ادب الطف

 
 

فدعوه وسألوه ما هذا الذي سمعنا منك تغني به فقال هذا قول رجل و الله إن أمره لعجيب رجل ضاع بين قريش واليمن وهو رجل الناس، قالوا من هو قال ابن مفرغ، فقالوا والله ما رحلنا الا فيه و انتسبوا له فعرفهم وانشد قوله: لعمري لو كان الأسير بن معمر وصاحبه أو شكـله ابن اسيد

لعمري  لو كان الأسير بن iiمعمر      وصـاحبه أو شـكله ابـن iiاسيد
ولـو أنـهم نـالوا أمية أر iiقلت      بـراكبها  الـوجناء نـحو iiيزيد
فابلغت  عذرا في لؤى ابن iiغالب      واتـلفت فـيهم طارفي و iiتليدي
فـإن  لـم يـغيرها الإمام بحقها      عـدلت الـى شُـم شوامخ iiصيد

ادب الطف ـ الجزء الاول 113

فـناديت  فـيهم دعـوة iiيـمنية      كـما كـان آبائي دعوا iiوجدودي
ودافـعت  حتى ابلغ الجهد iiعنهم      دفاع امرىء في الخير غير زهيد
فإن لم تكونوا عند ظني iiبنصركم      فـليس  لـها غـير الأغر سعيد
بـنفسي وأهـلي ذاك حيا و iiميتا      نـضار وعـود المرء أكرم عود
قـكم مـن مقام في قريش iiكفيته      ويـوم يـشيب الـكاعبات iiشديد
وخـصم تـحاماه لؤي بن iiغالب      شـببت لـه ناري فهاب iiوقودي
وخـير  كـثير قـد أفأتُ iiعليكم      وأنـتم رقـود أو شـبيه iiرقـود

فاسترجع القوم و قالوا: و الله ذلت رؤوسنا في العرب ان لم نغسلها بكفه، فاغذّ القوم السير حتى قدموا الشام و هناك اجتمعوا مع اليمانية و دخلوا على يزيد و كلموه فأمر بتسريح ابن مفرغ و أرسل بذلك مع رجل له خمخام فأطلقه.

و من قول ابن مفرغ يذكر هرب عبيد الله بن زياد و تركه أمه:

أعـبيد  هـلا كنت أول iiفارس      يـوم  الهياج دعا بحتفك iiداعي
أسـلمت امك و الرماح iiتنوشها      يـاليتني  لـك لـيلة الأفـزاع
إذ  تـستغيث و ما لنفسك iiمانع      عـبد  تـردده بـدار iiضـياع
هـلا  عـجوز اذ تـمد iiبثديها      وتـصيح  ان لا تنزعن iiقناعي
فركبت رأسك ثم قلت أرى العدا      كـثروا و أخلف موعد iiالاشياع
فـانجي  بنفسك وابتغي نفقا فما      لـي  طاقة بك و السلام وداعي
لـيس  الـكريم بمن يخلّف امه      وفـتاته  فـي المنزل iiالجعجاع
حـذر  المنية وا لرياح تنو iiشه      لـم  يـرم دون نـسائه iiبكراع
مـتأبطا  سـيفا عـليه iiيـلمق      مـثل الـحمار أثـرته iiبـيفاع
لا  خـير فـي هذرِ يهز iiلسانه      بـكلامه والـقلب غـير شجاع
لابـن  الزبير غداة يذمر iiمبدراًُ      أولـى  بـغاية كـل يوم iiوقاع

ادب الطف ـ الجزء الاول 114

وأحق بالصبر الجميل من امرىء      كــز  انـامله قـصير iiالـباع
جعد اليدين عن السماحة و iiالندى      وعـن الـضريبة فـاحش iiمنّاع
كـم يـا عـبيد الله عندك من دم      يـسعى  لـيدركه بـقتلك iiساعي
ومـعاشر  أنـفي أبحت iiحريمهم      فـرقتهم مـن بـعد طول iiجماع
أذكـر  حسينا و ابن عروة iiهانئا      وبـني  عـقيل فـارس iiالمرباع

وقال ابن مفرغ في مقتل ابن زياد بالزاب:

ان  الـذي عـاش حثارا iiبذمته      ومـات عـبدا قتيل الله iiبالزاب
العبد  للعبد لا أصل و لا iiطرف      ألـوت  به ذات أظفار و iiأنياب
ان  الـمنايا اذا مـازرن طاغية      هـتكن  عنه ستورا بين iiأبواب
هـلا  جـموع نـزار اذ iiلقيتهم      كنت امرءً من نزار غير مرتاب
لا  انت زاحمت عن ملك فتمنعه      ولا مـددت الـى قـوم بأسباب
مـا  شق جيب ولا ناحت نائحة      ولا بـكتك جـياد عـند أسلاب

قال الطبري في تاريخه و في سنة 59 كان ما كان من امر يزيد بن مفرغ الحميري وعباد بن زياد وهجاء يزيد بن زياد ، و قال:

ان يزيد بن ربيعة بن مفرغ كان مع عباد بن زياد بسجستان فاشتغل عنه بحرب الترك فاستبطأه فاصاب الجند مع عباد ضيق في إعلاف دوابهم:

ألا ليت اللحي كانت حشيشا     فيعلفها خيول المسلمينا

ولقد مر ما صنع به عبيد الله ثم حمله الى عباد بسجستان فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية فأرسل رسولا الى عباد فحمل ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية فقال في طريقه:

عدس ما لعبّادٍ عليك امارة      نجوت وهذا تحملين طليق

ادب الطف ـ الجزء الاول 115

15- عبيد الله بن عمرو الكندي البدي

سعـيد بن عـبد الله لا تنسيـنه      ولا الـحر اذ آسى زهيراً على قسر

فلو وقفـت صم الجبال مكـانهم      لمارت عـلى سهل ودكت على وعر

فمن قائم يستعرض النبل وجـهه      ومن مقدم يلقـى الاسـنة بالصـدر

ادب الطف ـ الجزء الاول 116

قال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال: عبيد الله بن عمرو الكندي ذكره علماء السير وانه كان فارسا شجاعا كوفيا شيعيا شهد مع امير المؤمنين مشاهده كلها وبايع مسلم بن عقيل، و كان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين وعقد له مسلم راية على ربع كندة يوم حاصر قصر الامارة فلما تخاذل الناس عن مسلم واطمأن ابن زياد ارسل الحصين بن نمير فقبض على عبيد الله و احضره امامه فسأله ممن انت، قال من كندة قال: انت صاحب راية كندة وربيعة قال نعم، قال انطلقوا به فاضربوا عنقه فانطلقوا به فضربوا عنقه رضوان الله عليه.

قال التستري صاحب (قاموس الرجال) : انما روى الطبري عقد مسلم له على ربع كندة وربيعة واما اخذه وقتله فلا.

وحيث ان الشاعر قد ذكر في الابيات اسماء الأبطال الثلاثة من اصحاب الحسين عليه السلام، رأينا ان نذكر ترجمة كل واحد منهم بالمناسبة:

1- سعيد بن عبد الله الحنفي:

كان ممن استشهد مع الحسين يوم الطف وكان من وجوه الشيعة بالكوفة، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم، و كان ممن حمل الكتب الى الحسين عليه السلام من اهل الكوفة الى مكة والحسين فيها، ولما خطب الحسين اصحابه في اللية العاشرة من محرم وأذن لهم بالتفرق فأجابه اهل بيته ثم قام سعيد بن عبد الله فقال: و الله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد حفظنا نبيه محمدا فيك. والله لو علمت اني اقتل في احيي ثم احرق حيا ثم اذر. يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى القي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا.

وروى ابن مخنف انه لما صلى الحسين الظهر صلاة الخوف . اقتتلوا

ادب الطف ـ الجزء الاول 117

بعد الظهر فاشتدالقتال، ولما قرب الأعداء من الحسين، وهو قائم بمكانه، استقدم سعيد الحنفي امام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا و شمالا وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طورا بوجهه وطورا بصدره وطورا بيده وطورا بجبينه فلم يكد يصل الى الحسين شيء من ذلك حتى سقط الحنفي الى الارض وهو يقول اللهم ألعنهم لعن عاد وثمود, اللهم أبلغ نبيك عني السلام و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصرة نبيك،ثم ألتفت الى الحسين فقال، أوفيت يابن رسول الله، قال نعم أنت أمامي في الجنة ثم فاضت نفسه النفيسة.

2- الحر بن يزيد الرياحي:

تقدت ترجمته في ص 82 - 89 من هذه الموسوعة.

3- زهير بن القين بن قيس الانماري البجلي:

كان زهير رجلا شريفا في قومه، نازلا فيهم بالكوفة، شجاعا ، له في المغازي مواقف مشهورة،و مواطن مشهودة، و كان أولا عثمانيا فحج سنة ستين في اهله، ثم عاد فوافق الحسين في الطريق، فهداه الله وانتقل علويا، (روى) ابو مخنف عن بعض الفزاريين، قال كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة نساير الحسين عليه السلام فلم يكن شيء ابغض الينا من ان نسايره في منزل، فاذا سار الحسين عليه السلام تخلف زهير، و اذا نزل الحسين تقدم زهير، حتى نزلنا يوما في منزل لم نجد بُداً من أن ننازله فيه فنزل الحسين في جانب و نزلنا في جانب فبينا نحن نتغدى من طعام لنا، واذا أقبل رسول الحسين (ع) فسلم و دخل، فقال يا زهير بن القين: ان ابا عبد الله الحسين بن علي بعثني اليك لتأتيه، فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على رؤسنا الطير، (قال) ابو مخنف: فحدثتني دلهم بنت عمرو أمرأة زهير قالت: فقلت له ايبعث اليك ابن رسول الله(ص) ادب الطف ـ الجزء الاول 118

ثم لا تأتيه، سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلمه ثم انصرفت.

قالت فأتاه زهير بن القين: فما لبث ان جاء مستبشرا قد اصفر وجهه، فأمر بفسطاطه و ثقله و متاعه فقوض و حمل الى الحسين(ع) ثم قال لي: انت طالق، الحقي بأهلك ، فأني لا احب ان يصيبك بسبب إلا خير، ثم قال لا صحابه من احب منكم ان يتبعني، والا فانه آخر العهد، إني سأحدثكم حديثا، غزونا بلنجر (1)، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان افرحتم بما فتح الله عليكم: و اصبتم من المغانم؟ فقلنا نعم فقال: اذا ادركتم شباب آل محمد (ص) فكونوا اشد فرحا بقتالكم معه بما اصبتم من المغانم، فاما انا فاني استودعكم الله، قال ثم والله مازال اول القوم حتى قتل معه.

(وقال) ابو مخنف لما عارض الحر بن يزيد ، الحسين(ع) في الطريق واراد أن ينزله حيث يريد، فأبى الحسين(ع) عليه، ثم انه سايره فلما بلغ ذا حسم خطب اصحابه خطبه التي يقول فيها، اما بعد فانه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون (الخ)، فقام زهير، وقال لاصحابه أتتكلمون أم أتكلم، قالوا بل تكلم: فحمد الله واثنى عليه، ثم قال قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله(ص) مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين _ إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك - لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها، فدعا له الحسين و قال له خير(وروى) ابن مخنف ان الحر لما ضايق الحسين عليه السلام بالنزول: و أتاه أمر ابن زياد ان ينزل الحسين على غير ماء و لا كلاء ولا في قرية ، قال له الحسين، دعنا ننزل في هذه القرية . يعني نينوى او هذه يعني الغاضرية ، او هذه يعني شفية، فقال الحر: لا والله

(1) بلنجر بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة هي مدينة في الخزر.

ادب الطف ـ الجزء الاول 119

لا استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث علي عينا. فقال زهير للحسين(ع) يابن رسول الله(ص)، ان قتال هؤلاء اهون علينا من قتال من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال له الحسين(ع) : ما كنت لأبدئهم بقتال فقال له زهير:فسر بنا الى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطيء الفرات، فان منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسين(ع) واي قرية هي :قال العقر، فقال الحسين(ع)اللهم اللهم اني اعوذ بك من العقر، فنزل بمكانه وهو كربلاء.

وقال ابو مخنف لما اجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن: يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة، والحسين عليه السلام جالس امام بيته، محتب بسيفه وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس، فدنت اخته زينب منه و قالت: يا اخي قد اقترب العدو، و ذاك يوم الخميس التاسع من المحرم بعد العصر، و جائه العباس، فقال يا أخي أتاك القوم، فنهض، ثم قال يا عباس اركب اليهم حتى تسألهم عما جاء بهم، فركب العباس في عشرين فارسا من هم حبيب بن مظاهر و زهير ابن القين، فسألهم العباس ، فقالوا جاء أمر الامير بالنزول على حكمه او المنازلة، فقال لهم العباس: لا تعجلوا حتى أرجع الى ابي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا وقالوا له القه فاعلمه ثم القنا بما يقول ، فذهب العباس راجعا ووقف اصحابه فقال حبيب لزهير كلم القوم ان شئت وان شئت كلمتهم انا: فقال زهير انت بدأت فكلمهم. فكلمم فرد عليه عزرة بن قيس بقوله: انك لتزكي نفسك ما استطعت، فقال له زهير: ان الله قد زكائها وهداها فاتق الله يا عزرة ، فاني لك من الناصحين انشدك الله يا عزرة ان تكون ممن يعين الضلالة على قتل النفوس الزكية، فقال عزرة: ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت انما كنت عثمانيا، قال أفلا تستدل بموقفي هذا على اني منهم ، اما

ادب الطف ـ الجزء الاول 120

والله ما كتبت اليه كتاب قط، و لا أرسلت اليه رسولا قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمع بيني و بينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه و آله و مكانه منه، و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم، فرأت أن أنصره و أن أكون في حزبه و أن اجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله ، قال واقل العباس. فسألهم امهال العشية، فتوامروا، ثم رضوا فرجعوا.

(وروى) ابو مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال: لما كانت الليلة العاشرة خطب الحسين(ع) اصحابه و اهل بيته، فقال في كلامه: هذا الليل قد غشيكم ، فاتخذوه جملا، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، فان القوم انما يطلبوني ، فأجابه العباس و بقية اهله، ثم اجابه مسلم بن عوسجة و اجابه سعيد، ثم قالم زهير فقال والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا الف قتلة، و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك(وقال) اهل السير لما صف الحسين(ع) اصحابه للقتال، وانما هم زهاء السبعين، جعل زهير على الميمنة، و حبيبا على الميسرة ووقف في القلب واعطى الراية لأخيه العباس، (وروى) ابن مخنف عن علي بن حنظلة بن سعد الشبامي عن كثير بن عبد الله الشعبي البجلي، قاللما زحفنا قبل الحسين عليه السلام، خرج الينا زهير بن القين. على فرس له ذنوب، وهو شاك في السلاح، فقال يا اهل الكوفة. نذاركم لكم من عذاب الله نذار ان حقنا على المسلم نصيحة اخيه المسلم، ونحن حتى الآن اخوة و على دين واحد و ملة واحدة ما لم يقع بيننا و بينكم السيف، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة و كنا امة و كنتم امة، الا الله قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه، لينظر ما نحن وانتم عاملون، انا ندعوكم الى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فانكم لا تدركون منهما الا السوء عمر سلطانهم

ادب الطف ـ الجزء الاول 121

كله انهما يسملان اعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم و يرفعانكم على جذوع النخل، و يقتلان أماثلكم و قرائكم امثال حجر ابن عدي و اصحابه، و هاني بن عروة، و اشباهه، (قال) فسبوه و اثنوا على عبيد الله وابيه وقالوا والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به و بأصحابه الى الامير( فقال) لهم زهير: عبادالله إن ولد فاطمة(ع) احق بالود والنصر من ابي سمية، فان لم تنصرهم فاعيذكم بالله ان تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل و بين يزيد ،فلعمري انه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام(قال)فرماه الشمر بسهم، وقال له اسكت اسكت الله نامتك (1) فقد أبرمتنا (2)بكثرة كلامك، فقال زهير يابن البوال على عقبيه، ما اياك اخاطب، انماانت بهيمة، والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم.

فقال له شمر: انا الله قاتلك و صاحبك عن ساعة، قال زهير: افبالموت تخوفني، والله للموت معه احب الي من الخلد معكم(قال) ثم اقبل على الناس رافعا صوته و صاح بهم، عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي و اشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد(ص) قوم اهرقوا دماء ذريته و اهل بيته، وقتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم(قال) فناداه رجل من خلفه: يا زهير ان ابا عبد الله(ع) يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وابلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وابلغت ، لو نفع النصح والابلاغ، فذهب اليهم.

(وروى) ابو مخنف عن حميد بن مسلم قال حمل شمر حتى طعن

(1) النأمة بالهمزة و النأمة بالتشديد الصوت، يقال ذلك كناية عن الموت و هو دعاء عند العرب مشهور.
(2) ابرمتنا : اضجرتنا.

ادب الطف ـ الجزء الاول 122

فسطاط الحسين عليه السلام برمحه وقال: علي بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله، فصاحت النساء، و خرجت من الفسطاط، فصاح الحسين(ع) يابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على اهلي، احرقت الله بالنار و حمل، وحمل زهير بن القين في عشرة من اصحابه، فشد على شمر و اضحابه، فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير ابا عزة الضبابي من اصحاب شمر و ذوي قرباه، و تبع اصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم فكثروهم وقتلوا اكثرهم و سلم زهير،(قال) ابو مخنف واستمر القتال بعد قتل حبيب فقاتل زهير و الحر قتالا شديدا فكان اذا شد احدهما واستلحم، شد الآخر فخلصه: فقتل الحر، ثم صلى الحسين عليه السلام صلوة الخوف ولما فرغ منها، تقدم زهير فجعل يقاتل قتالا لم ير مثله ، ولم يسمع بشبهه واخذ يحمل على القوم فيقول:

انا زهير وانا ابن القين     أذودكم بالسيف عن حسين

ثم رجع فوقف امام الحسين(ع) وقال له:

فدتك نفسي هاديا مهديا      اليوم القـى جدك النبـيا

  وحسنا والمرتضى عليا      وذا الجناحين الشهيد الحيا

فكأنه ودعه، وعاد يقاتل، فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه، (وقال) السروي في المناقب لما صرع، وقف عليه الحسين (ع) فقال: لايبعدنك الله يا زهير، و لعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة و خنازيرا.

ادب الطف ـ الجزء الاول 123

16- عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي البصري

يـافرو قـومي iiفـاندبي      خـير  البرية في iiالقبور
وابـكي  الـشهيد iiبعبرة      من فيض دمع ذي iiدرور
وارث الحسين مع التفجع      والــتـأوه iiوالـزفـير
قـتلوا  الحرام من الأئمة      فـي  الحرام من iiالشهور
وأبـكي  يـزيد iiمـجدلا      وأبـنيه  في حر iiالهجير
مـتـزملين  iiدمـاؤهـم      تجري  على لبب iiالنحور
يـا  لـهف نفسي لم تفز      مـعهم بـجنات iiوحـور

ادب الطف ـ الجزء الاول 124

روى هذه الابيات الشيخ السماوي في(ابصار العين في انصار الحسين) وقال هي في رثاء يزيد بن ثبيط (1)وولديه الذين قتلوا مع الحسين وهي من نظم عامر بن يزيد قالها في رثاء ابيه وأخويه لما صرعوا يوما الطف مع ابي عبد الله الحسين عليه السلام. وكان من خبرهم ان يزيد بن ثبيط كان من الشيعة ومن اصحاب ابو الاسود و كان شريفا في قومه.

قال أبو جعفر الطبري: كانت مارية ابنة منقذ العبدية تتشيع و كانت دارها مألفا للشيعة يتحدثون فيها، وقد كان ابن زياد بلغه اقبال الحسين عليه السلام و مكاتبة أهل العراق له، فأمر عامله أن يضع المناظر و يأخذ الطريق، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج الى الحسين وكان له بنون عشرة فدعاهم الى الخروج معه و قال: أيكم يخرج معي متقدما ، فانتدب له اثنان: عبد الله و عبيد الله، فقال لاصحبه في بيت تلك المرأة: اني قد أزمعت على الخروج و انا خارج فمن يخرج معي فقالوا انا نخاف أصحاب ابن زياد ، فقال: اني والله لو قد استوت أخفافها بالجدد (2)لهان علي طلب من طلبني، ثم خرج و ابناه وصحبه عامر و مولاه و سيف بن مالك و الأدهم بن امية، و قوي في الطريق (3)حتى انتهى الى الحسين(ع) وهو بالابطح من مكة فاستراح في رحله ثم خرج الى الحسين الى منزله، و بلغ الحسين(ع) مجيئه فجعل يطلبه حتى جاء الى رحله فقيل له قد خرج الى منزلك فجلس في رحله ينتظره و أقبل يزيد- لما يجد الحسين في منزله و سمع انه ذهب اليه - راجعا على أثره، فلما رأى الحسين(ع) في رحله قال: (بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا) السلام عليك يا بن رسول الله

(1) ثبيط بالثاء المثلثة الباء المفردة والياء المثناة والطاء المهملة.
(2) الجدد: صلب الارض، و في المثل : من سلك الجدد امن العثار.
(3) قوي في الطريق: تتبع الطريق القواء اي القفر الخالي.

ادب الطف ـ الجزء الاول 125

ثم سلم عليه و جلس اليه و اخبره بالذي جاء له، فدعا له الحسين بالخير ثم ضم رحله الى رحله، وما زال معه حتى قتل بين يديه في الطف مبارزة، وقتل ابناه في الحملة الاولى كما ذكره السروي، و في رثائه ورثاء ولديه يقول ولده عامر بن يزيد (الابيات).

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث