أدب الطف ـ الجزء الثالث 243
وله من أخرى:
قـسما بـما ضمنت عليه iiشفاههم مـن قـرقف فـي لـؤلؤ iiمكنون
ان شارف الحادي العذيب لأقضين نـحبي ومـن لى أن تبر iiيميني
لـو لـم يـكن آثار ليلى iiوالهوى بـتلاعه مـا رحـت iiكالمجنون
قال: وكان سبب عمل هذه القصيدة ان ابن المعلم المذكور والابله وابن
التعاويذي المذكورين قببله لما وقفوا على قصيدة صر در المقدم ذكره في
حرف العين التي اولها:
اكذا يجازى ود كل قرين أم هذه شيم الظباء العين
وهي من نخب القصائد أعجبتهم فعمل ابن المعلم من وزنها هذه القصيدة وعمل
ابن التعاويذي من وزنها قصيدة أبدع منها وأرسلها الى السلطان صلاح
الدين رحمه الله تعالى وهو بالشام يمدحه بها وأولها:
ان كان دينك في الصبابة ديني
فقف المطي برملتي يبرين
وعمل الابله قصيدة اخرى، وأحسن الكل قصيدة ابن التعاويذي. وفي وقعة
الجمل على البصرة قبل مباشرة الحرب ارسل علي بن ابي طالب رضي الله عنه
ابن عمه عبدالله بنا لعباس رضى الله عنهما الى طلحة والزبير برسالة
يكفهما عن الشروع في القتال، ثم قال له : لا تلقين طلحة فانك إن تلقه
تجده كالثور عاقصا أنفه يركب الصعب ويقول هو الذلول ولكن القى الزبير
فانه ألين عريكة منه وقل له يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وانكرتني
بالعراق فما عدا مما بدأ. وعلي رضى الله عنه أول من نطق بهذه الكلمة
فأخذ ابن المعلم المذكور هذا الكلام وقال:
منحوه بالجذع السلام وأعرضوا
بالغور عنه فما عدا مما بدا
أدب الطف ـ الجزء الثالث 244
وهذا البيت من جملة قصيدة طويلة ورسالة نقلها في كتاب نهج البلاغة
ولابن المعلم في أثناء قصيدة أيضاً.
يوهي قوى جلدي من لا ابوح به
ويستبيح دمـي من لا اسمـيه
قسما فمـا في لساني مـا يعاتبه
ضعفا بلى في فؤادي ما يقاسيه
ولا حاجة الى الاطالة بذكر فرائده مع شهرة ديوانه وكثرة وجوده بايدي
الناس، وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادي الاخرة سنة احدى وخمسمائة
وتوفي رابع رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بالهرث رحمه الله تعالى
والهرثبضم الهاء وسكون الراء بعدها ثاء مثلثة وهي قرية من أعمال نهر
جعفر بينهما وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي
بها رحمه الله.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 245
أحمد بن عيسى الهاشمي
قال أحمد بن عيسى الهاشمي ـ والد الواثق ـ يعتذر من الكحل في يوم
عاشوراء.
لم أكتحل في صباح يوم
أريـق فيه دم الحسيـن
إلا لحـزني وذاك أنـي سودت حى بياض عيني
أدب الطف ـ الجزء الثالث 246
عن كتاب:
تراجم رجال القرنين السادس والسابع والمعروف بالذيل على الروضتين
للحافظ المؤرخ شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بأبي
شامة المقدسي الدمشقي. المطبوع بالقاهرة ـ ص 11.
قال: وفي سنة 593 هـ توفي أحمد بن عيسى الهاشمي والد الواثق بالله
ويعرف بابن الغريق من أهل الحريم الظاهري، وكان شاعراً فاضلاً فمن شعره
ما اعتذر به عن الاكتحال يوم عاشوراء.
لم أكتحل في صباح يوم
أريق فـيه دم الحسيـن
إلا لحـزني وذاك أنـي سودت حتى بياض عيني
وكانت وفاته في ذي القعدة عن ثمانين سنة ودفن بباب حرب.
قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص، وأنشدنا ابو عبدالله النحوي بمصر
قال: كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء فعوقب على ذلك فقال:
وقائل لم كحلت عينا
يوم استباحوا دم الحسين
فقلت كفوا أحق شيء تلبس فيه السـواد عيني
ولقد نظم الشعراء بهذا المعنى كثيراً من بكاء السماء والأرض والأحجار
أدب الطف ـ الجزء الثالث 247
والأشجار على شهيد كربلاء عليه السلام، ومما تقدم تستشعر أن العناية
بيوم مقتل الحسين والحزن يوم عاشوراء كان ولم يزل منذ أكثر من ألف عام
بل من يوم مقتل الحسين وحتى يومنا هذا، هكذا حدثنا أبو الفداء في
تاريخه والمقريزي في خططه قال:
وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الامر فيه على ما يجري
كل سنة من تعطيل الاسواق وخروج المنشدين الى جامع القاهرة ونزولهم
مجتمعين بالنوح والنشيد ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز
بن النعمان سائر المنشدين الذين يتكسبون بالنوح والنشيد، وقال لهم لا
تلزموا الناس أخذ شيء منهم اذا وقفتم على حوانيتهم ولا تتكسبوا بالنوح
والنشيد ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء.
وقال المقريزي في الخطط: كانوا ـ يعني الفاطميين ـ ينحرون في يوم
عاشوراء عند القبر، الابل والغنم والبقر ويكثرون النوح والبكاء ويسبون
من قتل الحسين ولم يزالوا على ذلك حتى آخر دولتهم وحتى زالت.
عاشوراء في دولة بني بويه
وفي تاريخ المؤيد أبي الفداء في حوادث سنة 352 في عاشر المحرم أمر معز
الدولة الناس أن يغلقو دكاكينهم وأن يظهروا النياحة وأن يخرج النساء
منشرات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوهن على الحسين
بن علي ففعل الناس ذلك ولم يقدر السنية على منع ذلك لكثرة الشيعة
والسلطان معهم.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية كان في عصر آل بويه في حدود
الاربعمائة وما حولها تضرب الدرادل ببغداد ونحوها من البلاد، في يوم
أدب الطف ـ الجزء الثالث 248
عاشوراء ويذرى الرماد والتبن في الطرقات وتعلق المسوح على الدكاكين
ويظهر الناس البكاء والحزن، وكثير منهم من لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة
للحسين عليه السلام حيث قتل عطشانا، حتى قال السوسي محمد بن عبد العزيز
(1).
أأذوق طعم الماء وابن محمد
لم يرو حتى للمنون أذيـقا
لا عذر للشيعي يرقى دمعه
ودم الحسين بكربلاء أريقا
ويقول السيد حيدر الحلي (2) من قصيدة طويلة:
أللهاشمي الماء يحلو ودونه
ثوت آله حرى القلوب على الثرى
وتهدأ عين الطالبي وحوله
جفون بني مروان ريا من الكرى
اقول ويذكر المؤرخان الشهيران ياقوت الحموي في معجمه وابن خلكان في
وفياته قضية الناشي الاصغر علي الشاعر المشهور.
(1) هو من شعراء القرن الرابع وقد تقدمت ترجمته.
(2) من شعراء القرن الرابع عشر، وتأتي ترجمته بعون الله.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 249
صفوان بن ادريس المرسي
أمـرنـة سـجعت بـعود أراك قـولـي مـولهة عـلام بـكاك
أجـفاك إلـفك أم بـليت بفرقة أم لاح بـرق بـالحمى iiفشجاك
لو كان حقاً ما ادعيت من الجوى يـوماً لـما طرق الجفون iiكراك
أو كـان روعـك الفراق اذا iiلما صـنت بـماء جـفونها عيناك
ولـما ألفت الروض يأرج iiعرفه وجـعلت بـين فـروعه iiمغناك
ولما اتخذت من الغصون منصة ولـما بـدت مـخضوبة iiكفاك
ولـما ارتدي الريش برداً iiمعلماً ونـظمت من قرح سلوك iiطلاك
لـو كنت مثلي ما أنفت من البكا لا تـحسبي شكواي من iiشكواك
إيـه حـمامة خـبريني، إنـني أبـكي الحسين، وأنت ما iiأبكاك
أبـكي قـتيل الطف فرغ iiنبينا أكـرم بـفرغ لـلنبوة iiزاكـي
ويـل لـقوم غـادروه iiمضرجاً بـدمائه نـضواً صـريح شكاك
مـتعفراً قـد مـزقت أشـلاءه =فـريـاً بـكل مـهند iiفـتاك
أيـزيد لـو راعيت حرمة iiجده لـم تقتنص ليث العرين iiالشاكي
إذ كـنت تصغي إذ نقرت iiبثغره قـرعت صـماخك أنه iiالمسواك
أتـروم ويـك شـفاعة من iiجده هـيهات، لا ومـدبر iiالأفـلاك
ولـسوف تـنبذ في جهنم iiخالداً مـا الله شـاء ولات حين فكاك
أدب الطف ـ الجزء الثالث 250
وقوله معارضاً قول الحريري (خل ادكار الاربع)
أومض ببرق iiالاضلع واسكب غمام iiالادمع
واحزن طويلا واجزع فـهو مـكان iiالجزع
وانـثر دماء iiالمقلتين تـألمأ عـلى iiالحسين
وابك بدمع دون iiعين إن قـل فيض iiالادمع
قـضى لهيفا iiفقضى من بعده فصل iiالقضا
ريحانة الهادي iiالرضا وابن الوصي iiالانزع
أدب الطف ـ الجزء الثالث 251
أبو بحر صفوان بن ادريس بن عبدالرحمن بن عيسى بن ادريس التجيبي المرسي.
ولد سنة 560 وتوفي سنة 598
كان كاتباً بليغاً وشاعراً بارعاً من أعيان أهل المغرب كما في الطليعة.
قال لسان الدين بن الخطيب انفرد برثاء الحسين وقال ابن الأبار له قصائد
جليلة خصوصاً في الحسين. رحل الى مراكش فقصد دار الخلافة مادحاً فما
تيسر له شيء فقال: لو مدحت آل البيت لبلغت أملي فمدح، وبينما هو عازم
على الرجوع طلبه الخليفة مأربه فعكف على مدح آل البيت عليهم السلام
ورثائهم.
ومن شعره:
قلنا وقد شام الحسام مخـوفاً
رشاً بعادية الضراغم عابث
هل سيفه من طرفه أم طرفه من سيفه أم ذاك طرف ثالث
وقوله:
يـا قـمراً مطلعه iiأضلعي لـه سواد القلب فيها غسق
وربـما استوقد نار iiالهوى فـناب فيها لونها عن iiشفق
عندي من حبك ما لو iiسرت في البحر منه شعلة لاحترق
أدب الطف ـ الجزء الثالث 252
وفي فوات الوفيات ج 1 ص 392.
صفوان بن ادريس، ابو بحر ، الكاتب البليغ:
كان من جله الادباء، وأعيان الرؤساء، فصيحاً جليل القدر، له رسائل
بليغة، وكان من الفضل والدين بمكان، توفي وله سبع وثلاثون سنة.
ومن شعره:
يا حسنة والحسن بعض iiصفاته والـسحر مقصور على iiحركاته
بـدر لو أن البدر قيل له iiاقترح أمـلأ لـقال أكـون من هالاته
والـخال ينقط في صحيفة iiخده مـا خط حبر الصدغ من iiنوناته
وإذا هـلال الافـق قابل وجهه أبـصرته كـالشكل فـي iiمرآته
عـبثت بـقلب مـحبه لحظاته يـتارب لا تـعبث على لحظاته
ركـب المآثم في انتهاب iiنفوسنا فالله يـجـعلهن مـن iiحـسناته
مـا زلت أخطب للزمان iiوصاله حـتى دنـا والـبعد من iiعاداته
فـغفرت ذنـب الدهر منه iiبليلة غـطت على ما كان من iiزلاته
غـفل الـرقيب فنلت منه iiنظرة يـا لـيته لـو دام فـي iiغفلاته
ضـاجعته والـليل يذكى iiتحته نـارين مـن نفسي ومن iiجناته
بـتنا نـشعشع والعفاف iiنديمنا خمرين : من غزلي ومن iiكلماته
حـق إذا ولـع الـكرى يجفونه وامـتد في عضدي طوع سناته
أوثـقـته فـي سـاعدى لأنـه ظـبي خـشيت عليه من iiفلتاته
فـضممته ضـم الـبخيل iiلماله يـحنو عـليه من جميع iiجهاته
عـزم الـغرام عـلي في iiتقبيله فنقضت أيدي الطوع من عزماته
وأبـى عـفافي أن أقـبل iiثغره والـقلب مـطوي على جمراته
فـاعجب لـملتهب الجوانح غلة يـشكو الظما والماء في iiلهواته
أدب الطف ـ الجزء الثالث 253
وقال رحمه الله من قصيدة:
حـكـمتم زمـنـاً لـولا iiاعـتدالكم فـي حـكمكم لـم يكن للحكم iiيعتدل
فـإنـما أنـتـم فـي أنـفه شـمم وإنـمـا أنـتم فـي طـرفه كـحل
يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلا لان خـرصانها مـن فـوقها iiمـقل
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
أحـمى الهوى خده iiوأوقد فـهو على أن يموت iiأوقد
وقـال عـنه العذول iiسال قـلـده الله مــا iiتـقلد
وبـاللوى شـادن iiعـليه جـيد غـزال ووجه iiفرقد
عـلـله ريـقـه iiبـخمر حـتى انثنى طرفه وعربد
لا تعجبوا لا نهزام صبري فـجيش أجـفانه iiمـؤيد
أنـالـه كـالذي iiتـمنى عـبد، نـعم عبده iiوأزيد
لـه عـلي امـتثال iiأمر ولـي عليه الجفاء iiوالصد
إن سـلمت عـينه iiلقتلي صـلى فؤادي على iiمحمد
وعارضها شيخ الشيوخ شرف الدين عبدالعزيز الأنصاري بقصيدة بديعة، وهي:
ويلاه من غمضي iiالمشرد فـيك ومـن دمعى iiالمردد
يا كامل الحسن ليس يطفي نـاري سوى ريقك iiالمبرد
يـا بـدر تـم، إذا تجلى لـم يـبق عذرا لمن iiتجلد
أبـديت من حالي iiالمورى لـما بـدا خـدك iiالمورد
رفـقا بـولهان iiمـستهام أقـامـه وجـده iiوأقـعد
أدب الطف ـ الجزء الثالث 254
مـجتهداً في رضاك iiعنه وأنـت فـي إئـمه iiالمقلد
لـيس لـه منزل iiبأرض عنك ولا في السماء مصعد
قـيدته فـي الـهوى iiفتمم واكـتب عـلى قيده iiمخلد
بان الصبا عنه iiفالتصابي أنــأ أطـرابـه iiفـأنشد
من لي بطفل حديث سحر بـابل عـن ناظريه iiمسند
شـتت عـني نظام iiعقلي تـشتيت ثـغر له iiمنقصد
لـو اهـتدى لائمي iiعليه نـاح عـلى نـفسه iiوعدد
ألـبسني نـشوة iiبـطرف سـكرت من خمرة iiفعربد
لا سهم لي في سديد iiرأي يـحرس من سهمه iiالمسدد
غصن نقاحل عقد صبري بـلين خـصر يكاد iiيعقد
فمن رأى ذلك الوشاح iiال صـائم صلى على iiمحمد
خـير نـبي نـبيه iiقـدر عودي إلى المدح فيه iiأحمد
ومن شعر صفوان:
والسرحة الغناء قد قبضت بها
كـف النسيم على لـواء أخضر
وكأن شكل الغيم منجل فضة
يرمي على الأفاق رطب الجوهر
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
وكـأنمـا أغصانهـا أجيادها
قد قلـدت بلآلىء الأنوار
ما جاءها نفس الصبا مستجدياً
إلا رمت بدراهم الأزهار
أدب الطف ـ الجزء الثالث 255
وقال في مليح يرمى نارنجا في بركة:
وشـادان ذي غـنج iiدلـه يروقنا طوراً وطوراً يروع
يـقذف بالنارنج في iiبركة كلاطخ بالدم سرد iiالدروع
كـأنـها اكـباد iiعـشاقه يقذفها في لج بحر iiالدموع
وقال أيضاً رحمه الله:
أولع من طرفه بحتفى هل يعجب السيف للقتيل
تهيبوا بالحسام قتلـى
فاخترعوا دعوة الرحيل
وقال ابن سعيد في كتابه (المغرب) : هو أنبه الاندلس في عصره، له كتاب
زاد المسافر. قصر إمداحه على أهل البيت عليهم السلام واكثر من تأبين
الحسين عليه السلام.
وفي معجم الأدباء: صفوان بن ادريس بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عيسى
التجيبي أبو بحر، كان أديباً كاتباً شاعراً سريع الخاطر، أخذ عن أبيه
والقاضي ابن ادريس وابن غلبون وأبي الوليد، وهو أحد أفاضل الأدباء
المعاصرين بالاندلس. ولد سنة ستين وخمسمائة، وتوفي بمرسية سنة ثمان
وتسعين وخمسمائة ولم يبلغ الاربعين. وله تصانيف منها: كتاب زاد المسافر
وراحلته وكتاب العجالة، مجلدان يتضمنان طرفاً من نثره ونظمه، وديوان
شعر، ومن شعره:
قـد كـان لي قلباً فلما iiفارقوا سـوى جـناحاً للغرام iiوطارا
وجرت سحاب للدموع فأوقدت بـين الـجوانج لوعة iiوأوارا
ومن العجائب ان فيض مدامعي مـاء يـمر وفي ضلوعي iiنارا |