أدب الطف 138
الشيخ محمد رضا النحوي
هذه القصيدة صدورها للشيخ أحمد النحوي، وأوائل الإعجاز لولده الشيخ
محمد هادي، وثوانيها للشيخ أحمد الحلي، وثوالثها لولده الشيخ محمد رضا
النحوي.
عـج بـالمطى قـليلاً أيها iiالحادي وسـائل الـركب عن سكان iiأجياد
عـلى أشم عراراً في ربى iiالوادي مـا سـرت إلا بـأحشاء iiوأكـباد
رفـقاً بـهن فقد قاسين طول iiسرى ومـا يـعانين مـن وخـد iiواسآد
كـآنها مـن جـفاها بعض iiأعواد وضـرها فـرط أغـوار iiوأنـجاد
أمـا تـراها براها الشوق مذ iiزمن ومـسـها حــز أقـتاب iiوأقـتاد
قـد آذنـت فـيه أحـبابي iiبابعاد إلـى كـرام بهم رشدي iiوإرشادي
تـصبو لـنجد ومـا نجد iiوساكنه إلا شـفاء غليل الظامىء iiالصادي
كـلا ولـيس لـنجد بـل iiإبـراد وأيــن نـجد لا نـجاد iiوإسـعاد
لـها فـؤاد مـعنى فـي iiمعاهدها لا يـستقر إذا مـا رجـع iiالحادي
سـقى الـمعاهد سحاً صوب iiمرتاد مـا حـال في عهده عن خير عهاد
ترتاح إن لاح في الآفاق ضوء iiسناً نـور الـثنية مـن غـربي بغداد
صبح به يهتدى حيث الدجى iiبادي بـرق تـألق وهـنأ والدجى iiهادي
تـصدعن وردها إن فاح ريح iiصباً وتـترك الروض غفلا غير iiمرتاد
بـما تـضمن مـن أخـلاق أمجاد مـن الـعواصم مـن أكناف iiبغداد
فـاستبق فـيها بـقايا كي ننيخ iiبها عـلى مـهابط وحـي نورهم iiباد
عـلى مـزار شـهيد نـجل أمجاد عـلى مـصارع أمـجاد iiوأنـجاد
أدب الطف 139
عـلى مـحل بـه الأملاك iiعاكفة عـوجا قليلا كذا عن أيمن iiالوادي
عـلـى تــلاوة آيـات iiوأوراد والـخلق فـيه سواء عاكف iiبادي
عـلى حـمى كربلا شوقا iiلساكنها عـج بالحمى يا رعاه الله من iiوادي
أفـديه فـي طارفي مني iiواتلادي هـادي الـبرية واشـوقاه iiللهادي
إن جـئتها فأطل منك الوقوف iiبها غـذيت در الـتصابي قبل iiميلادي
وســح دمـعا بـإصدار وإيـراد فـاخلع نـعالك فـيها إنها iiالوادي
نـبكي عـلى أسـد قد خر iiمنجدلا زواره الـوحش مـن سـيد iiوآساد
كـسته بيض المواضي حمر أبراد يـاليت أنـي له دون الورى iiفادي
لـهفي لـه جـسداً قد ضمخوه iiدماً ثـاو على الترب ملقى بين iiأجساد
عـلى الـثرى بين أهضام iiوأنجاد كــأن أثـوابه مـجت iiبـفرصاد
لـهفي لـه وهـو فرد قد أحاط iiبه بـنـو أمـية لا تـحصى بـتعداد
جـيش لآل زيـاد نـسل أوغـاد جيش كهام كصوب العارض الغادي
يا عصبة ما رعت حق البتول iiولا راعت ذمام النبي المصطفى iiالهادي
حـق الـوصي وأبـدت غل أحقاد عـادت عـلى بـادىء بالبر iiعواد
لـهفي لـه والـعدى تنتابه iiزمراً بـكل لـدن أصـم الـكعب مـياد
والـراس مـنه مشال فوق iiأعواد لــم أحـص عـدتهم إلا iiبـعداد
لـهفي لـبدر بدا منه السرار على أيـدي الـعدى طول أزمان iiوآباد
حـكم الإلـه وفـيه كـل iiاسـعاد أرض الـطفوف بـأرماس iiوأنجاد
لـهفي لشمس ضحى بالنور مشرقة قـد أخـمد الـنور منها أي إخماد
تـغنى بـأنوارها عـن كـل iiوقاد لـهفي عـلى كـوكب بالسعد iiوقاد
أبـدى الـحمام عـليهم شجوه iiوله طـوق الـكآبة أضـحى قيد iiأجياد
عـليه فـرط بـكاء بـعد iiتـعداد تـبكي الـسماء بدمع رائح iiغادي
أدب الطف 140
عـلى الـبها مـن أبـناء أحمد iiلا عـلى الـبها لـيل من أبناء iiعباد
لـهفي عـليهم وقد سارت iiظعائنهم والـموت خـلفهم يـسري iiبميعاد
بـأمرة ابـن زيـاد أصـل iiإلحاد كـأنها إبـل يـحدو بـها iiالحادي
لـهفي عـلى طود مجد هد iiشامخه مـجـدلا بـين أجـبال iiوأطـواد
بـوقعه قـد شـفى أضغان iiحساد وركـن مـجد بأرض الطف iiمنئاد
لـهفي على بحر جود غاض iiمورد وكــان يـشرع مـنه كـل وراد
فـجرع الـنبت منه غلة iiالصادي وكــان ريــاً لــوراد iiورواد
لـهفي عـلى خـاشع لـله iiمبتهل فـي أسـر قـوم لدين الكفر iiعباد
وخـيـر عـبادها نـسكاً وزهـاد لـهفي عـلى راكـع لـله سـجاد
لـهفى على نجله السجاد حلف iiظناً مـكـبل بـيـن أغـلال iiوأقـياد
مـغـللا بـين أغـلال iiوأصـفاد أخـفاه طول الضنا من غير iiعواد
يـرى الـعدى وأهـاليه iiبـأسرهم أسرى وليس لهم في القوم من iiفادي
غــدوا حـيارى بـأطفال iiوأولاد والـسقم ينفض فيهم صبغة iiالجادي
من كل ذات شجى ترثي لحال iiشج تـطوي الضلوع على جمر iiوإيقاد
حـزينة لـم تـزل في أسر iiأنكاد وذي قـيود غـدا يـرثي iiلـمنقاد
مقروحة القلب من سقم وطول iiضناً قـرحى الـجفون بتسكاب iiوتسهاد
قــد شـفها فـقد آبـاء iiوأجـداد قـد دب مـنها بـأعضاء iiوأعضاد
تـشكو الظما وهجير الصيف متقد غرثى ولم تلق غير الدمع من iiزاد
يـاليت أبـحرها تـرمي iiبـأنفاد والـمـاء طــام لـرواد iiووراد
مـاذا يقول بنو حرب إذا iiعرضوا والـكل عات على أهل الهدى عاد
وقـد أتـوا بـين مـغلول iiومنقاد والـخلق طـراً وقوف بين iiأشهاد
وقـام ثـم عـلي والـبتول iiمـعاً فـي موقف العرض كل شجوه iiباد
أدب الطف 141
والـكل يـهتف هـذا يـوم ميعاد والـنار مـا بـين إلـهاب iiوإيقاد
وكـان فـيها شفيع الخلق iiخصمهم والله مـطـلع مـنـهم iiبـمرصاد
ومـنهم أظـهر الـشكوى بـترداد والـحاكم الله فـي ذيـالك iiالنادي
يـا عـثرة ما يقال الدهر iiعاثرها كبابها الدهر يابن المصطفى iiالهادي
عـند الـوفود غـداً في شر iiوفاد والـشر أخـبث ما أوعيت من زاد
مـولاي يا ابن أجل المرسلين iiعلا وأكـرم الـناس مـن قار ومن iiباد
* * *
يـا مـن إليه لقد ألقيت iiأقيادي ومـن هم لمعادي خير iiإعدادي
إلـيك مـن أحمد عذراء iiفائقة أضحت إجازتها من نجله iiهادي
مـدوا بها أحمداً من خير iiإمداد ومـن رضـا در إنشاء iiوإنشاد
يعيي السلامي أن يأتي iiبمشبهه نـظما ويعجز عنها نجل iiعباد
والـخالدي وبـشر وابن iiخلاد أين الخليعي منها وابن حماد(1)
(1) عن الرائق مخطوط المرحوم السيد أحمد العطار
أدب الطف 142
الشيخ محمد رضا النحوي
توفي 1226
ابن الشيخ أحمد بن الحسن الملقب بالشاعر ـ الحلي النجفي مولده بالحلة
في أواسط القرن الثاني عشر وقضى الشطر الأول من حياته فيها والثاني في
النجف على عهد آية الله السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، جمع
إلى الفقه والحديث آداب اللغة العربية واحتل مكانة سامية في الأوساط
العلمية والادبية، وهو أحد الفطاحل الخمسة ين كان يعرض السيد
الطباطبائي عليهم منظومته الفقهية الشهيرة الموسومة بـ «الدرة» إبان
نظمها فصلاً بعد فصل لإبداء ملاحظاتهم ومناقشاتهم العلمية حولها وهو من
أبطال «وقعة الخميس» التي هي عبارة عن مساجلة أدبية اتفقت في عهد السيد
بحر العلوم ونظم فيها شعراء ذلك العصر كالسيد محمد بن زين الدين والشيخ
محمد بن الشيخ يوسف من آل محي الدين والسيد صادق الفحام وبحر العلوم
وكاشف الغطاء وصاحب الترجمة وسميت باسم وقعة الخميس التي جرت بصفين
زيادة في المطايبة والظرف وهي مدونة في عدة من المجاميع العراقية
المخطوطة.
كان النحوي أكبر شعراء عصره بلا مراء وأطولهم باعا في النظم وأنقاهم
ديباجة لا يجاريه أحد منهم في حلبة، وشعره رصين البناء متين الأسلوب
وألفاظه محكمة الوضع لا تكاد تعثر على كلمة مقتضبة في شعره وقد جمع فيه
بين الإكثار والإجادة وقلما اتفق ذلك لغيره.
أدب الطف 143
درس المبادىء من النحو والصرف والمعاني والبيان ونظائرها على والده
الشيخ أحمد ـ المتقدم ذكره ـ والفقه والأصول على العلامة بحر العلوم
ومن بعده على الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكره صاحب
روضات الجنات في آخر ترجمة بحر العلوم وعبر عنه بالشيخ محمد رضا «النجفي»
ويحتمل أن أصل الكلمة «النحوي» وصحفت بالنجفي وأشار إلى مرثيته السيد
ولم يذكر منها سوى مادة التاريخ وهو شطر واحد «قد غاب مهديها جداً
وهاديها ـ1312 ونقل ذالك عن السيد صدر الدين العاملي . وكان ابوه يمرنه
على النظم ـ كما مرن البازي كف الملاعب ـ ويقحمه في تلك المضامير
الرهيبة منذ عهد الصغر وفي السفر ولحضر ويشجعه على مجاراته والاشتراك
معه في مرتجلاته واليك هذه القطعة التي شارك في نضمها اباه وهو يافع
حين قدما من الحلة الى النجف لزيارة المشهد العلوي ولاحت لهما القبة
الذهبية من بعيد وذالك من بعد تذهيبها ببضعت اعوام فقال الوالد لولده
:(انظر اليها تلوح كالقبس ) فقال الولد : (او برق غيث همى بمنبجس ) ثم
شرع كل منهما بأجازة بيت بيت وقد علمنا ما هو الشيخ احمد بقوسين وما هو
غفل منها ـ فهو لولده الرضا :
(أنـظر إلـيها تلوح كالقبس) أو بـرق غيث همى iiبمنبجس
(أو غـرة الـسيد الإمـام أبي الأطهار من قد خلا من الدنس)
يــا حـبذا بـقعة iiمـباركة فـاقت بـتقديسها عـلى iiقدس
(شـاهدت فيها بدر التمام iiبدا فـقلت نـور الإلـه iiفاقتبس)
يـهدي الـبرايا ونور iiحكمته يـجلو سـناه غـياهب الغلس
(إن فـاه نـطقي بغير iiمدحته أبـدلني الله عـنه iiبـالخرس)
مـن قـام لـلضد فـيه iiمأتمه وأصـبح الطير منه في عرس
أدب الطف 144
( سـل عـنه بدراً فكم بحملته مـن طـائح رائح iiومرتكس)
هـذا عـن السرج خر منجدلا وذا قـضى نحبه على الفرس
(وأصـبح الـبر وهو بحر iiدم فـما جـرى سابح على iiيبس)
يـفترس الأسـد وهي iiشيمته كـم فارس وهو غير iiمفترس
(جدد رسم الهدى وقد iiطمست أعـلامه فـهو غير iiمنطمس)
يـكفيك فخراً ما جاء في خبر الطائر صدق الحديث عن أنس
(غـليك وجـهت همتي فعسى أبـدل حـظاً بحظي iiالتعس)
واجتازا على غلام عامل يصنع سفينة فاشتركا في نظم هذه القطعة والصدور
منها إلى الوالد والإعجاز لولده المترجم:
ورب ظـبي iiمـروع يروع في الهجر روعي
ذلت له الخشب iiطوعا كـذلـتي و خـشوعي
فـقلت يـا ريـم ماذا تـبغي بـهذا iiالصنيع
فـقال أبـغي iiسـفينا لـرحلتي iiورجـوعي
فـقلت دونـك iiفاصنع سـفينة مـن iiضلوعي
شـراعها مـن فؤادي وبـحرها من iiدموعي
وبعد وفاة والده انقطع إلى ملازمة السيد صادق الفحام فكان له أبا
ثانياً ـ ومربياً حانياً وله معه مساجلات مثبتة في ديوانيهما ورأيت
السيد في ديوانه المخطوط يعبر عنه غالباً بـ «الولد الأكرم» وطوراً
ينعته بـ «الأديب العارف الكامل» وقد حفظ النحوي لسيده الصادق تلك
أدب الطف 145
اليد وما زال يتذكرها فيشكرها له في حياته وبعد وفاته وإليك قسماً
كبيراً من قصيدته التي رثاه فيها وهي تنيف على (70) بيتاً لتشاهد
اللوعة والحزن العميق في رثائه (الصادق):
خـلـيلي عـوجا بـالديار iiوسـلما وحـوما معي طيرا على ذلك iiالحمى
ألـما مـعي نـقضي حـقوقاً iiتقدمت فـما نـصف أن تـسلماني iiوتـسلما
فـحلا عـزالي الـدمع فيها iiوأرخيا وإن كـان ما بي من جوى ليس فيكما
خـليلي ثـوبا عـن دموعي iiبسقيها فـعيني إذا اسـتقطرتها قـطرت iiدما
سـلاها دنـو الـدار مـمن نأت iiبهم « عـسى وطـن يدنو بهم ولعلما ii»
لـعل الـليالي أن تـعود كـما بدت « وأن تـعتب الأيام فيهم iiوربما»(1)
سـلاها سـقاها الله مـا بـال iiأفقها و قـد أزهـر الأكوان أصبح iiمظلما
وغـاضت بحار العلم فيها وقد iiطمت عـبابا و قـد سامت بأمواجها iiالسما
هـوى قـمر الأقـمار من آل iiهاشم فـأظلم ذاك الـحي فـيهم iiوأعـتما
أصـم بـه الناعي ذوي السمع iiلانعى وأخـرس فـيه الـناطقين iiوأبـكما
فـيا نـائياً لـم يـنأ عنا وإن iiرمت بـه مـزعجات الـبين أبعد iiمرتمى
بـرحت ومـا بارحت خطرة iiخاطر وبـنت و مـا بـاينت من ذكره iiفما
شـطرت عليك العمر شطرين iiعبرة تـجيش بـجاريها و وجـداً iiتضرما
سـأستغرق الأحـوال فـيك ولم iiأقل « إلى الحول ثم اسم السلام عليكما »
ويــا والـداً ربـيب دهـراً بـبره و مـن بـعدما ربـى وأحـسن أيتما
لـساني عـصاني في رثائك iiمحجما وعـهدي بـه إن أحجم القرن iiمقدما
وكــان إذا جـالت قـداح iiمـياسر عـلى خـطباء الـقوم فـيك iiالمتمما
(1) هذا العجز وما قبله مطلع قصيدة لأبي تمام الطائي
أدب الطف 146
فـأنت الـذي فـللت حـد غـراره و كـان جـرازاً يـأكل الغمد iiمخذما
و لـولا الذي بي منك شعشعت iiأفقها شـموساً و صـيرت الـقوافي iiأنجما
وهـا أنـا ذا قـدمت ما ليس iiينبغي لـمـثلك عــذر إلـيـك iiتـقـدما
لـئن كـان عـن فـكر عليل iiمعبراً فـقد جـاء عـن ود صحيح iiمترجما
سـقى عهدك المعهود بالصدق والوفا سماء(1) من الرضوان ما دامت السما
و لا بـرحت تـعتاد مـثواك iiبـالثنا مـلائـكة الـرحمن فـذا و iiتـوأما
و لا زايـلت تـلك الـرياض iiمودعا مـن الـودق نـضاخ الحيا iiومسلما
فـيالك رزء جـب مـن آل iiغـالب سـنـاما لآفــاق الـبـلاد تـسما
لـوى مـن لوي حيث كانت iiلواءها وهـد ذرى عـليا قـريش iiوهـدما
ومنها يعزي السيد بحر العلوم ويمدحه:
فـتى قـرن الـباري سلامة iiخلقه وصـحتهم فـي أن يـصح iiويسلما
هـو الـخلف المهدي بورك iiهادياً و بـورك مـهديا إذا الـنهج أبهما
تـكـفل بـالأيتام فـهو لـهم iiأب و حـامى عن الإسلام فهو له iiحمى
فـتى كـلما أبـدى الـجميل iiأعاده و إن صـنع الـمعروف زاد iiوتمّما
عـزاء و إن عـز العزاء و iiسلوة عـليه و إن خـلت الـسلو iiمحرما
فما العمر ماعاش الفتى غير iiطائف أطـاف كـرجع الطرف ثم iiتصرما
و مــا هـذه الأيـام إلا iiبـوارق ألـقن غروراً أو هي الركب iiهوّما
و مـا كـان هذا العيش إلا iiصبابة تـمـر لـماضا أو خـيالاً مـسلما
و عـزاك مـن عزاك عنه مؤرخا على الصادق الود السما أمطرت دما
(1) السماء من أسماء المطر.
|