ادب الطف ـ الجزء الثامن 149
أعـدت الـسيف كفه في iiقراها فغدا في الوغى يضيف النسورا
صار موسى وآل فرعون iiحرباً والعصى السيف والجواد الطورا
وأصـريعاً بثوب هيجاء iiمدرو جـاً وفـي درع صبره iiمقسورا
كيف قرت في فقد مسكنها iiالأر ض وقـد آذنـت له أن iiتمورا
وقـضى في الهجير ظام iiولكن بـحشى حـرها يذيب iiالهجيرا
صار سدراً لجسمه ورق iiالبيض ونـقـع الـهيجا لـه iiكـافورا
أحـسين تـقضي بغير iiنصير مـستظاماً فـلا عدمت النصيرا
بـأبي رأسـك الـمشهرّ iiأمسى يـحمل الـرمح منه بدراً iiمنيرا
الشيخ حسن ابن الملا محمد القيّم الحلي أحد نوابغ عصره . كان شاعراً
بارعاً من اسرة كانوا قوّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقّب بالقيّم ، في
شعره يحذو حذو المهيار ويعارض قصائده . كان أبوه أيضاً شاعراً خفيف
الروح . والشيخ حسن القيم عارض قصيدة المهيار التي أولها :
لمن الطلول
كأنهنّ رقوم تصحو لعينك تارة وتغيم
بقصيدة شهيرة يرويها أكثر خطباء المنبر الحسيني وأولها :
عطن بذات
الرمل وهو قديم حنّت بواديه الخماص الهيم
ولد سنة 1278 هـ فاحتضنه أبوه ، وهو يومئذ استاذ الخطابة في بغداد
والحلة ، حتى إذا نشأ وترعرع كان السيد حيدر الحلي ، والشيخ حمادي نوح
من أوائل مَن تلقفوه وتعاهدوا ملكاته الأدبية . ثم كان له من حانوته
الضيق الذي إذا أراد أن يدخله ينحني مع شدة قصره وضآلة جسمه ما يغنيه
عن أن يمدّ يد الارتزاق لأحد ، حيث احترف فيه حياكة المناطق الحريرية
المعروفة بـ (الحُيُص) ولعلّ هذه المهنة المتواضعة هي الباعث على
الاعتقاد بأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب رغم أن الشيخ محمد علي اليعقوبي
يعلق على هذا الزعم بقوله :
ادب الطف ـ الجزء الثامن 150
وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد
الكريم ولقد توفق الاستاذ الخطيب الشيخ اليعقوبي لجمع وتحقيق ديوان
الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة 1385 هـ وعثرت أخيراً
على مخطوطة للخطيب السيد عباس البغدادي وفيه مرثية نظمها شاعرنا في
رثاء سيدة من آل القزويني في سنة 1317 ويعزي العلامة الكبير السيد محمد
القزويني قال :
هـي نـفس تـقدست iiفـحباها مـحض تقديسها عُلاً لا يُضاهى
كـيف منها الردى استطاع iiدنواً وبـأسد الـثرى يُـحاط iiخباها
يـا لـنفس لها نفائس iiأوصاف بـهـا الله لـلـملائك iiبـاهى
سـكنت خـدرها المنيع إلى iiأن سـكنت خـير مـرقد iiواراهـا
فـهب الـلحد فـي ثراه iiطواها أفـهل يـستطيع طـيّ iiعلاها
شكرت أجرها صحيفتها iiالملآى بـمـا قـدمت فـيا iiبـشراها
فـمضت والعفاف يتبعها iiبالنوح والـنـسك ثـاكـلا iiيـنـعاها
يا خطوب الزمان إن خلت أن لا عـاصم الـيوم للعلى من iiأساها
فـقد اسـتعصمت بـبأس ii(أبي الـقاسم) من كل معضل iiيغشاها
بـدر عـلم وطـودُ حلم ولجيّ صـفات جـلّت فـلا iiتـتناهى
نير المحتد الذي تتجلى iiالشمس فـيـه فـيـستشف iiضـيـاها
طـاهر البرد معدن الرشد سامي الـمجد غـوث الأنام في بأساها
فـالـقوافي بـنـعته iiانـشقتنا نـفحات يـحيى النفوس شذاها
جـمع الله فـيه شـمل iiالمعالي وأعــزّ الالـه فـيه iiحـماها
سـادة الـعالمين آل معز iiالدين فـيـكم سـمت شـريعة iiطـه
فـبكم تـكشف الـحوادث iiعنا وتـنال الـنفوس أقصى iiمُناها
ولـنا تُرسل السحائب من أنملكم حــفّـلا يـفـيض نـداهـا
والـينا شـوارق الـعلم iiمـنكم تـتـجلّى فـنـهتدي iiبـهداها
ادب الطف ـ الجزء الثامن 151
وجـميل اصـطباركم بـشرّ iiالله بـه الـصابرين فـي iiأُخـراها
قــدس الله تـربـة iiعـطّرتها بـنت خـير الورى بنشر iiتقاها
لا عـداها صوب الغوادي iiلأني قلت أرخ (صوب الغوادي سقاها)
وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد
عباس الخطيب سنة 1316 وأولها :
تخطّى الردى في فيلق منه جرار
اليه
فأخلى أُجمة الأسد الضاري
كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه (نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع
عشر) فقال : أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة
الشأن ـ ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ
وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة .
وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً
يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض .
توفي رحمه الله سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين . أما صفاته فقد
كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في
شعره كثير التنقيح له ، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم
من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان
ميسوراً سهلاً ، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر
للشعر . ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو
مديحاً أو رثاء له ، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة ، وللتدليل على ذلك
نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد
الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد
مقبولاً أم غير مقبول ، فأكثر من الهذيان إلى أن قال : أكثر ما يؤذيك
شدّة الحر ـ وكان الفصل صيفاً ـ فأجابه شاعرنا قائلاً : وكثرة الهذيان
.
ادب الطف ـ الجزء الثامن 152
ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها :
عـطن بـذات الـرمل وهو iiقديم حـنت بـواديه الـخماص iiالهيم
وتـذكـرت بـالأنعمين iiمـرابعاً خـضر الأديـم ونـبتهن iiعـميم
أيـام مـرتبع الـركائب iiبـاللوى خـضل ومـاء الـواديين iiجـميم
ومن العذيب تخب في غلس الدجى بـالـمدلجات مـسـومات iiكـوم
والـركب يتبع ومضة من iiحاجر فـكـأنه بـزمـامها iiمـخـطوم
سـل أبـرق الـحنّاء عن iiأحبابنا هــل حـيهم بـالأبرقين iiمـقيم
والـثم ثـرى الدار التي iiبجفونها يــوم الـوداع تـرابها iiمـلثوم
واحـلب جـفونك ان طفل iiنباتها عـن ضـرع غادية الحيا مفطوم
عـجباً لـدار الـحي تنتجع iiالحيا وأخـو الـغوادي جفني iiالمسجوم
ومـولّع بـاللوم ما عرف iiالجوى سـفـهاً يـعنف واجـداً ويـلوم
فـأجبته والـنار بـين iiجـوانحي دعـني فـرزئي بـالحسين عظيم
أنـعاه مـفطور الـفؤاد من iiالظما وبـنحره شـجر الـقنا iiمـحطوم
جـمّ الـمناقب منه يضرب iiللعلا عـرق بـأعياص الـفخار iiكريم
فـلقد تـعاطى والـدماء iiمـدامة ولـقـد تـنادم والـحسام iiنـديم
فـي حـيث أوديـة النجيع iiيمدّها بـطل بـخيل الـدارعين iiيـعوم
يـغشى الطريد شبا الحسام iiورأسه قـبـل الـفرار أمـامه مـهزوم
لـبّاس مـحكمة الـقتير iiمـفاضة يـندق فـيها الـرمح وهـو iiقويم
يـعدو وحـبات الـقلوب كـأنها عـقـد بـسـلك قـناته iiمـنظوم
ومـضى يـريد الحرب حتى iiأنه تـحت الـلواء يموت وهو iiكريم
واخـتارأن يـقضي وعمّته iiالضبا فـيها وظِـلته الـقنا iiالـمحطوم
وقـضى بـيوم حيث في سمرالقنا قِـصدٌ وفـي بـيض الضبا iiتثليم
ثـاوٍ بـظل الـسمر iiيـشكرفعله فـي الحرب مصرعه بها iiالمعلوم
ادب الطف ـ الجزء الثامن 153
فـدمـاؤه مـسفوكة iiوحـريمه مـهـتوكة وتـراثـه iiمـقسوم
عجباً رأى النيران بابن iiقسيمها بــرداً خـلـيل الله iiابـراهيم
وابـن النبي قضي بجمرة iiغلة مـنها يـذيب الجامدات iiسموم
وكـريمة الحسبين بابن iiزعيمها هـتفت عـشية لا يجيب iiزعيم
هتكوا الحريم وأنت أمنع iiجانباً بـحميةٍ فـيها تـصان iiحـريم
تـرتاع مـن فزع العدو iiيتيمة ويـأن مـن ألـم الـسياط iiيتيم
تطوي الضلوع على لوافح زفرة خـرساء تـقعد بـالحشا iiوتقوم
في حيث قدر الوجد يوقد iiنارها مـلؤ الـجوانح زفـرة وهموم
فـتعج بـالحادي ومن iiأحشائها جـمعت شـظايا مـلؤهن iiكلوم
إما مررت على جسوم بني أبي دعـني ولـولوث الأزار iiأقـيم
وأرواح ألـثم كـل نـحرٍ iiمنهم قـبلي بـأفواه الـضبا iiمـلثوم
وأشـمّ مـن تلك النحور iiلطائماً فـيهن خـفاق الـنسيم iiنـموم
وبـرغمهم أسري وأترك عندهم كـبداً تـرف عـليهم iiوتـحوم
أنعى بدوراً تحت داجية iiالوغى يـطلعن فـيها لـلرماح iiنجوم
أكـل الحديد جسومهم ومن iiالقنا صـارت لأرؤسهم تنوب iiجسوم
مـاتوا ضـرباً والسيوف iiبوقفة فـيـها لأظـفار الـقنا iiتـقليم
ومـشوا لها قدماً وحائمة iiالردى لـهم بـأجنحة الـسيوف iiتحوم
وقضوا حقوق المجددون iiمواقف رعـفت بـهنّ أسـنة iiوكـلوم
ادب الطف ـ الجزء الثامن 154
وله في الامام الحسين عليه السلام :
بـأيّ حـمى قـلب الـخليط iiمـولع وفـي أي واد كـاد صـبرك iiيـنزع
وقـفـن بـهـا لـكـنها أيّ iiوقـفة وجـدن قـلوباً قـد جرت وهي iiادمع
تـرجّع ورقـاء الصدى في iiعراصها فـتنسيك مَـن فـي الأيك باتت ترجّع
مـضت ومـضى قلب المشوق يؤمها فـلا نـأيها يـدنو ولا الـقلب يرجع
فـأسرعت دمـعي فيهم حيث iiأسرعوا وودعـت قـلبي فـيهم حـيث ودعوا
كـأن حـنيني وانـصباب iiمـدامعي زلازل إرعــاد بـه الـغيث iiيـهمع
جـزعت ولـكن لا لـمن كان iiركبهم ولـولاك يـوم الـطف ما كنت iiأجزع
قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية سـقتها العدى كأس الردى وهو iiمترع
بـيـوم أهـاجـوا لـلهياج iiعـجاجة تـضيّع وجـه الشمس من حيث iiتطلع
بـفيض نـجيع الطعن والسمر iiشرّع ويـسود لـيل الـنقع والـبيض iiلمّع
بـخيل سـوى فـرسانها ليس iiتبتغي وقــوم سـوى الـهيجاء لا تـتوقع
تـجرد فـوق الـجرد فـي كل iiغارة حـداد سـيوف بـينها الـموت iiمودع
عـليها مـن الـفتيان كـل ابن iiبجدة يـردّ مـريع الـموت وهـو iiمـروع
أحـب الـيها فـي الوغى ما يضرها إذا كـان مـن مـال الـمفاخر iiيـنفع
ومـا خـسرت تـلك النفوس iiبموقف يـحافظ فـيها الـمجد وهـي iiتضيع
تُـدفّع مـن تـحت الـسوابق iiلـلقنا نـفـوساً بـغـير الـطعن لا iiتـتدفع
كــأن رمـاح الـخط بـين iiأكـفهم أراقــم فـي أنـيابها الـسمّ iiمـنقع
ولـمـا أبـت إلا الـمعالي iiبـمعرك بـه الـبيض لا تحمي ولا الدرع تمنع
هـوت فـي ثرى الغبرا ولكن سما لها عـلـى ذروة الـعلياء عـزٌ iiمـرفّع
فـبين جـريح فـهو لـلبيض iiأكـلة وبـين طـعين وهـو لـلسمر iiمرتع
ثـوت حـيث لا يـدري بيوم iiثوائها اصـيبت اسـود ام بنو الوحي iiصرّع
فـمـنعفر خـداً وصـدر iiمـرضض ومـختضبٌ نـحراً وجـسم مـبضع
ادب الطف ـ الجزء الثامن 155
كـأني بـها فـي كربلا وهي iiكعبة سـجود عليها البيض والسمر iiركع
فـيا لـوجوه في ثرى الطف iiغيبت ومـن نـورها ما في الأهلة يسطع
ولـما تـعرّت بـالعراء iiجـسومها كـساها ثـياباً مـجدها ليس iiينزع
وظـمآنة كـادت تـروي iiغـليلها بـأدمعها لـو كـان يـروي iiوينقع
فـذا جـفنها قـد سـال دمعاً وقلبها بـكف الـرزايا بـات وهو iiموزع
هـوت فوق أجساد رأت في iiهوّيها حـشاشتها مـن قـلبها فـهي iiوقّع
تـبيت رزايـا الـطف تأسر iiقلبها وتـطـلقه أجـفانها وهـي iiأدمـع
فـيا مـنجد الاسـلام إن عز منجد ويـا مـفزع الداعي إذا عزّ iiمفزع
حـسامك مـن ضرب الرقاب iiمثلّمٌ ورمـحك من طعن الصدور iiمصدّع
فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى بـهام الأعـادي مـوجه iiالـمتدفع
إذا حـسرت سـود الـمنايا iiلثامها ولـلـشمس وجـه لـلغبار iiمـقنع
ولـم أدر يوم الطعن في كل iiموقف قـناتك ام طـير الـقرى فيه iiاطمع
فـجمعت شـمل الـدين وهو مفرق وفـرقت شـمل الشرك وهو iiمجمع
إذا لـم تـفدهم خطبة سيفك اغتدى خـطيباً عـلى هاماتهم وهو iiمصقع
لـه شـعلة لو يطلب الأفق iiضوءها لأبصرت شمساً لم تغب حين iiتطلع
ولـو كـان سمعٌ للصوارم iiلاغتدى مجيباً إلى داعي الوغى وهو iiمسرع
وقـفتَ وقـد حـمّلتَ ما لو iiحملنَه الـجبال الـرواسي أوشكت iiتتصدع
ورحّـبتَ صـدراً في امور لو iiأنها سرت بين رحب ضاق وهو iiموسّع
بـحيث الرماح المسمهريات iiتلتوي عـليك وبـيض الـمشرفيات تلمع
فـلا عجب من هاشم حيث لم iiتكن تـذب بـيوم الـطف عـنك iiوتدفع
إذا ضـيعوا حـتى الوصي ولم iiتقم بـنصرته فـاليوم حـقك iiأضـيع
تـشيّع ذكـر الـطف وقعتك iiالتي بـقـيت لـديها عـافراً لا تـشيّع
لـقد طحنت أضلاعك الخيل iiوالقنا بـجنبك يـوم الـطعن فيهن iiضلّع
ادب الطف ـ الجزء الثامن 156
فـنحرك مـنحور وصدرك iiموطأ ورأسـك مـشهور وجسمك iiمودع
إذا لـم تـضيّع حق عهد iiجفوننا عـليك فـعهد الصبر منا iiمضيع
وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا لـهن عـيون فـي مصابك iiتدمع
وإن أدركـت بالطف وترك iiهاشم فلا المجد منحخط ولا الأنف iiأجدع
تروّي القنا الخطاروهي iiعواطش وتـشبع ذؤبـان الفلا وهي جوّع
تـدافع عـن خدر التي قد iiتقنعت بـسوط الـعدى اذلا حـماة iiتقنّع
أمـوقع يـوم الطف أبقيتَ حرقة لـها كـل آن بـين جنبيّ موضع
سأبكيك دهري ما حييت وإن iiأمت فـلي مـقلة عـبرى وقلب iiمفجّع
بـنفسي أوصال المكارم iiواصلت سيوف العدى حتى انحنت iiتتقطع
مـصارعها فـي كربلا غير iiأنها لـها كل آنٍ نصب عينيّ iiمصرع |