ادب الطف ـ الجزء الثامن 94
ذي القعدة من سنة 1313 وعمره ستون كانت له قريحة وقّادة وبديهة سريعة
في النظم فعكف على العلم والأدب ولازم الحوزات العلمية والأوساط
الأدبية ويقضي ايام الراحة والاستجمام في الحيرة عند السادة آل زوين .
قال السيد الأمين في الأعيان : رأينا له في النجف ديوان شعر مجموع بخطه
. أقول ونسخة من ديوانه بمكتبة الشيخ السماوي واخرى عند ولده الشيخ
محمد الذي كان قاضي الجعفرية في النجف والمتوفى 1366 أما نسخة خط
الناظم عند ولده الآخر الشيخ عبد الحسين تقرب من ثلاثة آلاف بيت وقد
رتّبه بنفسه على الحروف ، وسلسلة نسبه : فهو ابن الحاج عبد السادة ابن
الحاج عبد ابن الحاج مرتضى بن الحاج قاسم بن ابراهيم بن موسى بن الحاج
محمد الذي هاجر من (خليص) احدى ضواحي المدينة إلى النجف الأشرف .
فمن قوله في الغزل :
بكّر إلى الروض بصرف الطلا وامزج بها رضاب ريق iiالملاح
واجـل دياجي الهم في iiضوئها تـقشع الـليل بضوء الصباح
لا سـيما مـن كـف iiمجدولة مـالئة الحجلين غرثى iiالوشاح
تـفـتك بـالأكـباد iiأجـفانها كـأنها تـستلّ بيض iiالصفاح
فـكل قـلب مـن iiسـهاماتها مـسهّم أو مـثخن iiبـالجراج
يـا بـأبي الـمسكر من iiريقها عـنداغتباقي منه iiوالاصطباح
وله :
ولـما تـجلّت بـيننا iiكسروية مـن الـحبب الدري تعقد تاجها
حـكت أدمـعي في لونها فكأنها عـصارة خدي مَن أدار iiمزاجها
من الزنجبيل العذب كان مزاجها ويـا ما أحيلاها وأحلى iiمزاجها
عن مجلة الغرى السنة السادسة للعدد 2 .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 95
وللشيخ عباس الأعسم مشطرا والاصل للقطامي :
يـقتلننا بـحديث لـيس iiيـعلمه مـن هنّ عنه بواد وهو في iiواد
ومـا الهوى غير سر ليس iiيفهمه مـن يـتقين ولا مـكنونه بـاد
فـهن يـنبذن من قول يصبن iiبه قـلب الـشجي بـتبريح iiوإيقاد
وهـن يسخرن في قول يقعن به مواقع الماء من ذي الغلّة الصادي
وله أيضاً مخمساً والاصل للشيخ كاظم الازري :
أما والبـيت والسـبع المثاني
لقد حكم الغرام على جناني
وفي برج الجمال من الحسان لنا قـمرٌ سماوي المـعاني
تشكل للعيون بشكل ريم
تملّك بالجـمال على البرايا
وأصبحت القلوب له رعايا
به اختلفت عناوين القضايا على عيـنيه عنوان المنايا
وفي خديه ترجمة النعيم
ادب الطف ـ الجزء الثامن 96
الباقر الخونساري
المتوفى 1313
من أكابر الفقهاء والمجتهدين . ولد سنة 1226 في قصبة خونسار ونشأ نشأة
علمية روحية درس ودرّس وكتب وألّف فمن مؤلفاته كتابه الجليل المسمى بـ
(روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات) موسوعة قيّمة نافعة وغيره
مما يقارب العشرين مؤلفاً في مختلف العلوم والفنون .
توفي رحمه الله ببلدة اصفهان سنة 1313 كذا ذكر الشيخ الطهراني في
(الذريعة) وله ديوان شعر ذكره عندما ترجم نفسه وقال يشتمل على قصائد في
مدائح المعصومين ، سمى كل قصيدة باسم خاص (التحفة المحمودية) عنبة
عسكرية (شعشة قمرية) هدية فيروزجية) وهكذا ، وكتب له مقدمة خيالية من
الحروف المعجمة أولها : الحمد لله الملك المالك المحمود والواحد الصمد
... يوجد عند حفيديه السيد محمد علي الروضاتي والسيد أحمد باصفهان ،
وقد طبع لصاحب الروضات منظومة (قرة العين في اصول الدين) باصفهان وذلك
سنة 1320 هـ . انتهى عن (الذريعة ج 9 قسم الديوان صفحة 575) .
* * *
ادب الطف ـ الجزء الثامن 97
آغا أحمد النوّاب
المتوفى 1311
جاء في مجموع الخطيب السيد عباس الموسوي قصيدة للسيد أحمد النواب قد
نظمها في شهر المحرم سنة 1311 هـ .
الـدمـع لايـرقى مـدى iiالازمـان لـرزيـة الـمـذبوح iiوالـعطشان
هــذي الـمدامع iiسـيلهامتواصل مـن كـل قـاص فـي الأنام iiودان
لـهفي عـلى الـعباس وهو iiمجدلٌ والـسبط يـدعو فـي رحى iiالميدان
ظهري انحنى من عظم ما قد حلّ بي يـا أوصـل الأصـحاب iiوالاخوان
ثـم انـثنى نـحو الـخيام مـنادياً هــذا الــوداع ولا وداع iiثـاني
نـادته زيـنب والـجوى iiبـفؤادها روحـي الـفدا يـا سـيد الأكـوان
أأخـي كـيف أراك في حرّ iiالثرى دامـي الـوريد مـضرج iiالـجثمان
يـا ويـلتا ، يـا حـسرتا ، يا لهفتا تـبدو الـسبايا مـن بـني iiعـدنان
جـئنا مـن الـحرم الـمنيع بـعزّة وحـمـاية الـفـرسان iiوالـشجعان
ثـم انـثنينا راجـعين بـلا iiحـمى غـير الـيتاما والأسـير iiالـمعاني
والـسبط مـطروح ثـلاثا iiبالعرى مـلـقى بــلا غـسل ولا iiأكـفان
السيد أحمد النواب ، ينتهي نسبه إلى ادريس بن جعفر التواب بن الإمام
علي الهادي عليه السلام ، وكانت هذه الاسرة قبل هذا تتصل بزيد النار
ابن الإمام موسى الكاظم (ع) . وآل النواب اسرة كبيرة ، وهم طائفتان :
إحداهما علوية ومنها المترجم له والاخرى هندية ، وبين الاسرتين مصاهرة
قديمة
ادب الطف ـ الجزء الثامن 98
ومن الصعب التمييز بين المنتمين اليهما .
والمترجم لم نعثر له على ترجمة سوى أن الخطيب السيد عباس البغدادي ،
خطيب بغداد ذكر له في مجموعة قصيدتين في رثاء الإمام الحسين عليه
السلام نقلهما من مجموع للشاعر المترجم له ، وقد كتب السيد عباس فوق
القصيدتين ما نصه : مما قاله حضرة النواب الأكرم السيد أحمد اغا النواب
أدام الله وجوده ، وذلك في أيام عاشوراء سنة 1312 هـ .
أقول وذكر الشاب المعاصر السيد جودت السيد كاظم القزويني في مخطوطاته
ان بين السيد أحمد النواب وبين السيد عباس صاحب المخطوطة نسبة قرابة من
جهة النساء حتى أن في ديوان السيدعباس المخطوط قصيدة في تهنئة النواب
المذكور بقران أحد أولاده . ويظهر من مجموعة الخطيب أن النواب كان حياً
سنة 1312 هـ كما هو مؤرخ في تاريخ نظم القصيدتين .
ومما قاله السيد احمد النواب :
تـحية تـغتدى مـن ربنا iiالداني عـلى الحسين عظيم القدر iiوالشأن
هـو ابن مَن مِن رسول الله مكانته مكان هارون من موسى بن عمران
هـو الـذي فيه بل في والديه iiغدا مـبـاهلاً جـده أحـبار iiنـجران
هـوابن حـيدرة الكرار يوم iiوغى مـبيد شـرك وفـرسان iiوشجعان
هـوابن مـن نزلت في حقه iiسور الـذكر الـمبين بـايضاح iiوتبيان
هـو ابن مَن أنزل الباري iiولايته يـوم الـغدير بـتبليغ iiوبـرهان
أوحـى الالـه لخير الرسل iiقاطبة إن لـم تـبلّغ فـما بـلغت قرآني
هـو الأمـير الـذي كانت iiولايته مـن الالـه بـأفضال iiوإحـسان
خير الورى بعد خير الأنبياء iiعُلاً وسـيد الخلق من إنس ومن iiجان
مـهما نـسيت فـلا أنسى iiمواقفه مـا بين شرّ الورى من آل iiكوفان
هو الذي قال فيه المصطفى iiشرفاً مـني حـسين ومـن آذاه آذانـي
ادب الطف ـ الجزء الثامن 99
السيد جعفر الحلّي
المتوفى 1315
سـادة نـحن والأنـام iiعـبيد ولـنا طـارف الـعلى iiوالتليد
فـبايماننا اهـتدى الناس iiطراً وبـايـماننا اسـتقام iiالـوجود
وأبـونـا مـحمد سـيد iiالـكل وأجــدر بـولده أن iiيـسودوا
ماعشقنا غير الوغى وهي تدري انـهـا سـلوة لـنا لا iiالـخود
تـتـفانى شـبـابنا iiبـلـقاها وعـلـيها يـشـب iiمـناالوليد
لـو ترانا بالحرب نلتف iiبالسمر عـنـاقـاً كـأنـهن iiقــدود
ونـحيي الـبيض الصقال iiبلثم فـكأن الـحدود فـيها iiخـدود
وإذا قــرّت الـمـلاحم iiقـلنا يا منى القلب طال منك iiالصدود
نـحشر الخيل كالوحوش iiولكن خـلفها الـطير سـائق iiوشهيد
كـيف لـم تقفها الطيور iiوفيها كـل يـوم لـهن نـحر iiوعيد
كـل مـلمومة إذا ما iiارجحنت جـلـلتها بــوارق ورعـود
غـررٌ فـي خـيولنا واضحات كـنـجوم يـلوح فـيهاالسعود
ولـنا فـي الطفوف أعظم iiيوم هـو لـلحشر ذكـره iiمـشهود
يـوم وافى الحسين يرشد iiقوماً من بني حرب ليس فيهم iiرشيد
خـاف أن ينقضوا بناء iiرسول الله فـي الدين وهو غض iiجديد
وأبـى الله أن يـحكّم في iiالدين طـلـيق مـسـتعبد iiوطـريد
ادب الطف ـ الجزء الثامن 100
كـيف يرضى بأن يرى iiالعدل الـنقص والجائر المضل iiيزيد
فـغدا السبط يوقظ الناس للرشد وهـم في كرى الضلال iiرقود
ولـقـدكذبته أبـنـاء iiحـرب مـثل مـا كذب المسيح iiاليهود
فـدعاآله الـكرام إلـى الـحر ب فـهبوا كـما تـهب iiالاسود
عـلـويون والـشجاعة iiفـيهم ورثـتـهـاآباؤهم والـجـدود
لم يهابوا جمع العدى يوم صالوا وان أسـتنزروا وقـل iiالـعديد
أفـرغوهن كـالسبائك iiبـيضاً ضـافيات ضـيقن iiمنهاالزرود
ملأتها الأعطاف طولاً iiوعرضاً فـكـان صـاغها لـهم iiداوود
وأقـاموا قـيامة الحرب iiحتى حـسب الحاضرون iiجاءالوعيد
يـشرعون الرماح وهي iiظوام ما لها في سوى الصدور iiورود
وضـباهم بيض الخدود iiولكن زانـها مـن دم الـطلا توريد
مـانضوها بيض المضارب iiإلا صـبغوها بـما حـباها الوريد
كـم يـنابيع مـن دم iiفجّروها فـارتوى عاطش وأورق iiعود
قـضب فـلت الحدود iiوعادت جـدداً مـا فـللن مـنهاالحدود
لست أدري من أين صيغ شباها أكـذا يـقطع الـحديد iiحـديد
موقف منه رجت الأرض iiرجا والـجبال اضطربن فهي iiتميد
وسـكنّ الـرياح خـوفاً iiولولا نـفس الـخيل ما خفقن iiالبنود
فـركود الأحـلام فيهن iiطيش وعـروق الـحياة iiفـيهاركود
لا خـبت مـرهفات آل عـلي فـهي الـنار والأعـادي iiوقود
عـقـدوابينها وبـين iiالـمنايا ودعـوا هـا هنا توفّى iiالعقود
مـلؤا بـالعدى جـهنم حـتى قـنعت مـا تقول هل لي iiمزيد
ومـذ الله جـل نـادى iiهلموا وهـم الـمسرعون مهما iiنودوا
نـزلوا عـن خـيولهم iiللمنايا وقـصارى هذا النزول iiصعود
ادب الطف ـ الجزء الثامن 101
فقضوا والصدور منهم iiتلظى بـضرام ومـا ابيح الورود
سـلبوهم بـرودهم iiوعليهم يـوم ماتوا من الحفاظ iiبرود
تـركوهم على الصعيد iiثلاثاً يـا بنفسي ماذا يقل الصعيد
فـوقه لودرى هيا كل iiقدس هـو لـلحشر فيهم iiمحسود
تـربة تـعكف الملائك iiفيها فـركوع لـهم بـها iiوسجود
وعلى العيس من بنات iiعلي نـوّح كـل لـفظها iiتـعديد
سـلبتها أيدي الجفات iiحلاها فـخلا مـعصم وعطل جيد
وعـليهاالسياط لـما تـلوّت خـلـفتها أسـاور iiوعـقود
ووراها كم غرد الركب حدواً لـثرى فـوك أيـها iiالغريد
أتـجد الـسرى وهنّ iiنساء ليس يدرين ما السرى iiوالبيد
أسـعدتها الـنيب الفواقد iiلما نـحن وجـداً والثرى iiترديد
عجباً لم تلن قلوب iiالأعادي لـحنين يـلين مـنه iiالحديد
وقسوا حيث لم يعضّوا iiبناناً لـعليل عـضت عليه القيود
ولـه حـنت الفصيل iiولكن هـيـمته امـيـة لا ثـمود
ينظر الروس حوله iiزاهرات تـتثنى بـهاالعوالي iiالـميد
السيد جعفر كمال الدين الحلي النجفي . عرفت هذه الاسرة بالانتماء الى
الجد السادس لصاحب هذه الترجمة ، وهو السيد كمال الدين بن منصور فهو جد
الاسرة الكمالية المنتشرة في الحلة وضواحيها والنجف والكوفة وقد كتب
عنها مفصلاً الخطيب اليعقوبي في (البابليات) كما أقام الشواهد على
شاعريته وسرعة البديهة عنده وديوانه أصدق شاهد على سموّ شعوره وكان من
حقه أن يطلق اسم (سحر بابل وسجع البلابل) على ديوانه قبل أن يجمع والذي
جمعه أخوه السيد هاشم بعد وفاة الشاعر . توفي فجأة في شعبان لسبع بقين
من سنة 1315 هـ
ادب الطف ـ الجزء الثامن 102
ودفن في وادي السلام بالنجف الأشرف عند قبر والده على مقربة من مقام
المهدي ورثاه جماعة من ذوي العلم والأدب منهم العلامة الشيخ عبد الحسين
صادق العاملي والشيخ محمد حسن سميسم والأديبان الشيخ محمد الملا وولده
الشيخ قاسم وأخوه السيد هاشم بقصيدتين واقتطفنا من ترجمته ما جاء في
مقدمة ديوانه المطبوع في صيدا وهي بقلم المصلح الكبير الشيخ محمد حسين
كاشف الغطاء ومنها : الشريف أبو يحيى جعفر بن الشريف حمد الحلي منشئاً
، النجفي مسكناً ومدفنا الشاعر المفوه الأديب يتصل نسبه بيحيى بن
الحسين بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين ، ولد رحمه الله يوم النصف من
شهر شعبان المعظم من السنة السابعة والسبعين بعد المائتين والألف من
الهجرة النبوية في احدى القرى اللصيقة بالحلة الفيحاء على شاطئ الفرات
وتسمى بقرية السادة من رساتيقها الجنوبية التي تعرف بالعذار وأبوه
السيد حمد سيدها في الفضل والصلاح وأحد المتخرجين على العلامة السيد
مهدي القزويني طاب ثراه وكان له عدة أولاد أكبر من السيد جعفر كلهم أهل
فضل وعلم وتقى ولما ترعرع السيد جعفر وبلغ أو كاد اقتفى أثر اخوته
الكرام فهاجر إلى النجف من العذار قبل أن ينبت بعارضه العذار وكانت قد
ساءت الحال على أهل تلك النواحي وذهبت مادة حياتهم وانقطعت أسباب
رفاهيتهم بانقطاع ماء الفرات الذي عادت مجاري سيوله الذهبية سيل رمال
وسلسلة تلال ومساحب أذيال مما ألجأ الحكومة العثمانية حينئذ للاهتمام
بانفاق مبالغ من الأموال في عشرات من السنين حتى أعادت الماء إلى مجراه
بواسطة هذا السدّ العظيم المهم في الفرات ويُدعى اليوم بسدة الهندية ،
طفق ذلك السيد الحدث يطلب العلم في النجف وهو يستظل سماء القناعة
ويلتحف أبراد الفقر والفاقة وما أحرّها من أبراد ولكن بين جنبيه تلك
النفس الشريفة والروح اللطيفة والجذوة الوقادة والشيم الهاشمية
والشمائل العربية فجعل يختلف إلى مجالس العلم ويحضر أندية الفضل ويتردد
إلى محافل الأدب وناهيك بالنجف يوم ذاك وما ادراك ما النجف ـ البلدة
تتجلى
ادب الطف ـ الجزء الثامن 103
لك بها الفضيلة بأتم مجاليها بل بتمام حقائقها ومعانيها هي تلك الدائرة
التي جعلت مركزها باب مدينة العلم فاستقت من ينبوعه واستمدت من
روحانيته وحلّقت في سماء المعارف الدينية والأخلاق الأدبية حتى بلغت ما
شاءت هي وشاءت لها العناية .
نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من المبادئ النحو والصرف والمنطق
والمعاني والبيان ، وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوازتها الحافلة
بالفقه وهو في كل ذلك حلو المحاضرة سريع البداهة حسن الجواب نبيه
الخاطر متوقد القريحة جريّ اللسان فهو يسير إلى النباهة والاشتهار
بسرعة ويتقدم إلى النبوغ والظهور بقوة وبينا هو في خلال اشتغاله بطلب
العلم كان يسنح على خاطره فيجري دفعاً على لسانه من دون أعمال فكر
ومراجعة روية البيتان والثلاث والنتف والمقاطيع حسب ما يقتضيه المقام
ويناسبه الوضع فيتلوها على الحضور أياً ما كانوا قلّة أو كثرة ضعة أو
رفعة غير هيّاب ولا نكل فتستحسن منه وتستجاد وتستزاد وتستعاد ولكن نحو
ما قال أحد الشعراء :
كلما قلت قال أحسنتَ زدني
وبأحسنتَ لا يباع
الدقيق
برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين وأصبح من الشعراء المعدودين الذين
تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم ، واقترن بأحد كرائم قومه وعاد ذا
عيلة فاشتدت وطأة الدهر عليه وصارت تعتصره كل يوم عصّارة الحدثان
وتكتظه صبّارة الصرفان وهو يتلوّم تارة ويتبرّم واخرى يصبر أو يتصبر
وطوراً يضج في أشعاره ويتضجر وأعظم ما هنالك رزية أنه يجتلب مسكة رمقه
ودرّة عيشه من ضرع قلمه وشق قصبته . وإذا كان الشعر مرآة الشعور ومظهر
حقيقة قائلة وتمثال شمائله ومخائله فاقرأ ما شئت من ألوان شعره لتراه
محلّقاً في جميع ضروب الشعر وآفاقه سباقاً إلى اختراق معانيه ومثالا
لمصداقه سيما في الرثاء فقد قال من قصيدة عصماء يرثي المرحوم الميرزا
حسن الشيرازي :
ادب الطف ـ الجزء الثامن 104
شعلة الطور قد طار الحِمام بها وآية النور عفّى رسمها iiالزمنُ
اليوم نمك طوى الإسلام iiقبلته فالله يـحفظ من أن يعبد iiالوثن
تـحركوا بك إرقالا ولو علموا أن السكينة في تابوتهم iiسكنوا
والقصيدة كلها بهذا اللون وهذه القوة ، وهكذا كان السيد جعفر من قوة
العاطفة وصدق الاحساس وشدة الانفعال ، كما أنه على جانب كبير أيضاً من
سعة الخيال وعمق التفكير وجودة التصوير وبلاغة التعبير ويرى البعض أنه
يزاحم السيد حيدر في شهرته وشاعريته وكثيراً ما اشترك في حلبات شعرية
فحاز قصب السبق .
ذكر الشيخ محمد السماوي في كتابه (ظرافة الأحلام) قال : أخبرني السيد
الشريف العلامة السيد حسين بن معز الدين السيد مهدي القزويني رحمه الله
قال : رأيت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في
المنام ذات ليلة مباركة من ليالي رجب سنة 1312 جالساً في مقبرة والدي
بالنجف على كرسي ، ووالدي بين يديه متأدب أمامه ، وكأن المقبرة روضة
متسعة فسلّمت وأردت تقبيل يد الإمام فقال أبي امدحه أولاً ثم قبّل يده
فأنشدته :
أبـا حسن أنت عين iiالاله فهل عنك تعزب من خافية
وأنت مدير رحى iiالكائنات وإن شئت تسفع iiبالناصيه
وأنـت الذي امم iiالأنبياء لـديك إذا حشرت iiجاثية
فـمن بـك قـد تمّ iiايمانه يـسـاق جـنـة iiعـاليه
وأمـا الذين تولوا iiسواك يـساقون دعّاً إلى iiالهاويه
قال فتبسم عليه السلام وقال لي أبي أحسنتَ ، فدنوت منه وقبّلت يديه ،
وانتبهت وأن أحفظ الأبيات ولما أصبحت حضر المجلس على العادة جماعة من
فضلاء الادباء فذكرت ما رأيت وقلت :
من كان يهوى قلبه ثاني أصحاب الكسا
فليـنتدب لـمدحه مشـطراً مخمـسا
|