ادب الطف

 
 

ادب الطف ـ الجزء الثامن 226

لا تراني اتخذتُ لا وعلاها     بعد بيت الأحزان بيت سرور

ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم بصوت بكائه ونبهناه فقص علينا الرؤيا فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية (يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية) لذا نظم على وزن هذا البيت قصيدته الشهيرة والتي أولها :

 كل غدر وقول إفك وزور     هو فرع عن جحد نص الغدير

واشار الى ذلك بقوله :

أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب      جـليل  يـشذيب قـلب iiالصبور
كـيف مـن بعد حمرة العين iiمنها      يـا بـن طـه تهنأ بطرف iiقرير
فـكـأني بــه يـقول iiويـبكي      بـسـلوٍّ  نـزر ودمـع iiغـزير
لا  تـراني اتـخذت لا وعـلاها      بـعد بـيت الاحزان بيت iiسرور

واليك المقطع الأول من القصيدة :

كـل غـدر ، وقول إفك iiوزور      هـو فرع عن جحد نصّ iiالغدير
فـتبصّر تُبصر هداك إلى iiالحق      فـليس الأعـمى بـه iiكالبصير
لـيس  تعمى العيون لكنما تعمى      القلوب التي انطوت في الصدور
يـوم أوحـى الـجليل يأمر طه      وهـو سار أن مُر بترك iiالمسير
حطّ رحل السرى على غير iiماء      وكـلا  فـي الفلى بحرّ iiالهجير
ثــم بـلّغهم وإلا فـما بـلّغتَ      وحـياً  عـن الـلطيف iiالخبير
أقـم المرتضى إماماً على iiالخلق      ونـوراً يـجلو دجـى iiالديجور
فـرقـى  آخـذاً بـكفّ iiعـلي      مـنبراً  كـان من حدوج iiوكور
ودعـا والـملا حـضور جميعاً      غـيّب  الله رشدهم من iiحضور
إن هــذا أمـيركم وولـيّ iiالأ      مـر  بـعدي ووارثي iiووزيري
هـو  مولىً لكل مَن كنت iiمولاه      مـن الله فـي جـميع iiالامـور

ادب الطف ـ الجزء الثامن 227

فأجابوا بألسن تظهر الطاعة     والغدر مضمر في الصدور

بايعـوه وبعدها طلبوا البيعة     منـه ، لله ريـب الدهـور

وقوله في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من رائعة تتتكون من 90 بيتاً وهذا المقطع الأول :

لـيس  يدري بكنه ذاتك ما iiهو      يـا  بـن عـمّ الـنبي إلا iiالله
مـمكن  واجـب حـديث iiقديم      عـنك  تـنفى الأنداد iiوالأشباه
لك معنى أجلى من الشمس iiلكن      خـبط الـعارفون فـيه iiفتاهوا
أنـت  في منتهى الظهور iiخفيّ      جـلّ مـعنى عـلاك ما iiأخفاه
قـلت  لـلقائلين فـي أنك iiالله      أفـيـقوا  فالله قــد ســوّاه
هـو  مـشكاة نـوره iiوالتجلّي      ســرّ قـدس جـهلتم iiمـعناه
قـد  بـراه من نوره قبل iiخلق      الـخلق  طـراً وبـاسمه iiسماه
وحـباه بـكل فـضل iiعـظيم      وبـمقدار  مـا حـباه iiابـتلاه
أظـهـر الله ديـنـه iiبـعلشيٍّ      أيــن لا أيـن ديـنه iiلـولاه
كانت الناس قبله تعبد الطاغوت      ربـاً  ، والـجبتُ فـيهم iiالـه
ونـبيّ الـهدى إلـى الله يدعو      هـم ولا يـسمعون مـنه iiدعاه
سـله لـما هاجت طغاة iiقريش      مَــن  وقـاه بـنفسه iiوفـداه
مَـن جـلا كربه ومَن ردّ iiعنه      يـوم فـرّ الأصحاب عنه عَداه
مَـن  سـواه لـكل وجه iiشديد      عـنه مَـن ردّ نـاكلا iiأعـداه
لـو  رأى مـثله الـنبي iiلـما      وآخـاه حـياً وبـعده iiوصّـاه
قـام يوم الغدير يدعو ، ألا iiمن      كـنت مـولى لـه فـذا iiمولاه
ما ارتضاه النبي من قِبلِ iiالنفس      ولـكـنما  الالــه iiارتـضاه
غير  أن النفوس مرضى ويأبى      ذو الـسقام الـدوا وفـيه iiشفاه

ادب الطف ـ الجزء الثامن 228

وقوله مفتخراً من قصيدة ضاع أكثرها وهذا مطلعها :

لو لم تكن جُمّعت كل العلى فينا      لـكان ما كان يوم الطف iiيكفينا
يـوم نهضنا كأمثال الأسود iiبه      وأقـبلت  كالدبى زحفاً iiأعادينا
جـاؤا بسبعين ألف سل iiبقيتهم      هـل قاومونا وقد جئنا iiبسبعينا

وقال في إحدى روائعه رائياً آية الله العظمى الميرزا حسن الشيرازي وأولها :

خلا  العصر ممن كان يصدع بالأمر      فـدونك  دين الله يا صاحب iiالعصر
أيـحسن  أن يـبقى كذا شرع iiأحمد      بـلا نـهي ذي نهيٍ مطاع ولا iiأمر
عَـفاً  لـكِ سـامراء كم فيك iiغيبة      تـغضّ جفون الدين منها على iiجمر
فـفي الـغيبة الاولى ذعرنا ولم iiنقم      وفي الغيبة الاخرى أقمنا على الذعر

مرض في أواخر شهر ذي الحجة الحرام من سنة ثمان وعشرون بعد الثلثمائة والألف من الهجرة وانتقل إلى جوار ربه أول يوم من المحرم من السنة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف ودفن بجوار والده في دارنا التي نحن فيها الآن(1) وإلى ذلك أشرتُ بقولي في رثائه :

 نفسي فداؤك من قريب نازح     أوحشتني إذ صرتَ من جيراني

أعقب من الأولاد : العلامة السيد صادق والعلامة السيد حسين وهذان السيدان عاصرتهما وزاملتهما وهما من أطيب الناس سيرة وأسلمهم سريرة سألتهما عن عمر أبيهما فقالا : قضى وعمره 45 عاماً ورثاه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة أولها :

 أتى الافق مبرياً فقيل هلاله     ولو قيل قوس صدّقته نباله

ورثاه شقيقه العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي بقصيدة أولها :

 ما كا ضرّ طوارق الحدثان     لو كان قبلك سهمهن رماني

يا ليت أخطاك الردى أو أنه     لما أصابك لم يكن أخطاني

(1) أقول وتقع بمحلة الحويش إحدى محالّ النجف الأشرف .

ادب الطف ـ الجزء الثامن 229

ومنها :

يـا أولاً فـي المكرمات فما iiله      فـيها  وعـنها في البرية iiثاني
يـا واحـداً فـيه اتفقن iiمكارم      لـم يـختلف فـي نقلهن iiاثنان
يـا لـهجة المداح بل يا iiبهجة      الارواح  بـل يا مهجة iiالايمان
بمَ يشمت الأعداء بعدك لا غفوا      إلا عـلى حـسك من iiالسعدان
بـبقاء ذكرك في الزمان iiمخلّداً      أم بـالفناء ، وكـل حـيٍ iiفان
فـليشمتوا فـمصاب آل iiمحمد      مـما يـسرّ بـه بـنو iiمروان
فـارقتنا  فـي شهر iiعاشوراء      فاتصلت  به الأحزان iiبالأحزان
نـبكي الـمغسّل بالقراح وتارة      نـبكي  المغسلَ بالنجيع iiالقاني
ونـنوح لـلمطويّ فـي أكفانه      أو لـلطريح لـقىً بـلا iiأكفان

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة قال : كان فاضلاً في جملة من العلوم حسن المعاشرة مع طبقات الناس فمن قوله :

 أُحدّث نفسي إنني إن لقيته     أبثّ اليه ما أُلاقي من الضرّ

فلما تلاقينا دهشت فلم أجد     عتاباً فأبدلت المعاتيب بالعذر

وأرخ وفاة والده الحجة السيد محمد بقوله :

 يا زائراً خير مرقد     له الكـواكب حُسّد

سلـم وصلّ وأرخ     وزر ضريح محمد 1323

ادب الطف ـ الجزء الثامن 230

الشيخ يعقوب النجفي

المتوفى 1329

من شعره في الحسين :

لـقد  ضـربت فـوق السماء iiقبابها      بـنو مَـن سـما فخراً لقوسين iiقابها
فـكانت لـعلياها الـثريا هي iiالثرى      غـداة أنـاخت بـالطفوف iiركـابها
وثـارت  لنيل العز والمجد وامتطت      مـن  الـعاديات الضابحات iiعرابها
لـقد أفـرغت فوق الجسوم iiدلاصها      كــأن الـمـنايا ألـبستها iiإهـابها
وقـد  جـردت بيض الصفاح iiأكفها      وهـزت مـن السمر الصعاد iiكعابها
أعدت  صدور الشوس مركز iiسمرها      طـعاناً وأجـفان الـسيوف رقـابها
سـطت وبها ارتجت بأطباقها iiالثرى      وكادت رواسي الأرض تبدي انقلابها
ولما  طمت في الحرب للموت iiأبحرٌ      غـدت  خـيلها منها تخوض iiعبابها
وحـين عـدت مـنقضة في iiعداتها      تـولّت  كـطير حـين لاقى iiعُقابها
فـكم أطـعمت أرمـاحها مهج iiالعدا      فـما كـان أقـرى طعنها iiوضرابها
إلـى أن بـقرع الهام فلّت شبا iiالظبا      ودقـت  مـن الأرماح طعناً iiحرابها
هـوت وبرغم الدين راحت iiنحورها      تـعـدّ الأسـياف الـظلال قـرابها
قـضت عـطشاً مـا بلّ حرّ iiغليلها      شـراب وفـيض النحر كان iiشرابها
ألا  يـا بـرغم الدين تنشب iiظفرها      أمـية  فـي أحـشاء طـه iiونـابها
فـما  عـذرها عـند الـنبي وآلـه      وقـد  صـرعتهم شـيبها وشـبابها
فـيـا بـأبـي أشـلاء آل iiمـحمد      عـوار  نـسجن الـذاريات ثـيابها

ادب الطف ـ الجزء الثامن 231

فتلك بأرض الطف صرعى جسومها      وأرؤسـهـا بـالميد تـتلو iiكـتابها
ورأس  ابن بنت الوحي سار iiأمامها      وشـيبته  صـار الـنجيع iiخضابها
يـميل  بـه الـمياد يـمنى iiويسرة      فـقل لـلويّ فـيه تـلوي iiرقـايها
وأعـظم خـطب لـلعيون iiأسـالها      كـما سـال يـمٌ ، والـقلوب أذابها
ركـوب  الـنساء الفاطميات iiحسراً      عـلى  النيب إذ ركبن منها iiصعابها
إذا هـتفت تـدعو بـفتيان iiقـومها      فـبالضرب  زجـر بالسياط iiأجابها
تـعاتبهم  والـعين تـهمي iiدموعها      فـيا  لـيت كـانوا يسمعون iiعتابها
بـني  غـالب هـلا ترون iiنساءكم      وقـد  هـتكت آل الـدعي iiحجابها
فـيا لـيتكم كـنتم تـرون خدورها      غـداة  أبـاح الـظالمون انـتهابها
أتـرضون بـعد الخدر تسبى iiكأنكم      بـتلك الـمواضي لم تحوطوا iiقبابها
وهـاتيكم  مـن آل أحـمد صـبية      رأت  مـن عـداها بعدكم ما iiأشابها
مـصائبكم جـذت سـواعد iiهـاشم      وقـد دكـدكت لـما أطلّت iiهضابها
فهل يصبرن قلب على حمل iiبعضها      ولـو أنـه مـسّ الـصفا iiلأذابـها
بـني أحمد يا من بهم شرعة iiالهدى      أقـيمت وأوتـوا فـصلها iiوخطابها
ومـا الـناس يوم الحشر إلا بأمركم      تـنـال  ثـواباً أو تـنال iiعـقابها
ألا فـأغـيثوني هـنـاك iiفـانـكم      غـياث  الـبرايا كـلما الدهر iiنابها

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر ابن الشيخ حسين ابن الحاج ابراهيم النجفي الأصل والمولد والنشأة . ولد في النجف سنة 1270 هـ وكان سادس اخوته وأصغرهم سناً وأقربهم إلى أبيه مكانة ، توسم أبوه فيه الذكاء والرغبة بطلب العلم فسهر على تربيته ، ويرجع الفضل للعلامة الحجة السيد مهدي القزويني في تنمية ملكاته العلمية والأدبية ثم لازم حضور منبر الواعظ الشهير والعلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري فقد كان من النفر الذين دونوا الكثير من إملاته

ادب الطف ـ الجزء الثامن 232

وارشاداته ومن المنتفعين بفوائده وفرائده وهو الذي شجعه على تعاطي الخطابة وممارسة الوعظ لما لمسه فيه من تضلعه في علمي الحديث والفقه وأخبار أهل البيت . ترجم له ولده الخطيب الأديب الشيخ محمد علي في مؤلفه (البابليات) وذكر مراحل حياته كما ترجم له صاحب الحصون وقال : هو من خيار الوعاظ في العراق ومن شيوخ قرائها وادبائها ، نجفي المولد والنشأة والمدفن . كان شاعراً بليغاً وأديباً لبيباً ، تخرج في الوعظ على يد العلامة الشهير الشيخ جعفر الشوشتري ، وفي الأخلاق على الملا حسين قلي الهمداني . وترجم له العلامة السماوي في (الطليعة) وقال فيما قال : رأيته واجتمعت به وطارحته ، ونظم في الإمام الحسين عليه السلام (روضة) مرتبة على الحروف تناهز كل قصيدة منها مائتي بيتاً وتنيف . وفي (البابليات) أن للمترجم له ثلاث روضات الاولى في اللغة الفصحى وهي التي أشار اليها السماوي والثانية باللغة الدارجة والثالثة في النوحيات وهي أيضا باللغة الدارجة ، وقد عنيت بنشرهما مطابع النجف ، وأشار شاعرنا للروضة الاولى بقوله من أبيات :

إن تـسمو بـالمال رجـال iiفقد      سـمت لأوج الـفخر بي iiهمتي
نـشأت فـي حجر المعالي iiإلى      أن لاح وخـط الشيب في iiلمتي
حـسبي  نـظمي فهو لي iiشاهد      عـدلٌ  وقـد قـامت به iiحجتي
إنــي تـنبأت بـشعري iiفـما      مـن شـاعر لـم يك من iiامتي
فـليغرفوا  مـن أبـحري iiكلهم      وليقطفوا الأزهار من (روضتي)

قام بجمع ديوانه ولده الخطيب الشهير الشيخ محمد علي ورتبه على الحروف حتى إذا ما وقف على حرف الدال حدثت وقعة عاكف وذلك في الحلة أوائل محرم من سنة 1335 فتلف ما جمع وما لم يجمع . توفي المترجم له بالنجف الأشرف عشية الأربعاء ليلة الخميس رابع عشر ربيع الثاني من سنة 1329 ودفن في وادي السلام ، وهذه طائفة من أشعاره . قال في الموعظة وذم الدنيا .

ادب الطف ـ الجزء الثامن 233

مـن  بات في غفلة والموت iiطالبه      فـهل يـفوت ويـنجو منه iiهاربه
جـانب هواك لتحضى بالنعيم iiفهل      يصلى  الجحيم سوى مَن لا iiيجانبه
إن رمـتَ مَـناً فـإن الله iiمـنزله      أو رمـت صفحاً جميلاً فهو iiواهبه
أو شـئت تأمن من يوم المعاد iiفبت      والـجفن  كـالغيث إذ ينهل iiساكبه
ففي غد ليس ينجو غير من iiصحب      التقوى  ومن غدت التقوى تصاحبه
فـكيف يـلهو امـرءٌ عما يراد iiبه      ولـلـمنية قـد سـارت iiركـائبه
هل يؤمن الدهر من مكر ومن خدع      وتـلك  طـبقت الـدنيا iiمـصائبه
ولـيس  يـصرفه عـما iiيـحاوله      عـذل ويـثنيه عـنه مـن iiيعاتبه
فـكن  من الله في خوف وفي iiحذر      إذ  لـم يـنل عـفوه إلا iiمـراقبه

وأرخ جملة من الحوادث المهمة فأجاد وأُبدع منها تاريخه لانتصار الجيوش العثمانية علىا ليونان بقيادة المشير أدهم باشا في عهد السلطان عبد الحميد سنة 1314 ، قال :

سـلطاننا  عـبد الحميد iiالذي      صان حمى الاسلام والمسلمين
أعـزّ ديـن الله فـي iiموقف      أذل  فـيه الشرك iiوالمشركين
حرب  بها اليونان قد iiشاهدت      عـاقبة الـطغيان عين اليقين
فـيـها  أعـان الله iiأجـناده      عـلى  العدا والله نعم iiالمعين
أوحـى  لـه الذكر iiبتاريخها      لـقد  فـتحنا لـك فتحاً مبين

وقال في صورة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجدت في متحف من متاحف اليونان ، أهديت للعلامة السيد محمد القزويني :

 ملأ العوالم منه حيـدر هيبة     وبوصفه حارت عقـول الناس

عجباً لمن ملأ البسيطة نـوره     وتراه في التصوير في قرطاس(1)

(1) لقد نظم جماعة من الشعراء في هذه الصورة تجدون بعضها في ترجمة السيد باقر القزويني المتوفى 1333 في ترجمته الآتية في هذا الكتاب .
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث