ومن شعر أبي الأسود مشيراً الى أمير المؤمنين عليه السلام:
(1) قال الذهبي في تاريخ الاسلام عند ذكر سنة 69 قال المدائني حدثني من ادرك
الطاعون الجارف قال ثلاثة ايام جرف فيها الناس فمات فيها في كل يوم نحو سبعين الفا
حتى عجز الناس عن دفن الموتى فكانت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم.
ادب الطف ـ الجزء الاول 104
حـسدوا الـفتى اذ لم ينالوا iiسعيه فـالقوم أعـداءٌ لـه و خـصوم
كـضرائر الـحسناء قلن iiلوجهها حـسـدا و بـغـيا إنـه iiلـدميم
والـوجه يـشرق في الظلام iiكأنه بــدر مـنير والـسماء iiنـجوم
وكـذاك مـن عظمت عليه نعمة حـساده سـيف عـليه iiصـروم
فـاترك مـجاراة الـسفيه iiفـانها نـدم و غـبٌ بـعد ذاك و خـيم
واذا جريت مع السفيه كما iiجرى فـكـلاكما فـي جـريه iiمـذموم
واذا عـتبت عـلى السفيه ولمته فـي مـثل مـاياتي فانت iiظلوم
يـاايها الـرجل الـمعلم iiغـيره هـلا لـنفسك كـان ذا iiالـتعليم
لاتـنه عـن خـلق وتـاتي iiمثله عـار عـليك اذا فـعلت عـظيم
ابـدا بـنفسك وانـهها عن iiغيها فـاذا انـتهت عـنه فانت iiحكيم
فـهناك يـقبل ما وعظت iiويقتدى بـالراي مـنك ويـنفع iiالـتعليم
تصف الدواء وانت اولى iiبالدواء وتـعالج الـمرضى وانـت iiسقيم
وكـذاك تـلقح بـالرشاد iiعقولنا ابـدا وانـت مـن الرشاد iiعقيم
ويـل الـشجي مـن الـخل iiفانه نـصب الـغواة بـشجوه iiمغموم
وتـرى الـخلي قرير عين iiلاهياً وعـلـى الـشجي iiكـاّبةوهموم
ويـقول مـالك لاتـقول iiمقالتي ولـسـان ذا طـلق وذا مـكظوم
لاتـكلمنَ عرض ابن عمك iiظالما فـاذا فـعلت فـعرضك iiالمكلوم
وحـريمه ايـضا حريمك iiفاحمه كـيلا يـباح لـديك مـنه حريم
واذا اقتضضت من ابن عمك كلمة فـكلامه لـك ان فـعلت iiكـلوم
واذا طـلبت الـى كـريم iiحاجة فـلـقاؤه يـكـفيك iiوالـتـسليم
فـاذا راك مـسلما ذكـر الـذي حـمـلـته فـكـأنه iiمـحـتوم
فـارج الـكريم وان رايت iiجفاءه فـالعتب مـنه والـفعال iiكـريم
وعـجبت لـلدنيا ورغـبة iiأهلها والـرزق فـيما بـينهم iiمـقسوم
ادب الطف ـ الجزء الاول 105
والاحمق المرزوق احمق من iiارى مـن اهـلها والـعاقل الـمحروم
ثـم انـقضى عـجبي لعلمي iiانه قــدر مــواف وقـته مـعلوم
وقال في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام:
ألا يـا عـين ويـحك iiفـاسعدينا ألا فـابـك أمـيـر iiالـمؤمنينا
رزئـنا خـير من ركب iiالمطايا وخـيسها و مـن ركـب iiالسفينا
و مـن لـبس النعال و من iiحذها و مـن قـرأ الـمثاني iiوالـمثينا
فـكل مـناقب الـخيرات iiفـيه وحـب رسـول رب iiالـعالمينا
وكـنـا قـبـل مـقتله iiبـخير نـرى مـولى رسـول الله iiفـينا
يـقـيم الـدين لا يـرتاب iiفـيه و يـقضي بـالفرائض iiمـستيبنا
و يـدعو لـلجماعة مـن عصاه ويـنهك قـطيع ايـدي iiالسارقينا
ولـيـس بـكـاتم عـلما iiلـديه ولــم يـخلق مـن الـمتجبرينا
ألا أبـلغ مـعاوية بـن iiحـرب فـلا قـرت عـيون iiالـشامتينا
أفـي شـهر الـصيام iiفجعتمونا بـخير الـناس طـرا iiأجـمعينا
ومـن بـعد الـنبي فـخير iiنفس ابـو حـسن وخـير الـصالحينا
لـقد عـلمت قريش حيث iiكانت بـأنك خـيرها حـسبا و iiديـنا
اذا اسـتقبلت وجـه أبـي حسين رأيــت الـبدر راع iiالـناظرينا
كــأن الـناس اذ فـقدوا iiعـليا نـعام جـال فـي بـلد iiسـنينا
فــلا والله لا أنـسـى iiعـلـيا وحـسن صـلاته فـي iiالراكعينا
تـبـكـى ام كـلـثوم iiعـلـيه بـعـبرتها وقــد رأت iiالـيقينا
ولـو انـا سـئلنا الـمال iiفـيه بـذلـنا الـمـال فـيه iiوالـبنينا
فـلا تـشمت مـعاوية بن iiحرب فــان بـقـية الـخـلفاء فـينا
وأجـمعنا الامـارة عـن iiتراض ألـى ابـن نـبينا وإلـى أخـينا
ادب الطف ـ الجزء الاول 106
و إن سراتنا وذوي iiحجانا تواصوا أن نجيب إذا دعينا
بـكل مهند عضبٍ و iiجردٍ عـليهن الـكماة مـسومينا
وروى ابن قتيبة في الشعر و الشعراء قوله:
اذا كـنت مـظلوما فلا تلف iiراضيا عن القوم حتى تأخذ النصف واغضب
وان كـنت انت الظالم القوم iiفاطرح مـقالتهم واشـغب بـهم كل iiمشعب
وقـارب بـذي جـهل وبـاعد iiبعالم جـلوب عـليك الحق من كل مجلب
وان حـدبوا فاقعس، وان هم iiتقاعسوا لـينتزعوا مـاخلف ظـهرك iiفاحدب
وقـال: تعودت مس الضر حتى iiألفته وأسـلمني طـول البلاء الى iiالصبر
ووسـع صـدري للاذى كثرة iiالاذى وكـان قـديما قد يضيق به iiصدري
إذا أنـا لـم اقـبل من الدهر كل iiما ألاقـيه مـنه طال عتبي على iiالدهر
ادب الطف ـ الجزء الاول 107
14- ابن مفرغ الحميري
قال يخاطب عبيد الله بن زياد:
كم يا عبيد الله عندك من iiدم يـسعى ليدركه بقتلك iiساعي
ومعاشر أنف أبحت iiدماءهم فـرقتهم من بعد طول iiجماع
اذكر حسينا وابن عروة هانئا وبـني عقيل فارس iiالمرباع
ادب الطف ـ الجزء الاول 108
يزيد بن ربيعة بن مفرغ (1)كان شاعرا مقداما هجا زيادا
وآل زياد وعرف سجن عبيد الله بن زياد وهو القائل لما استلحق معاوية زيادا ونسبه الى
ابيه (2):
الا أبـلغ معاوية بن iiحرب مـغلغلة من الرجل iiاليماني
أتغضب أن يقال ابوك iiعف وترضى أن يقال أبوك زاني
فـاشهد أن رحمك من iiزياد كـرحم الفيل من ولد iiالأتان
وأشـهد أنـها ولدت iiزيادا وصخر من سمية غير iiداني
فاستأذن عبيد الله بن زياد معاوية في قتله فلم يأذن له و أمره بتأديبه فلما قدم ابن
زياد البصرة أخذ ابن المفرغ من دار المنذر بن الجارود - و كان أجاره - فأمر به فسقى
دواء ثم حمل على حمار وطيف به وهو يسلخ في ثيابه، فقال لعبيد الله:
يغسل الماء ماصنعت، وقولي راسخ
منك في العظام البوالي
(3)
أقول وتمثل سيدنا الحسين عليه السلام بشعره لما خرج من دار والي المدينة الوليد بن
عتبه بن أبي سفيان، وكان قد طلب من الحسين البيعة ليزيد ابن معاوية فأبى سيد
الشهداء قائلا: يا أمير انا أهل بيت النبوة و موضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح
الله و بنا يختم ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح و تصبحون وننظر و تنظرون أينا احق
بالخلافة، ثم خرج يتمثل بقول يزيد بن المفرغ:
(1)انما سمي مفرغا لأنه راهن على سقاء من لبن يشربه كله فشربه حتى فرغه فسمي مفرغا،
و كان شاعرا غزلا محسنا من شعراء الصدر الاول و زمن معاوية بن ابي سفيان.
(2)وفي خزانة الأدب، و الحيوان: ان هذه الاشعار لعبد الرحمن بن الحكم - اخي مروان -
قال ابو الفرج والناس ينسبونها الى ابن المفرغ لكثرة هجائه لزياد.
(3) هذا البيت من قصيدة يذكر فيها ما فعل به ابن زياد واهمال حلفائه من قريش اياه.
ادب الطف ـ الجزء الاول 109
لاذعـرت الـسوام في iiغسق الصبح مغيرا ولا دعيت iiيزيدا
يوم اعطى مخافة الموت ضيما والـمنايا يرصدنني أن iiأحيدا
وقال ابن قتيبة في الشعر الشعراء: هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري حليف لقريش،
صحب عباد بن زياد بن ابي سفيان فلم يحمده وكان عباد طويل اللحية عريضها، فركب ذات
يوم وابن مفرغ معه في موكبه فهبت الريح فنفشت لحيته قال ابن مفرغ:
ألا ليت اللحي كانت حشيشا
فنعلفها دواب المسلمينا
فبلغ ذلك عبادا فجفاه وحقد عليه، فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وعذبه وسقاه التربذ
في النبيذ (1)وحمله على بعير وقرن به خنزيرة، فامشاه
بطنة مشيا شديدا، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصيء، فكلما صاءت قال ابن
مفرغ:
ضجت سمية لما مسها القرن لا
تجزعي ان شر الشيمة الجزع
وسمية ام زياد، فطيف به في أزقة البصرة وأسواقها والناس يصيحون خلفه فمربه فارسي
فرآه فقال:(اين جيست) ، لما يسيل منه وهو يقول:
أبست نبيذست عصارات زبيبست
سميت رو سفيدست
ومعناه هذا ماء نبيذ، هذا عصير زبيب، و سميته عاهر فلما ألح عليه مايخرج منه قيل
لابن زياد: انه لمابه. لا نأمن أن يموت فأمر به فانزل، فاغتسل فلما خرج من الماء
قال:
يغسل الماء مافعلت، وقولي راسخ منك
في العظام البوالي
(3)
(1) هو راسب زئبقي اصفر.
(2)انظر هذا في الطبري.
(3) والقصيدة طويلة رواها ابو الفرج في الأغاني.
ادب الطف ـ الجزء الاول 110
ثم دس اليه غرماءه يقتضونه و يستعدون عليه ففعلوا ذلك فامر ببيع ما وجد له في اعطاء
غرمائه، فكان فيما بيع له غلام كان رباه يقال له (بُرد) كان يعدل عنه ولده، وجارية
يقال لها ( اراكه) أو (اراك) فقال ابن مفرغ فيهما:
يـا برد ما مسنا دهر أضر iiبنا مـن قبل هذا ولا بعنا له iiولدا
أما الاراك فكانت من iiمحارمنا عـيشا لذيذا وكانت جنة رغدا
لولا الدعي ولولا ما تعرض لي مـن الـحوادث ما فارقتها iiابدا
وقال من قصيدة له، و هي أجود شعره:
وشريت بردا ليتنـي من بعد برد كنت
هامه
أو بومة تدعو الصدى بين المشقر
واليمـامة
وأول الشعر:
اصرمت حبلك من أمامه من بعد أيام
برامه
(1)
ثم ان عبيد الله بن زياد أمر به فحمل الى سجستان الى عباد بن زياد، فحبس بها.
وقال الشيخ القمي في الكني: ابو عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة ابن مفرغ الحميري لقب
جده مفرغا، وقد هجا عبد بن زياد و عبيد الله بن زياد وقد نكلا به وحبساه ولولا قومه
و عشيرته الذين كانوا مع يزيد بن معاوية لقتلاه، و من شعره في لحية عباد - و كانوا
عظيم اللحية كأنها جوالق:
لا ليت اللحى كانت حشيشا
فتعلفها خيول المسلمينا
وله أيضا في هجاء زياد:
فاشهد ان امك لم تباشر أبا سفيان
واضعة القناع
(1) انظرها في طبقات ابن سلام و الخزانة والاغاني و الكامل.
ادب الطف ـ الجزء الاول 111
ولكن كان أمر فيه لبس على وجل شديد
وامتناع
وله في هجاء عبيد الله بن زياد:
وقـل لـعبيد الله مـالك iiوالـد بحق ولا يدري امرء كيف ينسب
و من شعره ايضا: ان زيادا و نافعا و أبا بكرة عندي من أعجب العجب
(1)
هـم رجـال ثـلاثة iiخلقوا فـي رحم أنثى وكلهم iiلأب
ذا قـرشي كـما يقول iiوذا مولى و هذا ابن عمه عربي
توفي سنة69هـ بعد ان قضى عمرا تارة في سجن عبيد الله ابن زياد بالبصرة، واخرى في
سجن عباد بن زياد بسجستان و مع ذلك كان ينطلق بهجاء آل زياد فلما طال مقامه في
السجن استأجر رسولا الى دمشق وقال له:إذا كان يوم الجمعة فقف على درج جامع دمشق
وانشد هذه الأبيات:
ابـلغ سراة بني قحطان قاطبة عـضّت بأير أبيها سادة اليمن
اضحى دعي زياد فقع iiقرقرة يا للحوادث يلهو بابن ذي يزن
والحميري صريع وسط iiمزبلة هذا لعمرك غبن ليس iiكالغبن
قولوا جميعا امير المؤمنين iiلنا عـليك حق ومن ليس iiكالمنن
اكـفف دعي زياد عن iiأكارمنا ماذا تريد بذي الأحقاد iiوالاحن
ففعل الرسول ما أمره به و أنشد الأبيات فحميت اليمانية و غضبوا وركب طلحة الطلحات
الى الحجاز و ليس قرشيا و كان ابن مفرغ حليفا لبني أمية فقال لهم طلحة يا معشر قريش
ان اخاكم و حليفكم ابن مفرغ قد ابتلى بهذه الاعبد من بني زياد و هو عديدكم و حليفكم
و رجل منكم
(1) أراد بهم اولاد سمية و هم ، زياد و نافع و ابو بكرة كل و احد من هؤلاء ينتمي و
ينسب لأب غير الأخر واراد بالنبطي: نافعا: وبالعربي ابو بكرة.،و بالمولى زياد لان
اباه كان عبد بني علاج.
ادب الطف ـ الجزء الاول 112
ووالله ما احب أن يجري الله عافيته الى يدي دونكم ولا أفوز بالمكرمة في امره وتخلوا
انتم منها، فانهضوا معي بجماعتكم الى يزيد بن معاوية فان أهل اليمن قد تحركوا
بالشام.
فركب خالد بن أسيد و امية بن عبد الله اخوه في وجوه خزاعة و كنانة و خرجوا الى يزيد
فبينما هم يسمرون ذات ليلة اذ سمعوا راكبا يتغنى في سواد الليل بقول ابن مفرغ
ويقول:
قـلت والـليل مـطبق iiبعراه لـيتني مـت قبل ترك iiسعيد
لـيتني مـت قـبل تركي أخا النجدة والحزم و الفعال iiالشديد
عـبشمي ابـوه عـبد iiمناف فـاز مـنها بـتاجها iiالمعقود
قل لقومي لدى الأباطح من iiآل لـويّ بـن غـالب ذي الجود
سـامني بـعدكم دعـي iiزياد خـطة الـغادر الـلئيم الزهيد
كان ما كان في الاراكة واجتبّ بـبرد سـنام عـيشي وجيدي
أوغل العبد في العقوبة والشتم وأودى بـطـارفي iiوتـليدي
فـارحلوا في حليفكم و iiاخيكم نحو غوث المستصرخين iiيزيد
فاطلبوا النصف من دعي iiزياد وسـلوني بما أدعيت iiشهودي |
|