ادب الطف ـ الجزء الثامن 234
وقال مؤرخاً وفاة استاذ العلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري سنة 1303 :
قـضى جـعفر فـالعلم يبكيه والتقى ويـرثـيه مـحراب ويـندب مـنبر
بـكت رزءه شـهب الـسما iiفتناثرت وحـق عـلى أمـثاله الـشهب iiتنثر
إلـى الـواحد الـفرد التجأنا iiفجعفرٌ قضى شرعه أرخت مذ راح جعفر(1)
وله :
تـجود عـيوني بـالدموع iiفتغرقُ ونـار جـوى قلبي تشب فتحرقُ
لركب سروا والقلب قد سار iiإثرهم فيا ركبهم مهلاً عسى القلب iiيلحق
وظـل فـؤادي مـن نواهم iiكأنه جـناح حـمام إذ يـرفّ iiويخفق
وقد راح يهفو حيث يستاقه الهوى الـيهم وشوقاً كادت النفس iiتزهق
وسيان وجدي في الأحبة إن مضوا بهم شحطت عين الديار وإن iiبقوا
لـئن عـاد شمل الهمّ مجتمعاً iiبهم فـقد راح شمل الصبر وهو مفرق
فـبتّ ولـي قـلبٌ يقطّع بالنوى وطـرف على الأحباب دام iiمؤرق
(1) الشيخ جعفر الشوشتري عالم كبير وواعظ شهير ، طبق العلم على العمل
وهو أول من لقب بـ (العالم الرباني) كان يعظ في صحن الامام أمير
المؤمنين عليه السلام فتحضر لاستماع مواعظه مختلف الطبقات حتى الحكام
والولاة والقضاء في العهد العثماني وما زال العلماء والوعاظ والخطباء
يستشهدون بأفواله ، وله جملة من المؤلفات أشهرها (الخصائص الحسينية)
يذكر فيه مميزات الامام الحسين وأثر نهضته وفيه من الفلسفة حول ذلك ما
لا يوجد في غيره من الكتب التي أُلّفت في الحسين .
ولقد تخرج على منبره جماعات من فطاحل العلماء وأكابر الوعاظ وكتبوا
مؤلفات واسعة عن منابره وتأثيرها على المجتمع ولا عجب فما خرج من القلب
دخل في القلب وما خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان ، وقد قيل : ما أحسن
الدر ولكن على نحر الفتاة أحسن وما أحسن الموعظة ولكن من المتعظ أحـسن
وفـي الآيـة الشـريفة «وما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وفي
الآية الاخرى «يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً
عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 235
وطلّق جفني النوم من غير iiرجعة فـبان ولـو عـادوا يعود iiالمطلق
ووارق عـودي يـوم فرقتنا iiذوى فـما هـو مـن بعد التفرق مورق
ومـدّ دموعي عن دم ذوب iiمهجتي وكـيف يـمدّ العين ما هو iiيحرق
لذا احمرّ مني الدمع وابيض مفرقي أسى وبعيني اسودّ غربٌ iiومشرق
أحـنّ وإن بانوا وأحنوا وإن iiجفوا وأبـكي وإن ناموا وللصب iiأرقوا
وأهـوى الحمى إذ كان معهدهم iiبه وأقلوا النقا إذا منه ساروا iiوأعنقوا
فـإن أشـأموا وخـداً فاني iiمشئم وإن أعـرقوا شوقاً بهم أنا iiمعرق
فـلا الـماء يـحلو بعدهم ويلذّ لي ولا العيش مهما عشت وهو iiمنمق
أقـول لـدهري يـوم فـرّق بيننا أيـا دهـر للاحباب أنت iiالمفرق
فـهل لـخليط أسهر الجفن إذ iiنأى إيـاب وهل للنوم في العين iiمخفق
فـقال ألا لـلناس طـول iiزمانهم لـكل اجـتماع بـعد حـين iiتفرق
فـقلت لـعينيّ اسـكبا أدمـعاً دماً على جيرة مني صفا العيش iiرنقوا
ومَن لي بصحب كم هنا لي iiسائغاً بـهم مـصبح قبل الثنائي iiومغبق
فـيا عـاذلي فـيهم ألم تدرِ iiأنني بـهـم والـيهم مـستهام iiوشـيق
ادب الطف ـ الجزء الثامن 236
الشيخ احمد درويش
المتوفى 1329
الشيخ أحمد درويش علي . برع في مختلف الفنون الأدبية وألّف وصنّف وأصبح
أحد أقطاب الأدب في الأوساط العلمية ترجم له السيد الأمين في الأعيان
والأديب سلمان هادي الطعمة قال عنه أنه بغدادي الأصل وكان أديباً
فاضلاً له كتاب (كنز الأديب في كل فن عجيب)(1) وله ارشاد الطالبين في
معرفة النبي والأئمة الطاهرين ، وأثنى عليه الشيخ اغا بزرك الطهراني
فقال : هو الشيخ أحمد بن الشيخ درويش علي بن الحسين بن علي بن محمد
البغدادي الحائري ، عالم متبحر وخبير ضليع ، ولد في كربلاء عصر عاشوراء
1262 كما رأيته بخطه نقلاً عن خط والده . نشأ محبا للعلم والأدب فجدّ
في طلبهما حتى حصل على الشيء الكثير وكان الغالب عليه حبّ العزلة
والانزواء وأصبح على أثرهما مصنفاً مكثراً في أبواب المنقول من السير
والتواريخ والأحاديث والمواعظ مما يبهج النفوس ويبهر العقول فمن
تصانيفه كتابه الكبير (كنز الأديب في كل فنٍّ عجيب) سبع مجلدات ضخام
ذكر أنه ألّفه في مدة ثلاثين سنة رأيته بخطه الجيد عند ابن اخته وله
الدرة البهية في هداية البرية جزئين أحدهما في المواعظ والثاني في
الأخلاق وهما بخطه أيضاً عند ابن اخته أيضاً . وكتب عنه البحاثة خير
الدين الزركلي في الاعلام . وجاء له من الشعر سواء في رثاء أهل البيت
أو في أغراض أُخر أعرضنا عن ذكره أما قصيدته في الإمام الحسين (ع) التي
رواها الكثير فنكتفي بذكر مطلعها وهي تزيد على الثلاثين بيتاً :
عجباً
لعين فيكم لا تدمع عجباً لقلب كيف لا يتصدع
(1) أقول ورأيت من هذا الكتاب في مكتبة الآثار ببغداد عدة مجلدات ضخام
، وفي الجزء الأول منه ـ ترجمة لجدنا الأكبر السيد عبد الله شبر صاحب
المؤلفات الكثيرة .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 237
الشيخ كاظم الهر
المتوفى 1330
لـكن يـوم الـطف أشجى iiفادح وأمـضّ يـوم الأسـى iiمشحون
لم أنسَ في أرض الطفوف مصائبا بـقيت وأفـنت سـالفات iiقرون
تـفنى الـليالي وهي باق iiذكرها فـي كـل وقـت لا تزال وحين
يـوم بـه سـبط الـنبي iiمـحمد تـبكي لـه حـزناً عـيون iiالدين
يـوم بـه نادى الحسين ولم iiيجد بـين الـعدا مـن ناصر iiومعين
يـوم بـه شمر الخنا يرقى iiعلى صـدر إلـى عـلم الـنبي iiمكين
يـوم بـه قـد زلـزلت iiزلزالها سـبق الـطباق ودك كل iiرصين
لا غرو إن مطرت سحائب مقلتي بـدم كـمنهل الـسحاب هـتون
وبـقـية الله الـذي يـنمى الـى جــدٍّ لأسـرار الـكتاب iiمـبين
يـبقى ثـلاثاً بـالتراب iiمـعفراً دام بـحـدّ حـسامها iiالـمسنون
مـلقى ولـكن نسج أنفاس iiالصبا أضـحى لـه بـدلاً مـن iiالتكفين
آل الهر اسرة ادبية علمية لها شهرتها ومكانتها(1) ولعل أشهرهم هو الشيخ
كاظم المولود في كربلاء عام 1257 هـ شب وترعرع على حب العلم والكمال
فقد درس المقدمات وسهر على علمي الفقه والاصول بالدراسة على أفذاذ عصره
فكان مثالاً صالحاً ومفخرة تعتز به كربلاء ، يقول الشيخ السماوي في
إرجوزته :
(1) تنحدر من اسرة عربية عريقة بعروبتها تعرف بـ (آل عيسى) .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 238
وكالأديب الكاظم بن الصادق
ظريف آل الهر في الحقائق
فشعـره كان لأهـل البيت مشتهـر كغـرّة الكميـت
كان عالماً فقيهاً وكانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان ، وله ديوان
شعر جلّه في مدح آل البيت صلوات الله عليهم ، لم يزل مخطوطاً ، كتب عنه
الشيخ محمد السماوي في (الطليعة) والسيد الأمين في (الأعيان) وترجم له
أخيراً الأديب سلمان هادي الطعمة في مؤلفه (شعراء من كربلاء) واستشهد
بشيء من غزله ورثائه ومراسلاته وقال : توفي سنة 1330 عن عمر يقدّر
بالستين ودفن بكربلاء .
أقول رأيت له قصائد مطولة ومنها مرثية في الإمام الحسن السبط ، وثانية
في الامام السجاد علي بن الحسين ، وثالثة في رثاء الامام جعفر بن محمد
الصادق ، ورابعة في الامام باب الحوائج موسى بن جعفر ، وخامسة في
الامام محمد الجواد عليه السلام مما جعلني أعتقد أنه رثى جميع أئمة أهل
البيت صلوات الله عليهم . وهذه قطعة غزلية من شعره :
وسـيتك من خود الغواني iiغادة فـيها دمـاء الـعاشقين iiتـباح
تـختال مـن مرح الدلال iiبقدّها ويـروق في ذات الدلال iiوشاح
نشوانة الأعطاف من خمر الصبا رجـراجة الأرداف فـهي iiرداح
لـلكاعب الـنهدين شوقي iiوافر ومـديد طـرفي نـحوها iiطماح
ريـحان الصب المشوق iiوروحه سـيان عـذب رضابها iiوالراح
رقّـت شـمايلها وراقت منظراً وزهـا بـروض خدودها iiالتفاح
مالت كغصن البان رنحه iiالصبا قـلبي عـليه طـائر iiصـداح
نـشرت ذوائـب جعدها iiوكأنما نـشر الـعبير بـنشرها iiفـياح
ادب الطف ـ الجزء الثامن 239
الشيخ محمد رضا الخزاعي
المتوفى 1331
يـا مـنزل الأحباب iiوالمعهدا حـيّاك وكـافّ الـحيا iiمرعدا
وانهلّ منك الروض عن iiناظر إن ظـلّ يبكي يُضحك المعهدا
وافترّ ثغر الروض iiواسترجعت فـيك لـيالي الـملتقى iiعـوّدا
أنـى وسـلمى قـرّبت للنوى عـيساً ولـلتوديع مـدّت يـدا
مـا بـالها لا رُوّعت iiروعت قلبي لدى المسرى برجع iiالحدا
بـانت فـما ألفيت في iiعهدها إلا فـتيت الـمسك iiوالـمرودا
هلا رعت عهد الصبا وارعوت كـيلا تـجوب الـبيد والفد فدا
صـدّت وظـني أنـها iiأنكرت مـني بـياض الـشيب لما iiبدا
لـم تدر أن الشيب في iiمفرقي قـد بـان مـذ بانت بنو أحمدا
بـانوا ولـي قلب أقام iiالجوى فـيه وجـنبي جـانب iiالمرقدا
كـم أعـقبوا لي يوم iiترحالهم وجـداً بـأكناف الـحشا iiموقدا
إن لـم أمـت حزناً فلي مدمع يـحي الثرى لو لم أكن iiمكمدا
يـهمي ربـاباً فـي ربا iiزينب يـروي شعاب الطف أو iiيجمدا
كـم صبية حامت بها لا iiترى إلا مـقـاماة الـظما iiمـوردا
يـا قـلب هلا ذبت في iiلوعة قـد كـابدوها تـقرح الأكـبدا
فـاجزع لـما لاقت بنو iiأحمد بـالطف إن الـصبر لن iiيحمدا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 240
حـيث ابـن هند أمّ أن iiتنثني لـلموت أن تـلقي لـه iiمقودا
فـاستأثرت بـالعز في iiنخوة كـم أوقدت نار الوغى iiوالندا
قـامت لدفع الضيم في موقف كـادت لـه الأبطال أن iiتقعدا
شبوا لظى الهيجاء في iiقضبهم لـما تـداعوا أصـيداً أصيدا
يـمشون في ظل القنا iiللوغى تـيهاً مـتى طـير الفنا غرد
مـن كـل غـطريف له iiنجدة يـدعو بـمن يـلقاه لا منجدا
يـختال نـشواناً كـأن iiالـقنا هـيف تـعاطيه الدما iiصرخدا
سلوا الضبا بيضاً وقد iiراودوا فـيها الـمنايا السود لا iiالخرّدا
حتى قضوا نهب القنا iiوالضبا مـا بـين كهل أو فتى iiامردا
أفـدي جـسوماً بالفلا iiوزعت تـحكي نجوماً في الثرى iiركّدا
أفـديهم صـرعى iiوأشلاؤهم لـلسمر والبيض غدت iiمسجدا
هـذي عـليها تـنحني iiركعاً وتـلك تـهوى فـوقها iiسجدا
وانـصاع فرد الدين من بعدهم يسطو على جمع العدى iiمفردا
يـستقبل الأقـران في iiمرهف مـاض بـغير الهام لن iiيغمدا
أضحت رجال الحرب من بعده تـروي حديثاً في الطلا iiمسندا
مـا كلّ من ضرب ولا iiسيفه يـنبو ولـو كـان اللقا iiسرمدا
يـهنيك يا غوث الورى iiأروع غـيران يوم الروع فيك iiاقتدى
لا يـرهب الأبطال في iiموقف كـلا ولا يعبأ بصرف iiالردى
مـا بارح الهيجاء حتى قضى فـيها نقيّ الثوب غمر iiالردى
ولــو تـراه حـاملاً iiطـفله رأيـت بـدراً يـحمل iiالفرقدا
مـخضباً مـن فيض iiأوداجه ألـبسه سـهم الـردى iiمجسدا
تـحسب أن الـسهم في iiنحره طـوق يـحلي جـيده iiعسجدا
ومـذ رنـت ليلى اليه iiغدت تـدعو بصوت يصدع iiالجلمدا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 241
تـقول عـبد الله ما iiذنبه مـنفطماً آب بسهم الردى
لم يمنحوه الورد إذ صيروا فـيض وريديه له iiموردا
أفـديه من مرتضع ظامياً بـمهجتي لـو أنه iiيفتدى
فطر من فرط الصدا iiقلبه يا ليت قد فطر قلبي الصدا
الشيخ محمد رضا بن ادريس بن محمد بن جنقال بن عبد المنعم بن سعدون ابن
حمد بن حمود الخزاعي النجفي ، ولد بالنجف عام 1298 ونشأ بها وتوفي سنة
1331 عن عمر يناهز الثلاثين سنة . وجده حمد هذا هو شيخ خزاعة المشهور
المعروف بـ (حمد ال حمود) ترجم له صاحب (الحصون المنيعة) وجاء في
الطليعة : كان فاضلاً مكباً على الاشتغال في النجف لتحصيل العلم
ملتزماً بالتقى وكان أديباً مقلّ الشعر في جميع أحواله فمن شعره :
سقتني الأماني الهنا والسرورا
فكان شـرابي شـراباً طهـورا
وأزهـر كوكب روض الفخار وغصن العلى عاد غضّاً نضيرا
والقصيدة محبوكة القوافي على هذا النفس العالي رواها الخاقاني في شعراء
الغري وروى له غيرها في التشبيب والغزل والفخر والحماسة والمراسلات ،
ويقول إن والد المترجم له كان من ذوي الفضل وترجم له السيد الأمين في
(أعيان الشيعة) ج 44 / 343 وذكر من مراثيه للحسين قصيدته التي أولها :
مشيـن يلئن الأزر فوق قنا الخط
ويسحبن في وجه الثرى فاضل المرط
ادب الطف ـ الجزء الثامن 242
السيد عباس البغدادي
المتوفى 1331
يرثي الحسين (ع) عام 1297 :
دهـى الدين خطب فادح هدّ ركنه ودكّ مـن الـشم الـرعان iiثقالها
غداة بأرض الطف حرب iiتجمعت وحثّت على الحرب العوان iiرجالها
لـشـتنحر أبـناء الـنبي iiمـحمد بـأسيافها مـا لـلنبي ومـا iiلـها
أمـا كـان يـوم الفتح آمنها iiوقشد أعـزّ بـبيض المرهفات iiحجالها
فـكيف جـزته فـي بنيه بغدرها عـشية جـاءتهم تـقود iiضـلالها
كـأني بـاد الـغاب من آل iiغالب وقـد تـخذت مـر المنون iiزلالها
فـيـاما أُحـيلاهم غـداة iiتـقلدوا من البيض بيض المرهفات صقالها
فـايمانهم تحكي ندىً سحب iiالسما وأوجههم في الحرب تحكي iiهلالها
فـثاروا وأيـم الله لـولا iiقـضاؤه لـما نـالت الأعـداء منهم iiمنالها
فـسل كربلا تنبيك عما جرى iiبها فـحين التقى الجمعان كانوا iiجبالها
نـعم ثـبتوا فيها إلى أن ثووا iiبها فـعطّر نـشر الأكـرمين iiرمالها
وعاد فريد الدهر فرداً يرى iiالعدى تـجول وقـد سـلّت عليه iiنصالها
فـصال بـسيف ثاقب مثل عزمه ورمـح رديـنيٍّ يـشبّ iiنـزالها
فـتعدوا فـراراً حين يعدو وراءها وتـنثال حـيث السيف منه أمالها
وقـد مـلأ الغبرا دما من iiجسومهم وضـيّق بـالكفر الـطغام iiمجالها
فـوافاه منهم في الحشى سهم كافر فـليت بـقلبي يـال قومي iiنبالها |