ادب الطف ـ الجزء الثامن 251
السيد ناصر البحراني البصري
المتوفى 1332
لـم لا نـجيب وقـد وافى لنا iiالطلب وكـم نـولّي ومـنا الأمـر مـقترب
مـاذا الـذي عـن طلاب العز iiيقعدنا والـخيل فـينا وفـينا الـسمر iiواليلب
تـأبى عـن الـذل أعراق لنا طهرت فــلا تـلمّ عـلى سـاحاتها iiالـريب
هـي الـمعالي فـمن لم يرق iiغاربها لـم يـجده الـنسب الوضاح iiوالحسب
أكـرم بـبطن الـثرى عن وجهه iiبدلاً إن لـم تـنل رتـبة من دونها iiالرتب
كـفاك فـي تـرك عيش الذل iiموعظة يـوم الـطفوف فـفي أبـنائه iiالعجب
قطب الحروب أتى يطوي السابسب من فـوق الـنجائب أدنـى سيرها iiالخبب
يـحمي حـمى الدين لا يلوي iiعزيمته فـقـد الـنصير ولا تـعتاقه iiالـنوب
وكـيف تـثني صروف الدهر عزمته وهـي الـتي من سناها تكشف iiالكرب
أخـلق بـمن تـشرق الـدنيا iiبطلعته ومـن لـعلياه دان الـعجم iiوالـعرب
ركــن الـعبادة فـيها قـام iiيـبعثه داعـي الـمحبة لا خـوف ولا iiرغب
قـد ذاق كـاس حـميا الـحبّ مترعة وعـنه زال الـغطا وانزاحت الحجب
لـم أنـسه لـمحاني الـطف iiمرتحلاً تـسري بـه الـقود والمهرية iiالنجب
حـتى أنـاخ عـليها فـي iiجـحاجحة تـهون عـندهم الـجلّى إذا iiغـضبوا
أسـود غـاب يـروع الـموت iiبأسهم ولا تـقوم لـهم اسـد الـوغى الغلب
الـضـارب الـهام لا يـأدي iiقـتيلهم والـسالب الـشوس لا يـرتدّ ما سلبوا
ادب الطف ـ الجزء الثامن 252
أيـمانهم في الوغى ترمي iiبصاعقة وفي الندى من حياها تخجل السحب
واسـوا حـسيناً وباعوا فيه iiأنفسهم ووازروه وأدّوا فـيـه مـا iiيـجب
حـتى تـولوا وولّـى الدهر iiخلفهم ومـا بـقي لـلعلى حبل ولا iiسبب
وظـل سـبط رسـول الله iiمنفرداً لا إخـوة دونـه تحمي ولا iiصحب
يـا سيداً سمت الأرض السماء iiبه وأصبحت تغبط الحصبا بها iiالشهب
إن تـبق ملقى على البوغاء iiمنجدلاً مـبضع الجسم تسفي فوقك iiالترب
فـربّ جـلاءً قـد جـلّيت iiكربتها ورب هـيجا خـبا منها بك iiاللهب
فـيك الـمدايح طابت مثلما iiحسنت فـيك المراثي وفاهت باسمك الندب
أرى الـمعالي بـعد السبط iiشاحبة مـنها الوجوه ومنها الحسن iiمستلب
وكـيف لا تـنزع الـعلياء iiجدّتها ومـفخر الدين قد أودى به iiالعطب
السيد ناصر السيد أحمد ابن السد عبد الصمد البحراني البصري . يتصل نسبه
بالسادة آل شبانه وينتهون بنسبهم غلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
. كان من العلماء الأعلام هاجر إلى النجف وحضر بحث الشيخ مرتضى
الانصاري رحمه الله فاعجب الشيخ به وطلب من أبيه إبقاءه في النجف
الأشرف للاشتغال ولو مقدار سنتين ثم سافر للبصرة وكان الطلب من أهلها
بالبقاء عندهم إذ كانت مؤهلات رجل الاصلاح متوفرة فيه وهكذا أصبحت
شخصيته الوحيدة في البصرة ونال بها زعامة الدين والدنيا وخضع له
الامراء والوزراء وهابه الملوك والسلاطين وامتثل أمره القاصي والداني ،
وكان قاعدة رصينة للفضيلة وتحقيق الحق وان صدى احاديثه وسيرته حديث
الأندية وسيبقى لأنه مثال من أمثلة الاستقامة والعدالة .
قال صاحب أنوار البدرين : للسيد من المصنفات كتاب في التوحيد على قواعد
الحكماء والمتكلمين ، استعرته منه وطالعته في بعض أسفاري ولا أنسى
ادب الطف ـ الجزء الثامن 253
أني قرضته بخطي ، وله منظومة في الإمامة ولا سيما في يوم الغدير ، قرأ
عليّ سلمه الله جملة منها وله قصائد جيدة في رثاء الحسين عليه السلام
بليغة . انتهى
ولد بالبحرين سنة 1260 هـ . وتوفي يوم الجمعة 22 رجب سنة 1331 في
البصرة وعمره أكثر من سبعين سنة ونقل إلى النجف الأشرف في الفرات(1)
وقال فيه السيد جعفر الحلي عدة قصائد مثبتة مشهورة . ومن شعره ما أجاب به السيد جعفر معتذراً عن تأخير رسالة :
يا جيرة الحي وأهل iiالصفا قـد بـرح الوجد بنا والخفا
قد لاح لي من أرضكم بارق ذكـرني رسـماً لسلمى عفا
فـقلت أهـلاً بـأهيل iiالنقا وإن بـدا مـنهم أشدّ iiالجفا
هـيهات أجفوهم وقلبي iiلهم لـم يـر عنهم أبداً iiمصرفا
جـاء كـتاب منك تشكو به جـفاه خـلٍّ عنك لم iiيصدفا
لـكـنما جـشمتني iiخـطة كـلفتني فـيها خلاف iiالوفا
فـحيث أدلـيت بـعذر iiلنا قـلناعفا الرحمن عمن iiعفا
جـرحت جـرحاً ثم iiآسيته فأنت منك الدا ، وأنت iiالشفا
وقال أحد مترجميه : عالم البصرة والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، حكي
عنه أن كل آبائه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام علماء فضلاء
ادباء . وقد تخرج في النجف على الشيخ مهدي الجعفري والشيخ راضي النجفي
ثم انتقل إلى البصرة وأقام فيها علماً ومرجعاً ، وكان آية في الذكاء
وقوة الحافظة والملح والنوادر مع الجلالة والعظمة والوقار والهيبة وحسن
المعاشرة لا يمل جليسه ، محمود السيرة محسناً إلى الفقراء والغرباء
والمترددين شاعراً أديباً لم يعقب . وكان مولده رحمه الله بالبحرين ومن
أجمل ما أروي له من الشعر قوله :
(1) دفن في أحدى غرف الساباط في الصحن الحيدري الشريف ، وهي حجرة السيد
محمد خليفة .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 254
مني تعلمـت السحائب وكفهـا
وبي اقتدت في نوحها الورقاء
أنّى لها ببلوغ شأوي في الهوى
وأنا الفصيح وها هي العجماء
رأيتها في كتاب (أحسن الوديعة) ويتناقل الناس باعجاب عظمته وحسن سيرته
وخشونته بذات الله وكيف كان لا تأخذه في الله لومة لائم حتى نقل لي بعض
المؤمنين أن فلاحاً فقيراً ضربه أكبر اقطاعي بالبصرة وصدفة جاء هذا
الثري لزيارة السيد فانتفض السيد غاضباً واقتص منه لذلك الفقير ، فما
كان من هذا الثري المختال إلا أن يعتذر ويقبل يد السيد .
وعندما نقرأ ما دار من المراسلة بينه وبين الشيخ محمد جواد الشبيبي
نعرف عظمة هذه الشخصية ونفوذها الاجتماعي . ذكره الشيخ النقدي في الروض
النضير فقال : عالم علامة في علوم شتى من الرياضية والطبيعية والأدبية
والدينية وكانت له حافظة غريبة قلّ ما توجد في مثله من أهل هذا العصر ،
وكان على جلالته يباحث حتى المبتدئين من طلاب العلم ، ملك أزمّة قلوب
الشرق عموماً حتى الملوك والحكام ، وكانت الدولة التركية تحترمه غاية
الاحترام ، وكان لكلامه نفوذ تام لديهم ، وكان له توفيق غريب في
الزعامة مع ديانة وأمانة ورصانة وعبادة وتقوى لإظهار أبهة العلم ، حسن
الملبس والمأكل والمشرب ، يكره التقشف وأهله . وذكره السيد الصدر في
(التكملة) فقال : حكي عن السيد ناصر أن كل آبائه إلى الامام موسى بن
جعفر عليه السلام علماء فضلاء ادباء . وذكره المصلح الكبير الشيخ كاشف
الغطاء في هامش ديوان (سحر بابل) فاطراه بما هو أهله .
وذكره صاحب الدرر البهية فقال : نزيل البصرة وعالمها والرئيس المطاع
فيها وفي نواحيها ، وهو من آل شبانة ـ بيت كبير من بيوت الشرف والعلم
والرياسة قديم في البحرين ذكر صاحب (السلافة) جماعة منهم .
وله خزانة كتب كبيرة ولكن لم يبق لها أثر حيت كان عقيما ومات ولم يعقب
. توفي في رجب بالبصرة . أرخ وفاته السيد حسن بحر العلوم بقوله :
ادب الطف ـ الجزء الثامن 255
اليوم ناصر آل بيت محمد
أرخ بجنات النعيم مخلد
وقال الشاعر الكبير مفخرة الحلة الفيحاء الشيخ حمادي نوح يمدح السيد
بهذه القصيدة الغراء وقد أهداها له ، وهذا ما وجدناه منها :
أيـسحرني عن غاية الشرف iiالهوى ويـقمرني عـن مركز الفخر iiقامر
عـليّ لـنعت الـدار فياضة iiالعلا فـرائـد ذكـر دونـهن iiالـجواهر
إذا غـاب عـن آفاق بابل iiناصري فلي من أعالي البصرة اليوم (ناصر)
لـه سـطعت أفـعال أروع iiمـاجد إذا غـيبت شهب المنى فهو iiحاضر
وأرقـلت الـركبان فـي أمر iiرشده إذا عـاج مـنها وارد هـاج iiصادر
وإن جـاهدتني في القريض iiعصابة تـبـادرني فـي جـهدها iiوأُبـادر
تـصـوّر أتـقـاني فـردّ iiمـقالها حـميداً بـذكري وهو جذلان شاكر
كـأن مـعاليه عـلى الـدهر iiأنجم بـسود الأمـاني نـاسعات iiزواهر
وذكر اليعقوبي في البابليات أن مقطعاً من هذه القصيدة يخصّ الإمام
الحسين (ع) ومنه :
ليومك يابن المصطفى انصدع الهدى فـما لـصدوع الـفخر بعدك جابر
ومَـن لـسماء العلياء يرفع iiسمكها ودارت بـقطب الـكائنات iiالدوائر
عـفاءً عـلى الدنيا إذا ماد iiعرشها وقـد ثـلّه سـيف مـن البغي iiباتر
تـراق دمـاء الأصـفياء iiعـداوة وديـنهم عـن كـل فـحشاء زاجر
وتُـنحر قـسراً فـي الطفوف كأنها أضاع عراها في منى النسك iiجازر
وتـهدى بـأطراف الرماح iiرؤوسها لـيـمرح مـأفون ويـفرح iiفـاجر
ويـقدمها رأس ابـن بـنت iiمحمد بــه تـتـجلى لـلسراة iiديـاجر
مـنيراً يـراعي نـسوة بـعد iiقتله بـه لـذن حـسرى ما لهنّ iiمعاجر
مـحـجبة قـبل الـزوال iiبـسيفه فـما زال إلا والـصفايا iiحـواسر
ادب الطف ـ الجزء الثامن 256
عبد المهدي الحافظ
المتوفى 1332
هـي صعدة سمراء أم iiقد هـي وردة حمراء أم iiخد
وافــى بـهنّ غـزيّل غـنج خفيف الطبع iiأغيد
مـتـقلّد مــن iiلـحظه سـيفاً يفوق على iiالمهند
كـالـبـدر إلا iiأنـــه أبـهى وأسنى بل iiوأسعد
شـفـتاه قـالت لـلعذار فـما العقيق وما iiالزبرجد
وافـترّ مـبسمه iiفـلاح خـلاله الـدرّ iiالـمنضد
فـضح الـضباء iiبـأتلع من جيده ، والغصن iiبالقد
مـا مـرّ إلا iiوالـجمال يصيح :صلوا على iiمحمد
عـاتبته يـوماً iiوقـلت إلى متى التعذيب iiوالصد
أيـحـلّ قـتـلُ مـتيم غـادرتـه قـلقاً iiمـسهد
أدنـى هـواك له السقام ومـنه صفو العيش iiنكّد
فـأجاب هـل لك iiشاهد في ذاك قلت الحال يشهد
فأزور من قولي واعرض مـغضباً عـني iiوعربد
فـزجرت قـلبي iiقـائلاً أرأيـت كيف أساء iiبالرد
مـا آن أن تـثني iiعنان الـغيّ عنه عساك iiترشد
فـاعدل بـنا نحو الغري وعُـد بـنا فالعود iiأحمد
ادب الطف ـ الجزء الثامن 257
وامـدح بـه سـرّ iiالالـه وبـابـه والـعين iiوالـيد
مَـن مـهّد الايمان صارمه ولــلاســلام iiشــيـد
لــولا صـليل iiحـسامه لـرأيت لات الـقوم iiيعبد
مــن خـاض iiغـمرتها غداة حنين والهامات تحصد
إلا أبـو حسنٍ أمير iiالنحل والـتـنـزيل يـشـهـد
أم مَـن تـصدّى لابن iiودّ ومَـن لـشمل الـقوم iiبدد
ومنها :
وأهـتـف بـخير iiالـخلق بعد المصطفى المولى المؤيد
وأطـلق له العتب iiالممض وقـل لـه أعـلمتَ ما iiقد
فـعلت بـنو الـطلقاء iiفي أبـنـاء فـاطمة iiوأحـمد
قــد جـمّـعوا لـقـتالهم مـن كـل أشـئم إثر iiأنكد
جـيشاً تـغضّ به iiالبسيطة مـستحيل الـحصر iiوالعد
وقـفـت لـدفـعهم iiكـماةٌ لا تـهاب الـموت iiكـالسد
مـن كـل قـوم لا iiيـرى لـلسيف إلا الـهام iiمـغمد
فـيهم أبـو السجاد iiيقدمهم عـلـى طِــرفٍ مـعوّد
إن عـارض الأبـطال قطّ وإن عـلاهـم سـيفه iiقـد
فـرمـاه أشـقى الأشـقياء هـنـاك بـالسهم iiالـمحدد
فـاغبرّت الأكـوان iiمـنه وعـاد طرف الشمس أرمد
وتـجاوبت بـالنوح أملاك الـسماء عـلى ابـن iiأحمد
وغــدت بـنات iiالـوحي حسرى فوق مصرعه iiتردد
عـبراتها تـنهلّ iiوالأحشاء مـــن حــزن تـوقـد
تـتصفح الـقتلى iiوتـدعو حــرّة الأكـبـاد iiيـاجد
ادب الطف ـ الجزء الثامن 258
هذا حسينك في عراص الطـف مقتول مجرد
أنصاره مثل الأضاحي أصيد في جنب أصيد(1)
الحاج عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري المتوفى بكربلاء سنة
1334 ودفن بها ، كان أديباً من أعيان تجار كربلاء وملاكهم يعرف التركية
والفارسية والفرنسية ، انتخب مبعوثاً في زمن الدولة التركية كما انتخب
رئيساً لبلدية كربلاء ، ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب
المعاصر سلمان هادي الطعمة وقال : إنه من ألمع شخصيات الأدب والسياسة
في مطلع قرن العشرين ، ولد بكربلاء ونشأ في اسرة عربية تعرف بـ آل
الحافظ تنتسب إلى قبيلة خفاجة ، هاجر جدها الأعلى ـ حافظ ـ من قضاء
الشطرة واستوطن كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ولمع منها في
الأوساط التجارية والأدبية رجال عديدون منهم شاعرنا المترجم له .
درس شاعرنا في معاهد كربلاء العلمية وتلمذ في العروض على الشاعر الشيخ
كاظم الهر وساعده ذكاؤه وفطنته فحفظ عيون الشعر وكان مجلسه المطل على
الروضة الحسينية المقدسة محط أنظار رجالات البلد وملتقى أهل الأدب ،
وشعره يمتاز بالرقة ودقة الفكر فمن ذلك قوله :
إلـى الله أشكو ما أُقاسي من iiالجوى غـداة اسـتقلت بـالحبيب iiركائبه
وأقـفر ربـع طـالما كـان iiخالياً بــه فـخلت اكـنافه iiومـلاعبه
فـبـتّ أُقـاسـي لـيلة iiمـكفهرة وليس سوى الشعرى بها مَن اخاطبه
اكـفكف فـيها الدمع والدمع iiمرسل كـغيث هـمى لما ارجحنّت iiكتائبه
وأذكـر داراً طـالما بـتّ iiآنـساً بـها بـأغنٍّ مـا طل الوعد iiكاذبه
غـريراً إذا مـا قصّر الليل iiوصله أمـدّت لـيالينا الـقصار iiذوائـبه
أهـمّ بـلثم الـغصن من ورد خده فـيمنعني من عقرب الصدغ iiلاسبه
(1) سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ج 2 / 193 .
ادب الطف ـ الجزء الثامن 259
وهناك مراسلات أدبية من شعر ونثر مع الأديب الكبير الحاج محمد حسن أبو
المحاسن فقد كتب للمترجم له يستدعيه لحضور مجلس انس يضم نخبة من
الادباء فقال :
مـن مبلغ عني أبا iiصالح قـول مـحب صادق iiالودّ
مـا بال مشتاق إلى iiوصله مـعذّب بـالهجر iiوالـصد
لا يهتدي الانس إلى مجلس تغيب عنه طلعة ii(المهدي)
ونـحن كالعقد إنتظمنا iiفهل يـزيـنه واسـطة iiالـعقد
كتب عنه الخاقاني في شعراء الغري وذكر مراسلة الشيخ محمد جواد الشبيبي
له . |