
أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج نبيه (ص) منها أم تقولون
أهل ملتي لا يتوارثان أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص
القرآن من أبي وابن عمي أفحكم الجاهلية تبغون (29).
إن للزهراء من منازل القدس عند الله عز وجل ورسوله والمؤمنين ما يوجب
الثقة التامة في صحة ما تدعي والطمأنينة الكاملة بكل ما تنطق به ولا تحتاج
عليها السلام في كلامها إلى شاهد ودعواها بمجردها تكشف عن صحة المدعى به
كشفاً تاماً بلا نقصان ومع ذلك فقد جاءت كما ذكرنا بشاهد لا أظن أنهم يحتاجون
إلى شاهد وهو علي (ع) أخو النبي ( ص) الذي لا يفارق الحق والقرآن أبداً ولكن
رفضت شهادته ولعمري إن شهادة علي أولى من شهادة خزيمة التي جعلها الرسول (ص)
كشهادة عدلين ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي (ع) كشهادة رجل واحد من عدول
المؤمنين فلماذا لم يطلب أبو بكر من
فاطمة اليمين فإن حلفت وإلا دعواها لوجوب الحكم بالشاهد واليمين كما
رواه
مسلم في أول كتاب الأقضية عن ابن عباس قال : قضى رسول الله (ص) بيمين
وشاهد ونقل في الكنز عن الدارقطني عن ابن عمار قال : قضى الله في الحق
بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف معه .
ومما يحير الألباب أن تكذب فاطمة وترد دعواها ولا تقبل شهادة علي كل ذلك
حرصاً منهم على منعها منحة رسول الله (ص) بعد أن جعلوها من متروكات الرسول
(ص) يعني من حق ورثته .
لكنهم جاؤوا بحديث " الأنبياء لا يورثون " واحتجت عليهم الزهراء في
خطبتها بأنها تستحق ميراث رسول اله فذكرت من الأدلة القرآنية ما يروي الظمأ
ويبين الحق وتلت الآيات التي ورث فيها الأنبياء وكون حكمها عاماً يشمل ابنة
النبي الأعظم (ص) ثم عرجت على آيات الميراث العامة والتي خوطب بها النبي (ص)
فكان الأولى أن تطبق عليه ثم على سائر المسلمين يقول السيد عبد الحسين
الموسوي " إن توريث الأنبياء منصوص عليه بعموم قوله عز من قائل ( للرجال نصيب
مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل
منه أو كثر نصيباً مفروضاً ) وقوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل
حظ الأنثيين ) إلى آخر آيات المواريث وكلها عامة تشمل رسول الله (ص) فمن دونه
من سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم ) وقوله سبحانه وتعالى ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من
أيام أخر ) وقوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) الآية ونحو
ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي (ص) وكل مكلف من البشر لا فرق
بينه وبينهم غير أن الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه إلى من سواه فهو
من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم من غيره كذلك آيات الميراث تخص
الرسول (ص) كغيره من سائر الناس عملاً بظاهر الآيات الكريمة(30).
أما كون الأنبياء السابقين قد ورثوا المال فهذا ما نجده في ظاهر الآيات
التي
تحدثت عن زكريا (ع) وغيره من الأنبياء كما ذكرت الزهراء في الخطبة ولعل
هنالك من يدعي أن ميراث الأنبياء كان العلم دون المال ولكن ذلك خلاف الظاهر
من الآيات إذ أن لفظالميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلا على طريق المجاز
والتوسع ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة وقرينة وبالجملة لا بد من
حمل الإرث فالآيات القرآنية التي تتحدث عن ميراث الأنبياء على إرث المال دون
العلم وشبهها حملاً للفظ يرثني على معناه الحقيقي المتبادر إلى الذهن إذا لا
قرينة على كون المراد في الآيات توريث العلم ومن يدعي ذلك عليه الإثبات وعلى
فرض أن الأنبياء ورثوا العلم لأبنائهم وذويهم فهلا سمعوا العلم عمن ورثة عن
النبي (ص) وأخذوا بكلام هؤلاء الورثة علم رسول الله (ص) الذين هم أعلم بأحكام
الدين من غيرهم واتبعوهم أمناً من الضلال " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم بها
لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي "ومما يثير التساؤل ميراث زوجات
النبي المتمثل في بيوته التي اختص بها نساءه عائشة كيف تسنى لها البقاء في
بيت النبي (ص) مع أنه وعلى حسب مدعاهم لا يورث ولم يثبت أن النبي (ص) ملكها
هذا البيت في حياته كما أن أباها الخليفة الأول لم يطالبها ببينة وانتقلت
إليها ملكية البيت بعد وفاة الرسول (ص) وأصبحت هي المتصرفة فيه حتى أن أبا
بكر وعمر طلبا منها الإذن حتى يدفنا
بجوار رسول الله (ص) كما أنها منعت من دفن من هو أكثر نصيباً منها على
فرض أنه من الميراث لأنها ترث التسع من الثمن باعتبارها إحدى تسع أزواج
مات النبي (ص) وهن في عصمته وللزوجة كما هو معلوم ثمن الميراث إن كان له
ولد بينما يرث الحسن (ع) عن طريق أمه فاطمة (ع) أكثر منها ومع ذلك ينقل لنا
اليعقوبي في حادثة وفاة الحسن بن علي (ع) ثم أخرج نعشه يعني الحسن يراد به
قبر رسول الله (ص) فركب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص فمنعا من ذلك حتى كادت
تقع الفتنة وقيل أن عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت:
" بيتي لا آذن فيه لأحد"(31).
والقرآن الحكيم يثبت أن هذه البيوت التي أودع فيها زوجاته هي له دون
الزوجات في قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن
يؤذن لكم ) سورة الأحزاب : آية /35 ) فنسبه البيوت إلى النبي واضحة فهو الأصل
وزوجاته عرض على هذه البيوت ولا يعترض قائل بأن الله تعالى يقول أيضاً ( وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية
الأولى ) لأن كلمة ( بيوتكن ) هنا تشمل البيت الذي كان في زمن حياة
النبي (ص) والذي تنتقل إليه الزوجة عادة بعد وفاة زوجها فالزوجة إما ترجع إلى
بيت أهلها أو تبقى في بيت زوجها والأخير لا يتم إلا عن أحد طريقين إما أنها
تملكته في حياة زوجها أو أنها ورثته عنه والثاني غير ممكن بالنسبة لزوجات
النبي (ص) عند من يؤمن بحديث لا نورث أما الأول فلم يثبت أن النبي (ص) قد نحل
البيوت لأزواجه في حين أن فدكاً نحلت لفاطمة الزهراء كما جاء في تفسير آية (
وآت ذا القربى حقه ) قالوا لما نزلت هذه الآية دعا النبي (ص) فاطمة وأعطاها
فدك(32).
إذاً كلمة ( بيوتكن ) لا دلالة فيها على ملكية زوجات النبي (ص) لبيوته
بل الآية الأولى واضحة في نسبة البيوت للنبي (ص) وهي المقيدة للآية الثانية
في حال حياة النبي (ص) لقد طالبوا الصديقة الطاهرة بالبينة ولم يطالبوا غيرها
بذلك ... ما السبب ؟! ذلك ما ستكشف عنه الأحداث كما سنفصل .
فدك الرمز:
تعرفنا على الزهراء من خلال القرآن فكانت المثال الأعلى للإيمان والتقوى
والورع والزهد والعصمة تجلت لنا أسمى معاني الإيثار في الزهراء ومع أهل البيت
(ع) يجودون بطعامهم للمسكين واليتيم والأسير لقد مدحها الله مع ابيها وبعلها
وبنيها فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ووصفهم بأنهم الموفون بالنذر
الخائفون من يوم كان شره مستطيراً وهو تعالى القائل عن لسانهم
( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً ) ثم جعل
سبحانه وتعالى مودتهم أجراً للرسالة والنبي الأكرم (ص) يتحدث عن ابنته فتفيض
كلماته لتعطي الزهراء (ع) هالة من القدسية يتوقف عندها كل القديسين والأولياء
إجلالاً لعظمتها فاطمة (ع) هذه الشامخة المدركة تماماً أنها ما خلفت إلا
للآخرة إنها كانت مكن الصنف الذي لا يقيم لحطام الدنيا وزناً وهي التي أهدت
حتى ثباب عرسها لسائلة مسكينة ليلة زفافها كما جاء في التاريخ(33).
وهي من علمت أخي القارئ من خلال استعراض آيات الذكر الحكيم التي نزلت
فيها إضافة إلى كلام أبيها وسيرتها العطرة فاطمة الزهراء (ع) التي عرفتها هي
أكبر من أن تطالب بقطعة أرض يا ترى لماذا كان إصرارها على المطالبة بحقوقها
المادية المتمثلة في فدك وغيرها من الخمس والميراث ؟ إنها لم تكن
حريصة على امتلاك شيء مآله إلى الزوال في هذه الدنيا ومن المستحيل أن
ندعي على الزهراء بأنها قلبت الدنيا على الخليفة الأول نمن أجل شيء
يرتبط بالدنيا لا سيما أن النبي (ص) أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به .لابد
من أن يكون هنالك شيء عظيم استهدفته الزهراء من مطالبتها بفدك من مجمل
الأحداث التي عليها أثناء بحثي توصلت إلى مغزى مطالبة فاطمة بفدك
ومن ثم اتخاذها ذلك الموقف من الخلفاء وغضبها ودفنها ليلاً وسراً .
بعيد وفاة الرسول (ص) مباشرة حدث الاختلاف حول الخلافة البعض ينادي
بخلافة علي (ع) وأهل البيت وآخرون يرون شرعية ما جرى في السقيفة من تولية
لأبي بكر إن الأحداث بعد وفاة الرسول (ص) أخذت بعداً آخر ولم تكن فدك فيها
إلا حلقة من حلقات الصراع بين أصحاب السقيفة وأهل البيت (ع) المعارضين لها
بقيادة علي وفاطمة (ع) وكان بيت فاطمة هو ملتقى المعارضة يقول ابن قتيبة في
تاريخه " إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعة في دار علي "
وفاطمة " فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب يريد منهم أن يبايعوا بالإكراه
والقوة وقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له يا
أبا حفص إن فيها فاطمة وإن فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت لا عهد
لي بقوم حضروا أسوأ محضراً منكم تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا وقطعتم
أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقنا "(34)
لقد أطلعت فاطمة (ع) صوت المعارضة وحملت مشعل الحقيقة لتبين للجماهير
التي اشتبه عليها الأمر وطالبت بفدك وأثبتت بذلك للتاريخ كله أن خلافة تقوم
في أول خطوة لها بالاعتداء على أملاك رسول الله ليست امتداداً له بقدر ما هي
انقلاب عليه كما هو الشأن في كل الانقلابات التي تتم في العالم حيث تم
مصادرة أملاك السابقين وأي شخص يتجرد من العصبية المذهبية ويفهم أوليات
السياسة يدرك مغزى مصادرة فدك وإخراج عمال فاطمة منها وبالقوة أو كما
يعبر صاحب الصواعق المحرقة " انتزاع فدك من فاطمة " ولم تكن فدك قطعة الأرض
هي مقصد فاطمة (ع) بل الخلافة الإسلامية التي كانت حقاً لزوجها علي بن أبي
طالب كما سنتبين ويمكن تلخيص أسرار المطالبة بفدك في الآتي :
1- إن فاطمة كغيرها من البشر تطالب بحقها سواء كان نحلة أو هبة من رسول
الله (ص) أو ميراثاً أو حقوقاً شرعية كالخمس ومن هذا الحق الطبيعي انطلقت
الزهراء لتعري القول وتكشف عن حقيقتهم والحكمة كانت تقتضي أن تكون المبادرة
من الزهراء (ع) بعد أن استولى الحاكم الجديد على جميع امتيازات الهاشميين
وكانت مطالبة علي بن أبي طالب وبقية الهاشميين بحقوقهم صعبة في ظل تلك الظروف
التي رفض فيها هؤلاء مبايعة الخليفة وإمضاء ما جرى في السقيفة واي محاولة
منهم للتحرك كانت تعني إعطاء الطرف الآخر المبرر للتصفية التي كانت تلوح في
الأفق من خلال كلمات جماعة السقيفة وهم يتشاورون ويبحثون عن طريقة يجبرون بها
الهاشميين وعلى رأسهم علي (ع) على البيعة .
2- لقد رأت الزهراء في المطالبة بفدك فرصة طيبة للإدلاء برأيها حول
الخلافة وكانت لابد من أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير فاختارت المسجد
المكان المناسب حيث معقل الخلافة هنالك وحيث كان أبوها يلقي الحديث تلو
الحديث عن فضلها ومكانتها عند الله وصدقها وزهدها وقدسيتها ولذلك عرفت نفسها
في الخطبة قائلة " واعلموا أني فاطمة وأبي محمد ) وانطلقت في مهمتها الرسالية
لتطهير حال ومآل الخلافة وتكشف الحقائق ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة .
3- كانت الخلافة المغتصبة هي محط أنظار البتول الطاهرة (ع) فجاءت
مطالبتها الحثيثة بفدك وغيرها من الحقوق وبعدها يفسح لها المجال لتطالب
بالأمر الذي اختص به زوجها وهو ولاية أمر المسلمين وأصبحت فدك ترتبط بالخلافة
بلا فاصل كما تحول محتواها وكبر معناها فلم ينحصر في قطعة الأرض المحدودة بل
صار معناها الخلافة والبلاد الإسلامية كاملة ..
وذلك ما وضحه حفيدها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) حينما ألح عليه
الرشيد العباسي في أخذ فدك, قال له
الإمام : ما آخذها إلا بحدودها قال الرشيد وما حدودها قال (ع) الحد الأول عدن
والحد الثاني سمرقند والحد الثالث أفريقية والحد الرابع سيف البحر مما يلي
الخزر وأرمينية فقال له الرشيد فلم يبق لنا شيء فتحول من مجلسي - أي إنك
طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها - فقام الإمام قد أعلمتك
أني إن حددتها لم تردها فدك إذاً هي التعبير الثاني عن الخلافة الإسلامية
والزهراء (ع) جعلت فدك مقدمة للوصول إلى الخلافة .
ذكر ابن أبي الحديد في شرحه قال : سألت علي بن الفارقي مدرس مدرسة
الغربية ببغداد فقلت له أكانت فاطمة صادقة ؟ قال نعم قلت فلم لم يدفع إليها
أبو بكر فدك وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه
وحومته وقلة دعابته قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً
وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقام ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشيء
لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة
إلى بينة ولا شهود (35).
ومما يؤكد دعوانا في أن الخلافة كانت هي الهدف الأساسي ما جاء في
الإمامة
والسياسة من قول ابن قتيبة " وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت
رسول الله (ص) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة فكانوا يقولون
يابنت رسول الله لقد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا
قبل أبي بكر ما عدلنا به فقال علي كرم الله وجهه أفكنت أدع رسول الله (ص) في
بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة ما صنع أبو الحسن إلا
ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(36).
لقد كان لفاطمة (ع) موقف واضح من الخلافة حتى أن بيتها كان عند جماعة
السقيفة هو مركز المعارضة حتى قال عمر في روايته لما جرى في السقيفة بعد أن
ذكر أنها فتنة ولكن الله وقى شرها المسلمين يقول وإن علياً والزبير ومن معها
تخلفوا عنا في بيت فاطمة (37).
تجمع الهاشميون في بيت فاطمة (ع) وأعلنوا معارضتهم لما جرى في السقيفة
ومعهم بعض الأنصار الذين كانوا يهتفون لا نبايع إلا علياً كما ينقل ابن
الأثير ثم يقول " وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة وقال الزبير
لا أغمد سيفاً حتى يبايع علي فقال عمر خذوا سيفه واضربوا به الحجر "(38).
وجاء في تاريخ اليعقوبي " أن البراء بن عازب جاء فضرب الباب على بني
هاشم وقال يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر فقال بعضهم ما كان المسلمون يحدثون
حدثاً نغيب عنه ونحن أولى بمحمد فقال العباس فعلوها ورب الكعبة(39).
وينقل أيضاً أنه قد تخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار
ومالوا
مع علي بن أبي طالب منهم العباس والفضل والزبير والمقداد وسلمان وعمار
وبلغ أبا بكر وعمر أن هذه الجماعة قد اجتمعت مع علي في منزل الزهراء
فاطمة بنت رسول الله (ص) فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار(40)
.
إذاً لقد تابعت الزهراء أحداث المعارضة بكل تفاصيلها لأنها انطلقت من
بيتها وكما هو معلوم تختلف أدوار المعارضة من شخص إلى آخر واتكأت فاطمة (ع)
على شخصيتها الطاهرة المقدسة التي عرفهم بها القرآن والرسول فأعلنت المعارضة
كما هو واضح من النصوص التاريخية استعرضناها وكانت المطالبة بفدك لكن القوم
أبوا إلا أن يسدوا كل المنافذ التي كانت تفتح لإيصال كلمة الحق للناس ومع ذلك
يظل موقف الزهراء نوراً به يستكشف الحق لمن أراده حقيقة .
لقد كانت الفترة ما بين وفاة الرسول (ص) إلى حين وفاة ابنته فاطمة
الزهراء (ع) منحنى خطيراً في تاريخ الأمة افسلامية ترك بصمات واضحة لمن ألقى
السمع وهو شهيد .
وكان لفاطمة (ع) الدور الرئيسي في هذه الفترة وفي مقابل ذلك لم يسكت
أصحاب السقيفة مكتوفي الأيدي وهم يرون الزهراء (ع) تفعل ما تفعل فكان لا بد
لهم من محاولة إسكات هذه الصرخة فجرت الأحداث ساخنة كما تذكرها كتب التاريخ
والسير .
الخلفاء واقتحام الدار:
بلغ الصراع أعلى قمة له بين أصحاب السقيفة والهاشميين ومن نادى بخلافة
علي (ع) حينما تحصنوا بدار فاطمة (ع) وأعلنوا رفض الخلافة وكان لا بد للسلطة
آنذاك أن تتخذ خطوات عملية أكثر تطوراً حتى لا تتفاقم الأمور وتسير على غير
ما يشتهون خصوصاً وأن الطرف المقابل المعارض وعلى رأسه علي
وفاطمة (ع) له من القدسية ما يلهب في الآخرين الحماس والتحرك لمواجهة
الحكومة .وفي مسجد رسول الله (ص) حيث مقر الحكم بدأت المشاورات والتخطيط
لإجبار المعارضة على البيعة وكما هو معلوم فإن بيت فاطمة يفتح مباشرة على
المسجد ولا باب لهم إلا هذا كما سيأتي في حديث سد الأبواب إلا باب علي (ع)
لقد كانت فكرة أصحاب السقيفة تتلخص في ضرورة إجبار هؤلاء على البيعة حتى لو
اضطرهم ذلك لقتالهم وقتلهم .
جاء في كتاب الإمامة والسياسة فأتى عمر أبا بكر فقال له ألا تأخذ هذا
المتخلف عنك " يعني علي (ع) بالبيعة فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب
فادع لي علياً قال فذهب إلى علي فقال له ما حاجتك فقال يدعوك خليفة رسول الله
فقال علي لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة قال فبكى أبو بكر
طويلاً فقال عمر لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة )(41).
لقد كان الإصرار قوياً من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف علي (ع) عن
البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل يقول ابن قتيبة " فقالوا له : بايع فقال إن لم
أفعل فمه ؟ قالوا إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك !(42)
لقد استفحل الأمر بين الجبهتين حتى أنه وكما ينقل لنا اليعقوبي لو وافى
علياً أربعون من المخلصين لكان لأمر الخلافة حديث آخر ولكن لم يجد علي من
يعينه يقول اليعقوبي وكان خالد بن سعيد غائباً فقدم فأتى علياً فقال هلم
أبايعك فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك واجتمع جماعة إلى علي بن
أبي طالب يدعونه إلى البيعة له فقال لهم أغدوا علي غداً محلقين الرؤوس فلم
يغدواإلا ثلاثة نفر )(43)
ولم تبق وسيلة أمام السلطة إلا إقتحام الدار وإجبار من فيها حتى ولو
كانت هذه
الدار هي تلك الدار المقدسة التي يقطنها أهل البيت (ع) ولم يشفع أهل
الدار دون أن تحرق وتنتهك حرمتها وهذا ماجرى عندما تفقد أبو بكر قوماً تحلفوا
عن بيعته عند علىً كرم الله وجهة فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي
فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على
من فيها فقيل له يا أبا حفص : إن فيها فاطمة ؟قال وإن (44).
لقد حاولوا أن يلفتوا انتباه الخليفة الثاني الذي كان شديداً في الأخذ
لبيعة أبي بكر ولكنه كان في كامل وعيه وهو ينوي الإحراق وإشعال النار في بيت
بنت المصطفى لقد نظم الشاعر حافظ إبراهيم الحادثة قائلاً
وقوله لعـــلي قالـــها عــــــــمـــر
أكرم بسامعها أكرم بملقيــــــــــها
أحرقت دارك لا أبقي عليك بـــها
إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها
أمام فارس عدنان وحاميــــــــها
لقد استقبلتهم الزهراء (ع) من وراء الباب صارخة إلى أين يا بن الخطاب ؟
أجئت لتحرقدارنا ؟ قال نعم (45).
لم يكن أمام القوم إلا الخلافة فاقتحموا تلك الدار وأدخلوا فيها الرجال
يقول اليعقوبي " وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد
اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بيت رسول الله فأتوا في جماعة حتى
هجموا على الدار (46)"لا أدري
كيف طاوعتهم أنفسهم لهتك ستر هذه الدار التي كان الرسول يقبض حلقتها عند كل
صلاة صائحاً الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيراً (47) ,
من أين أتتهم الجرأة لكشف ذلك البيت الذي كان يخرج رسول الله في
أسفاره ثم منه يكون أول محطة له عند عودته هذا البيت الذي كان يقدسه الرسول
(ص) ويأمر الناس بتقديسه ولكنها الخلافة .. الرئاسة ... الملك
لقد أغلق رسول الله (ص) كل الأبواب التي كانت تفتح على مسجده إلا باب
هذا البيت فكيف يكون هو نفسه هدف الهجوم من الرجال ...
لقد جرى كل شيء على مرأى ومسمع الخليفة أبي بكر إذ أن المنبر ليس ببعيد
عن موقع الأحداث التي جرت في بيت فاطمة (ع) بل إن أبا بكر يعترف بأن الدار قد
تم اقتحامها بأمره ويعتبرها إحدى أفعاله التي تمنى لو يقم بها يقول مرض موته
" لا آسى على شيء من الدنيا إلا عللى ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن وثلاث
تركتهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله (ص) فأما الثلاث
اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد
غلقوه على حرب "(48)
وفي اليعقوبي :(... وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله
الرجال واو كان أغلق على حرب )(49).
في هذين النصين يبرز واضحاً اعتراف الخليفة الأول بأن دار فاطمة اقتحمت
بأمره ولعل كلمتي " أكشف " وأفتش " دلالتهما بينه خصوصاً وأن الدار المقصودة
معقل المعارضة وملتقى الهاشميين فالكشف والتفتيش أقرب المعاني المعبرة عن
مراد السلطة آنذاك والكشف معناه كما في لسان العرب لابن منظور رفعك الشيء عما
يواريه ويغطيه وبالتأكيد على حسب كلام أبي بكر لم يكن ذلك برضاهم وإلا لتغير
التعبير لأن رفع الشيء عما يواريه وإظهاره يكون من
جانب الكاشف والمكشوف هنا بيت العصمة والطهارة بيت فاطمة التي قالت
لأبي بكر وعمر عندما التقيا بها " أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول
الله (ص) تعرفانه وتعملان به قالا نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول
الله (ص) يقول رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي
أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني قالا نعم سمعناه
من رسول الله (ص) قالت فإني أشهد الله .
وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما
إليه فبكي أبو بكر حتى كادت نفسه تزهق وهي تقول " والله لأدعون الله عليك في
كل صلاة أصليها "(50)
شيء عظيم هذا الذي فعلوه مع الزهراء حتى أصبحت تدعو على الخليفة الأول
في كل صلاة لقد تفننوا في إرعاب قلب بنت رسول الله (ص) عندما جاء عمر والرجال
لإحراق الدار وجمعوا الحطب كانت أول من تلقتهم خلف الباب وصرخت ونادت بأعلى
صوتها ياأبت يارسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة "(51).
ومع ذلك اقتحموا الدار وخلف الباب فاطمة وذلك ما أقربه أبو بكر في قوله
" وليتني لم أفتش بيت فاطمة وأدخله الرجال " ولا ينفع الندم لأن فاطمة (ع)
حينما قال أبو بكر هذا كانت قد وصلت إلى أبيها وشكت إليه لأنها ماتت وهي
واجدة عليه كما مر .
لقد ظلل على الأجواء التوتر ورائحة الدم تملأ المدينة وشبح التصفية
يطارد أهل البيت (ع) وفاطمة رمز المعارضة لا يبعد أن يصيبها وابل غضب أصحاب
السقيفة وهذا ما جرى للأسف الشديد فهم اقتحموا الدار وفيه فاطمة وأحرقوا
الباب وخلفه فاطمة وأنا أتابع هذه الأحداث أثناء بحثي لم يهمني إلا
فاطمة ولضبابية الرؤية التي كانت في كتب القوم صرت أبحث بتلهف هنا وهناك
وأتصيد المعلومات لأن الذين كتبوا التاريخ لابد لهم من أن يحفظوا ماء وجه
المقدسين لديهم فلا يبرزوا إلا بعض الحقائق عنهم .وكان يهمني مصير فاطمة
لأنها عندي كانت تعني مصير الرسالة ووجدت الطامة الكبرى واكتملت لدي الصورة
عندما رجعت إلى أحفادها " أهل البيت " (ع)
وعرفت ما جرى ولكن قبل أن أصل إلى هذه الحقيقة لفت انتباهي أن جمهرة من
العلماء ذكرت اسم المحسن كأحد أبناء الإمام علي من فاطمة لكن بعضهم اكتفى
بذكره دون اشارة إلى موته والبعض الآخر قال أنه مات صغيراً أو حين ولادته
وثالث قال أنه ولد سقطاً في زمن النبي (ص) وتساءلت عن سبب هذه الضبابية
والتعتيم على زمن وكيفية وفاة المحسن بعد ان ثبت كونه من جملة أولاد علي من
فاطمة الزهراء (ع) وتبين لي مع الأسف أن كل ذلك – من هؤلاء المؤرخين كان
محاولة منهم للجمع بين حقيقة كونه من جملة أولاد الزهراء من جهة وصرف مسألة
العنف الذي بسببه أسقطت الزهراء محسناً فكانت الضبابية ولكن تواتر الأحداث
مضافاً إليها الروايات القائلة بإسقاط الزهراء أثناء الهجوم يؤكد حقيقة واحدة
وهي أن فاطمة كانت تحمل في بطنها جنيناً سماه النبي محسناً وهو في بطن أمه ..
هذا الجنين لم ير النور قط وإليك الأحاديث التي جمعناها في هذا الصدد :
* قال الطبري وابن الأثير " وقد ذكر أنه كان له ( الإمام علي ) منها (
فاطمة ) ابن آخر يقال له محسن وأنه توفي صغيراً "(52)
*قال يونس سمعت ابن إسحاق يقول :" فولدت فاطمة لعلي حسناً وحسيناً
ومحسناً فذهب محسن صغيراً "
* وقال ابن إسحاق فولدت فاطمة لعلي حسناً وحسيناً ومحسناً مات صغيراً
(53)
* قال ابن حزم الأندلسي : تزوج فاطمة علي بن أبي طالب فولدت له الحسن
والحسين والمحسن مات المحسن صغيراً "(54)
* جاء في تاج العروس ولسان العرب شبر وشبير ومشيبر هم أولاد هارون
وبها سمي علي (رض ) أولاده يعني حسناً وحسيناً ومحسناً (55).
وهنا روايات تتحدث عن إسقاط المحسن قال المسعودي " وضغطوا سيدة النساء
بالباب حتى أسقطت محسناً (56).
إنه ولد ثالث للزهراء اسمه محسن كما يذكر صاحب " ذخائر العقبي في مودة
القربى " ويقول عنه أنه مات صغيراً " واسم محسن جديد على مسامعي لم أسمع به
وما ورد في الحسن والحسين غير قليل فلماذا لم يرد شيء تفصيلي عن الابن الثالث
لفاطمة الزهراء (ع) ؟
بعد التنقيب والبحث اكتشفت لماذا لم يذكر المحسن كثيراً إذ أن ذكره
يستتبع أموراً تهد الجبال هداً وإليك شذرات مما وجدته وبعدها نحاول ربط
الأحداث ببعضها لتتعرف على سر المحسن بن علي ثم نعرج على أهل البيت (ع) لنرسم
الصورة كاملة : جاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني : قال إبراهيم بن سيار
بن هاني النظام إن عمر ضرب بطن فاطمة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح :
احرقوا دارها بمن فيها(57) .
وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى أبي
دارم المحدث أبو بكر الكوفي قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن
أرخ موته : كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ
عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه " أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن "
(58) .
إذاً لقد أسقطت فاطمة عليها السلام الابن الثالث محسن وذلك يعني أنه قتل
ولم يمت ..
في الواقع إن الأحداث الساخنة التي كانت آنذاك كان لابد من أن يتخللها
مثل هذه المصائب الفظيعة التي لم يذكرها المؤرخون الستة صراحة والسبب معلوم
كما ذكرنا ولكن شعاع الحق يرفض إلا أن يتسلل نت بين ثنايا ذكر ما جرى أو
بالأحرى ذكر ما يحبون ذكره مما جرى .
لقد ذكروا كما رأينا أن عمر كان يصر على أبي بكر أن يأخذ المتخلفين عن
البيعة بالقوة ثم إنه هو الذي أخذ الرجال إلى باب دار فاطمة ومعه الحطب لحرق
الدار إن هم رفضوا الخروج وعند وصولهم إلى باب الدار كان أول ما تلقتهم فاطمة
(ع) خلف الباب كما ذكرت آنفاً وللتأكيد أورد لك هذين النصين وعليك عزيزي
القارئ أن تنتقل بروحك وعقلك إلى تلك الفترة التاريخية لتتصور ما يمكن أن
يجري قال أحمد بن يحيى البلاذري : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم
يبايع فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت :
يا ابن الخطاب أتراك محرقاً علي بابي ؟ قال : نعم "(59)
.
وعن نفس الحادثة ينقل ابن عبد ربه الأندلسي :
بعث اليهم – يعني المتخلفين عن البيعة – أبو بكر عمر ليخرجوا من بيت
فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم , فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم
الدار فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطاب : أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم.
لقد تصدت فاطمة (ع) لعمر من خلف الباب لعل قلوب الرجال تخشع عندما تسمع
صوت امرأة قال عنها الرسول أنها سيدة نساء العالمين وربما لتكون عليهم الحجة
أبلغ لقول الرسول (ص) من آذى فاطمة فقد آذاني " ولذلك صرخت كما ينقل ابن
قتيبة : ياأبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك .
ومع ذلك اقتحموا الدار بشهادة أبي بكر في تأسفه على الثلاثة اللاتي ود
أنه لم يفعلهن .. وقال " .. وأدخله الرجال " كما مر , قال اليعقوبي " فأتوا
في جماعة حتى هجموا على الدار " ولو لم يتم الهجوم ما كان هناك داع لتأسف أبي
بكر الذي جاء متأخراً .
لقد اقتحموا وإن شئت فقل هجموا على دار البتول الزهراء (ع) وكانت أول من
تلقاهم خلف الباب والهجوم والاقتحام عادة يكون بلا إستئذان ولارحمة ومن ما
لاشك أن كل شيئ يعترض تلك الهجمة الشرسة لابد أن يتحطم ويبعد عن الطريق ولكن
بكل أسى ولوعة كان ذلك الشيئ بضعة الرسول ووصيته فاطمة (ع) فضربت حتى أسقطت
جنينها هذه هي الحقيقة التي حاول القوم إخفاءها فتسللت من بين مجريات الأحداث
وظهرت على صفحة التاريخ نقطة سوداء في جبين الأمة .. كان هذا القدر كاف لكي
أجمع باقي خيوط القضية كاملة منذ وفاة الرسول (ص) إلى حين موت الزهراء (ع) أو
استشهادها نعم لقد انتقلت إلى جوار ربها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من
ضرب ورفس أدى إلى إسقاط جنينها المحسن ومن ثم مرضت إلى أن لحقت يأبيها تشكو
له ما جرى عليها . بعد ذلك توجهت إلى أحفادها لكي استمع منهم تفاصيل ما جرى
وهم أدرى بما جرى لجدتهم الزهراء (ع) وهناك تجلت لي الحقائق .. ولكن كانت
تكمن عقدتي في أن ذلك يجعلني ألجأ إلى الروايات عن أهل البيت (ع) عن طريق
الشيعة .
فسألت نفسي ... ولماذا لا آخذ بقولهم لقد عرفت من كتب السنة أن فاطمة
غضبت على الخليفتين حتى ماتت ولم تأذن لأبي بكر أن يصلي عليها ثم إنها طالبت
بالخلافة لعلي (ع) وكان بيتها مركز المعارضة كما علمت أن بيتها كان مستهدفاً
من السلطة التي قررت إجبار من في البيت على البيعة وإن أبوا فالقتل والإحراق
ونفذوا ما خططوه وهجموا على الدار وكان خلف الباب الزهراء تذكرهم برسول الله
(ص) ووصاياه ومع ذلك اقتحموا الدار وفاطة تصرخ ورأيت بين طيات نفس الكتب أن
هنالك م يقول بأن فاطمة ضربت وأسقطت جنينها كما مر ومهما يكن صنف القول
فتسلسل الأحداث يرجح وقوع ما جرى لكل ذلك لم أجد أن عقلي يمانع في الأخذ بقول
الأئمة من أهل البيت (ع) حول ما جرى من أحداث أدت إلى وفاة فاطمة (ع) فكتب
السنة ليست أولى بالأخذ منها بكتب الشيعة لأن هذا أول الكلام الذي يحتاج إلى
دليل لسنا في صدده الآن .
وسأنقل لك عزيزي القارئ تمام الأحداث كما تراءت لي عند أهل البيت (ع)
لقد تحدث أحفاد الزهراء وبينوا مفصلاً ما جرى بعد أحداث السقيفة رواياتهم
تقطر ألماً وحسرة على هذه الأمة التي لم تحفظ رسول الله في أهله أغضبت
الزهراء وأسقطت ابنها المحسن وقتلت زوجها غدراً وابنها الأكبر المجتبى الحسن
سماً وابنها الحسين ذبحاً .
يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق حفيد الزهراء سليل النبوة" ولا يوم
كيوم محنتنا بكربلاء وإن يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين
والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى
وأمر إنني لن أستعرض كل ما ذكره أئمة أهل البيت (ع) حول الأحداث التي جرت بعد
وفاة الرسول (ص) لأن ذلك يحتاج منا إلى مجلدات لقد أكثر أهل البيت في بيان
ذلك حتى تتعرف الأمة على أصل المأساة التي سببت الفرقة والشتات وسآخذ بعضاً
من هذه الروايات لتكتمل الصورة أمام القارئ العزيز .لقد جرت أحداث السقيفة
وتنصيب الخليفة أبي بكر وأهل البيت مشغولون بمصابهم في وفاة الرسول (ص)
وبالذات الإمام علي(ع) الذي أوصاه الرسول ألا يلي غسله غيره .
انتهى أمر الخلافة التي لم يشارك في مشاوراتها علي بن أبي طالب فكان
موقفه الذي علمته وسيأتيك مزيد من التفصيل عنه فلقد رفض البيعة وبدأ يذكر
الناس بالعهود والمواثيق يقول سلمان الفارسي " فلما أن كان الليل حمل علي (ع)
فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أهل بدر من
المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته فما
استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلاً فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم
معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة : أنا
وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام فعل ذلك مرتين وعندما رأى غدرهم وقلة
وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه "(60).
ورفض أن يبايع .أرسلوا إليه ليبايع وبدأت من هنا المواجهة الساخنة بعد
أن أمر عمر بجمع الحطب أمام بيت فاطمة مهدداً بالإحراق إن لم يبايع علي
جاؤوا ليجبروا أهل البيت على البيعة وقفت فاطمة خلف الباب لعل القوم يراعوا
حرمتها وحريمها فلم ينفع فيهم ذلك قال الإمام الكاظم (ع) وهو موسى بن جعفر
الصادق – وهو يصف ما جرى – لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة دعا الأنصار
وقال يامعشر الأنصار لقد حان الفراق إلى أن قال ألا إن فاطمة بابها بابي
وبيتها بيتي فمن هتكه فقد هتك حجاب الله قال الراوي فبكى الإمام الكاظم " أبو
الحسن (ع) طويلاً وقطع بقية كلامه وقال : هتك –والله – حجاب الله هتك والله
حجاب اله هتك والله حجاب الله "(61).
كما جاء عن الإمام الباقر (ع) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
وهو يتحدث عن الزهراء وحملت بالحسن فلما رزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين
ثم رزقت زينب وأم كلثوم وحملت بمحسن فلما قبض رسول الله (ص) وجرى ما جرى يوم
دخول القوم عليها دارها أسقطت ولداً تماماً – وهو محسن – وكان ذلك أصل مرضها
ووفاتها صلوات الله عليها .
وورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : لما أسري بالنبي (ص) قيل إن الله
يختبرك في ثلاث يعددها إلى أن قال :
وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل
ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان ولا تجد مانعاً
وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب "
ويقول الإمام الصادق (ع) واصفاً بعض ما جرى : وضرب سلمان الفرسي وإشعال
النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لإحراقهم بها وضرب فاطمة
ورفس بطنها وإسقاط محسنها ".
وقوله(ع) وهو يصف ما جرى لأهل البيت في رواية طويلة أخرى يتحدث فيها عما
فعله القوم " وجمعهم الجزل الحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة
والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وإضرامهم النار على الباب
وخروج فاطمة اليهم وخطابها لهم من وراء الباب ويحكم ما هذه الجرأة على
الله ورسوله " قال عمر : ما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه
لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً وهجومهم على الدار وركل عمر الباب برجله حتى
أصاب بطنها وهي حامل لستة أشهر وإسقاطه إياه وصياح أمير المؤمنين لفضة يافضة
مولاتك فاقبلي منها ما يقبله النساء فقد جاء المخاض من الرفسة ورد الباب
فأسقطت محسناً وقال (ع) فإنه لا حق بجده رسول الله (ص) فيشكو له "
(62).
استشهاد الزهراء (ع)
ما أقسى لحظات فراق الأحبة خصوصاً إذا كان للعلاقة جذور تضرب في عمق
القيم والمثل وتسقى بالوحي .. علاقة لا كسائر العلاقات علاقة بين نبي عظيم
وابنة صديقة طاهرة من لحمه ودمه ابنة ذابت في حب أبيها نليس حباً للأبوة فقط
إنه حب من نوع آخر لا ندرك كنهه أنا وأنت لماذا ؟! لأنها متبادلة بين أب
اختاره الله باعتباره أعظم وأشرف خلق الله وهو المصطفى محمد (ص) وابنة طهرها
الله وعصمها إذا هو حب منشؤه حب الله وطاعة الله لقد انفصمت عرى هذه العلاقة
بانتقال الأب والمربي إلى الرفيق الأعلى وترك الرسالة الإلهية من خلفه وقد
أناط استمرارها تلك بالطرف الباقي الآخر الابنة الزكية التي تدخلت الإرادة
الإلهية مباشرة في شخص فاطمة (ع) وغيرها لكن القوم ما فهموا معنى الرسالة
والرسول وما وعوا معنى النبوة والوحي بل لم يقدروا الله حق قدره فاعترضوا على
حكمه وتجاوزوا قوله ومن ثم اعتدوا على مقام النبوة وأبوا إلا أن يجرعونا وكل
المحبين لله ولرسوله الغصة تلو الأخرى وتأبى الدمعة إلا أن
تتسلل مصحوبة بألم هائل إنها الزهراء وما أدراك ما الزهراء !!
من يوم ما تعرفت على مأساتها وأنا أشعر بمسحة كآبة تمر بوجداني وحزن
عميق يلفني عند ذكر اسمها فالقوم لم يراعوا فجيعتها بأبيها فاغتصبوا حقها
وقبل ذلك ارتقوا مركباً هم ليسوا أهلاً له ثم أرادوا إتمام ذلك ولو بالقوة
فكان ما كان .
بقيت الزهراء حزينة منكسرة في بيتها تبكي وتشكو همها إلى الله عز وجل
وتنتظر يومها الموعود فقد أخبرها المصطفى (ص) بأنها أول أهل بيته لحوقاً به
كما مر ... فظلت تبكي وتبكي إلى أن جاء " شيوخ" أهل المدينة يظهرون لعلي
انزعاجهم وتأذيهم من بكاء فاطمة ويطالبونه بأمرها بالكف عن ذلك تخييرها بين
البكاء ليلاً فقط أو نهاراً فبنى لها أمير المؤمنين علي (ع) بيتاً خارج
المدينة سمي " بيت الأحزان " هناك واصلت مأساتها .
ويوماً فيوماً راحت تذبل تلك الزهرة اليانعة وأخذ المرض منها مأخذاً
يقول الإمام الصادق (ع) ( فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً وكان ذلك
هو السبب في وفاتها ) كيف لا يكون كذلك وهي ابنة ثمانية عشر عاماً لقد اكتملت
عليها المصائب بضربها واقتحام دارها فكانت البداية والنهاية وصارت طريحة
الفراش تنتظر أجلها الذي اقترب منها سريعاً وبجانبها علي ( ع) يقول الإمام
زين العابدين (ع) عن أبيه الحسين (ع) قال لما مرضت فاطمة بنت رسول الله (ص)
أوصت علي بن أبي طالب (ع) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ولا يؤذن أحداً بمرضها
وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استمرار بذلك .
لقد يئست الزهراء أهل المدينة الذين طلبت نصرتهم فلم ينصروها لقد سئمتهم
وزهدت في مروءتهم فبلغ بها الأمر ألا تريد رؤيتهم في مرضها الأخير يكفيها علي
(ع) ليقف بجانبها وهي على هذه الحالة .
في اليوم الأخير قبيل رحيلها نامت الزهراء (ع) في ساعة من ساعات ذلك
اليوم وإذا بها ترى أباها رسول الله (ص) في المنام في قصر من الدر الأبيض
فلما رآها (ص) قال هلمي إلي بنية فإني إليك مشتاق !! فقالت والله لأشد شوقاً
إليك فقال لها : أنت الليلية عندي .
انتبهت من غفوتها وبدأت الاستعداد للحوق بأبيها .. إن هي إلا ساعات
تقضيها في هذه الدنيا الفانية ويتحقق قول الرسول (ص) لها قبيل انتقاله وأكده
لها بعد انتقاله إنها النبوة ومن ذلك كان يقين فاطمة بقرب النهاية بينما
الفرح يغمرها لارتحالها إلى العالم الأبدي حيث الرضوان الأكبر وجنة عرضها
السموات الأرض يعتصرها ألم من ناحية أخرى سوف تترك الزهراء (ع) الزوج العطوف
وحيداً بعدها وفراخاً لم ينبت أجنحتهم بعد وزهوراً لم تتفتح إنهم أفلاذ كبدها
ستفادرهم وتتركهم لهذه الحياة التي تحمل الكثير الكثير من المأسي خصوصاً إنهم
آل رسول الله (ص) أكثر الناس بلاء وأعظمهم امتحاناً وإن بهعض شذاذ الآفاق
ونبذة الكتاب يتربصون بهم ستودعهم وهي تنظر إلى ذلك المستقبل غير المجهول
لأبنائها وزوجها إنها تنظر بعين أبيها الباصرة بإذن الله إلى الغيب حيث يضرب
علي بالسيف غيلة وهو في محرابه ويقتل الحسن سماً والحسين تمزيقاً بسيوف بدأ
سلها في وجه أهل البيت (ع) منذ وفاة النبي الأعظم (ص) كل ذلك يدور في خلد
الزهراء وهي تمشي نحو الماء متكئة على الحائط من شدة الضعف لتغسل أطفالها
وثيابهم أخر غسلة وهي ترتعش وكأنها تودعهم لا أدري عمق شعورها آنذاك إن من
جملة أسمائها ( الحانية ) لأنها كانت القمة في الحنان والعطف على أبنائها .
دخل الإمام علي (ع) البيت ووجدها على رغم علتها تمارس أعمالها وتخدم في
البيت رق لها قلب الإمام وهي بهذه الحالة فأخبرته بأنه آخر أيامها وأخبرته
بما رأته وسمعته من النبي (ص) أثناء نومها وعادت إلى فراشها ثم قالت له يا
ابن عم . انه قد نعيت الي نفسي وانني لاادري ما بي الا انني لاحقة بابي ساعة
بعد ساعة وانا اوصيك في قلبي …
قال لها علي( ع) : اوصيني بما احببت يا بنت رسول الله فجلس عند راسها
واخرج من كان في البيت ,قالت يابن عم !ما عهدتني كاذبة ولاخانئة ،ولا خالفتك
منذ عاشرتني اشرتني فقال علي (ع) معاذ الله ! أنت أعلم بالله وأبر وأتقى
وأكرم وأشد خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا
أنه أمر لابد منه والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله وقد عظمت وفاتاتك وفقدك
فإنا لله وإنا إليه راجعون وبكيا جميعاً ساعة وأخذ الإمام رأسها وضمها إلى
صدره ثم قال : أوصني بما شئت فإنك تجدينني وفياً أمضي لما أمرتني به وأختار
أمرك على أمري .فقالت : جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم , أوصيك أولاً أن
تتزوج بابنة أختي أمانة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرجال لابد لهم من النساء
ثم قالت وأوصيك إذا قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة وحنطني
بفاضل حنوط أبي رسول الله(ص) وصل علي وليصل معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي
وادفني ليلاٍ لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار وسراً لا جهاراً وعف
موضع قبري ولا تشهد جنازتي أحداً ممن ظلمني .
لقد أرادت الزهراء (ع) مواصلة الجهاد بعد مماتها فكانت وصيتها الإعلان
الأخير لموقفها الصامد والمستمر من وفاة الرسول(ص) وحتى مرضها وتريده باقياً
إلى ما شاء الله تدفن بنت المصطفى سرأً ليلاً لا يصلي عليها إلا أهل بيتها
والمخلصون لهم !!
في لحظاتها الأخيرة طلبت ثياباً جديدة ثم دعت سلمى امرأة أبي رافع وقالت
لها هيئي لي ماء وطلبت منها أن تسكب لها الماء وهي تغتسل ثم لبست ملابسها
الجديدة وأمرت أن يقدم سريرها إلى وسط البيت واستلقت عليه مستقبلة القبلة
وقالت إني مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد .
تقول أسماء بنت عميس لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيئة ثم ناديتها
فلم تجب فناديت يا بنت محمد المصطفى يابنت أكرم من حملته النساء يابنت خير من
وطأ الحصى يابنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى فلم تجب فدخلت البيت وكشفت
الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب
والعشاء فوقعت عليها أقبلها وأقول يافاطمة إذا قدمت علىأبيك (ص) فأقرئيه مني
السلام فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة فوقع
الحسن يقبلها ويقول ياأماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني والحسين يقبل رجلها
ويقول ياأماه أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت ثم خرجا إلى
المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول
بمن العزاء يا بنت محمد ؟ وقال " اللهم إنها قد أوحشت فآنسها , وهجرت فصلها ,
وظلمت فاحكم لها ياأحكم الحاكمين " وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح يا
أبتاه يارسول الله الآن حقاً فقدناك لا لقاء بعده وكثر الصراخ في المدينة على
ابنة رسول الله واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة فخرج إليهم أبو ذر وقال :
انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية .
وأخذ أمير المؤمنين في غسلها وعلل ذلك حفيدها الإمام الصادق (ع) يقول
إنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى (ع) وقال (ع)
إن علياً أفاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً وجعل في الخامسة شيئاً من
الكافور وكان يقول : اللهم إنها أمتك وبنت رسولك وخيرتك من خلقك اللهم لقنها
حجتها وأعظم برهانها وأعل درجتها واجمع بينها وبين محمد (ص) وحنطها من فاضل
حنوط رسول الله الذي جاء به جبريل إذ أخبرهما النبي (ص) سابقاً يا علي ويا
فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه إلي جبرائيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما
اقسماه واعزلا منه لي ولكما فقالت فاطمة ثلثه لك والباقي ينظر فيه علي (ع)
فبكى رسول الله (ص) وضمها إليه وقال إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة يا علي قل
في الباقي فقال نصف منه لها والنصف لمن ترى يا رسول الله قال هو لك .وكفنها
في سبعة أثواب وقبل أن يعقد عليها نادى ياأم كلثوم يا زينب يا فضة يا حسين
هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء فهذا الفراق واللقاء الجنة .
حقاً إنها لحظات وداع لشمعة انطفأت وطالما احترقت لتنير للآخرين ما أعظم
الرزية وما أجل المصيبة .
أقبل الحسنان (ع) يقولان : واحسرة لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى
وأمنا الزهراء ؟ إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له : إنا بقينا بعدك
يتيمين في دار الدنيا . قال أمير المؤمنين (ع) وإذا بها تف من السماء ينادي
يا أبا الحسن ارفعها عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماء فرفعها عنها وعقد
الرداء عليها وجاءت أهم اللحظات لحظة تنفيذ بند الوصية المهم ذلك البند الذي
سيظل شاهداً على موقف الزهراء إلى القيامة إنها لحظات الدفن التي يجب أن تكون
سراً وقبلها الصلاة على الجنازة الذي كان محدداً فيها ألا يكون فيه شخص ممن
ظلم الزهراء هكذا كانت الوصية .
جن الليل نامت العيون وهدأت الأبصار وجاء في جوف الليل نفر قليل من
الهاشميين ومن المحبين الذين وقفوا مع علي (ع) ومعه هذه العصبة القليلة
المباركة ثم دفنها ولما وضعها في اللحد قال بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله
وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو
أولى بك مني ورضيت لك بما رضي الله لك ثم قرأ ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم
ومنها نخرجكم تارة أخرى ) ثم إنه (ع) سوى في البقيع سبع قبور أو أربعين قبراً
لكي يضيع بينها قبر الزهراء (ع) ولما عرف شيوخ المدينة دفنها وفي البقيع قبور
جدد أشكل عليهم الأمر فقالوا هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور
لنخرجها ونصلي عليها فبلغ ذلك علياً (ع) فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي
يلبسه عن د الكريهة وبيده دو الفقار وهو يقسم بالله لئن حول من القبور حجر
ليضعن السيف فيهم فتلقاه عمر ومعه جماعة فقال له : مالك والله يا أبا الحسن
لننبشن قبرها ونصلي عليها فقال علي (ع) وهو غاضب أما حقي فتركته مخافة أن
يرتد الناس عن دينهم وأما قبر فاطمة فو الذي نفسي بيده لئن حول منه حجر
لأسقين الأرض من دمائكم فتفرق الناس .
وأسدل الستار عن أول محطة سقطت الأمة في امتحانها وغادرت الزهراء مشتاقة
للقاء ربها وأبيها ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاماً انتقلت لتشكو إلى الله
سبحانه وتعالى ليحكم لها على من ظلمها وتركت لنا أعلام هداية ومنارات فرقان
رحلت وخلفت فينا سرها الذي دفن في قبرها الذي فنت فيه سراً سهل ممتنع لا
تطوله كل العقول ولا يمتنع عن جميع العقول سر لا يطوله إلا من أشرق في قلبه
نور فاطمة وارتشف من ضياه عقله فانفتح على الحق والخير ونفر من الظلم
والانحراف .ورغم أنني تجرعت كأس ألمها إلا أنه بالنسبة لي كان ممزوجاً
بالحلاوة شربت منه فأشرقت لي فاطمة بنورها فكانت الدليل إلى الصراع المستقيم
وما أعطم شأنها حقاً إنها فاطمة بنت محمد زوج علي .ومن أراد الاطلاع على
القصة الكاملة فليراجع كتابه (بنور فاطمة إهتديت) .
1- صحيح مسلم كتاب الجهاد باب قول النبي (ص) لا نورث ص
153 وكذلك أورده البخاري في كتاب فرض الخمس باب فرض الخمس .
2- الإمامة والسياسة " تاريخ
الخلفاء " ص 12-13 .
3- كما أورد ذلك السيوطي في إحياء الميت والزمخشري في تفسيره الكشاف
والفخر الرازي في تفسيره والسيوطي في الدر والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة
والبخاري وغيرها من المصادر .
4- وجاء ذلك أيضاً في مستدرك الصحيحين للحاكم ومسند أحمد بن حنبل < 1 ص
158 .
5- الكشاف ج 4 ص 670 ط بيروت , أسد الغابة لإبن الأثير الشافعي ج5 ص 530
– 531 تذكرة الخواص للسبط بين الجوزي وشواهد التنزيل للحاكم , الدر المنثور
للسيوطي وغيرها من المصادر .
6- ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 188
7- أورده ابن حجر في صواعقه أيضاً ص 190 وقد جاء هذا الحديث بصيغ مختلفة
تعبر عن نفس المعنى في كثير من المصادر مثل مسند أحمد بن حنبل وكنز العمال
والإمامة والسياسة لابن قتيبة وغيرها .
8- ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص 522 وابن حجر في الإصابة ج5ص156
كما جاء في ميزان الاعتدال للذهبي وغيرها من المصادر .
9- وذكره أيضاً في باب مناقب قرابة الرسول (ص) ج 4 ص 281 كما رواه مسلم
في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده .
10- ورواه ابن حجر في الصواعق ص 191 والحاكم في المستدرك ج3 ص 151 كتاب
مناقب الصحابة وقال عنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
11- رواه الحاكم في مستدركه ج 3 ص 160 وقال حديث صحيح على شرط سلم ..
كما ذكره ابن عبد البر في استيعابه ص 751 .
12- لمعرفة مصادر هذه الأحاديث يرجى فضائل الزهراء في هذا الكتاب .
13- مراجعة الآيات 109-127-132-145-164-180) من سورة الشعراء وقد جاء في
صحيح البخاري في المناقب ج4ص219 عن ابن عباس قال : إلا المودة في القربى
القربى قربى محمد (ص)
14- سورة ص آية /86
15- سورة سبأ آية / 47
16- سورة الفرقان آية /57
17- سورة الأنعام آية /90
18- بمادة (فدك ) من معجم البلدان:
19- سيرة ابن هشام 3/408 مغازي الواقدي ص 706/707 وشرح النهج 4/78
20- تفسير الآية 26من سورة بني إسرائيل في شواهد التنزيل 1/338-341
والدر المنثور 4/177وميزان الاعتدال 2/228 ومجمع الزوائد والكشاف وتاريخ ابن
كثير 3/36 تفسير الطبري ج 15/72ط 2 ينابيع المودة .
21- فتوح البلدان :1/34-35 .
22- مسند أحمد / ¼ وسسن أبي داوود 3/5 كتاب الخراج وتاريخ ابن كثير 5/
289 وشرح النهج 4/81 وتاريخ الذهبي .
23- سنن الترمذي 7/111 أبواب السير كما جاء في تركة الرسول كما جاءت
بمسند أحمد بن حنبل عن أبي هريرة أيضاً 1/10 الحديث 60.
24- شرح النهج 4/82- 85 .
25- تاريخ الإسلام لذهبي 1/347 شرح النهج 4/81 .
26- فتوح البلدان 1/35 وطبقات ابن سعد 2/314 – 315 وشرح النهج 4/81
وتاريخ الإسلام للذهبي 1/346
27- أسد الغاب ج4ص 22 مستدرك الحاكم وشواهد التنزيل وتاريخ ابن عساكر
وغيرها من المصادر .
28- طبقات ابن سعد 2/315 وكنز العمال 5/365 كتاب الخلافة مع الإمارة من
قسم الأفعال .
29- بلاغات النساء : 12,15.16.17 .
30-
النص والاجتهاد السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي فقرة توريث الأنبياء .
31- تاريخ اليعقوبي ج2ص225
32- بتفسير الآية من سورة الإسراء في شواهد التنزيل 1/338 – 341 بسبعة
طرق والدر المنثور 4/177 وميزان الاعتدال 2/225 ط أولى وكنز العمال 2/158 ط
أولى ومنقحة والكشاف 2/446 وتاريخ لبن كثير 3/36 .
33- روى ذلك الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس ج2 ص 226
ط القاهرة
34- تاريخ الخلفاء ج 1 ص 12
35- شرح النهج ج 16 ص 284
36- الإمامة والسياسة ج1ص12
37- الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص 325
38- المصدر ج 2 ص 327
39- تاريخ اليعقوبي ج2 ص 124
40- تاريخ اليعقوبي ج2 ص 125 – 126
41- تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 13
42- نفس المصدر ص 13
43- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126
44- الإمامة والسياسة ج 1 ص 12
45- تاريخ أبي الفداء ج1 ص 164
46- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126
47- المستدرك للحاكم ج3 ص 158 مسند أحمد بن حنبل تفسير الطبري شواهد
التنزيل وغيرها من المصادر.
48- تاريخ الطبري ج2 ص 619 .
49- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 115 .
50- الإمامة والسياسة ج 1 ص 13 – 14 .
51- المصدر السابق .
52 - الكامل لابن الأثير ج 3 ص 397 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج5 ص
153
53- دلائل النبوة للبيهقي ج 3 ص 161 .
54- جمهرة أنساب العرب ص 16 – 37 .وذكر مثل ذلك كثير من الأعلام أمثال
المحب الطبري في ذخائر العقبى وابن الأثير في أسد الغاب ج 4 ص 308 والعسقلاني
في الإصابة ج 4 ص 471 واليعقوبي في تاريخه
55- تاج العروس ج 3 ص 389 ولسان العرب ج 4 ص 393 .
56- اثبات الوصية ص 143 .
57 - المل والنحل ج 1 ص 57 إبراهيم بن سيار
أحد أقطاب المعتزلة .
58- لسان الميزان ج 1 ص 268.وأورده أيضاً الصفدي في ( الوافي بالوفياـ )
ج 6 ص 7 وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان وينقل عن محمد بن أحمد بن
حماد الكوفي بعد أن أرخ موته ( كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه
كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب الخ كما نقلنا .
59- أنساب الأشراف ج1 ص 586 .
60- كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 31 .
61- بحار الأنوار ج 22 ص 476 – 477 .
62- بحار الأنوار " موسوعة أحاديث لأهل البيت (ع) ج 53 ص 18 – 19 وأغلب
الأحاديث التي أوردناها في هذا المجال من المصادر الحديثة لأهل البيت وكتاب
مأساة الزهراء شبهات وردود لسيد جعفر مرتضى العاملي.