أدب الطف 147
وحسبك شاهداً على سمو منزلة المترجم ما كتب به إليه شيخ الفقهاء في
الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ قدس سره ـ ضمن رسالة:
يـكلفني صـحبي القريض و iiإنما تـجنبت عـنه لا لـعجز بدا مني
ألـم يـعلموا أن الـكمال iiبـأسره غدا داخلاً في حوزتي صادراً عني
ألـم تـر مولانا الرضا نجل أحمد إذا قال شعراً لم يحكم سوى iiذهني
عـلى أنـه للفضل قطب iiوللنهى مـدار وفي الآداب فاق ذوي الفن
غـدا فـي الورى رباً لكل iiفضيلة وحاز جميل الذكر في صغر السن
فأجابه النحوي على الروي والقافية:
ألا أيـها الـمولى الـذي سـار ذكره مـسير الـصبا قد عبقت سائر iiالمدن
ومـن كـلما اعتاصت وندت iiعويصة وأعـيت عـلى الأفهام كان لها iiمدني
إذا نـحـن أثـنـينا عـلـيك iiفـإنما يـعود عـلينا مـا عـليك بـه iiنثني
ونـعـنيك بـالذكر الـجميل فـينتهي إلـيـنا كـأنـا فـيه أنـفسنا iiنـعني
أتـاني نـظام مـنك ضـمن iiألـوكة يـفوق نـظام الدر في النظم iiوالحسن
نـظمت الـنجوم الـزاهرات iiقـلائداً وقـلـدتنيها مـنـك مـنا بـلا iiمـن
ألـذ عـلى الأسـماع من مطرب الغنا وأحلى على ذي الخوف من وارد الأمن
فـكان سـروري عـند كـل iiمـساءة أسـري بـه هـمي و أجلو به iiحزني
وكـان دلـيلي حـيث ضلت iiمسالكي عـلي و مـصباحي بـكل جدى iiدجن
فـخذها كـما تـهوى نـسيجة iiوحدها مـقدرة فـي السرد محكمة iiالوضن(1)
عـلى انـها لـم تـحك دراً iiنـظمته و إن شـاكلته فـي الروي وفي iiالوزن
(1) السرد: الذرع. والوضن: النسج ومئه قوله تعالى: على سرر موضونة.
أدب الطف 148
وفي المترجم يقول العلامة الأديب الشيخ محمد علي الأعسم من قصيدة:
وقف على الشيخ نجل الشيخ ثم وقل يـا نـبعة نبعت من (أحمد) iiالزاكي
ويـا ذبـالته مـن نـوره iiاتـقدت ونـفحة نـفحت مـن عرفه iiالذاكي
مـلكتم الـنظم والـنثر البديع وكم سـما لـدعواه قـوم غـير مـلاك
وكـم لـكم آيـة غـراء بـان iiبها نـهج الـهدى لـم تدع شكا iiلشكاك
والأبيات من قصيدة نظمها الأعسم في محاورة أدبية جرت في مجلس الميرزا
أحمد النواب في كربلاء حول قصيدة السيد نصر الله الحائري اشترك فيها
النحوي وجماعة من معاصريه وحكموا فيها السيد بحر العلوم وهي غير «معركة
الخميس» وقد أثبتها سيدنا الأمين في الـ ج 11 من الأعيان، وهنأه صديقه
ومعاصره السيد أبراهيم العطار والد السيد حيدر ـ جد الأسرة الحيدرية في
بغداد والكاظمية ـ بقصيدة عند قدومه من زيارة خراسان ـ منها ـ :
قـد جد في مسيرة حتى iiهوت شـوقا إلـى طـوس به iiمطيه
وزار فـيها قبر قدس قد iiثوى فيه ابن موسى المجتبى «عليه»
نـال مـن الله الـرضا iiزائره لا سيما الشيخ «الرضا» iiسميه
(كميت) هذا العصر ii(بحترية) (طـائيه) (كـنديه) ii(رضـيه)
فـلو أتـى سـحبان في iiزمانه لـبان مـا بـين الأنـام iiعيه
أنـى يـبارى وأبـوه ii«أحمد» الـفضل إمـام الشعر بل iiنبيه
الـطاهر الأخلاق والذات iiالذي مـن بـاهر الـفضل له جليه
أعـاد ميت الفضل حياً iiبعدها طـبـق أقـطار الـفلا نـعيه
أدب الطف 149
وإليك من شعر النحوي في الغزل والنسيب قوله:
ذكـرت لـيالياً سـلفت بجمع فـبت لـذكرها شرقاً iiبدمعي
وأذكـر من نسيم رياض iiنجد مـعاهد جـيرة نـزلوا بسلع
وأومض بارق في الجزع وهناً يـترجم عن قلوب ذات iiصدع
وغـرد طـائر يـملي iiحديثا فـعذب خاطري وأراح iiسمعي
بـجمع لـو تـعطفتم iiقـلوب تـبدد شملها من بعد ii«جمع»
فـمنوا واصـلين عقيب هجر وجـودوا منعمين عقيب iiمنع
وقال:
آه من محنتي ومن طول iiكربي وعـنائي إذا تـذكرت صحبي
كـلما اسـتوقد الـغرام iiبلبي صحت في لوعتي وحرقة قلبي
الحريق الحريق حقاً وربي
ذبـت حـتى رثى لي iiالعذال مـذ رأوني أضر بي iiالاشتعال
حـاولوا بـرأه و ذاك iiمـحال فـاتوا بـالمياه نـحوي وقالوا
اين هذا الحريق قل بقلبي
وله:
صحا من خمار الشوق من ليس iiوجده كوجدي وقلبي من جوى البين ما صحا
وعـاد غـرامي فـيكم مـثلما iiبـدا وأمـسى هـيامي مـثلما كان iiأصبحا
أطـعت غـراماً فـي هواكم iiولوعة وخـالـفت عـذالاً عـليكم ونـصحا أدب الطف 150
ألا فـليلم فـي الحب من لام و iiالهوى أبـيّاً عـلى الـلوام ولـيلح مـن لحا
وكـم قد سترت الحب والدمع iiفاضحي و مـا جـرت الـعينان إلا iiلـتفضحا
و كـنيت عـنكم إن خـطرتم iiبغيركم وغـالبني الـشوق الـملحّ iiمـصرحا
وصـرت بـنوحي لـلحمام iiمـجاوبا إذا هـتفت ورقـاء في رونق الضحى
فـتدعو هـديلا حـين أهـتف iiباسمكم كـلانـا بـه الـوجد الـمبرح بـرحا
و مـا وجـدت وجـدي فتغتبق الجوى وتـصطبح الأشجان ممسى و iiمصبحا
و لـو صـدقت بالنوح ما خضبت يدا ولا اتخذت في الروض مسرى ومسرحا
و لـي دونـها إلـف مـتى عن iiذكره نـحاني لـذكراه مـن الـوجد iiمـانحا
إذا مـا تـجاهشنا الـبكا خـيفة iiالنوى وجـدنا بـدمع كـنت أسخى iiوأسمحا
فـيا غـائبا مـا غـاب عـني و ناز عـلى بـعده مـا كـان عـني iiلينزحا
تـقربك الـذكرى على القرب iiوالنوى وبـرح جـوى مـا كان عني iiليبرحا
فـأنت مـعي سـراً وإن لم تكن iiمعي جـهاراً فـما أدنـاك مـني و iiانـزحا
وكتب إلى صديق له:
ســلام عـليكم والـمفاوز بـيننا وبـالرغم مـني مـن بـعيد iiمُسلّم
فـإن لـم يـحثّني بالسلام iiكتابكم فـإنـي راضٍ بـالـسلام iiعـليكم
أأحـبابنا و المرء يا ربما iiارعوى و أغـمض والأحـوال عنه iiتترجم
أدب الطف 151
ألـفناكم والـشوق يـلعب iiبالحشا ويبدي الذمي يخفي الضمير iiويكتم
وعـشنا بـكم والعيش غض نباته رقـيق الـحواشي ناعم البرد iiمعلم
إذ الـظـل دان والأحـبة حـيرة ودهـري سـلم والـحوادث iiنـوم
(ولـمـا أنـسنا مـنكم iiبـخلائق) هي الروض غب القطر ساعه ينجم
وفـزنا بـأفعال كـما رويـت iiلنا ( تصدق ما تروي الخلائق عنكم )
(تـبـاعدتم لا أبـعد الله iiداركـم) وقـوضتم والـذكر مـنكم iiمـخيم
وفـارقـتم لا قــدر الله فـرقـة (وأوحـشتم لا أوحـش الله iiمنكم)
وله:
أقـول ولـلهوى ولع iiبروح أبـت إلا التردد في iiالتراقي
بـنفسي الجيرة الغادين عني ووجـدهم كوجدي iiواشتياقي
ألا يـا يـوم فـرقتنا iiرويداً فـلست إلـى تلاقينا iiبباقي
ووقفنا موقف التوديع iiسكرى ولا كـأس تدار بكف iiساقي
أحـب نوى يكون به iiوداع وإن كـان النوى مر iiالمذاق
نـودعـكم أحـبـتنا iiفـإنا نرى أن لا سبيل إلى التلاقي
وكتب إلى أخيه الشيخ هادي من النجف إلى الحلة:
أسكـان فيحـاء ا لعواق ترفقوا
بمهجـة صـب بالغرام مشوق
ولا تقطعوا كتب الموده والرضا
فقد خانني في الحب كل صديق
وكتب إليه السيد صادق الفحام يعاتبه على قطع المراسلة:
عـتاب به سمع الصفا الصلد iiيقرع وشـكوى لـهاصم الصخور iiتصدع
ومـا كـان هـذا الـعتب إلا iiتعللاً فـلم يـبق في قوس الأماني iiمنزع
هـو الدهر عرنين المخازي iiبنحسه أشــم وعـرنين الـمكارم أجـدع
أدب الطف 152
فلاذو المساعي ب (الرضا) منه iiفائز ولا ذو الـحجا بـالعيش منه iiممتع
أفـي الـحق لـويرعون للحق iiذمة أبـيت ولـي حـق لـديكم iiمضيع
أأمـنع شـرب الماء والبحر iiزاخر وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع
أعــز كـتـاب أم تـبرم iiكـاتب وأعـوز قـرطاس أم أعـتل iiمهيع
عـلى أنـني لا أدعـي نقص iiخلة ولـكنه حـظ بـه الـنقص iiمـولع
فعمد النحوي إلى أبيات السيد وحذف صدورها وعمل لأعجازها صدوراً من نظمه
وأجاب بها السيد:
أتـاني مـن الـمولى كـتاب iiبطيه عـتاب به سمع الصفا الصلد iiيقرع
فـها أنـا ذو بـث يلين له iiالحصى وشـكوى لها صم الصخور iiتصدع
وكنت أمني النفس بالصفح iiوالرضا فـلم يـبق في قوس الأماني iiمنزع
هـو الـشهم أنـف اللؤم لولا iiآباؤه أشــم وعـرنين الـمكارم أجـدع
عـتاب فـلا ذو الـلب يـملك لبه ولا ذو الـحجا بـالعيش منه iiممتع
فـتى لـم يـضع حـقاً فحقاً iiمقاله أبـيت ولـي حـق لـديكم iiمضيع
أخـاف إذا لـم يعف أظمأ في iiالروا وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع
ولا عـذر لي إن قلت قد عز iiكاتب وأعـوز قـرطاس أم اعـتل iiمهيع
ومـا كـان تركي الكتب تركا iiلوده ولـكنه حـظ بـه الـنقص iiمـولع
وقال يخاطب أستاذه السيد بحر العلوم وقد أبل من مرض:
لقد مرضت فأضحى الناس كلهم
مرضى ولولاك ما اعتلوا او لامرضوا
ومذ برئت من الأسقام قد برئوا
فمنك فـي حالتيـك البـر والمـرض
وله في مرض السيد بحر العلوم :
ولما اعتللت غدا العالمون
وكـل عليـل جفـاه الوساد
فلا غرو إن لم يعودوك إذ مرضت فمن حقهم أن يعادو
أدب الطف 153
وقال أيضاً:
لقد مـرض النـاس لما مرضت وما ذاك بدعـاً نـراه جليلاً
حللـت مـن العالميـن القـلوب فلا شخص إلا وأمسى عليلا
ورأيت في الجزء الرابع من (سمير الحاضر) مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء
قال : وللشيخ محمد رضا النحوي مؤرخاً عام تزويح الشيخ موسى كاشف
الغطاء.
ومذ جاء فرداً قلت فيه مؤرخاً
بحسبك أن أوتيت سؤلك يا موسى
وله:
فاسعد بعرس لك الإقبال ارخه
زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى
وله وقد دخل على السيد بحر العلوم وقد أخذته الحمى والقشعريرة:
وقالـوا أصابتـه وحاشا علاءه
قشعريرة مـن ذلـك الألـم الطـاري
وما علموا أن تلك من قبل عادة
تعودها ـ مذ كان ـ من خشية الباري
وقال مخمساً بيتي غانم بن الوليد الآشوني: (1)
أقاموا فأضحى القلب وقفاً عليهم
وشطوا فأمسى وهو رهن لديهم
فما برحوا في القلب في حاليتهم
ومن عجب انـي أحـن إليهم
وأسأل عن أخبارهم وهم معي
عجبت لنفسي بعدهم واتحادها
بهم تشتكي منهم
أليم بعادها
تتوق لهم روحي وهم في فؤادي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
(1) نسبة إلى (آشونة) من حصون الأندلس
أدب الطف 154
وقال مشطراً لنفس البيتين:
(ومـن عـجب أنـي أحن iiاليهم) وهم حيث كانوا من حشاي بموضع
واسـتنطق الأطـلال أين iiترحلوا (وأسـأل عن أخبارهم وهم iiمعي)
(وتـطلبهم عيني وهم في iiسوادها) ويهفو لهم سمعي وهم ملء iiمسمعي
وتـصبو لهم نفسي وفي نفسي هم (ويـشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي)
وقال في بنت له صغيرة مرضت واسمها رحمة وفيها الاقتباس:
قد مرضت (رحمة) فكل عــج إلـى الله والأئمـة
فعـافهـا ربنـا سريعاً «وهب لنا من لدنك رحمة»
وللنحوي يد طولى في نظم التواريخ في الحروف الأبجدية وليس الغرض
المقصود من التاريخ ضبط عدد السنين من الحروف فقط وانما الغرض ايداع
النكتة فيه أو التورية التي تدل على الموضوع وتواريخ النحوي كلها لا
تخلو من هذه المحسنات التي المعنا اليها فمنها ما قال في ختان العلامة
الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء واتفق ان الخاتن له يدعى
«عبدالرحمن»
تـطـهر مـوسى بـالختان iiوإنـه فـتى طـاهر مـن طـاهر iiمتطهر
ومـا كـان مـحتاجاً لـذاك iiوانـما جـرت سـنة الهادى النبي iiالمطهر
هـنالك قـد أنـشدت فـيه مـؤرخا لقد طهر (الرحمن) (موسى بن جعفر) |