ادب الطف

 
 

ادب الطف ـ الجزء السابع 77

الشيخ عباس المل

المتوفى 1276

وقد ارتجلها في الحائر الحسيني بكربلاء:

يا سيد الشهداء جئت من الحمى     لك قاصدا يا سيد الشهداء

متوسلا بك في قضاء حوائجي     فأذن اذا لحوائجي بقضاء (1)

الشيخ عباس بن الملا علي بن ياسين البغدادي النجفي من أسرة آل السكافي ، أسرة معروفة في النجف تتعاطى التجارة ، وأبوه الملا علي من ذوي النسك والصلاح يتعاطى بيع (البز) في بغداد ، وفي سنة 1247 هاجر الملا علي الى النجف رغبة منه في مجاورة مشهد الامام أمير المؤمنين ولولده المترجم له يومئذ من العمر ثلاث سنين ، اذ أن مولده كان سنة 1244 ففتح عينيه على الجو الادبي الذي يمتاز به هذا البلد واتصل بأدبائه وعلمائه فأين ما اتجه رأى عالما أو محادثا أو مؤلفا وكان له الميل الكامل

(1) عن ديوانه المطبوع بالمطبعة العلمية ـ النجف الاشرف جمع وتحقيق الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي.

ادب الطف ـ الجزء السابع 78

لذلك الجو العلمي فبرع في العلم والادب ونظم القريض ونبغ فيه قبل بلوغ سن الرشد فأصبح من ذوي المكانة بين أدباء القرن الثالث عشر الهجري ولا أدل على ذلك من قوله:

أحطت من العـلوم بكل فن     بديع والعـلوم عـلى فنون

فها أنا محرز قصب المعالي     وما جاوزت شطر الاربعين

وقوله:

كفـاني أنني لعـلاي دانت     بنو العلياء من قاص ودان

وحسبي أنني من حيث أبدو     أشـار الناس نحوي بالبنان

صرح البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة بأنه تفقه على العلامة الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، وله مساجلات ومطارحات مع أدباء عصره وفي مقدمتهم الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي فقد كان من المعجبين به فقد راسله ومدحه بطائفة من القصائد والمفردات منها قوله في قصيدته يمدحه فيها تناهز الـ 50 بيتا مثبتة بديوانه المطبوع واليك شاهدا منها:

لـه  الله من ذي منطق أعجز iiالورى      وألـسنة الافـصاح عـنه غدت iiلكنا
تـرعرع  فـي حجر النجابة iiوانثنى      مـن  الـمجد قبل المهد متخذا حضنا
حـبيب  اذا أنشأ ، صريع اذا iiانتشى      بديع اذا وشى ، غريض اذا غنى 
(1)

(1) أشار بالبيت الى أبي تمام حبيب بن أوس ، وصريح الغواني مسلم بن الوليد ، وبديع الزمان الهمداني ، وغريض الاندلسي المغني المعروف.

ادب الطف ـ الجزء السابع 79

ومـفتقر (مغنى اللبيب) iiللفظه      يـعلم  في اعرابه معبد iiاللحنا
تسامى على الاقران فهو أجلهم      وأكبرهم  عقلا وأصغرهم iiسنا
وأكثرهم  فضلا و أفضلهم iiذكا      وأنـفذهم فكرا وأشحذهم iiذهنا

ومنها:

مــراث  بـنعت الال آل iiمـحمد      لـه الدهر يعطي حين ينشدها iiالاذنا
ويـستوقف الافـلاك شـجو iiنشيده      ويـستصرخ الاملاك والانس والجنا
فـيبكي  الـحيا والجو يندب والسما      تمور ووجه الارض يملؤه حزنا 
(1)

* * *

وذكره العلامة السماوي في (الطليعة) وأورد شواهد من شعره ثم نشر بقلمه في مجلة (الغري) السنة 7 الصادر سنة 1365 وخلاصة ما قال:

العباس بن علي بن ياسين أبو الامين كان فاضلا أديبا جميل الشكل حسن الصوت لطيف المعاشرة ، وكان أبوه تقيا هاجر من

(1) قال المرحوم الشيخ اليعقوبي معلقا على هذا البيت : سألت الشيخ محمد السماوي فقلت له: لم يكن للشيخ عباس رثاء مشهور في أهل البيت ، فما هو قصد العمري في هذه الابيات. فاجاب قائلا: روى لي بعض معاصريه انه كان يستدر الدموع بصوته الرخيم وانشاده الرقيق لما يحفظه من المراثي الحسينينة في بعض الندوات الخاصة التي يعقدها اصحابه ببغداد في أيام عاشوراء كما حدث بذلك المرحوم الحاج حسين الشهربانلي من شيوخ بغداد المعمرين وانه كان ممن شهد تلك الاندية.

ادب الطف ـ الجزء السابع 80

بغداد الى النجف وابنه رضيع وكان وقاد الذهن حاد الفهم وسيما ذا عارضة شديدة وهمة عالية مشاركا في العلوم على صغر سنه ، وصاهره الحسين بن الرضا الطباطبائي على شقيقته فهنأ السيد وهنأ نفسه بمصاهرة آل الرسول ، وعرف بالتقوى وامتاز بالورع فهو كما كان من مشاهير الشعراء كان كذلك من مشاهير الاتقياء. توفي أواسط شهر رمضان سنة 1276 وعمره 32 سنة و دفن بالصحن الحيدري تجاه باب الرواق الكبير، ويقال في سبب موته انه هوى ابنة أحد الاشراف وأخفى هواه حتى أنحله الى أن قضى نحبه. رثاه العلامة السيد حسين الطباطبائي آل بحر العلوم بقصيدة تفيض بالحسرات والآلام وهذا أكثرها.

رزء كـسا الـعلياء ثـوب iiحـداد      وأمــاد  لـلاسـلام أي عـمـاد
أصـمت فـوادحه الـرشاد iiفبددت      أركـانـه  بـالـرغم أي iiبــداد
هل  ذاك نفخ الصور قد صرت iiبنا      زعـقاته  أم ذاك صـرصر iiعـاد
جـلل عـرا فـرمت سهام خطوبه      ديــن الـنبي ومـعشر الامـجاد
هـاتيك  غـر الاكـرمين iiلوجدها      تـذري الـمدامع مـن دم الاكـباد
ثـكلى  ومن فرط الجوى iiأحشاؤها      أبـدا  لـيوم الـحشر فـي iiايـقاد
قـف  بـالديار الـدراسات طلولها      وانـشد ربـاها عـن أهيل iiودادي
قف  بالديار الدراسات القلوب iiفانهم      خـلعوا عـلى الاجساد ثوب iiسواد
تـقفوا  النجائب من جوى iiوجفونها      تـهمي  مـتى يـحدو بهن الحادي
لـلـه  رزء أجـجـت نـيـرانه      قـلب الـورى مـن حاضر أو iiباد
رزء الفتى السامي أبي الفضل الذي      حـاز الـفضائل مـن لدى iiالميلاد
مـن  فـاق أربـاب العلى iiبمفاخر      عـلـم وأخـلاق وبـسط iiأيـادي

ادب الطف ـ الجزء السابع 81

ذات سـمت فـحوت مناقب iiجمة      أعـيت  عـن الاحصاء iiوالتعداد
قس البلاغة في الورى بل لم يقس      كــلا بـسـبحان وقـس iiأيـاد
ومـهذب مـزج الـقلوب iiبـوده      مـزج  الالـه الـروح iiبالاجساد
ذاك  الـذي شـرك الانـام iiبماله      لـكن تـفرد فـي هـدى iiورشاد
فـقضى وأنفس زاده التقوى iiوهل      لـلمتقين  سـوى الـتقى من iiزاد
لـو يـفتدى لـفديته طـوعا iiبما      مـلكت يـدي مـن طارف iiوتلاد
لـكن  اذا نـفذ الـقضا فلا iiترى      تـجدي  هـنالك فـدية مـن iiفاد
خنت  الذمام وحدت عن نهد iiالوفا      ان  ذقـت بـعد نـواه طعم iiرقاد
وسلوت  مجدي ان سلوت iiمصابه      حـتـى  ألاقـيه بـيوم iiمـعادي
هـل  كيف تسكن لوعتي فيه iiوقد      أمـسى  رهـين جـنادل iiالالحاد
لـي  كـانت الايـام أعـيادا iiبه      والـيوم  عـاد مـراثيا انـشادي
أصـفـيته دون الانـام الـود iiاذ      كـان  الـحري ومـجده iiبودادي
لـمحته  عـيني فابتلت كبدي iiبه      ان الـعـيون بـلـية iiالاكـبـاد
وعـرفت  قـدر علاه من iiحساده      اذ  تـعرف الاشـياء iiبـالاضداد
ذخـرى و من حذري عليه iiكنزته      تـحت الـثرى عن أعين iiالاشهاد
أتـبعته عـند الـرحيل iiمـدامعا      تـحكي الغوادي أو سيول iiالوادي
فقضى  برغمي قبل أن اقضي iiبه      وطـري وأبـلغ من علاه iiمرادي
يـرتاح فـي روض الجنان iiفؤاده      ومـعذب بـلظى الـجحيم iiفؤادي
يـا  لـيتما لاقـيت حيني قبل ما      ألـقاه مـحمولا عـلى iiالاعـواد
فـدى  بـقية عـمره نفسي iiالتي      هـي  نـفسه ففدى المفدى الفادي
من بعد فقدك لا أرى في الدهر لي      عونا  على صرف الزمان iiالعادي
لـله  نـعشك مـذ سرى iiووراءه      أم الـمـعالي بـالـثبور iiتـنادي
لـله قـبرك كـيف وارى لـحده      طـودا  يـفوق علا على iiالاطواد

ادب الطف ـ الجزء السابع 82

لـله  رمـسك كيف غشى طلعة      سـطعت  سـنا كالكوكب iiالوقاد
ولـقد  صفا بك عيشنا زمنا فهل      ذاك  الـزمان الـغض لي بمعاد
كـم ذا أقاسي فيك من وجد iiومن      نـوب تـهد الـراسيات iiشـداد
أتـقلب  الـليل الـطويل كأنني      مـتوسد وعـلاك شـوك iiقـتاد
أبـكيك يـا جم المكارم ما شدت      ورقـاء  فـوق الـمايس iiالمياد
أبـكي ولـم أعـبأ بلومة iiعاذل      (انـي بـواد والـعذول iiبـواد)
أفـهل ترى لي سلوة في فقد iiمن      هـو  فـاقد الامـثال iiوالانـداد
هيهات  لا أسلو وان طال iiالمدى      من كان في الكرب الشداد عتادي
يـا مـنهل الوراد بل يا iiروضة      الـرواد بـل يـا كـعبة iiالوفاد
بك  كان نادينا يضيء وقد iiمحت      أيـدي الزمان ضياء ذاك iiالنادي
كـم ذا دهـتني الحادثات iiبفادح      لـكن ذا أدهـى شـجى iiلفؤادي
وحشدت يا دهر الضغائن لي iiفما      لـك كم تجور على بني iiالامجاد
أوريـت نيران الآسي في iiمهجة      الـصادي أجـل فالله iiبالمرصاد
وسـقى ضريحا ضم خير iiمعظم      أبـدا مدى الازمان صوب iiعهاد

ذكر الشيخ آغا بزرك ان الشيخ اليعقوبي الخطيب كان قد ظفر بديوان المترجم له وقد استنسخ منه نسخة كاملة بـ 330 صفحة وان النسخة فقدت في جملة ما فقد في سنة 1335.

وهكذا انطوت حياة هذا العبقري ولا تزال قصة غرامه أحدوثه السمر في أندية الادب.

ومن شعره يمدح الامام أمير المؤمنين عليا عليه السلام ويستجير به من الوباء

أيها الخائف المروع قلبا     من وباء أولى فؤادك رعبا

ادب الطف ـ الجزء السابع 83

لـذ بـأمن المخوف صنو iiرسول      الله خـير الانـام عـجما iiوعربا
واحبس الركب في حمى خير حام      حـبست  عـنده بنو الدهر iiركبا
وتـمسك بـقبره والـثم الـترب      خـضـوعا لـه فـبورك iiتـربا
واذا  مـا خـشيت يـوما مضيقا      فـامتحن حـبه تـشاهده iiرحـبا
واسـتثره  عـلى الـزمان iiتجده      لـك سـلما من بعد ما كان iiحربا
فـهو كـهف اللاجي ومنتجع iiالآ      مـل والـملتجي لمن خاف iiخطبا
مـن بـه تـخصب البلاد اذا iiما      أمـحل العام واشتكى الناس iiجدبا
وبـه  تـفرج الكروب وهل iiمن      أحــد غـيـره يـفرج iiكـربا
يــا غـياثا لـكل داع iiوغـوثا      مـا دعـاه الـصريخ الا iiولـبى
وغ  مـاما سـحت غـوادي أياد      يـه  فأزرت بواكف الغيث iiسكبا
بـوأبيا يـأبى لـشيعته iiالـضيم      وأنـى  والـليث لـلضيم يـأبى
كيف تغضي وذي مواليك أضحت      لـلردى مـغنما ولـلموت iiنـهبا
أو ترضى مولاي حاشاك iiترضى      أن يـروع الـردى لحزبك iiسربا
أو يـنال الـزمان بـالسوء iiقوما      أخـلصتك الـولا وأصـفتك iiحبا
حـاش  لله أن ترى الخطب يفني      يـا أمـانا مـن الردى لك iiحزبا
ثـم تـغضي ولا تـجير iiأنـاسا      عـودتهم كفاك في الجدب iiخصبا
لـست أنـحو سـواه لا iiوعـلاه      ولـو أنـي قـطعت اربـا iiفاربا
فـي حـماه أنـخت رحلي iiعلما      أن مـن حـل جـنبه عـز جنبا
لا ولا أخـتشي هـوانا iiوضـيما      وبـه  قـد وثـقت بـعدا iiوقربا
وبـه  أنتضي على الدهر iiعضبا      ان  سـطا صـرفه وجرد iiعضبا
وبـه  أرتـجي النجاة من iiالذنب      وان  كـنت أعـظم الـناس iiذنبا
وهو حسبي من كل سوء iiوحسبي      أن أراه ان مـسني الـدهر iiحسبا
لـست  أعـبا بالحادثات ومن iiلا      ذ  بـآل الـعبا غـدا لـيس يعبا

ادب الطف ـ الجزء السابع 84

وله البيتان المكتوبان في الايوان الذهبي الكاظمي يمدح الامامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد عليهما السلام:

لذ ان دهتك الرزايا     والدهر عيشك نكد

بكاظم الغيظ موسى     وبالجـواد محمـد

وقال موريا في مدح استاذه السيد حسين بحر العلوم:

نفسي فـداء سيـد وده     أعـددتـه ذخري لدى النشأتين

لا غرو ان كنت فداء له     فانني (العباس) وهو (الحسين)

وقال وهو من أروع ما قال في الغزل:

عـديني وامطلي وعدي iiعديني      وديـني  بـالصبابة فهي iiديني
ومـني  قـبل بـينك iiبالأماني      فـان مـنيتي فـي أن iiتـبيني
سلي شهب الكواكب عن سهادي      وعـن عـد الكواكب iiفاسأليني
صـلي دنـفا بـحبك iiأوقـفته      نـواك  على شفا جرف iiالمنون
أمـا  وهـوى ملكت به iiقيادي      ولـيس وراء ذلـك مـن يمين
لأنـت  أعـز من نفسي iiعليها      ولـست  أرى لنفسي من iiقرين
أمــا لـنواكم أمـد iiفـيقضى      اذا لـم تـقض عـندكم iiديوني
وكـنت أظـن أن لـكم وفـاء      لـقد خـابت لعمر أبي iiظنوني
هـبوني أن لـي ذنـبا وما لي      سـوى كـلفي بكم ذنب iiهبوني
ألـست  بـكم أكـابد كل iiهول      وأحـمل  فـي هواكم كل هون
أصـون هـواكم والدمع iiيهمي      دمـا فـيبوح بـالسر iiالمصون
وتـعذلني الـعواذل اذ تـراني      أكـفكف  عارض الدمع iiالهتون
يـمـينا  لا سـلـوتهم iiيـمينا      وشـلت  ان سـلوتهم iiيـميني

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث