ادب الطف

 
 

ادب الطف ـ الجزء الثاني 100

‍‍‌‏‎لـم  يـعلموا أن ذاك الـعزم iiمنصلت      وأن  تـلـك الـمـنايا iiبـالـمراصيد
‍‍‌‏‎حـتى  اتـوك عـلى الاقتاب من iiبُهم      خـزر الـعيون ومـن شـوس مذاويد
‍‍‌‏‎وفــوق  كـل قـتود بَـز iiمـستلب      وفــوق كــل قـناة رأس iiصـنديد
‍‍‌‏‎تـوجت  مـنها الـقنا تـيجان iiملحمة      مـن  كـل مـحلول سلك النظم معقود
‍‍‌‏‎كـأنها فـي الـذرى سـحق iiمـكمّمة      مـن  كل مخضود أعلى الطلع iiمنضود
‍‍‌‏‎سـود الـغَدائر فـي بيض الأسنه iiفي      حـمر الانـابيب فـي ردع iiوتـجسيد
‍‍‌‏‎أشـهدتهم كل فضفاض القميض iiضحى      فـي كـل سـرج تـحلّى ظهر iiقيدود
‍‍‌‏‎كــأن أرمـاحهم تـتلو اذا iiهـزجت      زبــور  داود فــي مـحراب iiداود
‍‍‌‏‎لـو كـان لـلروم عـلم بـالذي لقيت      مــا هـنـئت ام بـطريق iiبـمولود
‍‍‌‏‎لـم يـبق في أرض قسطنطين iiمشركة      الا  وقــد خـصّـها ثـكل iiبـمفقود
‍‍‌‏‎أرض  اقـمـت رنـينا فـي iiمـآتمها      يـغني الـحمائم عـن سـجع iiوتغريد
‍‍‌‏‎كـأنـما بــادرت مـنـها iiمـلوكهم      مـصارع  الـقتل أو جـاءوا iiبموعود
‍‍‌‏‎مـا كـل بـارقة فـي الـجو iiصاعقة      تـسـري ولا كـل عـفريت iiبـمريّدِ
‍‍‌‏‎الـقى الـدمستق بـالصلبان حين رأى      مـا  أنـزل الله مـن نـصر iiوتـأييد
‍‍‌‏‎فـقل لـه حـال مـن دون الخليج iiقناً      سـمـر  وأدرع أبـطـال iiمـنـاجيد
‍‍‌‏‎أهــل  الـجـلاد اذا بـانت iiأكـفهم      يـجـمعن  بـين الـعوالي والـلغاديد
‍‍‌‏‎فـرسان طـعن تـؤام في الفرائص لا      يـنمى  وضرب دراك في iiالقماحيد
(1)
‍‍‌‏‎ذا أهـرت كـشدوق الأسـد قد رجفت      زأرا  وهــذا غـمـوس iiكـالأخاديد
‍‍‌‏‎أعـيا  عـليه أيـرجو أم يـخاف iiوقد      رآك تـنـجز مــن وعـد وتـوعيد
‍‍‌‏‎وقـائـع  كـظـمته فـانثنى iiخـرسا      كـأنـما كَـعَـمَت فــاه iiبـجـلمود
‍‍‌‏‎حـميته  الـبر والـبحر الـفضاء معا      فـمـا  يـمر بـبات غـير iiمـسدود
‍‍‌‏‎يـرى  ثـغورك كـالعين التي iiسملت      بـيـن الـمرورات مـنها iiوالـقراديد
يــا رب قـارعة الأجـيال iiراسـية      مـنها  وشـاهقة الأكـناف iiصـيخود

(1) القماحيد ، الواحدة قمحودة : مؤخر القذال ، خلف الأذنين .

ادب الطف ـ الجزء الثاني 101

‍‍‌‏‎دنــا لـيـمنع ركـنـيها بـغـاربه      فـبـات  يـدعـم مـهدودا iiبـمهدود
‍‍‌‏‎قـد  كـانت الـروم مـحذورا iiكتائبها      تـدني الـبلاد عـلى شـحط وتـبعيد
‍‍‌‏‎مـلك تـأخر عـهد الـدهر مـن iiقدم      عـنه كـأن لـم يـكن دهـرا بمعهود
‍‍‌‏‎حـل  الـذي أحـكموه في العزائم iiمن      عـقـد ومـا جـربوه فـي iiالـمكاييد
‍‍‌‏‎وشـاغبوا الـيم ألـفي حـجة iiكـملا      وهــم  فــوارس قـاريّاته iiالـسود
‍‍‌‏‎فـاليوم قـد طـمست فـيه iiمـسالكهم      مـن  كـل لاحـب نهج الفلك iiمقصود
‍‍‌‏‎لـو كـنت سـألتهم في اليم ما iiعرفوا      سُـفح  الـسفائن مـن غـير الملاحيد
‍‍‌‏‎هـيهات  لـو راعـهم في كل iiمعترك      لـيث  الـليوث وصـنديد iiالـصناديد
‍‍‌‏‎مـن  ليس يمسح عن عرنين iiمضطهد      ولا يـبـيت عـلـى أحـناء مـفؤود
‍‍‌‏‎ذو  هـيبة تـتقى فـي غـير iiبـائقة      وحـكمة تُـجتنى مـن غـير iiتـعقيد
‍‍‌‏‎مـن  مـعشر تـسع الـدنيا نـفوسهم      والـناس  مـا بـين تـضييق iiوتنكيد
‍‍‌‏‎لـو  أصحروا في فضاء من iiصدورهم      سـدّوا عـليك فـروج الـبيد iiبـالبيد
‍‍‌‏‎اولـئك  الـناس إن عـدوا iiبـأجمعهم      ومـن سـواهم فـلغو غـير iiمـعدود
‍‍‌‏‎والـفرقف بـين الـورى جمعا iiوبينهم      كـالفرق  مـا بـين مـعدوم iiوموجود
‍‍‌‏‎إن  كـان لـلجود بـاب مـرتج iiغلق      فـأنـت  تـدنـي الـيه كـل iiاقـليد
‍‍‌‏‎كـأن حـلمك أرسى الأرض أو iiعقدت      بـه  نـواصي ذرى أعـلامها iiالـقود
‍‍‌‏‎لــك  الـمواهب اولاهـا iiوآخـرها      عـطاء  رب عـطاء غـير iiمـحدود
‍‍‌‏‎فـأنت  سـيّرت ما في الجود من iiمثل      بـاق ومـن أثـر فـي الناس iiمحمود
‍‍‌‏‎لــو  خـلّد الـدهر ذا عـز لـعزته      كـنـت  الأحــق بـتعمير وتـخليد
تُـبلى  الـكرام وآثـار الـكرام ومـا      تـزداد فـي كـل عـصر غير iiتجديد

الناشي الصغير أبو الحسن علي بن عبد الله بن الوصيف

‍‍‌‏‎بـني  احـمد قـلبي لـكم iiيتقطع      بـمثل  مـصابي فيكم ليس iiيسمع
‍‍‌‏‎فما  بقعة في الأرض شرقا iiومغربا      ولـيس  لـكم فيها قتيل iiومصرع
‍‍‌‏‎ظـلـمتم وقـتلتم وقُـسّم iiفـيئكم      وضاقت بكم أرض فلم يحم موضع
‍‍‌‏‎جسوم على البوغاء ترمى iiوأرؤس      عـلى  أرؤس اللدن الذوابل iiتُرفع
نـوارون لـم تـأوِ فراشا iiجنوبكم      ويـسلمني طـيب الهجوع iiفاهجع

وذكر السيد الأمين في الدر النضيد هذه الأبيات للناشي :

‍‍‌‏‎مصائب نسل فاطمة iiالبتول      نكت  حسراتها كبد iiالرسول
‍‍‌‏‎ألا بـابي البدور لقين خسفا      وأسلمها الطلوع الى iiالأفول
‍‍‌‏‎الا يـا يوم عاشورا iiرماني      مصابي  منك بالداء iiالدخيل
‍‍‌‏‎كـأني بـابن فاطمة iiجديلا      يلاقي الترب بالوجه الجميل
‍‍‌‏‎وقد  قطع العداة الرأس iiمنه      وعـلّوه عـلى رمح iiطويل
‍‍‌‏‎وفـاطمة  الصغيرة بع iiعز      كساها  الحزن أثواب iiالذليل
تـنادي جـدها يـا جد iiإنا      طـلبنا بـعد فقدك iiبالدخول

ادب الطف ـ الجزء الثاني 103

وللناشي في أهل البيت عليهم السلام :

‍‍‌‏‎رجـائي  بـعيد والـممات iiقريب      ويـخطئ  ظـني فـيكم iiويصيب
‍‍‌‏‎مـتى تـأخذون الـثأر ممن iiتالبوا      عليكم وشبوا الحرب وهي ضروب
‍‍‌‏‎فـذلك قـد أدمـى ابن ملجم iiشيبه      فـخر على المحراب وهو خضيب
‍‍‌‏‎وذاك تـولى الـسم عـنه iiحشاشة      وأنـشبن  أظـفار بـها iiونـيوب
‍‍‌‏‎وهـذا  تـوزعن الصوارم iiجسمه      فـخرّ بـارض الطف وهو iiتريب
‍‍‌‏‎قـتيل  على نهر الفرات على iiظما      تـطوف بـه الاعداء وهو iiغريب
‍‍‌‏‎كـأن  لـم يـكن ريـحانة iiلمحمد      ومـا  هـو نـجل للوصي iiحبيب
‍‍‌‏‎ولم يك من أهل الكساء الاولى iiبهم      يـعاقب جـبّار الـسماء iiويـتوب
‍‍‌‏‎اناس علوا أعلى المعالي من iiالعلى      فـليس  لـهم في العالمين iiضريب
‍‍‌‏‎اذا انـتسبوا جازوا التناهي iiبجدهم      فـما لـهم فـي الأكـرمين نسيب
‍‍‌‏‎هـم الـبحر أضـحى دره وعبابه      فـليس لـه مـن مـبتغيه رسوب
‍‍‌‏‎تـسير  بـه فـلك الـنجاة iiوماؤه      لـشرّابه  عـذب الـمذاق iiشروب
‍‍‌‏‎هم  البحر يغدو من غدا في iiجواره      وسـاحله  سـهل الـمجال رحيب
‍‍‌‏‎يـمد  بـلا جـزر عـلوما iiونائلا      إذا جـاء مـنه المرء وهو iiكسوب
‍‍‌‏‎هـم  سـبب بـين الـعباد وربهم      فـراجيهُم فـي الحشر ليس iiيخيب
‍‍‌‏‎حـووا علم ما قد كان أو هو iiكائن      وكــل رشـاد يـبتغيه iiطـلوب
‍‍‌‏‎هـم  حـسنات الـعالمين iiبفضلهم      وهـو  لـلاعادي في المعاد ذنوب
‍‍‌‏‎وقد  حفظت غيب العلوم iiصدورهم      فما  الغيب عن تلك الصدور iiيغيب
‍‍‌‏‎فـان  ظلمت أو قتّلت أو iiتهضمت      فـما  ذاك من شأن الزمان iiعجيب
وسـوف يـديل الله فـيهم بـأوبة      وكـل إلـى ذاك الـزمان iiيـؤب

وفي الأعيان :

قال وحدثني الخالع : قال اجتزت بالناشي يوما وهو جالس في السراجين فقال لي قد عملت قصيدة وقدطلبت وأريد أن تكتبها بخطك حتى اخرجها

ادب الطف ـ الجزء الثاني 104

فقلت أمضي في حاجة وأعود وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح فقال لي أحب أن تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية فانا قد نحنا بها البارحة بالمشهد ، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة فقمت ورجعت اليه وقلت : هات البائية حتى أكتبها ، فقال من أين علمت أنها بائية وما ذاكرت بها أحدا فحدثته بالمنام فبكى وقال : لا شك ان الوقت قددنا ، فكتبتها فكان أولها : رجائي بعيد والممات قريب ويخطئ ظني والمنون نصيب

 ادب الطف ـ الجزء الثاني 105

الناشي الصغير مولده سنة 271 ومات يوم الأثنين لخمس خلون من صفر سنة 365 هو ابو الحسن علي بن عبد الله بن الوصيف الناشي الصغير الاصغر البغدادي :

من باب الطاق ، نزيل مصر ، المعروف بالحلاء كان ابوه يعمل حلية السيوف فسمّي حلاء . ويقال له : الناشي لأن الناشي يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر كما قال السمعاني في الانساب .

وفي الطيلعة : كان من علماء الشيعة ومتكلميها ومحدثيها وفقهائها وشعرائها له كتب في الامامة ومدائحه في أهل البيت صلوات الله عليهم لا تحصى كثرة روى الحموي في معجم الادباء قال : حدثني الخالع قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الكبودي في المسجد الذي بين الوارقين والصاغة وهو غاص بالناس واذا رجل قد وافى وعليه مُرقعة وفي يديه سطيحة وركوة(1) ومع عُكاز ، وهو شِعث فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثم قال أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، فقالوا مرحبا بك وأهلا ورفعوه فقال : أتعرّفون لي أحمد المزوق النائح ، فقالوا : ها هو جالس ، فقال : رأيت مولاتنا عليها السلام في النوم فقالت :

امضي الى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه :

بني احمد قلبي بكم يتقطع       بمثل مصابي فيكم ليس يُسمع

(1) المرقعة : الثوب المرقع ، والسطيحة ، المزادة ، والركوة : الدلو الصغير .

ادب الطف ـ الجزء الثاني 106

وكان الثاني حاضرا فلطم على وجهه وتبعه المزوّق والناس كلهم وكان اشد الناس في ذلك الناشي ثم المزوّق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم الى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم ، فقال والله لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فانني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليها السلام ثم آخذ عن ذلك عوضا ، وانصرف ولم يقبل شيئا قال : ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا .

عـجب  لـكم تفنون قتلا iiبسيفكم‌‏‎      ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
كـأن  رسـول الله أوصى بقتلكم      وأجـسامكم  في كل ارض iiتوزع

وجمع العلامة السماوي شعر الناشي في أهل البيت عليهم السلام وهو يزيد على ثلثمائة بيتا وهو اليوم في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الأشرف أقول ودفن الناشي في مقابر قريش وقبره هناك معروف . وهو ممن نبش قبره في واقعة سنة 443 وأحرقت تربته .

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : الناشي الاصغر هو ابو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف البغدادي الحلاء الفاضل المتكلم الشاعر البارع الإمامي المشهور له كتاب في الإمامة وأشعار كثيرة في أهل البيت (ع) لا تحصى حتى عرف بهم ولقب بشاعر أهل البيت (ع) ، ولد سنة 271 ويروي عن المبرد وابن المعتز قال ابن خلكان وهو من الشعراء المحسنين وله في أهل البيت (ع) قصائد كثيرة وكان متكلما بارعا اخذ علم الكلام عن أبي سهل اسمعيل بن علي بن نوبخت المتكلم وكان من كبار الشيعة وله تصانيف كثيرة وكان جده وصيف مملوكا وابوه عبد الله عطارا وقيل له الحلاء لأنه كان يعمل حلية من النحاس ومضى إلى الكوفة سنة 325 وأملى شعره بجامعها وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة :

كـأن سـنان ذابله iiضمير‌‏‎      فليس عن القلوب له iiذهاب
وصـارمه كـبيعته iiبـخم      مقاصدها من الخلق الرقاب

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث