ادب الطف ـ الجزء الثامن 243
ألا مـنجد يـنحو الـبقيع بـمقلة تـهل كـغيث المزن منها إنهلالها
فيحثو الثرى مستنهضاً أسد iiالثرى مـن اتـخذت نقع الجياد iiاكتحالها
ومَـن ضربت فوق الضراح iiقبابها فـمرّت على شهب السماء iiظلالها
بني مضر الغرّ التي سادت الورى وقـد مـلأت ستّ الجهات iiنوالها
ألـستم بـها ليل الوغى يوم معرك وفـرسانها عـند الـلقا iiورجـالها
فـكيف قـعدتم والـفواطم iiحسراً وأنـتم إذا جـار الـعدو حمىًٍ iiلها
فـوالله لا أنـسى الـمصونة زينباً غـداة اسـتباح الـظالمون رحالها
لـها الله مـن ولـهانة بين iiنسوة ركـبن من النيب العجاف iiهزالها
تـجوب بـها شرق البلاد iiوغربها وتـنحو بـها سـهل الفلا iiوجبالها
تـحنّ فيجري من دم القلب iiدمعها حـنين نـياق قـد فـقدن iiفصالها
وأعـظم رزء صدّع الصخر iiرزؤه وأخـمد من شمس الوجود iiاشتعالها
وقوف بنات الوحي حسرى بمجلس بـه سـمعت آل الـطليق iiمـقالها
السيد عباس الموسوي البغدادي ، ابن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن
قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد نصر الله بن ربيع ابن
محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف
بن علي بن محمد بن جعفر (الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه بنو الطويل)
ابن علي بن الحسين شيتي (ويكنى بأبي عبد الله) ابن محمد الحائري وقبره
في واسط وهو المعروف بـ (العكار) ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن
الامام موسى الكاظم بن المام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر ابن
الامام زين العابدين عليهم السلام .
كان من خطباء بغداد البارزين بل خطيبها الأول ، اشتهر بالفضل والصلاح .
ولد سنة احدى وسبعين ومائتين بعد الألف هجرية 1271 بمدينة بغداد ونشأ
ادب الطف ـ الجزء الثامن 244
فيها . درس النحو والمنطق وقد سجل المترجم له مبدأ تدرجه على الخطابة
في كتابه (المآتم المشجية لمن رام التعزية) فقال :
كنت في عنفوان الشباب شديد الاشتياق إلى استماع المراثي الحسينية
وأتطلب المجالس التي تعقد لمصابه فتبيّن أبي مني ذلك فقال : أتحب أن
تكون ذاكراً لمصاب سيد الشهداء فأطرقت براسي حياءً منه ، وعرف مني
الرغبة فجعلني عند سلطان الذاكرين وعز المحدثين الملّه محمد بن ملّه
يوسف الحلي الشهير بآل القيم وذلك سنة 1284 هـ فبذل إلى الجد والجهد
والقصائد الغرر وأفاض من بحر تلك الدرر ، وكان عندنا يومئذ ببغداد
فبقيت ملازماً له حتى بلغت من العمر سبعة عشر سنة فزوجني أبي من ابنة
معلمي المزبور وذلك سنة الف ومائتين وسبع وثمانين 1287 هـ(1) وبقيت معه
التقط من نائله ست سنوات ، ثم مضى بعدها للحلة الفيحاء وفيها قومه
وعشيرته ، وهم يعدون من اشرافها فمكث فيها ستة أشهر وتوفي فيها سنة الف
ومائتين وثلاث وتسعين 1293 هـ تغمده الله برحمته .
أقول كتب الشاب المهذب السيد جودت السيد كاظم القزويني ترجمة وافية
للسيد عباس الخطيب وعدد فيها مآثره وذلك في مخطوطه (الروض الخميل) وأن
وفاته عصر السبت 14 شعبان سنة 1331 .
(1) وهي شقيقة الشاعر الشيخ حسن القيّم ، فكان القيّم يعتزّ بهذه
المصاهرة فلما توفي السيد علي والد السيد عباس نظم في رثائه وذلك سنة
1316 فقال :
تـخطّى الـردى في فيلق منه جرار الـيه فـأخلى أُجـمة الأسد iiالضاري
وفـلّ شـبا عـضب يصمم في iiالعدا بـأقطع مـن مـاضي الغرارين بتار
أبـا أحـمد جـاورت في ذلك الحمى أخا المصطفى غوث الندا حامي الجار
لـقد حـملوا بـالأمس نعشك iiوالتقى فـيا لـك نـعشاً والتقى معه iiساري
ادب الطف ـ الجزء الثامن 245
ورثاه جمع من الادباء منهم السيد حسون ابن السيد صالح القزويني
البغدادي بقصيدة مطلعها :
مصاب عرا قد أرعب الكون هائله
به المجد عمداً
قد أُصيبت مقاتلة
ورثاه الشيخ قاسم الحلي نجل المرحوم الشيخ محمد الملا بقصيدة عامرة في
35 بيتاً ، مطلعها :
عصفت على الدنيا بأشأم أنكد
صرّ بها نسفت جبال
تجلـدي
ورثاه ولده السيد حسن بقوله :
تزلزلت الدنيا وساخت هضابها
غداة انطوى
تحت التراب كتابها
وهذه المراثي موجودة في ديوانه المخطوط الذي جمعه ولده السيد حسن وفرغ
منه في ىخر صفر سنة 1345 هـ ومعها قصائد في مدائحه وخاصة ما قيل فيه
عند رجوعه من حج بيت الله مع والده السيد علي . مؤلفاته :
ترك المترجم له من الاثار : 1 ـ المجالس المنظمة في مقاتل العترة
المحترمة .
ووسـدت فـيها حفرة جاء iiنشرها بـمسكيّة مـن نافح الطيب معطار
أبـا حسن صبراً وإن مضّ داؤها رزايـا سقاكم صرفها رنق iiأكدار
فـكم حازم في الخطب يبدي iiتجلّداً وزند الجوى من نار مهجته واري
تـسيء الـليالي لـلكرام iiكـأنما تـطالبهم فـي الـنائبات iiبـأوتار
بـقيت بـرغم الـحاسدين iiبنعمة يـوفرها عـمر الزمان لك iiالباري
فـكم أفـوه أخـرسن منك iiلسانه شـقاشق فـحل بـالفصاحة iiهدار
دعـوه وغـايات الـفخار iiفـإنه جـرى سابقاً كم يكبُ قط iiبمضمار
تـطيب بـك الأفـواه ذكراً كأنما بـكل فـم أودعـت جونة iiعطار
فلا زال نوء اللطف يسقي ضريحه بـمنسكب من هاطل العفو iiمدرار
ب الطف ـ الجزء الثامن 246
2 ـ ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين 3 ـ معاجز الائمة 4 ـ مقتل الحسين
عليه السلام 5 ـ سلسلة الأنوار في النبي المختار 6 ـ الرحلة الرضية ـ
منظومة تبلغ الألف بيتاً نظمها عند زيارته للامام الرضا (ع) سنة 1300
هـ .
أقول وله قصيدة تنشد في المجالس الحسينية ومنها :
فيا راكباً مهرية شأت
الصبا كأن لها خيط الخيال زمام
كنت أرويها كثيراً وأنشدها .
وهو أبو الأشبال الأربعة : 1 ـ السيد حسين ، 2 ـ السيد حسن ، 3 ـ السيد
صالح ، 4 ـ السيد هاشم ، رأيتهم واستمعت إلى خطبهم وأحاديثهم . وبعد
لقد قضى السيد عباس عمراً في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً
ومحدثاً وناصحاً ، ومنابر بغداد تشهد له ومحافلها تذكره بكل إعزاز وفخر
.
* * *
ادب الطف ـ الجزء الثامن 247
الشيخ علي الجاسم
المتوفى 1332
إن جـزتَ نـعمان الاراك iiفيمم حـيي بـه الـحيّ النزيل iiوسلّم
فالروض في مغناه يضحك iiنوره بـبكاء غـادية السحاب iiالمرزم
قـد رصـعته بـقطرها فـكأنما نـثرت عـليه لآلـئاً لـم iiتنظم
واسأل بجرعاء اللوى عن iiجيرة رحـلوا ولـم يـروا ذمام iiمتيم
بـاتوا فـأبقوا لـوعة من iiبينهم قد أرقصت قلب المشوق iiالمغرم
وارحـمتاه لـتائق كـتم iiالهوى فـأذاعه رجـاف دمـع iiمـسجم
تـتصاعد الـزفرات من iiأنفساه عـن حـرّ نـار في الفؤاد iiمكتّم
نضح الحشى من ناضريه iiأدمعا يـوم الـنوى لـكنما هي من iiدم
يـا بـعد دارهم على ابن صبابة قـد زودتـه أمـضّ داء مـسقم
فـكأنهم مـذ شـطّ عنه iiمزارهم تـركوا حـشاه بـين نابي iiأرقم
لـم يـنسه عـهد الديار iiوأهلها إلا مـصاب بـني النبي iiالأكرم
بـالطف كـم معها أريق دم iiوكم مـنها اسـتحلّ مـحرّم iiبمحرم
يوم أتت حرب لحرب بني الهدى فـي فـيلق جـمّ العديد عرمرم
فـاسـتقبلته فـتية مـن هـاشم مـن كـل لـيث للقراع iiمصمم
مـنه يـراع الموت بابن iiحفيظة حـامي الـحقيقة بـاللواء معمم
قـوم إذا سلّوا السيوف iiمواضياً صـقلوا شـباها بالقضاء iiالمبرم
ادب الطف ـ الجزء الثامن 248
لـو قارعت يوماً بقارعة iiالوغى صـعب القياد ربيعة بن iiمكدم(1)
لـتقاصرت مـنه خـطاء iiرهبة وانـصاع مـنقاداً بـأنف iiمرغم
لـم تـدرّع ما كان أحكم iiنسجها داود مـن حـلق الدلاص iiالمحكم
لـكنها أدرعـت بملحمة iiالوغى حـلق الـحفاظ بـموقف لم iiيذمم
فـي مـوقف ضـنكٍ يكاد iiلهوله يـنـهدّ ركـنـا يـذبل iiويـلملم
يمشون تحت ظلال أطراف iiالقنا نـحو الردى مشي العطاش iiالهوّم
يـتسارعون إلى الحتوف iiودونه جـعلوا الـقلوب دريّـة iiللاسهم
وهـووا على حرّ الصعيد iiبكربلا صـرعى مضرجة الجوارح بالدم
فـكأنما نـجم الـسماء بها iiهوى وكـأنها كـانت بـروج iiالأنـجم
وبـقي ابن امّ الموت فرداً لم iiيجد فـي الـروع غـير مهند iiومطهم
فـنضا حـساماً أومضت iiشفراته ومـضَ الـبروق بعارض متجهم
وتـكشفت ظلمات غاشية iiالوغى عـن وجـه أبـلج بالهلال iiملثم
وسـقى العدى من حرّ طعنة كفه كـأساً مـن الـسم المداف iiبعلقم
وعــن الـدنية أقـعدته حـمية نـهضت بـه مـن عزة iiوتكرم
شـكرت لـه الهيجاء نجدته iiالتي تـردي مـن الأقران كل iiغشمشم
حـمدت مـواقفه الكريمة مذ iiبها لـفّ الـصفوف مـؤخراً iiبمقدم
ومـعرّض لـلطعن ثـغرة iiنحره لـيس الـكريم على القنا iiبمحرم
فهوى صريعاً والهدى في iiمصرع أبـكى بـه عـين السماء iiبعندم
منه ارتوت عطشى السيوف وقلبه مـن لـفح نـيران الظما بتضرم
وعـليه كـالأضلاع بين iiضلوعه مـما انـحنين من القنا iiالمتحطم
وأمـض خطب قد تحكمت iiالعدى بـكـرائم الـتـنزيل أي تـحكم
مـن كـل محصنة قعيدة iiخدرها لا تـسـتبين لـنـاظر iiمـتوسم
(1) ربيعة بن مكدّم يضرب به المثل في الجاهلية في حمايته للظعن بعد
مقلته .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 249
قـد أصـبحت بـعد الخفارة iiتتقي ضـرب الـسياط بكفها iiوالمعصم
ومروعة جمعت على حرق الأسى مـنـها شـظـايا قـلبها iiالـمتألم
تـدعو ودفـاع الـحريق بـقلبها مـن حرّ ساعرة الجوى iiالمتضرم
وتـقول لـلحادي رويـدك iiفـاتئد هــذي مـعاهد كـربلاء فـيمم
قـف بي أُقيم على مصارع إخوتي نـوحاً كـنوح الـثاكلات iiبـمأتم
أنـعاهم فـرسان صـدق لم iiتكن هـيابة عـند الـلقا فـي iiالـمقدم
وتـعج تـنفث عـن حشى iiحرانةٍ عـتـباً نـوافذة كـوخز iiالأسـهم
هـتفت بـعليا هـاشم مـن قومها شـمّ الانـوف لـها المكارم تنتمي
لا عذر أو تزجي الجياد إلى الوغى مـن كـل أشـقر سـابح أو iiأدهم
حـتى تـجول بها على هام iiالعدى وتـعوم مـن دمـها بـبحر مفعم
أتـسـومها ضـيماً امـية بـعدما كـانت لـها قـدماً مواطئ iiمنسم
أكـلت ضباها البيض شلو iiزعيمها مـا آن تـهتف هاشم بالصيلم(1)
قـوموا فـكم ولـجت ذئاب iiامية لـكم غـداة الـطف أُجمة iiضيغم
كـم حـرمة بالطف قد هتكت iiلكم مـن سـلب أبـراد وحرق iiمخيم
كـم مـنكم مـن ثاكل عبرى ولا مـن ثـاكل مـنهم ولا مـن iiأيّم
ومـخدرات الـوحي بـين iiامـية تـسبى بـرغمكم كـسبي iiالـديلم
الشيخ علي بن قاسم الأسدي ولد سنة 1240 بالحلة وامتد عمره إلى 93 سنة
وكان في ريعان شبابه وعنفوان كهولته معدوداً في جملة قراء الحلة
وذاكريها في المحافل الحسينية وله في انشاد الشعر من االرثاء وغيره
تلحين خاص وطريقة معروفة امتاز برقة نغمتها على غيره ، وتعرف حتى اليوم
بـ (الطريقة القاسمية)
(1) الصيلم هو الهقاف بحلف الفضول أشرف حلف أُسس في الجاهلية لنصرة
المظلوم وردع الظالم ، ولما جاء الاسلام أيّده وأقرّه ، وسمي بالفضول
لفضله أو لأن الذين قاموا به أسماؤهم فضل وفضيل وفاضل وكان الذي دعى
لتأسيسه الزبير بن عبد المطلب لقصة حدثت في مكة :
ادب الطف ـ الجزء الثامن 250
وكان هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف
وبصورة خاصة لشعر السيد حيدر الحلي(1) .
لم يكن مكثراً من نظم الشعر وتوجد من شعره في الغزل والمدح والنسيب
والرثاء جملة في مجموعة عند ابن اخت له في الحلة يعرف بالشيخ أحمد
الراضي ، لأن المترجم له لم تك له ذرية حيث لم يتزوج قط وتوفي في جمادى
الأولى سنة 1332 ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام ، نقل الشيخ
اليعقوبي عن مجموعته طائفة من غزله ومديحه ورثائه واليكم هذه القطعة في
الغزل وهي من قصيدة :
لـله مـن رشـأ قـد زارنا سحراً كـأنما فـرعه مـن جنحه iiالداجي
إذا رنـا يـنفث السحر الحلال iiفلم يترك لهاروت سحراً طرفه الساجي
فـيا لـه قـمراً تـسبيك iiطـلعته يـغشى الـعيون بنور منه iiوهاج
فـهـزّ أعـطافه دلاً عـلى iiنـغم واخـتال يـخطر من زهو iiبدياج
وطـاف فـي أُخـت خديه iiموردة مـمزوجة بـملث الـقطر iiثـجاج
مـا راق لـلعين شيء مثل iiمنظره فـي الحسن إي وسماه ذات iiأبراج
لـو أن إكليله المعقوص من iiشعر يـراه كـسرى قـد تـاه في التاج
وللشاعر عدة قصائد في رثاء أهل البيت عليهم السلام رأيتها في مخطوطة
الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي والتي هي اليوم في حيازة ولده الخطيب
الشيخ موسى اليعقوبي واليك مطالعها :
1 يـــا غــاديـاً iiيــطـوي بـمـسراه الـسـهولة والـوعورة
2 أيـها الـممتطي الـشملة iiيطوي فـي سـراه أديـم تـلك iiالـنواحي
3 أبا الفضل يا ليث الكريهة إن سطا يُـراع الـردى منه بضنك iiالملاحم
4 أقـم الـمطي بـساحة iiالـبطحاء فـي خـير حـيٍّ مـن بني iiالعلياء
5 مـا بـال هاشم عن بني iiالطلقاء قـعدت ولـم تـوقد لـظى iiالهيجاء
6 انـتثري يـا شـهب أبراج السما لـقـد أطــلّ فـادح قـد iiعـظما
(1) البابليات للشيخ اليعقوبي .
|