ادب الطف

 
 

ادب الطف ـ الجزء الثامن 269

أعداه ، فريداً يا بنفسي ما من يتفداه ، وإذ قد علم السبط بأن لا ينفع الأقوام إنذار ، ولا وعظ وتحذير وإزجار ، تلقاهم بقلب ثابت لا يعرف الرعب وسيف طالما عن وجه خير الخلق طراً كشف الكرب ، وناداهم إلى أين عبيد الامة اليوم تولون ، وقد أفنيتم صحبي وأهلي فإلى أين تفرون .

وقد ذكرهم فعل علي يوم صفين ، وفي جمعهم قد نعبت أغربة البين ، وما تنظر أن صال على الجمع سوى كف كميٍّ نادر أو راس ليث طائر في حومة البيد ، ترى أفئدة الفرسان والشجعان والأقران من صولته في قلب رعديد ولما خطّ في اللوح يراع القدر المحتوم أن السبط منحور ، هوى قطب رحى العالم للارض كما قد خرّ موسى من ذرى الطور ، صريعاً ضامياً والعجب الأعجب أن يظمى وقد سال حشاه بالدم المهراق حتى بلغ السيل زبى الطف ، لقىً ينظر طوراً عسكر الشرك وطوراً لبنات المصطفى يرمق بالطرف ، هناك الشمر قد أقبل ينحو موضع اللثم لخير الخلق يا شلت يدا شمر ، فكان القدر المقدور واصطك جبين المجد إذ شال على الرمح محيّا الشمس والبدر ، وداست خيلهم يا عرقبت من معدن العلم فقار الظهر والصدر ، طريحاً بربى الطف ثلاثاً يا بنفسي لن يوارى ، وأدهى كل دهماء بقلب المصطفى الطاهر توري شرر الوجد ، هجوم الخيل والجند ، على هتك خدور الفاطميات وإضرام لهيب النار في الرحل بلا منع ولا صدّ ، وقد نادى المنادى يا لحاه الله بالنهب ، وقد جاذبت الأعداء أبراد بنات الوحي بالسلب ، فيا لله للمعشر من هاشم كيف استوطنوا الترب ، وقرّت فوق ظهر الذل والهون وقد أبدت نساهم حاسرات بربى البيد بنو حرب ، على عجف المطايا بهم تهتف بالعتب ، أفتيان لوي كيف نسري معهم ليس لنا ستر ، ومنا تصهر الشمس وجوها بكم لم تبرح الخدر ، ألا أين الحفاظ اليوم والغيرة والباس ، ألا أين أخو النخوة والغيرة عباس ، أتسبى لكم مثل سبايا الترك والديلم ربات خدور ما عهدنا لكم عن مثله صبر ،

ادب الطف ـ الجزء الثامن 270

ونستاق أُسارى حسراً بين عداكم ليزيد شارب الخمر ، لقد خابت فغضّت بصراً عن عتبهم إذ حال ما بينهم الموت ، ونادت بعلي هتفاً مبحوحة الصوت ، على مثل بني المختار يا عين فجودي واسكبي أدمعك اليوم غزارا ، ويا قلب لآل المرتضى ويحك فاسعدني أوارا ، فعليهم عدد الرمل سلام ليس يحصى وثناء لا يُجارى .

* * *

هو السيد باقر ابن السيد هادي ابن السيد ميرزا صالح ابن السيد مهدي القزويني . ودوحة آل القزويني كل أغصانها شعراء وعلماء وادباء فكلهم أهل فضل وأدب وكرم . أرسله والده مع اخوته في عنفوان صباه إلى النجف لتحصيل العلم وما كانوا يفارقونها إلا في شهور التعطيل ، وقد برع المترجم له فأتقن العلوم العربية بمدة وجيزة على جماعة من الأساتذة وكان آية في الذكاء مؤهلاً لنيل المقامات العالية التي بلغها أسلافه الكرام ، وجلّ ما حصل عليه من الأدب هو من عمه السيد أحمد وعم أبيه السيد محمد ، ولما اقترن بإحدى كرائم خاله السيد موسى بن جعفر عقدت له مهرجانات أدبية ألقت فيها القصائد والتهاني .

ولد في ربيع الاول سنة 1304 وتوفي في جمادى الثانية سنة 1333 . قال عنه أخوه العلامة السيد مهدي القزويني في مقدمة ديوانه المخطوط الذي سماه بـ اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم ـ كان عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، حديد الذهن جيد الفهم ، حلو التعبير وسل مَن به خبير : له منظومة في الصرف محلاة بأحلى بيان ، ومتن مختصر في المعاني والبيان ومنظومة في نسبه الشريف . قال الشاب البحاثة السيد جودت القزويني : وقفت على نسخة بالية طمست أكثر أوراقها من منظومته في الصرف وهي تنيف على 500 بيتً ، أولها :

 قال فقير الزاد للمعاد      محمد الباقر نجل الهادي

ادب الطف ـ الجزء الثامن 271

ومن مؤلفاته مجموع في (الأدعية والاحراز) جمع فيه ما رواه عن مشايخه في الحديث والاجازة وعلى رأسهم عمّ والده أبو المعز السعيد محمد القزويني وجدّه الميرزا صالح القزويني ، ويروي عنه بواسطة :

أوله : قد جمعت في هذه الأوراق صور أدعية واحراز وبعض الأخبار المروية جميعاً عن أهل بيت العصمة الواصلة إليّ إجازة روايتها وقراءتها حذراً على شموسها من الافول وإشفاقاً على أوراقها من الذبول .

أخبرني السيد جودت القزويني أن نسخة الأصل عند السيد عبد الحميد القزويني التي أضاف اليها ما استجدّ له من الاحراز ، قال رأيته في مكتبته في قضاء (طويريج) وله أرجوزة في المنطق لم يعثر عليها ، أما ديوانه الذي ينيف على الألف وخمسمائة بيت في أغراض مختلفة فتوجد نسخة منه أو أكثر في مكتبات آل القزويني ، فمن نتفه ونوادره قوله في العتاب متضمناً قاعدة منطقية :

 أمن المـروءة أن تبيظتح لعاذل     وصلا وتهجر مدنفاً مشتـاق ا

خلفتني بجفاك (مفهوم) الضنى     وغدا فؤادي للجوى (مصداقا)

وقال متضمناً قاعدة اصولية :

وآعد  بالوصل إذ iiتحقق      أني بطول الهوى مطوق
فـقمتُ  بالانتظار iiحولا      لـعلّ باب الوفاء iiيطرق
تـعبداً  بالدليل ii(صرفا)      لأن  لفظ الدليل ii(مطلق)

وله في الجناس :

 وشـادن قـلـت لـه     صلني ، فلمـا وصـلا

لم يُبق ، لي لا والهوى     بالوصل صومٌ (وصلا)

ومن ثنائياته قوله :

 السيف قد ينبو ـ أخا المجد ـ والـ     جواد قد يكبو ، وقد يعثر

والمـاجـد الحـبـر إذا زلـّت الـ     أقدام في صاحبـه يعـذر

ادب الطف ـ الجزء الثامن 272

وله :

 لما رأى نار وجدي     قد أضرمتها شجوني

أباح رشـف لمـاه     وقال (يا نار كوني)

ومن طرائفه قوله مشطرا :

(يـقول  أنـا الكبير iiفوقروني)      وأكـبر  مـنه جـثمان iiالبعير
أكـلّ  كـبير جـسم iiعـظموه      (ألا ثـكلتك أمـك مـن iiكبير)
(إذا  لـم تأت يوم الروع iiنفعاً)      ولا فـي الـسلم تسمح iiباليسير
ولا تـسـمو بـعلم أو iiبـخلق      (فما فضل الكبير على الصغير)

وقال مخمساً ، والاصل لبعض الادباء :

 عاشرت أبناء الورى فهجرتهم     وبلوت جلّ قبيلتي فعرفتهم

فغدوت منفرداً وقـد نـاديتهم     يا إخوة جرّبتهـم فوجدتهم

من إخوة الأيام لا من إخوتي

فاخترت من حسن التجنب عنهم     ما لو سئلت لكنت أجهل مَن هم

هيهات أطمـع بعـد ذلك فيهـم     فلأنفضـنّ يـديّ يـأساً منهم

نفض الأنامل من تراب الميت

ومن نوادره ما رسمه بخطه قائلاً : تطرق ديارنا تصوير سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين معكوساً عما وجد في خزائن اليونان ، مصوراً بالقلم في ماضي الأزمان ، فأمر عمي السيد محمد(1) سلمه الله جمعاً من الادباء بأن ينظم كل بيتين . وبعد أن نظم هو حرسه الله ، أمرني وأمر ابن عمي السيد محسن بأن ينظم كلانا ، فخدمنا تلك الحضرة إذ امتثلنا أمره ، والذي يحضرني منها بيتاه ـ حفظه الله وهي هذه :

(1) هو أبو المعز السيد محمد القزويني المتوفى 1335 هـ .

ادب الطف ـ الجزء الثامن 273

هو تمثال حيدر الطهر فأعجب     ليدٍ صوّرت له تمثالا

زره وألثمـه واستلمـه وعظّم     شكل تمثاله تنل آمالا

وبيتاي هما :

 قيل لي في مثال حيدر شرّف     نور عينيـك إنـه نبـراس

قلتُ عن ضمّه العوالم ضاقت     عجباً كيف ضمه القرطاس

وتقدم في هذا الكتاب بيتان للشيخ يعقوب النجفي المتوفى 1329 حول هذا التصوير المقدس .

ومن شعره في الغزل :

كـم  تـمنيت والمحال قريني      أن  يكون الحبيب طوع iiيميني
كـم تحدثت باسم ليلى iiشجوناً      وهو القصد في حديث شجوني
مـا تـخيلت أن فـيه iiشبابي      يـنقضي بـين زفـرة iiوأنين
فـلي الله مـن قـتيل لـحاظ      مـن  عـيون فـديتها iiبعيونِ

وله :

ضـاقت  عليَّ مساكن البلد      مـذ بـان عني منية iiالكبد
أحـبيب بعدك لم أجل iiأبداً      عـينيّ  من وجد على iiأحد
مـا كـنت أعلم قبل iiبينكم      أن النوى يوهي قوى جلدي
هـل  لي بأوباتٍ أفوز iiبها      مـنكم  وابذل جلّ ما iiبيدي

وأرسل كتاباً إلى والده الهادي من النجف عن لسانه ولسان إخوته يستعطفونه فيه بزيادة رواتبهم التي خصصها لهم في كل شهر ، أثناء دراستهم وذلك سنة 1325 نثبت قدر الحاجة منه : أدام الله مولانا وحرسه وحفظ ذلك الغصن الذي أثمر العز مذ غرسه وجعله مفتاحاً لكل فضل ارتجت أبوابه ومصباحاً تستضيء به أرباب العلم وطلابه ، أي ومننك السابقة وأياديك اللاحقة لأنت الذي لبست للندى غلالته والله أعلم حيث يجعل رسالته ، نعوذ

ادب الطف ـ الجزء الثامن 274

بك من إفلاس صال علينا بجنوده ، وفاجأنا بعدته وعديده ، يبتغي قتل كل مغسر ويرتّل ربي يسر ولا تعسر ، فتحصّن منه مَن تحصن وما لنا حصن سواك ، وتطامن للذل من تطامن وكيف يتطامن مَن يؤمل جدواك :

 وأنت لنا درع حصين وصارم     بهن على الدهر الشديد نصول

ونلقى جيوش العدم فيك فتنثني     رماح لها مفلـولة ونصـول

فيا بقيت يا جمّ المناقب وزعيم العز من آل غالب منهلاً للوارد ومنتجعاً للوافد ، ترشد بهداك الساري وتكسو بفيض أناملك العاري ، فوفر أرزاقنا بما أنت أهله فإنك فرع الكرم وأصله ، فإنا لا نرجو بعد الله سواك ولا نقبل إكرام كل مكرم إلاك ، ولك الفضل أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً :

وارع لغرس أنت أنهضته     لولاك ما قارب أن ينهضا

وقد صدر هذه السالة بقصيدة طويلة مدرجة في ديوانه المخطوط . وهذه قطعة من شعره الذي أبّن فيه عمّ والده وهو السيد حسين ابن السيد مهدي قدس سره :

اعـاتب  دهراً ليس يصغي iiلعاتب      بـجيش  الـمنايا لا يزال iiمحاربي
اعـاتب  دهـراً جبّ غارب iiهاشم      وغـالب غـلباً مـن نزار iiوغالب
ولـفّ  لـواء مـن لويٍّ ونال iiمن      قصيّ  العلا أقصى المنى iiوالمآرب
وغـار عـلى بيت المكارم والهدى      فـأرداه مـا بـين النوى iiوالنوائب
وأفـجع فـي فـقد الحسين iiمحمداً      وآل أبـيه خـير مـاش iiوراكـب
مـصائبنا  لـم تحص عداً وهونت      مـصيبتك  الـدهماء كل المصائب
نـعتك  الـسما يا بدرها نعي iiثاكل      إلى البلد القاصي بدمع السحائب
(1)
فـقدناك عـيشاً إن تـتابع جد iiبها      فـقدناك غـوثاً لـلامور الصعائب

(1) يشير إلى هطول الأمطار يوم وفاته .

ادب الطف ـ الجزء الثامن 275

الشيخ باقر حيدر

المتوفى 1333

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسين عليه السلام وهي من القصائد المطولة :

إن  لـم أكن باكياً يوم الحسين iiدما      لا والـهوى لم أكن أرعى له iiذمما
لا أشـكر الـعين إلا إن بكت iiبدم      أولا  فـياليتها تـشكو قذى iiوعمى
وأنـت يـا قلب إن لم تنتثر iiقطعاً      في أدمعي لم تكن في الحب منتظما
إن كـنت مرتضعاً من حبّ iiفاطمة      لا  تترك الدمع من أحشاك iiمنفطما
فـقد  جـرت لـحسين دمعها iiبدم      فجارها  في البكا وابك الحسين iiدما
ونـكبة زلزلت في الارض iiساكنها      وأوقـفت  في السما أفلاكها iiعظما
تنسي الحوادث في الدنيا إذا iiقَدُمت      وحـادث الطف لا يُنسى وإن iiقدما
يـا  بن النبي الذي في نور iiطلعته      زان  الـهدى وأزال الظلم iiوالظلما
أصـات  ناعيك في الدنيا iiفأوقرها      مـسامعاً  واشتكت أسماعها iiصمما
قد  جلّ رزؤك حتى ليس يعظم iiلي      في  الدهر من بعد رزءٌ وإن iiعظما
لـك الـفرات أبـاح الله iiمـورده      فـفيم تـصدر عـنه ظـامياً iiولما
إن  كـال قـيل ولا ذنب أتيت iiبه      فـما  لـطفلك مـنه لـم يبلّ ظما

الشيخ باقر حيدر هو ابن الشيخ علي بن حيدر ولد في النجف ونشأ على الفضيلة واشتغل بطلب العلم الديني ورحل إلى سوق الشيوخ وهذه المنطقة تدين

ادب الطف ـ الجزء الثامن 276

بالولاء لهذا البيت ، فكان المترجم له موضع تقدير واحترام من كافة الطبقات . ترجم له صاحب الحصون ، وفي الطليعة : كان فاضلاً مشاركاً مصنفاً هاجر من بلده سوق الشيوخ إلى النجف فحضر على علمائها ثم هاجر إلى سامراء فحضر على السيد ميرزا حسن الشيرازي ثم عاد إلى النجف بعد وفاة السيد الشيرازي ثم عاد إلى محله واستقلّ بالزعامة وكان أديباً له مطارحات مع بعض الشعراء وله مراث للائمة الأطهار ، ومن آثاره حاشية على القوانين في مجلدين ، وتقريرات استاذه الشيرازي ومنظومة في الأصول . توفي في سوق الشيوخ سنة 1333 ونقل نعشه إلى النجف الأشرف وأعقب ثلاثة أولادهم ، الشيخ جعفر ، والشيخ محمد حسن والشيخ صادق ، وللمترجم له ديوان شعر يحوي فنون النظم وهذا نموذج من نظمه . مرثية للشهيد الحسين عليه السلام وهذا المقطع الأول منها .

سرى البرق يحدو المثقلات من الوطف      فـأقلت عـزاليها وخـفّت على iiالطف
ولـو  أن مـاء الـعين يشفي iiربوعها      بـكيت دمـاً لـكنّ دمـعي لا iiيـشفي
فـلـله مـا ضـمته أكـناف iiكـربلا      مـن  الـجود والمجد المؤثل iiوالعرف
لـقد حـسد الـمسك الـفتيت تـرابها      فما  مثله الداري من المسك في iiالعرف
فـلهفي لـقوم صـرعوا في iiعراصها      عـطاشى  على الشاطي وقلّ لهم iiلهفي
بـها أرخـصوا الأرواح وهي iiعزيزة      فـدىً لـهم روحـي ومـا ملكت iiكفي
فـما  تـضرب الـهامات إلا iiتنصّفت      وخـير  الـظبا ما يقسم الهام iiبالنصف
بـأيمانهم  يـستأنس الـسيف في iiاللقا      كـما فـي التلاقي يأنس الالف iiبالالف

ادب الطف ـ الجزء الثامن 277

الشيخ طاهر السوداني

المتوفى 1333

هـلّ الـمحرم فـاستهل iiبـكائي      فـيه  لـمصرع سـيد iiالـشهداء
مـاعدت يـا عاشور غلا عاد iiلي      كـمدي  وهـجتَ لواعج iiالبرحاء
لهفي على تلك الجسوم على الثرى      تـصلى بـحرّ حـرارة الرمضاء
أسـفاً  عـلى تـلك الوجوه iiكأنها      الأقـمار قـد تُـربِّن في iiالبوغاء
مـن كـل وضـاح الجبين iiلهاشم      يُـنمى لـرأس الـفخر والـعلياء

الشيخ طاهر ابن الشيخ حسن أديب معروف وعالم فاضل ، ولد في النجف 1260 ونشأ بها ودرس عند الشيخ حسن المامقاني وكانت عشيرة السودان في لواء ميسان تعتز به وتفتخر بعلمه وأدبه ، وكان ولده الشاعر الشهير الشيخ كاظم يتحدث عن شعر أبيه وعن ديوانه الذي يضم أكثر من ستة آلاف بيت غير أنه فقد في بعض أسفاره ولم يبق لديه إلا سبع قصائد في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ، وللمترجم له شهرة أدبية . توفي في ميسان سنة 1333 هـ ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في وادي السلام ، ذكره الشيخ النقدي في (الروض النضير) فقال : كان من أهل الفضل والأدب ، جميل اللفظ حسن المحاورة بديهي النظم وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وروى جملة من أشعاره من رثاء وغزل ومراسلات .

أقول ورأيت في مخطوطة بمكتبة (حسينية الشوشترية) رقم 132 خزانة 131 جملة من المراثي الحسينية من نظم الشاعر المترجم له وهذه أوائل القصائد :

1 أمـن دمـنتي نجران عيناك iiتهمل      لـك  الـخير لا يذهب بحلمك iiمنزل
2 فـيا ثـاوياً والـذل لـم يلو iiجيده      وردت  الـردى كالشهد عذب iiالوارد
3 لا غـمـضت هـاشـم iiأجـفانها      إن  لــم تـسل بـالطعن iiإنـسانها
4 اليك الوغى يابن الوغى تعلن الندبا      فـلبّ  الـندا مـنها فيا خير مَن لبّى

ادب الطف ـ الجزء الثامن 278

الشيخ جواد الحلي

المتوفى 1334

من شامخات المجد دك رعانها     خطب أطاش من الورى أذهانها

ومنها :

مــا  آمـنت بالله لـمحة iiنـاظر      مــذ خـالفته وحـالفت iiأوثـانها
ودعـت  لـبيعتها ابن مَن iiبحسامه      لـلـه أذعـنت الـورى iiإذعـانها
مـن  مـعشر لـهم العلى iiووليدهم      يـسقى  غـداة رضـاعه iiألـبانها
لـهم الـفواضل والـفضائل iiناطق      فـيـها الـكتاب مـفصّل iiتـبيانها
في هل أتى جاءت نصوص مديحهم      مـا  كـان أوضـح للمريب iiبيانها
وبـآية  الـتطهير مـحكم iiذكـرها      قـد  خـصها شـرفاً وأعلى iiشانها
يـا  مـا أجـلّ مكانها بذرى العلى      بـذرى  الـعلى يـا ما أجلّ مكانها
فـسـرى لـحربهم بـأكرم iiفـتية      يـذكي  لـهيب سـيوفهم iiنـيرانها
مـرهوبة السطوات إن هي iiجردت      بـيض  الـسيوف وكسّرت أجفانها
كـرهوا الـحياة على الهوان iiوإنما      يـتصعب الـشهم الأبـيّ iiهـوانها
فـجلوا دجـى الهيجاء بالغرر iiالتي      قـد عـلّمت شمس الضحى iiلمعانها
بـأبي الاولـى قد عانقوا أسل iiالقنا      والـبيض حـتى وزعـت iiجثمانها
وثـوت كـما يهوى الحفاظ iiلأنفس      دون الـهدى قـد فـارقت أبـدانها
نـهبت جـسومهم الـصفاح iiومنهم      تـخذت رؤوسـهم الـقنا iiتـيجانها

ادب الطف ـ الجزء الثامن 279

وفي آخرها :

ما بال اسد نزار وهي إذا iiسطت      تخشى  الأسود ضرابها iiوطعانها
رقـدت ومـا ثارت إلى iiثاراتها      بـالخيل تـحمل للوغي فرسانها
لا  أدركت بشبا القواضب iiمطلباً      في المجد إن هي حاولت سلوانها
لـم  يغنها عن قرع واتر iiمجدها      بـالبيض قـرع بـنانها iiأسنانها
ألويّ  دونك فالبسي حلل iiالجوى      وبـفيض دمعك فاصبغي iiأردانها
هـذا أبـو الـسجاد غير iiمشيع      بـثرى الطفوف مصافحاً iiكثبانها

الشيخ جواد ابن الشيخ عبد علي ترجم له اليعقوبي في (البابليات) فقال : سمعت من جماعة من شيوخ الحلة ان هذا الشاعر انحدر من اصل فارسي وإنما استوطن أجداده الحلة قبل قرنين أو أكثر وكانت ولادة المترجم له ونشأته في الحلة ، وحين رأى أبوه استعداده ورغبته بالعلم والأدب أرسله إلى النجف وهو ابن خمس عشرة سنة من اجل طلب العلم الديني فسكن مدرسة (المهدية) قرب مسجد الطوسي ومكث فيها مدة حياته الدراسية فحظي بقسط وافر من الفضل والأدب ثم هو يتردد على مسقط رأسه الحلة حتى إذا كانت سنة 1334 قدم الفيحاء جرياً على عادته وعداته فمرض ولازم الفراش وتوفي آخر ذي الحجة من السنة المذكورة وحمل جثمانه إلى النج الأشرف ، وعمره يوم وفاته يقارب الخمسين سنة .

كان المترجم له ناظما مكثراً جمع ديوان شعره في حياته وصار الديوان في حيازة أخيه الشيخ كاظم ، وله قطعة يهنئ بها العلامة الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء بزفاف ولده الشيخ محمد رضا ، وقصيدة يتوسل فيها بالنبي وآله أولها :

 أبيتُ ونار الوجد ملء الحيازم     أكفكف من فيض الدموع السواجم

تسـاررني أفعـى الهموم بناقع     من السم تخشى منه رقش الأراقم

ادب الطف ـ الجزء الثامن 280

وله اخرى لامية في التهنئة أيضاً رواها الخاقاني في (شعراء الحلة) .

وترجم له هناك فقال : كانت له صحبة وعلاقة مع الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام وبينهما مساجلات شعرية ، والمترجم له كان لبقاً سريع الجواب قوي البديهة قال الخطيب قسام : كنت احتفظ له بمجموعة من الشعر أكثرها في مراثي الامام الحسين ، وكان قصير القامة نحيف البدن خفيف العارضين .

ذكره صاحب (الحصون المنيعة) في كتابه (سمير الحاضر) وروى له طائفة من أشعاره في مختلف المناسبات ، وهذه إحدى روائعه :

كم تغاضيك على الجور احتمالا      ولـقد  هـدّ تـغاضيك iiالجبالا
أيـها  الغائب كم تشكو iiالورى      لـك مـن طول تخفّيك اعتلالا
قـطعت  أكـبادها الشكوى iiأما      آن  أن تـمنحها مـنك iiوصالا
أتـرى  الأرض عليك iiاتسعت      وعـليها  ضـاقت الدنيا iiمجالا
أيـن  عنها لك قد طاب iiالثوى      ولـماذا دونـك الـمقدار iiحالا
كـل  يـوم لـك مـنها iiألسنٌ      بـفنون الـعتب ينشرن iiالمقالا
كـلما  زادتـك عتباً في iiالنوى      زدتـها فـي وَعدِ لقياك iiمطالا
هـل لـلقياك لـها مـن منهج      كـيف عـلّمها لـلقياك iiاحتيالا
أو  مـا ترنو إلى صبح iiالهدى      فـوقه امـتدّ دجى الغيّ iiوطالا
لـك كـم ضجّ الهدى يا iiغوثه      وشـكا الـدين الحنيفيّ iiانتحالا
يـستغيثان إلـى عـدلك iiمـن      أهـل  جور فيهما ساؤوا iiفعالا
يـسـتثيرانك فــي ثـارهما      ومـن الـضرّ يـبثانك iiحـالا
صـرخا  عن لوعة iiواستنهضا      خـير نـدب ثـبتا فيه iiاعتدالا
أو مـا يـنهضك الـعزم iiالذي      نـاره  أذكى من الجمر iiاشتعالا
هـل أبى سيفُك في يوم iiالوغى      والـقنا الـخطيّ سألا iiواعتقالا

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث