ادب الطف

 
 

ثم بعض الرواة يذكرون ان عمرا اولدها ولدا اسماه زيدا ، وبعضهم يرى ان لزيد بن عمرعقبا، ومنهم من يقول قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول انه وامه قتلا ، ومنهم من يقول ان امه بقيت بعده ، ومنهم من يقول ان عمر امهر ام كلثوم اربعين الف درهم ، ومنهم من يقول كان مهرها خمسمائة درهم ، وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف يبطل الحديث ولا يكون له تاثير على حال . انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال الشيخ المامقاني قدس سره في تنقيح المقال :

ام كلثوم بنت امير المؤمنين عليه السلام هذه كنية لزينب الصغرى وقد كانت مع اخيها الحسين بكربلاء وكانت مع السجاد عليه السلام في الشام ثم الى المدينة وهي جليلة القدر فهيمة بليغة، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة وفي الكتب مسطورة . وفي الاخبار ان عمر

ادب الطف ـ الجزء الاول 78

ابن الخطاب تزوجها غصبا وانكر ذلك جمع ، ولعلم الهدى في هذا الباب رسالة مفردة اصر فيها على ذلك واصر اخرون على الانكار ، وحيث لا يترتب من تحقيق ذلك وكان يصعب الالتزام به طويناه اشتغالا بالاهم. خطبتها بالكوفة :

قال السيد ابن طاووس في ( اللهوف على قتلى الطفوف) خطبت ام كلثوم من وراه كلتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت: يااهل الكوفة سواة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم امواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا. ويلكم أتدرون اي دواه دهتكم، واي وزر على ظهوركم حملتم واي دماء سفكتموها ، واي كريمة اصبتموها ، واي صبية سلبتموها ، واي اموال انتهبتموها، قتلتم خير رجالات بعد النبي ونزعت الرحمة من قلوبكم الا ان حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت:

قتلتم اخي ظلما فويل لامكم      ستجزون نارا حرها يتوقد

سفكمتم دماء حرم الله سفكها     وحرمها القران ثم محـمد

فضج الناس بالبكاء والنحيب ونشرت النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وبكى الرجال فلم ير باكية اكثر من ذلك اليوم.

ادب الطف ـ الجزء الاول 79

10 ـ الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب

قال السيد الامين في الاعيان ج32 ص282 في احوال زهير بن سليم الازدي المقتول مع الحسين يوم كربلاء في الحملة الاولى ، قال وفيه يقول الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب من قصيدته التي ينعى بها على بني امية افعالهم:

ارجعوا عامرا وردوا زهـيرا       ثم عثمان فارجعوا غارمينا

وارجعوا الحر وابن قين وقوما      قتلوا حين جـاروا صفـينا

اين عمرو وايـن بشـر وقتلى     منهم بالعراء مـا يـدفنونا

ادب الطف ـ الجزء الاول 80

عنى بعامر العبدي وبزهير هذا وبعثمان اخا الحسين _ وامه أم البنين الكلابية _ وبالحر الرياحي ، وبابن قين زهيرا وبعمر و الصيداوي وببشر الحضرمي ، انتهى .

أقول ذكر الشاعر سبعة ممن استشهدوا بين يدي الحسين (ع) في جملة المستشهدين بين يديه ، ويحسن بنا أن نذكر ترجمة كل واحد منهم ممن لم تذكر ترجمته في هذه الموسوعة :

1 ـ عامر بن مسلم العبدي البصري :

قال الشيخ السماوي في ( ابصار العين ) : كان عامر من شيعة البصرة ، فخرج هو ومولاه سالم مع يزيد بن ثبيط العبدي الى الحسين (ع) وانضم اليه حتى وصلوا كربلاء وكان القتال فقتلا بين يديه . قال في المناقب : وفي الحدائق قتلا قي الحملة الاولى .

2 ـ زهير بن سليم الازدي :

قال السماوي في (ابصار العين ) : كان زهير ممن جاء الى الحسين عليه السلام في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله فانضم الى اصحابه وقتل في الحملة الاولى .

3 ـ عثمان بن علي بن ابي طالب :

قال الشيخ السماوي : ولد عثمان بعد اخيه عبد الله بنحو سنتين وامه فاطمة ام البنين ، وبقي مع اخيه الحسن نحو اربع عشرة سنة مع الحسين (ع) ثلاثاً وعشرين سنة وذلك مدة عمره.

وروى ابو الفرج عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال : انما سميته عثمان بعثمان بن مضعون (1) قال أهل السير : لما قتل عبد الله بن علي

(1) عثمان بن مضعون من اجلاء الصحابة ، اسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر الهجرتين وشهد بدراً، وكان اول رجل مات بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة وكان ممن حرم الخمرة على نفسه في الجاهلية ودفن في بقيع الغرقد بعد ان صلى عليه النبي ووضع حجراً على قبره وجعل يزوره .

ادب الطف ـ الجزء الاول 81

دعا العباس عثمان، وقال له تقدم ياأخي كماقال لعبد الله فتقدم الى الحرب يضرب بسيفه ويقول:

اني انا عثمان ذو المفاخر     شيخي علي ذو الفعال الطاهر

فرماه خولي بن يزيد الاصبحي فأوهطه (1)حتى سقط لجنبه فجاءه رجل من بني ابان بن دارم فقتله واحتز رأسه.

4- بن خالد الاسدي الصيداوي :

كان شريفا من اشراف الكوفة مخلص الولاء لاهل البيت، قام مع مسلم حتى اذا خانته الكوفة لم يسعه الا الاختفاء، فلما سمع بقتل قيس بن مسهر وأنه أُخبر ان الحسين صار بالحاجر خرج اليه ومعه مولاه سعد ومجمع العائذي وابنه وجنادةبن الحرث السلماني واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو (الكامل) فجنبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي وكان جاء الى الكوفة يمتار لأهله طعاما فخرج بهم على طريق متنكبة وسار سيرا عنيفا من الخوف لأنهم علموا ان الطريق مرصود حتى اذا قاربوا الحسين عليه السلام حدا بهم الطرماح بن عدي فقال:

يا ناقتي لا تذعـري من جزري     وشمّري قـبل طلوع الفجر

بخـير ركـبان وخـير سـفر     حتى تـحلّي بكريـم النجر

الماجد الـحر رحـيب الصـدر    أتـى به الله لخـيـر أمـر

ثمَّة ابقاء بقاء الدهر

فانتهوا الى الحسين وهو بعذيب الهجانات (2)فسلموا عليه وانشدوه

(1) اوهطه: اضعفه واثخنه بالجراحة وصرعة لايقوم منها.

(2) غذيب الهجانات موضع فوق الكوفة عن القادسية اربعة اميال. واضيف الى الهجانات لأن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه ابله.

ادب الطف ـ الجزء الاول 82

الابيات فقال عليه السلام:أما والله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بناقتلنا أو ظفرنا.

5 ـ بشر بن عمرو بن الاحدوث الحضرمي الكندي :

قال السماوي كان بشر من حضرموت وعداده في كندة وكان تابعيا وله اولاد معروفون بالمغازي، وكان بشر ممن جاء الى الحسين أيام المهادنة، وقال السيد الداودي لما كان اليوم العاشر من المحرم ووقع القتال قيل لبشر وهو في تلك الحال: ان ابنك عمرا قد اسر في ثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي، ما كنت احب ان يؤسر وأنا أبقى بعده، فسمع الحسين(ع) مقالته فقال له: رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاذهب واعمل في فكاك ابنك. فقال له : أكلتني السباع حيا ان فارقتلك يا أبا عبد الله. فقال له : فاعط ابنك محمدا - و كان معه - هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك اخيه وأعطاه خمسة اثواب قيمتها الف دينار.

وقال السروي انه قتل في الحملة الاولى.

6 ـ الحر الرياحي:

وهو ابن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتّاب ابن هرمي بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي. كان الحر شريفا في قومه، جاهلية واسلاما، فان جده عتابا كان رديف النعمان, وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات، فردف قيس للنعمان، و نازعه الشيبانيون. فقامت بسبب ذلك حرب يوم الظخفة، والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب، وكان الحر في الكوفة رئيسا، ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين(ع) فخرج في الف فارس(روى) الشيخ ابن نما ان الحر لما أخرجه ابن زياد الى الحسين وخرج من القصر، نودى من خلفه ابشر يا حر بالجنة، قال فالتفت فلم ير احدا فقال في نفسه ما هذه

ادب الطف ـ الجزء الاول 83

البشارة وأنا أسير الى حرب الحسين، وما كان يحدث نفسه في الجنة، فلما صار مع الحسين، قص عليه الخبر، فقال له الحسين . لقد أصبت أجرا وخيراً(روى) ابو مخنف عن عبد الله بن سليم والمنذر ابن المشمعل الاسديين، قالا كنا نساير الحسين فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والاكثار منه، ثم ساروا صباحا، فرسموا (1)صدر يومهم حتى انتصف النهار فكبر رجل منهم، فقال الحسين: الله اكبر لٍمَ كَبّرت قال رأيت النخل(قالا) فقلنا ان هذا المكان ما رأينا به نخل قط، قال فما تريانه رأى، قلنا رأى هوادى الخيل، فقال وانا والله ارى ذلك.

ثم قال الحسين: أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد، قلنا بلى هذا ذو حسم (2)عن يسارك تميل اليه فان سبقت القوم ، فهو كما تريد فأخذ ذات اليسار، فما كان بأسرع من أن طلعت وهادي الخيل (3) فتبيناها فعدلنا عنهم فعدلوا معنا: كأن أسنتهم اليعـاسيب (4)وكأن راياتهم اجنحة الطير، فسبقناهم الى ذي حسم، فضربت ابنية الحسين(ع) ، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حر الظهيرة والحسين (ع) واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه اسقوا القوم ورشفوا الخيل، فلما سقوهم و رشفوا خيولهم، حضرت الصلوة. فأمر الحسين الحجاج ابن مسروق الجعفي. وكان معه ان يؤذن فأذّن وحضرت الاقامة فخرج الحسين في أزار وردآء ونعلين، فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال ايها الناس انها معذرة الى الله واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم

(1) رسموا: اي ساروا الرسيم، وهو نوع من السير معروف.
(2)جبل معروف.
(3)هوادي الخيل: أوائلها واعناقها.
(4)جمع يعسوب: النحل.

ادب الطف ـ الجزء الاول 84

الى آخر ما قال فسكتوا عنه فقال للمؤذن اقم فأقام، فقال الحسين للحر أتريد ان تصلي بأصحابك قال لا بل بصلوتك فصلى بهم الحسين ثم دخل مضربه واجتمع اليه أصحابه، ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه، ثم عادوا الى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته، وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر امر الحسين بالتهيؤ للرحيل؟ ونادى بالعصر وصلى بالقوم ثم انفتل من صلواته واقبل بوجهه على القوم فحمد الله واثنى عليه، وقال ايها الناس( اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم ورسلكم فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما اطمأن به من عهودكم ومواثيقكم وان كنتم على غير ذلك انصرفت الى المكان الذي جئت منه فقال الحر إنا والله ماندري ما هذه الكتبي التي تذكر، فقال الحسين يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم الىَّ فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين ايديهم ، فقال الحر فأنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد امرنا اذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله، فقال الحسين الموت ادنى اليك من ذلك ، ثم قال لاصحابه اركبوا فركبوا،وانتظروا حتى ركبت النساء ، فقال انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ماتريد ، قال اما والله لوغيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي انت عليها ما تركت امه بالثكر ان اقوله كائنا ماكان، ولكن والله مالي الى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه، فقال الحسين فما تريد، قال اريد ان انطلق بك الى عبيد الله، فقال اذن لا اتبعك ، قال الحر اذن لا ادعك؟ فترادا الكلام ثلث مرات ، ثم قال الحر اني لم اؤمر بقتالك، وانماامرت أن لا افارقك حتى اقدمك الكوفة فان ابيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة تكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب الى ابن زياد وتكتب الى يزيد ان شئت، او الى ابن زياد ان شئت فلعل الله ان

ادب الطف ـ الجزء الاول 85

يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من امرك، (قال) فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و بينه و بين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا وسار والحر يسايره حتى اذا كان بالبيضة (1)، خطب اصحابه ثم ركب فسايره الحر، وقال له اذكرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلتك لتقتلن ولئن فوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني ما ادرى ما أقول لك ولكني اقول كما قال اخو الاوس لابن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله (ص) قال له اين تذهب فانك مقتول؛ فقال:

سامضي فما بالموت عار على الفتى       إذا ما نـوى حقا و جاهد مسلما

وآسـي الرجال الصالحيـن بنفـسه      وفارق مثبورا (2)وباعد مجرما

أقــدم نفسـي لااريـد لقاءهــا       لتلقى خميساً في الهياج عرمرما

فإن عشت لم اندم وإن مت لم الـم        كفى بك عاراً ان تلام و تندمـا

فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه حتى انتهوا الى عذيب الهجانات، فاذا هم باربعة نفر يجنبون فرسا لنافع بن هلال ويدلهم الطرماح بن عدي، فاتوا الى الحسين(ع) وسلموا عليه فأقبل الحر ، وقال إن هؤلاء النفر الذين جائوا من اهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك ، وانا حابسهم أورادهم ، فقال الحسين (ع) لامنعهم مما أمنع منه نفسي أنما هؤلاء انصاري واعواني، وقد كنت اعطيتني ان لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك جواب عبيد الله ، فقال اجل لكن لم يأتوا معك، قال هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على ما كان بيني و بينك وإلا ناجزتك قال فكف عنهم الحر، ثم ارتحل الحسين(ع) من قصر بني مقاتل، فأخذ يتياسر والحر يرده، فاذا راكب على

(1) البيضة بكسر الياء ما بين واقصة والعذيب.
(2) الثبر: اللعن

ادب الطف ـ الجزء الاول 86

نجيب له وعليه السلاح فتنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا ينظرونه جميعا فلما انتهى اليهم سلم على الحر و ترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر البدي من كندة فدفع الى الحر كتابا من عبيد الله، فاذا فيه: اما بعد فجعجع بالحسين(ع) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء فيغير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي ان يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام. فلما قرأ الكتاب جاء به الى الحسين(ع) و معه الرسول، فقال هذا كتاب الامير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتني فيه كتابه، وهذا رسوله قد أمره ان لا يفارقني حتى أنفذ رأيه و أمره، واخذكم بالنزول في ذلك المكان، فقال له دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه يعنى نينوى و الغاضرية و شفيّة فقال والله لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا، فنزلوا هناك(قال) ابو مخنف لما اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبدالله بن زهير بن سليم الازدي، وعلى ربع مذحج و اسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، وعلى ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد، و على الميمنة عمروبن الحجاج، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة ابن قيس و على الرجالة شبث بن ربعي، واعطى الراية مولاه دريدا فشهد هؤلاء كلهم قتال الحسين، إلا الحر فانه عدل اليه وقتل معه (قال) ابو مخنف: ثم ان الحر لما زحف عمر بن سعد بالجيوش، قال له اصلحك الله امقاتل أنت هذا الرجل، فقال اي واله قتالا ايسره أن تسقط الرؤوس، وتقطع الايدي، قال افمالك في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا، فقال اما والله لو كان الأمر الي لفعلت . و لكن اميرك قد ابى، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه قرة بين قيس الرياحي فقال يا قرة هل سقيت فرسك اليوم

ادب الطف ـ الجزء الاول 87

قال لا، قال اما تريد ان تسقيه؟قال فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال، و كره ان اراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه، فقلت انا منطلق فساقيه، قال: فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه، قال: فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا، فقال له الهاجر بن أوس الرياحي ، ماتريد يا بن يزيد، اتريد ان تحمل، فسكت وأخذه مثل العروآه (1) : فقال له يا بن يزيد، ان أمرك لمريب و ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة رجلا ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك، قال اني و الله اخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئأ، ولو قطعت وحرقت. ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلما دنا منه، قلب ترسه فتالوا مستأمن، حتى اذا عرفوه، سلم على الحسين، وقال شعلني الله فداك يابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، و جعجعت بك في هذا المكان، و الله الذي لا اله الا هو، ما ظننت ان القوم يريدون عليك ما عرضت عليهم ابدا، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي لا ابالي ان اصانع القوم في بعض أمرهم و لا يظنون اني خرجت من طاعتهم واماهم فسيقبلون من الحسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، ووالله ان لو ظننتهم لا يقبلونها منك، ما ركبتها منك و اني قد جئتك تائبا مما كان مني الى ربي، و مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، افترى لي توبة، قال نعم، يتوب الله عليك و يغفرلك، فانزل. قال: انا لك فارسا خير مني راجلا. اقاتلهم على فرسي ساعة، والى النزول ما يصير آخر أمري، قال فاصنع ما بدا لك، فاستقدم امام اصحابه ، ثم قال ايها القوم اما تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم،

(1)العروآء بالعين المضمونة والراء المهملة المفتوحة: قوة الحمة و رعدتها.

ادب الطف ـ الجزء الاول 88

فيعافيكم الله من حربه، قالوا فكلم الأمير عمر، فكلمه بما قال له من قبل و قال لأصحابه، فقال عمر: قد حرصت، ولو وجدت الى ذلك سبيلا فعلت فالتفت الحر الى القوم وقال: يا أهل الكوفة، لامكم الهبل و العبر (1)دعوتم ابن رسول الله(ص) حتى اذا اتاكم اسلمتموه؟ و زعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه امستكم بنفسه، وأخذتم بكظمه. و أحتطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة. حتى يأمن و يامن أهل بيته، فأصبح في ايديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا، حلأتموه و نسائه و صبيته و اصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي و النصراني. و تمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهاهم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا(ص) في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا و تنزعوا عما انتم عليه، من يومكم هذا، في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال، ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين(ع) (وروى) ابو مخنف أن يزيد بن سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم، كان قال: اما والله لو رأيت الحر، حين خرج، لاتبعته السنان. قال: فبينا الناس يتجاولون و يقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ، و يتمثل بقوله عنترة:

ما زلت ارميهم بثغرة نحره      ولبانه حتى تسبل بالدم

وان فرسه لمضروب من اذنيه و حاجبيه، وان دمائه لتسيل، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان، هذا الحر الذي كنت تتمنى، قال نعم و خرج اليه فقال له هل لك ياحر في المبارزة، قال نعم قد شئت فبرز له قال الحصين، وكنت انظر اليه فوالله لكان نفسه كانت في يد الحر، خرج اليه فما لبث ان قتله، (وروى)

العبر كصبر بمعنى الثكل

ادب الطف ـ الجزء الاول 89

ابو مخنف عن ايوب بن مشرح الخيواني انه كان يقول جال الحر على فرسه، فرميته بسهم. فحشاته فرسه فما لبث اذ ارعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر، كأنه ليث والسيف في يده، وهو يقول:

ان تعقروا بي فأنا ابن الحر     أشجع من ذي لبد هزبر

(قال) فما رأيت أحد قط يفرى فريه( قال ) ابو مخنف ولما قتل حبيب أخذ الحر يقاتل راجلا وهو يقول:

آلـيتُ لا أقـتل حـتى أقـتلا      ولن أصاب اليوم إلا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مفصلا      لا ناكلا فيهـم ولا مهلـلا

ويضرب فيهم ويقول:

اني انا الحر و مأوى الضيف      اضرب في اعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف

ثم اخذ يقاتل هو و زهير قتالا شديدا، فكان اذا شد احدهما و استلحم: شد الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة، ثم شدت جماعة على الحر، فقتلوه. فلما صرع وقف عليه الحسين عليه السلام، وقال له انت كما سمتك امك الحر، حر في الدنيا و سعيد في الآخرة، وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندي البدى:

سعيد بن عبد الله لا تنـسينّه       ولا الحر اذا آسى زهيراً على قسر

أقول و كان الحر أول من قتل من أصحاب الحسين(ع) في المبارزة

ادب الطف ـ الجزء الاول 90

واما الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، صاحب الأبيات ، قتل يوم الحرة مع عسكر اهل المدينة في ذي الحجة سنة 63 ، قال الطبري في تاريخه ان الفضل جاء الى عبد الله بن حنظلة الغسيل فقاتل في نحو من عشرين فارسا قتالا شديدا حسنا، ثم قال لعبد الله مُر من معك فارسا فليأتني فليقف معي فاذا حملت فليحملوا فوالله لا انتهي حتى ابلغ مسلما فاما ان اقتله واما ان أقتل دونه، فقال عبد الله بن حنظله لرجل ناد في الخيل فلتقف مع الفضل ابن العباس فنادى فيهم فجمعهم الى الفضل فلما اجتمعت الخيل اليه حمل على اهل الشام فانكشفوا، فقال لأصحابه الا ترونهم كشفا لئاما احملوا اخرى جعلت فداكم فوالله لئن عاينتم اميرهم لاقتلنه أو لاقتلن دونه ان صبر ساعة معقب سرورا انه ليس بعد الصبر الا النصر، ثم حمل وحمل أصحابه معه فانفرجت خيل أهل الشام عن مسلم بن عقبة، وبقي في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب مشرعي الأسنة نحو القوم و مضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية وإن عليه لمغفرا فقط المغفر وفلق هامته فخر ميتا، فقال خذها واناابن عبد المطلب فظن انه قتل مسلما، فقال قتلت طاغية القوم ورب الكعبة،فما قتل مسلم وانما كان ذلك غلاما له يقال له رومي و كان شجاعا فأخذ مسلم رايته و انب اهل الشام وحرضهم و تهددهم و شدت تلك الرجالة امام الراية فصرع الفضل بن عباس فقتل و ما بينه و بين اطناب مسلم بن عقبة الا نحو من عشرة اذرع وفي رواية ان مسرف بن عقبة كان مريضا يوم القتال وانه أمر بسرير و كرسي فوضع بين الصفين وقال يا أهل الشام قاتلوا عن أميركم او دعوا، ثم زحفوا نحوهم فحمل الفضل بن العباس بن ربيعة هو و اصحابه حتى انتهى الى السرير فوثبوا اليه فطعنوه حتى سقط.

ادب الطف ـ الجزء الاول 91

11- كعب بن جابر الأزدي

كان كعب بن جابر الازدي (1)ممن قاتل الحسين عليه السلام وهو الذي قتل برير بن خضير الهمداني رحمه الله ، فقالت له اخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة و قتلت سيّد الغراء، لقد أتيت عظيما من الأمر، و الله لا اكلمك من رأسي كلمة ابدا، فقال كعب:

سـلي تـخبري عـني وأنتِ iiذميمة      غـداة حـسين والـرماح iiشـوارع
ألـم آتِ أقـصى ماكرهت ولم iiيخل      عـلي غـداة الـروع ما أنا iiصانيع
مـعي  يـزني لـم تـخنه iiكـعوبه      وابيض مشخوب 
(2) الفرارين قاطع
فـجردته  فـي عـصبة ليس iiدينهم      بـديني وانـي بـابن حـرب iiلقانع
ولـم تـر عـيني مثلهم في iiزمانهم      ولا قـبلهم فـي الـناس اذ انا iiيافع
أشـد  قـراعا بالسيوف لدى iiالوغى      الا كـل مـن يـحمي الذمار iiمقارع
وقـدصبروا للطعن والضرب iiحسرا      وقـد  نـازوا لـو ان ذلـك iiنـافع
فـابـلغ  عـبـيد الله امـا iiلـقيته      بـانـي مـطـيع لـلخليفة iiسـامع
قـتلت بـريرا ثـم حـملت iiنـعمة      أبـا  مـنقذ لـما دعـا من iiيماصع

(1) في الاعلام للزركلي: كعب بن جابر، شاعر كان مع عبيدالله بن زياد يوم مقتل الحسين و له في ذلك ابيات اولها:

سلي تخبري عني وانت ذميمة      غداة حسين والرماح شوارع

رواها المرزباني في كتابه ص345؛ وقال: توفي نحو66هـ، 685 م ، وروي الطبري بعضها في الجزء 6 ص247.
(2) مشخوب: مصقول.
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث